مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
صفحة 1 من اصل 1
مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال حرب اكتوبر
رائد طيار : مدحت المليجي.........هذا الطيار هو السبب الرئيسي في كتابه هذه القصه ، ففي البدايه قرأت قصته في الحرب عبر سطرين او ثلاث فقط في كتاب ((ذئب في قرص الشمس)) للكاتب محمد عبد المنعم ، ثم قرأت قصته مرة اخري في كتاب (( ضباط يونيو يتكلمون )) للكاتب عصام دراز والذي روي قصته هو العميد تحسين ذكي قائده السابق.
أظهرت لي قصه هذا الطيار البطل وغيرة من الطيارين المنسيين ، أن هنالك قدرا كبيرا جدا من البطولات والتضحيات المنسيه والتي يجب ان ُيسلط عليها الضوء لتنير الطريق للجيل الحالي والتالي والذي يليه .
فبدون أشعاع تلك البطولات ، لن يري هذا الجيل أملا في الخروج من النفق المظلم الذي يغلف المستقبل .
فبدأت رحله بحث مكثفه بحثا عن قصصا أخري لابطال أخرين ، ووجدت سطورا قليله لبطولات رائعه ، سطورا قليله عن تضحيات أحتاجت الي أعوام لكي تنمو وتنضج داخل الشاب منهم حتي تصل به في الذروة الي عدم التفكير في عواقب افعاله وتصبح التضحيه امرا حتميا ، فمثلا الطيار سمير عثمان ، أقلع بطائرته من مطار المليز وهو تحت الضرب الجوي من العدو وجزء كبير من الممر مدمر ، وفي ظل سيطرة جويه كامله أشتبك معهم، فبماذا كان يفكر سمير وقتها ؟؟؟ هل كان يفكر في الزواج وتكوين أسرة ؟؟ ام كان يفكر في والديه الذين يحتاجونه ؟؟؟ أم ماذا؟؟؟؟ أم انه يفكر في الدفاع المستحيل عن مطارة وسط العشرات من طائرات العدو .
سؤال شغل عقلي كثيرا حتي توصلت الي ان الطيار سمير عثمان لم يكن يفكر مطلقا ، أنما كان يفعل ما كان عليه فعله طبقا لجذور الانتماء والايمان والشجاعه وحب الوطن التي غرسها فيه والديه ومدرسيه ورئيس جمهوريته منذ سنين والتي طرحت تفاني وبطوله لا نهائيه، فطبقا لكل ذلك فقد تصرف بدون تفكير في ذاته ، ورغم كثرة طائرات العدو الا انه لم يجبن أو يتردد أنما أشتبك مقاتلا مدافعا عن مطارة ، لكن المحتوم وقع وجاءته الشهاده تطلبه لتزفه الي السماء كأطهر وأنبل ما يكون .
الا يستحق هذا الشاب ذو الواحد وعشرين عاما فقط لقب بطل ؟؟ والا يستحق البطل ان يتذكرة الناس ؟؟؟
لكن اين قصه سمير عثمان في المؤلفات العربيه ؟؟؟ أين قصته في الدراما العربيه ؟؟؟ ام ان البطوله أيضا أصبحت تقاس بالعائد التجاري فقط ؟
ام ان تعريف البطل الان أصبح لا يتعدي مجال الفن والرياضه ، فأصبح لاعب الكرة بطلا لانه احرز هدفا ، حصد معه الالاف بل ملايين الجنيهات وانتزع حب الجماهير ، او ان البطل هو ذلك المغني او تلك الراقصه التي تركت بلادها تحت القصف الاسرائيلي لتقوم بعمليه تجميل في الخارج ؟؟
من الذي تعلق صورته علي حوائط غرف الشباب الان ؟؟؟
أهو البطل الذي قدم حياته فداء للوطن ولكي نعيش الان كما نعيش في سلام وكرامه ؟؟؟؟
أم لاعب الكرة او المغني او الممثل الذين يحصدون الملايين من الجنيهات ولا يقدمون لنا قدوة حقيقيه ؟؟
الاجابه طبعا معروفه !!!!! لكن لماذا الاجابه معروفه
لان هؤلاء الابطال الحقيقيين لم يأخذوا حقهم الاعلامي والادبي والشعبي كما يجب ، فكان مصيرهم في احد صفحات تاريخ مصر المهمله ، ومع تراكم الغبارعلي تلك الصفحات مع مرور الزمن ، أختفت القصص وتاهت الاسماء واندثرت البطولات وأدي ذلك لان ينمو جيل جديد من الشباب لا يعرف شيئا عن تلك الملاحم والبطولات ، أقصي معلوماته عن الحرب هي عدد من الافلام الرديئه الصنع التي تذاع في ذكري حرب اكتوبر بأستمرار جعل المشاهيدن يغزفون عن مشاهدتها، تلك الافلام هي كل ما يعرفه الجيل الحالي عن الحرب ، فليس عيبهم انهم لم يجدوا من يسرد لهم الملاحم والقصص البطوليه التي تشبع رغبات الانتماء وحب الوطن في وجدانهم ، كان ذلك خطأ مصر عبر تلك الاعوام والتي خسرت بسببه ذكريات جميله وطاهرة لجيل حارب وأستشهد في شرف وكبرياء وصمت .
وعندما حاول الشباب الاستقصاء عن تلك البطولات وعن حروب مصر عن طريق الانترنت ، وقعت الكارثه الفعليه فكل مواقع الانترنت التي تتناول حرب اكتوبر تتبني اتجاه واحد فقط .
الا وهو ان مصر وسوريا قد ُهزمتا من أسرائيل ، وعلي احسن تقدير فبعض المواقع تشير الي التعادل في القتال مما يعني ضياع حرب أكتوبر ونتائجها وانجازتها بدون رجعه ، حتي الاسم المقدس لنا ((حرب اكتوبر)) أصبح بأسم يوم كيبور وهو الاسم العبري للحرب .
ضع نفسك مكان اي شاب ممن يدرسون اليوم في الثانوي او الجامعه ، وابحث عن مواقع عن حرب اكتوبر بالانترنت فماذا ستجد ؟
ستجد مئات المواقع التي تتكلم عن الحرب من وجهه النظر الاسرائيليه فقط وان المصريين قد هزموا وأن الجيش الاسرائيلي كاد يُسقط القاهرة...... الخ الخ .
اما الطريف جدا فكان موقع القوات الجويه الاسرائيليه علي الانترنت والذي أسقط من حساباته يوم 14 أكتوبر 1973، وهو يوم معركه المنصورة الجويه أقوي معركه جويه في التاريخ المصري الاسرائيلي ، بل اقوي معركه جويه في التاريخ الحديث، والتي أستمرت 53 دقيقه ، تحت قياده النسر الاول اللواء حسني مبارك ، ورغم ان زمن المعركه الجويه لا يتعدي دقيقتين ، فقد قام طيارونا بالمستحيل نفسه وضربوا الارقام القياسيه العالميه الواحد تلو الاخر ، وكنتيجه للسيطرة الاعلاميه الصهيونيه ، تم خدف تلك المعركه من تاريخنا ، رغم انها تستحق عشرات الافلام الروائيه .
وفي نفس الوقت تجد المواقع المصريه /العربيه التي تتناول الحرب تعاني من ضعف كامل في عرض المعلومات بصورة شيقه ووجود صور وخرائط ، وفي النهايه تكون المحصله ان الشاب يتجه لاكثر المواقع تشويقا وعرضا وتوضيحا ، ويكون الفخ انه موقع صهيوني بكل ما فيه من بث لمعلومات خاطئه وتاريخ مغاير لما حدث .
ولذلك فأقدم للشاب المصري والعربي قصه السرب 77 قتال محاولا سد فراغ هام جدا من تاريخ مصر لم يتم تناوله من قبل وموضحا كم البطولات التي قدمها الطيارين المصريين أثناء النكسه وما بعدها حتي تحقق النصر في اكتوبر 1973 فهذا النصر لم يكن وليد صدفه او جهد عادي من التدريب ، لا لكنه نتاج ست سنوات من التدريب فوق العادي والذي ُدمج مع القتال الجوي مع عدو متفوق كما ونوعا وله كل الافضليه ، ليخرج في النهايه طياروا مصر من النفق المظلم الي نور الانتصار العظيم .
وعندما قررت نقل تلك البطولات الي صفحات الكتب ، عملت جاهدا علي عدد كبير من المراجع الرسميه وعدد اخر من المؤلفات وعدد كبير من مواقع الانترنت لكي تكون الصورة المكتوبه علي الورق أقرب ما تكون لما حدث فعليا علي الطبيعه ، وبنفس التواريخ والتوقيتات ، للوصول الي سرد البطوله كما حدثت بالضبط
إن السرب 77 قتال هو شخصيه اعتباريه وهميه دعت الضرورة الي وجوده لكي يحتضن عددا من الطيارين أشتركوا في عدد كبير من المواقف المختلفه في انحاء متفرقه من الجبهه.
وسيجد القارئ انني وضعت خطا سميكا تحت كل أسم طيار حقيقي شارك في صياغه احداث القصه فعليا تمجيدا لاسمه وبطولته ومشاركته في تلك المعارك ، وكنت أود أن أشير الي كل بطولات الطيارين لكن وكما اوضحت في البدايه ، فأن المعلومات قليله والمراجع نادرة لتلك الفترة .
ارجو من الله ان يعرف القارئ بعد الانتهاء من القصه مقدار البطوله والتضحيه والفداء الذي قدمه طياروا مصر أثناء وبعد النكسه حتي نصر أكتوبر لنرد لهم دين في عنقنا .
الجزء الاول
الفصل الاول : الاستدعاء
القاهرة: الرابع عشر من مايو 1967 عصرا
رغم الهدوء الذي لف شوارع القاهرة جراء موجه الحر الشديد الذي تتعرض له مصر ، ورغم أن جميع الشوارع قد خلت تقريبا من الماره الذين اثروا الاحتماء من قيظ الشمس والراحه في منازلهم ، الا ان منزل الحاج أحمد الشاذلي كان كخليه نحل لا تهدأ ، فلم يكن اليوم عاديا للأسرة ، فقد عاد الابن الاصغر ، الملازم اول طيار عمر في أجازته الاولي بعد ان تم نقله الي قاعدة العريش الجويه ، وقد أصرت الحاجه علي أن تعد وليمه كبيرة علي شرف ابنها ((حضرة الضابط)) والذي تفتخر به كل الفخر وسط العائله والجيران ولا يكاد حديث لها يخلو من ذكر حضرة الضابط ، هذه الوليمه كلفت الحاج أحمد قدرا كبيرا من مرتبه المتواضع وأربكت حساباته ، لكنه في نفس الوقت وبخبرة الرجل المتزوج أيقن انه لا مجال لمعارضه رأي زوجته في أي شئ يخص(( حضرة الضابط عمر)) وخاصه ان الحاجه تستعد لهذه الوليمه منذ أسبوع تقريبا ، وخلال هذا الاسبوع تحولت الوليمه من مجرد غذاء فاخر لحضرة الضابط الي عزومه كبيره تشمل أختيه الاكبر منه وأزواجهما وبالطبع لن تثتني ناديه خطيبه عمر من هذه العزومه ،وتضخمت ميزانيه الوليمه لتبتلع جنيهين كاملين من ميزانيه البيت .
ومنذ الصباح الباكر تعقد الحاجه وبنتيها مؤتمرا موسعا في المطبخ لتجهيز أصناف المحشي الوجبه المفضله لعمر كذلك عدد من أزواج الحمام المحشي وذكر بط محترم ، بجانب اطباق الخضار والسلطه المختلفه
وصل عمر صباحا وأستطاع انتزاع نفسه بأعجوبه من أحضان الحاجه لينال قسطا من الراحه هو في امس الحاجه لها بعد رحله متعبه ، وتوافد وصول المدعوين خلال فترة العصر ، فقد عاد الاب وأزواج بناته أحمد و علي من اعمالهم علي فترات متقاربه .
تلتهم في الوصول ناديه التي جذبت نظرات الاعجاب من الرجال باناقتها البالغه الغير متكلفه وجمالها الشديد الهادئ وفستانها البديع الذي كشف عن سيقانها ، الا أن نظرات الحاجه وبناتها الحاده لرجالهم حملت تهديد بعقاب شديد لاحق جعل جميع الرجال يغضون أبصارهم عن ناديه .
خرج عمر من غرفته وقد أرتدي قميصا وبنطلونا منزليا أظهرا وسامته الكامله وتناسق جسدة الرياضي الرائع
ووسط ترحيب الرجال الحار به ومن بين أحضان والدة ، لم تتحرك عينيه من علي ناديه ، هذه الفتاه الفائقه الحسن التي تقف علي بعد خطوات تنتظهر أن ترحب به .
لم يسمع كلمات مما قاله والدة او ازواج شقيقاته ، فقد كانت أذنيه وكل حواسه متسمرة مع ناديه ،وعندما حان دورها في الترحيب به ، وجد أمامه كل عقبات الدنيا تسد عليه وعليها الطريق في ان يحتضنها ويطفئ لهيب شهرين من الفراق ، فتقدم خطوة منها وكادت يدة تعتصر يدها وهي ترحب بها ، لم تفارق عينيه عينيها وهي ترحب به ،
وأشتدت حرارة الجو بينهما من جراء المشاعر المشتعله داخل كل منهم ، وبدأت الابتسامات ترتسم علي وجوة الرجال بينما هامت زوجاتهم في هذا المشهد الرومانسي الصامت بين عمر وناديه، دام هذا المشهد الصامت ثوان معدودة قطعته الام بصرامه ، تأمر أبنها بان يخرج مع خطيبته الي الشرفه حتي يتم الانتهاء من اعداد الغذاء ، أستدارت ناديه تطلب من الحاجه أن تنضم لمساعدتهم في المطبخ لكن الحاجه ردت ضاحكه ()انتي عايزة حضرة الضابط يزعل مننا النهارده ولا ايه ؟؟ لا .. انت بقالك مدة مشفتيش عمر ، وأكيد في كلام كتير عايزين تقولوة )(
خرج العاشقين الي البلكونه تاركين السيدات يجهزون الغذاء بينما اشتبك بقيه الرجال في نقاش قوي حول دوري كرة القدم .
تلاقت عيون العشاق في البلكونه وتحدثت الالسن فترة أختفي فيها الزمن وتبدد الاحساس بالمكان ، ورغم المسافه التي بينهما الا ان اعينهم كانت تحتضن بعضهم البعض ، وأستسلمت عقبات التقاليد والعادات في منع اروحاهم من الاجتماع .
فجأه بدد أحمد زوج شقيقه عمر الكبرى هذا الجو الرائع عندما صاح من الداخل
(( عمر- ناديه ... الغدا جهز وأحنا ميتين من الجوع ، أبقوا كملوا حب بعد الغدا )) أحمر وجه ناديه خجلا من هذه المداعبه ، لكن يد عمر أمتدت لتمسك بيدها وقتها أحس الاثنين بتيار كهربائي يسري في كل خلايا جسدهم مما زاد من أحمرار وجهها.
زاد أحمد من مداعباته لهم وهو يري وجه ناديه يحمر خجلا في البلكونه واردف صائحا
((والنبي مش وقته ،أحنا علي لحم بطننا من الصبح ))
همس عمر لناديه مبتسما (( يالا بينا لحسن مش هيسيبونا في حالنا ،أنا عارفهم كويس )) ،
تجمعت العائله علي مائدة الغذاء وأحتل كل افرادها أماكنهم ، ووسط التعليقات علي هذه الوليمه الفاخرة التي لم تحدث منذ فترة كبيرة ، ووسط هذا الجو المرح لهذه الاسرة السعيدة ،تحول النقاش تجاة عمر وُسِئل عن العريش ، فقد كانت العريش مكانا نائيا لا يعرفه الكثير من المصريين ، وبدأ عمر في السرد عنها وعن أهلها من البدو وطبائعهم وعاداتهم الغريبه عليه
وقبل الانتهاء من الغذاء دق جرس التليفون وقام الاب للرد عليه ، ومن فوق منضدة معلق فوقها صورة كبيرة للرئيس جمال عبد الناصر ، رفع الاب سماعه التليفون، وصمت قليلا مستمعا للطرف الاخر ، ثم نادي علي عمر ، فقام عمر مسرعا تجاة التليفون والتقط السماعه من يد والدة ، كان الجميع يتحدث علي مائدة الغذاء ما عدا الحاجه التي تسمرت عينيها علي عمر .
وضع عمر السماعه علي أذنه وبعد التعارف مع محدثه أستمع عمر لثوان وردد عبارتين
(( تمام يا فندم – علي طول يافندم )) أدرك الجميع أن شيئا ما حدث ، فتوقف الحديث وتحول انتباة الجميع الي عمر ، الذي وضع السماعه ببطء ، وكانت الام اول المتسائلين
((خير ياعمر؟؟؟ )) تبعها الاب متسائلا (( فيه حاجه يا بني ؟؟؟))
رد عمر مبتسما أبتسامه مصطنعه وهو ينظر لناديه (( انا لازم اسافر دلوقت ))
كانت جملته كفيله ببث الفوضي، فبدأ الجميع في التحدث في وقت واحد كل يتساءل عن الداعي للسفر ، وأستشطات الام غضبا وتحولت لهجتها الي الحدة ((يا بني انت لحقت دا انت يا دوب لسه نازل اجازة ))
وتبادرت التعليقات من الجميع ، الا ان عيني عمر كانتا مع ناديه التي أكتسي وجهها لثانيه بالحزن سرعان ما مسحتها وتبسمت علي استحياء متقبله موقف يجب ان تتعود عليه بصفتها زوجه مستقبليه لضابط طيار وقته ليس ملكه بل ملك الوطن ويمكن استدعاؤة في اي وقت ، هكذا شرح لها عمر حياته المستقبليه قبل ان يطلب يدها للخطبه تحسبا الا تكون ناديه متقبله مثل هذا الموقف .
رغم علم عمر بان ابتسامتها مصطنعه الا ان مجرد أبتسامتها اراحته ، فأستدار نحو والدته مقبلا رأسها مرددا بسخريه (( ما انتي عارفه يا ست الكل إن أبنك راجل مهم دلوقتي ، والبلد متعرفش تمشي من غيري )) تبسمت الام مجامله لابنها وسئلت أخته الصغري (( هتسافر أمتي يا عمر ؟)) رد عمر (( المفروض اكون في مطار الماظه بعد ساعه )) فتدخل الاب (( خلاص غير هدومك انت عقبال ما أجهز انا كمان وانزل أوصلك )) أندفعت ناديه في الحوار مرددة (( وأنا جايه معاكم )) .
قامت الام مسرعه من كرسيها وقد تذكرت شيئا مهما (( هاحضر لك شنتطك ، ..... بس انا ملحقتش أغسل هدومك .... هتتصرف إزاي ؟؟ )) رد عمر (( مش مشكله يا حاجه انا هتصرف في العريش ))
دخل عمر لغرفته ليبدأ في تغيير ملابسه ، وأمام مرأة غرفته تمهل لثانيه ونظر لنفسه سارحا
(( ما هو شعور ناديه الان ، وهي تري مدى أهميتي ، وكأن ليس بالطيران طيار أخر غيري، وكأن البلد لا تستطيع ان تسير بدوني !!! ))
لكنه عاد و طرد هذا الهاجس المتعجرف المغرور من تفكيرة بسرعه ليعود لتغيير ملابسه وهو يفكر في الامر الهام جدا الذي يتطلب أستدعاؤة مرة اخري الي قاعدته ولماذا لم يصرح الضابط المتصل به عن سبب الاستدعاء ...............................
بعد دقائق تجمع أفراد الاسرة مرة اخري في الصاله حيث استعد الاب وناديه لمصاحبه عمر الي المطار ، بينما فرغت الام من أعادة محتويات حقيبه السفر لداخلها مرة اخري ، وملئت حقيبه أخري بأنواع مختلفه من الطعام
خرج عمر من غرفته وقد أرتدي بذلته الزرقاء اللون ، ربما رأته ناديه مرتين او ثلاث بنفس الزي لكن كل مرة يرفرف قلبها طربا من وسامه خطيبها في هذا الزي ، فهذه البدله لم تخلق الا لكي يلبسها عمر ....هكذا حدثت نفسها .
تحرك عمر سريعا مودعا عائلته وحمل الاب حقيبه أبنه مسرعا الي حيث سيارته تنتظر ، وداع سريع لا يعطي فرصه لإنفلات المشاعر هو ما يفضله عمر دائما خاصه مع والدته التي تنهمر دموعها فيضان كلما سافر عمر ، أسرع عمر خارجا من الشقه ممسكا بيد ناديه خلفه ، تاركا والدته تركض نحو الشرفه لتوديع ابنها ومن خلفها شقيقاته وازواجهم، ركب عمر في السيارة بجوار والدة ومن خلفهم ناديه وتحركت السيارة مسرعه تجاة ضاحيه مصر الجديدة حيث مطار الماظه ، مخلفين ورائهم نظرات الحاجه من البلكونه ،و بعد ثوان من الصمت تساءل الاب بجديه (( هو فيه ايه يا عمر ؟ دي أول مرة يستدعوك بالطريق دي )) رد عمر (( والله ما انا عارف يا والدي – بس أكيد مفيش حاجه مهمه ، ممكن تفتيش مفاجئ علينا أو فيه زيارة مهمه للمطار علشان كدة طلبوني )) كان عمر يطمئنهم لكنه كان يعلم انه يكذب ، فحتي في حاله التفتيش أو الزياره ،فأن الامر لا يستدعي الغاء أجازته ، فقد كان هو نفسه متحير لكنه اراد بس الطمأنينه في نفس ناديه في المقام الاول .
وصلت السيارة بعد دقائق قليله الي بوابه المطار ، حيث فوجئ عمر بعدد غير قليل من السيارات التي تقل الطيارين متوقفه امام بوابه المطار ، فتبارد في ذهنه استنتاج هام بان هنالك أمر مهم جدا ، فمن الواضح ان الاستدعاء يشمل جميع الطيارين الذين في أجازات وهو امر غريب لم يألفه .
فأستدار ضاحكا الي ناديه (( شوفتي يا سيتي ، أهو مش انا بس اللي أستدعوني )) حاولت ناديه التبسم لكن حزنها لفراق عمر غلب علي ملامح وجهها .
توقفت السيارة وهبط الجميع منها ، استدار الاب مسلما عمر حقائبه ، بينما تعلقت نظرات ناديه بعيني عمر والتي رأت فيهما القلق المختبئ وراء النظرات المطمئنه ، قًَبل الاب ولدة متمنيا له السلامه والتوفيق ، واستدار عمر وبدلا من أن يصافح يد ناديه الممدودة له كالعادة ، تقدم منها وأحتضن رأسها وطبع قبله عميقه علي رأسها ، هذا التصرف من عمر حطم دفاعتها وظهرت دموعها المحتجزة علي السطح سريعا
وهي تنظر اليه بلا أي قوة لقول أي شئ ، مسح بأصابعه دمعه تدحرجت علي خدها محمله ببعض المساحيق ونظر الي عينيها بعمق محاولا طمئنتها (( ليه الدموع دي ؟ كلها كام يوم وتلاقيني هنا تاني )) ثم صمت لثوان محدقا في عينيها ، ثم أستطرد (( لا اله الا الله )) ............ أستكمل الاب وناديه الشهادة ، واستدار عمر متجها لبوابه المطار وسرعان ما اختفي خلف الابواب الحديديه .
ومع دخول عمر اسوار المطار ، أنهارت ناديه وأرتمت في حضن الاب باكيه بشدة ، أحتضن الاب خطيبه ابنه ، وهو يعرف أن قلق الجميع له محل ، فوجوة الطيارين الداخلين للمطار قلقه ، كذلك أسرهم التي تودعهم .
في نفس الوقت تقريبا ... الاسكندريه .... شاطئ المعمورة
رغم عدم بدء موسم المصيف بعد ، الا ان شاطئ المعمورة لم يكن خاليا ، فقد شق عدد لا بأس به من الشباب والفتيات طريقهم الي حيث الرمال الساخنه والمياة الساحرة ، حيث لا يهمهم غير شئ واحد فقط الا وهو الاستمتاع بوقتهم لأقصي حد ممكن ، فمن المعروف ان شواطئ المعمورة كانت ولفترة طويله هي المصيف الرسمي الخاص بالطبقه المترفه من الشعب ، هذه الطبقه التي تشق طريقها تجاة البحر فور انتهاء الدراسه، وتلقي بهموم وأحزان عام مضي في قلب الامواج العاليه لتبتلعها الي الابد أو تدفنها في رمال الشواطئ ، لتعود بعد ذلك متجددة النشاط ممتلئه حماس لعام أخر مقبل
ورغم ان هذه الطبقه لم تكن تشكل أي نسبه من شعب مصر المكافح الصبور ، الا ان تأثير هذه الطبقه كان يمتد الي فئات أخري كثيرة ، فئات أصبحت تتمني أن تعيش ولو يوما علي البحر بمثل ما تعيش هذه الطبقه ، تعيش ويكون لها القدرة علي نسيان هموم أحزان عام مضي بل وتقبل علي عام أخر بلا قلق .
لذلك تجد الشباب والفتيات من ابناء هذه الطبقه المترفه يندفعون اندفاعا نحو التمتع بكل ما في المصيف من متع ولهو ولعب وتحرر بلا مبالاه ، فالفتيات بلباس البحر المثير تلهو علي الشاطئ وفي الماء وسط الشباب بلا أي قيود او عادات قد تمنع ذلك ، ولا مانع من ان تجد شاب وفتاة في عناق حار خلف أحد الاشجار .
ومن بين هذا الجو الممتع نجد شابا يستند علي احد الاشجار بلباس البحر لابسا نظارة شمس سوداء مستحيل أن تعرف من خلالها أين ينظر هذا الفتي ، أمسك الفتي بمجله يتصفحها بدون اي أكتراث لما يحدث علي الشاطئ من صخب وضحك ولعب ،
لفت انتباهه منظر فترك المجله لحظه ، شاب وفتاة يمشيان علي الشاطئ وقد تعلق كل منهما بيد الاخر في حب ، لم يكن بهذا المنظر ما يلفت انتباه أحدا اخرا لكن ظهرت ابتسامه سخريه علي وجهه عندما ميز هذه الفتاة ، أنها لبني صديقته السابقه والتي أمضي معها الصيف الماضي وكانا يمشيان علي نفس الشاطئ بنفس الطريقه التي تمشي بها لبني الان مع هذا الشاب ، هكذا هو الصيف في المعمورة ، فكل صيف يجد هو لنفسه فتاة يمضي معها اجازته الصيفيه التي لا تزيد عن شهر ، ثم يعود لعالمه وتعود هي لعالمها وتنتهي العلاقه أو الصداقه علي هذا الوضع ، فكر الفتي قليلا هل لبني رقم ثمانيه أو تسعه من بنات الصيف ، هكذا أحب أن يسميهم ، ربما تكون التاسعه لكن لابد له من العودة الي مفكرته التي يحتفظ فيها بكل بيانات الفتيات التي عرفهم ، لم تكن لبني متميزة بأي حال من الاحوال عن باقي الفتيات التي عرفهم من قبل ولن تكون أي فتاة متميزة عن اي فتاة أخري طالما ان العلاقه لن تخرج عن حدود الصداقه واللهو والذي لا يتعدي حدود معينه تبقيه حرا طليقا في دنيا العزوبيه ،اعاد الفتي النظر الي المجله محاولا التركيز في قصه لاجاثا كريستي دأب علي متابعه حلقاتها ،..........
بعد ثوان سمع صوتا من بعيد ينادي عليه ((هاي طارق........طارق )) أنتبه طارق الي صوت تلك الفتاة التي تنادي عليه من داخل المياة ، (( اه انها سوسن ياللمصيبه ماذا تريد هذه الفتاة )) هكذا ردد طارق في ذهنه متكدرا عندما لمح تلك الفتاة الرائعه الجمال الشقراء الشعر وهي تنادي عليه من داخل المياة تشير اليه بالدخول معها الي الماء ،مر شريط سريع من الذكريات علي مخيله طارق ، فهذه الفتاة الفائقه الجمال بها كل المواصفات التي تجعل من نصف رجال البلد تجري ورائها طالبه منها نظرة أو كلمه ،
فلديها من الجمال والمال ما يجعل لعاب الرجال يسيل ورائها، لقد أمضي طارق معها وقتا مميزا منذ ثلاث سنوات تقريبا وقتها كان قد تخرج من الكليه الجويه حديثا ، لكن تفكير الفتاة لم يتماشي معه ، فكل ما يشغل تفكيرها هو النادي والبحر وأصدقائها والسهر الخ الخ ..... لكن لا هدف حقيقي لها من الحياة الا العيش بالطول والعرض وإنفاق أكبر مبالغ ممكنه في اللهو والمتعه ، وليس لها صديق حقيقي إنما كل من حولها هم من جماعه المنتفعين بثروتها ونفوذ والداها ، فكل ما يريدونه هو الانتفاع منها ، وهي تعلم ذلك وصارحت طارق به ذات مرة ، وأخبرته بأنها معجبه بكل المنافقين الذين حولها والذين لا يقولون لها الا ما تريد أن تسمعه وأن تصرفاتها دائما هي الصواب ،أما هو فلديه ما يكفي من الاصدقاء الحقيقين الذين يهتمون به ويهتم هو بهم حقا فأثر الابتعاد عنها ، لكن الاثر الحقيقي الوحيد الذي ظل باقيا منها انها (( بنت جدعه، تجدها وقت الشدة ويمكن الاعتماد عليها )) وعلي هذا المستوي ظلت الصداقه بينهما ، وطالما حاولت هي ان تتقرب منه وتخيط حوله خيوطها ، لكنه كان متمسكا بالافلات منها .
مر هذا الشريط في مخيله طارق سريعا ثم أستجاب لندائها فخلع نظارته ووضعها بحرص فوق المجله وأسرع جاريا الي المياة الدافئه وغطس في الماء وبسرعه ومهاره وفي ثوان كان بجوارها حيث تقف بادرته صائحه (( إيه يا طارق منزلتش الميه ليه من بدري؟ ، الميه تجنن )) كان صوتها عذبا جدا في أذنه ، لكنه عاد وذكر نفسه بانها سوسن وهو يعلم انه قد فرض حظرا مع نفسه علي سوسن فممنوع الاقتراب منها الا لحد معين، ولابد الا يدع صوتها العذب يؤثر في دفاعاته.
رد طارق(( كنت بقرأ قصه لاجاثا كريستى وكنت ناوي أنزل بعد ما أخلصها )) ثم التفت حوله في الماء وتساءل (( إمال فين شلتك ؟)) ردت وهي تطوق بأحد ذراعيها عنقه (( هايوصلوا النهاردة بليل ....... انا بعت لهم عربيه بالسواق علشان يجيب مجموعه منهم والباقي هيوصل بالقطر))، لاحظ عمر إنها تحاول أن تلصق جسدها بجسدة ، حاول التملص لكنه لم يستطع .
وفجأة وبدون مقدمات صاحت في ذعر (( أمسكني يا طارق .. انا رجلي فيها شد )) وطوقت بكلتا زراعيها عنق طارق ، أرتبك طارق من ذلك التصرف المفاجئ منها ، فأمسك كتفيها بذراعيه القويتين محاولا إخراجها من الماء لكنها رفضت الخروج واخبرته بان الشد سيزول سريعا كل ما عليه أن يمسك بها ويقف ساكنا لثوان ، لم يكن طارق طفلا تنطلي عليه هذه الحركات لكنه شك للحظه أن يكون الشد حقيقيا فوقف ممسكا بها في الماء ، وفي لحظه وجد وجهه مواجها لوجهها وشفتيها تقتربان بسرعه من الامساك بشفتيه ، لم يرد طارق أن يكون أحد ضحايا سوسن وفي نفس الوقت بدأت مقاومته في الضعف امام جسدها الملاصق لجسدة وشفتاها المندفعتين نحو شفتاة بتصميم
أدار وجهه لثانيه متفاديا التصاق شفتيه بشفتيها ، ولوهله ظن أنه شاهد زينب الشغاله تقف علي الشاطئ ملوحه له ، كانت وقتها سوسن تحاول أن تدير وجهه تجاهها مرة اخري لتقبله ، مسح طارق عدة قطرات من الماء غطت عينيه ،
وبيد قويه أبعد سوسن عن وجهه وركز نظرة تجاة الشاطئ متسائلا (( البت زينب نزلت الشط وبتشاورعليا ليه ؟؟)) عاد اليه بصرة الحاد مخترقا الشباب والفتيات علي الشاطئ بصورة فتاة لا تتعدي الاثني عشر عاما ترتدي جلبابا مزركشرا وهي تشير بجديه حيث يقف طارق.
كل ما فكر فيه طارق وقتها ،أن والدته قد حدث لها مكروها ، فأنطلق سابحا تجاة الشاطئ بعد أن رمي سوسن من يدة بحركه لا أراديه ، لم تكن المسافه للشاطئ كبيرة لكنها أعطت طارق وقتا للتفكير ، فقد ترك والدته علي مائدة الافطار بصحه جيدة ، ولم تعاني من أي أزمات صحيه منذ فترة ، وقبل أن يضرب أخر ضربه للوصول للشاطئ كان قد قرر انه حتي لو كان امرا تافها الذي تريدة فيه البنت الشغاله فلابد من مكافأتها علي أنتزاعها له من حصار سوسن التي غطت بدورها نظرات التحدي عينيها عندما رأت طارق يخرج الي الشاطئ
أسرع طارق الي حيث تقف زينب وبلهفه سألها (( مالك يا بت ؟؟ ماما جرالها حاجه؟؟ ))
كان يبدو قلقا متوترا فأرتبكت البنت المسكينه وتلعثمت في الكلام ولم تقل شيئا يفهم
فهزها طارق من كتفيها (( قولي لي ايه اللي حصل ؟؟)) كانت البنت ترتبك أكثر كلما نظرت لطارق ، فهي تخافه جدا وكم من مرة ذاقت ضرب مبرح منه جراء أفعال صغيرة ، ولم تكن تدرى هل فعلت شيئا أغضبه فتستحق عليه العقاب مرة اخري فزاد تلعثمها في الكلام لكن كل ما ميزة طارق من تلعثمها هي كلمه (الشغل) فهدأ توترة لثانيه ، وأرتخت أصابعه الممسكه بكتفيها الصغيرين، وظهرت علي شفتيه أبتسامه مصطنعه ومن بين أسنانه سألها مرة أخري مصطنعا اللطف معها (( الشغل ماله يا حلوة .... قولي لي ؟)) فأنفرجت أسارير الطفله عندما رأت أبتسامه طارق وأنطلقت تروي لطارق كقارئ نشرة الاخبار المفصله(( من شويه يا بيه ، التليفون رن ، قامت الست هانم وردت علي التليفون )) وتحولت نظراتها للخوف مرة أخري (( والله يا سيدي انا ماكنتش بأتصنت بس أنا سمعت الست هانم بتقول ان حضرتك علي الشط وهاتنداهلك .... وبعدين الست حطت السماعه علي الترابيزة وقالت لي أجري يا زينب اندهي سيدك طارق بسرعه )) حاولت الفتاة الاستمرار في سرد ما حدث بعد ذلك ، لكن طارق كان قد أندفع جريا الي الشاليه الذي يطل علي البحر مباشرة ،ثم توقف فجأة وأستدار أمرا زينب بأن تأتي له بنظارته والمجله ،وأستمر راكضا نحو الشاليه الذي لا يبعد أكثر من خمسين مترا ، صعد درجات السلم الخارجي للشاليه في خطوتين والمياه تتساقط من جسدة المبلل ، وجري نحو التليفون والذي كانت والدته تقف بجوارة قلقه ، أمسك سماعه التليفون ، ولم يردد سوي كلمه واحدة
(( أفندم )) وسكت بعدها لثوان قليله ، زاد من قلق الام هو تعابير القلق التي ظهرت علي وجه طارق سريعا .. بعد ثوان تحدث طارق بجمله واحدة أخري (( حاضر يا فندم)) ووضع السماعه منهيا المكالمه ، وأشتعل رأسه بالتفكير سريعا .
سالته والدته مرتين عما يحدث لكنه لم يسمع كلمه ، فقد كان صوت تفكيرة أعلي من صوت والدته ، وعندما خبي صوت تفكيرة وسمع صوت والدته ، أستدار لها ليخبرها في عبارة غامضه
(( لازم ارجع المطار دلوقتي )) وتوالت أسئله الام القلقه سريعا لكنه لم يرد لانه وببساطه لم يكن يملك جوابا عن أسئلتها القلقه المتحيرة ، كل ما أستطاع قوله أن يجب أن يكون في مطار النزهه لكي يسافر في التاسعه مساءا ، أي أنه لديه حوالي أربع ساعات ليعد نفسه ، في ذلك الوقت كانت زينب قد عادت بنظارته والمجله ومدت يدها له لتناوله حاجياته فأمسك بنظارته من يدها وأنفجر غاضبا (( انتي واقفه هنا بتعملي أيه ، غوري من وشي أعمليلي فنجان قهوة )) أنتفضت البنت المسكينه خوفا من صياحه وجرت نحو المطبخ وقبل أن تدرك المطبخ كانت قد تعثرت في الارض وسقطت باكيه علي وجهها ، فأنفجر طارق ضاحكا بينما هرعت الام لنجدة هذه الفتاة الباكيه وهي تلومه علي قسوته
كان مشهدا متناقضا هذا الذي يحدث له في عدة دقائق ، فمنذ دقائق قليله جدا كان علي وشك أن يروي شفاة فتاة ظمأنه ، ثم تحول للقلق المشتعل عندما رأي زينب تطلبه علي الشاطئ،
ثم هدأ القلق عندما تأكد من ان والدته بخير ،ليزداد القلق عندما يسمع نبأ أستدعاؤة لقاعدته علي عجل وعلي غير العادة ، ثم يتحول لموقف كوميدي مع أرتطام زينب بالارض هلعا وخوفا منه
بعد دقائق كان طارق ووالدته يجلسان في الشرفه يحتسيان القهوة بعد أن أستحم طارق سريعا وغير ملابس البحر، وتحت ضغط من والدته طيب من خاطر زينب عندما مدح فنجان القهوة الذي أعدته ، فأنفرجت أسارير الفتاة وظهرت ابتسامه عريضه علي وجهها البرئ .
تساءلت الام القلقه عما يحدث ، ولان طارق لم يكن يعلم الاجابه فلم يكن يستطع الاجابه بطريقه تبعد القلق عن ذهن والدته
لكن والدته تلك السيدة المثقفه المتعلمه والتي بحكم عمل زوجها في السلك الدبلوماسي ، كانت تعلم بان الساحه السياسيه لم تكن هادئه بالمرة .
فسألته بهدوء (( تفتكر دة له علاقه بالحشود الاسرائيليه علي حدود سوريا ؟))
وتساءل طارق عن أي حشود فهو لا يعلم شيئا عن ذلك ، فردته عليه ساخرة
((ما انت لو تقرأ الجرايد وتهتم شويه باللي بيجرا حواليك ، وتبطل جري ورا بنات الناس ما كنتش تسألني السؤال دة )) ظهرت علي طارق حمرة خجل من تهكم والدته التي واصلت (( انت بقي مش ناوي تفرح قلبي وقلب أبوك وتشوفلك عروسه بقي )) ظهرت فجأة علي ملامح طارق نظرات التحدى من تكرار سماع هذا الموضوع عدة مرات فهم واقفا لكي يخرج من الشرفه، لكن والدته وبحدة (( طارق .... انت يا ولد ..... متفتكرش أن البدله والكام نجمه اللي علي كتافك هيخلوك تكبر عليا ........لا ..... انت لازم تحترم والدتك وتعرف أني انا وأبوك خايفين عليك .........)) صمتت الام قليلا وأدركت لثانيه بأن أبنها لم يعد صغيرا لكي يستمع لهذة الطريقه من الجدال ، فعدلت بسرعه من طريقتها ، وسلكت الدبلوماسيه الهادئه ، فأقتربت منه وعلقت عينيها في عينيه في نظرة توسل (( يا بني . دا انت أبننا الوحيد وعايزين نفرح بيك قبل ما نموت .. عايزين نمسك عيالك ونلاعبهم )) وكما لم تنطلي حيله سوسن معه في البحر ، لم تنطلي دبلوماسيه والدته معه أيضا ، فأبتسم محتضنا والدته
(( اوعدك يا ماما ، لما أنزل اجازة نبقي نتكلم )) غادر طارق الشرفه وعلي وجهه أبتسامه نصر بينما أستشاطت الام غضبا ، أسقط في يدها ، فقد حاولت معه كل الوسائل تقريبا لكي تقنعه بالزواج ، لكنه يتملص منها في هدوء وبدون أن يوعدها بشئ يلزمه ......وفي كل مرة تحاول أن تجد مناسبه للحديث في هذا الموضوع تجدة يتملص منه في براعه
مع دقات الساعه الثامنه من هذا المساء ، كان طارق يخرج من غرفته وقد أرتدي بذلته التي أصطحبها معه طبقا للتعليمات ، أقتربت منه الام وببطء تحركت يدها علي بذلته للتأكد من أستقامتها وتساويها ، مرت بنظراتها علي ازرار البذله وتأكدت من لمعانها كذلك لمعان النجوم الاربع التي تزين كتفيه الاثنين
وأولت أهتمام خاص بجناح الطيران الذي يبرز فوق صدرة فضيا لامعا ، كانت قلقه كدأبها كل مرة يغادر فيها فلذه كبدها الي وحدته ، لذلك أطالت هذه المرة في التأكد من أناقته الشديدة ، وأحتضنته داعيه له بالسلامه .
غادر طارق الشاليه متوجها نحو الطريق حيث اقرب تاكسي يقله للمطار ، وطوال الطريق الذي أمتد لمئتين مترا تقريبا انتزع طارق قلوب كل الفتيات التي مر بهن ، كان يري ذلك بدون أن يراة ، فكلما مر علي جماعه من الشباب المنتشرين بطول الطريق يصمت الجميع ليشاهدوا ذلك الشخص الوسيم الذي يمر بينهم ، والذي زادته بدله الطيران سحرا خاصا ، وكم من فتاة تمنت لو يكون هذا الضابط الوسيم زوجا او خطيبا لها يوما ما ، خطوات واثقه لشاب متناسق الجسد مرفوع الرأس تلمع النجوم علي كتفيه ، نظراته للامام بها شموخ وكبرياء شاب ممتلئ فخرا وعزة ، وصل طارق للطريق العام تاركا نظرات الشباب والفتيات تلاحقه في ثبات .
وبعد دقائق وصل طارق لمطار النزهه قبل الموعد بربع ساعه ، كان المطار مظلما ، فقلما يستخدم للرحلات الداخليه النادرة .
وجد ضابطا للبوليس الحربي تأكد الضابط من شخصيته ثم دله علي بوابه ، سرعان ما ان دلف منها طارق حتي وجد نفسه في قاعه انتظار بها خمس طيارين تتفاوت رتبهم من ملازم أول كطارق حتي رتبه الرائد، يبدو انهم مجتمعين طبقا للتعليمات التي صدرت اليهم أيضا ، حاول طارق أن يستشف منهم حقيقه الامر ، الا أنهم كانوا علي جهل تام بالوضع مثله تماما ، كل ما عرفه أنهم في انتظار طائرة نقل قادمه من القاهرة لتقلهم لوحداتهم المختلفه ، تشارك الجميع في القلق ، وظهر من الحديث الودي بينهم أن هذه هي المرة الاولي لكل منهم والذي يتم أستدعاؤهم علي عجل بهذه الطريقه العاجله .
و بعد ساعه من القلق والترقب ، أضيئت أنوارالمطار فجأة ، وبدأ الهدوء يتلاشي مع تعالي أصوات طائرة ، انها طائرة أنتينوف 12 طائرة نقل عسكريه سوفيتيه الصنع ، من المستحيل علي أي طيار أن يخطئ صوت محركاتها الاربع الكبيرة ، فبدأ الجميع في التحرك بصورة أتوماتيكيه نحوها ، وبعد دقائق كان طارق يخطو داخل هذا الوحش المعدني الكبير ليختار لنفسه مقعدا ، ووجد بالطائرة عددا من الطيارين القادمين من القاهرة
وقبل أن يجلس رأي عمر صديقه وزميله نائما في كرسيه علي مقربه منه ، فتحرك نحوة وأتخذ المقعد المجاور له ، تمتم طارق تهكما من مجموعه الحبال المتشابكه التي يطلق عليها مقعد في هذه الطائرة ، فهي غير مريحه بالمرة ، هؤلاء السوفيت الحمقي لا يبالون براحه الافراد نهائيا
هكذا كان تعليق طارق في اول مرة ركب هذه الطائرة منذ عامين ، وكان رد أحد رفاقه وقتها ، أن هذه الطائرة لا تصلح الا لنقل الحيونات وليس البشر .
بعد ثوان أطفئت الانوار الداخليه للطائرة وبدأت في التحرك علي الممر ، بينما عمر ما زال نائما بجوار طارق ، أقلعت الطائرة متخذة طريقها نحو الشرق ، نحو سيناء وبالاخص وكما علم طارق نحو قاعدة المليز الجويه لتوصيل عددا من الطيارين قبل أن تواصل طريقها نحوالعريش ، وكلها من القواعد الجويه الرئيسيه في وسط وشمال سيناء ، وبينما الجميع داخل الطائرة صامتين قلقا وتطلعا لمعرفه ما هيه الامر الذي أستدعي هذا التوتر والاستدعاء ، وبينما صوت محركات الطائرة الممتد الي داخل الطائرة يغلف الجو ، نجد طارق مغتاظا من صديقه وزميله عمر النائم في هدوء بجوارة ، لكز طارق عمر في جنبه فصحا عمر علي الفور ليفاجأ بطارق بجوارة .
(( طارق أنت بتعمل أيه هنا ؟؟؟؟؟ ...... هو احنا فين دلوقت ........؟؟؟؟ )) ضحك طارق بشدة وعلت ضحكته المميزة علي صوت المحركات لوهله ، فقد أنجز ما يريد من إفزاع عمر والذي بدورة فوجئ بزميله بجوارة ورد طارق ساخرا (( انت يا بني يحطوك في اي حته تنام فيها علي طول . أزاي عارف تنام في الجو ده ؟.. بذمتك تعرف تنام ازاي من صوت المحركات دي ؟؟؟؟)).....
رد عمر متثائبا (( بجد يا طارق .. انت مش كنت في الاسكندريه؟ أيه اللي جابك هنا ؟؟؟؟)) ...
طارق (( ما لو انت تبطل نوم ، كنت عرفت ان الطيارة عدت علي أسكندريه وهناك أنا ركبت ، بس طبعا سياتك كنت بتاكل زر مع الملايكه )) عمر بصوت حزين (( والله انا ما لحقت انام ، انا ملحقتش اقعد ست ساعات علي بعض في مصر )) ثم تحول صوته للجديه (( طارق..... هوا فيه ايه ؟؟؟؟؟))
طارق غاضبا (( انت بتسالني أنا ، انا كنت فاكر أنك انت اللي هتقولي )) ...
عمر ((انا كل اللي عرفته إننا رفعنا درجه الاستعداد ولغينا الاجازات ....ليه معرفش ))
فكر طارق لثانيه في كلام عمر وتساءل (( تفتكر دة له علاقه بالحشود علي حدود سوريا )) رد عمر (( والله انا ما نا عارف .... بس ياخبر دلوقتي بفلوس ... لما نوصل المطار يكون ببلاش )) .......... سكت الاثنين لثوان ثم تساءل طارق ((هيه أيه حكايه الحشود علي حدود سوريا دى ؟...)) نظر عمر اليه نظرة الصياد الذي وجد فريسته ويستعد للانقضاض عليها فرد متهكما (( ما انت لو بتقرأ جرايد كنت تعرف ايه اللي بيحصل حواليك ، بس كل اللي انت فالح فيه انك تلف ورا بنات الناس )) نظر طارق مندهشا مفاجئا وتحول وجهه عمر المبتسم بسخريه امامه الي وجهه والدته التي رددت نفس الجمله من ساعات قليله ماضيه، فنادرا ما يجد عمرالفرصه للسخريه من طارق.......... و ضحك الاثنان بصوت عال ، بعدها بدقائق كان عمر قد أستسلم للنوم مرة أخرى
في نفس الوقت تقريبا ............ مطار فايد الحربي
كان جو المطار متوترا منذ العصر تقريبا حيث جاءت اوامر رفع درجه الاستعداد بالمطار الي الدرجه القصوى والغاء الاجازات ..وشتان الفارق بين الحال في المطار قبل هذه الاشارة وبعدها.
فقد تحول المطار الي خليه نحل حقيقيه ، فالكل يعمل سواء جنود وفنيين وضباط صف وضباط وطيارين لتجهيز المطار لأي عمليات ، وهي أجراءات محفوظه ودقيقه للتعامل مع رفع درجه الاستعداد ، حيث يتم تسليح الطائرات المقاتله بالذخيرة الحيه وملئها بالوقود تحسبا لأي عمليات ، ويقوم ضباط الصف والفنيين بالتأكد من جاهزيه جميع الطائرات ، ويقوم رجال المدفعيه والصواريخ المضادة للطائرات المحيطين بالمطار بتجهيز مدافعهم وصواريخهم للانطلاق في أي لحظه . كم هائل من الاعمال والتفاصيل ومجهود كبير مبني علي تدريب شاق ، وفي المساء كان العقيد تحسين زكي قائد المطار يعطى تمام الاستعداد لقيادة القوات الجويه .
خرج العقيد تحسين من غرفه قيادته بالمطار قرب الساعه العاشرة مساءا متجها نحو صاله الطعام ( الميس) ليأكل شيئا، فمنذ العصر لم يتذوق سوي طعم الدخان في فمه من جراء عدد السجائر الكبير الذي حرقها، تحرك الرجل بجسدة النحيف وقامته المشدودة وقد دب الشعر الابيض في شعرة تجاة الميس،
دخل الرجل الي الميس فوجد جميع طياري القاعدة منتظرينه ، وسرعان ما وقف الجميع في وضع الانتباة وقاموا بأداء التحيه العسكريه لقائدهم ، وبعد تبادل التحيه أمرهم الرجل بالجلوس ............
كانوا حوالي ثلاثين طيارا كلهم بملابس الطيران ، تفحص الرجل وجوة الرجال ، شباب ممتلئ حماس وأقدام وفخر ، شباب يفتخر أي قائد بأن يكونونه جنودة ، فقد دربهم طويلا ويعرفهم كما يعرف أبنائه تماما ، يحبهم كما يحبونه يخاف عليهم أكثرمن خوفهم علي انفسهم .......... وبعد ثوان كانت أطباق العشاء توضع أمام الرجال ، مرت دقائق تناول فيها الرجال طعام العشاء وبعدها أخرج العقيد تحسين سيجارة وأشعلها أيذانا بالسماح لباقي الطيارين بالتدخين أيضا كما عودهم
كان الطيارين في شوق لسماع قائدهم فمن المؤكد ان هناك الكثير مما سيقوله لكشف النقاب عما يحدث بالضبط ، أنصت الجميع لقائدهم وصمتت القاعه تماما، أطلق الرجل نفسا من سيجارته فغطي دخانا كثيفا وجهه لثوان ومع تلاشي الدخان بدأ في الحديث بهدوء قائلا.(( طبعا انتوا عارفين حاله الاستعداد اللي احنا فيها من العصر ، احنا أكيد كتير مرت علينا حالات استعداد مشابهه ، المرة دي العمليه مش هتفرق كتير عن المرات اللي فاتت ، بس سبب الشد دة إن المعلومات اللي وردت للمشير بتقول إن أسرائيل بتحشد الويه مدرعه علي حدود سوريا ، والتزماتنا العربيه والشعبيه وكمان مطالبنا القوميه بتقول أننا لازم نساند سوريا ودة أمر طبيعي ، فكان لازم نبين العين الحمرا لاسرائيل ونخليها تفكر مرتين قبل ضرب سوريا ، المعلومات اللي وردت لي العصر بتقول ان الجيش هيتحرك لسيناء من الصبح ، الهدف المعلن هو ردع اي محاولات اسرائيليه لضرب سوريا وتأكيد مصر علي ثوابتها القوميه والعربيه ، بس الهدف الحقيقي في رأيي هو التهديد مش أكتر، ومعتقدش أن الموقف ممكن يتطور لعمليات عسكريه ))
كان الرجل يتحدث في هدوء وثقه شارحا الموقف السياسي لطياريه ورأيه في الاستعدادات ، لكن عينيه كانت ترصد ردود أفعال أعين الطيارين علي كلماته ،
كان أيمان الرجل بكل كلمه يقولها ينتقل الي رجاله محفزا اياهم وباثا شعور لا نهائي بالثقه ،وأكمل الرجل حديثه (( بس تهديد ولا لأ ..... أنا أديت تمام للقيادة بأننا جاهزين لتنفيذ أي عمليات ، وزي ما انتوا عارفين كويس ... رفع حاله الاستعداد معناة وجود مظله فوق المطار وكمان فوق منطقه القناه .... انا أديت تعليماتي للاطقم الفنيه بتجهيز كل الطيارات الممكنه ، المظله هتكون من طيارتين سوخوي أو ميج وعلي أول الممر طيارتين برضه جاهزين بطيارينهم كطيارات حاله اولي ووراهم أربع طيارات من غير طيارين كطيارات حاله تانيه ، طبعا كلهم جاهزين بصواريخ جو جو ، ومليانه وقود علي الاخر................)) أخذ الرجل نفسا عميقا من سيجارته ثم أستكمل تبليغ التعليمات التي يحفظها الطياريين جيدا .
(( أحنا ممكن نستغل حاله الشد دي ولغايه ما تخلص في التدريب علي القتال الجوي يعني ممكن في أي لحظه أضرب جرس الانذار ، ونحسب زمن تنفيذ اقلاع طيارات الحاله الاولي والتانيه وكمان كفاءة المظله ، أهم حاجه هو الاستعداد الدائم من أول ضوء حتي أخر ضوء...........................)) سكت الرجل لثانيه ثم اشار الي طيار يجلس الي يمينه
((الرائد أحمد السمري مسئول عن جدول الطيران ، وهتلاحقوا الجدول متعلق علي اللوحه بكره الصبح ))
ثم قام الرجل من مكانه مغادرا ومعلنا انتهاء الحديث
صمتت القاعه لثوان ثم بدأ بعدها الحديث الجانبي بين الطيارين ،وبقرب أحد اركان القاعه وقف ثلاثه طيارين يتحدثون وقد علاهم سحابه كبيرة من جراء دخان السجائر المشتعله في ايديهم كان أحدهم هو السمري أركان حرب لواء السوخوي بالمطار ،كانت قامته قصيرة لكن جسدة متناسق ذو بشرة تميل الي الداكنه ، ويقف بجوارة رائد ذو قامه طويله مقارنه بزملائه ، قوامه ممشوق رياضي نظرة عينيه تشع كما هائلا من الثقه والفخر لا تفارق شفتيه أبتسامه سحريه هو مدحت المليجي أو كما يطلقون عليه في المطار – البرنس- أما ثالثهم الذي يرتكن علي الحائط يدخن سيجارة وكل حواسه مع الحوار الدائر فقامته أقل من مدحت ، ذو شعر مجعد وبشرة تميل قليلا للسمرة هو النقيب أحمد ، وهو معروف علي مستوي المطار بخفه ظله الشديدة وميله للمرح وحبه للسخريه من أي فرد، وياويل اي ضابط او جندي يقع في فخ لاحمد .
الطيارون الثلاثه يشكلون مثلثا قويا يعرفه كل من بالمطار ، فهم من أفضل طياري السوخوي والميج بالمطار وبينهم صداقه قويه ، ورغم أن السمري يعتبر اقدمهم يليه مدحت الا ان اختلاف الاقدميه لم تمنع قيام صداقه قويه بينهم .
ويعرف جميع الطيارين مدي الارتباط الذهني القوي بين مدحت واحمد أثناء الطيران ، ورغم أن أحمد يطير علي الميج 21 وهي طائرة تقارب السوخوي الذي يطير بها المليجي والسمرى الا انه عند القيام بأي تدريبات قتاليه تجد دائما وابدا مدحت وأحمد في المقدمه بأساليبهم الجريئه المبتكرة وسرعه تصرفهم المثاليه ، وقد استفاد العقيد تحسين من ذلك كثيرا في رفع مستويات باقي الطيارين بدمجهم وسط هذا المثلث المتميز ، وقلما تجد احدهم يطير منفردا بدون الاخر وإن كان السمري قد تخلف كثيرا عن مشاركتهم نظرا لاعباءة الاداريه كأركان حرب لواء السوخوي ....
نعود للحديث الدائر بين اطراف المثلث فبرغم وجه مدحت الهادئ الا انه كان شخصيه تميل للعصبيه عندما يحس بتخلفه عن شئ ما ،أو في حاله عدم المامه بموضوع ما وهو ما حدث في هذا الحديث ، فمدحت يحاول معرفه معلومات أكثر من السمري ربما تزيد قليلا عما قاله العقيد تحسين ، والسمري ينكر معرفته شيئا أكثر مما قيل ، بينما أحمد يقف مبتسما من جراء إنفعال مدحت وتوقعه بسير الحوار، أختتم الحوار بين الثلاثه بوعد من السمري بأبلاغ مدحت بأي جديد ،
انصرف علي اثرها السمري تاركا مدحت واحمد ليتجهوا نحو سيارة الطيارين التي سوف تقلهم الي مباني المبيت والتي تبعد حوالي عشر دقائق خارج المطار.... سار مدحت صامتا كذلك احمد ، لكن احمد كان متأكدا بان مدحت سيتكلم في أي لحظه ...وفعلا نظر مدحت لأحمد متسائلا
(( انت شايف انني كنت عنيف مع السمري؟ )) ظهرت ابتسامه خبيثه تطل علي شفتي احمد ، فاستشاط مدحت غضبا وأستطرد (( والنبي انا مش ناقص أستظرافك يا أحمد ......... أنا بس كنت عايز اعرف منه لو في حاجه فعلا تستدعي الشد دة )) فرد احمد بجديه (( انت تفرق معاك ؟؟؟ ))
ولم ينتظر رد مدحت فأستكمل أحمد(( أكيد متفرقش لأننا هننفذ التعليمات سواء عرفنا ولا معرفناش ... يبقي ليه النرفزة دي ..... انت ممكن تخسر السمرى بنرفزتك دي )) نظر مدحت الي احمد في دهشه متسائلا
(( تفتكر كدة؟؟؟...........)) وصمت لثانيه ثم هرول عائدا حيث يقف السمري
تبسم احمد واستكمل سيرة نحو سيارة الطيارين ، فهو يعلم أ
مذكرات السرب 77 قتال الفصل الثانى
الفصل الثاني: الحشد
طائرات ميج 17 مصريه تصطف بأرض المطار
وصل عمر وطارق الي مطار العريش في وقت متأخر من الليل وتوجها الي غرف مبيتهم بالمطار ، بعد أستلامهم تعليمات من قائدهم بالتواجد في السادسه صباحا في غرفه عمليات المطار .
ويقبع بمطار العريش لواء قتال جوي مختلف الاسراب ، فهناك سرب قاذفات خفيفه من طراز ميج 19 وسربين مقاتلات ميج 21 وهذا الطراز الذي يطير عليه طارق وعمر كذلك عدد من طائرات النقل وطائرات الهليكوبتر.
وفي الصباح التالي ، تحرك الطيارين من غرفهم تجاة غرفه عمليات اللواء ، وفي الطريق تقابل طارق وعمر وقد لبس كل منهم ملابس الطيران وأمسك بخوذته في يدة ، تبادل الاثنان التحيه ودار بينهم حديث ودي خلال الخطوات البسيطه نحو مبني القيادة ، لكن ما لفت نظرهم هو وجود طائرتين علي اول الممر مسلحتين وفي داخلهم الطيارين ، إنها طائرات الحاله الاولي تنتظر أي تعليمات للطيران الفورى ، منظر الطائرتين بلونها الفضي المعدني اللامع مع انعكاس أول ضوء للشمس أعطي الاحساس بان الطائرة هي التي تشع هذا الضوء البرتقالي البديع.
وصل الاثنان الي غرفه العمليات ووجدا بها عدد لا باس به من الطيارين ، وعلي الفور دخل قائد المطار والذي بدأ في شرح الموقف السياسي وأسباب رفع حاله الاستعداد و الاجراءات المتبعه لكنه شدد علي ان شيئا ما لا يلوح في الافق بمعني انه لا توجد أي احتمالات للحرب، و أستكمل في أبلاغ طياريه بالتعليمات واعطاء الاوامر لتمام الاستعداد وردا علي سؤال أحد الطيارين عن توقعه برد فعل الاسرائيلين ازاء الحشود المصريه ، رد القائد في ثقه مبالغ فيها ، بأن التصرف الوحيد امامهم هو سحب الحشود علي سوريا وذلك أذا كانوا يرغبون فعلا في عدم سحق قواتهم ، اما اذا كانوا يريدونها حربا ، فما عليهم الا ان يطلبوا ذلك ، وستدخل قواتنا تل أبيب في غضون ساعات قليله وأضاف الرجل بان الطيران المصري هو الاقوي في الشرق الاوسط وقادرعلي دك القوات الاسرائيليه في اي لحظه وتهكم الرجل من الاسرائيلين قائلا:
(سنه 62 عملنا تدريب في الجيش أكيد بعضكم فاكرينه، بسرعه فائقه حشدنا فرقتين مشاة والفرقه الرابعه المدرعه في سيناء ، و لما اليهود صحيوا لقوا جيشنا كله علي حدودهم ، جالهم حاله هلع)
وضحك الرجل بشدة (لو تعرفوا الرعب اللي جالهم ، لدرجه انهم اتصلوا بالامريكان يصوتوا لهم علشان نسحب قواتنا ..... طيب ... ده كان تدريب ... وهما اترعبوا جدا ، امال لما يصبحوا بكرة أو بعدة ويلاقوا الجيش المصري كله علي باب بيتهم ... وهما عارفين انه مش تدريب ........تفتكروا هيعملوا أيه ؟؟...)
واستكمل الرجل ضحكه وأستدار خارجا من غرف العمليات أيذانا بانتهاء القاء التعليمات
أرتقي اركان حرب المطار المنصه بعد قائدة وبدأ في سرد جدول الطيران وإجراءات الاستعداد.
خرج طارق وعمر من غرفه العمليات بعد ساعه تقريبا من دخولهما ، سار الاثنان تجاه غرفه الطيارين والتي تبعد خمسون مترا تقريبا من طائرتهم ، طبقا لتعليمات الطوارئ فيجب ان يتواجدا بهذه الغرفه طوال اليوم تحسبا لاي طارئ.
وبدلا من دخول غرفه الطيارين طلب طارق من عمر ان يتجها نحو طائراتهم للأطمئنان علي أستعدادهما، كان طارق يدخن سيجارته بينما عمر يسير متأملا منظر الممر والطائرات الرابضه عليه في تحفز ، ومن خلفهم جميعا وعلي بعد يربض برج المراقبه الذي يعلوة رادار كبير لا يكف عن الدوران بحثا عن اي أهداف تخترق سمائنا .
فجأة توقف طارق واستدار ليواجه عمر متسائلا: (انت عجبك كلام القائد ؟؟؟)
رد عمر بتلقائيه: (وماله كلام القائد)
طارق مندهشا: (ماله؟؟؟؟؟........ أحنا لو كنا هنحارب الهوا ، مش المفروض انه يتكلم بالثقه والاستهزاء دة)
عمر بثقه: (يا بني أحنا أقوي جيش في الشرق الاوسط كله .... هوا أنا محتاج أقلك الكلام دة ؟؟ ما انت عارف كل حاجه وعارف ان عندنا صواريخ توصل لجنوب اوربا كمان ....)
طارق متزمرا: (انا عارف كل اللي بتقوله دة ، بس مش المفروض نستهزأ بأسرائيل أكتر من كدة)
لاحظ طارق ملامح الاستخفاف تظهر علي ملامح عمر فأشار اليه بلا مبالاه وأستكمل سيرة نحو طائرته غاضبا ..
أحس عمر بالضيق لاستخفافه بكلام طارق فأردف محاولا تصفيه الجو: (متتنرفزش يا طارق ... خلاص يا عم ... انت عندك حق)
أستدار طارق غاضبا ، ونظر حوله ليري اذا كان هناك احدا قريبا ليسمع حديثه ، وعندما وجد ان ليس هناك احدا قريب ،أقترب من عمر هامسا بجديه (اللي في دماغك دة كله غلط ، انا قلت لك كام مرة وانت مش عايز تسمعني)
وأشار بأصبعه في وجه عمر محذرا (انا قلت لك متصدقش كل حاجه تتقال لك)
ثم أستدار تاركا عمر في حيرة ، لم تدم حيرة عمر كثيرا فركض خلف طارق متسائلا عما يقصد ، فرد عليه الاخير هامسا (بلاش تصدق حكايه اننا هنرمي اليهود في البحر واننا عندنا صواريخ توصل لاوربا ، كل اللي بتشوفه وتسمعه كذب في كذب ، اوعي تكون فاكر إن الصواريخ اللي بتشوفها في العرض العسكري كل سنه دي صواريخ حقيقيه . لا يا عمر) وبمرارة يكمل طارق (دي صواريخ صاج ، منظر بس علشان يضحكوا علي الغلابه اللي زيك).
لا يمكن تصور نظرة الصدمه التي ظهرت علي وجه عمر ، فهو مؤمن بالثورة ومبادئها حتي النخاع ، ولا يمكن لعقله تصور ان تقوم القيادة بخداع الشعب ، هذا الايمان جعله يطرد تصور صدق كلام طارق ، فأبتسم قائلا (لا ... لا ... انت بتهزر شكلك كدة) وعندما وجد ملامح طارق جادة لا تدل علي أي نوع من انواع العبث ، أسقط في يده ،فأمسك بذراع طارق وأقترب هامسا (الله يخليك يا طارق ، انت متأكد من الكلام ده ..؟؟ الكلام دة يودي في داهيه)، هم طارق باستكمال الحديث لكنه لمح أحد ضباط أمن المطار يقترب منهم فأخبر عمر انهم سيستكملون الحديث ليلا .
سار كل منهم الي طائرته يفحصها ويعاين الوقود والتسليح وفي كل فرصه كان طارق ينظر الي عمر يجده بدورة ينظر اليه وعينيه تشع كما من الحيرة والتساؤل.
في المساء أنصرف الطيارين الي غرف سكنهم بالمطار لكي يستريحوا ويستعدوا ليوم جديد ، فمن المعروف ان الطائرات في ذلك الوقت لا تستطيع الطيران ليلا ، نظرا لعدم وجود أجهزة خاصه بالطيران ليلا علي الطائرات تمكنها من الطيران نحو اهدافها والاشتباك أو حتي العوده لمطارتها ، فكان من الطبيعي ان يخلد الطيارين والقادة والجنود علي حد السواء الي الراحه بمجرد حلول الليل ، وكان ذلك يحدث أيضا في الطيران الاسرائيلي ، مما جعل الليل فترة هدوء تامه للطرفين .
كان الظلام قد ملئ ارجاء مطار العريش ، والهدوء يسود كل ارجاء المطار حتي غرف الطيارين يسودها هدوء ، في هذه اللحظات كان طارق قد استحم وبدأ طقوسه في الراحه النفسيه التي يهتم بمتابعتها كلما سمحت له الظروف ، فيقوم بوضع كرسي مواجهه لشرفه غرفته ليجلس عليه مواجها للوحه بانوراميه للسماء السوداء والنجوم التي تضئ كمصابيح بعيدة ويتزامن ذلك مع موسيقي اوبراليه كلاسيكيه تأتي من جهاز البيك أب ، جلس طارق علي الكرسي ممدا رجليه علي كرسي اخر ، ناظرا لهذا الجمال الرباني الذي يراة من سماء وارض متشابكان متعانقان في سواد متدرج الدرجات ، كان علي وشك البدء في التجاوب مع الموسيقي الكلاسيكيه والطيران بروحه في سماء الهدوء والسكينه ، وفجأة سمع دقات علي بابه ، دقات متتاليه ، فقام من كرسيه غاضبا من مفرق لحظات متعته الخاصة ، وجد عمر في وجهه عندما فتح الباب ، وجهه جامد متسائل حائر أو خليط من كل ذاك وتلك ، فهم طارق علي الفور ماذا يريد زميله .
ومع إعداد طارق لكوبي شاي بدأ الحديث ، فعمر يريد أن يعرف ، وهنا بدأ طارق في السرد بصوت خافت .
(بص يا عمر ، انا اتعلمت إني عمرى ما أقًفل عيني ووداني عن حاجات واضحه ، لكن انت ايمانك الاعمي بالثورة وبالريس والمشير خلاك مش شايف أي حاجه ، وخصوصا لو كانت حاجات واضحه زي الشمس ، يعني هضرب لك مثل بحرب اليمن ،أدينا بعتنا الجيش بقالنا خمس سنين ، الجيش المصري بيحارب قبائل بقاله خمس سنين السؤال هنا ، ليه بقالنا خمس سنين مش عارفين نقضي علي كام قبيله لو اننا فعلا احسن جيش في الشرق الاوسط ؟؟ ، الاجابه إن حتي أحسن جيش فيه دايما طرف تاني يقدر يدوخه ، يا بني أنا ليا زملاء في الجيش خدموا في اليمن بيقولولي ان حرب العصابات هناك مدوخه قواتنا وراهم في كل حته ومش عارفين نقول اننا انتصرنا لاننا مش لاقيين العدو) هم عمر بان يقاطعه لكن طارق أستكمل حديثه:
(ارجوك يا عمر بلاش تقاطعني علشان انا فعلا مش مستريح للي بيحصل في الجيش وفي الطيران خصوصا فسيبني اتكلم وأطلع اللي جوايا ،علي الاقل انا عارفك وواثق فيك ، مفيش حد دلوقتي تقدر تثق فيه ، ممكن اي حد يحب يطلع علي كتافك يقوم يبلغ عنك الامن او في مكتب شمس بدران وزير الحربيه ، وبعدين تلاقي نفسك في السجن الحربي بتهمه الخيانه)
هنا قاطعه عمر بحدة (ما انت عارف ان الثورة لازم تأمن نفسها ، حتي من نفسها)
طارق ساخرا: (يا عمر فتح عينك بقي ، فيه نظام في الدوله يحط مقدم بالجيش وزير للحربيه ؟؟؟ دة مؤهلاته ايه غير النفاق علشان يوصل للرتبه دي؟ الحال ملخبط قوي يا عمر)
وأستدار طارق ناظرا للسماء مرتشفا من كوب الشاي وهو يتمتم (ربنا يستر بجد) كان عقل عمر يعمل بسرعه فهو يعرف طارق منذ ما يربو عن عام وهذه اول مرة يراة في هذا المزاج الحاد المتعكر ، لكن عمر شغوف بمعرفه ما لديه من معلومات عن الصواريخ فتساءل (أمال ايه حكايه الصواريخ الصاج دي)
ضحك طارق بمرارة (قصدك الصواريخ القاهر والظافر والرائد ؟؟؟؟، دي يا سيدي صواريخ ارض ارض مصممه لتكون بعيدة المدي ، والريس جمال حضر كام مرة عمليات اطلاق لها ،المصيبه انه كان عارف ان الصواريخ دي ملهاش أجهزة توجيه يعني ملهاش عقل يعني مطرح ما ينزل الصاروخ هينفجر ، لاننا لغايه دلوقتي مقدرناش نصنع اجهزة توجيه لها ، ولما العلماء الالمان هربوا توقف العمل بالمشروع جزئيا ، لكن الريس والمشير شافوا انهم يظهروا الصواريخ الصاج دي في العرض العسكري لردع أسرائيل مع ان اسرائيل أكيد عارفه ان المشروع وقف، لانهم هما اللي طاردوا العلماء الالمان بالطرود الناسفه وطفشوهم من البلد)
نظر طارق لعمر فوجدة قد فغر فاه مندهشا فتبسم ، وسئل عمر (انت عرفت منين ؟؟؟)
رد طارق (واحد معرفه كان بيشتغل في المشروع قبل ما يتنقل للقوات الجويه لانهم بقوا مش محتاجينه)
أسقط في يد عمر ووجد ان كلام طارق منطقي ولا مبرر اطلاقا لكي يكذب عليه ، فتساءل (طب ليه السوفيت ميدوناش أجهزة التوجيه دي ، ما هم بيدونا سلاح متطور برضه ؟؟؟)
طارق منفعل: (سلاح متطور ايه بس يا عمر ..... انت فاكر ان الطيارات اللي معانا دي متطورة ؟؟؟)
أومأ عمر بالايجاب قائلا (الميج 21 أحسن من أي طيارة في العالم لغايه دلوقت)
طارق (أنا معاك حق وكلامك صح ... بس ...... لو اللي معانا دي نفس الميج 21 اللي في الطيران السوفيتي)
كاد عمر ان يقفز من مقعده مندهشا (انت عاوز تقولي ان الميج دي ناقصه كمان ؟؟؟)
طارق (طبعا ، دي نسخه للتصدير بس)
عمر متحديا (أزاي بقي ؟؟؟؟)
طارق (علشان انا قلت لك انك مش بتشوف الا اللي انت عاوز تشوفه بس ، عايز تشوف التماثيل الرخام علي الترعه بتاعت عبد الحليم حافظ من غير ما تشوف الناس اللي حول التماثيل وعايز تشوف الطيران المصري اقوي سلاح جو في المنطقه ومش عايز تفتكر اللي حصل فوق سيناء ديسمبر اللي فات)
عمر مجاوبا (قصدك الحادثه بتاعت الطيران السوفيتي ؟؟؟)
طارق وقد لمعت عيناة (شوف أديك أثبت لي انك أعمي مبتفكرش)
عمر (ليه ؟؟؟)
طارق (لان الخبر اللي وصلك ودة طبعا كان سر عسكري المفروض متقولوش لحد ، والخبر بيقول أن 4 طيارين سوفيت بطيارات ميج 19 ماتوا في حادثه اثناء الطيران.صح ؟)
أومأ عمر أيجابا
طارق (يا بني فكر ارجوك .... ازاي حادثه بين 4 طيارات في وقت واحد هما كانوا طايرين أزاي يعني ؟؟؟ يا عمر انت طيار وفاهم ان دة مش ممكن خالص)
عمر بدهشه متسائلا (أمال ايه اللي حصل ؟؟)
طارق (دول كانوا طالعين من مطار المليز ، رمزي دفعتنا بيخدم هناك وهو اللي حكالي كل حاجه من كام يوم لما شوفته في الاسكندريه .....) ، صمت طارق للحظات مشعلا سيجارة (رمزي حكالي إن كام طيار من عندنا رجعوا من روسيا بعد دورة علي الميج 19 ، الطيارين دول بلغوا القيادة بأن الطائرات اللي في الخدمه هناك بها اجهزة توجيه وتصويب متقدمه غير موجودة في طيارتنا ، والموضوع اتصعد لأعلي مستوي ، وكان رد السوفيت انه دة مش صحيح وبعتولنا طيارين علشان يثبتوا لنا زي عادتهم اننا المتخلفين ومش عارفين نسوق طياراتهم ، ويوم 19 ديسمبر اللي فات طلع تشكيل من ست طيارات ميج 19 أربعه منهم بطيارين روس وبعد فترة رجعت الطيارتين المصري وبقي الروس في الجو ، متعرفش بقي حظهم الاسود ولا تدخل الهي وقعهم وسط طيارات ميستير أسرائيلي كانوا بيعملوا دوريه قرب الكونتلا ، وفي ثوان يا عمر كانت الاربع طيارات مولعين في الجو بالطيارين الروس)
لاحظ طارق الدهشه علي نظرات عمر فأستكمل (المهم أن الروس أتحرجوا جدا وطلبوا عدم اذاعه الخبر والتكتم عليه والمدهش ان اسرائيل لم تذع الخبر ايضا)
عمر (يعني العيب مش فينا زي هما ما بيقولوا علينا)
طارق (لا العيب مش فينا لكن في الطيارات لانها مش كامله زي اللي يتخدم في الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، بس تستنتج ايه كمان يا عمر من كل الكلام اللي قلته لك ؟؟)
سكت عمر للحظات مفكرا ، كان يعلم الاجابه لكنه تفادها عن قصد ،فأجاب طارق بدلا منه (تستنتج انك متصدقش كل حاجه الاذاعه تقولها وتخلي مخك حاضر ونشيط ، وكمان تستنتج ان الطيارين الاسرائيلين مش شويه ، لما يعرفوا يوقعوا اربع طيارات بطيارين روس يعني أحسن طيارين في العالم يبقوا هما كمان طياريين كويسين ، يعني احنا لازم نعمل لهم الف حساب مش زي ما القائد قال الصبح)
كانت عبارة طارق الاخيرة كمدرس يعلم طفل امامه مبادئ الحياه ، وبالفعل فقد أستوعب الطفل الدرس تماما وإن كان الطريق امامه طويلا لكي يري بعين غير عينه التي رأت ان العالم بدون الثورة والاشتراكيه سيكون عالما فاسدا.
غادر عمر الغرفه منكس الرأس غارقا في التفكير ، كثير من المبادئ والمثل أصبحت تهتز امامه بعد ان كانت شامخه شموخ الهرم الاكبر.
8 مايو 1967 مطار فايد
مرت اربع أيام علي رفع حاله الاستعداد ، جميع الطيارين في حماس وشوق للقتال في أي لحظه ، توالت طلعات التدريب مع أعمال حمايه المنطقه كان ذلك يتماشي مع بث أثير الراديو الاغاني الوطنيه التي تلهب حماس الرجال ، ومع مرور الوقت شاهد الطيارين سواء من الجو او علي الأرض ، شاهدوا الجيش المصري يتحرك تجاة سيناء، عشرات بل مئات العربات والدبابات والالاف الجنود يعبرون القناه متجهين نحو الشرق فقط ، تجاة حدود العدو ، قربت ساعه القتال والكل في شوق لها .
ورغم البوادر التي أتخذها الجميع وتهيأ لها بأن الامر لن يطول وان اسرائيل سترتعد خوفا ، فأن الامر أستمر وأستمر معه تدفق قواتنا لسيناء وتحولت النفوس الي الاحساس بقرب وقوع حرب وشيكه.
في ذلك اليوم صباحا ، كان السمري وأحمد والمليجي يفترشون الارض بملابس الطيران تحت جناح أحد الطائرات السوخوي جاهزين كطياري حاله ثانيه يمكنهم الانطلاق في الجو في ثوان محسوبه ، كانوا يشربون الشاي ويحتمون من لهيب الشمس ، معنوياتهم في السماء ، ينتظرون دورهم سواء للطيران في المظله التي تحمي سماء المطار او في الحلول محل رفاقهم في طائرات الحاله الاولي ، لا يخلو حديث بينهم من كلمات القتال والحرب، المليجي يحلم بقتال جوي يدق فيه عظام الطيارين الاسرائيلين ويشفي غليله ، وأحمد يسخر منه قائلا بأنه لن يترك للمليجي أي طائرة في السماء ليهنأ بتدميرها.
تتعالي الضحكات بين هؤلاء الرجال المتفجرين حماسة ووطنيه وانتماء ، ويظهر الطيار محمد خميس قادما من بعيد ، لم يسلم من قفشه سريعه لاحمد تعالت ضحكات المليجي والسمري بعدها ، لكن خميس لم يتجاوب بصورة معتادة ، فقد كان يبدو بانه يحمل خبرا ما ، فصمت الجميع منتظرين منه ان يبدأ نشرة الاخبار التي أعتاد ان يحملها . فبدأ خميس حديثه (العمليه شكلها بجد يا جماعه) سكت لحظه منتظرا رد الفعل من الرجال ، وفعلا كان رد فعل حاد من المليجي غير الصبور أزاء أي اخبار جديدة فأكمل خميس (فيه أشارة من القيادة باعادة توزيع الطائرات علي المطارات نتيجه معلومه وصلت المخابرات الحربيه بأن مدي الطائرات الميراج الاسرائيليه لا يتعدي 300 كلم ، وعليه صدرت الاوامر بسحب عدد من الطائرات من المطارات الاماميه ، وأعادة توزيعها في الدلتا والقناه، علشان لو هما بدأوا الضرب تكون قوتنا الضاربه بعيد عن مدى طيراتهم..)
ظهرت نظرات فزع علي عيني أحمد وصاح غاضبا (مين اللي قال ان مدي الميراج 300 كلم بس ، انا عندي كتيب عن الميراج ومداها اكبر بكتير من 300 كلم ......)
كان وقتا مناسبا للسمري لكي يصطاد أحمد فقال بهدوء (أحمد فاكر نفسه هيعرف أكتر من المخابرات الحربيه . وكتيب ايه اللي معاك دة انت مش كنت بتقرأ قصص أطفال، وبتتفرج علي الصور بس كمان ؟؟؟)
أنفجر الجميع ضاحكين من سخريه السمري ، فأخيرا تصيد أحد موقفا للسخريه من أحمد والذي كان الجميع يخافون لسانه وسخريته ، وقع المليجي علي الارض يضرب بيدة من شدة الضحك وخاصه مع احمرار وجه أحمد الذي أحمر بشدة ، كان صوت ضحك الرجال عاليا بصورة لفتت نظر العقيد تحسين الواقف في أعلي برج المراقبه ، وشاهد من مكانه أحمد يشير بيدة اشارات الوعيد ويبتعد مسرعا من مكانه تحت جناح الطائرة.
بعد دقائق كان القائد يخطو تجاة السمرى ورفاقه ، قام الجميع أحترامه له وأدوا التحيه العسكريه التي ردها الرجل وانحني تحت جناح الطائرة داعيا أياهم بالجلوس والاحتماء من الشمس ، وسئلهم عما حدث بينهم وبين أحمد ، فقد رأة يبتعد غاضبا وكأب لهم فهو لا يحب أن يري أي خصومه بين الرفاق بدون ان يسارع في التدخل لحل الموقف.
بدأ السمري يشرح لقائدة ما حدث وأن الحوار انتهي بهزيمه نكراء لاحمد نتيجه سخريتهم مما يدعيه ، وأن احمد رفض الاستسلام وانه ذهب لاحضار الكتيب من حقيبته ، وان الامر قد تطور الي تحدي بين أحمد وبين المليجى والسمري ،فالاخرين يعتمدان علي صدق المخابرات الحربيه و احمد يعتمد علي كتيب مجهول.
وبينما الحوار دائر ، حضر أحمد ملوحا بالكتيب ونظرة الانتصار تطل من عينيه طلب منه القائد الجلوس وشرح الموقف (يا فندم فيه ناس ميعرفوش في الطيارات وبيسخروا من اللي بيعرفوا) كان ينظر للسمري ردا له السخريه منه ، فقاطعه القائد (ملوش لزوم التنبيط يا احمد ، وقلنا المعلومات اللي عندك)
احمد: (يا فندم دة كتيب خالي جابه لي من فرنسا ، هوا مقدم وبيشتغل في ادارة المشتريات ، لما زار فرنسا قدر يوصل لكام نسخه من الكتيبات الخاصه بالطائرات الفرنسيه المقاتله ،وانا أستوليت منه علي نسخه من نسخ الميراج والميستير اللي بيخدموا في أسرائيل)
السمري مقاطعا (خلصنا ياعم وقول اللي عندك)
الا ان القائد حذر السمري من استمرار الاستهزاء فقد كان واضحا اهتمامه بما يقوله أحمد ، وبنظرة منتصرة أستكمل احمد موجها حديثه للقائد (الكتيبات دي يا فندم بتطبعها مصانع للطائرات للدعايه ومفيهاش اسرار ، في وصف الميراج يا فندم وفي صفحه 32 مكتوب –ان طيران الطائرة علي ارتفاع كبير وبواسطه اثنان من خزانات الوقود الاضافيه واماكن لاربعه قنابل أو صواريخ جو جو يصل المدي الي 1500 كلم أي أضعاف المدي اللي المخابرات بتقولنا عليه ، اما في حال الطيران المنخفض يكون مدي العمليات 900 كيلومتر يعني برضه اكبر من مدي اللي المخابرات بتقول عليه)
طائرة ميراج 3
أمسك القائد بالكتيب وتمعن في الصفحه التي تبين المدي ، بينما تحولت نظرات أحمد المنتصره لتشمل من حوله وتحول القائد للجديه في حديثه قائلا (تعرف ان لو المعلومات دي صح، يبقي تكتيك القيادة لازم يتغير بسرعه)
تدخل المليجي في الحديث (طيب يا فندم ، ليه احنا واخدين التكتيك الدفاعي دة ؟ ما احنا لو هنهاجم لازم تكون طيارتنا قريبه من الجبهه ، ليه نرجعها ورا ؟)
القائد: (والله يا ولاد أنا نفسي متحير ، مش عارف الفريق صدقي محمود عايز أيه ، علي كل حال احنا لازم نكون جاهزين للدفاع والهجوم في أي لحظه)
كان عجز القائد علي تبرير تصرفات قيادته مربكا لصغار الضباط ، لكن الرجل كان يبدو حائرا مشتتا لا يعرف ماذا تخبئ الايام ، فهل سنهاجم أم ندافع، ام هل سنحارب أصلا ام لا.
أستدار القائد: )احمد أنا هأخذ الكتيبات وابعتها مع ضابط امن للفريق صدقي ، وهنشوف ردة هيكون ايه ، بس أنا رأيي أنها معلومات صحيحه لان باقي المعلومات الخاصه بالسرعه والتسليح صحيحه(
كانت جمله القائد اعلانا بفوز احمد في التحدي ، ووسط خيبه امل رفاقه ، قام القائد متجها نحو برج المراقبه وهو يتصفح في الكتيب بعمق تاركا أحمد يشمت في ضحاله معلومات رفاقه الذين ران عليهم الصمت والخجل من خسارتهم للتحدي
العريش : نفس اليوم
وسط جو الترقب والاستعداد ، طارق يجلس داخل كابينه طائرته الميج ، مستعدا في أي لحظه للاقلاع لتنفيذ مهمه الدفاع عن المطار او كما قلنا سابقا – فهو في طائرة حاله اولي ، بينما عمر يجلس علي مسافه في الظل يتصفح احدى الجرائد اليوميه ، بملابس الطيران كامله وبجوارة علي الارض خوذه الطيران، كان الحر والعرق يعصف بجسد طارق عصفا خاصه وجسدة مشدود بأحزمه الطائرة ، شعور لا متناهي بعدم الراحه ، وحسدا لزميله القابع في الظل وبدون مقدمات اعلن في مكبرات الصوت عن وصول طائرة تحمل شخصيه كبيرة من القيادة العامه بالقاهرة ،وأن علي جميع الطيارين والضباط الغير مكلفين بمهام حاليا ، عليهم التواجد بقاعه الاجتماعات .
نظر عمر وطارق لبعضهما البعض ، فأخيرا هناك من سيزيح الغموض والذي يكتنف الموقف منذ اسبوع .
هبطت طائرة مروحيه وخرج منها عدد من الضباط ، رتب متعددة كلها من الجيش لابد وأن شيئا ما هام يلوح في الافق هكذا فكر عمر
دخل الضباط سريعا الي غرفه الاجتماعات بينما أنزوي أحد اللوءات بقائد المطار وسلمه مظروفا كبيرا مغلقا ، تابعت عيني عمر هذا الحوار بدون ان يعرف مغزاة
وبعد ثوان دخل الرجلان الي القاعه ، وبدون ان يجلسا أمسك اللواء الميكرفون محييا الرجال ومخبرا أياهم بان الحرب اصبحت علي الابواب وأن الرئيس جمال والمشير بثقان في قدراتهم علي تحقيق اي مهام ،وأن قائد المطار لديه تعليمات جديدة ، ثم أمر بصرف مبلغ خمس جنيهات لكل جندي وعشر اخرين لكل ضابط وطيار ، وسرعان ما خرج الرجل من القاعه ، تاركا الرجال في حيرة من هذا الاجتماع الخاطف والذي لم يقال فيه اي شئ يذكر ، وكأن الرجل أتي لتوزيغ النقود عليهم فقط .
صعد قائد المطار الي المنصه وطلب من جميع الطيارين التواجد في غرفه العمليات بعد اخر ضوء ، حتي يتثني للجميع سماع ما سيقوله ،فخرج عمر شاردا من غرفه الاجتماع وسار تجاة طارق واخبرة بفحوي الاجتماع ، فسخر طارق من مبلغ العشر جنيهات التي يصرفونها في وقت يستعد الجيش للحرب، او علي الاقل أحتمال الحرب ما زال قائما .
في المساء اجتمع الطيارين بقائدهم في غرفه العمليات ، بدأ القائد حديثه في الحال مخبرا أياهم بأن الاوامر قد صدرت بتقليص قوة المطار وتوزيع جزء من طائراته علي مطار السر في وسط سيناء لتنفيذ عمليات هجوميه بدأ من بعد غد ،وأن قائمه بأسماء الطيارين الذين سيغادرون صباحا مع اول ضوء ستعلق علي باب ميس الطيارين ، واضاف القائد أن أحتمالات الحرب بدأت في التزايد في الفترة الماضيه نتيجه الغطرسه الاسرائيليه وأستمرار أنكارها لوجود حشود علي الجبهه السوريه ،وانه قد حان الوقت لتأديبهم ، وأنفض الاجتماع وقد لمعت عيني طارق وعمر سعاده فكلاهما بل وكل الطيارين في شوق للقتال ، ففي حرب 1956 لم يسمح للطيارين بالاشتباك أو حتي الطيران حمايه لهم وكان ذلك قرارا صائبا جدا لحمايه ارواح عدد قليل من الطيارين يشكلون اول نواة لطياري المقاتلات النفاثه في مصر ، ومازال كبار الطيارين يحملون شوق للقتال بالطائرات الجديدة التي معهم ، وانتقل هذا الشعور الي صغار الطيارين بالتبعيه ، لذلك كان حماس الرجال بمعرفه ان هنالك تعليمات هجوميه لهم.
بعدها بلحظات ووسط حماس الرجال،علقت ورقه صغيرة علي باب الميس ، تسارع الطيارون لرؤيه ما بها ، ووجد طارق وعمر أسميهما مدرجين بها للانتقال الي مطار السر صباح اليوم التالي .
كان الجميع يعلم بأمر مطار السر وانه مازال تحت الانشاء كمطار مكمل لمطار العريش، لذلك لم يكن انطباع عمر وطارق جيدا ، فعلي الاقل يوجد بالعريش نوع من انواع المدنيه الحديثه ، والان سينتقلان مع عدد من زملائهم الي وسط صحراء سيناء حيث تأبي المدنيه ان تقترب منها .
هون طارق من احباط عمر ووعدة بأجازة لمدة عدة ساعات يقضياها في العريش قبل أن يغادروا ، ورغم سخريه عمر من أستطاعه طارق الحصول علي اذن بالخروج من المطار في وسط حاله الاستعداد ، فأنه حَصل بطريقه ما علي أذن بساعتين كاملتين لهم ، واتفقا علي كتمان الخبر.
ومع دقات الساعه التاسعه مساءا، والمطار في حاله هدوء ، مرقت سيارة مسرعه لخارج اسوار المطار تقل الاثنان وبعد دقائق كانت السيارة التي قادها عمر بسرعه كبيرة تصل الي قلب مدينه العريش ، حيث كان المشهد مختلفا تماما عما يبدو المطار عليه من هدوء وسكينه ، جلبه كبيرة ، قوافل من السيارات والعربات المدرعه تتحرك في اتجاهات مختلفه حامله مئات الجنود ، نزل الاثنان من سيارتهم يتطلعان الي هذه التحركات الصاخبه ، أحساس كبير بالفخر والاعتزاز بقواتنا الباسله وهي تتحرك.
أضطرا للانتظار برهه حتي أستطاعا ان يخترقوا بسيارتهم احد القوافل لكي يعبروا الي الجانب الاخر من الطريق حيث مبني المحافظه وعدد من المحلات التجاريه الصغيره ، نزل الاثنان من سيارتهما بجوار محل للفول والطعميه حيث تقدم عمر داعيا طارق لوليمه مفتخرة من الاكله المصريه الاولي ، وبينما هم في انتظار طلبهم ، سار عمر عدة خطوات حيث يقبع صندوق متهالك للبريد يعلوة الصدأ ، وأخرج خطابا من جيبه ونظر اليه قليلا ثم قبله ووضعه في الصندوق بهدوء .
ثم عاد الي طارق الذي امسك بعدد من الاطباق الساخنه للفول والطعميه والبطاطس ، وتعاون الاثنان في صنع مأدبه متنوعه من الاطباق علي غطاء محرك سيارتهم ، ومع بدأهم للاكل ، ووسط أصوات السيارات المتحركه امامهم ، نظر طارق لعمر سائلا (الجواب دة لناديه ؟؟( رد عمر بأيماءه إيجاب ، وأستكمل تناول طعامه .
توقف طارق عن تناول قطعه ساخنه من الطعميه في يدة وتحدث كمن يفكر بصوت عال (يا أخي ، الحب دة حاجه جميله اوي ، اللي يشوف منظرك وانت بتحط الجواب في البوسطه ، يحسد ناديه عليك بجد ، بس تفتكر شعور الزوجه أو حتي الحبيبه يكون ايه لما تكون عارفه ان حبيبها رايح يحارب وممكن ميرجعش تاني) لم تكن جمله طارق سوى تعبير عن الفراغ العاطفي الذي يحس به فرغم غرامياته المختلفه التي يتندر بها أمام الجميع الا انه لم يجد من تحتل قلبه بعد ، نظر طارق فوجد عمر منهمكا في الاكل فصاح به (أنا مش بتكلم معاك يا جدع ؟؟) رد عمر باقتضاب بعد ان وضع ما بيدة من أكل: (لو فكرت بجد في احساس أهلي وناديه مش هعرف أطير) شرد طارق لثانيه في رد زميله ثم انهمك في طعامه.
أنهي الاثنان طعامهم وجاء دور المشروب الذي سيقوم بعمليه الهضم لكل ما تناولوه، وبعد ثوان كان الاثنان يرتشفان كوبين كبيرين من عصير القصب وكل منهم شارد في عالمه للحظات .
وفجأة وبدون اي مقدمات سمع الاثنان جلبه كبيرة واصوات رجال ، التفتوا ليجدوا عددا يربو على المائه من الرجال يلبسون الملابس المدنيه يهرولون تجاة محلات الفول وعددا اخر يهرع تجاة محل العصير الذي يقفوا أمامه ، سيل من الرجال غزا المنطقه فجاة ، ذهل طارق وتساءل عمر من أين أتي هؤلاء الرجال الذين تبدوا عليهم كل علامات الاجهاد الموجودة في الدنيا ، فالملابس رثه متسخه والوجوه مجهدة جائعه عطشى ، أختلفت ملابس الرجال ما بين الجلباب الفلاحي القميص والبنطلون ووسط دهشه الرجلين الذين ذابا وسط هذه الجموع الحاشدة التي هاجمت محلات الاكل كما تهاجم اسراب الجراد الزرع .
بعد ثوان تدخل في المشهد ضابط للشرطه العسكريه الذي هرول تجاة الرجال غاضبا امرهم بسرعه انتهاء ما يقومون به والعوده للوريات، زادت دهشه طارق وصاح (دول عساكر؟؟؟) وقبل ان يرد عمر حتي اتاة صوت من خلفه (أيوة يا فندم …أحنا عساكر) التفت الاثنان نحو مصدر الصوت فوجدا شابا أسمر الملامح يرتدي جلبابا متسخ أشد الاتساخ ويمسك في يدة بساندوتش يلتهمه بنهم شديد بينما يدة الاخري تقبض بشدة علي ساندوتش أخر كمن لا يريد ان يفرط فيه لاحد ، زالت دهشه عمر سريعا فواجه الرجل سائلا (أمال فين لبسك يا عسكري وفين سلاحك ؟؟؟) ظهر عدم مبالاة الرجل باللهجه العسكريه التي تحدث بها عمر ووضح عليه عدم الاكتراث وواصل طعامه ، غضب طارق لتصرف هذا الرجل فصاح به (مش ترد علي حضرة الضابط ولا مش سامعه ؟؟؟ انت عايز تتحاكم وتتحبس ؟؟) توقف الرجل عن تناول طعامه وبلهجه اسف صعيديه صرفه تحدث الرجل (أنا أسف يا فندم ، مش قصدى والله … بس انا محتطش في بقي أي اكل من وقت طويل ، وراح اموت من الجوع ، مش قصدي يا فندم والله أرجوك سامحنى)
كان ارتباك الرجل داعيا لان يخفف عمر من لهجته (انت من منين يا بلدينا؟؟)
أجاب الرجل الذي واصل اكله (من قنا يا فندم) لاحظ عمر ان الرجل يتفرس في زجاجه المياة التي بيد عمر ، فأقترب منه عمر مادا يدة بزجاجه المياه وأستطرد (وفين لبسك العسكرى وسلاحك .؟؟؟)
أختطف الرجل زجاجه المياة من يد عمر وتجرع كل ما بها في لهفه قبل أن يرد علي أسئله عمر المتلاحقه
)قالولنا هيسلمونا المخله والبندقيه لما نوصل ، وبقالنا في السكه تلات ايام .... والله يا فندم احنا اتقطع حيلنا في السكه الزفت دى(
أحس طارق بالشفقه علي هذا الرجل لكنه كان مازال غير مقتنع فساله) انت متأكد انك انت واللي معاك دول في الجيش معانا ( رد الرجل (أيوة يا فندم ،أحنا كلنا من الكتيبه 7555 مشاة)
قطع حديث الرجال صفارات يطلقها احد الضباط الذي حضر جريا لجمع رجاله أمرا أياهم بالتحرك نحو اللوريات بسرعه فدب الخوف في أطراف هذا الرجل عندما رأي الضابط فهرول تجاة اللوري سريعا بدون حتي ان يلتفت نحو طارق وعمر الذين وقفا لمشاهدة هؤلاء الرجال بملابسهم المدنيه يتجمعون بسرعه في اللوريات التي سرعان ما انطلقت مبتعدة
وقف الاثنان في دهشه وأحباط شديد ، كل منهم يدور في داخله صراع نفسي [/size]
طائرات ميج 17 مصريه تصطف بأرض المطار
وصل عمر وطارق الي مطار العريش في وقت متأخر من الليل وتوجها الي غرف مبيتهم بالمطار ، بعد أستلامهم تعليمات من قائدهم بالتواجد في السادسه صباحا في غرفه عمليات المطار .
ويقبع بمطار العريش لواء قتال جوي مختلف الاسراب ، فهناك سرب قاذفات خفيفه من طراز ميج 19 وسربين مقاتلات ميج 21 وهذا الطراز الذي يطير عليه طارق وعمر كذلك عدد من طائرات النقل وطائرات الهليكوبتر.
وفي الصباح التالي ، تحرك الطيارين من غرفهم تجاة غرفه عمليات اللواء ، وفي الطريق تقابل طارق وعمر وقد لبس كل منهم ملابس الطيران وأمسك بخوذته في يدة ، تبادل الاثنان التحيه ودار بينهم حديث ودي خلال الخطوات البسيطه نحو مبني القيادة ، لكن ما لفت نظرهم هو وجود طائرتين علي اول الممر مسلحتين وفي داخلهم الطيارين ، إنها طائرات الحاله الاولي تنتظر أي تعليمات للطيران الفورى ، منظر الطائرتين بلونها الفضي المعدني اللامع مع انعكاس أول ضوء للشمس أعطي الاحساس بان الطائرة هي التي تشع هذا الضوء البرتقالي البديع.
وصل الاثنان الي غرفه العمليات ووجدا بها عدد لا باس به من الطيارين ، وعلي الفور دخل قائد المطار والذي بدأ في شرح الموقف السياسي وأسباب رفع حاله الاستعداد و الاجراءات المتبعه لكنه شدد علي ان شيئا ما لا يلوح في الافق بمعني انه لا توجد أي احتمالات للحرب، و أستكمل في أبلاغ طياريه بالتعليمات واعطاء الاوامر لتمام الاستعداد وردا علي سؤال أحد الطيارين عن توقعه برد فعل الاسرائيلين ازاء الحشود المصريه ، رد القائد في ثقه مبالغ فيها ، بأن التصرف الوحيد امامهم هو سحب الحشود علي سوريا وذلك أذا كانوا يرغبون فعلا في عدم سحق قواتهم ، اما اذا كانوا يريدونها حربا ، فما عليهم الا ان يطلبوا ذلك ، وستدخل قواتنا تل أبيب في غضون ساعات قليله وأضاف الرجل بان الطيران المصري هو الاقوي في الشرق الاوسط وقادرعلي دك القوات الاسرائيليه في اي لحظه وتهكم الرجل من الاسرائيلين قائلا:
(سنه 62 عملنا تدريب في الجيش أكيد بعضكم فاكرينه، بسرعه فائقه حشدنا فرقتين مشاة والفرقه الرابعه المدرعه في سيناء ، و لما اليهود صحيوا لقوا جيشنا كله علي حدودهم ، جالهم حاله هلع)
وضحك الرجل بشدة (لو تعرفوا الرعب اللي جالهم ، لدرجه انهم اتصلوا بالامريكان يصوتوا لهم علشان نسحب قواتنا ..... طيب ... ده كان تدريب ... وهما اترعبوا جدا ، امال لما يصبحوا بكرة أو بعدة ويلاقوا الجيش المصري كله علي باب بيتهم ... وهما عارفين انه مش تدريب ........تفتكروا هيعملوا أيه ؟؟...)
واستكمل الرجل ضحكه وأستدار خارجا من غرف العمليات أيذانا بانتهاء القاء التعليمات
أرتقي اركان حرب المطار المنصه بعد قائدة وبدأ في سرد جدول الطيران وإجراءات الاستعداد.
خرج طارق وعمر من غرفه العمليات بعد ساعه تقريبا من دخولهما ، سار الاثنان تجاه غرفه الطيارين والتي تبعد خمسون مترا تقريبا من طائرتهم ، طبقا لتعليمات الطوارئ فيجب ان يتواجدا بهذه الغرفه طوال اليوم تحسبا لاي طارئ.
وبدلا من دخول غرفه الطيارين طلب طارق من عمر ان يتجها نحو طائراتهم للأطمئنان علي أستعدادهما، كان طارق يدخن سيجارته بينما عمر يسير متأملا منظر الممر والطائرات الرابضه عليه في تحفز ، ومن خلفهم جميعا وعلي بعد يربض برج المراقبه الذي يعلوة رادار كبير لا يكف عن الدوران بحثا عن اي أهداف تخترق سمائنا .
فجأة توقف طارق واستدار ليواجه عمر متسائلا: (انت عجبك كلام القائد ؟؟؟)
رد عمر بتلقائيه: (وماله كلام القائد)
طارق مندهشا: (ماله؟؟؟؟؟........ أحنا لو كنا هنحارب الهوا ، مش المفروض انه يتكلم بالثقه والاستهزاء دة)
عمر بثقه: (يا بني أحنا أقوي جيش في الشرق الاوسط كله .... هوا أنا محتاج أقلك الكلام دة ؟؟ ما انت عارف كل حاجه وعارف ان عندنا صواريخ توصل لجنوب اوربا كمان ....)
طارق متزمرا: (انا عارف كل اللي بتقوله دة ، بس مش المفروض نستهزأ بأسرائيل أكتر من كدة)
لاحظ طارق ملامح الاستخفاف تظهر علي ملامح عمر فأشار اليه بلا مبالاه وأستكمل سيرة نحو طائرته غاضبا ..
أحس عمر بالضيق لاستخفافه بكلام طارق فأردف محاولا تصفيه الجو: (متتنرفزش يا طارق ... خلاص يا عم ... انت عندك حق)
أستدار طارق غاضبا ، ونظر حوله ليري اذا كان هناك احدا قريبا ليسمع حديثه ، وعندما وجد ان ليس هناك احدا قريب ،أقترب من عمر هامسا بجديه (اللي في دماغك دة كله غلط ، انا قلت لك كام مرة وانت مش عايز تسمعني)
وأشار بأصبعه في وجه عمر محذرا (انا قلت لك متصدقش كل حاجه تتقال لك)
ثم أستدار تاركا عمر في حيرة ، لم تدم حيرة عمر كثيرا فركض خلف طارق متسائلا عما يقصد ، فرد عليه الاخير هامسا (بلاش تصدق حكايه اننا هنرمي اليهود في البحر واننا عندنا صواريخ توصل لاوربا ، كل اللي بتشوفه وتسمعه كذب في كذب ، اوعي تكون فاكر إن الصواريخ اللي بتشوفها في العرض العسكري كل سنه دي صواريخ حقيقيه . لا يا عمر) وبمرارة يكمل طارق (دي صواريخ صاج ، منظر بس علشان يضحكوا علي الغلابه اللي زيك).
لا يمكن تصور نظرة الصدمه التي ظهرت علي وجه عمر ، فهو مؤمن بالثورة ومبادئها حتي النخاع ، ولا يمكن لعقله تصور ان تقوم القيادة بخداع الشعب ، هذا الايمان جعله يطرد تصور صدق كلام طارق ، فأبتسم قائلا (لا ... لا ... انت بتهزر شكلك كدة) وعندما وجد ملامح طارق جادة لا تدل علي أي نوع من انواع العبث ، أسقط في يده ،فأمسك بذراع طارق وأقترب هامسا (الله يخليك يا طارق ، انت متأكد من الكلام ده ..؟؟ الكلام دة يودي في داهيه)، هم طارق باستكمال الحديث لكنه لمح أحد ضباط أمن المطار يقترب منهم فأخبر عمر انهم سيستكملون الحديث ليلا .
سار كل منهم الي طائرته يفحصها ويعاين الوقود والتسليح وفي كل فرصه كان طارق ينظر الي عمر يجده بدورة ينظر اليه وعينيه تشع كما من الحيرة والتساؤل.
في المساء أنصرف الطيارين الي غرف سكنهم بالمطار لكي يستريحوا ويستعدوا ليوم جديد ، فمن المعروف ان الطائرات في ذلك الوقت لا تستطيع الطيران ليلا ، نظرا لعدم وجود أجهزة خاصه بالطيران ليلا علي الطائرات تمكنها من الطيران نحو اهدافها والاشتباك أو حتي العوده لمطارتها ، فكان من الطبيعي ان يخلد الطيارين والقادة والجنود علي حد السواء الي الراحه بمجرد حلول الليل ، وكان ذلك يحدث أيضا في الطيران الاسرائيلي ، مما جعل الليل فترة هدوء تامه للطرفين .
كان الظلام قد ملئ ارجاء مطار العريش ، والهدوء يسود كل ارجاء المطار حتي غرف الطيارين يسودها هدوء ، في هذه اللحظات كان طارق قد استحم وبدأ طقوسه في الراحه النفسيه التي يهتم بمتابعتها كلما سمحت له الظروف ، فيقوم بوضع كرسي مواجهه لشرفه غرفته ليجلس عليه مواجها للوحه بانوراميه للسماء السوداء والنجوم التي تضئ كمصابيح بعيدة ويتزامن ذلك مع موسيقي اوبراليه كلاسيكيه تأتي من جهاز البيك أب ، جلس طارق علي الكرسي ممدا رجليه علي كرسي اخر ، ناظرا لهذا الجمال الرباني الذي يراة من سماء وارض متشابكان متعانقان في سواد متدرج الدرجات ، كان علي وشك البدء في التجاوب مع الموسيقي الكلاسيكيه والطيران بروحه في سماء الهدوء والسكينه ، وفجأة سمع دقات علي بابه ، دقات متتاليه ، فقام من كرسيه غاضبا من مفرق لحظات متعته الخاصة ، وجد عمر في وجهه عندما فتح الباب ، وجهه جامد متسائل حائر أو خليط من كل ذاك وتلك ، فهم طارق علي الفور ماذا يريد زميله .
ومع إعداد طارق لكوبي شاي بدأ الحديث ، فعمر يريد أن يعرف ، وهنا بدأ طارق في السرد بصوت خافت .
(بص يا عمر ، انا اتعلمت إني عمرى ما أقًفل عيني ووداني عن حاجات واضحه ، لكن انت ايمانك الاعمي بالثورة وبالريس والمشير خلاك مش شايف أي حاجه ، وخصوصا لو كانت حاجات واضحه زي الشمس ، يعني هضرب لك مثل بحرب اليمن ،أدينا بعتنا الجيش بقالنا خمس سنين ، الجيش المصري بيحارب قبائل بقاله خمس سنين السؤال هنا ، ليه بقالنا خمس سنين مش عارفين نقضي علي كام قبيله لو اننا فعلا احسن جيش في الشرق الاوسط ؟؟ ، الاجابه إن حتي أحسن جيش فيه دايما طرف تاني يقدر يدوخه ، يا بني أنا ليا زملاء في الجيش خدموا في اليمن بيقولولي ان حرب العصابات هناك مدوخه قواتنا وراهم في كل حته ومش عارفين نقول اننا انتصرنا لاننا مش لاقيين العدو) هم عمر بان يقاطعه لكن طارق أستكمل حديثه:
(ارجوك يا عمر بلاش تقاطعني علشان انا فعلا مش مستريح للي بيحصل في الجيش وفي الطيران خصوصا فسيبني اتكلم وأطلع اللي جوايا ،علي الاقل انا عارفك وواثق فيك ، مفيش حد دلوقتي تقدر تثق فيه ، ممكن اي حد يحب يطلع علي كتافك يقوم يبلغ عنك الامن او في مكتب شمس بدران وزير الحربيه ، وبعدين تلاقي نفسك في السجن الحربي بتهمه الخيانه)
هنا قاطعه عمر بحدة (ما انت عارف ان الثورة لازم تأمن نفسها ، حتي من نفسها)
طارق ساخرا: (يا عمر فتح عينك بقي ، فيه نظام في الدوله يحط مقدم بالجيش وزير للحربيه ؟؟؟ دة مؤهلاته ايه غير النفاق علشان يوصل للرتبه دي؟ الحال ملخبط قوي يا عمر)
وأستدار طارق ناظرا للسماء مرتشفا من كوب الشاي وهو يتمتم (ربنا يستر بجد) كان عقل عمر يعمل بسرعه فهو يعرف طارق منذ ما يربو عن عام وهذه اول مرة يراة في هذا المزاج الحاد المتعكر ، لكن عمر شغوف بمعرفه ما لديه من معلومات عن الصواريخ فتساءل (أمال ايه حكايه الصواريخ الصاج دي)
ضحك طارق بمرارة (قصدك الصواريخ القاهر والظافر والرائد ؟؟؟؟، دي يا سيدي صواريخ ارض ارض مصممه لتكون بعيدة المدي ، والريس جمال حضر كام مرة عمليات اطلاق لها ،المصيبه انه كان عارف ان الصواريخ دي ملهاش أجهزة توجيه يعني ملهاش عقل يعني مطرح ما ينزل الصاروخ هينفجر ، لاننا لغايه دلوقتي مقدرناش نصنع اجهزة توجيه لها ، ولما العلماء الالمان هربوا توقف العمل بالمشروع جزئيا ، لكن الريس والمشير شافوا انهم يظهروا الصواريخ الصاج دي في العرض العسكري لردع أسرائيل مع ان اسرائيل أكيد عارفه ان المشروع وقف، لانهم هما اللي طاردوا العلماء الالمان بالطرود الناسفه وطفشوهم من البلد)
نظر طارق لعمر فوجدة قد فغر فاه مندهشا فتبسم ، وسئل عمر (انت عرفت منين ؟؟؟)
رد طارق (واحد معرفه كان بيشتغل في المشروع قبل ما يتنقل للقوات الجويه لانهم بقوا مش محتاجينه)
أسقط في يد عمر ووجد ان كلام طارق منطقي ولا مبرر اطلاقا لكي يكذب عليه ، فتساءل (طب ليه السوفيت ميدوناش أجهزة التوجيه دي ، ما هم بيدونا سلاح متطور برضه ؟؟؟)
طارق منفعل: (سلاح متطور ايه بس يا عمر ..... انت فاكر ان الطيارات اللي معانا دي متطورة ؟؟؟)
أومأ عمر بالايجاب قائلا (الميج 21 أحسن من أي طيارة في العالم لغايه دلوقت)
طارق (أنا معاك حق وكلامك صح ... بس ...... لو اللي معانا دي نفس الميج 21 اللي في الطيران السوفيتي)
كاد عمر ان يقفز من مقعده مندهشا (انت عاوز تقولي ان الميج دي ناقصه كمان ؟؟؟)
طارق (طبعا ، دي نسخه للتصدير بس)
عمر متحديا (أزاي بقي ؟؟؟؟)
طارق (علشان انا قلت لك انك مش بتشوف الا اللي انت عاوز تشوفه بس ، عايز تشوف التماثيل الرخام علي الترعه بتاعت عبد الحليم حافظ من غير ما تشوف الناس اللي حول التماثيل وعايز تشوف الطيران المصري اقوي سلاح جو في المنطقه ومش عايز تفتكر اللي حصل فوق سيناء ديسمبر اللي فات)
عمر مجاوبا (قصدك الحادثه بتاعت الطيران السوفيتي ؟؟؟)
طارق وقد لمعت عيناة (شوف أديك أثبت لي انك أعمي مبتفكرش)
عمر (ليه ؟؟؟)
طارق (لان الخبر اللي وصلك ودة طبعا كان سر عسكري المفروض متقولوش لحد ، والخبر بيقول أن 4 طيارين سوفيت بطيارات ميج 19 ماتوا في حادثه اثناء الطيران.صح ؟)
أومأ عمر أيجابا
طارق (يا بني فكر ارجوك .... ازاي حادثه بين 4 طيارات في وقت واحد هما كانوا طايرين أزاي يعني ؟؟؟ يا عمر انت طيار وفاهم ان دة مش ممكن خالص)
عمر بدهشه متسائلا (أمال ايه اللي حصل ؟؟)
طارق (دول كانوا طالعين من مطار المليز ، رمزي دفعتنا بيخدم هناك وهو اللي حكالي كل حاجه من كام يوم لما شوفته في الاسكندريه .....) ، صمت طارق للحظات مشعلا سيجارة (رمزي حكالي إن كام طيار من عندنا رجعوا من روسيا بعد دورة علي الميج 19 ، الطيارين دول بلغوا القيادة بأن الطائرات اللي في الخدمه هناك بها اجهزة توجيه وتصويب متقدمه غير موجودة في طيارتنا ، والموضوع اتصعد لأعلي مستوي ، وكان رد السوفيت انه دة مش صحيح وبعتولنا طيارين علشان يثبتوا لنا زي عادتهم اننا المتخلفين ومش عارفين نسوق طياراتهم ، ويوم 19 ديسمبر اللي فات طلع تشكيل من ست طيارات ميج 19 أربعه منهم بطيارين روس وبعد فترة رجعت الطيارتين المصري وبقي الروس في الجو ، متعرفش بقي حظهم الاسود ولا تدخل الهي وقعهم وسط طيارات ميستير أسرائيلي كانوا بيعملوا دوريه قرب الكونتلا ، وفي ثوان يا عمر كانت الاربع طيارات مولعين في الجو بالطيارين الروس)
لاحظ طارق الدهشه علي نظرات عمر فأستكمل (المهم أن الروس أتحرجوا جدا وطلبوا عدم اذاعه الخبر والتكتم عليه والمدهش ان اسرائيل لم تذع الخبر ايضا)
عمر (يعني العيب مش فينا زي هما ما بيقولوا علينا)
طارق (لا العيب مش فينا لكن في الطيارات لانها مش كامله زي اللي يتخدم في الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، بس تستنتج ايه كمان يا عمر من كل الكلام اللي قلته لك ؟؟)
سكت عمر للحظات مفكرا ، كان يعلم الاجابه لكنه تفادها عن قصد ،فأجاب طارق بدلا منه (تستنتج انك متصدقش كل حاجه الاذاعه تقولها وتخلي مخك حاضر ونشيط ، وكمان تستنتج ان الطيارين الاسرائيلين مش شويه ، لما يعرفوا يوقعوا اربع طيارات بطيارين روس يعني أحسن طيارين في العالم يبقوا هما كمان طياريين كويسين ، يعني احنا لازم نعمل لهم الف حساب مش زي ما القائد قال الصبح)
كانت عبارة طارق الاخيرة كمدرس يعلم طفل امامه مبادئ الحياه ، وبالفعل فقد أستوعب الطفل الدرس تماما وإن كان الطريق امامه طويلا لكي يري بعين غير عينه التي رأت ان العالم بدون الثورة والاشتراكيه سيكون عالما فاسدا.
غادر عمر الغرفه منكس الرأس غارقا في التفكير ، كثير من المبادئ والمثل أصبحت تهتز امامه بعد ان كانت شامخه شموخ الهرم الاكبر.
8 مايو 1967 مطار فايد
مرت اربع أيام علي رفع حاله الاستعداد ، جميع الطيارين في حماس وشوق للقتال في أي لحظه ، توالت طلعات التدريب مع أعمال حمايه المنطقه كان ذلك يتماشي مع بث أثير الراديو الاغاني الوطنيه التي تلهب حماس الرجال ، ومع مرور الوقت شاهد الطيارين سواء من الجو او علي الأرض ، شاهدوا الجيش المصري يتحرك تجاة سيناء، عشرات بل مئات العربات والدبابات والالاف الجنود يعبرون القناه متجهين نحو الشرق فقط ، تجاة حدود العدو ، قربت ساعه القتال والكل في شوق لها .
ورغم البوادر التي أتخذها الجميع وتهيأ لها بأن الامر لن يطول وان اسرائيل سترتعد خوفا ، فأن الامر أستمر وأستمر معه تدفق قواتنا لسيناء وتحولت النفوس الي الاحساس بقرب وقوع حرب وشيكه.
في ذلك اليوم صباحا ، كان السمري وأحمد والمليجي يفترشون الارض بملابس الطيران تحت جناح أحد الطائرات السوخوي جاهزين كطياري حاله ثانيه يمكنهم الانطلاق في الجو في ثوان محسوبه ، كانوا يشربون الشاي ويحتمون من لهيب الشمس ، معنوياتهم في السماء ، ينتظرون دورهم سواء للطيران في المظله التي تحمي سماء المطار او في الحلول محل رفاقهم في طائرات الحاله الاولي ، لا يخلو حديث بينهم من كلمات القتال والحرب، المليجي يحلم بقتال جوي يدق فيه عظام الطيارين الاسرائيلين ويشفي غليله ، وأحمد يسخر منه قائلا بأنه لن يترك للمليجي أي طائرة في السماء ليهنأ بتدميرها.
تتعالي الضحكات بين هؤلاء الرجال المتفجرين حماسة ووطنيه وانتماء ، ويظهر الطيار محمد خميس قادما من بعيد ، لم يسلم من قفشه سريعه لاحمد تعالت ضحكات المليجي والسمري بعدها ، لكن خميس لم يتجاوب بصورة معتادة ، فقد كان يبدو بانه يحمل خبرا ما ، فصمت الجميع منتظرين منه ان يبدأ نشرة الاخبار التي أعتاد ان يحملها . فبدأ خميس حديثه (العمليه شكلها بجد يا جماعه) سكت لحظه منتظرا رد الفعل من الرجال ، وفعلا كان رد فعل حاد من المليجي غير الصبور أزاء أي اخبار جديدة فأكمل خميس (فيه أشارة من القيادة باعادة توزيع الطائرات علي المطارات نتيجه معلومه وصلت المخابرات الحربيه بأن مدي الطائرات الميراج الاسرائيليه لا يتعدي 300 كلم ، وعليه صدرت الاوامر بسحب عدد من الطائرات من المطارات الاماميه ، وأعادة توزيعها في الدلتا والقناه، علشان لو هما بدأوا الضرب تكون قوتنا الضاربه بعيد عن مدى طيراتهم..)
ظهرت نظرات فزع علي عيني أحمد وصاح غاضبا (مين اللي قال ان مدي الميراج 300 كلم بس ، انا عندي كتيب عن الميراج ومداها اكبر بكتير من 300 كلم ......)
كان وقتا مناسبا للسمري لكي يصطاد أحمد فقال بهدوء (أحمد فاكر نفسه هيعرف أكتر من المخابرات الحربيه . وكتيب ايه اللي معاك دة انت مش كنت بتقرأ قصص أطفال، وبتتفرج علي الصور بس كمان ؟؟؟)
أنفجر الجميع ضاحكين من سخريه السمري ، فأخيرا تصيد أحد موقفا للسخريه من أحمد والذي كان الجميع يخافون لسانه وسخريته ، وقع المليجي علي الارض يضرب بيدة من شدة الضحك وخاصه مع احمرار وجه أحمد الذي أحمر بشدة ، كان صوت ضحك الرجال عاليا بصورة لفتت نظر العقيد تحسين الواقف في أعلي برج المراقبه ، وشاهد من مكانه أحمد يشير بيدة اشارات الوعيد ويبتعد مسرعا من مكانه تحت جناح الطائرة.
بعد دقائق كان القائد يخطو تجاة السمرى ورفاقه ، قام الجميع أحترامه له وأدوا التحيه العسكريه التي ردها الرجل وانحني تحت جناح الطائرة داعيا أياهم بالجلوس والاحتماء من الشمس ، وسئلهم عما حدث بينهم وبين أحمد ، فقد رأة يبتعد غاضبا وكأب لهم فهو لا يحب أن يري أي خصومه بين الرفاق بدون ان يسارع في التدخل لحل الموقف.
بدأ السمري يشرح لقائدة ما حدث وأن الحوار انتهي بهزيمه نكراء لاحمد نتيجه سخريتهم مما يدعيه ، وأن احمد رفض الاستسلام وانه ذهب لاحضار الكتيب من حقيبته ، وان الامر قد تطور الي تحدي بين أحمد وبين المليجى والسمري ،فالاخرين يعتمدان علي صدق المخابرات الحربيه و احمد يعتمد علي كتيب مجهول.
وبينما الحوار دائر ، حضر أحمد ملوحا بالكتيب ونظرة الانتصار تطل من عينيه طلب منه القائد الجلوس وشرح الموقف (يا فندم فيه ناس ميعرفوش في الطيارات وبيسخروا من اللي بيعرفوا) كان ينظر للسمري ردا له السخريه منه ، فقاطعه القائد (ملوش لزوم التنبيط يا احمد ، وقلنا المعلومات اللي عندك)
احمد: (يا فندم دة كتيب خالي جابه لي من فرنسا ، هوا مقدم وبيشتغل في ادارة المشتريات ، لما زار فرنسا قدر يوصل لكام نسخه من الكتيبات الخاصه بالطائرات الفرنسيه المقاتله ،وانا أستوليت منه علي نسخه من نسخ الميراج والميستير اللي بيخدموا في أسرائيل)
السمري مقاطعا (خلصنا ياعم وقول اللي عندك)
الا ان القائد حذر السمري من استمرار الاستهزاء فقد كان واضحا اهتمامه بما يقوله أحمد ، وبنظرة منتصرة أستكمل احمد موجها حديثه للقائد (الكتيبات دي يا فندم بتطبعها مصانع للطائرات للدعايه ومفيهاش اسرار ، في وصف الميراج يا فندم وفي صفحه 32 مكتوب –ان طيران الطائرة علي ارتفاع كبير وبواسطه اثنان من خزانات الوقود الاضافيه واماكن لاربعه قنابل أو صواريخ جو جو يصل المدي الي 1500 كلم أي أضعاف المدي اللي المخابرات بتقولنا عليه ، اما في حال الطيران المنخفض يكون مدي العمليات 900 كيلومتر يعني برضه اكبر من مدي اللي المخابرات بتقول عليه)
طائرة ميراج 3
أمسك القائد بالكتيب وتمعن في الصفحه التي تبين المدي ، بينما تحولت نظرات أحمد المنتصره لتشمل من حوله وتحول القائد للجديه في حديثه قائلا (تعرف ان لو المعلومات دي صح، يبقي تكتيك القيادة لازم يتغير بسرعه)
تدخل المليجي في الحديث (طيب يا فندم ، ليه احنا واخدين التكتيك الدفاعي دة ؟ ما احنا لو هنهاجم لازم تكون طيارتنا قريبه من الجبهه ، ليه نرجعها ورا ؟)
القائد: (والله يا ولاد أنا نفسي متحير ، مش عارف الفريق صدقي محمود عايز أيه ، علي كل حال احنا لازم نكون جاهزين للدفاع والهجوم في أي لحظه)
كان عجز القائد علي تبرير تصرفات قيادته مربكا لصغار الضباط ، لكن الرجل كان يبدو حائرا مشتتا لا يعرف ماذا تخبئ الايام ، فهل سنهاجم أم ندافع، ام هل سنحارب أصلا ام لا.
أستدار القائد: )احمد أنا هأخذ الكتيبات وابعتها مع ضابط امن للفريق صدقي ، وهنشوف ردة هيكون ايه ، بس أنا رأيي أنها معلومات صحيحه لان باقي المعلومات الخاصه بالسرعه والتسليح صحيحه(
كانت جمله القائد اعلانا بفوز احمد في التحدي ، ووسط خيبه امل رفاقه ، قام القائد متجها نحو برج المراقبه وهو يتصفح في الكتيب بعمق تاركا أحمد يشمت في ضحاله معلومات رفاقه الذين ران عليهم الصمت والخجل من خسارتهم للتحدي
العريش : نفس اليوم
وسط جو الترقب والاستعداد ، طارق يجلس داخل كابينه طائرته الميج ، مستعدا في أي لحظه للاقلاع لتنفيذ مهمه الدفاع عن المطار او كما قلنا سابقا – فهو في طائرة حاله اولي ، بينما عمر يجلس علي مسافه في الظل يتصفح احدى الجرائد اليوميه ، بملابس الطيران كامله وبجوارة علي الارض خوذه الطيران، كان الحر والعرق يعصف بجسد طارق عصفا خاصه وجسدة مشدود بأحزمه الطائرة ، شعور لا متناهي بعدم الراحه ، وحسدا لزميله القابع في الظل وبدون مقدمات اعلن في مكبرات الصوت عن وصول طائرة تحمل شخصيه كبيرة من القيادة العامه بالقاهرة ،وأن علي جميع الطيارين والضباط الغير مكلفين بمهام حاليا ، عليهم التواجد بقاعه الاجتماعات .
نظر عمر وطارق لبعضهما البعض ، فأخيرا هناك من سيزيح الغموض والذي يكتنف الموقف منذ اسبوع .
هبطت طائرة مروحيه وخرج منها عدد من الضباط ، رتب متعددة كلها من الجيش لابد وأن شيئا ما هام يلوح في الافق هكذا فكر عمر
دخل الضباط سريعا الي غرفه الاجتماعات بينما أنزوي أحد اللوءات بقائد المطار وسلمه مظروفا كبيرا مغلقا ، تابعت عيني عمر هذا الحوار بدون ان يعرف مغزاة
وبعد ثوان دخل الرجلان الي القاعه ، وبدون ان يجلسا أمسك اللواء الميكرفون محييا الرجال ومخبرا أياهم بان الحرب اصبحت علي الابواب وأن الرئيس جمال والمشير بثقان في قدراتهم علي تحقيق اي مهام ،وأن قائد المطار لديه تعليمات جديدة ، ثم أمر بصرف مبلغ خمس جنيهات لكل جندي وعشر اخرين لكل ضابط وطيار ، وسرعان ما خرج الرجل من القاعه ، تاركا الرجال في حيرة من هذا الاجتماع الخاطف والذي لم يقال فيه اي شئ يذكر ، وكأن الرجل أتي لتوزيغ النقود عليهم فقط .
صعد قائد المطار الي المنصه وطلب من جميع الطيارين التواجد في غرفه العمليات بعد اخر ضوء ، حتي يتثني للجميع سماع ما سيقوله ،فخرج عمر شاردا من غرفه الاجتماع وسار تجاة طارق واخبرة بفحوي الاجتماع ، فسخر طارق من مبلغ العشر جنيهات التي يصرفونها في وقت يستعد الجيش للحرب، او علي الاقل أحتمال الحرب ما زال قائما .
في المساء اجتمع الطيارين بقائدهم في غرفه العمليات ، بدأ القائد حديثه في الحال مخبرا أياهم بأن الاوامر قد صدرت بتقليص قوة المطار وتوزيع جزء من طائراته علي مطار السر في وسط سيناء لتنفيذ عمليات هجوميه بدأ من بعد غد ،وأن قائمه بأسماء الطيارين الذين سيغادرون صباحا مع اول ضوء ستعلق علي باب ميس الطيارين ، واضاف القائد أن أحتمالات الحرب بدأت في التزايد في الفترة الماضيه نتيجه الغطرسه الاسرائيليه وأستمرار أنكارها لوجود حشود علي الجبهه السوريه ،وانه قد حان الوقت لتأديبهم ، وأنفض الاجتماع وقد لمعت عيني طارق وعمر سعاده فكلاهما بل وكل الطيارين في شوق للقتال ، ففي حرب 1956 لم يسمح للطيارين بالاشتباك أو حتي الطيران حمايه لهم وكان ذلك قرارا صائبا جدا لحمايه ارواح عدد قليل من الطيارين يشكلون اول نواة لطياري المقاتلات النفاثه في مصر ، ومازال كبار الطيارين يحملون شوق للقتال بالطائرات الجديدة التي معهم ، وانتقل هذا الشعور الي صغار الطيارين بالتبعيه ، لذلك كان حماس الرجال بمعرفه ان هنالك تعليمات هجوميه لهم.
بعدها بلحظات ووسط حماس الرجال،علقت ورقه صغيرة علي باب الميس ، تسارع الطيارون لرؤيه ما بها ، ووجد طارق وعمر أسميهما مدرجين بها للانتقال الي مطار السر صباح اليوم التالي .
كان الجميع يعلم بأمر مطار السر وانه مازال تحت الانشاء كمطار مكمل لمطار العريش، لذلك لم يكن انطباع عمر وطارق جيدا ، فعلي الاقل يوجد بالعريش نوع من انواع المدنيه الحديثه ، والان سينتقلان مع عدد من زملائهم الي وسط صحراء سيناء حيث تأبي المدنيه ان تقترب منها .
هون طارق من احباط عمر ووعدة بأجازة لمدة عدة ساعات يقضياها في العريش قبل أن يغادروا ، ورغم سخريه عمر من أستطاعه طارق الحصول علي اذن بالخروج من المطار في وسط حاله الاستعداد ، فأنه حَصل بطريقه ما علي أذن بساعتين كاملتين لهم ، واتفقا علي كتمان الخبر.
ومع دقات الساعه التاسعه مساءا، والمطار في حاله هدوء ، مرقت سيارة مسرعه لخارج اسوار المطار تقل الاثنان وبعد دقائق كانت السيارة التي قادها عمر بسرعه كبيرة تصل الي قلب مدينه العريش ، حيث كان المشهد مختلفا تماما عما يبدو المطار عليه من هدوء وسكينه ، جلبه كبيرة ، قوافل من السيارات والعربات المدرعه تتحرك في اتجاهات مختلفه حامله مئات الجنود ، نزل الاثنان من سيارتهم يتطلعان الي هذه التحركات الصاخبه ، أحساس كبير بالفخر والاعتزاز بقواتنا الباسله وهي تتحرك.
أضطرا للانتظار برهه حتي أستطاعا ان يخترقوا بسيارتهم احد القوافل لكي يعبروا الي الجانب الاخر من الطريق حيث مبني المحافظه وعدد من المحلات التجاريه الصغيره ، نزل الاثنان من سيارتهما بجوار محل للفول والطعميه حيث تقدم عمر داعيا طارق لوليمه مفتخرة من الاكله المصريه الاولي ، وبينما هم في انتظار طلبهم ، سار عمر عدة خطوات حيث يقبع صندوق متهالك للبريد يعلوة الصدأ ، وأخرج خطابا من جيبه ونظر اليه قليلا ثم قبله ووضعه في الصندوق بهدوء .
ثم عاد الي طارق الذي امسك بعدد من الاطباق الساخنه للفول والطعميه والبطاطس ، وتعاون الاثنان في صنع مأدبه متنوعه من الاطباق علي غطاء محرك سيارتهم ، ومع بدأهم للاكل ، ووسط أصوات السيارات المتحركه امامهم ، نظر طارق لعمر سائلا (الجواب دة لناديه ؟؟( رد عمر بأيماءه إيجاب ، وأستكمل تناول طعامه .
توقف طارق عن تناول قطعه ساخنه من الطعميه في يدة وتحدث كمن يفكر بصوت عال (يا أخي ، الحب دة حاجه جميله اوي ، اللي يشوف منظرك وانت بتحط الجواب في البوسطه ، يحسد ناديه عليك بجد ، بس تفتكر شعور الزوجه أو حتي الحبيبه يكون ايه لما تكون عارفه ان حبيبها رايح يحارب وممكن ميرجعش تاني) لم تكن جمله طارق سوى تعبير عن الفراغ العاطفي الذي يحس به فرغم غرامياته المختلفه التي يتندر بها أمام الجميع الا انه لم يجد من تحتل قلبه بعد ، نظر طارق فوجد عمر منهمكا في الاكل فصاح به (أنا مش بتكلم معاك يا جدع ؟؟) رد عمر باقتضاب بعد ان وضع ما بيدة من أكل: (لو فكرت بجد في احساس أهلي وناديه مش هعرف أطير) شرد طارق لثانيه في رد زميله ثم انهمك في طعامه.
أنهي الاثنان طعامهم وجاء دور المشروب الذي سيقوم بعمليه الهضم لكل ما تناولوه، وبعد ثوان كان الاثنان يرتشفان كوبين كبيرين من عصير القصب وكل منهم شارد في عالمه للحظات .
وفجأة وبدون اي مقدمات سمع الاثنان جلبه كبيرة واصوات رجال ، التفتوا ليجدوا عددا يربو على المائه من الرجال يلبسون الملابس المدنيه يهرولون تجاة محلات الفول وعددا اخر يهرع تجاة محل العصير الذي يقفوا أمامه ، سيل من الرجال غزا المنطقه فجاة ، ذهل طارق وتساءل عمر من أين أتي هؤلاء الرجال الذين تبدوا عليهم كل علامات الاجهاد الموجودة في الدنيا ، فالملابس رثه متسخه والوجوه مجهدة جائعه عطشى ، أختلفت ملابس الرجال ما بين الجلباب الفلاحي القميص والبنطلون ووسط دهشه الرجلين الذين ذابا وسط هذه الجموع الحاشدة التي هاجمت محلات الاكل كما تهاجم اسراب الجراد الزرع .
بعد ثوان تدخل في المشهد ضابط للشرطه العسكريه الذي هرول تجاة الرجال غاضبا امرهم بسرعه انتهاء ما يقومون به والعوده للوريات، زادت دهشه طارق وصاح (دول عساكر؟؟؟) وقبل ان يرد عمر حتي اتاة صوت من خلفه (أيوة يا فندم …أحنا عساكر) التفت الاثنان نحو مصدر الصوت فوجدا شابا أسمر الملامح يرتدي جلبابا متسخ أشد الاتساخ ويمسك في يدة بساندوتش يلتهمه بنهم شديد بينما يدة الاخري تقبض بشدة علي ساندوتش أخر كمن لا يريد ان يفرط فيه لاحد ، زالت دهشه عمر سريعا فواجه الرجل سائلا (أمال فين لبسك يا عسكري وفين سلاحك ؟؟؟) ظهر عدم مبالاة الرجل باللهجه العسكريه التي تحدث بها عمر ووضح عليه عدم الاكتراث وواصل طعامه ، غضب طارق لتصرف هذا الرجل فصاح به (مش ترد علي حضرة الضابط ولا مش سامعه ؟؟؟ انت عايز تتحاكم وتتحبس ؟؟) توقف الرجل عن تناول طعامه وبلهجه اسف صعيديه صرفه تحدث الرجل (أنا أسف يا فندم ، مش قصدى والله … بس انا محتطش في بقي أي اكل من وقت طويل ، وراح اموت من الجوع ، مش قصدي يا فندم والله أرجوك سامحنى)
كان ارتباك الرجل داعيا لان يخفف عمر من لهجته (انت من منين يا بلدينا؟؟)
أجاب الرجل الذي واصل اكله (من قنا يا فندم) لاحظ عمر ان الرجل يتفرس في زجاجه المياة التي بيد عمر ، فأقترب منه عمر مادا يدة بزجاجه المياه وأستطرد (وفين لبسك العسكرى وسلاحك .؟؟؟)
أختطف الرجل زجاجه المياة من يد عمر وتجرع كل ما بها في لهفه قبل أن يرد علي أسئله عمر المتلاحقه
)قالولنا هيسلمونا المخله والبندقيه لما نوصل ، وبقالنا في السكه تلات ايام .... والله يا فندم احنا اتقطع حيلنا في السكه الزفت دى(
أحس طارق بالشفقه علي هذا الرجل لكنه كان مازال غير مقتنع فساله) انت متأكد انك انت واللي معاك دول في الجيش معانا ( رد الرجل (أيوة يا فندم ،أحنا كلنا من الكتيبه 7555 مشاة)
قطع حديث الرجال صفارات يطلقها احد الضباط الذي حضر جريا لجمع رجاله أمرا أياهم بالتحرك نحو اللوريات بسرعه فدب الخوف في أطراف هذا الرجل عندما رأي الضابط فهرول تجاة اللوري سريعا بدون حتي ان يلتفت نحو طارق وعمر الذين وقفا لمشاهدة هؤلاء الرجال بملابسهم المدنيه يتجمعون بسرعه في اللوريات التي سرعان ما انطلقت مبتعدة
وقف الاثنان في دهشه وأحباط شديد ، كل منهم يدور في داخله صراع نفسي [/size]
عدل سابقا من قبل mady في الأحد يونيو 27, 2010 7:21 am عدل 1 مرات
تكملة الفصل الثانى ( السرب 77 قتال حرب اكتوبر )
وفي طريق عودتهم للمطار كان عقل كل منهم يدور بسرعه ، تساءل عمر في أسي) هوا ده الجيش اللي هيحارب ؟؟( جاء صوت طارق خافتا ينم عن أسي شديد وعدم تصديق (دى مهزله، عساكر بقمصان وجلاليب ومن غير سلاح ؟؟ هي وصلت للدرجه دي ؟)
أسقط في يد عمر ووجد ان السكوت هو خير حل لما راؤه فلا يجب ان يتحدثوا عنه امام زملائهم لكي لا تهتز روحهم المعنويه ، فالمشهد صعب التصديق .
فكيف تفكر القيادة في أرسال جنود غير مجهزين وجوعي الي الجبهه ، فمن المعروف عسكريا ان الجيوش تسير علي بطونها واذا فرغت البطون توقف الجيش فما بالك بجنود مهلكين وجوعي وبدون سلاح ، ماذا يستطيع هؤلاء الجنود ان يقدموا للمعركه وكيف لم تفكر القيادة في معنويات الجنود الاخرين وهم يروا هؤلاء الرجال المهلكين يقاتلون بجوارهم ، كيف يثقوا بهم ؟
كان هذا بالضبط ما يدور في عقل طارق )الثقه (فكيف يثق في قيادته وهي تلقي برجال غير جاهزين لاتون المعركه وكيف يثق بهم وهو يطير فوقهم يحميهم ، ما الذي يمنعهم من أسقاط طائرته خطأ فهم في النهايه غير مدربين علي الاقل لتمييز طائرتنا من طائرات العدو.
وعليه أستكمل الاثنان باقي المسافه حتي المطار بدون حديث وحتي بعد عودتهم للمطار ، دلف كل منهم الي غرفته صامتا.
وفي الصباح التالي وقبل شروق الشمس بقليل خرج سته طيارين بملابس الطيران الكامله من مبني القيادة متجهين نحو طائراتهم ، صمت يلف الاجواء ، عدد من الفنيين يجهز الطائرات المتجه الي مطار السر وهي ثلاث طائرات ميج 21 أثنان منهم لطارق وعمر وثلاث طائرات ميج 19 ، وبعد دقائق من شروق الشمس بدأت الطائرات في التحليق تجاة الجنوب الشرقي متخذين الشمس الي يسارهم ، كانت طائرات عمر وطارق الاخيرتين في الانطلاق .
وبعد ثوان كان التشكيل يلتحم في الجو تحت قيادة النقيب محمود بطائرته الميج 19.
ومن ارتفاع كيلو وطوال الطريق ، شاهد الطيارون الجيش المصري يتحرك في كل شبر من سيناء ، كان منظر ممتع مشاهدة الدبابات تتحرك مخلفه سحب من الرمال والخيام المتناثرة حول المدافع المنتشره بطول الطريق، تحدث عمر بفخر الي طارق عبر اللاسلكي )شايف الجيش المصري يا طارق ؟؟؟( نظر طارق تجاة عمر لكنه لم يجب، لم يعرف بماذا يجيبه ، فمنظر الجيش فخر لكل مصري ، لكن مشاعرة مازالت متناقضه داخله ولم يكرر عمر السؤال ، أستمر التشكيل طائرا علي أرتفاع متوسط ودخل الي منطقه جبال عاليه بعد دقائق بدأ النقيب محمود في اعطاء التعليمات بالاستعداد للهبوط بالتشكيل ، فتساءل عمر في نفسه أين سيهبطوا وسط هذه الجبال ؟؟ وبعد ثوان ظهر المطار والذي لم يكن من الجو سوى ممر أسود يخترق صفرة الصحراء ويحيط به عدد لا بأس به من الجبال ، تمتم طارق في عقله بفتور أهو هذا المطار الذي سنحارب منه ؟
بدأت الطائرات في الدوران والتخلص من الارتفاع وبنفس تشكيل الاقلاع كان عمر وطارق هما الاخيرين أيضا في الهبوط ، هبطت الطائرات جميعها ، واصطفت في منطقه الانتظار ، ونزل الطيارون وكل منهم يدور بعيني رأسه في ارجاء المطار ، لكن اين هو المطار ، فكما كان يبدو من الجو ، كان يبدو من الارض ، ليس به سوي ممر فقط ، فلا مبان ولا برج للمراقبه ، حتي تشوينات الذخيرة والوقود كانت مخزنه في العراء وحولها عدد من شكائر الرمال المتناثرة هنا وهناك ، فضلا عن عدم وجود أي نوع من انواع الدفاع الجوي المضاد للطائرات ،تحرك الطيارون وأعينهم ترصد كل شبر من المطار ، تقدم رجل يحمل علي كتفيه رتبه رائد بشرته حمراء نتيجه الشمس الحارقه أصلع الرأس تقريبا وله شارب رفيع جسدة رفيع متناسق ، ويرتدي أحد افرولات الطيران وينتعل حذاءا رياضيا خفيفا
تقدم الرائد من الطيارين السته مصافحا وقدم نفسه (أنا الرائد مرعي مرسي، قائد سربكم الجديد – ومؤقتا بعتبر أيضا قائد المطار، لحين أستكمال قوة المطار(
تمتم النقيب محمود ساخرا )هوا فين المطار دة ... دة مجرد ممر في الصحرا)
رد الرائد مرعي مبتسما (عندك حق يا كابتن المطار فعلا مش جاهز بس لو كنت قريت عن معركه بريطانيا عام 41 ضد الالمان ، كنت عرفت أن الطيران الانجليزى أستعمل كل الحقول الممكنه علشان يطلع منها ويفاجئ الالمان ، ودي فرصه كويسه ان الاسرائيلين ميعرفوش أن المطار دة بقي شغال ، وكدة ممكن نحقق مفاجأة للعدو بأعتراضه في مكان غير متوقع له)
كانت وجهه نظر الرائد قويه وهو يتكلم مزهوا بمعلوماته مما كاد معها أن ينهي الحوار لكن طارق أبي ان يترك هذا الحوار بأن ينتهي علي هذا الشكل فتدخل قائلا) أسمح لي يا فندم – كلام سيادتك صح ..لو الاسرائيلين معندهومش رادارات ترصد طيارتنا وهي نازله وطالعه ، ولو هما ميعرفوش ان هنا في مطار ،هيعرفوا لما يرصدوا طيارتنا زي ما احنا بنرصد طيارتهم ، علي الاقل هيشكوا إن هنا في مطار وبناء عليه هيبعتوا طيارات استطلاع وتصور المطار ويبقي عنصر المفاجاه ضاع.(
سكت طارق تاركا وجهه قائدة يزداد أحمرار ، ووسط صمت الطيارين الاخرين تدخل محمود في الحوار مخففا من الجو ومنقذا قائدة من إحراج بالغ: (بس انا رأيي يا طارق ان الجبال اللي حول المطار هتمنع رصد طيارتنا وانا شايف ان عنصر المفاجاة لسه معنا وكلام الرائد مرعي صح) كان محمود يتحدث وهو يحدق في عيني طارق ليحثه علي ترك النقاش
وادرك طارق ما يريدة محمود فاجابه (عندك حق يا محمود ، الجبال دي فعلا تنفع تخبي تحركاتنا) وأستدار تجاة الرائد مرعي مخبرا اياه بأنه علي حق ، وابتعد وهو يكظم غيظه، وقبل ان ينصرف الطيارين شدد عليهم الرائد مرعي بأن هناك أجتماع للتلقين الخاص بالعمليات التي ستبدا غدا
وهكذا انتهي التعارف بين الطيارين وقائدهم بصورة غير جيدة ، استدعت عمر بأن يلوم طارق بأن أظهار ضحاله معلومات قائده امام رجاله ليست بفكرة جيدة
وكان محمود يشارك عمر الرأي لكن طارق كان منفعلا ومن داخله ثورة غضب زادت من حرارة الجو الذي جمعهم بجوار احدي الخيام . كان انفعال طارق من مشهد الامس في العريش للجنود الجوعي والغير مؤهلين للقتال ، كذلك ترسيبات قديمه عن سوء حاله الجيش المتجه للحرب وزادها حاله المطار الذي لا يصلح للحرب ، كل هذه الانفعالات جعلته متوتر وثائر في هذا الصباح مما جعله ينفعل قائلا
تقدروا تقولوا لي ، لو انتوا بتهاجموا المطار دة ، حتحتاجوا كام طيارة علشان تعطلوة ؟؟؟) لم يترك لهم فرصه الرد وأستكمل (هيه طيارة واحدة ترمي قنبلتين علي الممر ، وتروح بيتها ، ونبقى أحنا بقينا زي الولايا علي الارض لا عارفين نطير ولا ندافع عن المطار ولا حتي نقوم بمهمتنا في الحرب ،هوا احنا بس كويسين في لما حد يسألنا أخبارنا ايه نقوم نقول كله تمام وعال العال يا فندم) واسقط في يد عمر ومحمود الامر ، ولم يكن هناك ما يمكن ان يخفف من ثورة طارق .
تحول مطار السر بعد وصول الطائرات الي العمل الشاق ، فيجب تجهيز الطائرات للمهمه المكلفين بها في الغد، فحملت الطائرات الميج 19 بقنابل للهجوم الارضي بينما حملت الطائرات الميج 21 بصواريخ جو جو .
غيرت الاستعدادات الهجوميه من معنويات الطيارين وبدأوا في الاستعداد لهجوم الغد بحماس شديد ، كل منهم يعرف واجبه لكن ينقص معرفه الهدف فقط ، كانت تعليمات الرائد مرعي لرجاله هي الراحه التامه حتي التلقين النهائي في الليل والذي من خلاله سيعرف الرجال هدفهم وقبل الغروب هبطت طائرة هيلكوبتر محمله بامدادت الماء والغذاء للرجال وبعض البريد، كذلك حاجيات الطيارين التي تركوها بالعريش مما ساعد علي رفع المعنويات أكثر.
وبعد ان حل الليل وغرق المطار في الظلام ، تجمع الطيارين خارج خيمه الرائد مرعي الملاصقه للخيمه التي وضع بها جهاز اللاسلكي الوحيد، وبعد ثوان من وصول كافه الطيارين ، بدأ الرائد مرعي شرحه علي طاوله خشبيه وعلي ضوء لمبه جاز ووسط سكون الليل وانقطاع الانفاس شوقا لمعرفه الهدف.
(بسم الله ، ابدأ في التلقين النهائي لمجموعه طيران مطار السر ، الهدف يا رجاله هو القيام بهجوم مع اول ضوء لمهاجمه مدينه ايلات الاسرائيليه(
انتابت الرجال جميعهم حاله من النشوي والتهليل والتكبير ، أحتضن عمر طارق من فرط النشوة ، وشاركه طارق في الابتهاج متجاوزا كل مخاوفه وشكوشه.
أمرهم الرائد مرعي بالصمت لاستكمال التلقين (مجموعه النقيب محمود هتكون تحت قيادتي ، والهدف ضرب مستودعات البترول شمال ايلات وضرب مطار ايلات ، مجموعه طيارات الحمايه هتكون تحت قيادة النقيب طارق عز الدين ومعاه النقيب عمر الشاذلي والنقيب محمد الصاوي ، والهدف حمايه التشكيل المهاجم ومنع اقتراب اي طائرات اسرائيليه من تشكيل الهجوم)
كان الجميع ينصت مهتما بما يقوله الرجل الذي أستطرد (من لحظه الاقلاع هنكون تحت قيادة وتوجيه مطار العريش …… أي أسئله ؟؟؟؟؟؟) لم يكن هناك اي تفكير في اسئله من الطيارين فكل منهم يفكر في الغد المشهود
فأستكمل القائد حديثه عندما لم يجد أي اسئله (علي بركه الله نبدأ دلوقتي في -التفاصيل) وبدأ الرجل في شرح خطوط الطيران والتشكيل والاتجاهات والتوجيهات الدقيقه حتي توقف امام ظرف كبير أخرجه من خيمته ووزع ما به من صور .
كانت صور جويه لمدينه ايلات والميناء بها ، ثم أردف )ممكن تكون المعالم اتغيرت شويه عن الصور لكن مش من الممكن تغلطوا في مستودعات البترول او مطار( …فتساءل عمر عن تاريخ التقاط هذه الصور ، فرد القائد في خجل واضح (دي من سنه 48)
تلجمت السنه الرجال من هول المفاجأه ، فمن المعروف عمليا ان صور الاستطلاع لابد وان تكون جديدة جدا قدر الامكان لتحديد الهدف ، ووسط صدمه الرجال وسكوتهم جاء صوت واثق مطمئن لينشلهم من الاحباط
والمفاجأه هنا انه صوت طارق قائلا (مش مهم صورة من سنه كام المهم اننا ندي ولاد الكلاب دول درس مينسهوش(
تعالت صيحات التجاوب من الرجال وارتفعت معنويات الرجال للسماء مرة اخري بالجمله السحريه التي القاها طارق في الوقت المناسب ولم يسلم طارق من نظرات حائرة متسائله تطل من عيني عمر والذى يواجه طارقا أخر غير الذي كان يتحدث معه بغضب واحباط من ساعات قليله.
قاربت الساعه علي العاشرة مساءا ، كان الهدوء والترقب يسود مطار السر انتظارا لغد حافل ، فبكل خيمه ضابط او جندي يفكر فيما يحمله لهم الغد من مفاجأت ، مشاعر عميقه تعتصر الرجال وخاصه الطيارين منهم ، فليس من السهل علي اي رجل مهما كانت شجاعته ان يعلم انه سيشارك في نشوب حرب ربما يكون هو اول ضحاياها ، لم يكن من السهل علي طارق ان يترك هذا الشبح يغادر عقله ، فبينما يجلس خارج خيمته ممسكا سلاحه الشخصي ينظفه ويعدة ، كان عقله يعمل بلا انقطاع والسجائر المتواليه تحترق في يدة الواحدة تلو الاخري ، تمعن النظر في طلقات الطبنجه الشخصيه له ، وفكر هل من الممكن ان يضطر الي استخدامها ، فلو أضطر لاستعمالها فأن ذلك معناه ان تكون طائرته اصيبت واضطر للقفز منها بالمظله ، لكن ابدا لن يتم اسره.
لم يحس طارق باقتراب عمر الذي انتهي من صلاة العشاء وعاد للخيمه التي تجمعه مع طارق ، اقترب منه وهو جالس مستغرق في التفكير ناظرا الي احد الطلقات بتمعن (مالك يا طارق) قال عمر بهدوء بجوار طارق الذي بادرة الرد بهدوء (شايف الطلقه دي؟) تعجب عمر من السؤال (مالها؟)
طارق دي الطلقه التاسعه في الخزنه ، ولو وقعت ، هتكون التمن طلقات اللي قبلها من نصيب عساكر اليهود …… اما دي فهتكون من نصيبي(
رد عمر وهو يربت علي كتف طارق: (مفيش لزوم للقلق ، طول ما احنا مع بعض هنحمي بعض … (
توقع عمر ردا ما من طارق لكن الاخير لم يرد واستمر في تنظيف سلاحه في صمت ، فتركه عمر ودلف للخيمه طمعا في الراحه قبل الغد الحافل.
صباح اليوم التالي :
ما زالت تباشير الصبح لم تظهر بعد ، ولكن وتيرة الحركه بالمطار بدأت في الازدياد ،فرغم ان الفنيين لم يناموا في هذه الليله لاتمام تجهيز الطائرات ،فأنهم ظلوا علي يقظتهم حتي يتأكدوا من اقلاع كافه الطائرات ، تزايدت الحركه ببدء أستيقاظ الطيارين ، كان عمر من اوائل من استيقظوا تبعه طارق وتوجها نحو برميل كبير مملوء بالماء واقتطعوا كميه منها في اوعيه لكي يتوضأوا وتبعه باقي الطيارين وعدد من الفنيين ، وبعد الصلاة المهيبه التي هزت الجبال من حولها بتكبيرات الرجال، عاد الرجال في هدوء للخيام لارتداء ملابس الطيران ، كان طارق في اشد الحاجه لان يصلي ويلقي بكل همومه علي الرحمن ،بينما ساعدت الصلاه عمر علي السكينه والتركيز الشديد.
وبعد دقائق ومازالت اولي تباشير الصباح تستحي ان تظهر بعد، بدأ الرجال يتحركون نحو طائراتهم للأطمئنان علي جاهزيتها ، دلف عمر الي الكابينه وتطلع الي العدادات وتفقد كل ما يتعلق بحاله الطائرة والتسليح والوقود كذلك فعل جميع الطيارين.
ومع بدء ظهور اول ضوء تجمع الرجال امام الرائد مرعي يستمعون الي اخر التعليمات واعادة سريعه لمهام كل منهم ، بينما كل منهم يدون ملاحظاته الشخصيه، ثم صافحهم وغادر الجميع الي طائراتهم ركضا عدا الرائد مرعي الذي انتظر لتلقي اشارة من قيادته في خيمه اللاسلكي.
دلف الطيارون الي كبائن القيادة ، وساعدهم الفنيين في ربط الاحزمه وتأكيد جاهزيه الطائرة ، كان الجميع في قمه السعادة والتحفز وبعد ثوان كانت سبع طائرات تحمل العلم المصري ذو الالوان الثلاثه والنجمتين متوجا ذيلها تستعد للاقلاع في اي ثانيه نحو اهدافها ، مرت دقائق وبدأ شعاع للشمس يظهر علي استحياء من بين قمم الجبال معلنا ميلاد يوم جديد ، مرت دقائق أخري ولم يظهر الرائد مرعي من خيمه اللاسلكي، فلابد من انتظار الامر بالهجوم.
خرج الرائد مرعي من الخيمه ببطء ومشيرا للطيارين بان الاوامر لم تصدر بعد ، وكان التشكيل علي ممر الاقلاع في مقدمته طائرات الميج 21 المقاتله ومن خلفها الطائرات القاذفه ، ومع ارتفاع الشمس في كبد السماء مع مرور الوقت ولم تصدر الاوامر بعد ، تحول الرجال في داخل طائراتهم الي كتل ملتهبه من شدة الحرارة .
مر الوقت وقاربت الساعه علي العاشرة صباحا واصبح الوجود داخل الكابينه لا يطاق نهائيا ، ومهما زود الفنيين اولئك الطيارين بالمياة فأن ذلك لم يروي ظمئ أي منهم ، وفي العاشرة والنصف خرج الرائد مرعي واطلق من مسدس للاشارة خرطوشه أرتفعت في السماء وأعين الرجال تلاحقها ، خرطوشه حمراء معلنه الغاء الاقلاع ، سادت حاله من الوجوم والغضب ارجاء المطار ، فقد تمني الكل ان تكون هذه الخرطوشه خضراء معلنه الاقلاع لكنها كانت للاسف حمراء محطمه امال الرجال.
نزل الطيارون من طائراتهم وتوجهوا تجاة الرائد مرعي الذي وقف حزينا ، ومن بين سيل اسئله الطيارين المنهمره عليه أجاب الرجل بجمله واحدة (الهجوم تأجل لبكرة ، مش عايز أسئله دلوقتي خالص لو سمحتوا) ثم أشار تجاة طارق وعمر و الصاوي (انتوا تطلعوا تعملوا طلعه تدريب لمده نصف ساعه( ثم أخرج من جيبه خريطه ووضح عليها خط سير التدريب ، ثم أشار تجاة محمود مخبرا اياة بأن يستعد للاقلاع في طلعه تدريب فور هبوط التشكيل الاخر.
ثم أستدار الرائد مرعي ودلف مرة اخري داخل خيمه اللاسلكي
كان واضحا انه يتهرب من اسئله طياريه وانه يريد الهائهم عن التفكير بطلعه التدريب والتي لم تكن مدرجه في جدول الطيران .
وانتحي طارق بعمر والصاوي جانبا ووقفوا يتدارسوا مسار التدريب ، كذلك قام محمود ، وبعد دقائق كانت الطائرات تقلع متخذه مسارا تجاة الشمال الغربي، وفور أقلاعها بدأ برج مراقبه مطار العريش في اعطاء التعليمات للتشكيل بالطيران المنخفض تفاديا لرادارات العدو ، كما زودهم بالارشادات الملاحيه اللازمه.
أتخذ طارق المقدمه وعلي يمينه عمر ويسارة الصاوي ، أستمرا في مسارهم المرسوم حتي وصلا الي العريش ثم انحرفوا شرقا تجاة الحدود ، وطوال الطريق كان الرفاق يتمتعون بمشاهد الجيش المرابض قرب الحدود ، مئات الدبابات والعربات والاف الجنود يظهرون كحبات سوداء علي رقعه صفراء بلون الصحراء الممتده ، وقبل ان يصلوا الي قطاع غزة أتجهوا جنوبا بموازاه الحدود ، وكانت تلك المناطق خاليه تماما من الجيش ، وحسب تعليمات مطار العريش تم الطيران علي ارتفاع منخفض لتجنب الكشف الراداري من العدو ولتجنب اشتباك مع العدو ، لذلك فقد بدأ مستوي الوقود في التناقص نظرا للطيران بسرعه كبيرة وعلي ارتفاع منخفض، فقلص طارق مسار التدريب واتجه عائدا الي مطارة ،مرت دقائق صمت بين الطيارين ، قطعها صوت الصاوي محدثا طارق (الوقود عندي قرب يخلص) رد طارق (احنا في الاتجاة الي المطار ، قربنا نوصل) ولزم عمر الصمت رغم تدني مستوي وقودة هو الاخر .
رفض طارق ان يعترف بأنه قد ضل الطريق في اول الامر ، لكنه أعترف في داخله بذلك نظرا لتشابه الجبال والوديان في هذه المنطقه ، فأتصل بمطار العريش طالبا توجيهه الي مطار السر ، لكن موجه برج المراقبه بمطار العريش فشل في ذلك نظرا للمنطقه الجبليه التي يطيروا بها ومن ثم فأن رادار العريش لا يتمكن من التقاطهم وتوجيههم ، كما أن مطار السر ليس به اي اجهزة رادار او توجيه يمكنه الاعتماد عليها للوصول للمطار ، تحدث الصاوي مرة اخري بارتباك واضح (طارق- الوقود ميكفيش أكتر من خمس دقايق – أتصرف أزاي؟؟؟) رد طارق بلهجه امرة (أستمر في التشكيل يا صاوي)
الذي لا يعرفه الصاوي ان مستوي وقود طارق كان أقل من دقيقتين
كان طارق يتصبب عرقا في داخله وهو ينظر في جميع الاتجاهات بحثا عن مطارة
وبدون اي مقدمات أزعج انعكاس ضوء الشمس عيني طارق ،فتلفت الي مصدر الانعكاس فشاهد الممر وعليه طائرات الميج 19 تعكس ضوء الشمس من بين الجبال ، وعلي الفور اعطي تعليمات الهبوط لرفاقه ، ووضع الاولويه للصاوي ومن بعده عمر ، وهنا تحدث عمر (انت الوقود عامل معاك ايه يا طارق ؟؟؟(
رد طارق (عال العال .. أنزل بس انت وانا وراك) أتخذت الطائرات دورانا حادا وبمهارة اصبحت الطائرات في خط مستقيم خلف بعضها البعض أستعدادا للهبوط ، في هذه اللحظه نفذ الوقود من طائرة طارق والذي صاح بدورة في اللاسلكي بان وقودة قد نفذ وان المحرك قد توقف ، وفي نفس اللحظه كان الصاوي يلامس بطائرته ارض الممر، وعمر يبعد عن الممر ثوان قصيرة ، أنزعج عمر جدا ونظر خلفه فوجد طارق مازال متمكنا من طائرته بفضل القصور الذاتي وسرعه الهواء التي تساعد الطائرة علي الطيران لثوان بدون محرك ، لكنها ثوان قليله ، فهل تكفي ؟؟؟
كان الرائد مرعي وطبقا للتعليمات يستمع لحوار الطيارين لكنه لم يتدخل لكي لا يستغل العدو اشاراته ويرصد مكان المطار ، فخرج مسرعا من الخيمه متابعا لطائرة طارق الاخيرة التي مازالت تبعد عن الممر بضع مئات من الامتار ، لامست عجلات طائرة عمر الممر ، بينما تركيزة كاملا مع طارق وسئله في قلق (انت لسه مسيطر يا طارق ؟) رد طارق بان وضع الطائرة ما زال تحت سيطرته لكن التحكم في الطائرة أصبح يزداد صعوبه ، وتصبب العرق علي عيني طارق مما زاد من صعوبه الموقف ، فهو مسيطر بالكاد علي الطائرة والممر يقترب بهدوء ، كل ما جال بخاطرة في هذه اللحظات فكرة مضحكه ، أيعقل ان يموت بسبب نفاذ وقود طائرته والمعركه علي الابواب ولم يقاتل بعد .
مازال الممر يقترب ببطء ومؤشر السرعه يتناقص معلنا قرب سقوط الطائرة ، عصا التحكم بالطائرة اصبحت ثقيله ، فأمسك طارق بها بكلتا يديه ، وعينيه لا تفارق بدايه الممر ، مازالت سرعه الطائرة تتناقص
وقف الجميع بالمطار مشدودين وهم يشاهدون الطائرة تقترب ببطء من بدايه الممر ،بينما أفسح الصاوي وعمر الممر لطائره طارق وعلي اول أمتار من الممر لامست عجلات الطائرة الارض ، تنفس الجميع الصعداء مع هبوط الطائرة بسلام ، وتهلل الجميع، بينما كادت اعصاب عمر ان تفلت لثانيه لكنه حافظ علي رباطه جاشه حتي توقفت الطائرة في منتصف الممر ، فجري نحو طارق للاطمئنان عليه وسرعان ما تحولت سعادة عمر الي غضب ، فصاح في وجه طارق بأن مستوى وقودة المتدني كان يفرض عليه الهبوط اولا ، الا ان طارق كان هادئا بعد ان تمالك اعصابه سريعا وأخبرة بأن الاولويه تكون لافراد التشكيل ويليهم قائد التشكيل فهو اخر من يهبط بعد ان يطمئن علي رجاله في نفس اللحظه كان الرائد مرعي قد وصل لمكان الحوار بجوار طائرة طارق الرابضه في منتصف الممر ،أحتضن الرجل طارق وهنأه علي سلامته وكفاءته ورباطه جأشه في نفس الوقت ففي هذه المواقف تظهر كفاءه الطيارين وتمكنهم من الموقف تماما ، رغم صعوبه الموقف الا ان طارق كان هادئا علي غير المتوقع ، فداعبه قائدة سائلا اياه عن كيفيه أهتدائه للمطار ،وبينما يقوم الفنيين والجنود بدفع الطائرة نحو مكان الانتظار مفسحين الممر للتشكيل الاخر بالاقلاع ، دار الحوار بين الاربعه بعد ان انضم اليهم الصاوي فشرح طارق الموقف تماما ، وتعجب الصاوي من القدر ، فقد كان كثير من الطيارون معترضين علي عدم دهان الطائرات بالالوان الصحراء المموهه وتركها علي لونها الفضي اللامع مما يجعلها عرضه للاكتشاف من مسافات بعيدة وهي طائرة او علي الارض ، وها هو القدر يساعد التشكيل بواسطه هذه الطائرات اللامعه
شاركه الرائد مرعي وعمر الرأي بان عدم طلاء الطائرات بلون مموه يعتبر خطأ عسكريا كبير يجب تداركه ، فتدخل طارق في الحوار شارحا وجهه نظرة) مش بس الالوان يا جماعه اللي تحمي طيارتنا ، لا... لازم يكون فيه كمان دشم ، تحمي الطيارات حتي لو الممر انضرب تفضل الطيارات سليمه)
رد القائد مرعي (مسأله الدشم دي انتهت من تلات سنين بعد دراستها ، اولا وجدوا في القياده إن تكاليفها عاليه جدا وكمان الحرارة اللي جوة الدشمه تكون عاليه جدا لما الطيارة تدور المحرك ودة بيأثر علي الطيارة ككل ، علشان كدة صرفوا نظر عن الموضوع دة) ثم ضحك الرجل ضحكه حزينه ، فتساءل عمر عن سبب ضحكه ، فرد القائد) حضرت من كام شهر حوار بين كبير مهندسي قاعدة العريش وواحد خبير روسي حول موضوع الدشم دة ، تصوروا الخبير كان منفعل جدا وغاضب من فكرة الدشمه لان وجهه نظرة ، إن لو الطيارات المعاديه وصلت لفوق المطار نبقي نستحق اللي يحصل لنا) تدخل عمر (الراجل عندة حق) ووسط نظرة استغراب ممن حوله ، سارع شرح عمر وجهه نظرة (ما هوا فعلا الراجل عندة حق ، لو سيبنا الطيران الاسرائيلي يوصل لفوق المطار ، نبقي نستحق ان المطار ينضرب)
قاطعه طارق منفعلا (ايه اللي بتقوله دة يا عمر ، مفيش قوة طيران علي الارض تقدر تحمي كل مطارتها 100% من المحتمل جدا لاعظم مظله جويه في العالم انها تسيب طيارة او اتنين يفلتوا من القـتال ويضربوا المطار ، يبقي ساعتها احنا حاميين الطيارات اللي علي الارض، مش سايبنوهم كدة في الصحراء مكشوفين)
تدخل الرائد مرعي وطلب انهاء الحوار وتجهيز طائراتهم فورا كطائرات حاله اولي وتأجيل النقاش لان لديه اعمال يقوم بها ، وبينما طائرات التشكيل الاخر تقلع بصوتها المدوي الذي هز الجبال حوله ، كان طارق يطمئن علي اعادة ملئ طائرته بالوقود مرة اخري واستعدادها للاقلاع مرة اخري ، فالنهار مازال طويلا ولابد لهم من ان يكونوا مستعدين لاي طارئ.
فايد نفس اليوم
كانت الاحوال عاديه جدا في نفس اليوم ، ولم تصل لقيادة المطار اي تعليمات بعمليات هجوميه او واجبات محددة ، لذلك التزم العقيد تحسين زكي بجدول المظلات الجويه
كانت الساعه تقارب الثانيه عشر ظهرا ، عندما أصطف تشكيل من اربع طائرات علي اول الممر يستعد للاقلاع في دوريه تدريبيه ، ففي الصف الاول ، أصطفت طائرتين سوخوي الاولي بها أحمد السمري وبالاخري مدحت المليجي ، وخلفهم بقليل أصطفت طائرتي أحمد ومحمد خميس الميج 21، أستمع الطيارون الاربعه لصوت العقيد تحسين في اللاسلكي يؤكد علي خط السير والارتفاع ، وتمني لهم التوفيق ، ثم أعطي للسمري الاذن بالاقلاع .
بدأت الطائرات الاربع تتحرك ببطء ثم ما لبثت أن تسارعت لتقلع الي عنان السماء في لحظات
أعطي السمري تعليماته بالتسلق في اتجاة الاسماعيليه الي ارتفاع 5 كيلو ، أرتفعت مقدمه الطائرات وهي تخترق السماء اختراقا ، في نفس الوقت كان التشكيل يلتحم في الجو ، لدرجه تقاربت معها الطائرات الي مسافه قصيرة جدا ببعضها البعض .
أستوت الطائرات علي الارتفاع المحدد ،وحلقت فوق قناة السويس متجهه نحو الاسماعيليه ، ومن الجو كان المنظر رائعا للقناة بمياهها الزرقاء وسط اللون الاصفر الذي يحيط بها من الجانبين ، لم يكن منظر القناة والسفن المنتظرة بها تنتظر دورها في الابحار غريبا علي الرجال ، لكن المشهد الذي شد انتباة الرجال هو مشهد لخط أسود طويل يمتد من غرب القناة الي شرقها يظهر علي الافق ، ومع أقتراب التشكيل أتضحت الرؤيه ، فالخط الاسود الطويل هذا ما هو الا الوحدات الاداريه لاحد الفرق والتي تعبر القناة في ذلك الوقت ، مئات العربات تعبر القناة فوق احد الجسور مخترقه سيناء ، ظهر صوت السمري في اللاسلكي (دي اكيد الفرقه الرابعه مدرعه رايحه سينا)
فتابع أحمد (يا برنس هوا مش سمير أخوك بيخدم في الفرقه الرابعه ؟؟؟)
مدحت (أيوة( ثم تلي ذلك فترة صمت تدخل محمد خميس بعدها (ربنا ينصرهم)
مرت الطائرات بسرعه فوق الاسماعيليه ثم تجوزت الجسر الحديدى بالقرب من الفردان ثم القنطرة ومن بعدها ظهرت بورسعيد علي الافق ، كان الحديث مقتضبا بين الرجال في ذلك الوقت ، الي أن قطعه صوت العقيد تحسين واضحا في اللاسلكي يأمر التشكيل بالقيام بهجوم وهمي علي المطار وترك حريه تنفيذ الهجوم للسمري .
أعطي السمرى الذي كان يعلم بأمر التدريب المفأجئ اوامرة للتشكيل بالتخلص من الارتفاع بسرعه والاتجاة جنوبا علي اقل ارتفاع فوق القناة ، وبسرعه كان الطيارون ينفذون التعليمات وقد تحمس الرجال لهذا الامر الغير مألوف لكنه بالتأكيد خروجا عن روتين الدوريه الممل .
قسم السمري التشكيل بسرعه (انا والمليجي هنهاجم وأحمد وخميس يحمونا ويشتبكوا مع اي طيارة تطلع ، زمن الهجوم أربعين ثانيه ، الهدف ضرب الممر وتعطيل المطار)
كانت تعليمات السمري واضحه وسلسه ، أستمع الطيارين في صمت لهذه التعليمات التي رددها السمري )هنفضل زيرو فيت( أي علي ارتفاع صفر وهو مصطلح يعني اقل ارتفاع ممكن، ثم أستكمل (عند البحيرات المرة انا والمليجي هنرتفع فجأة ونهاجم علي طول ، احمد وخميس تفضلوا علي ارتفاع واطي وتدوروا جنوب المطار علشان تركبوا أي طيارة تطلع)
أستكملت الطائرات مسارها، وعند البحيرات ارتفعت طائرتي السوخوي بسرعه كبيرة وأنحرفتا شرقا تجاة المطار مباشرة بينما ظلت طائرتي الميج 21 في مسارهمها وبدأتا في الدوران ببطء تجاة الشرق .
علي الارض تم رصد الطائرات المغيرة عند دورانها قرب البحيرات ، وأنطلقت الخرطوشه الخضراء بسرعه ، وفي لحظات كانت طائرتين ميج 21 تنتطلقان علي الممر، في اول لحظات لم يكن الطيارون بهاتين الطائرتين يعرفان ماذا يحدث بالضبط ، لكن عند اقلاعهم جاء صوت العقيد تحسين يخبرهما بأنه تدريب ويجب ان يشتبكا مع الطائرات المغيرة في تدريب قتالي .
وقف العقيد تحسين في برج المراقبه يتابع بأهتمام ، بينما أمسك في يدة اليمني بساعه يحسب بها ازمنه معينه
أدي السمري والمليجي واجبهما الهجومي ، وبلغ السمري برج المراقبه بأن منتصف الممر قد دمر بواسطته ، وان المليجي قد أصاب تقاطع الممر الرئيسي مع الممر الفرعي
لكن العقيد تحسين رد بأن جزء من الممر فقط قد اصيب ويجب معاودة الهجوم ، في ذلك الوقت كانت الطائرات المقلعه قد بلغت اربع طائرت ميج 21 بينما وصل أحمد وخميس لمنطقه الاشتباك ، أعطي السمرى اوامرة لمدحت بمعاودة الهجوم بينما أعلن أحمد وخميس انهم يشتبكون الان مع الطائرات المعترضه .
كان التفاف احمد وخميس حول المطار من بعيد عاملا هاما في تمكنهم من تعقب طائرتين معترضتين واعلان اصابتهما حيث لم تكن هاتان الطائرتان قد اتخذتا ارتفعا وسرعه يمكناهما من الاشتباك بعد فتم أصابتهما بسهوله وخرجتا من المعركه، وبقيت اول طائرتين اقلعتا للاشتباك ، كان السمري ومدحت يدوران لمهاجمه الممر مرة اخري ، صاح السمري بأن هناك طائرة معترضه بدأت تتخذ وضعا لمهاجمه مدحت ، صاح احمد في مدحت بالاستمرار في الهجوم وبأنه سيحميه ، وبالفعل دار أحمد بدورة رأسيه مبتعدا عن خميس الذي طارد بدورة الطائرة الاخري.
أقبل المهاجمون تتعقبهم طائرة معترضه وخلفها أحمد بطائرته يحاول ان يطبق عليها ، وبالفعل وبعد أعشار الثانيه تمكن أحمد من أصابتها بمناورة بارعه وسريعه واعلن ذلك في اللاسلكي ، وأستكمل مدحت والسمري قصفهما الوهمي للمطار ، ومن الارض أعلن العقيد تحسين اصابه الممر بدرجه جعلته غير صالحا للاقلاع ، مما يعني نجاح الهجوم في اغلاق المطار مؤقتا ، بعدها اصدر أمرا بعودة جميع الطائرات وهبوطها .
بعد دقائق كانت الطائرات الثمان تعود الواحدة تلو الاخري لتهبط ثم تصطف في اماكن الانتظار المخصصه لها، تباينت المشاعر عقب هبوط جميع الطائرات ، فتشكيل السمري سعيد ويتبادل اعضائه التعليقات وعلي وجه كل منهم زهو المنتصر ، بينما باقي طياري الطائرات المعترضه محبطون ، وعلي الفور أصدر العقيد تحسين تعليماته بأجتماع جميع الطيارين عدا طياري الحاله الاولي لتقييم التدريب قبل ان يكتب كل طيار تقريرة التفصيلي .
دار الحوار في بادئ الامر مفتوحا بين الطيارين بينما ظل العقيد تحسين واقفا يتابع الحوار في صمت.
تشكيل الطائرات المعترضه كان يرأسه نقيب يدعي حسن ، دافع حسن عن ادائه ورفاقه بحجه ان الوقت لم يكن كافيا للاستعداد وان الانذار كان متاخرا جدا ، وايد زملائه ذلك كذلك السمري ورفاقه .
ورغم موافقته علي وجهه نظر حسن الا ان المليجي لم يوافق علي ان ذلك حجه كافيه ، وان طياريه لابد وان يقاتلوا بشكل اقوي من ذلك ، فالهجوم قامت به اربع طائرات فقط منها اثنان للحمايه ولم يستطع التشكيل المعترض ان يسقط اي منها ، حتي الطائرة التي طاردها خميس خرجت من القتال لانها ابتعدت كثيرا عن محيط المطار مما جعلها غير ذات جدوي في الدفاع عن المطار ، ثم أستطرد أحمد مستكملا لرفاقه الاصغر سنا وخبره (لازم يكون دفاعكم عن المطار بصورة اقوي من كدة ، مش لازم تنتظر حتي تأخد ارتفاع للقتال ، أول طيارتين انا وخميس هاجمناهم كانوا لسه بياخدوا ارتفاع وبسرعه بطيئه جدا ، خلونا نصطادهم بسهوله تامه ، كان لازم يناوروا بعيد عن مرمي مدافعنا ويهاجمونا)
تدخل حسن مرة أخري متزعما جبهه الاعتراض مكررا كلامه بان زمن الانذار كان متأخرا ، وان رفاقه لم يقلعوا متأخرين .
هنا تدخل العقيد تحسين في الحوار شارحا بأن عدم وجود رادارات ترصد الطائرات علي ارتفاع منخفض ، يجعل أكتشاف العدو متأخرا وبأن الطيارين يجب ان يكونوا مستعدين للاقلاع حتي ولو تحت قصف العدو وعدم وجود انذار علي الاطلاق.
أستمر النقاش بين الطيارين حول المناورات التي تمت ومزاياها وعيوبها ، تدخل العقيد تحسين خلالها مرات كثيرة شارحا وموضحا الاخطاء ، وأستمر الحوار لفترة أنهاه القائد باعطاءة الاوامر لكل الطيارين الذين أشتبكوا بالعودة الي مبنى المبيت نظرا لعدم وجود مهام اخري مطلوبه منهم .
وأجتمع الطيارون مرة اخري في الحافله التي اقلتهم الي مبنى المبيت والذي يبعد عشر دقائق عن المطار ،ودار الحوار حماسيا بين الطيارين ، واثني الجميع علي قياده السمري للهجوم وكفاءه مدحت في القصف وثبات اعصابه حتى ولو كانت طائرة معاديه تحاول الهجوم عليه ، كذلك اثني السمري علي المناورة التي قام بها احمد لنجدة المليجي ، فصاح احمد مداعبا السمري (في كل مرة اشوف مدحت طاير ، الاقيه محتاج حد يحميه ، خلاص اتعودت علي كدة) وضحك الجميع بينما أحمر وجه مدحت غضبا ، فأرتفع الضحك اعلى واعلى
المشير عامر يتحدث مع الطيارين
23 مايو 1967 مطار السر
الساعه : الثامنه صباحا
مازال طياروا السرب في طائراتهم من اول ضوء في انتظار الاذن بالاقلاع والهجوم علي العدو كما خطط لهم ، حاله من الملل واللامبالاه تغلف الطيارين الجالسون مشدودون في طائراتهم منذ ثلاث ساعات كامله ، حرارة الشمس دفعت الفنيين و ميكانيكيه الطائرات الي الهرب الي تحت اجنحه الطائرات منتظرين الامر بالتحرك.
الرائد مرعي ، يجلس بجوار جهاز اللاسلكي منتظرا لاشارة الهجوم ، حاله من الصمت تلف اجواء المطار .
ومع مرور الوقت بدء الطيارين الواحد تلو الاخر في فك اربطه المقعد والتخلص من الامها طمعا في قليل من الراحه .
لم تكن عقارب الساعه قد جاوزت الثامنه والربع حتي خرج الرائد مرعي وأطلق خرطوشه حمراء ، حلقت في سماء المطار، لم يتجاوب الطيارين مع هذه الخرطوشه كما تجاوبوا معها بالامس ، فقد تسلل الي وجدان كل منهم شعور بأن الهجوم لن يتم .
تقدم الرائد من طياريه وأمر الصاوي وعمر بالبقاء في طائرات الاستعداد ، بينما يظل باقي الطيارين مستعدين ، تجنب الجميع من الحديث في أمر الهجوم ، ولم يتطرق اليه الرائد مرعي ايضا.
عاد عمر الي طائرته بينما انزوي طارق في ظل يشعل سيجارة كان في شوق لها، لم تتغير حاله الصمت والرتابه علي وجوة الجميع ، فكر طارق في ذلك .
فبماذا يفيد الغضب الان اوحتي الاعتراض ؟، فحتي قائدة يبدو مغلوب علي امرة لا حيله له ، حتي الاتصال بالقيادة ممنوع لظروف السريه ، بينما الاتصال الوحيد بالعالم الخارجي تمثل في صباح ذلك اليوم بوصول طائرة هيلكوبتر تحمل مؤنا وبعض الامدادات كذلك بعض الخطابات ، والتي نال منها عمر خطابين ونال طارق خطابا من والديه .
لم يهتم طارق بالرد علي الخطاب الملئ بالاشواق والتحيات ، فماذا يقول لهم ؟ أيقول لهم بأنه كاد ان يلقي حتفه ويقتل رفاقه بالامس عندما لم يجد المطار ؟ ايقول لهم ان حالته المعنويه منخفضه تماما ؟ ايخبرهم بأمر الجنود المرتديين للجلاليب ؟، ام بحال خيمته الرائعه ذات الاربعه عشر ثقب ؟
لذلك قرر ان عدم الرد في الوقت الحالي سيكون افضل حالا ، لكنه حسد عمر في نفس الوقت والذي تهلل لخطاب والديه وخطاب ناديه ، ففكر طارق لثانيه ما الذي يمكن ان يكتبه عمر؟ ووجد انها فكرة خصبه لتضييع وقته فبدأ في وضع تفاصيل خطاب عمر، سيقول عمر (الاحوال تمام – نحن في شوق للمعركه – كل الجنود في اشتياق للحرب – سنلقن العدو درسا في فنون الحرب وسنفرض علي اسرائيل النظام الاشتراكي الثوري بعد احتلالها بالطبع) ضحك طارق في داخله فقد كانت فكرة مجنونه عندما حاول ان يفكر بعقل عمرالثوري التحرري.
مطار فايد : الثامنه والنصف صباحا
وصلت طائره هيكوبتر الي المطار ، أستعد عدد من الطيارين لركوبها متجهين الي قاعدة ابو صوير الجويه حيث يعقد اجتماع هام ومفاجئ، فقد جاءت الاشارة بذلك منتصف الليله السابقه وتم تبليغ الطيارين بها عند وصولهم صباحا ،و تم أختيار السمري ومدحت ومحمد خميس لمرافقه العقيد تحسين في حضور هذا المؤتمر
ومن كابينه طائرته القابعه علي اول الممر شاهد احمد الطائرة الهيلكوبتر تغادر حامله قائدة ورفاقه .
وبعد ما يقل عن نصف ساعه كانت الطائرة تحط في قاعدة أبو صوير الجويه غرب الاسماعيليه، ليجد العقيد تحسين ورفاقه بأن هناك حدث جلل علي وشك الحدوث ، فالاجواء متوترة بالقاعدة ، رجال من القيادات العليا يملئون القاعدة ، لم يشاهد المليجي هذا الكم من الرتب الكبيرة لمختلف الاسلحه مجتمعه من قبل ، لمح المليجي زميل له أرتكن علي أحد السيارات يدخن سيجارة ، استأذن قائدة وسار نحو زميله الذي ما ان لمحه حتي هرول نحوة هو الاخر وأحتضن الاثنان بعضهما في حرارة ، كان زميل المليجي هو النقيب عبد المنعم مرسي ، شاب في اواسط العشرينات نحيف بصوره غريبه ووجه طفولي يصغر سنه بعشر اعوام.
عبد المنعم مرسي فور تخرجه
بادرة مدحت سائلا: (ايه يا منعم .بتعمل ايه هنا ؟؟)
رد عبد منعم مازحا) ما انت لو بتسأل كنت عرفت إنى اتنقلت هنا من شهرين (
مدحت: (وأخبارك ايه ؟؟ اتجوزت ولا لسه ؟) منعم: ) كنت هاعملها الشهر دة ، لكن ربنا ستر ولغوا الاجازات(
تعالت ضحكاتهم هما الاثنين من مداعبه عبد المنعم ، ثم تحولت ملامح المليجي للجديه متسائلا: (هوا فيه ايه ؟( يقصد حاله التوتر التي تعم ارجاء المطار، فرد عبد المنعم بأنه لا يعلم شيئا هو الاخر .
واثناء حوار الرجلين ظهر لواء بالقوات الجويه ودعا الجميع للدخول الي قاعه المؤتمر
دلف الرجال والذي كانوا جميعهم من الطيارين من مختلف المطارات والقواعد الجويه الي داخل القاعه الصغيرة، واتخذ كل منهم مقعدا له طبقا لرتبته ، انتظارا لبدء المؤتمر وطال الانتظار لساعه اعقبتها ساعه اخري سمح لهم فيها بالتدخين ، وبدون مقدمات أحس الجميع بحركه غريبه في القاعه وأوامر باطفاء السجائر ، لم تدم تلك التحركات سوي دقيقه توقع خلالها الجميع ان يكون المشير هو الشخصيه الهامه التي تلقى مثل هذا الاهتمام داخل الجيش .
قام ضابط من الشرطه العسكريه بالنداء علي الجميع بالانتباة ، وقف الجميع علي الفور وساد الصمت لحظات ، وكل الاعين تترقب باب كبار الزوار .
فجاة هرع من باب أخر عدد من المصورين الصحفيين ليأخذوا زوايا تصوير مناسبه
تعجب مدحت من هذا التصرف الاعلامي في مؤتمر من المفترض ان يكون سريا لقيادات دوله مقبله علي حرب .
فتح باب كبار الزوار ، دلف السيد حسين الشافعي نائب الرئيس ومعه انور السادات رئيس مجلس الامه ليأخذوا مقاعد لهم في الصف الاول، وقنها أيقن الجميع بأن الزائر هو الرئيس عبد الناصر بنفسه ، فعمت القاعه حاله من الحماس والهتاف بأسم عبد الناصر مصحوبه بالهتاف الرسمي لهذه الايام (هنحارب-هنحارب)، وطفا الحماس فوق اي تقاليد عسكريه ،ووقف بعض الطيارين فوق مقاعدهم لمشاهدة الزعيم ، ووسط هذا الحماس الجارف دخل الرئيس عبد الناصر وخلفه كبار قائدة القوات المسلحه ، كانت حماسه الطيارين الحاضرين الذين لا يتعدون المائه تفوق أي تصور، ووسط هذا الحماس تجمع الطيارون والضباط حول الرئيس فرحين بلقاء قائدهم وابوهم الروحي، وجلس الرئيس هو وعلي يساره المشير عامر يليه وزير الحربيه شمس بدران ببذلته المدنيه البالغه الاناقه ، ومن يمينه جلس الفريق صدقي محمود قائد القوات الجويه يليه الفريق جمال عفيفي اركان حرب القوات الجويه ويليهم الفريق عبد الحميد الدغيدي قائد القوات الجويه بالجبهه ، حشد من القيادات لم يشاهد مجتمعا من قبل بهؤلاء الطيارين الصغار ، فالتف الرجال حول رئيسهم تاركين مقاعدهم بينما افترش الاخرون الارض امامه ونظرات وعقل كل منهم ملتهب حماسه بهذا اللقاء.
غلب الهتاف فوق صوت الرئيس الذي طلب منهم الهدوء - نظرات الثقه والارتياح تعلو أعين كبار القادة - وبعد لحظات هدأ الهتاف وإن لم يخبو الحماس .
بدأت كلمه الرئيس بالسماح للطيارين بالتدخين ، مضيفا للحوار صبغه اخويه اكثر منها رسميه ، ومع كل كلمه من كلمات الرئيس كانت عيني مدحت تبرق حماسه وتزيده رغبه في القتال، وبعد كل مقطع حماسي للرئيس يتوعد فيه اسرائيل وامريكا كان التصفيق والهتاف يعود من جديد أعلي فأعلي، لكن العقيد تحسين كان يقيس بنظراته ردود افعال المشير مع كلمات الرئيس ، فرغم الجو الحماسي الجارف الا ان المشير ظهر متوترا وظهر ذلك من كم السجائر التي اشعلها في وقت وجيز.
شرح الرئيس الموقف السياسي ببساطه شديدة ، وحدد الخطوط التي لم تكن واضحه من قبل ، فأكد ان الحرب علي الابواب وستبدأ بضربه جويه أسرائيليه لمطارتنا ،وان الموقف السياسي وضغط دول العالم أجبرته (عبد الناصر) علي الا يكون البادئ بالقتال ، وشدد أن موقفنا سيكون أقوي مئات المرات لو بدأت اسرائيل الحرب لان دول العالم كلها ستكون معنا وستنصرنا عكس لو كنا نحن البادئين بالقتال ثم سكت الرئيس برهه وسط صمت الجميع حوله ، وأشعل سيجارة اخري وأشعل الموقف في العالم العربي عندما صرح بأن مصر قد قررت اغلاق خليج العقبه امام الملاحه الاسرائيليه ، لان الممر الذي تمر منه السفن الاسرائيليه يمر داخل المياه الاقليميه المصريه وأن قوات المظلات تتحرك الان للسيطرة علي مضايق تيران ، كان ذلك التصريح هو أعلان بالحرب علي أسرائيل من وجهه نظر أسرائيل، ، ورغم حساسيه القرار ومفاجأته للطيارين الصغار ، الا ان الهتافات توالت بعد هذا التصريح الخطير ، هتافات تأييد للرئيس وللحرب .
في هذه اللحظه تلاقت عيني مدحت والسمري ، فرغم انهم كانا واقفين ضمن الواقفين يهتفون بسعادة ، ورغم ملامح السعادة والثقه علي الوجوة الا ان نظرات الاثنين لبعضهما البعض حملت القلق البالغ من المستقبل القريب ، فالامور أصبحت تسير بقوه دفع شديده تجاه الحرب بعد فترة انتهي حوار الرئيس بعد ان افاض في شرح الموقف السياسي وتأكيدة علي ثقته في القوات الجويه وطياريها ،وبعد انتهاء الحوار أعلن الرئيس عن رغبته في تلقي الاسئله.
قام طيار شاب يحمل رتبه ملازم أول وسأل الرئيس عن موقف امريكا واسطولها السادس في البحر المتوسط في حاله نشوب الحرب ،فأجاب الرئيس بأن المشير عامر أحسن من يجيب عن هذا السؤال.
أعتدل المشير في جلسته وبثقه أجاب بأن مصر لا يقلقها الاسطول السادس ولا السابع ولا اساطيل الدنيا كلها ، لان عندنا اسلحه لم نعلن عنها وليس هذا وقتها المناسب للاعلان عنها ، لكنه عاد وبجديه شديدة أكد على ان أمريكا لن تستطع ان تتدخل عسكريا في المعركه القادمه لاعتبارات سياسيه هامه لذلك فموقفها العسكري سيكون مجمد في المنطقه .
ظهرت علي الطيار الشاب ملامح السعادة الغامرة من هذه الاجابه الشافيه ،بعدها توالت الاسئله والرئيس والمشير يجيبون عليها الي ان انفض الاجتماع بعد ساعتين ، ويغادر الرئيس وسط هتافات الطيارين والقادة من حوله .
وبعد لحظات من أقلاع طائرة الرئيس ، تلاقي الرجال في ظل احد المباني وقد علت ملامح القلق علي بعضهم بينما سادت السعادة علي ملامح اخرين ، فمن ناحيه أشترك العقيد تحسين والسمري ومدحت في القلق المتبادل من قرار الرئيس باغلاق خليج العقبه وتبعاته كأعلان للحرب ، بينما كاد عبد المنعم مرسي ومعه محمد خميس أن يطيرا من الفرح بما تم .
كان عبد المنعم مرسي متحمسا للغايه قائلا (سواء اعلنا الحرب ولا هما اللي أعلنوها ، دة مش مهم ، المهم اننا هنحارب ولاد الكلاب دول وناخذ بتار كل مصري وفلسطيني وعربي أستشهدوا بأيديهم)
تدخل العقيد تحسن (لا يا منعم ، تفرق جدا مين اللي يبتدي الحرب ، الريس قالها اننا هننتظر الضربه الاولي ، ودة معناة ان الطيران عليه الواجب الاساسي في صد الهجوم)
تدخل المليجي (انا مش قلقان ، لان الفريق الدغيدي راجل ممتاز ، وهيعرف يحمي مطاراتنا، دة حتي انا سمعت ان عدد المظلات اللي الدغيدي مطلعها لغايه دلوقتي بس، اكتر من اللي طلعوا السنتين اللي فاتوا ، بس انا اللي قالقني دلوقتي هيه الطيارات اللي علي الارض ، مهما كانت قوة المظلات اللي في الجو من الممكن إن تتخرق ، ساعتها هتكون الطيارات اللي علي الارض زي البط المكسح) سكت الجميع بعد جمله المليجي يفكرون في ابعاد ما قاله ، حتي قطع صوت السمري فضاء الصمت مرددا في أستحياء (اكيد فيه حل للحكايه دي).
لمح العقيد تحسين قادة القوات الجويه مجتمعين في ارض المهبط يستعدون لركوب طائرة هليكوبتر ، فهرول الرجل تجاههم ، تابع مدحت قائدة وهو يتحدث مع الفريق صدقي محمود ، وبعد ثوان عاد الرجل محني الرأس بعد ان غادر الفريق صدقي في طائرته ، وبدون اي حوار اشار الرجل الي طياريه بالاتجاة الي طائرتهم للعودة الي مطار فايد ، كان وجه الرجل متجهم جدا ، يكاد الغضب ان ينفجر من عينيه فأثر مدحت والسمري وخميس الا يقطعوا صمته احتراما لذلك .
ودع الرجال زميلهم عبد المنعم مرسي ،وشد مدحت علي يدة قائلا (اشوفك بعد الحرب) ثم ما لبث ان أحتضنه بشدة . اقلعت الطائرة الهليكوبتر حامله الرجال صامتين كصمت ابو الهول لكن عقولهم تعمل كمحركات طائرتهم بسرعه الصوت ، ومن النافذة الصغيرة ، شاهد مدحت قاعدة ابو صوير الجويه بممراتها ومبانيها وهي تبتعد شيئا فشيئا.
مساء نفس اليوم . مطار السر
كان هذا المساء ،مساءا غير عاديا بالنسبه للرجال في المطار ، فقد حدث ما قضي علي حاله الممل المسيطرة عليهم ،فقبل المغرب بقليل ، وصل للمطار قافله من الامدادات قادمه من العريش بناء علي طلب الرائد مرعي ، كان أهم ما في هذه القافله هما عربتان للمياة النقيه ، كانت أهم للرجال والطيارين من عربات الوقود وعربات الذخيره ، وأهم من جهاز اللاسلكي الجديد ،بل أهم من قطع غيار الطائرات ، وملابس الطيران الجديدة . فتجمع الرجال طبقا للرتب خلف هذه السيارة ليستحموا وينعموا بالمياة المنسابه فوق رؤسهم من خرطوم مثبت في أعلي العربه، كان ذلك حدثا ظل الرجال يتحدثون عنه ساعات بعدة في سعادة .
فقد كانت كميات المياة الموجودة بالمطار قليله جدا وكانت بالكاد تكفي للشرب لمدة يوم اخر .
في هذا المساء تجمع الطيارون بجوار احد الخيام ، كل منهم في عالمه الخاص فمحمود يتحدث مع زملاء له ، والرائد مرعي شارد مع دخان سيجارته وعمر يقرأ خطاب ناديه للمرة الالف تقريبا ، اما طارق فقد مدد جسدة علي الرمال ناظرا للسماء المنقوشه بملايين النجوم الساطعه.
جاء الجندى المسئول عن اللاسلكي ، وسلم الرائد مرعي ورقه صغيرة قرأها الرجل علي ضوء مصباح صغير (تلغي حاله الاستعداد للهجوم لتنفيذ الخطه فجر وتستمر حاله الاستعداد القصوي – أنتظر تعليمات جديدة)
عمت حاله من الاحبا
أسقط في يد عمر ووجد ان السكوت هو خير حل لما راؤه فلا يجب ان يتحدثوا عنه امام زملائهم لكي لا تهتز روحهم المعنويه ، فالمشهد صعب التصديق .
فكيف تفكر القيادة في أرسال جنود غير مجهزين وجوعي الي الجبهه ، فمن المعروف عسكريا ان الجيوش تسير علي بطونها واذا فرغت البطون توقف الجيش فما بالك بجنود مهلكين وجوعي وبدون سلاح ، ماذا يستطيع هؤلاء الجنود ان يقدموا للمعركه وكيف لم تفكر القيادة في معنويات الجنود الاخرين وهم يروا هؤلاء الرجال المهلكين يقاتلون بجوارهم ، كيف يثقوا بهم ؟
كان هذا بالضبط ما يدور في عقل طارق )الثقه (فكيف يثق في قيادته وهي تلقي برجال غير جاهزين لاتون المعركه وكيف يثق بهم وهو يطير فوقهم يحميهم ، ما الذي يمنعهم من أسقاط طائرته خطأ فهم في النهايه غير مدربين علي الاقل لتمييز طائرتنا من طائرات العدو.
وعليه أستكمل الاثنان باقي المسافه حتي المطار بدون حديث وحتي بعد عودتهم للمطار ، دلف كل منهم الي غرفته صامتا.
وفي الصباح التالي وقبل شروق الشمس بقليل خرج سته طيارين بملابس الطيران الكامله من مبني القيادة متجهين نحو طائراتهم ، صمت يلف الاجواء ، عدد من الفنيين يجهز الطائرات المتجه الي مطار السر وهي ثلاث طائرات ميج 21 أثنان منهم لطارق وعمر وثلاث طائرات ميج 19 ، وبعد دقائق من شروق الشمس بدأت الطائرات في التحليق تجاة الجنوب الشرقي متخذين الشمس الي يسارهم ، كانت طائرات عمر وطارق الاخيرتين في الانطلاق .
وبعد ثوان كان التشكيل يلتحم في الجو تحت قيادة النقيب محمود بطائرته الميج 19.
ومن ارتفاع كيلو وطوال الطريق ، شاهد الطيارون الجيش المصري يتحرك في كل شبر من سيناء ، كان منظر ممتع مشاهدة الدبابات تتحرك مخلفه سحب من الرمال والخيام المتناثرة حول المدافع المنتشره بطول الطريق، تحدث عمر بفخر الي طارق عبر اللاسلكي )شايف الجيش المصري يا طارق ؟؟؟( نظر طارق تجاة عمر لكنه لم يجب، لم يعرف بماذا يجيبه ، فمنظر الجيش فخر لكل مصري ، لكن مشاعرة مازالت متناقضه داخله ولم يكرر عمر السؤال ، أستمر التشكيل طائرا علي أرتفاع متوسط ودخل الي منطقه جبال عاليه بعد دقائق بدأ النقيب محمود في اعطاء التعليمات بالاستعداد للهبوط بالتشكيل ، فتساءل عمر في نفسه أين سيهبطوا وسط هذه الجبال ؟؟ وبعد ثوان ظهر المطار والذي لم يكن من الجو سوى ممر أسود يخترق صفرة الصحراء ويحيط به عدد لا بأس به من الجبال ، تمتم طارق في عقله بفتور أهو هذا المطار الذي سنحارب منه ؟
بدأت الطائرات في الدوران والتخلص من الارتفاع وبنفس تشكيل الاقلاع كان عمر وطارق هما الاخيرين أيضا في الهبوط ، هبطت الطائرات جميعها ، واصطفت في منطقه الانتظار ، ونزل الطيارون وكل منهم يدور بعيني رأسه في ارجاء المطار ، لكن اين هو المطار ، فكما كان يبدو من الجو ، كان يبدو من الارض ، ليس به سوي ممر فقط ، فلا مبان ولا برج للمراقبه ، حتي تشوينات الذخيرة والوقود كانت مخزنه في العراء وحولها عدد من شكائر الرمال المتناثرة هنا وهناك ، فضلا عن عدم وجود أي نوع من انواع الدفاع الجوي المضاد للطائرات ،تحرك الطيارون وأعينهم ترصد كل شبر من المطار ، تقدم رجل يحمل علي كتفيه رتبه رائد بشرته حمراء نتيجه الشمس الحارقه أصلع الرأس تقريبا وله شارب رفيع جسدة رفيع متناسق ، ويرتدي أحد افرولات الطيران وينتعل حذاءا رياضيا خفيفا
تقدم الرائد من الطيارين السته مصافحا وقدم نفسه (أنا الرائد مرعي مرسي، قائد سربكم الجديد – ومؤقتا بعتبر أيضا قائد المطار، لحين أستكمال قوة المطار(
تمتم النقيب محمود ساخرا )هوا فين المطار دة ... دة مجرد ممر في الصحرا)
رد الرائد مرعي مبتسما (عندك حق يا كابتن المطار فعلا مش جاهز بس لو كنت قريت عن معركه بريطانيا عام 41 ضد الالمان ، كنت عرفت أن الطيران الانجليزى أستعمل كل الحقول الممكنه علشان يطلع منها ويفاجئ الالمان ، ودي فرصه كويسه ان الاسرائيلين ميعرفوش أن المطار دة بقي شغال ، وكدة ممكن نحقق مفاجأة للعدو بأعتراضه في مكان غير متوقع له)
كانت وجهه نظر الرائد قويه وهو يتكلم مزهوا بمعلوماته مما كاد معها أن ينهي الحوار لكن طارق أبي ان يترك هذا الحوار بأن ينتهي علي هذا الشكل فتدخل قائلا) أسمح لي يا فندم – كلام سيادتك صح ..لو الاسرائيلين معندهومش رادارات ترصد طيارتنا وهي نازله وطالعه ، ولو هما ميعرفوش ان هنا في مطار ،هيعرفوا لما يرصدوا طيارتنا زي ما احنا بنرصد طيارتهم ، علي الاقل هيشكوا إن هنا في مطار وبناء عليه هيبعتوا طيارات استطلاع وتصور المطار ويبقي عنصر المفاجاه ضاع.(
سكت طارق تاركا وجهه قائدة يزداد أحمرار ، ووسط صمت الطيارين الاخرين تدخل محمود في الحوار مخففا من الجو ومنقذا قائدة من إحراج بالغ: (بس انا رأيي يا طارق ان الجبال اللي حول المطار هتمنع رصد طيارتنا وانا شايف ان عنصر المفاجاة لسه معنا وكلام الرائد مرعي صح) كان محمود يتحدث وهو يحدق في عيني طارق ليحثه علي ترك النقاش
وادرك طارق ما يريدة محمود فاجابه (عندك حق يا محمود ، الجبال دي فعلا تنفع تخبي تحركاتنا) وأستدار تجاة الرائد مرعي مخبرا اياه بأنه علي حق ، وابتعد وهو يكظم غيظه، وقبل ان ينصرف الطيارين شدد عليهم الرائد مرعي بأن هناك أجتماع للتلقين الخاص بالعمليات التي ستبدا غدا
وهكذا انتهي التعارف بين الطيارين وقائدهم بصورة غير جيدة ، استدعت عمر بأن يلوم طارق بأن أظهار ضحاله معلومات قائده امام رجاله ليست بفكرة جيدة
وكان محمود يشارك عمر الرأي لكن طارق كان منفعلا ومن داخله ثورة غضب زادت من حرارة الجو الذي جمعهم بجوار احدي الخيام . كان انفعال طارق من مشهد الامس في العريش للجنود الجوعي والغير مؤهلين للقتال ، كذلك ترسيبات قديمه عن سوء حاله الجيش المتجه للحرب وزادها حاله المطار الذي لا يصلح للحرب ، كل هذه الانفعالات جعلته متوتر وثائر في هذا الصباح مما جعله ينفعل قائلا
تقدروا تقولوا لي ، لو انتوا بتهاجموا المطار دة ، حتحتاجوا كام طيارة علشان تعطلوة ؟؟؟) لم يترك لهم فرصه الرد وأستكمل (هيه طيارة واحدة ترمي قنبلتين علي الممر ، وتروح بيتها ، ونبقى أحنا بقينا زي الولايا علي الارض لا عارفين نطير ولا ندافع عن المطار ولا حتي نقوم بمهمتنا في الحرب ،هوا احنا بس كويسين في لما حد يسألنا أخبارنا ايه نقوم نقول كله تمام وعال العال يا فندم) واسقط في يد عمر ومحمود الامر ، ولم يكن هناك ما يمكن ان يخفف من ثورة طارق .
تحول مطار السر بعد وصول الطائرات الي العمل الشاق ، فيجب تجهيز الطائرات للمهمه المكلفين بها في الغد، فحملت الطائرات الميج 19 بقنابل للهجوم الارضي بينما حملت الطائرات الميج 21 بصواريخ جو جو .
غيرت الاستعدادات الهجوميه من معنويات الطيارين وبدأوا في الاستعداد لهجوم الغد بحماس شديد ، كل منهم يعرف واجبه لكن ينقص معرفه الهدف فقط ، كانت تعليمات الرائد مرعي لرجاله هي الراحه التامه حتي التلقين النهائي في الليل والذي من خلاله سيعرف الرجال هدفهم وقبل الغروب هبطت طائرة هيلكوبتر محمله بامدادت الماء والغذاء للرجال وبعض البريد، كذلك حاجيات الطيارين التي تركوها بالعريش مما ساعد علي رفع المعنويات أكثر.
وبعد ان حل الليل وغرق المطار في الظلام ، تجمع الطيارين خارج خيمه الرائد مرعي الملاصقه للخيمه التي وضع بها جهاز اللاسلكي الوحيد، وبعد ثوان من وصول كافه الطيارين ، بدأ الرائد مرعي شرحه علي طاوله خشبيه وعلي ضوء لمبه جاز ووسط سكون الليل وانقطاع الانفاس شوقا لمعرفه الهدف.
(بسم الله ، ابدأ في التلقين النهائي لمجموعه طيران مطار السر ، الهدف يا رجاله هو القيام بهجوم مع اول ضوء لمهاجمه مدينه ايلات الاسرائيليه(
انتابت الرجال جميعهم حاله من النشوي والتهليل والتكبير ، أحتضن عمر طارق من فرط النشوة ، وشاركه طارق في الابتهاج متجاوزا كل مخاوفه وشكوشه.
أمرهم الرائد مرعي بالصمت لاستكمال التلقين (مجموعه النقيب محمود هتكون تحت قيادتي ، والهدف ضرب مستودعات البترول شمال ايلات وضرب مطار ايلات ، مجموعه طيارات الحمايه هتكون تحت قيادة النقيب طارق عز الدين ومعاه النقيب عمر الشاذلي والنقيب محمد الصاوي ، والهدف حمايه التشكيل المهاجم ومنع اقتراب اي طائرات اسرائيليه من تشكيل الهجوم)
كان الجميع ينصت مهتما بما يقوله الرجل الذي أستطرد (من لحظه الاقلاع هنكون تحت قيادة وتوجيه مطار العريش …… أي أسئله ؟؟؟؟؟؟) لم يكن هناك اي تفكير في اسئله من الطيارين فكل منهم يفكر في الغد المشهود
فأستكمل القائد حديثه عندما لم يجد أي اسئله (علي بركه الله نبدأ دلوقتي في -التفاصيل) وبدأ الرجل في شرح خطوط الطيران والتشكيل والاتجاهات والتوجيهات الدقيقه حتي توقف امام ظرف كبير أخرجه من خيمته ووزع ما به من صور .
كانت صور جويه لمدينه ايلات والميناء بها ، ثم أردف )ممكن تكون المعالم اتغيرت شويه عن الصور لكن مش من الممكن تغلطوا في مستودعات البترول او مطار( …فتساءل عمر عن تاريخ التقاط هذه الصور ، فرد القائد في خجل واضح (دي من سنه 48)
تلجمت السنه الرجال من هول المفاجأه ، فمن المعروف عمليا ان صور الاستطلاع لابد وان تكون جديدة جدا قدر الامكان لتحديد الهدف ، ووسط صدمه الرجال وسكوتهم جاء صوت واثق مطمئن لينشلهم من الاحباط
والمفاجأه هنا انه صوت طارق قائلا (مش مهم صورة من سنه كام المهم اننا ندي ولاد الكلاب دول درس مينسهوش(
تعالت صيحات التجاوب من الرجال وارتفعت معنويات الرجال للسماء مرة اخري بالجمله السحريه التي القاها طارق في الوقت المناسب ولم يسلم طارق من نظرات حائرة متسائله تطل من عيني عمر والذى يواجه طارقا أخر غير الذي كان يتحدث معه بغضب واحباط من ساعات قليله.
قاربت الساعه علي العاشرة مساءا ، كان الهدوء والترقب يسود مطار السر انتظارا لغد حافل ، فبكل خيمه ضابط او جندي يفكر فيما يحمله لهم الغد من مفاجأت ، مشاعر عميقه تعتصر الرجال وخاصه الطيارين منهم ، فليس من السهل علي اي رجل مهما كانت شجاعته ان يعلم انه سيشارك في نشوب حرب ربما يكون هو اول ضحاياها ، لم يكن من السهل علي طارق ان يترك هذا الشبح يغادر عقله ، فبينما يجلس خارج خيمته ممسكا سلاحه الشخصي ينظفه ويعدة ، كان عقله يعمل بلا انقطاع والسجائر المتواليه تحترق في يدة الواحدة تلو الاخري ، تمعن النظر في طلقات الطبنجه الشخصيه له ، وفكر هل من الممكن ان يضطر الي استخدامها ، فلو أضطر لاستعمالها فأن ذلك معناه ان تكون طائرته اصيبت واضطر للقفز منها بالمظله ، لكن ابدا لن يتم اسره.
لم يحس طارق باقتراب عمر الذي انتهي من صلاة العشاء وعاد للخيمه التي تجمعه مع طارق ، اقترب منه وهو جالس مستغرق في التفكير ناظرا الي احد الطلقات بتمعن (مالك يا طارق) قال عمر بهدوء بجوار طارق الذي بادرة الرد بهدوء (شايف الطلقه دي؟) تعجب عمر من السؤال (مالها؟)
طارق دي الطلقه التاسعه في الخزنه ، ولو وقعت ، هتكون التمن طلقات اللي قبلها من نصيب عساكر اليهود …… اما دي فهتكون من نصيبي(
رد عمر وهو يربت علي كتف طارق: (مفيش لزوم للقلق ، طول ما احنا مع بعض هنحمي بعض … (
توقع عمر ردا ما من طارق لكن الاخير لم يرد واستمر في تنظيف سلاحه في صمت ، فتركه عمر ودلف للخيمه طمعا في الراحه قبل الغد الحافل.
صباح اليوم التالي :
ما زالت تباشير الصبح لم تظهر بعد ، ولكن وتيرة الحركه بالمطار بدأت في الازدياد ،فرغم ان الفنيين لم يناموا في هذه الليله لاتمام تجهيز الطائرات ،فأنهم ظلوا علي يقظتهم حتي يتأكدوا من اقلاع كافه الطائرات ، تزايدت الحركه ببدء أستيقاظ الطيارين ، كان عمر من اوائل من استيقظوا تبعه طارق وتوجها نحو برميل كبير مملوء بالماء واقتطعوا كميه منها في اوعيه لكي يتوضأوا وتبعه باقي الطيارين وعدد من الفنيين ، وبعد الصلاة المهيبه التي هزت الجبال من حولها بتكبيرات الرجال، عاد الرجال في هدوء للخيام لارتداء ملابس الطيران ، كان طارق في اشد الحاجه لان يصلي ويلقي بكل همومه علي الرحمن ،بينما ساعدت الصلاه عمر علي السكينه والتركيز الشديد.
وبعد دقائق ومازالت اولي تباشير الصباح تستحي ان تظهر بعد، بدأ الرجال يتحركون نحو طائراتهم للأطمئنان علي جاهزيتها ، دلف عمر الي الكابينه وتطلع الي العدادات وتفقد كل ما يتعلق بحاله الطائرة والتسليح والوقود كذلك فعل جميع الطيارين.
ومع بدء ظهور اول ضوء تجمع الرجال امام الرائد مرعي يستمعون الي اخر التعليمات واعادة سريعه لمهام كل منهم ، بينما كل منهم يدون ملاحظاته الشخصيه، ثم صافحهم وغادر الجميع الي طائراتهم ركضا عدا الرائد مرعي الذي انتظر لتلقي اشارة من قيادته في خيمه اللاسلكي.
دلف الطيارون الي كبائن القيادة ، وساعدهم الفنيين في ربط الاحزمه وتأكيد جاهزيه الطائرة ، كان الجميع في قمه السعادة والتحفز وبعد ثوان كانت سبع طائرات تحمل العلم المصري ذو الالوان الثلاثه والنجمتين متوجا ذيلها تستعد للاقلاع في اي ثانيه نحو اهدافها ، مرت دقائق وبدأ شعاع للشمس يظهر علي استحياء من بين قمم الجبال معلنا ميلاد يوم جديد ، مرت دقائق أخري ولم يظهر الرائد مرعي من خيمه اللاسلكي، فلابد من انتظار الامر بالهجوم.
خرج الرائد مرعي من الخيمه ببطء ومشيرا للطيارين بان الاوامر لم تصدر بعد ، وكان التشكيل علي ممر الاقلاع في مقدمته طائرات الميج 21 المقاتله ومن خلفها الطائرات القاذفه ، ومع ارتفاع الشمس في كبد السماء مع مرور الوقت ولم تصدر الاوامر بعد ، تحول الرجال في داخل طائراتهم الي كتل ملتهبه من شدة الحرارة .
مر الوقت وقاربت الساعه علي العاشرة صباحا واصبح الوجود داخل الكابينه لا يطاق نهائيا ، ومهما زود الفنيين اولئك الطيارين بالمياة فأن ذلك لم يروي ظمئ أي منهم ، وفي العاشرة والنصف خرج الرائد مرعي واطلق من مسدس للاشارة خرطوشه أرتفعت في السماء وأعين الرجال تلاحقها ، خرطوشه حمراء معلنه الغاء الاقلاع ، سادت حاله من الوجوم والغضب ارجاء المطار ، فقد تمني الكل ان تكون هذه الخرطوشه خضراء معلنه الاقلاع لكنها كانت للاسف حمراء محطمه امال الرجال.
نزل الطيارون من طائراتهم وتوجهوا تجاة الرائد مرعي الذي وقف حزينا ، ومن بين سيل اسئله الطيارين المنهمره عليه أجاب الرجل بجمله واحدة (الهجوم تأجل لبكرة ، مش عايز أسئله دلوقتي خالص لو سمحتوا) ثم أشار تجاة طارق وعمر و الصاوي (انتوا تطلعوا تعملوا طلعه تدريب لمده نصف ساعه( ثم أخرج من جيبه خريطه ووضح عليها خط سير التدريب ، ثم أشار تجاة محمود مخبرا اياة بأن يستعد للاقلاع في طلعه تدريب فور هبوط التشكيل الاخر.
ثم أستدار الرائد مرعي ودلف مرة اخري داخل خيمه اللاسلكي
كان واضحا انه يتهرب من اسئله طياريه وانه يريد الهائهم عن التفكير بطلعه التدريب والتي لم تكن مدرجه في جدول الطيران .
وانتحي طارق بعمر والصاوي جانبا ووقفوا يتدارسوا مسار التدريب ، كذلك قام محمود ، وبعد دقائق كانت الطائرات تقلع متخذه مسارا تجاة الشمال الغربي، وفور أقلاعها بدأ برج مراقبه مطار العريش في اعطاء التعليمات للتشكيل بالطيران المنخفض تفاديا لرادارات العدو ، كما زودهم بالارشادات الملاحيه اللازمه.
أتخذ طارق المقدمه وعلي يمينه عمر ويسارة الصاوي ، أستمرا في مسارهم المرسوم حتي وصلا الي العريش ثم انحرفوا شرقا تجاة الحدود ، وطوال الطريق كان الرفاق يتمتعون بمشاهد الجيش المرابض قرب الحدود ، مئات الدبابات والعربات والاف الجنود يظهرون كحبات سوداء علي رقعه صفراء بلون الصحراء الممتده ، وقبل ان يصلوا الي قطاع غزة أتجهوا جنوبا بموازاه الحدود ، وكانت تلك المناطق خاليه تماما من الجيش ، وحسب تعليمات مطار العريش تم الطيران علي ارتفاع منخفض لتجنب الكشف الراداري من العدو ولتجنب اشتباك مع العدو ، لذلك فقد بدأ مستوي الوقود في التناقص نظرا للطيران بسرعه كبيرة وعلي ارتفاع منخفض، فقلص طارق مسار التدريب واتجه عائدا الي مطارة ،مرت دقائق صمت بين الطيارين ، قطعها صوت الصاوي محدثا طارق (الوقود عندي قرب يخلص) رد طارق (احنا في الاتجاة الي المطار ، قربنا نوصل) ولزم عمر الصمت رغم تدني مستوي وقودة هو الاخر .
رفض طارق ان يعترف بأنه قد ضل الطريق في اول الامر ، لكنه أعترف في داخله بذلك نظرا لتشابه الجبال والوديان في هذه المنطقه ، فأتصل بمطار العريش طالبا توجيهه الي مطار السر ، لكن موجه برج المراقبه بمطار العريش فشل في ذلك نظرا للمنطقه الجبليه التي يطيروا بها ومن ثم فأن رادار العريش لا يتمكن من التقاطهم وتوجيههم ، كما أن مطار السر ليس به اي اجهزة رادار او توجيه يمكنه الاعتماد عليها للوصول للمطار ، تحدث الصاوي مرة اخري بارتباك واضح (طارق- الوقود ميكفيش أكتر من خمس دقايق – أتصرف أزاي؟؟؟) رد طارق بلهجه امرة (أستمر في التشكيل يا صاوي)
الذي لا يعرفه الصاوي ان مستوي وقود طارق كان أقل من دقيقتين
كان طارق يتصبب عرقا في داخله وهو ينظر في جميع الاتجاهات بحثا عن مطارة
وبدون اي مقدمات أزعج انعكاس ضوء الشمس عيني طارق ،فتلفت الي مصدر الانعكاس فشاهد الممر وعليه طائرات الميج 19 تعكس ضوء الشمس من بين الجبال ، وعلي الفور اعطي تعليمات الهبوط لرفاقه ، ووضع الاولويه للصاوي ومن بعده عمر ، وهنا تحدث عمر (انت الوقود عامل معاك ايه يا طارق ؟؟؟(
رد طارق (عال العال .. أنزل بس انت وانا وراك) أتخذت الطائرات دورانا حادا وبمهارة اصبحت الطائرات في خط مستقيم خلف بعضها البعض أستعدادا للهبوط ، في هذه اللحظه نفذ الوقود من طائرة طارق والذي صاح بدورة في اللاسلكي بان وقودة قد نفذ وان المحرك قد توقف ، وفي نفس اللحظه كان الصاوي يلامس بطائرته ارض الممر، وعمر يبعد عن الممر ثوان قصيرة ، أنزعج عمر جدا ونظر خلفه فوجد طارق مازال متمكنا من طائرته بفضل القصور الذاتي وسرعه الهواء التي تساعد الطائرة علي الطيران لثوان بدون محرك ، لكنها ثوان قليله ، فهل تكفي ؟؟؟
كان الرائد مرعي وطبقا للتعليمات يستمع لحوار الطيارين لكنه لم يتدخل لكي لا يستغل العدو اشاراته ويرصد مكان المطار ، فخرج مسرعا من الخيمه متابعا لطائرة طارق الاخيرة التي مازالت تبعد عن الممر بضع مئات من الامتار ، لامست عجلات طائرة عمر الممر ، بينما تركيزة كاملا مع طارق وسئله في قلق (انت لسه مسيطر يا طارق ؟) رد طارق بان وضع الطائرة ما زال تحت سيطرته لكن التحكم في الطائرة أصبح يزداد صعوبه ، وتصبب العرق علي عيني طارق مما زاد من صعوبه الموقف ، فهو مسيطر بالكاد علي الطائرة والممر يقترب بهدوء ، كل ما جال بخاطرة في هذه اللحظات فكرة مضحكه ، أيعقل ان يموت بسبب نفاذ وقود طائرته والمعركه علي الابواب ولم يقاتل بعد .
مازال الممر يقترب ببطء ومؤشر السرعه يتناقص معلنا قرب سقوط الطائرة ، عصا التحكم بالطائرة اصبحت ثقيله ، فأمسك طارق بها بكلتا يديه ، وعينيه لا تفارق بدايه الممر ، مازالت سرعه الطائرة تتناقص
وقف الجميع بالمطار مشدودين وهم يشاهدون الطائرة تقترب ببطء من بدايه الممر ،بينما أفسح الصاوي وعمر الممر لطائره طارق وعلي اول أمتار من الممر لامست عجلات الطائرة الارض ، تنفس الجميع الصعداء مع هبوط الطائرة بسلام ، وتهلل الجميع، بينما كادت اعصاب عمر ان تفلت لثانيه لكنه حافظ علي رباطه جاشه حتي توقفت الطائرة في منتصف الممر ، فجري نحو طارق للاطمئنان عليه وسرعان ما تحولت سعادة عمر الي غضب ، فصاح في وجه طارق بأن مستوى وقودة المتدني كان يفرض عليه الهبوط اولا ، الا ان طارق كان هادئا بعد ان تمالك اعصابه سريعا وأخبرة بأن الاولويه تكون لافراد التشكيل ويليهم قائد التشكيل فهو اخر من يهبط بعد ان يطمئن علي رجاله في نفس اللحظه كان الرائد مرعي قد وصل لمكان الحوار بجوار طائرة طارق الرابضه في منتصف الممر ،أحتضن الرجل طارق وهنأه علي سلامته وكفاءته ورباطه جأشه في نفس الوقت ففي هذه المواقف تظهر كفاءه الطيارين وتمكنهم من الموقف تماما ، رغم صعوبه الموقف الا ان طارق كان هادئا علي غير المتوقع ، فداعبه قائدة سائلا اياه عن كيفيه أهتدائه للمطار ،وبينما يقوم الفنيين والجنود بدفع الطائرة نحو مكان الانتظار مفسحين الممر للتشكيل الاخر بالاقلاع ، دار الحوار بين الاربعه بعد ان انضم اليهم الصاوي فشرح طارق الموقف تماما ، وتعجب الصاوي من القدر ، فقد كان كثير من الطيارون معترضين علي عدم دهان الطائرات بالالوان الصحراء المموهه وتركها علي لونها الفضي اللامع مما يجعلها عرضه للاكتشاف من مسافات بعيدة وهي طائرة او علي الارض ، وها هو القدر يساعد التشكيل بواسطه هذه الطائرات اللامعه
شاركه الرائد مرعي وعمر الرأي بان عدم طلاء الطائرات بلون مموه يعتبر خطأ عسكريا كبير يجب تداركه ، فتدخل طارق في الحوار شارحا وجهه نظرة) مش بس الالوان يا جماعه اللي تحمي طيارتنا ، لا... لازم يكون فيه كمان دشم ، تحمي الطيارات حتي لو الممر انضرب تفضل الطيارات سليمه)
رد القائد مرعي (مسأله الدشم دي انتهت من تلات سنين بعد دراستها ، اولا وجدوا في القياده إن تكاليفها عاليه جدا وكمان الحرارة اللي جوة الدشمه تكون عاليه جدا لما الطيارة تدور المحرك ودة بيأثر علي الطيارة ككل ، علشان كدة صرفوا نظر عن الموضوع دة) ثم ضحك الرجل ضحكه حزينه ، فتساءل عمر عن سبب ضحكه ، فرد القائد) حضرت من كام شهر حوار بين كبير مهندسي قاعدة العريش وواحد خبير روسي حول موضوع الدشم دة ، تصوروا الخبير كان منفعل جدا وغاضب من فكرة الدشمه لان وجهه نظرة ، إن لو الطيارات المعاديه وصلت لفوق المطار نبقي نستحق اللي يحصل لنا) تدخل عمر (الراجل عندة حق) ووسط نظرة استغراب ممن حوله ، سارع شرح عمر وجهه نظرة (ما هوا فعلا الراجل عندة حق ، لو سيبنا الطيران الاسرائيلي يوصل لفوق المطار ، نبقي نستحق ان المطار ينضرب)
قاطعه طارق منفعلا (ايه اللي بتقوله دة يا عمر ، مفيش قوة طيران علي الارض تقدر تحمي كل مطارتها 100% من المحتمل جدا لاعظم مظله جويه في العالم انها تسيب طيارة او اتنين يفلتوا من القـتال ويضربوا المطار ، يبقي ساعتها احنا حاميين الطيارات اللي علي الارض، مش سايبنوهم كدة في الصحراء مكشوفين)
تدخل الرائد مرعي وطلب انهاء الحوار وتجهيز طائراتهم فورا كطائرات حاله اولي وتأجيل النقاش لان لديه اعمال يقوم بها ، وبينما طائرات التشكيل الاخر تقلع بصوتها المدوي الذي هز الجبال حوله ، كان طارق يطمئن علي اعادة ملئ طائرته بالوقود مرة اخري واستعدادها للاقلاع مرة اخري ، فالنهار مازال طويلا ولابد لهم من ان يكونوا مستعدين لاي طارئ.
فايد نفس اليوم
كانت الاحوال عاديه جدا في نفس اليوم ، ولم تصل لقيادة المطار اي تعليمات بعمليات هجوميه او واجبات محددة ، لذلك التزم العقيد تحسين زكي بجدول المظلات الجويه
كانت الساعه تقارب الثانيه عشر ظهرا ، عندما أصطف تشكيل من اربع طائرات علي اول الممر يستعد للاقلاع في دوريه تدريبيه ، ففي الصف الاول ، أصطفت طائرتين سوخوي الاولي بها أحمد السمري وبالاخري مدحت المليجي ، وخلفهم بقليل أصطفت طائرتي أحمد ومحمد خميس الميج 21، أستمع الطيارون الاربعه لصوت العقيد تحسين في اللاسلكي يؤكد علي خط السير والارتفاع ، وتمني لهم التوفيق ، ثم أعطي للسمري الاذن بالاقلاع .
بدأت الطائرات الاربع تتحرك ببطء ثم ما لبثت أن تسارعت لتقلع الي عنان السماء في لحظات
أعطي السمري تعليماته بالتسلق في اتجاة الاسماعيليه الي ارتفاع 5 كيلو ، أرتفعت مقدمه الطائرات وهي تخترق السماء اختراقا ، في نفس الوقت كان التشكيل يلتحم في الجو ، لدرجه تقاربت معها الطائرات الي مسافه قصيرة جدا ببعضها البعض .
أستوت الطائرات علي الارتفاع المحدد ،وحلقت فوق قناة السويس متجهه نحو الاسماعيليه ، ومن الجو كان المنظر رائعا للقناة بمياهها الزرقاء وسط اللون الاصفر الذي يحيط بها من الجانبين ، لم يكن منظر القناة والسفن المنتظرة بها تنتظر دورها في الابحار غريبا علي الرجال ، لكن المشهد الذي شد انتباة الرجال هو مشهد لخط أسود طويل يمتد من غرب القناة الي شرقها يظهر علي الافق ، ومع أقتراب التشكيل أتضحت الرؤيه ، فالخط الاسود الطويل هذا ما هو الا الوحدات الاداريه لاحد الفرق والتي تعبر القناة في ذلك الوقت ، مئات العربات تعبر القناة فوق احد الجسور مخترقه سيناء ، ظهر صوت السمري في اللاسلكي (دي اكيد الفرقه الرابعه مدرعه رايحه سينا)
فتابع أحمد (يا برنس هوا مش سمير أخوك بيخدم في الفرقه الرابعه ؟؟؟)
مدحت (أيوة( ثم تلي ذلك فترة صمت تدخل محمد خميس بعدها (ربنا ينصرهم)
مرت الطائرات بسرعه فوق الاسماعيليه ثم تجوزت الجسر الحديدى بالقرب من الفردان ثم القنطرة ومن بعدها ظهرت بورسعيد علي الافق ، كان الحديث مقتضبا بين الرجال في ذلك الوقت ، الي أن قطعه صوت العقيد تحسين واضحا في اللاسلكي يأمر التشكيل بالقيام بهجوم وهمي علي المطار وترك حريه تنفيذ الهجوم للسمري .
أعطي السمرى الذي كان يعلم بأمر التدريب المفأجئ اوامرة للتشكيل بالتخلص من الارتفاع بسرعه والاتجاة جنوبا علي اقل ارتفاع فوق القناة ، وبسرعه كان الطيارون ينفذون التعليمات وقد تحمس الرجال لهذا الامر الغير مألوف لكنه بالتأكيد خروجا عن روتين الدوريه الممل .
قسم السمري التشكيل بسرعه (انا والمليجي هنهاجم وأحمد وخميس يحمونا ويشتبكوا مع اي طيارة تطلع ، زمن الهجوم أربعين ثانيه ، الهدف ضرب الممر وتعطيل المطار)
كانت تعليمات السمري واضحه وسلسه ، أستمع الطيارين في صمت لهذه التعليمات التي رددها السمري )هنفضل زيرو فيت( أي علي ارتفاع صفر وهو مصطلح يعني اقل ارتفاع ممكن، ثم أستكمل (عند البحيرات المرة انا والمليجي هنرتفع فجأة ونهاجم علي طول ، احمد وخميس تفضلوا علي ارتفاع واطي وتدوروا جنوب المطار علشان تركبوا أي طيارة تطلع)
أستكملت الطائرات مسارها، وعند البحيرات ارتفعت طائرتي السوخوي بسرعه كبيرة وأنحرفتا شرقا تجاة المطار مباشرة بينما ظلت طائرتي الميج 21 في مسارهمها وبدأتا في الدوران ببطء تجاة الشرق .
علي الارض تم رصد الطائرات المغيرة عند دورانها قرب البحيرات ، وأنطلقت الخرطوشه الخضراء بسرعه ، وفي لحظات كانت طائرتين ميج 21 تنتطلقان علي الممر، في اول لحظات لم يكن الطيارون بهاتين الطائرتين يعرفان ماذا يحدث بالضبط ، لكن عند اقلاعهم جاء صوت العقيد تحسين يخبرهما بأنه تدريب ويجب ان يشتبكا مع الطائرات المغيرة في تدريب قتالي .
وقف العقيد تحسين في برج المراقبه يتابع بأهتمام ، بينما أمسك في يدة اليمني بساعه يحسب بها ازمنه معينه
أدي السمري والمليجي واجبهما الهجومي ، وبلغ السمري برج المراقبه بأن منتصف الممر قد دمر بواسطته ، وان المليجي قد أصاب تقاطع الممر الرئيسي مع الممر الفرعي
لكن العقيد تحسين رد بأن جزء من الممر فقط قد اصيب ويجب معاودة الهجوم ، في ذلك الوقت كانت الطائرات المقلعه قد بلغت اربع طائرت ميج 21 بينما وصل أحمد وخميس لمنطقه الاشتباك ، أعطي السمرى اوامرة لمدحت بمعاودة الهجوم بينما أعلن أحمد وخميس انهم يشتبكون الان مع الطائرات المعترضه .
كان التفاف احمد وخميس حول المطار من بعيد عاملا هاما في تمكنهم من تعقب طائرتين معترضتين واعلان اصابتهما حيث لم تكن هاتان الطائرتان قد اتخذتا ارتفعا وسرعه يمكناهما من الاشتباك بعد فتم أصابتهما بسهوله وخرجتا من المعركه، وبقيت اول طائرتين اقلعتا للاشتباك ، كان السمري ومدحت يدوران لمهاجمه الممر مرة اخري ، صاح السمري بأن هناك طائرة معترضه بدأت تتخذ وضعا لمهاجمه مدحت ، صاح احمد في مدحت بالاستمرار في الهجوم وبأنه سيحميه ، وبالفعل دار أحمد بدورة رأسيه مبتعدا عن خميس الذي طارد بدورة الطائرة الاخري.
أقبل المهاجمون تتعقبهم طائرة معترضه وخلفها أحمد بطائرته يحاول ان يطبق عليها ، وبالفعل وبعد أعشار الثانيه تمكن أحمد من أصابتها بمناورة بارعه وسريعه واعلن ذلك في اللاسلكي ، وأستكمل مدحت والسمري قصفهما الوهمي للمطار ، ومن الارض أعلن العقيد تحسين اصابه الممر بدرجه جعلته غير صالحا للاقلاع ، مما يعني نجاح الهجوم في اغلاق المطار مؤقتا ، بعدها اصدر أمرا بعودة جميع الطائرات وهبوطها .
بعد دقائق كانت الطائرات الثمان تعود الواحدة تلو الاخري لتهبط ثم تصطف في اماكن الانتظار المخصصه لها، تباينت المشاعر عقب هبوط جميع الطائرات ، فتشكيل السمري سعيد ويتبادل اعضائه التعليقات وعلي وجه كل منهم زهو المنتصر ، بينما باقي طياري الطائرات المعترضه محبطون ، وعلي الفور أصدر العقيد تحسين تعليماته بأجتماع جميع الطيارين عدا طياري الحاله الاولي لتقييم التدريب قبل ان يكتب كل طيار تقريرة التفصيلي .
دار الحوار في بادئ الامر مفتوحا بين الطيارين بينما ظل العقيد تحسين واقفا يتابع الحوار في صمت.
تشكيل الطائرات المعترضه كان يرأسه نقيب يدعي حسن ، دافع حسن عن ادائه ورفاقه بحجه ان الوقت لم يكن كافيا للاستعداد وان الانذار كان متاخرا جدا ، وايد زملائه ذلك كذلك السمري ورفاقه .
ورغم موافقته علي وجهه نظر حسن الا ان المليجي لم يوافق علي ان ذلك حجه كافيه ، وان طياريه لابد وان يقاتلوا بشكل اقوي من ذلك ، فالهجوم قامت به اربع طائرات فقط منها اثنان للحمايه ولم يستطع التشكيل المعترض ان يسقط اي منها ، حتي الطائرة التي طاردها خميس خرجت من القتال لانها ابتعدت كثيرا عن محيط المطار مما جعلها غير ذات جدوي في الدفاع عن المطار ، ثم أستطرد أحمد مستكملا لرفاقه الاصغر سنا وخبره (لازم يكون دفاعكم عن المطار بصورة اقوي من كدة ، مش لازم تنتظر حتي تأخد ارتفاع للقتال ، أول طيارتين انا وخميس هاجمناهم كانوا لسه بياخدوا ارتفاع وبسرعه بطيئه جدا ، خلونا نصطادهم بسهوله تامه ، كان لازم يناوروا بعيد عن مرمي مدافعنا ويهاجمونا)
تدخل حسن مرة أخري متزعما جبهه الاعتراض مكررا كلامه بان زمن الانذار كان متأخرا ، وان رفاقه لم يقلعوا متأخرين .
هنا تدخل العقيد تحسين في الحوار شارحا بأن عدم وجود رادارات ترصد الطائرات علي ارتفاع منخفض ، يجعل أكتشاف العدو متأخرا وبأن الطيارين يجب ان يكونوا مستعدين للاقلاع حتي ولو تحت قصف العدو وعدم وجود انذار علي الاطلاق.
أستمر النقاش بين الطيارين حول المناورات التي تمت ومزاياها وعيوبها ، تدخل العقيد تحسين خلالها مرات كثيرة شارحا وموضحا الاخطاء ، وأستمر الحوار لفترة أنهاه القائد باعطاءة الاوامر لكل الطيارين الذين أشتبكوا بالعودة الي مبنى المبيت نظرا لعدم وجود مهام اخري مطلوبه منهم .
وأجتمع الطيارون مرة اخري في الحافله التي اقلتهم الي مبنى المبيت والذي يبعد عشر دقائق عن المطار ،ودار الحوار حماسيا بين الطيارين ، واثني الجميع علي قياده السمري للهجوم وكفاءه مدحت في القصف وثبات اعصابه حتى ولو كانت طائرة معاديه تحاول الهجوم عليه ، كذلك اثني السمري علي المناورة التي قام بها احمد لنجدة المليجي ، فصاح احمد مداعبا السمري (في كل مرة اشوف مدحت طاير ، الاقيه محتاج حد يحميه ، خلاص اتعودت علي كدة) وضحك الجميع بينما أحمر وجه مدحت غضبا ، فأرتفع الضحك اعلى واعلى
المشير عامر يتحدث مع الطيارين
23 مايو 1967 مطار السر
الساعه : الثامنه صباحا
مازال طياروا السرب في طائراتهم من اول ضوء في انتظار الاذن بالاقلاع والهجوم علي العدو كما خطط لهم ، حاله من الملل واللامبالاه تغلف الطيارين الجالسون مشدودون في طائراتهم منذ ثلاث ساعات كامله ، حرارة الشمس دفعت الفنيين و ميكانيكيه الطائرات الي الهرب الي تحت اجنحه الطائرات منتظرين الامر بالتحرك.
الرائد مرعي ، يجلس بجوار جهاز اللاسلكي منتظرا لاشارة الهجوم ، حاله من الصمت تلف اجواء المطار .
ومع مرور الوقت بدء الطيارين الواحد تلو الاخر في فك اربطه المقعد والتخلص من الامها طمعا في قليل من الراحه .
لم تكن عقارب الساعه قد جاوزت الثامنه والربع حتي خرج الرائد مرعي وأطلق خرطوشه حمراء ، حلقت في سماء المطار، لم يتجاوب الطيارين مع هذه الخرطوشه كما تجاوبوا معها بالامس ، فقد تسلل الي وجدان كل منهم شعور بأن الهجوم لن يتم .
تقدم الرائد من طياريه وأمر الصاوي وعمر بالبقاء في طائرات الاستعداد ، بينما يظل باقي الطيارين مستعدين ، تجنب الجميع من الحديث في أمر الهجوم ، ولم يتطرق اليه الرائد مرعي ايضا.
عاد عمر الي طائرته بينما انزوي طارق في ظل يشعل سيجارة كان في شوق لها، لم تتغير حاله الصمت والرتابه علي وجوة الجميع ، فكر طارق في ذلك .
فبماذا يفيد الغضب الان اوحتي الاعتراض ؟، فحتي قائدة يبدو مغلوب علي امرة لا حيله له ، حتي الاتصال بالقيادة ممنوع لظروف السريه ، بينما الاتصال الوحيد بالعالم الخارجي تمثل في صباح ذلك اليوم بوصول طائرة هيلكوبتر تحمل مؤنا وبعض الامدادات كذلك بعض الخطابات ، والتي نال منها عمر خطابين ونال طارق خطابا من والديه .
لم يهتم طارق بالرد علي الخطاب الملئ بالاشواق والتحيات ، فماذا يقول لهم ؟ أيقول لهم بأنه كاد ان يلقي حتفه ويقتل رفاقه بالامس عندما لم يجد المطار ؟ ايقول لهم ان حالته المعنويه منخفضه تماما ؟ ايخبرهم بأمر الجنود المرتديين للجلاليب ؟، ام بحال خيمته الرائعه ذات الاربعه عشر ثقب ؟
لذلك قرر ان عدم الرد في الوقت الحالي سيكون افضل حالا ، لكنه حسد عمر في نفس الوقت والذي تهلل لخطاب والديه وخطاب ناديه ، ففكر طارق لثانيه ما الذي يمكن ان يكتبه عمر؟ ووجد انها فكرة خصبه لتضييع وقته فبدأ في وضع تفاصيل خطاب عمر، سيقول عمر (الاحوال تمام – نحن في شوق للمعركه – كل الجنود في اشتياق للحرب – سنلقن العدو درسا في فنون الحرب وسنفرض علي اسرائيل النظام الاشتراكي الثوري بعد احتلالها بالطبع) ضحك طارق في داخله فقد كانت فكرة مجنونه عندما حاول ان يفكر بعقل عمرالثوري التحرري.
مطار فايد : الثامنه والنصف صباحا
وصلت طائره هيكوبتر الي المطار ، أستعد عدد من الطيارين لركوبها متجهين الي قاعدة ابو صوير الجويه حيث يعقد اجتماع هام ومفاجئ، فقد جاءت الاشارة بذلك منتصف الليله السابقه وتم تبليغ الطيارين بها عند وصولهم صباحا ،و تم أختيار السمري ومدحت ومحمد خميس لمرافقه العقيد تحسين في حضور هذا المؤتمر
ومن كابينه طائرته القابعه علي اول الممر شاهد احمد الطائرة الهيلكوبتر تغادر حامله قائدة ورفاقه .
وبعد ما يقل عن نصف ساعه كانت الطائرة تحط في قاعدة أبو صوير الجويه غرب الاسماعيليه، ليجد العقيد تحسين ورفاقه بأن هناك حدث جلل علي وشك الحدوث ، فالاجواء متوترة بالقاعدة ، رجال من القيادات العليا يملئون القاعدة ، لم يشاهد المليجي هذا الكم من الرتب الكبيرة لمختلف الاسلحه مجتمعه من قبل ، لمح المليجي زميل له أرتكن علي أحد السيارات يدخن سيجارة ، استأذن قائدة وسار نحو زميله الذي ما ان لمحه حتي هرول نحوة هو الاخر وأحتضن الاثنان بعضهما في حرارة ، كان زميل المليجي هو النقيب عبد المنعم مرسي ، شاب في اواسط العشرينات نحيف بصوره غريبه ووجه طفولي يصغر سنه بعشر اعوام.
عبد المنعم مرسي فور تخرجه
بادرة مدحت سائلا: (ايه يا منعم .بتعمل ايه هنا ؟؟)
رد عبد منعم مازحا) ما انت لو بتسأل كنت عرفت إنى اتنقلت هنا من شهرين (
مدحت: (وأخبارك ايه ؟؟ اتجوزت ولا لسه ؟) منعم: ) كنت هاعملها الشهر دة ، لكن ربنا ستر ولغوا الاجازات(
تعالت ضحكاتهم هما الاثنين من مداعبه عبد المنعم ، ثم تحولت ملامح المليجي للجديه متسائلا: (هوا فيه ايه ؟( يقصد حاله التوتر التي تعم ارجاء المطار، فرد عبد المنعم بأنه لا يعلم شيئا هو الاخر .
واثناء حوار الرجلين ظهر لواء بالقوات الجويه ودعا الجميع للدخول الي قاعه المؤتمر
دلف الرجال والذي كانوا جميعهم من الطيارين من مختلف المطارات والقواعد الجويه الي داخل القاعه الصغيرة، واتخذ كل منهم مقعدا له طبقا لرتبته ، انتظارا لبدء المؤتمر وطال الانتظار لساعه اعقبتها ساعه اخري سمح لهم فيها بالتدخين ، وبدون مقدمات أحس الجميع بحركه غريبه في القاعه وأوامر باطفاء السجائر ، لم تدم تلك التحركات سوي دقيقه توقع خلالها الجميع ان يكون المشير هو الشخصيه الهامه التي تلقى مثل هذا الاهتمام داخل الجيش .
قام ضابط من الشرطه العسكريه بالنداء علي الجميع بالانتباة ، وقف الجميع علي الفور وساد الصمت لحظات ، وكل الاعين تترقب باب كبار الزوار .
فجاة هرع من باب أخر عدد من المصورين الصحفيين ليأخذوا زوايا تصوير مناسبه
تعجب مدحت من هذا التصرف الاعلامي في مؤتمر من المفترض ان يكون سريا لقيادات دوله مقبله علي حرب .
فتح باب كبار الزوار ، دلف السيد حسين الشافعي نائب الرئيس ومعه انور السادات رئيس مجلس الامه ليأخذوا مقاعد لهم في الصف الاول، وقنها أيقن الجميع بأن الزائر هو الرئيس عبد الناصر بنفسه ، فعمت القاعه حاله من الحماس والهتاف بأسم عبد الناصر مصحوبه بالهتاف الرسمي لهذه الايام (هنحارب-هنحارب)، وطفا الحماس فوق اي تقاليد عسكريه ،ووقف بعض الطيارين فوق مقاعدهم لمشاهدة الزعيم ، ووسط هذا الحماس الجارف دخل الرئيس عبد الناصر وخلفه كبار قائدة القوات المسلحه ، كانت حماسه الطيارين الحاضرين الذين لا يتعدون المائه تفوق أي تصور، ووسط هذا الحماس تجمع الطيارون والضباط حول الرئيس فرحين بلقاء قائدهم وابوهم الروحي، وجلس الرئيس هو وعلي يساره المشير عامر يليه وزير الحربيه شمس بدران ببذلته المدنيه البالغه الاناقه ، ومن يمينه جلس الفريق صدقي محمود قائد القوات الجويه يليه الفريق جمال عفيفي اركان حرب القوات الجويه ويليهم الفريق عبد الحميد الدغيدي قائد القوات الجويه بالجبهه ، حشد من القيادات لم يشاهد مجتمعا من قبل بهؤلاء الطيارين الصغار ، فالتف الرجال حول رئيسهم تاركين مقاعدهم بينما افترش الاخرون الارض امامه ونظرات وعقل كل منهم ملتهب حماسه بهذا اللقاء.
غلب الهتاف فوق صوت الرئيس الذي طلب منهم الهدوء - نظرات الثقه والارتياح تعلو أعين كبار القادة - وبعد لحظات هدأ الهتاف وإن لم يخبو الحماس .
بدأت كلمه الرئيس بالسماح للطيارين بالتدخين ، مضيفا للحوار صبغه اخويه اكثر منها رسميه ، ومع كل كلمه من كلمات الرئيس كانت عيني مدحت تبرق حماسه وتزيده رغبه في القتال، وبعد كل مقطع حماسي للرئيس يتوعد فيه اسرائيل وامريكا كان التصفيق والهتاف يعود من جديد أعلي فأعلي، لكن العقيد تحسين كان يقيس بنظراته ردود افعال المشير مع كلمات الرئيس ، فرغم الجو الحماسي الجارف الا ان المشير ظهر متوترا وظهر ذلك من كم السجائر التي اشعلها في وقت وجيز.
شرح الرئيس الموقف السياسي ببساطه شديدة ، وحدد الخطوط التي لم تكن واضحه من قبل ، فأكد ان الحرب علي الابواب وستبدأ بضربه جويه أسرائيليه لمطارتنا ،وان الموقف السياسي وضغط دول العالم أجبرته (عبد الناصر) علي الا يكون البادئ بالقتال ، وشدد أن موقفنا سيكون أقوي مئات المرات لو بدأت اسرائيل الحرب لان دول العالم كلها ستكون معنا وستنصرنا عكس لو كنا نحن البادئين بالقتال ثم سكت الرئيس برهه وسط صمت الجميع حوله ، وأشعل سيجارة اخري وأشعل الموقف في العالم العربي عندما صرح بأن مصر قد قررت اغلاق خليج العقبه امام الملاحه الاسرائيليه ، لان الممر الذي تمر منه السفن الاسرائيليه يمر داخل المياه الاقليميه المصريه وأن قوات المظلات تتحرك الان للسيطرة علي مضايق تيران ، كان ذلك التصريح هو أعلان بالحرب علي أسرائيل من وجهه نظر أسرائيل، ، ورغم حساسيه القرار ومفاجأته للطيارين الصغار ، الا ان الهتافات توالت بعد هذا التصريح الخطير ، هتافات تأييد للرئيس وللحرب .
في هذه اللحظه تلاقت عيني مدحت والسمري ، فرغم انهم كانا واقفين ضمن الواقفين يهتفون بسعادة ، ورغم ملامح السعادة والثقه علي الوجوة الا ان نظرات الاثنين لبعضهما البعض حملت القلق البالغ من المستقبل القريب ، فالامور أصبحت تسير بقوه دفع شديده تجاه الحرب بعد فترة انتهي حوار الرئيس بعد ان افاض في شرح الموقف السياسي وتأكيدة علي ثقته في القوات الجويه وطياريها ،وبعد انتهاء الحوار أعلن الرئيس عن رغبته في تلقي الاسئله.
قام طيار شاب يحمل رتبه ملازم أول وسأل الرئيس عن موقف امريكا واسطولها السادس في البحر المتوسط في حاله نشوب الحرب ،فأجاب الرئيس بأن المشير عامر أحسن من يجيب عن هذا السؤال.
أعتدل المشير في جلسته وبثقه أجاب بأن مصر لا يقلقها الاسطول السادس ولا السابع ولا اساطيل الدنيا كلها ، لان عندنا اسلحه لم نعلن عنها وليس هذا وقتها المناسب للاعلان عنها ، لكنه عاد وبجديه شديدة أكد على ان أمريكا لن تستطع ان تتدخل عسكريا في المعركه القادمه لاعتبارات سياسيه هامه لذلك فموقفها العسكري سيكون مجمد في المنطقه .
ظهرت علي الطيار الشاب ملامح السعادة الغامرة من هذه الاجابه الشافيه ،بعدها توالت الاسئله والرئيس والمشير يجيبون عليها الي ان انفض الاجتماع بعد ساعتين ، ويغادر الرئيس وسط هتافات الطيارين والقادة من حوله .
وبعد لحظات من أقلاع طائرة الرئيس ، تلاقي الرجال في ظل احد المباني وقد علت ملامح القلق علي بعضهم بينما سادت السعادة علي ملامح اخرين ، فمن ناحيه أشترك العقيد تحسين والسمري ومدحت في القلق المتبادل من قرار الرئيس باغلاق خليج العقبه وتبعاته كأعلان للحرب ، بينما كاد عبد المنعم مرسي ومعه محمد خميس أن يطيرا من الفرح بما تم .
كان عبد المنعم مرسي متحمسا للغايه قائلا (سواء اعلنا الحرب ولا هما اللي أعلنوها ، دة مش مهم ، المهم اننا هنحارب ولاد الكلاب دول وناخذ بتار كل مصري وفلسطيني وعربي أستشهدوا بأيديهم)
تدخل العقيد تحسن (لا يا منعم ، تفرق جدا مين اللي يبتدي الحرب ، الريس قالها اننا هننتظر الضربه الاولي ، ودة معناة ان الطيران عليه الواجب الاساسي في صد الهجوم)
تدخل المليجي (انا مش قلقان ، لان الفريق الدغيدي راجل ممتاز ، وهيعرف يحمي مطاراتنا، دة حتي انا سمعت ان عدد المظلات اللي الدغيدي مطلعها لغايه دلوقتي بس، اكتر من اللي طلعوا السنتين اللي فاتوا ، بس انا اللي قالقني دلوقتي هيه الطيارات اللي علي الارض ، مهما كانت قوة المظلات اللي في الجو من الممكن إن تتخرق ، ساعتها هتكون الطيارات اللي علي الارض زي البط المكسح) سكت الجميع بعد جمله المليجي يفكرون في ابعاد ما قاله ، حتي قطع صوت السمري فضاء الصمت مرددا في أستحياء (اكيد فيه حل للحكايه دي).
لمح العقيد تحسين قادة القوات الجويه مجتمعين في ارض المهبط يستعدون لركوب طائرة هليكوبتر ، فهرول الرجل تجاههم ، تابع مدحت قائدة وهو يتحدث مع الفريق صدقي محمود ، وبعد ثوان عاد الرجل محني الرأس بعد ان غادر الفريق صدقي في طائرته ، وبدون اي حوار اشار الرجل الي طياريه بالاتجاة الي طائرتهم للعودة الي مطار فايد ، كان وجه الرجل متجهم جدا ، يكاد الغضب ان ينفجر من عينيه فأثر مدحت والسمري وخميس الا يقطعوا صمته احتراما لذلك .
ودع الرجال زميلهم عبد المنعم مرسي ،وشد مدحت علي يدة قائلا (اشوفك بعد الحرب) ثم ما لبث ان أحتضنه بشدة . اقلعت الطائرة الهليكوبتر حامله الرجال صامتين كصمت ابو الهول لكن عقولهم تعمل كمحركات طائرتهم بسرعه الصوت ، ومن النافذة الصغيرة ، شاهد مدحت قاعدة ابو صوير الجويه بممراتها ومبانيها وهي تبتعد شيئا فشيئا.
مساء نفس اليوم . مطار السر
كان هذا المساء ،مساءا غير عاديا بالنسبه للرجال في المطار ، فقد حدث ما قضي علي حاله الممل المسيطرة عليهم ،فقبل المغرب بقليل ، وصل للمطار قافله من الامدادات قادمه من العريش بناء علي طلب الرائد مرعي ، كان أهم ما في هذه القافله هما عربتان للمياة النقيه ، كانت أهم للرجال والطيارين من عربات الوقود وعربات الذخيره ، وأهم من جهاز اللاسلكي الجديد ،بل أهم من قطع غيار الطائرات ، وملابس الطيران الجديدة . فتجمع الرجال طبقا للرتب خلف هذه السيارة ليستحموا وينعموا بالمياة المنسابه فوق رؤسهم من خرطوم مثبت في أعلي العربه، كان ذلك حدثا ظل الرجال يتحدثون عنه ساعات بعدة في سعادة .
فقد كانت كميات المياة الموجودة بالمطار قليله جدا وكانت بالكاد تكفي للشرب لمدة يوم اخر .
في هذا المساء تجمع الطيارون بجوار احد الخيام ، كل منهم في عالمه الخاص فمحمود يتحدث مع زملاء له ، والرائد مرعي شارد مع دخان سيجارته وعمر يقرأ خطاب ناديه للمرة الالف تقريبا ، اما طارق فقد مدد جسدة علي الرمال ناظرا للسماء المنقوشه بملايين النجوم الساطعه.
جاء الجندى المسئول عن اللاسلكي ، وسلم الرائد مرعي ورقه صغيرة قرأها الرجل علي ضوء مصباح صغير (تلغي حاله الاستعداد للهجوم لتنفيذ الخطه فجر وتستمر حاله الاستعداد القصوي – أنتظر تعليمات جديدة)
عمت حاله من الاحبا
مذكرات السرب 77 قتال حرب اكتوبر الفصل الثالث
[size=18]الفصل الثالث: النكسه
طائرات اسرائيليه شاركت في الهجوم
لم يكن صباح الاثنين الخامس من يونيو يوما عاديا في تاريخ الانسانيه بأسرها وهذه ليست بمبالغه بقدر ما هي واقع فما حدث في هذا اليوم غير مسار الملايين من البشر لسنوات وعقود كثيرة قادمه
وربما لا يدرك القائد الي اي مدي يمكن أن يؤثر قرارا ما في تاريخ العالم بأسره وربما تكون معطيات قرارة صحيحه في ذلك الوقت لكنها بالتأكيد كارثيه للمستقبل
فما الذي حدث في هذا اليوم ليؤثر مثل هذا التأثير علي العالم؟
أشرقت شمس الخامس من يونيو كعادتها كل يوم ، ومن كان ينظر اليها في وقت شروقها لم يكن ليتصور انه مع غروبها قد تتغير او حتي تنتهي حياته.
فقد كان أخر شروق يراه الالاف من ابناء مصر ، جيل كامل من شباب مصر فقد حياته ومستقبله واحلامه مع كل لحظه تحركت فيها الشمس في السماء .
لمح طارق وعمر ظهور قرص الشمس من بين قمم الجبال مفردة اشعتها علي مطار السر في قوة
تحرك الاثنان الي مكان الوضوء مع عدد من الضباط والفنيين ، وأقيمت الصلاة بعد فترة وانتهت وتحرك بعدها الصاوي ومعه محمود الي طائرتهما ليكونا في طائرات الحاله الاولي، غمز الصاوي بعينه الي طارق عندما امسك بعدة مجلات ليطالعها اثناء جلوسه الممل بالطائرة .
كان طارق شاردا فلسبب لا يجهله أنقبض قلبه بشدة عندما انهي الصلاة ، فكر بسرعه في والدته ايمكن ان يكون مكروها حدث لها؟ او ربما والدة؟ ، مجرد التفكير في ذلك اتعبه جدا ، فقرر كتابه خطاب ليطمئن عليهم ، ثم خطرت له فكرة ان يستقل سيارة تجاة العريش ويتصل تليفونيا ، لكن رفض الرائد مرعي وقف حائلا امام ذلك .
اما عمر فقد أمضي وقتا في متابعه الفنيين وهم يقومون بالفحص اليومي لطائرته ، وأمسك بقطعه قماش ونظف زجاج الكابينه بنفسه هربا من الملل.
اما في مطار فايد فقد كان الوضع مختلفا تماما ، فقد كانت الاستعدادات تتم علي قدم وساق ، ليس للحرب بل لاستقبال نائب رئيس الجمهوريه السيد حسين الشافعي ومعه الطاهر يحيى رئيس وزراء العراق في زياره لرفع الروح المعنويه.
وصلت التعليمات لقيادة المطار صباحا بوجود اثنان وعشرون تحركا جويا صديقا فوق المنطقه لذلك فيجب تقييد نيران الوحدات المضادة للطائرات ، وهذا الامر يعني عدم اطلاق اي نيران الا بأوامر من القيادة العليا ،
علم العقيد تحسين ان المشير سينتقل الي مطار تمادا في وسط سيناء لزياره قواتنا البريه ومعه عدد كبير من المرافقين والضباط.
لم يكن العقيد تحسين مستريح لما يحدث من تحركات جويه في المنطقه ، زاد علي ذلك هو تكاثف الضباب الشديد علي المطار في الصباح مما ادي الي تأجيل خروج طلعه تدريب ، فقام العقيد تحسين بالتنبيه علي طياريه والضباط بالاستعداد لاستقبال الضيوف.
ومن بين الاستعدادات أختلى أحمد بالعقيد تحسين يسأله عن مصير كتيب الميراج الذي ارسله للقيادة منذ ايام فرد عليه القائد بأنه تحدث مع الفريق صدقي يوم لقاء الرئيس في قاعدة أبو صوير ، وأن الفريق صدقي قد أخبرة بأنها معلومات خاطئه تماما وليس لها اي أساس من الصحه ، وأضاف العقيد تحسين بأن ثقه القيادة في معلومات المخابرات الحربيه لا تشوبها شائبه حتي أنهم رفضوا دراسه الكتيب ، وأنهي القائد حديثه بأن موضوع الكتيب هذا سيكون موضع حوار مع السيد حسين الشافعي بعد قليل بهدف إيصال المعلومه للرئيس .
مرت عقارب الساعه وتخطت الثامنه والنصف صباحا بقليل ، الخمول والممل يسيطران علي الرجال في مطار السر، عدد من الجنود يلعبون الكرة خلف الطائرات وعدد أخر منهم يفترش الارض تحت اجنحه الطائرات ، طلب الرائد مرعي من الطيارين التجمع لمراجعه الخطه فهد1 وتأكيد حفظ كل منهم لدورة ، وفرد الرجل خريطه العمليات علي أحد صناديق الذخيرة، والتف حوله الطيارين في بطء وتكاسل، وبدأ الرجل شرحه للهجوم مرة اخري.
مرت الدقائق بصعوبه علي الرجال وهم يسمعون صوت قائدهم يشرح برتابه الهدف وخطط الطيران التي سموعها عشرات المرات حتي الان ، ونظراتهم لبعضهم البعض تشع ملل من رتابه الوضع القائم
في نفس اللحظه كانت اشارة لاسلكيه تصل الي مطار فايد تنبئ بقرب وصول طائرة الزائرين .
فأصطف الطيارون بملابس الطيران ، وبجانبهم قائد وضباط الدفاع الجوي وضباط الأمن ورئيس مهندسي المطار، بينما العقيد تحسين يراجع برنامج الزيارة الذي يشمل حوار مع الطيارين و يليه مشاهده الطائرات .
مطار السر : الساعه التاسعه صباحا
بينما الطيارون ينتظرون أن ينتهي قائدهم من اعادة شرح الخطه لكي يهربوا الي ظل ما يستظلون به من الشمس المحرقه ،ويتابعون اعمالهم اليوميه ، تنبه طارق بأذنه المدربه نحو صوت ما يسمعه من بعيد
فتنبه الرائد مرعي الي التفاته طارق فسأله عما به ، فرد الاخير
“سامع صوت طيارات من بعيد يا فندم … هما سمحوا بالطلعات تاني ؟؟؟”
تدخل احد الطيارين متهكما “ ممكن سمحوا وكالعادة نسيوا يبلغونا “
في هذه اللحظه أقترب صوت الطائرات لدرجه ان الجميع سمع صداها وسط الجبال ، فالتفتوا تجاة الصوت ، فصاح الرائد مرعي بتهكم “ أكيد طيارات مطار المليز بتعمل دوريه . وباين .......”
لم يكمل الرجل جملته فقد ظهرت من بين الجبال طائرتين فجأة لتمرا علي ارتفاع منخفض فوق الممر بسرعه كبيرة، ويصمت الرجل متابعا الطائرتين مع طياريه
شاهد الجميع الطائرتين تلقيان شيئا ما أرتطم بأرضيه الممر دون أن ينفجر ، بعدها اهتزت الارض فجأة تحت اقدام الرجال بشدة وتبعها أنفجارين هائلين بالممر اطاحا بأرضيه الممر الاسفلتيه عاليا في الهواء ، وسط صدمه الرجال الذين انبطحوا ارضا برد فعل غريزي ، وخرج صوت الرائد مرعي يصرخ مندهشا غير مصدق
“مش معقول– مش معقول الاسرائيليين اتجننوا وبيهاجمونا ؟!” لم تكن جملته متسائله بقدر انها غير مصدقه لما يحدث.
ووسط دهشه الجميع ، حلقت الطائرات المهاجمه مبتعدة عن المطار ، تاركه الممر مشتعل تماما .
كانت صدمه الجميع من الهجوم كبيرة وتفوق الوصف ،فساد الهرج والمرج أنحاء المطار وهرع الرائد مرعي تجاة خيمه اللاسلكي صائحا بتبليغ أشارة لمطار العريش بأن المطار تعرض للهجوم
لم تمر أكثر من نصف دقيقه منذ ضرب الممر ، ومازال الطيارين منبطحين ارضا تحت تأثير الصدمه الشديده التي شلت حركتهم لثوان
نظر طارق تجاة طائرتي الصاوي ومحمود ، فوجد غطاء الكابينه بهما قد أغلق وأديرت المحركات التي لم يظهر صوتها من تأثير أصوات النيران المشتعله والانفجارات الصغيرة ،ثم بدأت الطائرات في التحرك للاقلاع
صاح عمر “ الممر انضرب – مش هيقدروا يطلعوا – مفيش مسافه كفايه “
تمتم طارق بصلابه وهو ينتصب واقفا مرة اخري بجوار طارق “لازم يطلعوا .. لازم .. لازم”
وبدون أي مقدمات ظهرت طائرتين اسرائيليتين من بين الجبال لتنقضا علي طائرات الحاله الاولي ، القت احدي الطائرتين قنبله ، فأنفجرت مباشرة في طائرة الصاوي مباشرة وحولتها الي حطام متناثر في ثانيه ، تبعتها طائرة محمود هي الاخري ،وأستشهد الطيارين بداخل طائرتهم وهم يحاولون التحرك علي الممر للاقلاع
أدي انفجار الطائرتين الي الاطاحه بالطيارين والجنود الواقفين بالقرب منهما من تاثير تفريغ الهواء الذي يتزامن مع الانفجار .
وقع عمر وطارق علي الارض مرة اخري من تأثير الانفجار، لكن عمر لم يفقد الوعي ، كانت صدمته ما يحدث امامه قد شلته ومنعته من التفكير ، لكن طارق قام و بدأ في الركض تجاة طائره الحاله الثانيه والتي لا تبعد أكثر من خمسون مترا ، صاح طارق في وجه رئيس الفنيين وبنبرة لا تقبل النقاش
“دور الطيارة” أستجاب الفنيين بسرعه تلقائيه، وبعد ثوان كانت الطائرة تتحرك تجاة الممر والذي دمر من منتصفه تماما وحجبت النيران بقيته ، شاهد عمر طائرة طارق تتحرك ، لكنه لم يميز شيئا فصدمه انفجار طائرتي الصاوي ومحمود أمامه أفقدته اتزانه ، شاهد الطيارين يركضون تجاة طائرتهم بعد ان زالت صدمتهم ، لكنه كان كالذي يشاهد فيلما من العشرينات من تلك الافلام الصامته ، فهو يري بعينيه لكن أذنيه لا تتلقيان اصوات مايراة ، فعقله لا يستطيع ترجمه ما تراة عيناة
وجد احد الفنيين يجري ويشير تجاة السماء ، نظر عمر بدورة متسائلا عما يشير ، فوجد طائرتين أخرتين تهاجمان المطار ، لم يستطع ان يتحرك للاحتماء ، فقد رفض جسدة اطاعه اوامر عقله ، ووقف كالمشلول يشاهد ولا يتحرك ، هاجمت الطائرات المهاجمه الطائرات القابعه بدون حمايه فتوالت الانفجارات بها ، قبل أن يصل أي من الطيارين اليهم ، نبهه عقله فجأة الي طارق فأين طارق ، من بين النيران والدخان علي الممر ، ظهرت طائرة طارق تستعد للاقلاع علي طرف الممر والذي يبدو انه مازال سليما ، احس عمر بالارض تهتز تحت قدميه انه محرك الطائرة يعمل بأقصي قوة والطائرة مازالت متوقفه
“ايه اللي بيعمله المجنون ده !! هيموت نفسه !!” هكذا صاح عقله ، وهو يري طائرة طارق تنطلق كالسهم علي الممر ومن خلفها طلقات من طائره معاديه تريد أصابتها قبل ان تقلع ، وقبل الجزء المدمر من الممر ارتفعت الطائرة في أقلاع مستحيل نظريا ، لكنه حدث
أقبل احد الطيارين جريا تجاة عمر المصدوم واوقعه أرضا للاحتماء من الانفجارات المتتاليه حولهم من جراء القنابل الزمنيه وطلقات طائرات العدو التي أستباحت سماء المطار ، زحف عمر داخلا حفرة صغيرة للمخلفات ، والتفت متابعا طائرة طارق التي اقلعت وسط غابه من الطائرات المهاجمه .
ثم أحس بيد تعتصر كتفه ، فأذا هي يد الرائد مرعي والذي هزة بعنف لكي يفيق من صدمته ، شاهد شفاه الرجل تتحرك لكنه لا يسمعه ، صفعه الرجل علي وجهه صفه قويه اوقعته ارضا ، وقتها عادت الاصوات لتخترق اذني عمر من جديد في بطء، أصوات حرائق وانفجارات وصياح للجنود ، وكمن أستيقظ من نومه أفاق عمر من صدمته سريعا ، وعاد اليه توازنه ووجد لسانه يصيح “ليه عملتوا فينا كدة؟ “ موجها صرخاته بتكرار للرائد مرعي، الذي تجاهل صراخ عمر والذي تشابك مع باقي الاصوات في المطار، فجأه تذكر عمر زميله طارق ، فقد غاب عن متابعته لثوان، فالتفت نحو الشرق يبحث بعينه عن صديقه
أنطلق طارق بطائرته وجسدة ينتفض غضبا وثورة ، أنطلق وسط طائرات العدو ،أراد ان يخرقها بطلقاته ، تنحي وقتها المنطق والعقل جانبا ، وطفا حب مصر والحماس والرغبه في الانتقام علي عقله، واصبح لا قيمه عندة لحساب التوازن والعدد، فكل ما شغل باله هو إبعاد طائرات العدو عن مطارة ، فلمح طائرة تعتدل لمهاجمه المطار ، فأطلق عليها صاروخا فأصابها في مقتل ، وظهر الدخان الرمادى ثم تحول للاسود دليل أصابه محركها وقرب انفجارها ، فتركها والتفت نحو طائرة اخري صائحا في غضب
“ انا هنا يا ولاد الكلاب ، تعالوا حاربوني”
كان يصيح غضبا وهو يري طائرات العدو لا تكترث بوجودة وتستمر في مهاجمه المطار ، أطبق علي طائرة أخري وهاجمها بمدفعه فأصيبت هي الاخري ، وسرعان ما انفجرت فوق قمه احد الجبال ، لكن ما الفائدة فطائرات العدو ارتفع عددها الي نحو العشرة ، وهي تهاجم المطار الذي لا حول له ولا قوة ، كان يريد ان يجذب الطائرات بعيدا عن المطار لكن بدون فائدة ، فهاجم طائرة ثالثه ، واطلق عليها صاروخا لم يصيبها ، لكنها ابتعدت عن المطار هربا من مطاردته لها ،وقتها لة يتبقي له صواريخ يطلقها فكل ما كان معه صاروخين فقط ، فأستدار بمناورة حادة مهاجما طائرة اخري كانت في وضع ممتاز للاصابه ، لكنه تنبه الي ان طائرة معاديه تلتف من وراءة محاوله اصابته ، تيقن للكمين الذي نصب له ، فأرتفع بزاويه حادة وبسرعه كبيرة محاولا الافلات .
وعلي الارض شاهد الجميع من خنادقهم مناورات طارق الممتازة ، لكن عمر أشفق عليه ودعا الله له بالسلامه، عندما شاهدة يحاول الافلات من طائرتين تتبعتا ذيل طائرته .
أدركت الطائرات المهاجمه بأنها قد دمرت المطار تماما ، فتحولت لمهاجمه الافرد ، وبدأت تطلق النيران تجاة الجنود الذين يحاولون الاحتماء من نيرانها ، لمح عمر الرائد مرعي يطلق نيرانه من مسدسه الشخصي تجاة الطائرات المغيرة في غضب وغيظ في تصرف لا ينم الا عن قله الحيله واليأس، شاركه عدد من الطيارين في الضرب والطائرات المهاجمه لا تكف عن الهجوم
أحد الطيارين يطلق نيران مسدسه نحو الطائرات وهو يصيح في غضب “خيانه – خيانه”
لم ينتبه عمر الي مغزي ما يقوله زميله ، لكن المشهد حفر في ذاكرته تلقائيا
وأختفت طائرة طارق وراء الجبال ولم يستطع احد متابعتها من الارض ، مازالت الطائرات الاسرائيليه تهاجم بلا هوادة ، فأصابوا كل شئ بارز فوق الارض ، لم يتركوا شيئا او شخصا الا وهاجموة ، فأحترقت الخيام والتعيينات والعربات وسويت بالارض جميعها واستشهد وأصيب العديد من الجنود فأطل عمر برأسه من الخندق ، فوجد النيران والدخان الاسود يحيط بأرجاء المطار متعاليا الي عنان السماء ، وطائرات التشكيل كلها مدمرة علي الارض عدا طائرة طارق، والذي لا يعلم مصيرة بعد.
قاوم طارق مهاجميه بكل ما اوتي من قوة ومهارة ، فأنخفض نحو الجبال وأستغل قمم الجبال لكي يناور بعيدا عن مطارة ومازالت طائرات العدو تتابعه ، كان ارتفاعه المنخفض ومناوراته مستمرة سببا في عدم اصابته بأي صاروخ من الصواريخ الاربعه التي اطلقتها طائرات العدو ، فأتجه تجاة الشمال محاولا الاستعانه بدعم من طائرات مطار العريش ، ثم أهتزت طائرته فجاة بشدة فنظر خلفه فوجد دخان رمادي يخرج من فتحه العادم بقوة ، لقد تمكنت منه احد طائرات العدو وأصابته بمدفعها ،وفجأة لمح الطائرات الاسرائيليه تنسحب يأسه من مطاردته ، فأندهش جدا فمن السهل الان أسقاطه فلماذا أنسحبوا ؟
لكنه أسقط هذا الموضوع من تفكيرة وركز جيدا في طائرته المصابه وقرر الهبوط الاضطراري في مطار العريش والذي يقرب دقائق من موقعه ، امسك بعصا القيادة بشدة وتحكم في الطائرة بصعوبه ،ثم بدأ في الاتصال اللاسلكي بمطار العريش ، لكن لا أجابه ، فحاول علي عدد من الترددات المتفق عليها ، لكن بدون أجابه ،ثم ظهر علي الافق عمود من الدخان الاسود امامه ،سرعان ما تبين انه مطار العريش ، فقد هوجم هو الاخر ، ومن مكانه شاهد مطار العريش كله يحترق ، فالمباني مدمرة تقريبا وطائرات زملائه محترقه كلها علي الارض وحطامها متناثر علي الممر مما يحول دون هبوطه، وقتها فقط أدرك سبب أنسحاب الطائرات المطاردة له ، فلا يوجد مكان يهبط به ،فهو ميت لا محاله لو حاول الهبوط او علي الاقل سيضطر للقفز من طائرته مما يعني خسارته لطائرته علي أحسن تقدير
فجأة تلقي أتصالا لاسلكيا علي الموجه المفتوحه وهو فوق مطار العريش تماما
صاح الصوت في اللاسلكي “يا ميج – يا ميج– انت بتعمل ايه ؟؟ طيارتك مولعه – نط يا بني – نط- نط”
كان صوتا مميزا لكن طارق لم يتعرف عليه ، وفي أستجابه تلقائيه اتجه طارق بطائرته تجاة الصحراء ، وضغط علي رافعه صغيرة قذفته خارج الطائرة تماما، ُفتِحت مظلته سريعا بعد قذفه من الطائرة ، وشاهد طائرته تهوي محترقه ، تلك الطائرة التي لازمته منذ فترة تهوي امام عينيه ، تساقطت دمعه سريعه وهو يشاهد ارتطام طائرته بالارض وانفجارها المدوي.
هبطت المظله بالقرب من المطار ، وهرعت اليه سيارة جيب لتنقله نحو المطار في ثوان ، وبعد دقائق وبينما مازال دخان طائرته المحترقه يتصاعد من خلفه وحرائق مطارالعريش امامه ، وصل طارق الي المطار ليجد حاله من الارتباك والهلع قلما شاهدها الا في السينما
مطار فايد :
بدأت طائرة نائب رئيس الجمهوريه تتحرك علي الممر الفرعي بعد ان هبطت بسلام ، ومن خلفها طائرة الوفد المرافق له تستعد لملامسه الارض وأصطف الجميع استعدادا لاستقبال الضيوف
أحمد والمليجي يدور بينهما حوار باسم والسمري يستمع في صمت–العقيد تحسين ، يدخن سيجارة ويجمع في عقله الاسئله التي سيوجهها لنائب الرئيس ، عسي ان تصل للرئيس ويتدخل لتقويم الامور
أنعكس ضوء علي عين العقيد تحسين ، فتابع مصدر الانعكاس ، فأذا هي طائره مقاتله تستدير خلف طائرة الوفد المرافق، لمح العقيد تحسين النجمه السداسيه الزرقاء بوضوح علي جناح الطائرة رغم المسافه البعيدة ، وبلا تفكير صاح فيمن حوله “هجوم – هجوم --- كله ياخد ساتر!!!!”
لم يتحرك أحد من الرجال للحظه ، ونظروا الي قائدهم الذي ركض تجاة برج المراقبه
تمتم مدحت “هجوم ايه؟!” جاء الرد علي مدحت في صورة صوت طلقات تدوي ، نظر الجميع الذين الجمتهم الدهشه نحو مصدر الصوت،فوجدوا طائرة مقاتله تطلق نيرانها تجاة طائرة الوفد المرافق لنائب الرئيس، صاح أحمد باعلي صوته غير مصدق ما تراة عيناه “مش معقول .. مش معقول” بينما أحمد يردد جملته بدأ الطيارون في الاحتماء خلف اي ساتر ، في نفس اللحظه ، دوي صوت صافرة الانذار بالمطار والتي اطلقها العقيد تحسين بنفسه ، ثم ركض بعدها ليبلغ القيادة بنبأ الهجوم ، وبينما الرجال يركضون للاحتماء ، ظهرت طائرتين اخرتين من خلفهم وقصفتا الممر الرئيسي والذي تهبط عليه طائرة الوفد المرافق ، كم من المشاهد المختلطه تدور في نفس اللحظه يصعب تخيلها وحصرها
-طائرة نائب الرئيس تتحرك علي الممر الفرعي ثم تتوقف ، ويفتح بابها بسرعه ، ليخرج ركابها يركضون في كل الاتجاهات للاحتماء، بعد ثوان طائرة مهاجمه تقصف الطائرة، لتفجرها وتبعثر حطامها علي الممر الفرعي
- في شجاعه وكفاءة من الطيار -طائرة الوفد المرافق تهبط بسلام ومحركاتها مشتعله، ، وتتوقف علي اول
الممر الرئيسي ويخرج ركابها مهرولين في كل اتجاة وسرعان ما تنفجر الطائرة هي الاخري
-طائرات العدو مازالت تقصف الممرات والانفجارات والحرائق تتوالي بطول الممر ، ملامح الصدمه والغضب
تعتصر الرجال علي الارض
-بعد ثوان قليله ، ترتفع الطائرات المهاجمه وتبتعد، بعد أن قصفت الممرات وتركت المطار مشتعل بعد هجوم لم يدم أكثر من نصف دقيقه
-محركات طائرات الحاله الاولي تعمل أستعدادا للاقلاع ، أحمد والمليجي وباقي الطيارين يركضون تجاة طائراتهم للاقلاع بعد ان زالت الصدمه عنهم سريعا ، مدحت يركض والدموع تملأ عينيه، فمكانه ليس علي الارض ، مكانه الان في السماء حيث القتال والمعارك، أما أحمد فلم يهتم بشئ الا في حتميه وجودة في الجو بأي ثمن
- العقيد تحسين يهبط من برج المراقبه جريا تجاة الطيارين وبأشارة من يدة يأمر الفنيين بعدم أدارة محرك أي طائرة ، يلتفت اليه الطيارين ، الغضب يملئ اعين الطيارين من هذا الامر ثم يقترب منهم العقيد صائحا في حزم “ مش هسمح لأي طيار ، يتحرك بطيارته ويموت علي الارض” ثم يشير الي الممرات “ مفيش ممرات تطلعوا من عليها هتطلعوا ازاي؟ في ستين داهيه الطيارات ، بس لازم احافظ علي كل واحد منكم” وتزيد لهجته حدة وشدة ويضع يدة علي جراب مسدسه وهو يصيح منفعلا
“ اللي انتوا عايزين تعملوه دة أسمه انتحار مش شجاعه ولا بطوله ، واللي هيخالف اوامري هضربه بالنار قبل ما يلمس طيارته ..فاهمين ولا لأ؟؟؟ “يصمت الجميع من حوله تاركين صوت النيران تغرد منفردة في سماء المطار.
يحاول أحمد ان يعارض ، لكن يد المليجي تمسك بيدة وتحول دون نقاش غير مجدي.
يستكمل العقيد تحسين اوامرة “ دلوقتي كل واحد منكم يأخد له ساتر ويفضل محله” ويلتقط الرجل انفاسه المتقطعه ويوجه حديثه الي كبير الفنيين “ يا حسن ، جمع كل العساكر علشان يزقوا الطيارات ناحيه الشجر ، حاولوا تخبوها بسرعه ، قبل الغارة الجايه “
فيتساءل أحمد في دهشه “ الغارة الجايه!! هما مش كفايه اللي عملوة؟؟”
ممرات مشتعله وطائرة نائب الرئيس علي الممر الفرعي قبل تدميرها بينما النيران تلتهم طائرة الوفد المرافق
يرد العقيد تحسين “طبعا – هما ضربوا الممرات بس وتأكدوا ان مفيش طيارة هتعرف تطلع ،أكيد المرة الجايه هيهاجموا الطيارات ، والمفروض ان طياراتهم تهاجم في اي لحظه دلوقت– علشان كدة لازم نتحرك وبسرعه “
فتحرك حسن مسرعا جامعا ما أمكن من الجنود لدفع الطائرات ، بينما تحرك باقي الطيارين علي مضض تجاة خندق بجوار الممر ، الاسي يطل علي ملامحهم ،الدموع قاسم مشترك في الاعين ،أحمد يعتصر قفازة الابيض كمن يكظم غيظا هائلا ، فما قيمه الطيار علي الأرض ؟ إن قيمته الحقيقيه في السماء وسط السحاب الابيض ليدافع عن بلدة وأهله ومطارة............................
نادي العقيد تحسين علي السمري وأمرة بجمع شتات الناجين من طائرة نائب الرئيس واحضارهم بسرعه
فركب السمري سيارة جيب واندفع تجاة الممرات ومن بين الحرائق بدأ في جمع الرجال المشتتين ، وقف العقيد تحسين مشعلا سيجارة يشاهد ما ألم بمطارة ، قلبه ينزف حزنا علي مطارة وطياريه ، فليس هذا ما تدربوا من اجله ، لقد خسر المعركه قبل ان تبدأ ،بل انه حتي خسرها بدون ان تتاح له فرصه القتال فقدت بدأت الحرب وانتهت بالنسبه له ، هون الرجل من الام نفسه فمن المؤكد أن جميع قواتنا الجويه تقاتل الان ، ومن المؤكد انه سيشترك معهم بعد أصلاح الممرات ويلحق بهم في دك العدو دكا ، لكن همه الشاغل الان كان حمايه طياريه وطائراتهم حتي يحل الليل فعندما يحل الليل ، ستتاح له الفرصه لتجهيز طائراته للاشتراك الفعلي
صوت أحمد يصل أذنيه موجها حديثه لمدحت وخميس “ هيكسبوا ايه لما يضربوا مطارنا ؟؟ ما فيه عشرين مطار هيردوا عليهم “ ويرد مدحت بأسي “يا ما نفسي اكون في الجو دلوقت وانا كنت اوريهم شغلهم كويس “ ، وبمرارة يعتصر العقيد تحسين سيجارته بين شفتيه وهو يستمع لهذا الحديث الملئ حماس وأسي في نفس الوقت فأولاده في شوق للاقلاع لكن الممرات مضروبه
يأتي قائد الدفاع الجوي عن المطار مهرولا تجاة العقيد تحسين وقبل ان يتفوة بكلمه يطلق الاخير كلماته كالرصاص في وجه الرجل، يلومه عدم وجود دفاع جوي عن المطار ، ولماذا لم يطلق رجاله مدافعهم لصد الهجوم ، يرتبك الرجل من هجوم قائدة ، ويرد في ارتباك “ ما سيادتك عارف الاوامر يا فندم ، التحركات الصديقه، وحبس النيران لغايه الساعه عشرة “ أمتص رد الرجل هجوم العقيد تحسين الذي تذكر هذا الامر اللعين بحبس النيران ودارت فكرة المؤامرة والخيانه في عقله لكنه رفضها بسرعه ، أحس الطيارين الذين تابعوا الحوار بالشفقه علي الرجل الذي ملئ العرق وجهه ، وبادرة العقيد بالسؤال “ودلوقتي جهزت ؟؟؟؟” يرد الرجل ومازال ارتباكه واضحا:
“ تمام يا فندم – المدفعيه جهزت وأتعمرت ، منتظرين اوامرك “
يرد العقيد تحسين بنفاذ صبر وغضب “ اوامري؟! اوامري هي الضرب علي اي هدف معادي يظهر في السما او في مدي مدفعيتك – واضحه الاوامر ؟ “ يرد الرجل بالايجاب وينصرف بسرعه عائدا لمقر قيادته خارج المطار
يأتي السمري بسيارته مليئه برجال لوثت النيران والدخان ملابسهم الانيقه الغاليه وظهرت الصدمه علي وجوههم من هول ما رأوه ، يتعرف العقيد تحسن علي حسين الشافعي نائب رئيس الجمهوريه رغم ما علا وجهه وملابسه من سواد ، فتقدم اليه كاتما غضبه ، وبدون تقاليد رسميه او حتي تحيه ، وبصوت منخفض ، أشار الي ممرات الطائرات المدمرة قائلا “ عجبك كدة ؟؟؟- ليه عملتوا فينا كدة ؟؟؟؟” لم يستطع الرجل او احد من مرافقيه الرد ، فهو رجل ذو منصب صوري ، مجرد لتكمله الشكل الدستوري للدوله ، رجل بلا صلاحيات او مسئوليات .
لام العقيد تحسن نفسه بعدها عشرات المرات علي هذا القول ،فالرجل لم يذنب بل كاد ان يلقي حتفه ، فليس هو المسئول ،ولا ناقه له ولا جمل فيما يحدث .
طلب نائب الرئيس سيارة لتقله ومرافقيه الي القاهرة ، فسعد العقيد تحسين بذلك كثيرا ، فوجود هذا الرجل بين الطيارين الغاضبين سيكون كمن يضع البنزين بجوار النار
فدبر له سيارة تقله مرافقيه والذين لم يصاب منهم احد بسوء يذكر، وغادروا المطار علي الفورمتوجهين للقاهرة.
الطيارون يشاهدون من خنادقهم عمل الجنود والفنيين في دفع الطائرات نحو الاشجار ،لكن مازالت ارض المطار تعج بطائرات اللواء الجوي ،
طوال الوقت لم يكف العقيد تحسين عن النظر الي ساعته ، فأقترب منه السمري متسائلا عن قلقه ، يرد الرجل بأن توقعه لزمن الهجوم الثاني قد حان ، طبقا لحسابات السرعه والمسافه.
أستعان رئيس الفنيين بعمال شركه مقاولات “بكير محمد بكير “ لمساعدة جنودة فهؤلاء العمال يقومون باعمال الصيانه للممر الفرعي وتصادف وجودهم وقت الهجوم فهرول العمال في سعادة للمساعدة ، وبحماس شديد تعالت وتيرة العمل لكن مازال هناك الكثير من الطائرات غير محميه بعد .
تسرب القلق الي جميع الطيارين ، وبدأ كل منهم النظر الي ساعته منتظرا الهجوم .
شعور بغيض قاتل ذلك الذي يعتري الرجال ، فهم منتظرين لهجوم في اي لحظه ولا يملكون ما يقاومون به عن مطارهم ، وطائراتهم كالجثث الهامدة علي الارض لا نفع منها ، وسباق مع الزمن لحفنه رجال في محاوله حمايه عدد من الطائرات ، أتصل العقيد تحسين بقائد الدفاع الجوي عن المطار وتأكد مرة اخري من جاهزيته ، ضابط رادار المطار يصرح متعجبا للعقيد تحسين ان شاشات راداره لم ترصد اي هدف معادي حتي ينذرهم بل انه لم يدر بالهجوم الا والقنابل تنفجر علي ممرات المطار
نظرات الطيارين لبعضهم البعض تحمل جملا وعبارات يصعب ترجمتها لاقوال ، فالمليجي يكاد ينفجر مع كل ثانيه وهو منتظر لذلك الهجوم ، و أحمد فنظراته لا تفارق ذلك الجندي الواقف اعلي برج المراقبه مراقبا الافق البعيد بنظراته مستعدا لاطلاق الانذار لو لم يكتشف الرادار الطائرات المهاجمه قبله ،أما السمري فتابع العقيد تحسين الذي دخل مكتبه لثوان وخرج حاملا بندقيه صيد ، تصرف يائس من قائدة لكنه بالتأكيد أفضل مليون مرة من الجلوس في الخندق ، فأخرج سلاحه الشخصي هو الاخر وتأكد من جاهزيته ، وعندما شاهدة باقي الطيارون ، اخرج كل منهم سلاحه وجهزة .
يدوي صوت صافرة الانذار ، ينظر العقيد تحسين الي السماء فلا يري طائرات بعد ، لابد وان الرادار قد التقطها هذه المرة قبل الهجوم ، مازال عدد كبير من الطائرات في أرض المطار ولم يخفي بعد، نظر احمد تجاة الجنود والعمال الذين يدفعون الطائرات دفعا تجاة الاشجار ، فوجد ان احدا منهم لم يختبئ ولم يهرب ، وكأن الصمم قد حل عليهم جميعا فلم يحاول احدا الهروب والاحتماء بعد سماع صوت الانذار ،وواصلوا عملهم في بساله تفوق الوصف ، ظهرت تشكيلات المقاتلات الاسرائيليه فوق البحيرات المرة تتجه نحو المطار ، ففتحت المدفعيه المضادة للطائرات نيرانها هذه المرة ، وصنعت بنيرانها حاجزا فوق المطار .
نظر المليجي الي احمد نظرة يفهمها أحمد جيدا ، فرد الاخير بأبتسامه ،فقد تعاهد الاثنان علي القتال معا ، وها هما سيقاتلان معا مع اختلاف الظروف والمكان لكنهما معا وذلك ما يهمهما .
ظهرت تشكيلات الطائرات الاسرائيليه في السماء علي ارتفاع منخفض وأخترقت حاجز النيران المضادة للطائرات ، وبدات في قصف اماكن انتظار الطائرات ، لتدمر ما بها من طائرات ،
وتوالت الانفجارات سريعا في الطائرات الواحدة تلو الاخري ، ها هي طائرتي السمري وأحمد تنفجران في ان واحد من جراء قنبله مباشرة ، اما طائرة خميس فقد سويت بالارض تماما ، ومازالت طائرة المليجي تشتعل والنيران تأكلها اكلا .
لم تكن انفجارات عاديه هذه المرة ، فالطائرات المهاجمه القت بقنابل نابالم لاحداث اكبر قدر ممكن من الحرائق والتدمير ، ورغم انها محرمه دوليا الا ان العدو لا يفرق بين الاسلحه المحرمه والغير محرمه.
بدأت التفجيرات تطول الرجال البواسل في ارض المطار وأحترق العديد منهم حيا ، لكن البقيه منهم لم تتوقف عن محاولتها حمايه الطائرات ، ورغم نيران المدفعيه المضادة للطائرات المكثفه والتي أصابت طائرتين واسقطتهما ، الا ان الطائرات المعاديه واصلت هجومها بإصرار، لم يعد في ارض المطار أي طائرة لم تصب او تحترق عدا ما يختبئ بين الاشجار ، أطلق الطيارون من الارض طلقات مسدساتهم بغيظ ويأس وبلا فائدة ، وكان صراخ الطيارين يظهر كلما خبا صوت الانفجارات المستمرة ، صراخ يأس وحسرة وغضب ، بينما تحكم العقيد تحسين في اعصابه ووقف ممسكا ببندقيته مصوبا تجاة طائرات العدو ، فقد أطلق عددا لابأس به من الطلقات ، وساعده حبه لهوايه الصيد علي احكام التصويب نحو الطائرات ، لكنه لم يحس بأي قيمه لما يفعله لكنه بأي حال من الاحوال لن يقف مكتوفي الايدي .
شاهد المليجي رجالا يحترقون ويطلبون النجدة علي مبعدة منه ، و عندما هم بالتحرك كان الوقت قد فات ، فالنابالم ليس من السهل اطفائه كالنيران العاديه ، وما ان يمسك بكائن حي يحوله الي كتله من اللحم المتفحم في ثوان .
منظر بشع في السماء وأفظع منه علي الارض ، فالموت يلقي بظله القاتم علي المطار ودام هذا الظل القاتم ستون ثانيه او اكثر قليلا فقط ، حصد خلالها ارواح العشرات من الرجال الابطال والذين اثروا الموت وهم يؤدون واجبهم ، كما حصد هذا الظل معظم طائرات المطار ، حيث لم يبقي الا أثني عشر طائره سوخوي فقط من أصل ما يقرب من اربعين طائرة متنوعه هي قوة المطار ، بينما أختفت معالم باقي الطائرات ما بين مدمرة تماما أو محترقه .
أنسحبت طائرات العدو مسرعه تجاة الشرق تاركه مطار فايد كقطعه من الجحيم ، فالنيران تملأ الارجاء ، والتفجيرات مازالت مستمرة من جراء قنابل زمنيه القيت في انحاء المطار، والدخان الاسود الكثيف يتصاعد لكيلومترات فوق المطار ، معلنا عن مطار وارواح وقلوب تحترق
خرج الطيارون من خنادقهم يشاهدون مطارهم يحترق في بطء، نظرات حائرة دامعه يائسه للخراب الذي حل بالمطار ، ساروا وسط جثث الجنود والعمال المتفحمه باحثين عن ناجين بلا نتيجه ، فالارواح غادرت الاجساد لتقابل ربها في أطهر وانبل ما يكون اللقاء ، فروح الشهيد تغادر الجسد لكنها ابدا لا تفارق دنيانا بل تظل مصباحا مضيئا في تاريخ الوطن تنير لمن بعدها الطريق، مشهد لا يوصف لرجال أختلطت عظامهم بالحديد المنصهر للطائرات المدمرة ، ومُزج الدم مع الزيت و الوقود
تحجرت الدموع في العيون علي رفاق السلاح ، وشل اللسان عن الكلام ، لكن الاعين كانت تنطق في فزع عن مأساة بكل المقاييس ، ومع توقف المدفعيه المضادة للطائرات عن الضرب ، تُرٍِكًت الساحه لصوت النيران تملأ الارجاء ، وبينما الطيارون والضباط يبحثون في صمت عن ناجين وسط العمال والجنود، مرقت طائرة أسرائيليه فوق الرؤوس علي ارتفاع منخفض جدا ، حدا بجميع الطيارين بالانبطاح ارضا ذعرا ، فمن اين اتت هذه الطائرة المنفردة ؟؟؟
القت هذه الطائرة بقنبله علي تقاطع الممر الرئيسي مع الممر الفرعي لتأكيد تدميرة ثم انسحبت عائدة لقاعدتها بدون ان تطلق عليها طلقه واحدة، مخلفه ورائها لعنات الطيارين الذين بوغتوا بها وبارتفاعها المنخفض وصوتها المدوي.
مطار السر : الساعه العاشره صباحا
مازال الدخان الاسود يلف ارجاء المطار ويحجب ضوء الشمس عن أعين الرجال الذين أنتشروا فى أرجاء المطار بحثا عن أحياء وسط جثث الجنود والفنيين ، ورغم مرور أكثر من ساعه منذ الهجوم الا ان عمر مازال غير متمالك أعصابه ، فوقف بقامته الرياضيه الممشوقه قرب ممر الاقلاع او بالاصح ما تبقي منه ، وقف ممسكا بسيجارة هي الاولي له منذ ثلاث اعوام ، تنفس دخان السيجارة ببطء ، وملئ الدخان القاتل رئتيه لكنه ساعدة علي تمالك بعضا من اعصابه المهزوزه ، عينيه تمسح جنبات المطار وعقله لا يتوقف عن العمل ، أحاسيس مضلله تنتابه فتشتت تفكيرة ، تقفز ناديه الي عقله لثانيه لكن عقله يرفضها فليس هذا الوقت المناسب للتفكير في ناديه وفي المستقبل والذي اصبح منذ ساعه واحده فقط أسودا.
نظر تجاة الطائرات المدمره ، وطفت صور محمود والصاوي الذين أستشهدا ، مازالت جثثهما داخل الطائرات ، ولم يجرأ أحدا من الاقتراب لاستخرجهما بعد ،يا لترتيبات القدر ،فمحمود علم بالأمس فقط بمولد مولدته الاولي ، وها هو يستشهد وهو لم يري مولودته ، لكنه شهيد هكذا صًبر عمر نفسه ، وكانت هذه هي التعزيه الوحيدة له وهو يري الجنود يجمعون جثثا وأشلاء لرجال كانوا مليئين بالحياة مفعمين امل منذ دقائق لكنهم الان شهداء أبطال ، أعتصر السيجاره بين شفتيه وهو يتابع جمع الجثث الواحد تلو الاخري ، والتي تم جمعها في ركن قاصي تمهيدا لدفنها ، بينما تم تجميع المصابين بالقرب من الخيام المحترقه لمحاوله اسعافها
صمت تام بالمطار ، صوت الريح يعلن عن نفسه علي فترات ، صوت الرائد مرعي يظهرعلي فترات أيضا معطيا اوامرة للرجال علي أستحياء ، فالرجل فقد كل ما يملك ، عدا حفنه من الطيارين بدون طائرات وعدد من الجنود وفقد في المقابل مطارة وطائراته وجميع العربات ، حتي جهاز اللاسلكي دمر ، وانقطع تماما عنه الاتصال بالعالم الخارجي ،فلم يعد يعرف ما يحدث خارج حدود مطاره وكذلك لا يوجد وسيله مواصلات تصلح لارسال ضابط الي العريش ليحصل علي معلومات وأوامر ، فأسقط في يدة تماما ووقف مشلول العقل عاجز عن التصرف
العريش :
لم يصدق طارق عينيه عندما عبر بوابه المطار ، فلوهله تخيل انه بجهنم ذاتها ، فلم يري بعينيه سوي نيران ودخان متصاعد من طائرات محترقه وجثث تملئ جنبات المكان ، وانين المصابين يطلبون النجده ، وهرج كبير من رجال يفترض تماسك اعصابهم جيدا للسيطره علي الموقف ، فوجد نفسه يقف وحيدا وسط رجال يركضون في كل اتجاه فزعا وخوفا ، حاول ان يتحدث مع احدهم الا ان أحدا لم يعره انتباها نهائيا .
أمسك أخيرا بجندي من ملابسه ليجبره علي التوقف ، سائلا اياه عن مكان قائد المطار ، اشار الجندي بغضب تجاه مبني القياده والذي يتصاعد من طابقه العلوي دخان اسود خفيف ثم ما لبث ان انتزع نفسه من يدي طارق وواصل ركضه، خطا طارق بهدوء وتمالك اعصاب يحسد عليها تجاه المبني الذي يعرفه جيدا
ودلف داخله ليجد قائد سربه السابق وقائد المطار وعدد من الضباط يستمعون في تركيز لجهاز اللاسلكي والذي تخرج منه أصوات لبلاغات من القيادات المختلفه
هب قائد السرب بسرعه عندما لمح طارق وسأله في دهشه عما أتي به للعريش ، فسرد طارق سريعا ما حدث ، واندهش طارق عندما ظهرت علامات عدم الاكتراث علي وجه قائد المطار ،وعندما وصل سردة للجزء الذي وصل فيه فوق العريش ، تدخل قائدة وأخبرة بانه هو الذي ابلغه لاسلكيا بضرورة القفز لان طائرته كانت علي وشك الانفجار لكنه لم يعرف هويته وقتها .
وفجأه أهتز المبني من جراء انفجار قريب ، فأنزعج طارق وهم بالخروج من المبني ، الا ان قائدة شرح له بضرورة عدم القلق ، فقد القي اليهود بقنابل زمنيه لتلحق اكبر ضرر بالافراد وانه لا ضروره للفزع ، ثم أمسك الرجل بيد طارق وأنزوي بأحد أركان الغرفه ، كانت عيني طارق تشع أسئله وملامحه تحمل قدرا كبيرا من الذهول ، وبصوت منخفض بدأ قائد السرب محو الغموض من سير الاحداث” انت لازم تعرف يا طارق إن كل المطارات تقريبا انضربت في وقت واحد “ظهرت نظره فزع علي عيني طارق وفغر فاه من هول الجمله واستند بظهره علي الحائط فهو يعرف ما تعنيه تلك الجمله ، الا أن قائدة امسك بكتفيه ليعيدة الي ارض الواقع بعد ان هام عقله لثوان مع ماقاله قائدة، وبنظرات حاده استكمل القائد
“انت لازم ترجع مطارك دلوقت وبأسرع وقت وتجمع الرجاله وتروحوا علي مطار المليز ، وأشتغلوا هناك ، ومتنساش تتصلوا بيا ، بلغ مرعى إن دي تعليماتي وتعليمات القيادة وهوا هيتصرف”
ثم أستدار تجاه قائد المطار مكررا ما قاله فصدق الرجل بايماءه من رأسه علي التعليمات الجديده
تساءل طارق عن وسيله الانتقال ، فرد قائدة بأن يتصرف وفق ما يراه ، ظهر ان القائد قد انهي تعليماته لطارق وواصل تركيزه علي البلاغات المتلاحقه في اللاسلكي من مختلف القواعد الجويه بهجمات عليها ، الا ان طارق مال نحو الرجل وسأله في أستحياء “ هوا أحنا لسه باقي عندنا طيارات نرد بيها يا فندم ؟؟؟؟” نظر القائد لطارق نظرة ميزها الاخير جيدا ،أذن الوضع أسوأ مما يتخيل بشر، فأدي التحيه لقائدة وألتفت منصرفا والدموع تكاد تتساقط ، وبعد خطوات قليله نادي عليه قائدة واسرع نحوة ، توقف طارق واستدار ففوجئ بقائدة يحتضنه بشدة لم يألفها من قبل ، واردف في صوت متحشرج “ بلغ الرجاله ان الحرب لسه مخلصتش” أومأ طارق ايجابا وأنصرف وعقله يكاد يطير من هول ما سمع
عاد طارق لساحه المطار حيث الفزع ما زال يملئ الجنبات ، دار بعينيه يحاول ان يميز سياره تقله الي مطار السر ، وسط الدخان المتصاعد من كل شبر تقريبا بالمطار ، استطاع تمييز سيارة نقل كبيرة تقف بمعزل عما يجري بالمطار ، فأسرع نحوها وصعد الكابينه ليجد جنديا لا يزيد عمره عن عشرون عاما في ارضيه السيارة مكور الجسد يبكي في فزع ، ويصم أذانه عن الاصوات التي حوله
سأله طارق “ العربيه دي سليمه ؟؟؟” لم يرد الفتي بكلمه وواصل بكائه ونظراته الفزعه تخترق وجه طارق فأستطرد صائحا “رد علي يا عسكري.. العربيه دي سليمه ؟؟؟” أومأ الفتي بالايجاب ، فصعد طارق للكابينه ووضع خوذته ، ثم صاح في الفتي بأن يقود السياره ،الا ان الفتي لم يتحرك ولوهله ما ظهرت صوره الخادمه زينب علي مخيله طارق عندما شاهد هذا الفتي الضعيف الفزع ثم ما لبثت ان تلاشت .
وجد طارق ان الفتي مازال تحت تأثير الصدمه ، فقرر أستخدام أخر حيله له ، لأخراج الفتي من صدمته واجبارة علي مساعدته ، فأخرج مسدسه وصوبه تجاه عيني الفتي الذي تضاعف فزعه وتكوره في ارضيه السيارة وبدأ في الصياح بكلام غير مفهوم ، وبصوت قاس “ لو عايز تعيش، دور العربيه وخرجنا من هنا “ كانت صيغه الجمع في جمله طارق هي طوق النجاه للفتي الذي نشط فجأة وقام بضغط أحد الازرار في لوحه القيادة ، وبالفعل بدأ محرك السياره في العمل ، فنظر له طارق وقد ارتسمت علي وجه ابتسامه رضا ، وأمر الفتي بان يقود السيارة ، وبعد ثوان كانت السيارة تعبر بوابه المطار التي تركت دون حراسه ، أمر طارق الفتي بالتوجه جنوبا ، وهنا ولاول مرة يظهر صوت الفتي متسائلا عن الوجهه ، وعندما اخبرة طارق بالوجهه رد الفتي بسعاده بانه يعرف الطريق حيث كان يقود أحد سيارات المياه والامدادات التي وصلت اليهم هناك، وعندما لم يتجاوب طارق مع حديث الفتي الذي بدأ يفيق من صدمته ببطء سأله الفتي في بلاهه “ هوا اللي بيحصل يا فندم؟”
سند طارق رأسه علي مسند المقعد ولم يجب بل أغلق عينيه ولسان حاله يتمني أن يكون ما حدث ما هو الا كابوس سيزول عندما يفيق
الساعه الحاديه عشر ظهرا : مطار فايد
مازال الدخان يتصاعد من المطار ، ومازال الجنود ومن تبقي من العمال يجمعون الجثث والاشلاء، بينما تم نقل المصابين الي المستشفي ، وبينما الطيارون مجتمعون بقائدهم في ارض المطار ، هرول جندي الي العقيد تحسين زكي واخبرة بان المشير عامر علي التليفون ، هرول العقيد تحسين ،تاركا طياريه وقد علا الذهول علي وجه الجميع ، فالقائد العام ولاول مرة يخاطب العقيد تحسين مباشره متخطيا التسلسل القيادي،فلابد من انه امر هام جدا ، رفع العقيد تحسين السماعه وعقله غير مصدق ان يكون المشير فعلا علي الخط
تحسين “ الو مين ؟؟ “ جاء صوت المشير فعلا عبر الاثير
المشير “ أيه الاخبار عندك يا تحسين ؟؟”
تحسين “ المطار انضرب يا فندم وباقي 12 طياره سوخوي، الممرات مدمره والمهندسين بيفحصوها ، وهيقولولي أمتي هتكون جاهزة “
المشير “ انت تقديرك أمتي هتكون جاهز ؟؟”
تحسين “ ممكن بكرة الصبح يا فندم “
المشير “ كويس أوي يا تحسين ، علشان عايزك تنفذ الخطه فهد بأي تمن “
تحسين وقد علت الدهشه وجهه “ الخطه فهد يا فندم ؟؟!!”
المشير متجاهلا السؤال “ هتصل بيك كمان ساعه وتقولي ايه الاخبار “
ثم اقفل المشير الخط تاركا العقيد تحسين غاضبا مندهشا متسائلا
خرج القائد لرجاله الذين هرعوا تجاهه متسائلين عن فحوي المحادثه
الا ان الرجل اجاب بجمله واحده الجمت الالسنه “ القيادة عايزاني أنفذ الخطه فهد”
دارت العقول في سرعه تحاول إيجاد تفسير منطقي لطلب القياده الغريب
فكيف وبماذا سيقومون بتنفيذ الخطه ، فليس لديهم ممرات ولا طائرات وحتي لو توافر ذلك فأين التنسيق بين كل المطارات والقواعد الجويه لتنفيذ الخطه ،فعدد الطائرات لا يمكنها تنفيذ ضربه مؤلمه للعدو بأي شكل.
خرج أحمد عن صمته ، وبينما الجميع في دهشه وأحباط ، صاح أحمد “طيب ليه منستخدمش الشارع اللي بره ونطلع من عليه ؟؟” لمعت عيني المليجي والسمري ، بينما أستدار الجميع لرؤيه الطائرات وقياس مدي امكانيه الخروج بها الي الطريق، وعلي الفور بدأت الاراء والتصريحات من الجميع
الا ان صوت القائد تدخل بهدوء وحسم طالبا من السمري أن يدرس هذا الامر الان ، بينما طلب من خميس أن يتوجه الي المهندسين لمعرفه أخر ما توصلوا اليه في امر الممرات .
توجه السمري تجاه سيارته ولحقه احمد والمليجي لدراسه امر الاقلاع من الطريق
القاهرة : الساعه الحاديه عشر والنصف ظهرا
منزل الحاج أحمد الشاذلي
بدأت الاسرة في التجمع بالمنزل لمتابعه اخر الاخبار ، فقد عاد الاب مبكرا من عمله بعد ان دوت صافرات الانذار بالقاهرة ليجد زوجته تلصق اذنها بالمذياع تستمع الي نشرات الاخبار ، وهي تبكي خوفا علي ابنها ، عاد الاب ليجد ان ناديه قد سبقته في الحضور هي الاخري ، صاحت الام فور مشاهدتها لزوجها
“الحرب قامت يا ابو عمر ، والولد في الحرب “ كانت تصيح في لوعه وقد ارتمت في احضان زوجها، تاركه ناديه جالسه علي الارض تستمع لمختلف المحطات التي قد تبث خبرا جديدا
أستكملت الام في لوعه “ هوا كان لازم يخش الطيران ، ماهو كان زمانه قاعد جنبا دلوقتي وكنت أطمنت عليه ، لكن هوا اللي حكم راسه ، يارب رجعه هوا واللي معاه بالسلامه يا رب … يارب انا مليش غيرة “
كانت لوعتها وصوتها يقطع القلوب فبكت ناديه مرة أخري ، وترقرقت الدموع في عيني الاب ، الا ان طمئنها بكلمات لا تطفئ شوق ام أبنها في الحرب
فأتجه الاب نحو ناديه متسائلا “ فيه أخبار جديدة يا بنتي ؟؟؟”
مسحت ناديه دموعها وبصوت باكي أردفت “ الاخبار بتقول انهم هاجموا مطاراتنا وان طيرانا تصدي لهم واننا وقعنا لهم 45 طيارة لغايه دلوقت ، وأن الجيش اشتبك بطول الجبهه ، وبدأت قواتنا في التقدم حسب الخطه” انحني الاب علي رأس ناديه وقبلها مردفا “ ربنا يبارك فيكي ،اهي دي الاخبار ولا بلاش – أكيد أحنا دلوقتي بنديهم علقه سخنه “
نظرت ناديه تجاة الاب متسائلا “ تفتكر عمر بخير يا عمي ؟؟”
أستدار الاب وهو ينظر لصورة الرئيس جمال عبد الناصر “ ربنا ينصرة هوا وكل ولادنا “
الساعه الثانيه عشر ظهرا
مطار السر
ما زال الوجوم يحيط بالرجال بعد ان جمعوا رفات زملائهم تمهيدا لدفنها ، وتعالي الغضب علي وجوه البقيه الباقيه من الطيارين وهم يرون الطائرات الاسرائيليه تغير علي المطار مره تلو الاخري وتعيد قصف الممر بدون ان تتصدي لها قواتنا ، وزاد من السخط والحنق لدي الطيارين هو عدم رؤيه اي طائرات مصريه في السماء .
فظل الرجال متخذين سواتر لهم للاحتماء من الاغارات المتكررة والاعين تتعلق بالرائد مرعي مطالبه اياه باتخاذ قرار ما ، لكن ماذا يفعل الرجل سوي انتظار نجده القدر ، فأذا ارسل جنديا سيرا علي الاقدام لطلب النجده ، فأن هذا الجندي هالك لا محاله ، فأقرب موقع به قواتنا يقرب عشره كيلو مترات علي الاقل تتخللها جبال شاهقه وهضاب ، كان الرائد مرعي يتصبب عرقا غزيرا وهو يجلس داخل حفرة ، كان عقله لا يتوقف عن الحركه بينما عينيه تتجنب نظرات الرجال المطالبه بأيجاد حل في هذا المأزق لكنه عقد العزم في ذهنه علي التحرك بالرجال ليلا سيرا علي الاقدام لو لم تأت أي نجده
وفي حفره اخري صنعتها احد القنابل ، أحتمي عمر هو الاخر مثل باقي الرجال ، توقف عقله عن التفكير بعد أن أٌرهق تماما ، فقد نفذت طلقات مسدسه بعد ان اطلقها في غضب ضد الطائرات المهاجمه بلا جدوي ، ونفذت معها ايضا كل السجائر التي طالتها يده ، فقد دخن في الثلاث ساعات الماضيه أكثر مما دخن في عمرة كله ، لكن احساسه بالوقت كان منعدما تماما ، فكر في مصر التي تقاتل الان بينما هو محتمي في حفرة
وتمني لو استطاع القتال ، أخذه تفكيرة الي طارق متسائلا عن حاله الان ، وهل مازال حيا ؟
لكن يقينه أخبرة بأن طارق لابد وانه بخير الان .
وبينما جميع الرجال قي صمت كصمت الشهداء المجمعين بجوارهم ، ظهر صوت بوق سيارة من بعيد ، علي الفور اطلت رؤوس الرجال من الحفر والاعين تتساءل عن مصدر الصوت ،ومن بين الدخان ظهرت سيارة نقل عسكريه تجاه بوابه المطار ، فهلل الجنود فرحا بالنجده ، بينما تهلل وجه الرائد مرعي بالسعاده.
توقفت السيارة بجوار أحد السيارات المحترقه ليحجبها الدخان مرة اخري عن اعين الرجال ، فتوجس الرائد مرعي خيفه من هذا التصرف ، فأمر الرجال بالبقاء في الحفر ، وأخرج مسدسه موجهها فوهته نحو السياره ، كذلك فعل باقي الضباط عندما فهموا تصرفهم قائدهم الغريب
وتعلقت الاعين تجاه مقدمه السيارة التي تظهر من بين الدخان ، مرت ثوان كالدهر علي الرجال حتي ظهر شبح من بين الدخان يتحرك تجاههم ، في البدايه لم تكن معالمه واضحه ، الا ان الجميع ميزوا زي الطيران الواضح ، لكن غموض ملامحه وجهه جعلهم محتاطين منه ، وفجأه وجد الرائد مرعي عمر يجري تجاه هذا الشخص ثم يحتضنه ، أنه طارق هكذا صاح عمر فيهم ، فهب الجميع فرحين بالنجده والتفوا حوله في سرعه فرحين ب
طائرات اسرائيليه شاركت في الهجوم
لم يكن صباح الاثنين الخامس من يونيو يوما عاديا في تاريخ الانسانيه بأسرها وهذه ليست بمبالغه بقدر ما هي واقع فما حدث في هذا اليوم غير مسار الملايين من البشر لسنوات وعقود كثيرة قادمه
وربما لا يدرك القائد الي اي مدي يمكن أن يؤثر قرارا ما في تاريخ العالم بأسره وربما تكون معطيات قرارة صحيحه في ذلك الوقت لكنها بالتأكيد كارثيه للمستقبل
فما الذي حدث في هذا اليوم ليؤثر مثل هذا التأثير علي العالم؟
أشرقت شمس الخامس من يونيو كعادتها كل يوم ، ومن كان ينظر اليها في وقت شروقها لم يكن ليتصور انه مع غروبها قد تتغير او حتي تنتهي حياته.
فقد كان أخر شروق يراه الالاف من ابناء مصر ، جيل كامل من شباب مصر فقد حياته ومستقبله واحلامه مع كل لحظه تحركت فيها الشمس في السماء .
لمح طارق وعمر ظهور قرص الشمس من بين قمم الجبال مفردة اشعتها علي مطار السر في قوة
تحرك الاثنان الي مكان الوضوء مع عدد من الضباط والفنيين ، وأقيمت الصلاة بعد فترة وانتهت وتحرك بعدها الصاوي ومعه محمود الي طائرتهما ليكونا في طائرات الحاله الاولي، غمز الصاوي بعينه الي طارق عندما امسك بعدة مجلات ليطالعها اثناء جلوسه الممل بالطائرة .
كان طارق شاردا فلسبب لا يجهله أنقبض قلبه بشدة عندما انهي الصلاة ، فكر بسرعه في والدته ايمكن ان يكون مكروها حدث لها؟ او ربما والدة؟ ، مجرد التفكير في ذلك اتعبه جدا ، فقرر كتابه خطاب ليطمئن عليهم ، ثم خطرت له فكرة ان يستقل سيارة تجاة العريش ويتصل تليفونيا ، لكن رفض الرائد مرعي وقف حائلا امام ذلك .
اما عمر فقد أمضي وقتا في متابعه الفنيين وهم يقومون بالفحص اليومي لطائرته ، وأمسك بقطعه قماش ونظف زجاج الكابينه بنفسه هربا من الملل.
اما في مطار فايد فقد كان الوضع مختلفا تماما ، فقد كانت الاستعدادات تتم علي قدم وساق ، ليس للحرب بل لاستقبال نائب رئيس الجمهوريه السيد حسين الشافعي ومعه الطاهر يحيى رئيس وزراء العراق في زياره لرفع الروح المعنويه.
وصلت التعليمات لقيادة المطار صباحا بوجود اثنان وعشرون تحركا جويا صديقا فوق المنطقه لذلك فيجب تقييد نيران الوحدات المضادة للطائرات ، وهذا الامر يعني عدم اطلاق اي نيران الا بأوامر من القيادة العليا ،
علم العقيد تحسين ان المشير سينتقل الي مطار تمادا في وسط سيناء لزياره قواتنا البريه ومعه عدد كبير من المرافقين والضباط.
لم يكن العقيد تحسين مستريح لما يحدث من تحركات جويه في المنطقه ، زاد علي ذلك هو تكاثف الضباب الشديد علي المطار في الصباح مما ادي الي تأجيل خروج طلعه تدريب ، فقام العقيد تحسين بالتنبيه علي طياريه والضباط بالاستعداد لاستقبال الضيوف.
ومن بين الاستعدادات أختلى أحمد بالعقيد تحسين يسأله عن مصير كتيب الميراج الذي ارسله للقيادة منذ ايام فرد عليه القائد بأنه تحدث مع الفريق صدقي يوم لقاء الرئيس في قاعدة أبو صوير ، وأن الفريق صدقي قد أخبرة بأنها معلومات خاطئه تماما وليس لها اي أساس من الصحه ، وأضاف العقيد تحسين بأن ثقه القيادة في معلومات المخابرات الحربيه لا تشوبها شائبه حتي أنهم رفضوا دراسه الكتيب ، وأنهي القائد حديثه بأن موضوع الكتيب هذا سيكون موضع حوار مع السيد حسين الشافعي بعد قليل بهدف إيصال المعلومه للرئيس .
مرت عقارب الساعه وتخطت الثامنه والنصف صباحا بقليل ، الخمول والممل يسيطران علي الرجال في مطار السر، عدد من الجنود يلعبون الكرة خلف الطائرات وعدد أخر منهم يفترش الارض تحت اجنحه الطائرات ، طلب الرائد مرعي من الطيارين التجمع لمراجعه الخطه فهد1 وتأكيد حفظ كل منهم لدورة ، وفرد الرجل خريطه العمليات علي أحد صناديق الذخيرة، والتف حوله الطيارين في بطء وتكاسل، وبدأ الرجل شرحه للهجوم مرة اخري.
مرت الدقائق بصعوبه علي الرجال وهم يسمعون صوت قائدهم يشرح برتابه الهدف وخطط الطيران التي سموعها عشرات المرات حتي الان ، ونظراتهم لبعضهم البعض تشع ملل من رتابه الوضع القائم
في نفس اللحظه كانت اشارة لاسلكيه تصل الي مطار فايد تنبئ بقرب وصول طائرة الزائرين .
فأصطف الطيارون بملابس الطيران ، وبجانبهم قائد وضباط الدفاع الجوي وضباط الأمن ورئيس مهندسي المطار، بينما العقيد تحسين يراجع برنامج الزيارة الذي يشمل حوار مع الطيارين و يليه مشاهده الطائرات .
مطار السر : الساعه التاسعه صباحا
بينما الطيارون ينتظرون أن ينتهي قائدهم من اعادة شرح الخطه لكي يهربوا الي ظل ما يستظلون به من الشمس المحرقه ،ويتابعون اعمالهم اليوميه ، تنبه طارق بأذنه المدربه نحو صوت ما يسمعه من بعيد
فتنبه الرائد مرعي الي التفاته طارق فسأله عما به ، فرد الاخير
“سامع صوت طيارات من بعيد يا فندم … هما سمحوا بالطلعات تاني ؟؟؟”
تدخل احد الطيارين متهكما “ ممكن سمحوا وكالعادة نسيوا يبلغونا “
في هذه اللحظه أقترب صوت الطائرات لدرجه ان الجميع سمع صداها وسط الجبال ، فالتفتوا تجاة الصوت ، فصاح الرائد مرعي بتهكم “ أكيد طيارات مطار المليز بتعمل دوريه . وباين .......”
لم يكمل الرجل جملته فقد ظهرت من بين الجبال طائرتين فجأة لتمرا علي ارتفاع منخفض فوق الممر بسرعه كبيرة، ويصمت الرجل متابعا الطائرتين مع طياريه
شاهد الجميع الطائرتين تلقيان شيئا ما أرتطم بأرضيه الممر دون أن ينفجر ، بعدها اهتزت الارض فجأة تحت اقدام الرجال بشدة وتبعها أنفجارين هائلين بالممر اطاحا بأرضيه الممر الاسفلتيه عاليا في الهواء ، وسط صدمه الرجال الذين انبطحوا ارضا برد فعل غريزي ، وخرج صوت الرائد مرعي يصرخ مندهشا غير مصدق
“مش معقول– مش معقول الاسرائيليين اتجننوا وبيهاجمونا ؟!” لم تكن جملته متسائله بقدر انها غير مصدقه لما يحدث.
ووسط دهشه الجميع ، حلقت الطائرات المهاجمه مبتعدة عن المطار ، تاركه الممر مشتعل تماما .
كانت صدمه الجميع من الهجوم كبيرة وتفوق الوصف ،فساد الهرج والمرج أنحاء المطار وهرع الرائد مرعي تجاة خيمه اللاسلكي صائحا بتبليغ أشارة لمطار العريش بأن المطار تعرض للهجوم
لم تمر أكثر من نصف دقيقه منذ ضرب الممر ، ومازال الطيارين منبطحين ارضا تحت تأثير الصدمه الشديده التي شلت حركتهم لثوان
نظر طارق تجاة طائرتي الصاوي ومحمود ، فوجد غطاء الكابينه بهما قد أغلق وأديرت المحركات التي لم يظهر صوتها من تأثير أصوات النيران المشتعله والانفجارات الصغيرة ،ثم بدأت الطائرات في التحرك للاقلاع
صاح عمر “ الممر انضرب – مش هيقدروا يطلعوا – مفيش مسافه كفايه “
تمتم طارق بصلابه وهو ينتصب واقفا مرة اخري بجوار طارق “لازم يطلعوا .. لازم .. لازم”
وبدون أي مقدمات ظهرت طائرتين اسرائيليتين من بين الجبال لتنقضا علي طائرات الحاله الاولي ، القت احدي الطائرتين قنبله ، فأنفجرت مباشرة في طائرة الصاوي مباشرة وحولتها الي حطام متناثر في ثانيه ، تبعتها طائرة محمود هي الاخري ،وأستشهد الطيارين بداخل طائرتهم وهم يحاولون التحرك علي الممر للاقلاع
أدي انفجار الطائرتين الي الاطاحه بالطيارين والجنود الواقفين بالقرب منهما من تاثير تفريغ الهواء الذي يتزامن مع الانفجار .
وقع عمر وطارق علي الارض مرة اخري من تأثير الانفجار، لكن عمر لم يفقد الوعي ، كانت صدمته ما يحدث امامه قد شلته ومنعته من التفكير ، لكن طارق قام و بدأ في الركض تجاة طائره الحاله الثانيه والتي لا تبعد أكثر من خمسون مترا ، صاح طارق في وجه رئيس الفنيين وبنبرة لا تقبل النقاش
“دور الطيارة” أستجاب الفنيين بسرعه تلقائيه، وبعد ثوان كانت الطائرة تتحرك تجاة الممر والذي دمر من منتصفه تماما وحجبت النيران بقيته ، شاهد عمر طائرة طارق تتحرك ، لكنه لم يميز شيئا فصدمه انفجار طائرتي الصاوي ومحمود أمامه أفقدته اتزانه ، شاهد الطيارين يركضون تجاة طائرتهم بعد ان زالت صدمتهم ، لكنه كان كالذي يشاهد فيلما من العشرينات من تلك الافلام الصامته ، فهو يري بعينيه لكن أذنيه لا تتلقيان اصوات مايراة ، فعقله لا يستطيع ترجمه ما تراة عيناة
وجد احد الفنيين يجري ويشير تجاة السماء ، نظر عمر بدورة متسائلا عما يشير ، فوجد طائرتين أخرتين تهاجمان المطار ، لم يستطع ان يتحرك للاحتماء ، فقد رفض جسدة اطاعه اوامر عقله ، ووقف كالمشلول يشاهد ولا يتحرك ، هاجمت الطائرات المهاجمه الطائرات القابعه بدون حمايه فتوالت الانفجارات بها ، قبل أن يصل أي من الطيارين اليهم ، نبهه عقله فجأة الي طارق فأين طارق ، من بين النيران والدخان علي الممر ، ظهرت طائرة طارق تستعد للاقلاع علي طرف الممر والذي يبدو انه مازال سليما ، احس عمر بالارض تهتز تحت قدميه انه محرك الطائرة يعمل بأقصي قوة والطائرة مازالت متوقفه
“ايه اللي بيعمله المجنون ده !! هيموت نفسه !!” هكذا صاح عقله ، وهو يري طائرة طارق تنطلق كالسهم علي الممر ومن خلفها طلقات من طائره معاديه تريد أصابتها قبل ان تقلع ، وقبل الجزء المدمر من الممر ارتفعت الطائرة في أقلاع مستحيل نظريا ، لكنه حدث
أقبل احد الطيارين جريا تجاة عمر المصدوم واوقعه أرضا للاحتماء من الانفجارات المتتاليه حولهم من جراء القنابل الزمنيه وطلقات طائرات العدو التي أستباحت سماء المطار ، زحف عمر داخلا حفرة صغيرة للمخلفات ، والتفت متابعا طائرة طارق التي اقلعت وسط غابه من الطائرات المهاجمه .
ثم أحس بيد تعتصر كتفه ، فأذا هي يد الرائد مرعي والذي هزة بعنف لكي يفيق من صدمته ، شاهد شفاه الرجل تتحرك لكنه لا يسمعه ، صفعه الرجل علي وجهه صفه قويه اوقعته ارضا ، وقتها عادت الاصوات لتخترق اذني عمر من جديد في بطء، أصوات حرائق وانفجارات وصياح للجنود ، وكمن أستيقظ من نومه أفاق عمر من صدمته سريعا ، وعاد اليه توازنه ووجد لسانه يصيح “ليه عملتوا فينا كدة؟ “ موجها صرخاته بتكرار للرائد مرعي، الذي تجاهل صراخ عمر والذي تشابك مع باقي الاصوات في المطار، فجأه تذكر عمر زميله طارق ، فقد غاب عن متابعته لثوان، فالتفت نحو الشرق يبحث بعينه عن صديقه
أنطلق طارق بطائرته وجسدة ينتفض غضبا وثورة ، أنطلق وسط طائرات العدو ،أراد ان يخرقها بطلقاته ، تنحي وقتها المنطق والعقل جانبا ، وطفا حب مصر والحماس والرغبه في الانتقام علي عقله، واصبح لا قيمه عندة لحساب التوازن والعدد، فكل ما شغل باله هو إبعاد طائرات العدو عن مطارة ، فلمح طائرة تعتدل لمهاجمه المطار ، فأطلق عليها صاروخا فأصابها في مقتل ، وظهر الدخان الرمادى ثم تحول للاسود دليل أصابه محركها وقرب انفجارها ، فتركها والتفت نحو طائرة اخري صائحا في غضب
“ انا هنا يا ولاد الكلاب ، تعالوا حاربوني”
كان يصيح غضبا وهو يري طائرات العدو لا تكترث بوجودة وتستمر في مهاجمه المطار ، أطبق علي طائرة أخري وهاجمها بمدفعه فأصيبت هي الاخري ، وسرعان ما انفجرت فوق قمه احد الجبال ، لكن ما الفائدة فطائرات العدو ارتفع عددها الي نحو العشرة ، وهي تهاجم المطار الذي لا حول له ولا قوة ، كان يريد ان يجذب الطائرات بعيدا عن المطار لكن بدون فائدة ، فهاجم طائرة ثالثه ، واطلق عليها صاروخا لم يصيبها ، لكنها ابتعدت عن المطار هربا من مطاردته لها ،وقتها لة يتبقي له صواريخ يطلقها فكل ما كان معه صاروخين فقط ، فأستدار بمناورة حادة مهاجما طائرة اخري كانت في وضع ممتاز للاصابه ، لكنه تنبه الي ان طائرة معاديه تلتف من وراءة محاوله اصابته ، تيقن للكمين الذي نصب له ، فأرتفع بزاويه حادة وبسرعه كبيرة محاولا الافلات .
وعلي الارض شاهد الجميع من خنادقهم مناورات طارق الممتازة ، لكن عمر أشفق عليه ودعا الله له بالسلامه، عندما شاهدة يحاول الافلات من طائرتين تتبعتا ذيل طائرته .
أدركت الطائرات المهاجمه بأنها قد دمرت المطار تماما ، فتحولت لمهاجمه الافرد ، وبدأت تطلق النيران تجاة الجنود الذين يحاولون الاحتماء من نيرانها ، لمح عمر الرائد مرعي يطلق نيرانه من مسدسه الشخصي تجاة الطائرات المغيرة في غضب وغيظ في تصرف لا ينم الا عن قله الحيله واليأس، شاركه عدد من الطيارين في الضرب والطائرات المهاجمه لا تكف عن الهجوم
أحد الطيارين يطلق نيران مسدسه نحو الطائرات وهو يصيح في غضب “خيانه – خيانه”
لم ينتبه عمر الي مغزي ما يقوله زميله ، لكن المشهد حفر في ذاكرته تلقائيا
وأختفت طائرة طارق وراء الجبال ولم يستطع احد متابعتها من الارض ، مازالت الطائرات الاسرائيليه تهاجم بلا هوادة ، فأصابوا كل شئ بارز فوق الارض ، لم يتركوا شيئا او شخصا الا وهاجموة ، فأحترقت الخيام والتعيينات والعربات وسويت بالارض جميعها واستشهد وأصيب العديد من الجنود فأطل عمر برأسه من الخندق ، فوجد النيران والدخان الاسود يحيط بأرجاء المطار متعاليا الي عنان السماء ، وطائرات التشكيل كلها مدمرة علي الارض عدا طائرة طارق، والذي لا يعلم مصيرة بعد.
قاوم طارق مهاجميه بكل ما اوتي من قوة ومهارة ، فأنخفض نحو الجبال وأستغل قمم الجبال لكي يناور بعيدا عن مطارة ومازالت طائرات العدو تتابعه ، كان ارتفاعه المنخفض ومناوراته مستمرة سببا في عدم اصابته بأي صاروخ من الصواريخ الاربعه التي اطلقتها طائرات العدو ، فأتجه تجاة الشمال محاولا الاستعانه بدعم من طائرات مطار العريش ، ثم أهتزت طائرته فجاة بشدة فنظر خلفه فوجد دخان رمادي يخرج من فتحه العادم بقوة ، لقد تمكنت منه احد طائرات العدو وأصابته بمدفعها ،وفجأة لمح الطائرات الاسرائيليه تنسحب يأسه من مطاردته ، فأندهش جدا فمن السهل الان أسقاطه فلماذا أنسحبوا ؟
لكنه أسقط هذا الموضوع من تفكيرة وركز جيدا في طائرته المصابه وقرر الهبوط الاضطراري في مطار العريش والذي يقرب دقائق من موقعه ، امسك بعصا القيادة بشدة وتحكم في الطائرة بصعوبه ،ثم بدأ في الاتصال اللاسلكي بمطار العريش ، لكن لا أجابه ، فحاول علي عدد من الترددات المتفق عليها ، لكن بدون أجابه ،ثم ظهر علي الافق عمود من الدخان الاسود امامه ،سرعان ما تبين انه مطار العريش ، فقد هوجم هو الاخر ، ومن مكانه شاهد مطار العريش كله يحترق ، فالمباني مدمرة تقريبا وطائرات زملائه محترقه كلها علي الارض وحطامها متناثر علي الممر مما يحول دون هبوطه، وقتها فقط أدرك سبب أنسحاب الطائرات المطاردة له ، فلا يوجد مكان يهبط به ،فهو ميت لا محاله لو حاول الهبوط او علي الاقل سيضطر للقفز من طائرته مما يعني خسارته لطائرته علي أحسن تقدير
فجأة تلقي أتصالا لاسلكيا علي الموجه المفتوحه وهو فوق مطار العريش تماما
صاح الصوت في اللاسلكي “يا ميج – يا ميج– انت بتعمل ايه ؟؟ طيارتك مولعه – نط يا بني – نط- نط”
كان صوتا مميزا لكن طارق لم يتعرف عليه ، وفي أستجابه تلقائيه اتجه طارق بطائرته تجاة الصحراء ، وضغط علي رافعه صغيرة قذفته خارج الطائرة تماما، ُفتِحت مظلته سريعا بعد قذفه من الطائرة ، وشاهد طائرته تهوي محترقه ، تلك الطائرة التي لازمته منذ فترة تهوي امام عينيه ، تساقطت دمعه سريعه وهو يشاهد ارتطام طائرته بالارض وانفجارها المدوي.
هبطت المظله بالقرب من المطار ، وهرعت اليه سيارة جيب لتنقله نحو المطار في ثوان ، وبعد دقائق وبينما مازال دخان طائرته المحترقه يتصاعد من خلفه وحرائق مطارالعريش امامه ، وصل طارق الي المطار ليجد حاله من الارتباك والهلع قلما شاهدها الا في السينما
مطار فايد :
بدأت طائرة نائب رئيس الجمهوريه تتحرك علي الممر الفرعي بعد ان هبطت بسلام ، ومن خلفها طائرة الوفد المرافق له تستعد لملامسه الارض وأصطف الجميع استعدادا لاستقبال الضيوف
أحمد والمليجي يدور بينهما حوار باسم والسمري يستمع في صمت–العقيد تحسين ، يدخن سيجارة ويجمع في عقله الاسئله التي سيوجهها لنائب الرئيس ، عسي ان تصل للرئيس ويتدخل لتقويم الامور
أنعكس ضوء علي عين العقيد تحسين ، فتابع مصدر الانعكاس ، فأذا هي طائره مقاتله تستدير خلف طائرة الوفد المرافق، لمح العقيد تحسين النجمه السداسيه الزرقاء بوضوح علي جناح الطائرة رغم المسافه البعيدة ، وبلا تفكير صاح فيمن حوله “هجوم – هجوم --- كله ياخد ساتر!!!!”
لم يتحرك أحد من الرجال للحظه ، ونظروا الي قائدهم الذي ركض تجاة برج المراقبه
تمتم مدحت “هجوم ايه؟!” جاء الرد علي مدحت في صورة صوت طلقات تدوي ، نظر الجميع الذين الجمتهم الدهشه نحو مصدر الصوت،فوجدوا طائرة مقاتله تطلق نيرانها تجاة طائرة الوفد المرافق لنائب الرئيس، صاح أحمد باعلي صوته غير مصدق ما تراة عيناه “مش معقول .. مش معقول” بينما أحمد يردد جملته بدأ الطيارون في الاحتماء خلف اي ساتر ، في نفس اللحظه ، دوي صوت صافرة الانذار بالمطار والتي اطلقها العقيد تحسين بنفسه ، ثم ركض بعدها ليبلغ القيادة بنبأ الهجوم ، وبينما الرجال يركضون للاحتماء ، ظهرت طائرتين اخرتين من خلفهم وقصفتا الممر الرئيسي والذي تهبط عليه طائرة الوفد المرافق ، كم من المشاهد المختلطه تدور في نفس اللحظه يصعب تخيلها وحصرها
-طائرة نائب الرئيس تتحرك علي الممر الفرعي ثم تتوقف ، ويفتح بابها بسرعه ، ليخرج ركابها يركضون في كل الاتجاهات للاحتماء، بعد ثوان طائرة مهاجمه تقصف الطائرة، لتفجرها وتبعثر حطامها علي الممر الفرعي
- في شجاعه وكفاءة من الطيار -طائرة الوفد المرافق تهبط بسلام ومحركاتها مشتعله، ، وتتوقف علي اول
الممر الرئيسي ويخرج ركابها مهرولين في كل اتجاة وسرعان ما تنفجر الطائرة هي الاخري
-طائرات العدو مازالت تقصف الممرات والانفجارات والحرائق تتوالي بطول الممر ، ملامح الصدمه والغضب
تعتصر الرجال علي الارض
-بعد ثوان قليله ، ترتفع الطائرات المهاجمه وتبتعد، بعد أن قصفت الممرات وتركت المطار مشتعل بعد هجوم لم يدم أكثر من نصف دقيقه
-محركات طائرات الحاله الاولي تعمل أستعدادا للاقلاع ، أحمد والمليجي وباقي الطيارين يركضون تجاة طائراتهم للاقلاع بعد ان زالت الصدمه عنهم سريعا ، مدحت يركض والدموع تملأ عينيه، فمكانه ليس علي الارض ، مكانه الان في السماء حيث القتال والمعارك، أما أحمد فلم يهتم بشئ الا في حتميه وجودة في الجو بأي ثمن
- العقيد تحسين يهبط من برج المراقبه جريا تجاة الطيارين وبأشارة من يدة يأمر الفنيين بعدم أدارة محرك أي طائرة ، يلتفت اليه الطيارين ، الغضب يملئ اعين الطيارين من هذا الامر ثم يقترب منهم العقيد صائحا في حزم “ مش هسمح لأي طيار ، يتحرك بطيارته ويموت علي الارض” ثم يشير الي الممرات “ مفيش ممرات تطلعوا من عليها هتطلعوا ازاي؟ في ستين داهيه الطيارات ، بس لازم احافظ علي كل واحد منكم” وتزيد لهجته حدة وشدة ويضع يدة علي جراب مسدسه وهو يصيح منفعلا
“ اللي انتوا عايزين تعملوه دة أسمه انتحار مش شجاعه ولا بطوله ، واللي هيخالف اوامري هضربه بالنار قبل ما يلمس طيارته ..فاهمين ولا لأ؟؟؟ “يصمت الجميع من حوله تاركين صوت النيران تغرد منفردة في سماء المطار.
يحاول أحمد ان يعارض ، لكن يد المليجي تمسك بيدة وتحول دون نقاش غير مجدي.
يستكمل العقيد تحسين اوامرة “ دلوقتي كل واحد منكم يأخد له ساتر ويفضل محله” ويلتقط الرجل انفاسه المتقطعه ويوجه حديثه الي كبير الفنيين “ يا حسن ، جمع كل العساكر علشان يزقوا الطيارات ناحيه الشجر ، حاولوا تخبوها بسرعه ، قبل الغارة الجايه “
فيتساءل أحمد في دهشه “ الغارة الجايه!! هما مش كفايه اللي عملوة؟؟”
ممرات مشتعله وطائرة نائب الرئيس علي الممر الفرعي قبل تدميرها بينما النيران تلتهم طائرة الوفد المرافق
يرد العقيد تحسين “طبعا – هما ضربوا الممرات بس وتأكدوا ان مفيش طيارة هتعرف تطلع ،أكيد المرة الجايه هيهاجموا الطيارات ، والمفروض ان طياراتهم تهاجم في اي لحظه دلوقت– علشان كدة لازم نتحرك وبسرعه “
فتحرك حسن مسرعا جامعا ما أمكن من الجنود لدفع الطائرات ، بينما تحرك باقي الطيارين علي مضض تجاة خندق بجوار الممر ، الاسي يطل علي ملامحهم ،الدموع قاسم مشترك في الاعين ،أحمد يعتصر قفازة الابيض كمن يكظم غيظا هائلا ، فما قيمه الطيار علي الأرض ؟ إن قيمته الحقيقيه في السماء وسط السحاب الابيض ليدافع عن بلدة وأهله ومطارة............................
نادي العقيد تحسين علي السمري وأمرة بجمع شتات الناجين من طائرة نائب الرئيس واحضارهم بسرعه
فركب السمري سيارة جيب واندفع تجاة الممرات ومن بين الحرائق بدأ في جمع الرجال المشتتين ، وقف العقيد تحسين مشعلا سيجارة يشاهد ما ألم بمطارة ، قلبه ينزف حزنا علي مطارة وطياريه ، فليس هذا ما تدربوا من اجله ، لقد خسر المعركه قبل ان تبدأ ،بل انه حتي خسرها بدون ان تتاح له فرصه القتال فقدت بدأت الحرب وانتهت بالنسبه له ، هون الرجل من الام نفسه فمن المؤكد أن جميع قواتنا الجويه تقاتل الان ، ومن المؤكد انه سيشترك معهم بعد أصلاح الممرات ويلحق بهم في دك العدو دكا ، لكن همه الشاغل الان كان حمايه طياريه وطائراتهم حتي يحل الليل فعندما يحل الليل ، ستتاح له الفرصه لتجهيز طائراته للاشتراك الفعلي
صوت أحمد يصل أذنيه موجها حديثه لمدحت وخميس “ هيكسبوا ايه لما يضربوا مطارنا ؟؟ ما فيه عشرين مطار هيردوا عليهم “ ويرد مدحت بأسي “يا ما نفسي اكون في الجو دلوقت وانا كنت اوريهم شغلهم كويس “ ، وبمرارة يعتصر العقيد تحسين سيجارته بين شفتيه وهو يستمع لهذا الحديث الملئ حماس وأسي في نفس الوقت فأولاده في شوق للاقلاع لكن الممرات مضروبه
يأتي قائد الدفاع الجوي عن المطار مهرولا تجاة العقيد تحسين وقبل ان يتفوة بكلمه يطلق الاخير كلماته كالرصاص في وجه الرجل، يلومه عدم وجود دفاع جوي عن المطار ، ولماذا لم يطلق رجاله مدافعهم لصد الهجوم ، يرتبك الرجل من هجوم قائدة ، ويرد في ارتباك “ ما سيادتك عارف الاوامر يا فندم ، التحركات الصديقه، وحبس النيران لغايه الساعه عشرة “ أمتص رد الرجل هجوم العقيد تحسين الذي تذكر هذا الامر اللعين بحبس النيران ودارت فكرة المؤامرة والخيانه في عقله لكنه رفضها بسرعه ، أحس الطيارين الذين تابعوا الحوار بالشفقه علي الرجل الذي ملئ العرق وجهه ، وبادرة العقيد بالسؤال “ودلوقتي جهزت ؟؟؟؟” يرد الرجل ومازال ارتباكه واضحا:
“ تمام يا فندم – المدفعيه جهزت وأتعمرت ، منتظرين اوامرك “
يرد العقيد تحسين بنفاذ صبر وغضب “ اوامري؟! اوامري هي الضرب علي اي هدف معادي يظهر في السما او في مدي مدفعيتك – واضحه الاوامر ؟ “ يرد الرجل بالايجاب وينصرف بسرعه عائدا لمقر قيادته خارج المطار
يأتي السمري بسيارته مليئه برجال لوثت النيران والدخان ملابسهم الانيقه الغاليه وظهرت الصدمه علي وجوههم من هول ما رأوه ، يتعرف العقيد تحسن علي حسين الشافعي نائب رئيس الجمهوريه رغم ما علا وجهه وملابسه من سواد ، فتقدم اليه كاتما غضبه ، وبدون تقاليد رسميه او حتي تحيه ، وبصوت منخفض ، أشار الي ممرات الطائرات المدمرة قائلا “ عجبك كدة ؟؟؟- ليه عملتوا فينا كدة ؟؟؟؟” لم يستطع الرجل او احد من مرافقيه الرد ، فهو رجل ذو منصب صوري ، مجرد لتكمله الشكل الدستوري للدوله ، رجل بلا صلاحيات او مسئوليات .
لام العقيد تحسن نفسه بعدها عشرات المرات علي هذا القول ،فالرجل لم يذنب بل كاد ان يلقي حتفه ، فليس هو المسئول ،ولا ناقه له ولا جمل فيما يحدث .
طلب نائب الرئيس سيارة لتقله ومرافقيه الي القاهرة ، فسعد العقيد تحسين بذلك كثيرا ، فوجود هذا الرجل بين الطيارين الغاضبين سيكون كمن يضع البنزين بجوار النار
فدبر له سيارة تقله مرافقيه والذين لم يصاب منهم احد بسوء يذكر، وغادروا المطار علي الفورمتوجهين للقاهرة.
الطيارون يشاهدون من خنادقهم عمل الجنود والفنيين في دفع الطائرات نحو الاشجار ،لكن مازالت ارض المطار تعج بطائرات اللواء الجوي ،
طوال الوقت لم يكف العقيد تحسين عن النظر الي ساعته ، فأقترب منه السمري متسائلا عن قلقه ، يرد الرجل بأن توقعه لزمن الهجوم الثاني قد حان ، طبقا لحسابات السرعه والمسافه.
أستعان رئيس الفنيين بعمال شركه مقاولات “بكير محمد بكير “ لمساعدة جنودة فهؤلاء العمال يقومون باعمال الصيانه للممر الفرعي وتصادف وجودهم وقت الهجوم فهرول العمال في سعادة للمساعدة ، وبحماس شديد تعالت وتيرة العمل لكن مازال هناك الكثير من الطائرات غير محميه بعد .
تسرب القلق الي جميع الطيارين ، وبدأ كل منهم النظر الي ساعته منتظرا الهجوم .
شعور بغيض قاتل ذلك الذي يعتري الرجال ، فهم منتظرين لهجوم في اي لحظه ولا يملكون ما يقاومون به عن مطارهم ، وطائراتهم كالجثث الهامدة علي الارض لا نفع منها ، وسباق مع الزمن لحفنه رجال في محاوله حمايه عدد من الطائرات ، أتصل العقيد تحسين بقائد الدفاع الجوي عن المطار وتأكد مرة اخري من جاهزيته ، ضابط رادار المطار يصرح متعجبا للعقيد تحسين ان شاشات راداره لم ترصد اي هدف معادي حتي ينذرهم بل انه لم يدر بالهجوم الا والقنابل تنفجر علي ممرات المطار
نظرات الطيارين لبعضهم البعض تحمل جملا وعبارات يصعب ترجمتها لاقوال ، فالمليجي يكاد ينفجر مع كل ثانيه وهو منتظر لذلك الهجوم ، و أحمد فنظراته لا تفارق ذلك الجندي الواقف اعلي برج المراقبه مراقبا الافق البعيد بنظراته مستعدا لاطلاق الانذار لو لم يكتشف الرادار الطائرات المهاجمه قبله ،أما السمري فتابع العقيد تحسين الذي دخل مكتبه لثوان وخرج حاملا بندقيه صيد ، تصرف يائس من قائدة لكنه بالتأكيد أفضل مليون مرة من الجلوس في الخندق ، فأخرج سلاحه الشخصي هو الاخر وتأكد من جاهزيته ، وعندما شاهدة باقي الطيارون ، اخرج كل منهم سلاحه وجهزة .
يدوي صوت صافرة الانذار ، ينظر العقيد تحسين الي السماء فلا يري طائرات بعد ، لابد وان الرادار قد التقطها هذه المرة قبل الهجوم ، مازال عدد كبير من الطائرات في أرض المطار ولم يخفي بعد، نظر احمد تجاة الجنود والعمال الذين يدفعون الطائرات دفعا تجاة الاشجار ، فوجد ان احدا منهم لم يختبئ ولم يهرب ، وكأن الصمم قد حل عليهم جميعا فلم يحاول احدا الهروب والاحتماء بعد سماع صوت الانذار ،وواصلوا عملهم في بساله تفوق الوصف ، ظهرت تشكيلات المقاتلات الاسرائيليه فوق البحيرات المرة تتجه نحو المطار ، ففتحت المدفعيه المضادة للطائرات نيرانها هذه المرة ، وصنعت بنيرانها حاجزا فوق المطار .
نظر المليجي الي احمد نظرة يفهمها أحمد جيدا ، فرد الاخير بأبتسامه ،فقد تعاهد الاثنان علي القتال معا ، وها هما سيقاتلان معا مع اختلاف الظروف والمكان لكنهما معا وذلك ما يهمهما .
ظهرت تشكيلات الطائرات الاسرائيليه في السماء علي ارتفاع منخفض وأخترقت حاجز النيران المضادة للطائرات ، وبدات في قصف اماكن انتظار الطائرات ، لتدمر ما بها من طائرات ،
وتوالت الانفجارات سريعا في الطائرات الواحدة تلو الاخري ، ها هي طائرتي السمري وأحمد تنفجران في ان واحد من جراء قنبله مباشرة ، اما طائرة خميس فقد سويت بالارض تماما ، ومازالت طائرة المليجي تشتعل والنيران تأكلها اكلا .
لم تكن انفجارات عاديه هذه المرة ، فالطائرات المهاجمه القت بقنابل نابالم لاحداث اكبر قدر ممكن من الحرائق والتدمير ، ورغم انها محرمه دوليا الا ان العدو لا يفرق بين الاسلحه المحرمه والغير محرمه.
بدأت التفجيرات تطول الرجال البواسل في ارض المطار وأحترق العديد منهم حيا ، لكن البقيه منهم لم تتوقف عن محاولتها حمايه الطائرات ، ورغم نيران المدفعيه المضادة للطائرات المكثفه والتي أصابت طائرتين واسقطتهما ، الا ان الطائرات المعاديه واصلت هجومها بإصرار، لم يعد في ارض المطار أي طائرة لم تصب او تحترق عدا ما يختبئ بين الاشجار ، أطلق الطيارون من الارض طلقات مسدساتهم بغيظ ويأس وبلا فائدة ، وكان صراخ الطيارين يظهر كلما خبا صوت الانفجارات المستمرة ، صراخ يأس وحسرة وغضب ، بينما تحكم العقيد تحسين في اعصابه ووقف ممسكا ببندقيته مصوبا تجاة طائرات العدو ، فقد أطلق عددا لابأس به من الطلقات ، وساعده حبه لهوايه الصيد علي احكام التصويب نحو الطائرات ، لكنه لم يحس بأي قيمه لما يفعله لكنه بأي حال من الاحوال لن يقف مكتوفي الايدي .
شاهد المليجي رجالا يحترقون ويطلبون النجدة علي مبعدة منه ، و عندما هم بالتحرك كان الوقت قد فات ، فالنابالم ليس من السهل اطفائه كالنيران العاديه ، وما ان يمسك بكائن حي يحوله الي كتله من اللحم المتفحم في ثوان .
منظر بشع في السماء وأفظع منه علي الارض ، فالموت يلقي بظله القاتم علي المطار ودام هذا الظل القاتم ستون ثانيه او اكثر قليلا فقط ، حصد خلالها ارواح العشرات من الرجال الابطال والذين اثروا الموت وهم يؤدون واجبهم ، كما حصد هذا الظل معظم طائرات المطار ، حيث لم يبقي الا أثني عشر طائره سوخوي فقط من أصل ما يقرب من اربعين طائرة متنوعه هي قوة المطار ، بينما أختفت معالم باقي الطائرات ما بين مدمرة تماما أو محترقه .
أنسحبت طائرات العدو مسرعه تجاة الشرق تاركه مطار فايد كقطعه من الجحيم ، فالنيران تملأ الارجاء ، والتفجيرات مازالت مستمرة من جراء قنابل زمنيه القيت في انحاء المطار، والدخان الاسود الكثيف يتصاعد لكيلومترات فوق المطار ، معلنا عن مطار وارواح وقلوب تحترق
خرج الطيارون من خنادقهم يشاهدون مطارهم يحترق في بطء، نظرات حائرة دامعه يائسه للخراب الذي حل بالمطار ، ساروا وسط جثث الجنود والعمال المتفحمه باحثين عن ناجين بلا نتيجه ، فالارواح غادرت الاجساد لتقابل ربها في أطهر وانبل ما يكون اللقاء ، فروح الشهيد تغادر الجسد لكنها ابدا لا تفارق دنيانا بل تظل مصباحا مضيئا في تاريخ الوطن تنير لمن بعدها الطريق، مشهد لا يوصف لرجال أختلطت عظامهم بالحديد المنصهر للطائرات المدمرة ، ومُزج الدم مع الزيت و الوقود
تحجرت الدموع في العيون علي رفاق السلاح ، وشل اللسان عن الكلام ، لكن الاعين كانت تنطق في فزع عن مأساة بكل المقاييس ، ومع توقف المدفعيه المضادة للطائرات عن الضرب ، تُرٍِكًت الساحه لصوت النيران تملأ الارجاء ، وبينما الطيارون والضباط يبحثون في صمت عن ناجين وسط العمال والجنود، مرقت طائرة أسرائيليه فوق الرؤوس علي ارتفاع منخفض جدا ، حدا بجميع الطيارين بالانبطاح ارضا ذعرا ، فمن اين اتت هذه الطائرة المنفردة ؟؟؟
القت هذه الطائرة بقنبله علي تقاطع الممر الرئيسي مع الممر الفرعي لتأكيد تدميرة ثم انسحبت عائدة لقاعدتها بدون ان تطلق عليها طلقه واحدة، مخلفه ورائها لعنات الطيارين الذين بوغتوا بها وبارتفاعها المنخفض وصوتها المدوي.
مطار السر : الساعه العاشره صباحا
مازال الدخان الاسود يلف ارجاء المطار ويحجب ضوء الشمس عن أعين الرجال الذين أنتشروا فى أرجاء المطار بحثا عن أحياء وسط جثث الجنود والفنيين ، ورغم مرور أكثر من ساعه منذ الهجوم الا ان عمر مازال غير متمالك أعصابه ، فوقف بقامته الرياضيه الممشوقه قرب ممر الاقلاع او بالاصح ما تبقي منه ، وقف ممسكا بسيجارة هي الاولي له منذ ثلاث اعوام ، تنفس دخان السيجارة ببطء ، وملئ الدخان القاتل رئتيه لكنه ساعدة علي تمالك بعضا من اعصابه المهزوزه ، عينيه تمسح جنبات المطار وعقله لا يتوقف عن العمل ، أحاسيس مضلله تنتابه فتشتت تفكيرة ، تقفز ناديه الي عقله لثانيه لكن عقله يرفضها فليس هذا الوقت المناسب للتفكير في ناديه وفي المستقبل والذي اصبح منذ ساعه واحده فقط أسودا.
نظر تجاة الطائرات المدمره ، وطفت صور محمود والصاوي الذين أستشهدا ، مازالت جثثهما داخل الطائرات ، ولم يجرأ أحدا من الاقتراب لاستخرجهما بعد ،يا لترتيبات القدر ،فمحمود علم بالأمس فقط بمولد مولدته الاولي ، وها هو يستشهد وهو لم يري مولودته ، لكنه شهيد هكذا صًبر عمر نفسه ، وكانت هذه هي التعزيه الوحيدة له وهو يري الجنود يجمعون جثثا وأشلاء لرجال كانوا مليئين بالحياة مفعمين امل منذ دقائق لكنهم الان شهداء أبطال ، أعتصر السيجاره بين شفتيه وهو يتابع جمع الجثث الواحد تلو الاخري ، والتي تم جمعها في ركن قاصي تمهيدا لدفنها ، بينما تم تجميع المصابين بالقرب من الخيام المحترقه لمحاوله اسعافها
صمت تام بالمطار ، صوت الريح يعلن عن نفسه علي فترات ، صوت الرائد مرعي يظهرعلي فترات أيضا معطيا اوامرة للرجال علي أستحياء ، فالرجل فقد كل ما يملك ، عدا حفنه من الطيارين بدون طائرات وعدد من الجنود وفقد في المقابل مطارة وطائراته وجميع العربات ، حتي جهاز اللاسلكي دمر ، وانقطع تماما عنه الاتصال بالعالم الخارجي ،فلم يعد يعرف ما يحدث خارج حدود مطاره وكذلك لا يوجد وسيله مواصلات تصلح لارسال ضابط الي العريش ليحصل علي معلومات وأوامر ، فأسقط في يدة تماما ووقف مشلول العقل عاجز عن التصرف
العريش :
لم يصدق طارق عينيه عندما عبر بوابه المطار ، فلوهله تخيل انه بجهنم ذاتها ، فلم يري بعينيه سوي نيران ودخان متصاعد من طائرات محترقه وجثث تملئ جنبات المكان ، وانين المصابين يطلبون النجده ، وهرج كبير من رجال يفترض تماسك اعصابهم جيدا للسيطره علي الموقف ، فوجد نفسه يقف وحيدا وسط رجال يركضون في كل اتجاه فزعا وخوفا ، حاول ان يتحدث مع احدهم الا ان أحدا لم يعره انتباها نهائيا .
أمسك أخيرا بجندي من ملابسه ليجبره علي التوقف ، سائلا اياه عن مكان قائد المطار ، اشار الجندي بغضب تجاه مبني القياده والذي يتصاعد من طابقه العلوي دخان اسود خفيف ثم ما لبث ان انتزع نفسه من يدي طارق وواصل ركضه، خطا طارق بهدوء وتمالك اعصاب يحسد عليها تجاه المبني الذي يعرفه جيدا
ودلف داخله ليجد قائد سربه السابق وقائد المطار وعدد من الضباط يستمعون في تركيز لجهاز اللاسلكي والذي تخرج منه أصوات لبلاغات من القيادات المختلفه
هب قائد السرب بسرعه عندما لمح طارق وسأله في دهشه عما أتي به للعريش ، فسرد طارق سريعا ما حدث ، واندهش طارق عندما ظهرت علامات عدم الاكتراث علي وجه قائد المطار ،وعندما وصل سردة للجزء الذي وصل فيه فوق العريش ، تدخل قائدة وأخبرة بانه هو الذي ابلغه لاسلكيا بضرورة القفز لان طائرته كانت علي وشك الانفجار لكنه لم يعرف هويته وقتها .
وفجأه أهتز المبني من جراء انفجار قريب ، فأنزعج طارق وهم بالخروج من المبني ، الا ان قائدة شرح له بضرورة عدم القلق ، فقد القي اليهود بقنابل زمنيه لتلحق اكبر ضرر بالافراد وانه لا ضروره للفزع ، ثم أمسك الرجل بيد طارق وأنزوي بأحد أركان الغرفه ، كانت عيني طارق تشع أسئله وملامحه تحمل قدرا كبيرا من الذهول ، وبصوت منخفض بدأ قائد السرب محو الغموض من سير الاحداث” انت لازم تعرف يا طارق إن كل المطارات تقريبا انضربت في وقت واحد “ظهرت نظره فزع علي عيني طارق وفغر فاه من هول الجمله واستند بظهره علي الحائط فهو يعرف ما تعنيه تلك الجمله ، الا أن قائدة امسك بكتفيه ليعيدة الي ارض الواقع بعد ان هام عقله لثوان مع ماقاله قائدة، وبنظرات حاده استكمل القائد
“انت لازم ترجع مطارك دلوقت وبأسرع وقت وتجمع الرجاله وتروحوا علي مطار المليز ، وأشتغلوا هناك ، ومتنساش تتصلوا بيا ، بلغ مرعى إن دي تعليماتي وتعليمات القيادة وهوا هيتصرف”
ثم أستدار تجاه قائد المطار مكررا ما قاله فصدق الرجل بايماءه من رأسه علي التعليمات الجديده
تساءل طارق عن وسيله الانتقال ، فرد قائدة بأن يتصرف وفق ما يراه ، ظهر ان القائد قد انهي تعليماته لطارق وواصل تركيزه علي البلاغات المتلاحقه في اللاسلكي من مختلف القواعد الجويه بهجمات عليها ، الا ان طارق مال نحو الرجل وسأله في أستحياء “ هوا أحنا لسه باقي عندنا طيارات نرد بيها يا فندم ؟؟؟؟” نظر القائد لطارق نظرة ميزها الاخير جيدا ،أذن الوضع أسوأ مما يتخيل بشر، فأدي التحيه لقائدة وألتفت منصرفا والدموع تكاد تتساقط ، وبعد خطوات قليله نادي عليه قائدة واسرع نحوة ، توقف طارق واستدار ففوجئ بقائدة يحتضنه بشدة لم يألفها من قبل ، واردف في صوت متحشرج “ بلغ الرجاله ان الحرب لسه مخلصتش” أومأ طارق ايجابا وأنصرف وعقله يكاد يطير من هول ما سمع
عاد طارق لساحه المطار حيث الفزع ما زال يملئ الجنبات ، دار بعينيه يحاول ان يميز سياره تقله الي مطار السر ، وسط الدخان المتصاعد من كل شبر تقريبا بالمطار ، استطاع تمييز سيارة نقل كبيرة تقف بمعزل عما يجري بالمطار ، فأسرع نحوها وصعد الكابينه ليجد جنديا لا يزيد عمره عن عشرون عاما في ارضيه السيارة مكور الجسد يبكي في فزع ، ويصم أذانه عن الاصوات التي حوله
سأله طارق “ العربيه دي سليمه ؟؟؟” لم يرد الفتي بكلمه وواصل بكائه ونظراته الفزعه تخترق وجه طارق فأستطرد صائحا “رد علي يا عسكري.. العربيه دي سليمه ؟؟؟” أومأ الفتي بالايجاب ، فصعد طارق للكابينه ووضع خوذته ، ثم صاح في الفتي بأن يقود السياره ،الا ان الفتي لم يتحرك ولوهله ما ظهرت صوره الخادمه زينب علي مخيله طارق عندما شاهد هذا الفتي الضعيف الفزع ثم ما لبثت ان تلاشت .
وجد طارق ان الفتي مازال تحت تأثير الصدمه ، فقرر أستخدام أخر حيله له ، لأخراج الفتي من صدمته واجبارة علي مساعدته ، فأخرج مسدسه وصوبه تجاه عيني الفتي الذي تضاعف فزعه وتكوره في ارضيه السيارة وبدأ في الصياح بكلام غير مفهوم ، وبصوت قاس “ لو عايز تعيش، دور العربيه وخرجنا من هنا “ كانت صيغه الجمع في جمله طارق هي طوق النجاه للفتي الذي نشط فجأة وقام بضغط أحد الازرار في لوحه القيادة ، وبالفعل بدأ محرك السياره في العمل ، فنظر له طارق وقد ارتسمت علي وجه ابتسامه رضا ، وأمر الفتي بان يقود السيارة ، وبعد ثوان كانت السيارة تعبر بوابه المطار التي تركت دون حراسه ، أمر طارق الفتي بالتوجه جنوبا ، وهنا ولاول مرة يظهر صوت الفتي متسائلا عن الوجهه ، وعندما اخبرة طارق بالوجهه رد الفتي بسعاده بانه يعرف الطريق حيث كان يقود أحد سيارات المياه والامدادات التي وصلت اليهم هناك، وعندما لم يتجاوب طارق مع حديث الفتي الذي بدأ يفيق من صدمته ببطء سأله الفتي في بلاهه “ هوا اللي بيحصل يا فندم؟”
سند طارق رأسه علي مسند المقعد ولم يجب بل أغلق عينيه ولسان حاله يتمني أن يكون ما حدث ما هو الا كابوس سيزول عندما يفيق
الساعه الحاديه عشر ظهرا : مطار فايد
مازال الدخان يتصاعد من المطار ، ومازال الجنود ومن تبقي من العمال يجمعون الجثث والاشلاء، بينما تم نقل المصابين الي المستشفي ، وبينما الطيارون مجتمعون بقائدهم في ارض المطار ، هرول جندي الي العقيد تحسين زكي واخبرة بان المشير عامر علي التليفون ، هرول العقيد تحسين ،تاركا طياريه وقد علا الذهول علي وجه الجميع ، فالقائد العام ولاول مرة يخاطب العقيد تحسين مباشره متخطيا التسلسل القيادي،فلابد من انه امر هام جدا ، رفع العقيد تحسين السماعه وعقله غير مصدق ان يكون المشير فعلا علي الخط
تحسين “ الو مين ؟؟ “ جاء صوت المشير فعلا عبر الاثير
المشير “ أيه الاخبار عندك يا تحسين ؟؟”
تحسين “ المطار انضرب يا فندم وباقي 12 طياره سوخوي، الممرات مدمره والمهندسين بيفحصوها ، وهيقولولي أمتي هتكون جاهزة “
المشير “ انت تقديرك أمتي هتكون جاهز ؟؟”
تحسين “ ممكن بكرة الصبح يا فندم “
المشير “ كويس أوي يا تحسين ، علشان عايزك تنفذ الخطه فهد بأي تمن “
تحسين وقد علت الدهشه وجهه “ الخطه فهد يا فندم ؟؟!!”
المشير متجاهلا السؤال “ هتصل بيك كمان ساعه وتقولي ايه الاخبار “
ثم اقفل المشير الخط تاركا العقيد تحسين غاضبا مندهشا متسائلا
خرج القائد لرجاله الذين هرعوا تجاهه متسائلين عن فحوي المحادثه
الا ان الرجل اجاب بجمله واحده الجمت الالسنه “ القيادة عايزاني أنفذ الخطه فهد”
دارت العقول في سرعه تحاول إيجاد تفسير منطقي لطلب القياده الغريب
فكيف وبماذا سيقومون بتنفيذ الخطه ، فليس لديهم ممرات ولا طائرات وحتي لو توافر ذلك فأين التنسيق بين كل المطارات والقواعد الجويه لتنفيذ الخطه ،فعدد الطائرات لا يمكنها تنفيذ ضربه مؤلمه للعدو بأي شكل.
خرج أحمد عن صمته ، وبينما الجميع في دهشه وأحباط ، صاح أحمد “طيب ليه منستخدمش الشارع اللي بره ونطلع من عليه ؟؟” لمعت عيني المليجي والسمري ، بينما أستدار الجميع لرؤيه الطائرات وقياس مدي امكانيه الخروج بها الي الطريق، وعلي الفور بدأت الاراء والتصريحات من الجميع
الا ان صوت القائد تدخل بهدوء وحسم طالبا من السمري أن يدرس هذا الامر الان ، بينما طلب من خميس أن يتوجه الي المهندسين لمعرفه أخر ما توصلوا اليه في امر الممرات .
توجه السمري تجاه سيارته ولحقه احمد والمليجي لدراسه امر الاقلاع من الطريق
القاهرة : الساعه الحاديه عشر والنصف ظهرا
منزل الحاج أحمد الشاذلي
بدأت الاسرة في التجمع بالمنزل لمتابعه اخر الاخبار ، فقد عاد الاب مبكرا من عمله بعد ان دوت صافرات الانذار بالقاهرة ليجد زوجته تلصق اذنها بالمذياع تستمع الي نشرات الاخبار ، وهي تبكي خوفا علي ابنها ، عاد الاب ليجد ان ناديه قد سبقته في الحضور هي الاخري ، صاحت الام فور مشاهدتها لزوجها
“الحرب قامت يا ابو عمر ، والولد في الحرب “ كانت تصيح في لوعه وقد ارتمت في احضان زوجها، تاركه ناديه جالسه علي الارض تستمع لمختلف المحطات التي قد تبث خبرا جديدا
أستكملت الام في لوعه “ هوا كان لازم يخش الطيران ، ماهو كان زمانه قاعد جنبا دلوقتي وكنت أطمنت عليه ، لكن هوا اللي حكم راسه ، يارب رجعه هوا واللي معاه بالسلامه يا رب … يارب انا مليش غيرة “
كانت لوعتها وصوتها يقطع القلوب فبكت ناديه مرة أخري ، وترقرقت الدموع في عيني الاب ، الا ان طمئنها بكلمات لا تطفئ شوق ام أبنها في الحرب
فأتجه الاب نحو ناديه متسائلا “ فيه أخبار جديدة يا بنتي ؟؟؟”
مسحت ناديه دموعها وبصوت باكي أردفت “ الاخبار بتقول انهم هاجموا مطاراتنا وان طيرانا تصدي لهم واننا وقعنا لهم 45 طيارة لغايه دلوقت ، وأن الجيش اشتبك بطول الجبهه ، وبدأت قواتنا في التقدم حسب الخطه” انحني الاب علي رأس ناديه وقبلها مردفا “ ربنا يبارك فيكي ،اهي دي الاخبار ولا بلاش – أكيد أحنا دلوقتي بنديهم علقه سخنه “
نظرت ناديه تجاة الاب متسائلا “ تفتكر عمر بخير يا عمي ؟؟”
أستدار الاب وهو ينظر لصورة الرئيس جمال عبد الناصر “ ربنا ينصرة هوا وكل ولادنا “
الساعه الثانيه عشر ظهرا
مطار السر
ما زال الوجوم يحيط بالرجال بعد ان جمعوا رفات زملائهم تمهيدا لدفنها ، وتعالي الغضب علي وجوه البقيه الباقيه من الطيارين وهم يرون الطائرات الاسرائيليه تغير علي المطار مره تلو الاخري وتعيد قصف الممر بدون ان تتصدي لها قواتنا ، وزاد من السخط والحنق لدي الطيارين هو عدم رؤيه اي طائرات مصريه في السماء .
فظل الرجال متخذين سواتر لهم للاحتماء من الاغارات المتكررة والاعين تتعلق بالرائد مرعي مطالبه اياه باتخاذ قرار ما ، لكن ماذا يفعل الرجل سوي انتظار نجده القدر ، فأذا ارسل جنديا سيرا علي الاقدام لطلب النجده ، فأن هذا الجندي هالك لا محاله ، فأقرب موقع به قواتنا يقرب عشره كيلو مترات علي الاقل تتخللها جبال شاهقه وهضاب ، كان الرائد مرعي يتصبب عرقا غزيرا وهو يجلس داخل حفرة ، كان عقله لا يتوقف عن الحركه بينما عينيه تتجنب نظرات الرجال المطالبه بأيجاد حل في هذا المأزق لكنه عقد العزم في ذهنه علي التحرك بالرجال ليلا سيرا علي الاقدام لو لم تأت أي نجده
وفي حفره اخري صنعتها احد القنابل ، أحتمي عمر هو الاخر مثل باقي الرجال ، توقف عقله عن التفكير بعد أن أٌرهق تماما ، فقد نفذت طلقات مسدسه بعد ان اطلقها في غضب ضد الطائرات المهاجمه بلا جدوي ، ونفذت معها ايضا كل السجائر التي طالتها يده ، فقد دخن في الثلاث ساعات الماضيه أكثر مما دخن في عمرة كله ، لكن احساسه بالوقت كان منعدما تماما ، فكر في مصر التي تقاتل الان بينما هو محتمي في حفرة
وتمني لو استطاع القتال ، أخذه تفكيرة الي طارق متسائلا عن حاله الان ، وهل مازال حيا ؟
لكن يقينه أخبرة بأن طارق لابد وانه بخير الان .
وبينما جميع الرجال قي صمت كصمت الشهداء المجمعين بجوارهم ، ظهر صوت بوق سيارة من بعيد ، علي الفور اطلت رؤوس الرجال من الحفر والاعين تتساءل عن مصدر الصوت ،ومن بين الدخان ظهرت سيارة نقل عسكريه تجاه بوابه المطار ، فهلل الجنود فرحا بالنجده ، بينما تهلل وجه الرائد مرعي بالسعاده.
توقفت السيارة بجوار أحد السيارات المحترقه ليحجبها الدخان مرة اخري عن اعين الرجال ، فتوجس الرائد مرعي خيفه من هذا التصرف ، فأمر الرجال بالبقاء في الحفر ، وأخرج مسدسه موجهها فوهته نحو السياره ، كذلك فعل باقي الضباط عندما فهموا تصرفهم قائدهم الغريب
وتعلقت الاعين تجاه مقدمه السيارة التي تظهر من بين الدخان ، مرت ثوان كالدهر علي الرجال حتي ظهر شبح من بين الدخان يتحرك تجاههم ، في البدايه لم تكن معالمه واضحه ، الا ان الجميع ميزوا زي الطيران الواضح ، لكن غموض ملامحه وجهه جعلهم محتاطين منه ، وفجأه وجد الرائد مرعي عمر يجري تجاه هذا الشخص ثم يحتضنه ، أنه طارق هكذا صاح عمر فيهم ، فهب الجميع فرحين بالنجده والتفوا حوله في سرعه فرحين ب
عدل سابقا من قبل mady في الأحد يونيو 27, 2010 7:23 am عدل 1 مرات
مذكرات السرب 77 قتال حرب اكتوبر تكملة الفصل الثالث
[size=18]في نفس الوقت كان الحديث بين أحمد وبين السمري قائد الطائره الاخري قد تطور الي نقاش عنيف، وصل لدرجه ان السمري اخرج مسدسه في وجه احمد مقسما ان احدا لن يخرج بهذه الطائرة سواه ، فأسقط في يد أحمد امام أصرار السمري فعاد يجر أذيال الخيبه ليجد مدحت يتلقي التلقين من العقيد تحسن ، فزادت خيبه أمله، فها هو زميله ورفيقه سيخرج بدونه في اول قتال حقيقي .
انتهي تلقين القائد لمدحت وصعد مدحت بعدها بدورة لكابينه الطائره ، أسرع أحمد الي زميله رافضا ان يقوم اي من الفنيين بمساعدته وأصر علي ان يساعده بنفسه.
عاد العقيد تحسين لمركز قيادته وتجمع حوله الطيارين حيث يستطعيا ان يتابعوا الموقف.
كان أول ضوء قد بدأ في الظهور ، وبدأت الطائرات في الظهور بوضوح ، ووضحت حمولتها من القنابل والصواريخ.
ردد العقيد تحسين في اللاسلكي “استعد يا سمري – عشر دقايق” منذرا السمري قائد التشكيل بأنه باق عشر دقائق علي الاقلاع.
ثم أستكمل الرجل في اللاسلكي تلقينه للمرة الثانيه ” الاوامر هي ضرب مطار للعدو بمنطقه الخالصه عند جبل خروف طبقا للاحداثيات اللي معاكم، الطيران حتي الهدف علي ارتفاع منخفض لتحقيق المفاجأه ثم الضرب والعودة بسرعه علي ارتفاع عال ، لاحظوا عداد الوقود بأستمرار – مش عايز تهور ولا انتحار – فقط نفذوا المطلوب وارجعوا سالمين”
كان أحمد يغالب دموعه وهو يتمم علي استعداد زميله للطيران بدرجه ازعجت المليجي ، بعدها بثوان دارت محركات الطائرات.
فنظر أحمد الي المليجي بتأثر “هتاخذ بالك من نفسك؟؟؟”
المليجي مبتسما ” متقلقش يا أحمد – عمر الشقي بقي ، ولا انت كنت فاكر انك بتحميني فعلا؟ أنا ميتقلقش عليا يا كابتن“، أحتضن أحمد مدحت ونظر لعينيه بحده “مش عايز جنان ، خلص بسرعه وارجع”
رد مدحت مداعبا “حاضر يا فندم” لكن أحمد لم يضحك من مداعبه مدحت لان تأثره كان بالغا.
تركه احمد وهرع الي السمري وأحتضنه متمنيا له العوده سالما وعاد بجوار طائرة مدحت مرة اخري
وتعالى صوت محرك الطائرات وباتت منتظره الاذن بالاقلاع ، ورغم شده الصوت الا ان عيني احمد كانت لا تفارق مدحت الذي اغلق غطاء الكابينه وأستعد للأقلاع في تركيز.
صدر الامر من العقيد تحسين للتشكيل بالاقلاع ، فبدأت الطائرات بالتحرك ببطء على الممر، فوقف أحمد في وضع الانتباه وادي التحيه العسكريه لزملائه، و بادروه بالرد.
وانطلقت الطائرات علي الممر الفرعي وحلقت سريعا، وبعدها جرى أحمد الى مركز القيادة ليستمع الي اللاسلكي ، وكانت التعليمات بمفاجأه العدو مما يعني الطيران علي ارتفاع منخفض لتفادي الكشف الراداري كذلك منع اي احاديث لاسلكيه لتجنب الرصد.
أستقر التشكيل وأتخذ أتجاهه شرقا، السمري في المقدمه يليه والي اليمين منه المليجي، سرعان ما وصلت الطائرتين الي وسط سيناء حيث أمتلئ الافق امامهم باعمده الدخان الاسود في كل اتجاه، فالخطوط الاماميه تقترب ، ونظرا لارتفاعهم المنخفض فقد أستطاعا مشاهده تحركات قواتنا التي تتحرك في كل الاتجاهات ، ثم عبرا فوق القوات الاسرائيليه الني وضح انها تقدمت مسافه غير قليله داخل سيناء ، نظر السمري الي مدحت مندهشا بما يراه لكن مدحت كان مركزا كل التركيز في مسارة.
كان الطيارين بالمطار منتظرين اي اشارة لاسلكيه فطبقا لحسابات السرعه والزمن التي يحفظها اي طيار ، فقد قدر الجميع ان التشكيل لابد وانه فوق منطقه الهجوم.
كان الجميع في حاله صمت ، اما أحمد فقد كان صامتا مدخنا بشراهه محاولا اخفاء قلقه.
كان الحديث بين السمري ومدحت بالاشارات المتفق عليها ، ووصل التشكيل بعد دقائق لموقع الهجوم ، وهنا تحدث السمري لاسلكيا “من أحمد الي تحسين – من احمد الي تحسين”
انتفضت حواس الرجال حول اللاسلكي مع صوت السمري ،
رد العقيد تحسين ” من تحسين الي أحمد –أسمعك بوضوح، أبدا الاشاره”
السمري “أحنا فوق منطقه الهدف لكن مفيش مطار هنا ، اطلب تعليمات”
تدخل المليجي مقاطعا “يافندم ممكن نتجه شمالا؟ الاحداثيات ممكن تكون فيها غلط “
سكت العقيد تحسين لثوان” من تحسين الي احمد – اتجه شمالا مسافه عشرين كيلو لو مفيش هدف تخلص من الحموله وأرجع علي طول”
رد السمري بالعلم وبالفعل أستدارت الطائرتين تجاه الشمال، كان معدل أستهلاك الوقود علي اعلي مستوي نظرا لاستمرار الطيران المنخفض ، وكانت عيني السمري تتابعان مؤشر الوقود بأستمرار
بعد دقائق صاح المليجي في اللاسلكي بوجود مطار علي اليمين ، كان قلق السمري من استهلاك الوقود دافعا لأمر المليجي بمهاجمه المطار علي غارة واحده ثم الارتفاع والعودة ، وبالفعل أتخذت الطائرتين زاويه الهجوم علي ما اتضح أنه ارض هبوط بها عدد من الطائرات الهليكوبتر وطائرات النقل، اتجه السمري تجاهها وقذف ارض الهبوط ، بينما أتخذ المليجي وضعيه الهجوم علي منطقه انتظار الطائرات ، والقت الطائرات قنابلها بسرعه واستدارت تجاه الغرب ، وبينما الطائرات تستدير كانت عيني مدحت تتابع الاتفجارات في المطار واعمده الدخان الاسود المتصاعد فصاح:
- “علشان ولاد الكلاب يذوقوا اللي اذاقونا منه امبارح “
رد السمري بجديه ” أرتفع لثمان الاف قدم وتخلص من خزاناتك الاحتياطيه”
كان السمري يهدف من وراء هذا الامر الي التخلص من الوزن الزائد وتقليل استهلاك الوقود.
وبالفعل أرتفعت الطائرتين وزادت من سرعتهما بعد ان القتا خزانتهما الاضافيه التي فرغت تماما ، وبعد ثوان جاء صوت العقيد تحسين في اللاسلكي:
- “من تحسين الي احمد .. اربع اهداف وراكم .. مسافه تمانين كيلو .. أستمر على نفس الاتجاه والسرعه”
كانت جمله الرجل مفاجأه لأحمد الذي سارع بالتدقيق في شاشه الرادار التي تظهر التشكيل يقطع سيناء من الشرق للغرب ومن خلفه بمسافه اربع نقاط تسرع تجاههم.
بعد ثوان قال أحمد في قلق” دول طيارات ميراج .. حيلحقوهم قبل القنال”
تساءل ضابط الرادار في قلق كيف عرف انهم ميراج؟
فرد احمد ان سرعتهم الكبيرة في اللحاق بسرعه السوخوي تعبر انها طائرات ميراج
- “من تحسين لاحمد .. الاهداف المعاديه وراك بعشرين كيلو”
بعدها بثوان
- “من تحسين لاحمد .. الاهداف المعاديه وراك بعشره كيلو”
صاح ألمليجي في اللاسلكي “انا شايف القناه على الافق”
كان القلق قد وصل بالجميع لذروته والاعين ملتصقه بشاشه الرادار
جاء صوت العقيد تحسين مرة اخري ” من تحسين لاحمد .. الاهداف المعاديه وراك بأثنين كيلو .. تجنب الاشتباك قدر الامكان”
في نفس الوقت هرع الرجل تجاه التليفون مبلغا قرار أقلاع طائرتين سوخوي كانتا جاهزتين ومسلحتين بالصواريخ للنجده، فقد كان متوقعا حدوث مطاردة من طائرات العدو ، وفضل القائد الانتظار حتي يكون الاشتباك قرب القناه حيث يمكن مسانده طائرتنا.
كذلك تكون طائرات العدو قد استهلكت جزء كبير من وقودها مما لا يمكنها من الاشتباك لوقت طويل ، وبالفعل أقلعت الطائرتين في ثوان.
جاء صوت السمري في اللاسلكي “ أنفصل يا مدحت” كان السمري يأمر المليجي بالانفصال عن التشكيل والاشتباك فتدخل العقيد تحسين مرة اخري ” من تحسين لاحمد .. الدعم في طريقه لك“
كانت المعركه قد حدثت بالفعل قرب الاسماعيليه لكن موقف الوقود بالطائرتين كان دقيقا جدا والمعارك الجويه تتطلب وقودا اضافيا للمناورات
صاح المليجي في اللاسلكي “انا راكب ديل طيارة ميراج”
السمري ” شايفك يا مدحت وضعك ممتاز”
وبعد ثوان قليله صاح المليجي فرحا “ أنا أصابته ، انا أصابته“
السمري ”مدحت .. فيه طيارة راكبه ديلي .. ساعدني“
أستدار مدحت بطائرته لنجده السمري فوجد طائرة ميراج تطلق نيرانها علي طائرة السمري بينما الاخير يحاول الافلات بمهارة كبيرة، لكن في النهايه تمكنت الميراج الاسرائيلي من أصابه محرك السمري
فصاح مدحت”طيارتك بتدخن يا سمري نط منها”
السمري ”لا ...لا أنا مسيطر عليها كويس"
لحظات المعركه مرت سريعا ، لكن علي الارض وسط القلق الرهيب من العقيد تحسين وطياريه وخاصه احمد مرت كدهر، فأحمد يصور ما يسمع في خياله ويفرض الحلول سريعا
وفجأة وبدون أي مقدمات، أنسحبت الطائرات الاسرائيليه بسرعه عاليه تجاه الشرق تاركه سماء المعركه
جاء الصوت في اللاسلكي من محمد خميس قائد تشكيل الدعم الذي أقلع من ثوان
"الطائرات المعاديه بتنسحب يا فندم – اطلب الاذن بالمطارده”
رد العقيد تحسين “لا .. أرجع الي قاعدتك .. الاولويه للمليجي والسمري في الهبوط”
محمد خميس”فيه طائره ميراج امامي يا فندم .. ارجوك .. أنا في وضع ممتاز لضربها”
العقيد تحسن بعد لحظات تفكير “أشتبك بسرعه وعد لقاعدتك“
صوت المليجي في اللاسلكي “يا سمري انا هاحاول انزل في ابوصوير لانه الاقرب ومش هلحق اوصل فايد، انت هتعمل ايه؟”
السمري”انا مسيطر علي الطيارة كويس وانا قرب فايد”
وفور سماعهم الاشاره أسرع احمد وزملائه الطيارين الي ساحه المطار حيث يتابعون وصول السمري في قلق وترقب، وبالفعل شاهد الجميع طائرة السمري والتي يخرج منها دخان اسود كثيف تقترب من الشمال وبعد نصف دقيقه تقريبا سمع العقيد تحسين صوت محمد خميس في اللاسلكي بحماس شديد
“انا ضربته يا فندم ، الطيارة الميراج انفجرت .. الطيار مقدرش ينط منها”
العقيد تحسين بفرح “علم -مبروك – عد لقاعدتك فورا”
خرج العقيد تحسين الي برج المراقبه سريعا ، وتابع بنظارته المكبره طائرة السمري وهي تدور أستعدادا للهبوط علي الممر الفرعي ووقف الرجال قلقين يتابعون السمري وهو يهبط بطائرته المصابه، أسرعت سيارتي أسعاف ومطافئ الي الممر لنجدته ، كان واضحا صعوبه التحكم في الطائرة لكنها هبطت بسلام وتوقفت بسرعه، وشاهد الجميع السمري يقفز منها ويعدو بعيدا جريا حيث مازالت الطائرة معرضه للانفجار في اي لحظه ، سرعان ما أستطاع رجال الاطفاء السيطرة علي النيران بمحركها.
في نفس الوقت كان المليجي يحوم بطائرته فوق مطار ابو صوير ، وكمطار فايد فقد دُمرت الممرات والطائرات ، ولم يكن هذا المطار يشبه ذلك المطار الذي زارة من ايام عند لقاء الرئيس جمال عبد الناصر ، فقد أصبح مدمرا تماما ، ومن الجو لم يجد المليجي مكانا علي الارض الا وبه اثار انفجار لقنبله وكان واضحا من كم الحرائق المشتعله بكل مكان أن المطار قد تعرض لغارة قويه منذ لحظات قليله.
المليجي ”من مدحت المليجي الي برج مطار ابو صوير، اطلب الاذن بالهبوط الاضطراري، مفيش وقود كفايه”
صوت في اللاسلكي “معاك المقدم فاروق الغزاوي يا مدحت ابدأ في الهبوط علي الممر رقم 1 لك الاولويه”
مدحت مندهشا “ لكن الممر مضروب يا فندم!!”
المقدم فاروق “ مش كله .. ممكن تنزل علي جزء منه”
أحس مدحت بالقلق والريبه في حديث الرجل، فمن موقعه بالجو يري انه مستحيل الهبوط علي الممر الرئيسي
مدحت” أطلب الاذن بالهبوط علي الفرعي”
المقدم فاروق “ طلبك مرفوض.. الفرعي عليه حركه هبوط”
مدحت منفعلا ”انا ليا الاولويه”
المقدم فاروق منفعلا ”نفذ الامر وانزل علي الممر الرئيسي”
في هذه اللحظه تدخل صوت مرح علي اللاسلكي ” انت ايه اللي جايبك هنا يا برنس؟”
تعرف مدحت علي الصوت بسرعه وصاح “عبد المنعم مرسي .. انت فين؟”
عبد المنعم ” انا داخل علي الممر يا برنس ....”
رصد مدحت طائرة منعم زميله والتف بطائرته ليكون خلف زميله بمسافه وبدأ مدحت يتخذ وضع الهبوط ووضع الممر امام طائرته وقام بأنزال عجلات الهبوط.
مدحت” هننزل ازاي يا منعم؟ الممر مضروب علي الاخر”
منعم ” انا عارف ، انا لسه طالع من علي الفرعي لان حالته احسن، بس الاوامر ننزل علي الرئيسي”
مدحت ممازحا رفيقه” وايه اللي طلعك من أصله؟”
منعم بجديه” كان فيه غاره علي المطار ، وطلعت ووقعت لهم طيارتين ميراج”
مدحت فرحا “ تسلم أيدك يا بطل .. اهو ده الشغل ولا بلاش”
عبد المنعم مرسي قبل النكسه بأيامر
أقتربت الطائرتين من ممر الهبوط والذي أمتلئ بالفجوات نتيجه القصف الجوي وتمتم مدحت في اللاسلكي محدثا نفسه ” مش هينفع .. مش هينفع خالص”
وتابع طائرة منعم تقترب من ملامسه الارض وبكل خليه في جسده تدعو لنفسه ولزميله بالسلامه من هذا الموقف الصعب، لامست عجلات طائرة منعم الارض وبدأت سرعتها في التناقص ومن بعده مدحت يقترب ، وفجأه شاهد مدحت فجوات صغيره علي الارض يصعب رؤيتها من الجو ، فصاح محذرا ”حاسب يا منعم .. حاسب“ وقبل ان يتلقي ردا ، أنفجرت طائرة زميله علي الارض انفجارا مدويا وتحولت الي كتله من النيران نتيجه انقلابها من جراء أحد الفجوات ، وتوهجت السماء امام مدحت من جراء الانفجار ، لكنه وبرد فعل تلقائي وبسرعه البرق زاد من سرعه طائرته وأنحرف مبتعدا عن كرة النار التي أمامه.
صرخ مدحت بأقصي ما يمكنه مناديا علي صديقه وزميله الذي فارق الحياه في هذه اللحظه، ودمعت عينيه سريعا، وبدون تفكير صاح في ألم “خيانه .. دي خيانه، ليه تقتلوه ، ليه تخلوة ينزل علي الممر وهو مضروب ليه ليه ؟ خونه ، كلكم خونه عايزين تموتونا وتسلموا البلد لليهود”
دار بطائرته حول الممر وطائره صديقه تحترق عليه ، وتشوشت الرؤيه من امامه نتيجه شلال الدموع المتدفق وأهتزت يديه التي تمسك بعصا القياده ، كل ما فكر فيه هو ان يهبط ليقتص من هذا المقدم الذي أصر علي هبوطهم علي ذلك الممر المدمر والح عليه هاجس التأمر، فقرر عدم الهبوط نهائيا بهذا المطار الملعون.
وأستدار بطائرته متذكرا تعليمات الطوارئ بإمكان أستخدام أجزاء من طريق القاهرة الاسماعيليه الصحراوي كمهبط أضطراري واتخذ وجهته تجاه الطريق
وبينما أصوات الانذار تصدح بالطائرة معلنه قرب نفاذ الوقود ، شاهد امامه الطريق يقترب وفجأه أختفت أصوات الانذارات من الكابينه أو هكذا توهم ، فقد مر علي ذاكرته شريط طويل بكل ما ربطه بزميله وصديقه عبد المنعم مرسي صاحب الضحكه المميزة والروح المرحه وأشياء كثيرة جميله أفقدته اعصابه وقدرته علي التحكم لبرهه وأهتزت الطائره به ، لكنه عاد وركز كل تفكيرة في الهبوط سالما علي الطريق، وعادت اصوات الانذار الي اذنيه تصرخ في فضاء الكابينه لكن الدموع واصلت انسيابها ساخنه في هدوء وصمت
وبالفعل تخير مدحت بسرعه قطعه مستقيمه وممهده من الطريق الممتد ليهبط عليها ، كانت صافرات التنبيه بالطائره تصرخ بلا أنقطاع بأن الوقود قد نفذ تقريبا.
أنزل مدحت عجلات الهبوط ووضع الطريق امام طائرته وبدأ في الهبوط وهو يقرأ ايات قرأنيه ، فأحتمالات النجاه قليله لكنه مجبر علي ذلك ، فهو يعلم مدي حاجه مصر لكل طائرة الان ، ومن المستحيل ان يفرط في طائرته بسهوله، فهو ليس أقل من منعم الذي تمسك بطائرته حتي الموت .
بدأت طائرته في الهبوط ببطء وامامه الطريق خال تماما ، لامست عجلات الطائرة الارض وفي نفس اللحظه توقف المحرك تماما عن العمل فتنفس الصعداء، وحمد الله أن الوقود كان كافيا للهبوط وبدأ في الضغط علي المكابح لتتوقف الطائرة ، وبينما الطائرة تتوقف ببطء فجأه لمحت عينيه سيارة تأتي في الاتجاه المعاكس له – سيارة مدنيه تقل عائله – وكأنها ظهرت امامه من العدم فكيف لم يلاحظها من قبل؟، في لحظه تلاقت عيني مدحت مع عيني قائد السيارة الذي اصيب بالفزع التام ، لمح مدحت سيده تحمل طفلا بجوار السائق ، ملامح الفزع تكسو العائله ومدحت نفسه ، فالطائرة والسيارة تنطلقان تجاه بعضهما البعض في سرعه ، واصبحت كارثه علي وشك الوقوع ، فكيف يتصرف وقد توقف محركه عن العمل ، ولا مجال لكي يقلع مره اخري ، وبرد فعل لا ارادي ضعط مدحت علي رافعه صغيرة لتنحرف الطائرة بسرعه كبيرة خارج الطريق ومال معها الجناح ليلامس الارض خارجه عن الطريق ، لتمر السيارة في سلام .
العاشرة صباحا : وسط صحراء سيناء
مازال طاقم مطار السر منتظرين النجده في الصحراء وقد باءت كل محاولات أصلاح السيارة بالفشل ، تعالت صيحات الجرحي من الالم بينما توفي اثنان منهم جراء اصابتهم الشديده ، وقام الرجال بدفنهم والصلاه عليهما.
مر وقت كبير علي الرجال في الصحراء ، بلغ العطش مداه بالرجال ونال الارهاق من عزيمتهم فأرتمي كل منهم في ظل السيارة بينما نام بعضهم تحت السيارة اتقائا للهيب الشمس ، لم يقو عمر او طارق علي الحديث ، وكان لسان حال الجنود بأنه مقدر لهم ان يظلوا منتظرين للنجده طوال هذه الحرب، وزاد من معاناه الرجال النفسيه عدم أمكانهم نجده المصابين ، حتي المياه التي جمعوها للمصابين نفذت.
قاربت الساعه علي الثانيه عشر ظهرا عندما سمع الجميع صوتا قادما من الشرق، صوت لمحركات تجاههم ، اهي نجده؟ ظهرت مقدمه السيارات وتعالي صوت المحركات يصم الاذان ، شاهد عمر وطارق عربات مدرعه مصريه وسيارات نقل تسرع بجوارهم متجهه نحو الغرب فخرج الجميع من جانبي الطريق محاولين إيقافهم وبالفعل أستجابت بعض السيارات وتوقفت لتقل الرجال والمصابين ، وتكدس الرجال علي من بالسيارات من جنود، كذلك تكدس المصابون علي الارض، ما لبثت السيارات أن أنطلقت مرة أخري لتنضم للقافله.
وبعد دقائق تعرف طارق وعمر علي أحد الضباط الشبان وتساءل طارق عن وجهتهم
فرد النقيب الشاب “احنا رجعين خط الدفاع التاني”
تساءل عمر في قلق” وراجعين ليه ؟ ليه مش بتهاجموا”
رد النقيب “ والله دي التعليمات اللي جت لنا الصبح”
تساءل طارق في فضول “يعني اليهود هاجموكوا وعلشان كدة بتنسحبوا لخط الدفاع التاني”
صاح النقيب بغضب وكمن مسه كهرباء “ أحنا مش بننسحب و متقولش الكلام دة امام الرجاله “ فأعتذر طارق في ادب عن سوء اختيارة اللفظ ، واستكمل النقيب شرحه بغضب “ فيه وقت بيكون للمناورة بالقوات تأثير اقوي من أشتراكها في القتال ، أكيد قواتنا بتحارب دلوقت ، لكن تحركنا لخط الدفاع التاني ممكن يكون لتنفيذ مهام اكبر من المهمه اللي كنا متمركزين علشانها”.
كانت أجابه النقيب شافيه جدا ومنطقيه جعلت الابتسامه تأخذ طريقا لوجه عمر بينما مال طارق ناحيه حافه صندوق السيارة وهام في التفكير
وبينما طارق هائم في التفكير لمح بعينيه شيئا يلمع في السماء ، دقق النظر لثانيه ، فوجد طائرتين تدوران حول القافله المتحركه ، فأشار الي عمر الذي تابع تحركهم ، ثم نظر الاثنان لبعضهما البعض في فزع ، فقد أدركا بخبرة الطيارين ان هاتين الطائرتين تستعدان لمهاجمه القافله، فصاح عمر في السائق بان يقف بسرعه لكن السائق لم يستجب في بادئ الامر لكنه مع الحاح طارق وعمر توقف وتوقفت معهم السيارات التي خلفهم ، بينما أستمرت باقي السيارات الاماميه في سيرها ، أمر عمر الرجال بمغادرة السيارة سريعا وبدأ في معاونه المصابين للهبوط ، في تلك اللحظه بدأت الطائرات في مهاجمه السيارات والرجال ،والذين بدأوا بدورهم في الاحتماء علي جانبي الطريق ، عم الفزع ارجاء الصحراء ومع أصوات القنابل أختلطت أصوات الرجال تطلب النجده، فبدون اي مقاومه تناوبت الطائرتين على مهاجمه السيارات المتوقفه بدون اي حمايه، ثم تحولت لقنص الرجال في الصحراء بمدافعها بعد ان أفرغت قنابلها علي السيارات، .. مشهد فظيع شاهدته اعين طارق وعمر ، فالرجال يموتون كل ثانيه حولهم والسيارات تحترق الواحد تلو الاخري ويحترق ما بها وحولها من رجال .
يكاد عمر أن ينهار من وطأه ما يراه امام عينيه، فالموت يلاحق الرجال بدون ان يستطيعوا ان يقاوموا أو يحتموا ، لكنه ظل يتساءل بغضب” فين طياراتنا؟”
وانتهت الغارة سريعا وانسحبت طائرات العدو، مخلفه طابورا طويلا من السيارات المحترقه والجثث والمصابين وخرج الرجال من مخابئهم يشاهدون المذبحه ، فالقتلي بالعشرات كذلك المصابين
وكثير من الرجال فقدوا أعصابهم وهو يرون زملائهم قتلى او اشلاء ، فتحولت ساحه المذبحه الي هرج كبير ، فالسباب واللعنات تطايرت من الجنود البسطاء لتطول الجميع ، فقد أنفجر بركان الغضب داخل الجنود البسطاء وكان لابد من ان يتم السيطره عليه .
ووجد طارق وعمر انهم أقل شاءنا وقوه من أن يتمكنوا من السيطره علي هذا الموقف المتدهور
ثم دوت فجأه طلقتي نار ، التفت الجميع نحو مصدرهم فظهر من جانب الطريق مقدم بالجيش يحمل رشاشا اليا مصوبا تجاه الجنود ، أمرهم بأن يتوقفوا عما يفعلون والا سيضرب عليهم النار فورا .
توقف بعض الجنود عن الصياح وبدؤأ في البكاء المرير ، بينما لم يتوقف البعض الاخر وواصلوا سباب الضابط ، فما كان منه الا ان اطلق بضع طلقات قريبا منهم محذرهم مرة اخري، فتوقفوا بينما سارع عدد من ضباط الصف في احتواء الموقف وتهدئه الجنود .
أمر المقدم الجنود بجمع المصابين وإيجاد سيارات سليمه لكي تنقلهم فبدأت الحركه تدب مره اخري في الجنود والضباط علي حد سواء وإن لم تتوقف الاعتراضات واللعنات ، وأمكن أيجاد ثلاث سيارات سليمه من أصل عشرون تم قصفها ، وبسرعه تم تجميع الرجال والمصابون الباقون والذي قاربوا المئتين بالسيارات
كان من نصيب عمر وطارق احد السيارات التي ُكدس بها عدد كبير من المصابين، وتحركت السيارات الثلاث مره أخري ،ومن مكانهم بأعلي كابينه السياره ، ودع عمر وطارق عدد من رفاقهم الشهداء الذين تركوهم في الصحراء، و تشتت رجال المطار ولم يبق معهم أحدا يعرفونه.
أشعل عمر سيجاره واعطي طارق واحده اخري ، فربما يستطيع دخان السيجاره أن ينفث عما لا تستطيع الكلمات ان تنفثها ، ثم أحس عمر بأصابع تلامس حذاءه فنظر لاسفل تجاه صاحب هذه الأصابع فإذا هو النقيب الشاب الذي كان يتحدث معهم منذ دقائق ، كانت اصابته بالغه جدا، فقد بترت ساقيه وذراعه ، وملئت الدماء نصفه الاسفل تماما ، بهت عمر عندما شاهده لكنه تمالك اعصابه بصعوبه .
كانت عيني الضابط تقول شيئا لكن لسانه لا يقوي علي قوله ، فتساءل عمر بود عما يريد ، لكن الرجل لم يقوي علي الاجابه وكانت عينيه متسلطه علي السيجاره التي بيد عمر ، فهم طارق مراد النقيب الشاب ، فأشعل له سيجاره ووضعها في فمه فظهرت علي عيني النقيب نظره رضا وهو يتنفس دخان السيجاره
فبادر عمر بوضع علبه سجائر كامله في جيب ستره هذا الشاب وربت كل كتفيه وهو يتصنع أبتسامه ، ما لبث ان أستدار تجاه الطريق واطلق العنان لدموعه ومشاعره المكبوته طوال يومين ، فهذا النقيب الشاب كان طليقا منذ دقائق والان هو علي موعد مع الموت وتقلصت احلامه وأمنياته في الحياه الي حد السيجاره التي تمناها في لوعه، بينما استمرت السيارات في سيرها تجاه الغرب حامله معها انين المصابين واحلام الباقين بالنجاه
مطار فايد : الثالثه ظهرا
مازال وضع مدحت المليجي غامضا ، فالاتصالات مع مطار أبو صوير لم تأت بجديد عنه ، والقلق يعتري الجميع علي صديقهم وزميلهم ، وإن كان هبوط السمري سليما واسقاط محمد خميس لطائرة ميراج قد رفع الروح المعنويه ، أمر أخر ساعد في رفع الروح المعنويه للطيارين ، فبعد أتصال هاتفي مع مطار غرب القاهرة تم التأكد بان الرجال هناك يقومون بتركيب عدد غير قليل من الطائرات التي وردت قبل الحرب بأيام ورغم هرب الفنيين السوفيت من المطار حين تم قصفه الا ان الفنيين المصريين واصلوا العمل بلا انقطاع .
كان الطيارين يجلسون في ميس الطيارين يتناولون الغذاء صامتين، وكل منهم في فلكه الخاص بينما أحمد ومحمد خميس والسمري يتحدثان عن نتائج عمليات اليوم ، بينما الباقون صامتون وفي احد اطراف الميس ، ووقف العقيد تحسين مع قائد وحده المهندسين يتحدثون عن اصلاح الممرات ، وعلي أول الممر تربض طائرتي سوخوي مسلحتين بالصواريخ وبداخلهم الطيارين جاهزين للاقلاع ، بينما حملت طائرتين اخرتين بالقنابل ووضعتا بمعزل تمهيدا لاي اوامر مفاجئه .
أحمد ينظر من نافذه الميس الي الطائرتين وعقله يفكر وينقل قلقه علي البرنس الي السمري بينما السمري لديه أحساس مطمئن لسلامته ، وخميس ُيصدق علي كلام السمري، وبينما الحديث دائر يتواصل حرق السجائر الواحده تلو الاخري دليل علي احتراق الاعصاب ، خميس يلفت نظر أحمد والسمري الي ملامح العقيد تحسين والتي تزداد حنقا وغضبا مع مرور الوقت ، فقد أبلغته القياده بان هناك طائرات جديده في الطريق كأستعواض لخسائره لكنها لم تأت ، وتشبث الطيارون ببريق الامل هذا ، بينما السمري هو الوحيد المدرك ماذا يدور في عقل قائده من أحباط لحجم الكارثه، وان الطائرات الجديدة ربما لن تأتي قريبا ، فقد أنعدمت ثقته في القياده العليا بالقاهره تماما.
وفجأه دخل جندي اللاسلكي الي الميس مهرولا تجاه العقيد تحسين مسلما اياه أشاره لاسلكيه، و صمتت القاعه تماما وتابعت الاعين والحواس كلها رد فعل القائد .
تمعن القائد في الاشاره ثم دعا السمري وزميلين له من لواء السوخوي الي مكتبه سريعا ووسط نظرات التعجب والدهشه من باقي الطيارين دلف السمري ومن خلفه النقيب عبد المنعم الشناوي والملازم اول محمد بخيت الي مكتب القائد وبعد ربع ساعه خرج السمري ومن خلفه الطيارين حيث أسرعا الي أرض المطار ، بينما أستوقف احمد وخميس السمري متسائلين .
وبدون ان ينظر في اعينهم أجاب السمري “ فيه قوة أسرائيليه أخترقت الحدود عند الكونتلا ، وصدرت لنا الاوامر بقصفها ” ثم استدار السمري متوجهها لارض المطار حيث يتابع تجهيز طياريه للاقلاع
نظر خميس لاحمد نظره حائرة قائلا “ أنت فاهم حاجه؟”
نظر أحمد للارض قائلا بتأثر “ انا خايف أفهم”، أستطرد خميس بحيره ” يعني أنت بتفكر في اللي أنا بفكر فيه ؟؟؟؟” نظر أحمد لعيني خميس المتسائله بعمق، ولم يجب أنما أستدار خارجا الي أرض المطار لمتابعه أقلاع الطائرتين فلحق به خميس مفسرا ما يجول في خاطرة ” يعني نصدق مين ، الراديو اللي بيقول أننا بنحارب جوة أسرائيل من أمبارح؟ والا إن اليهود هما اللي أخترقوا حدودنا؟ “
ثم صمت لثوان وأستكمل تحليله متسائلا ” تفتكر الاشارة دي غلط ، وقصدهم جوة أسرائيل ؟” أستدار أحمد محدقا بغضب في عيني خميس “حتي لو الاشاره غلط ، فين طيارتنا اللي في سينا علشان هي اللي تهاجم ؟؟؟ أنا خايف يا خميس نكون أنضربنا ضربه كبيرة وأحنا مش عارفين ، أنا من امبارح مشفتش طياراتنا خالص، طيب فين طيارات ابو صوير وكبريت وإنشاص وبني سويف والقطاميه ، المفروض يعلموا لنا مظله لحد ما نجهز؟؟؟ “
سكت خميس تماما أمام رد أحمد وتغيرت ملامح وجهه ، بينما استكمل أحمد سيره داخل ارض المطار حتي توقف متابعا للسمري الذي فرد خريطه امام الشناوي وبخيت يشرح لهم عليها بينما أحمد كل حواسه وخلايا جسده تحسد هؤلاء الطيارين علي قيامهم بالطيران بينما هو مكبل بالارض منتظرا طائرات جديدة ميج 21 لكي يطير ، ثم أردف في نفسه متهكما في حنق”ولاد الكلب ، مكنوش قادرين يسيبوا طيارة واحده ميج أطير عليها؟”
وبعد وقت قليل أقلعت الطائرتين محملتين بكميه لا بأس بها من القنابل ، متجهتين نحو الحدود وكما كان متبعا مع تشكيل السمري والمليجي ، فقد واصلت الطائرتين تحليقهما علي ارتفاع منخفض جدا وبصمت لاسلكي تام
تابع الرجال في غرفه القياده الساعه المثبته علي الحائط ، كل منهم يحسب الوقت والسرعه ويقدر بطريقته الخاصه مكان تواجد تشكيل الشناوي الان ، مر الوقت سريعا ولم تأت اي أشارة من الشناوي ، أأصيب الاثنان ام ماذا حدث؟ يميل خميس علي اذن احمد محدثا ” المفروض يكونوا راجعين دلوقت ، ازاي مظهروش علي الرادار لغايه دلوقت ؟؟؟ “ولم يجب احمد ، لانه ببساطه لا يملك الجواب فقد حسب وقدر الزمن والمسافه وتوصل لهذا الاستنتاج من دقائق
فجأه يقطع صوت اللاسلكي فضاء الغرفه “ من الشناوي لتحسين .. نفذنا المهمه .. وأحنا غرب المضايق راجعين” تنفس الجميع الصعداء من هذه الاشارة التي رد عليها العقيد تحسين بالعلم
بعدها بثوان ظهرت نقطتين علي الرادار متجهتين غربا ، صاح عامل الرادار فرحا بأنه تشكيل الشناوي .
تبسم أحمد ومال علي خميس” الشناوي خدها رايح جاي علي ارتفاع منخفض – علشان كده مظهرش علي الرادار “ اومأ خميس رأسه ايجابا مبتسما
بعدها بدقائق كانت طائرتي الشناوي وخميس تهبطان و تصطفان مرة اخري بجوار الاشجار ، حيث تباري الطيارين والضباط والفنيين علي الهروله تجاههم مهنئين بسلامه الوصول ومستفسرين في فضول عما شاهدوه داخل سيناء.
لكن الشناوي كان غاضبا ولم يتقبل تهنئه اي من زملائه وأخترقهم مسرعا الي مكتب قائده ، وفي فضول بالغ أمسك احمد والسمري بمحمد بخيت متسائلين عن سر غضب الشناوي فرد عليهم بأن القوات الاسرائيليه تبعد عشرون كيلو متر فقط عن المضايق في وسط سيناء وانهم قصفوا مدرعات العدو في موقع يبعد ستون كيلو مترا عما قيل لهم ، كما اردف بخيت بأسى أن الحرائق تملئ سيناء، وان قواتنا مشتبكه في وسط سيناء وليس علي الحدود
نظر خميس الي أحمد ، فوجده قد أحتضن خوذته ومال عليها برأسه في أسي وأنصرف من دائره الحوار، هم خميس بأن يلحق به الا ان يد السمري أمسكت به وفي صرامه قال السمري “ سيبه يا محمد ، لازم يأخد الصدمه علشان يقدر يفوق بسرعه “نظر خميس الي السمري “ يعني انت كنت عارف؟؟” فنكس السمري رأسه.
سار أحمد مبتعدا وعقله يحترق ، وأعصابه تكاد تنفجر غيظا وكمدا مما عرفه الان ، ووصل قرب شريط الاشجار المحيطه بالمطار ، وبجوار جناح أحد الطائرات الميج المحترقه ، جلس أحمد وبكى ، بكى كما لم يبك من قبل ، فقد اصبحت مخاوفه حقيقه فقوات العدو تدحر قواتنا في سيناء بينما هو جالس علي الارض لا حول له ولا قوه وأستمر يبكي ويعتصر شفتيه بأسنانه وقتا حتي ادمت دما، تابعه السمري من بعد لكنهم تركه حتي يهدأ.
كان عقله يحاول ان يجد تفسيرا معقولا لما يحدث ، فكيف حدث ما حدث ، وكيف سمحنا بان يحدث ذلك، أمعقول ذلك؟ قوات اليهود في سيناء مره أخري؟ اهذا هو الجيش الذي سيلقي به عبد الناصر اليهود في البحر ، هل معقول ان يصلوا قرب المضايق خلال يوم ونصف فقط من القتال؟ دار عقله ودار ودار يبحث عن اجابه لتساؤلات، وكان كلما وقف مشلولا امام جواب لسؤال ما ، يجد الدموع تطفو مره أخري علي عينيه.
بعد حوالي الساعه أتجه السمري لاحمد ، كان السمري جاهزا لان يقول كلاما كثيرا ليشد من أزر أحمد الا انه فوجئ بأحمد يتجه اليه متحديا منفعلا “الطيارات هتيجي امتي يا سمري؟ ولا مفيش طيارات؟ رد عليا … الطيارات هتيجي أمتي؟ انا مش قادر اقعد علي الارض واسيب الجيش يضرب، لازم نطير يا سمري ، لازم لازم” ثم أنخرط في بكاء شديد ، لم يجد السمري قوة ليقول شيئا فما كان منه الا ان احتضن احمد وتركه يبكي في مراره وهو يردد “سينا هتروح منا تاني يا سمري”
وسط صحراء سيناء – الخامسه عصرا
مازالت السيارات تخترق الطريق الاوسط متجهه غربا ، حامله معها عمر وطارق ورفاقهم من الضباط والجنود والمصابين ، توفي اربعه مصابين في الساعات الخمس الماضيه ، وكان يجب دفنهم سريعا والاستمرار في السير ، وكان الضابط الشاب هو اخر المتوفين ، وقد أصر طارق وعمر ان يشاركا في دفنه .
كانت ساعات أصعب ما تكون علي فتيه في مقتبل الشباب ، فرفاقهم يموتون الواحد تلو الاخر من حولهم ، والمصابين يعانون في الم من أصاباتهم والتي يجب ان يتدخل طبيب لعلاجها ووقف النزيف .
كانت الالسنه مشلوله عن الكلام عندما مرت طائرتي سوخوي مصريه فجأه فوق الرؤس منذ اكثر من ساعتين تقريبا ، حاول السائق وقتها ان يتوقف الا ان عمر صاح فيه فرحا بأنها طائرات مصريه فتابع السائق سيره ، رفعت جمله عمر من معنويات الرجال الذين وقفوا يلوحون للطائرات التي مرت ، أحس عمر وطارق بأحساس غريب جدا لم يعرفوة من قبل ، وهو احساس الجندي علي الارض عندما يجد طائراته تحمي سمائه ، فترفع من معنوياته لتعانق السحب، أحساس بالفخر والسعادة سرا في عروق الرجال بالسيارات الثلاث عند مرور الطائرتين.
ربت طارق علي كتف عمر مبتسما رغم كل ما مروا به، فالامل موجود وقواتنا الجويه مازالت في المعركه ،فتابعا بنظرهما الطائرتين حتي اختفتا من الافق ، ودار الحديث وأستمع الباقون لهم في شغف ، تناقش الاثنان في حموله الطائرتين وهدفهما وخمن كل منهم من اي مطار اقلعت ، نبره الحديث اختلفت عن تلك التي سادت منذ ثوان ، فوجود بصيص امل رفع معنويات الرجال ، جعل لديهم دافع أكبر في سرعه العوده لاستمرار القتال سرعان ما هدأت نبره الحديث مع مرور الوقت ما ان وصلت وعادت الي الصمت مره اخري ،
ومع ارخاء الليل لستائره ، عبرت السيارات الثلاث مناطق الجبال الوعره مستمره في التوجه غربا وهم لا يعلمون الي اين يتجهون ، الا انهم لم يقابلوا من يرشدهم ، فأستمر السائق سيره بأقصي ما يتمكن من سرعه لبلوغ الامان.
وقرب منتصف الليل وصلت السيارات الي حافه القناه ، حيث كانت الصدمه تامه علي الجميع ، فسيارتهم الثلاث غرقت في بحر من السيارات والمدرعات المتكدسه استعدادا للعبور غربا ، فقد بدا وكأن الجيش المصري كله قد جُمع في مكان واحد للعبور علي هذا المعبر الوحيد الممتد قرب الاسماعيليه ، كم هائل من الفوضي وعدم النظام تعم الارجاء ، ولا يبدو وكأن شخصا ما مسئولا عن تنسيق العبور
وقف عمر وطارق فوق كابينه السيارة يتابعون الموقف وقد شلت الالسنه وأحترقت الاعصاب مرة اخري من هذا المشهد والذي شبهه احد الجنود المارين بأنه يوم الحشر.
نظر عمر الي طارق طالبا تفسيرا لكن طارق كان صامتا كصمت القبور تماما ، فرغم ظلام الليل الا ان مصابيح السيارات والدبابات كشفت عن معبر صغير ممتد بعرض القناه والمرور عليه كله متجه غربا فقط ،
تساءل عمر في حيرة “مش المفروض ان الدبابات دي داخله سينا؟ طب ليه بينسحبوا؟”
لم يرد طارق أنما أشار الي عمر أن يرافقه ، ونزل الاثنان متجهين نحو المعبر ، وبينما هم سائرون مرا علي عدد من ضباط الجيش الشبان ، لسبب ما توقف عمر ناظرا الي أحد الضباط الذي كان يبكي بحرقه وهو يعض علي ما أتضح بعدها انه غطاء قماشي للرأس ، تساءل عمر في نفسه عما به ، ويبدو ان أحد الضباط قد فهم تساؤلات عمر فأشار اليه غاضبا بأن يمضي في حال سبيله ، وفعلا مضي عمر لاحقا بطارق ونظراته تتابع هذا الضابط المنهار حتي تلاشي وسط الظلام ، كان المرور وسط هذه الحشود من العربات والدبابات للوصول الي المعبر صعبا ، صمت طارق جر عمر أيضا الي الصمت رغم انه يحتاج الي تفسيرات عما يدور حوله ، فالغضب يملئ الرجال ، والاعصاب غير مسيطر عليها تماما ، وشاهد الاثنان عددا من الضباط يطلقون النار في الهواء لكبح جماح رجالهم ، طاف بعقل عمر عما قرأه عن فوضي الانسحاب البريطاني من اوربا في بدايه الحرب العالميه الثانيه عندما دحرتهم القوات الالمانيه بطول فرنسا حتي وصلوا الي جيب ضيق محاصر علي القنال الانجليزي عند ميناء دنكرك الفرنسي ، وتسارع جميع الشعب البريطاني لمساعدتهم في الانسحاب عبر القنال الانجليزي، فكل من كان يملك زورقا او قاربا أستخدمه لنجده الجنود .
تيقظ عمر من تفكيره عندما وجد طارق يتحدث مع بعض الجنود الذي يركبون احد السيارات الجيب الصغيره ، كانت السياره تحمل علامات القوات الجويه وتنتظر دورها في العبور الي الضفه الغربيه للقناه ، فهم عمر من حديث طارق معهم انهم من جنود مطار المليز ، وان التعليمات صدرت لهم بالانسحاب الي غرب القناه ، وقد استشهد عدد منهم في الطريق ، ولم يكن معهم أحدا من الضباط ، فأستدار طارق سائلا عمر “ أيه رأيك نروح معاهم ابو صوير ؟؟”
عمر ” أبو صوير هو اقرب مطار لنا دلوقت “
طارق” علي بركه الله “
وركب عمر وطارق في المقدمه وانتظرا حتي يحين دورهم في العبور عند المعبر .
وبعد ثلاث ساعات حان دورهم في العبور علي المعبر والذي كان يملك سلطه العبور عليه هو عريف للشرطه العسكريه ، والذي كان عصبي المزاج جدا وهو ينظم مرور هذا الكم الهائل من السيارات بمفرده ، وعند وصولهم الي الضفه الغربيه ، أضطرا الي اختراق عدد كبير من السيارات والدبابات التي تركها رجالها ، كان مشهدا مماثلا لما يجري شرق القناه ، غير ان الجنود تركوا سلاحهم وعتادهم فور عبورهم القناه .
انطلق طارق متجها شمالا تجاه طريق الاسماعيليه القاهرة ، وعلي الطريق الفرعي كان المئات من الجنود يسيرون علي جانبي الطريق وقد تركوا كل شئ ورائهم
كان مشهدا لا يقارنه مشهد أخر رأه طارق او عمر طوال حياتهم ، فها هو الجيش المصري ينسحب بعد ان ترك سلاحه وعتاده ومعنوياته ، جيش منسحب علي الاقدام ، الاعياء والتعب ينخر عظام الجنود ، جنود يترنحون من شده الاعياء، ملابس ممزقه ، بعضهم حفاه ، لا يجمعهم سوي شئ واحد ، هو الاتجاه غربا بعيدا عن العدو.
“أحنا انهزمنا يا طارق”
أخيرا قالها عمر فجأه بعد ان حاول خلال يومين ان يتجنب التصريح بما يلح عليه عقله، فعينيه جمعت خلال يومين من المشاهد ما أستنتج خلالها عقله بأنه هزيمه، لكن عقله أيضا تمسك بأي حدث عكس الهزيمه ، فتمسك بقصه الانسحاب لخط الدفاع الثاني والذي مرا عليه بدون ان يروه لانه في الحقيقه ليس موجودا الا علي الخرائط وعقول القاده فقط.
وتمسك بمشهد الطائرتين التي مرتا عليهم هذا اليوم مما يعني ان قواتنا الجويه ما زالت مشتركه في المعركه ، ورفض بقيه المشاهد من ضرب مطارات سيناء وعدم رؤيه سوي طائرتين فقط ، وتمسك بالامل رافضا الهزيمه ، لكن ما يراه من أنسحاب الجنود سيرا علي الاقدام وتركهم لسلاحهم بدون تنظيم جعل الهزيمه تظهر له عاريه ومجرده من أي شكوك قد تساوره ، فقد قرأ وعرف بأن الهزيمه الفعليه تحدث عندما يفقد الجندي الرغبه في القتال وهؤلاء المنسحبون امامه ابلغ دليل علي الهزيمه.
كان ينظر لطارق وهو يريده ان ينفي ما توصل اليه عقله ، لكن طارق كان صامتا تماما، وفي انعكاس لضوء سياره ظهرت الدموع علي وجه طارق تنساب مدرارا في هدوء ، وقتها ووقتها فقط ، تأكدت شكوكه تماما امام دموع طارق .
فأنهار عمر تماما ، وانخرط في بكاء مرير مما توصل اليه ، وبدأ وبصوت متحشرج يخرج من حلق مجروح تساءل بينما الجنود المكدسين خلفه يحاولون التهوين والتخفيف عنه .
فتوقف طارق بالسيارة في منطقه منعزله وطلب من عمر النزول ، وأصطحبه خلف أحد التلال الرمليه خارج الطريق في هدوء قائلا “ أنت مش تحاول تمسك نفسك يا عمر ؟؟”
عمر منفعلا” طيب أزاي ؟؟ وليه حصل كدة ؟؟؟ وفين الجيش والطيران ؟؟”
طارق بأسي “ انا كل اللي اعرفه إن الطيران انضرب كله ، كل المطارات انضربت وخرجت من العمليات ، اما بخصوص الجيش ، فحاله امامك أه . مش محتاج لكلام “
أنهار عمر اكثر، وانخرط في صياح عال وهيستريا غير مصدق لما يقوله طارق رافضا فكره الهزيمه ، فما كان من طارق الا انه استجمع قوته ورجه من كتفيه بشده صائحا فيه ” ده مش وقت عياط وإنهيار ، ده وقت لازم نمسك نفسنا كويس جدا لان لو كل واحد مننا أنهار زي ما انت عامل كده ، مش هنعرف نحارب ولا نرد عليهم انت فاهم ولا لأ؟؟؟؟”
فقال عمر بين دموعه وصدمته “ خلاص يا طارق … خلاص كل شئ راح ؟؟؟ ليه يا رب بس اعيش وأشوف اليوم دة ؟؟؟”
طارق منفعلا “ ربنا بيكافئ المجتهد ، وأحنا كنا واخدنها جدعنه وفهلوة ، كنا فاكرين أننا بالعساكر اللي بجلاليب هنكسب الحرب ، ولا انت ناسي كل اللي شفناه ؟؟؟؟”
واستكمل مشيرا للطريق والجنود المنسحبين” اهم قدام عينيك … عساكر الجيش سابوا سلاحهم ومروحين لانهم مش عايزين يحاربوا ، محدش قالهم حاربوا وقالوا لا … كل اللي أحنا فالحين فيه زي 56 اننا ننسحب بس، طب فين الضباط ؟؟ فين اللي يقولهم أثبتوا هنا وحاربوا ...”
كان طارق هو الاخر ينفث عن غضبه في محاوله لكبح جماح عمر المنهار ولكي يقاوم هو الاخر الانهيار فأمسك بعمر واحتضنه ، بينما عمر يبكي وقد بدأ في لم شتات أعصابه المنهاره .
وبعد قليل سار الاثنان الي السياره حيث أستكملا طريقهما في صمت الي مطار أبو صوير، كان الطريق طويلا الي المطار ، ليس بسبب بُعد المسافه أنما بسبب أزدحام الطريق بالجنود والعربات العائده الي القاهرة.
صمت تام يلف اجواء السيارة، لا شغل للجميع سوي في التفكير في مصر وما الم بها، فكر عمر في مصر وعبد الناصر والمشير وما الذي يخططان له الان ، وفي تفكيره توصل الي ان استعواض خسائر الطيران ولم شتات الجيش يجب ان يتم في اسرع وقت حتي يمكن القيام بهجوم مضاد قوي يعيد الاوضاع لما كانت عليه ، فهذا هو الحل العسكري الوحيد المتاح الان ، وان علي قواتنا في سيناء ان تثبت وتقاتل حتي نتمكن من استعاده السيطره علي السماء مره أخري.
بينما طارق يفكر في ضروره اقتلاع رؤوس الفساد من الجيش والتخلص من البطانه الفاسده اولا قبل ان نحارب أسرائيل ، اما الجنود المكدسين في الخلف فقد جمعهم كلهم التفكير في العوده لديارهم حيث الامن .
وصلت السياره قبل الفجر بقليل لبوابه المطار والذي كان يلفه ظلام شديد ، وبعد وقت تمكنوا من الدخول الي المطار حيث أتجها لتقديم نفسهم لقائد المطار ويضعا نفسيهما تحت امره وبالفعل دخل الاثنان الي مكتب قائد المطار ، والذي كانت كل نوافذه محطمه والصور والانواط كلها ملقاه علي الارض والتي يبدو انها كانت معلقه علي الحائط قبل الهجوم
وبعد التعارف تساءل قائد المطار” انتوا كنتوا في مطار السر؟؟”
رد عمر “ ايوه يا فندم وقائدنا هناك هو الرائد مرعي مرسي”
قائد المطار “ انا سمعت اخبار إن محدش رجع من السر ، انتوا انكتب لكم عمر جديد”
طارق” المهم يا فندم إننا تحت امرك ، لتنفيذ أي أوامر”
قائد المطار بأسي “ أنا مش عارف أقول لكم ايه ؟؟؟ بس يا ولاد انا معنديش طيارات خالص ، كل قوة المطار انضربت تقريبا ، وعندي طيارين اكتر من الطيارات اللي فاضله، كل اللي اقدر أعمله اني أديكم مكان تناموا فيه لغايه الصبح ، وهابعت للقياده بخصوصكم واشوف ايه التعليمات”
عمر متسائلا “ طيب يا فندم … هوا مفيش طيارات جديده هتيجي ممكن نطير عليها ؟”
قائد المطار” لا فيه طيارات المفروض انها توصل خلال يومين ، الاتحاد السوفيتي هيبعت طيارات كتير ، والجزائر بعتت أربعين طياره ميج 17 “
عمر وقد تهللت أساريره” يعني لسه الحرب مخلصتش ، وممكن لسه نحارب ؟؟”
قائد المطار “ ربنا يسهل بأذن الله ، نلحق الموقف قبل ما يفوت الاوان”
طارق متسائلا بهدوء” هوا أيه الموقف يا فندم؟ احنا منعرفش حاجه من اللي بيدور في سينا؟؟”
قائد المطار “ القوات الاسرائيليه بتتقدم علي المحور الاوسط بسرعه ، وقواتنا بتحاول تعطلها ، والمحور الشمالي أنفتح تماما ، مفيش قوات لنا تصدهم”
طارق بأسي “ العريش وقعت يا فندم ؟؟؟”
قائد المطار” وقعت الصبح وفيه تقارير بأنهم بدأوا يستخدموا المطار بتاعنا “
حاول عمر ان يستفسر ، لكن الرجل قاطعه مناديا علي الجندي الواقف بجوار الباب أمرأ اياه بأن يأخذهم لغرف مبيت الطيارين ، ويصرف لهم ملابس بدلا من تلك الغارقه في الدماء والاتربه
دلف الاثنين الي غرفه للمبيت بها ، وتمدد كل منهم علي سرير في صمت ، وسرعان ما ناما بعمق من فرط التعب والاجهاد مما عانوه خلال اليومين السابقين من موت ودمار.
يونيو 1967 فجرا
مطار فايد
دبابات وعربات الفرقه الرابعه تستعد
دبت الحركه في أرجاء المطار مبكرا ، فقد تمكن المهندسين من أصلاح الممرات وردم الفجوات وتأكد من وصول عدد من الطائرات من مطار غرب القاهرة بعد أن تم تركيبها تحت القصف الجوي للمطار ، وهو ما يعد معجزة في ظل هروب الفنيين السوفيت المتخصصين.
لذلك تجمع الطيارون بملابس الطيران مستعدين لوصول الطائرات لتنفيذ أي مهام ، روح الطيارين المعنويه عاليه وخاصه أحمد عندما علم بقرب وصول طائرات ميج 21 مما يعني انه سيعود للطيران سريعا
لذلك عادت قفشات ومداعبات احمد للطيارين للظهور مره اخري ولم يسلم أحد من مداعباته مما أضفى علي جو الميس روحا جديده غير التي دامت يومين من الوجوم، فقد كان الامل يراوده بامكان تعديل الموقف .
شدد العقيد تحسين علي السمري بضروره ابعاد الطيارين عن اي أنباء من العالم الخارجي ، لكي يبقي تركيزهم وتفكيرهم في القتال فقط ، وقرب الساعه العاشره صباحا ظهرت في السماء ثمان طائرات مصريه ، دارت حول المطار وبدأت في الهبوط ، ميزها احمد بسرعه ، فأربع طائرات منها كانت ميج 21 فتهلل فرحا ، وعند أصطفاف الطائرات في منطقه الانتظار ،وضع احمد يده علي احداها محذرا زملائه من الاقتراب منها لانها اصبحت له وهو من سيقوم بقيادتها في اول طلعه ، تبسم العقيد تحسين من روح احمد العاليه ورغبته في القتال ، ولم يخيب ظنه عندما بدأ في وضع تفاصيل مظله جويه تمتد من القنطره لبورسعيد طبقا للاوامر التي تلقاها ، فوضع محمد خميس و احمد في قياده المظله ومعهم محمد بخيت ومعتز العتراوي ، ثم اجتمع معهم في مكتبه قبل الاقلاع.
وبروح معنويه عاليه توجه الرجال الاربع لمكتب القائد حيث استمعوا وتابع السمري معهم لاخر التعليمات ، حيث تتكون المظله من طائرتي سوخوي وأخرتين ميج 21 والهدف عمل مظله لاي تدخل للعدو فوق منطقه القناه وستكون بالمطار ست طائرات في حاله استعداد للتدخل فورا ، واضاف الرجل بأن طائرتي السوخوي ستحملان أيضا قنابل نظرا لو أستدعت الحاجه لهجوم أرضي علي قوات العدو
كانت تعليمات الرجل تلقي علي المسامع وعقل أحمد يدور سريعا متمنيا أن يشتبك مع العدو باي شكل لكي ينتقم منهم أشد انتقام، ويذيقهم نيرانه
ثم أنصرف الطيارين جريا تجاه طائرتهم بعد التلقين ، صعد احمد سريعا الي كابين
عدل سابقا من قبل mady في الأحد يونيو 27, 2010 7:25 am عدل 1 مرات
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
[size=18]ومر من الوقت ما لم يحسبه احمد فقط كان عقله يصارع الانهيار الي أن سمع صوتا صارما من خلفه يأمرة بالا يتحرك وأن يرفع يديه لاعلي ، ففعل كما قيل له وأستدار ليجد رجالا مصريين من المقاومه الشعبيه .
هم بأن يتكلم ، لكن قائدهم امرة بالصمت بينما تكفل أحد الرجال بنزع مسدسه ، أمر القائد باقي رجاله الذين يزيدون عن عشر قليلا ، بمعاينه الجثث املا في إيجاد أحياء بينهم
فتكلم أحمد ببطء “ أنا طيار مصري”
رد الرجل بعنف “ أنا قلت لك أسكت” فسكت احمد
عاد الرجال بعد دقائق الي قائدهم مصدومين لاعنيين غاضبين وابلغوة بعدم وجود احياء ، وتعالت عبارات الاستهجان بين الرجال طالبين قائدهم بالثأر وقتل القاتل وعم الصياح والهرج ارجاء الصحراء ، للحظه أدرك أحمد انهم يقصدونه عندما قالوا القاتل فطلب الاذن بالكلام ، ومن بين معارضه الرجال ومطالبتهم بقتله، أمرهم قائدهم بدفن الجثث سريعا ثم صرح لأحمد بالكلام
فتكلم أحمد بضبط تام للنفس وبكلمات محسوبه قائلا ”أنا طيار مصري من مطار فايد وكنت بهاجم مطار العريش مع عدد من زملائي ، لكن الوقود بتاعي خلص وأضطريت اقفز بالمظله ، وكنت رايح بورفؤاد لما حصل اللي حصل و....”
تدخل أحد الرجال مندفعا تجاه أحمد وضربه بكعب البندقيه في بطنه صائحا
“وبتتكلم عربي كمان يا أبن الكلب، تموتوا الرجاله بتوعنا وعايز تضحك علينا فاكر أننا هنرحمك”
وقع احمد علي الارض متألما من فرط قوة الضربه ، وتدخل القائد ممسكا بالرجل حتي لا يفتك بأحمد، ووسط الامه المبرحه ومعاناته النفسيه الرهيبه ووببطء اخرج أحمد مصحفا من جيب سترته الملاصق لقلبه
ووجهه الي القائد ” ده مصحف شريف … وعند النار اللي هناك ،هتلاقوا طيارة مصري مولعه … ده مصحفي ودي طيارتي … ومعايا كمان الكارنيه بتاعي … والله العظيم أنا مصري … مصري” وأظلمت الدنيا امامه فجأه وغرق في السواد الذي ملئه وهو يردد "أنا مصري"
مطار أبو صوير
كانت عقارب الساعه تشير الي الواحده ظهرا عندما أستيقظ طارق فزعا من كابوس رأه ، فوجد عمر يجلس علي حافه سريره يدخن سيجاره وقد غير ملابسه واستحم ، اخبره عمر بأن قائد المطار قد أرسل ملابس طيران جديده وانه يطلب منا الراحه التامه، فألقي طارق بجسده مرة اخري علي السرير ناظرا لسقف الغرفه ، وقد بدأت ذكريات يومين مضيا تعود اليه ، بينما وقف عمر بجوار النافذه يطالع المطار المدمر متسائلا بصوت عال “تفتكر هنعرف نقف تاني علي رجلينا ؟؟؟؟”
فهمّ طارق بأن يجيب، الا ان عمر رد علي نفسه ” طبعا هنعرف ، ما هو أحنا لازم نقف علي رجلينا “ تبسم طارق من حديث زميله مع نفسه وسعد بعوده التفاؤل الامل اليه بعد أنهيارة بالامس ،فقال لزميله “ انا ميت من الجوع ، ايه رأيك ننزل ناكل وبعدين نتكلم ؟”
ويعد قليل كانا الاثنان يدخلان ميس الطيارين لتناول وجبه أشتقات لها نفسيهما
عم الصمت فجاه علي الميس فور دخول طارق وعمر ، فرغم ملابسهم الجديده ونظافتهم ، الا ان ملامح الاعياء والصدمه تطل ببشاعه من عيونهم، فتابع الجميع الرجلين في صمت
ادرك الاثنان ما يحدث ، فألقيا تحيه الصباح علي زملائهم وتوجهها حيث يملئون بطونهم الفارغه ، ورغم استمرار الصمت وقلق عمر وطارق من تصرف زملائهم الا ان نداء البطون كان قاسيا فأثرا ان يتناولا من الطعام ما يساعد اجسامهم علي العمل قبل أن يفتتحا أي حديث مع الزملاء
وفور جلوسهم علي الطاوله تدفق الرجال وتجمعوا حولهم ببطء ،كانوا حوالي عشرون طيارا من مختلف الرتب وتساءل أحدهم “ انتوا راجعين من مطار السر ؟؟” أومأ عمر ايجابا وهو يأكل بنهم ،
فتساءل أخر” ايه اللي حصل لكم هناك ؟؟ “
وقاطعه اخر متسائلا”أحنا سمعنا إن محدش رجع من السر ، انتوا رجعتوا ازاي؟؟”
تداخل أخر متسائلا ” هو صحيح إن امريكا دخلت الحرب مع أسرائيل؟ “
كانت الاسئله تنهمر علي عمر وطارق بدون ان يجيبا، فكل شغلهم الشاغل هو أشباع نداء البطون
تدخل أحد الطيارين طالبا من زملائه أن يتركوهم يأكلون اولا، فجلس الطيارون حولهم منتظرين انتهاءهم من الاكل ، وطلب احد الطيارين كوبين من الشاي لزملائهم الجدد ، بينما وضع أخر علبه سجائر امام كل منهم .
فرغ طارق من طعامه اولا، واشعل سيجاره وبدأ في سرد ما مروا به من أحداث وكان عمر يتدخل كلما نسي طارق حدثا ، تحدث طارق بأسي شديد وتأثر وكان الصمت هو القاسم المشترك للجميع بينما طارق يتحدث والكل يستمع في صمت ، الي ان انتهي من قصته بوصلوهم الي مطار ابو صوير
فتحدث احد الطيارين بحزن “ والله انت جدع انك عرفت تطلع والمطار بينضرب ، أحنا هنا معرفناش نطلع، ما عدا البطل عبد المنعم مرسي هو الوحيد اللي عرف يطلع امبارح ، ده بقي بطل بحق وحقيق “
وقبل ان يتساءل عمر عما فعله ،واصل احد الطيارين الاخرين الحديث
“ منعم قدر يطلع أمبارح والمطار بينضرب ، الولد ده مجبتوش ولاده بحق ، انا شفته بيجري علي طيارته وبعد ثواني لقيته علي اول الممر ، ورغم ان الممر مضروب جامد الا انه طلع ، زيك كده يا طارق ، بس هو طلع علي مسافه صغيره جدا من الممر الفرعي، وقدر يوقع طيارتين ميراج ، وبعد الغاره ما خلصت المقدم فاروق الغزاوي طلب منه ينط لكن منعم رفض وحاول ينزل علي الممر ، لكن للأسف طيارته وقعت في حفره علي الممر وأنفجرت وأستشهد البطل”
عم الصمت ارجاء المكان وشرد عقل الطيارين ، فتدخل عمر في الحديث ”المهم تيجي طيارات جديده علشان نلحق الجيش وميبقاش دم البطل منعم وكل زملائنا راح هدر” تدخل أحد الطيارين قائلا في مراره
“ جيش ايه ……ما خلاص”
تساءل طارق في فزع” خلاص أيه ؟؟”
رد اخر بأسي “ امروا الجيش بالانسحاب الشامل”
فزع طارق من هذا الخبر وأنسكب الشاي من يدي عمر فلماذا الانسحاب الشامل طالما ان هنالك طائرات جديده في الطريق يمكنهم بواسطتها حمايه سماء قواتنا؟ ولماذا التسرع في اتخاذ هذا القرار المفاجئ ؟؟
وأختلط الحديث بين الرجال ما بين مؤيد ومعارض ، ودام الحوار وقتا من الزمن .
بورسعيد الساعه الرابعه عصرا
بدأ شعاع من الضوء يصل لعيني أحمد ليزيح السواد الذي لفها ، وبدأت الاصوات تصل الي مسامعه ببطء ، وما ان بدأ عقله في العمل بنشاط ، أعتدل في جلسته فجأه ليجد نفسه في مستشفي وبجوارة يجلس جندي للشرطه العسكريه
وما ان رأه الجندي حتي تحدث بصوت هادئ ”حمد لله علي السلامه يا فندم”
تجاهل أحمد جمله الجندي وسأله “ أنا فين ؟؟؟”
رد الجندي “ في بورسعيد”
حاول أحمد الوقوف لكن الجندي نصحه بعدم الحركه ، لان لديه تعليمات بذلك
حاول أحمد ان يثني الجندي عن اوامره طالبا بأجراء مكالمه تليفونيه الا ان الجندي رفض، وبدا وان النقاش سيتحول الي معركه لولا انسحاب الجندي من الغرفه لثوان تبعها دخول رائد من القوات المسلحه الي الغرفه ، عرًف الضابط نفسه لاحمد بانه من قياده منطقه بورسعيد، وبدأ في طرح اسئله شخصيه علي أحمد
وبعد دقائق من الاسئله المتواليه صاح أحمد بعصبيه ” انتوا بتعملوا معايا ليه كدة ؟؟؟”
“انت عارف ان الوضع مش مستقر دلوقت ، وكنا عايزين نتأكد من هويتك ، إحمد ربنا ان جماعه المقاومه مقتلوكش لما شافوا مذبحه الاسري “رد الضابط بهدوء تام
كان أحمد متأكدا ان هذا الضابط هو ضابط مخابرات حربيه وان ما يجري ما هو الا استجواب للتأكد من شخصيته
أحمد” أطلبوا العقيد تحسين زكي قائد مطار فايد وأسئلوه عني ، او حتي خلوني أتكلم معاه ، هو هيأكد لكم انا مين”
رد الرجل بهدوء ” ده ملوش لزوم “ تساءلت عيني أحمد
فأجاب الرجل” لاننا بالفعل أتصلنا بيه،وهو أكد علي كلامك ، وطلب مننا نوفر لك وسيله إنتقال لمطار أنشاص ، بس انا كان لازم اتاكد الاول واطابق كلامك مع كلام العقيد تحسين”
أحمد متعجبا “ وليه أنشاص ؟؟”
الرجل “ والله هيه دي التعليمات”
أحمد” يعني أقدر أمشي دلوقت ؟؟”
الرجل “ايوة بس، ممكن تكتب لنا تقرير بكل اللي شفته بيحصل مع الاسري، علشان نرفعه للصليب الاحمر”
أحمد بفراغ صبر “ وأقدر امشي بعدها ؟؟”
الرجل “ علي طول”
وقام الرائد ، وسلم احمد السلاح الذي أخذه رجال المقاومه منه كذلك تحقيق شخصيته والمصحف، وقبل ان يغادر الغرفه أستدار تجاه أحمد “ لما تكتب التقرير ، سيبه مع العسكري ، هتلاقي ورق وقلم علي الترابيزه ، وقدام المستشفي هتلاقي عربيه منتظراك” كتب أحمد تقريرا مفصلا عما رأه ولم ينس ذكر رقم الطائرة الهليكوبتر ونوعها كذلك اوصاف الضابط الاسرائيلي وعندما انتهي خرج من باب غرفته وسلم الجندي التقرير طالبا منه ان يساعده في الوصول الي السياره .
أستقل أحمد السيارة وقبل ان تغادر بوابه المستشفي تقابل مع قائد وحده المقاومه الذي اسره منذ ساعات ، كان الرجل يقف مع الرائد الذي أستجوبه ، وعندما لمحه قائد المقاومه فاستوقف السيارة وتقدم الي احمد معتذرا ،وتقبل أحمد أعتذار الرجل مقدرا لظرف الزمان والمكان الذي وقعت فيه الاحداث، كذلك الضغوط النفسيه الذي يتعرضون لها حيث تواترت انباء عن سقوط طيارين اسرائيليين يتحدثون العربيه
أنطلقت السيارة من المستشفي الي ضواحي بورسعيد الخاليه من الماره تقريبا ، ثم ما لبثت أن أنطلقت علي الطريق السريع المؤدي الي الاسماعيليه ومنها الي طريق القاهره ، وطوال الطريق شاهد احمد الجيش المصري مهزوما فلم تكن المعدات مدمره ولم يكن هنالك قتلي بين الجنود أو حتي مصابين ، لكن مجرد جيش ينسحب بأقصي سرعه عائدا، المئات من العربات تحمل الجنود تسير بدون نظام في أتجاه القاهرة ، عربات ومدرعات مكانها علي الجبهه ، تسير في أتجاه القاهرة ، لماذا؟ لم يعلم أحمد لماذا ، لكنه فقط شاهد مذهولا ما يحدث وعقله يجري ملايين العمليات الحسابيه ، والسؤال الذي الح في عقله بشده ولم يجد له اجابه متي صدر الامر لهذه القوات بالانسحاب لكي تكون الان علي مشارف القاهرة وعلي بعد أربعمائه كيلو متر تقريبا من المكان المفترض ان تكون به؟
ودهش عندما اجابه عقله بأن هذه القوات لو قطعت مائه وخمسون كيلو متر يوميا في طرق سيناء الشديده الوعوره والصعوبه فأنها تكون قد بدأت الانسحاب قبل قيام الحرب ، فلا يمكن لهذا الحجم الهائل من هذه القوات ان يتحرك تحت سيطره العدو الجويه وقصفه المستمر أكثر من مائه كيلو متر في اليوم وهو امر منطقي .
فتعطل عقل احمد لثوان وهو يشاهد ذاهلا القوات تنسحب في أتجاه القاهرة بهذا المنظر الغير منظم وعقله يعطيه استنتاجات غير مفهومه لكنه رد علي نفسه بسخريه
“ وما الذي حدث خلال اليومين الماضيين مفهوم اصلا”
سارت سيارته متخطيه سيارات الجنود ، في البدايه كان يتفحص ملامح الجنود البائسه الحزينه ، وبعدها لم يعد يكترث بالنظر اليهم أنما القي بكل همومه وأستنتاجاته وراء ظهرة فلديه واجب محدد ومعين ، كطيار مقاتل ، مهنته القتال والحرب فقط ليس اكثر من ذلك ، وليدع لجمال عبد الناصر والمشير عامر وشمس بدران مسئوليات التخطيط والتنفيذ .
فهو يؤدي واجبه ويضع حياته علي المحك في كل ثانيه ، فهل من المعقول أيضا أن يحمل نفسه عبء تحركات القوات ، فما يدريه بالتكتيك العسكري ، وكان ذلك هو المهرب الذي فر منه احمد لتفادي الانهيار العصبي من هول منظر جيش مكسور ومهزوم ومنسحب من المعركه مذلولا .
تخطت السيارة مدينه الاسماعليه بمسافه ، وقبل غروب الشمس بقليل لمح احمد من بعد ذيل لامع لطائره مصريه محطمه خارج الطريق، فأستدعي كل حواسه للانتباه الي هذه الطائره التي تقترب منه في الاتجاه المعاكس لطريقه أستطاع ان يميز ذيل الطائره السوخوي والتي كان جزء من بدنها يلمع تحت الشمس الغاربه بينما الباقي مختف بين الرمال.
أحساس ما دفعه ليطلب من السائق بأن يتوقف ، وعبر أحمد الطريق ومشاعر مختلطه تدور في وجدانه مع كل خطوه يقترب فيها من الطائره ، وعندما وصل اليها وجد الذيل فقط مازال سليما بينما باقي هيكل الطائرة محترق تماما ،استند قليلا علي الجنيح الخلفي للطائره ليلتقط أنفاسه بينما عقله مع الطيار الذي دفعته الظروف لمحاوله الهبوط علي الطريق .
هاجس مخيف مر بذاكرته جعلته يبدأ في كشط الركام من جزء من مؤخره الطائره ، في هذه اللحظه وصل السائق وتساءل في دهشه عما يفعل أحمد لكن أحمد لم يعره انتباها وواصل كشط الركام الاسود من تلك المنطقه بعصبيه ، حتي ظهر أول رقم الطائره ببطء ، ومع توالي ظهور الارقام توالي أحمد في الكشط بسرعه وعصبيه أكبر واكبر ، وفي النهايه ظهر الرقم الثلاثي للطائرة ، وكمن مسته صاعقه فقد أرتد للوراء في صدمه وفزع حتي وقع علي الارض ، لقد تذكر هذا الرقم المشئوم أنها طائرة مدحت المليجي بالتأكيد ، كيف يمكن أن ينسي مشهد طائرة مدحت وهي تقلع وعينيه تلتقط الرقم ، زالت صدمته سريعا فأنتفض مذعورا تجاه كابينه الطائرة والتي غاص جزء منها في الرمال ، وهنا انهارت دفاعاته وامانيه ، فغطاء الكابينه مكسور من الخارج ، ومقعد الطيار ما زال بها بينما الدماء واثار الحريق تملئ جنبات الكابينه .
توقف الزمن تماما باحمد وهو يري المكان الذي أستشهد فيه مدحت المليجي ، زميله في السلاح والاقرب اليه من شقيقه في الاخوة والصداقه والمحبه و.. و.. و.. أشياء كثيره تصعب أن تفسرها كلمات ، تلك الرابطه القويه التي تنشأ بين رفاق السلاح
كانت العبارة الوحيده التي تتردد بأستمرارفي عقله “ مدحت مات” “مات ..مات “ تكرار العباره وسط ضخب شديد جعلته يكاد يفقد أنفاسه من شده تسارعها فاستند علي غطاء الكابينه ساندا رأسه، محاولا فعل أو قول أي شئ فلم يستطع حتي الدموع أبت ان تخرج من عينيه ،حاول السائق مساعدته لكنه نهره بشده وحزم اخاف السائق فأبتعد
محركات عقله توقفت عن العمل بينما اصداء الجمله تتردد بلا توقف فحاول أن يبكي ، وحاول بشده لكنه لم يستطع ، ذكرياته مع مدحت تتدفق في سرعه لتصطدم بما يراه الان أمامه ، مشهد المقعد المحترق والممزوج بدماء صديقه يطل ببشاعه امامه ، لا يمكن لاي طيار ان ينجو من هذا المكان ، هكذا تحدث عقله الخبير فقد حاول ان يمني نفسه بنجاه مدحت لكن خبرته العمليه وقف حائطا قويا لتمنع امانيه من الاستمرار .
لم يعرف كم من الوقت مر عليه وهو واقف يحدق في مقعد الطائره ، لكن الشمس غربت وأختفت تفاصيل الطائرة التي غاصت في الظلام تاركه الذيل يشق عنان السماء بمفرده .
تنبه الي نداء سائقه له، فنظر اليه بدون أن يسمعه أو يفهم شيئا لكنه اشار اليه بالمضي ، ومضي بعده الي السياره ، وتحركت السيارة وعينيه لا تفارق الطائره المحطمه في ألم حتي اختفت وسط الظلام .
فكر أحمد في امور كثيرة ، فكر في عائله مدحت ووقع الخبر عليها الان ، فكر في زملائه وقادته ، فكر في نفسه وعن مصيره ، فقد شارف علي الموت مرتين في هذا اليوم وكتبت له النجاه ، فلماذا ينجو هو بينما يموت مدحت ، انها مشيئه الله هكذا صًبر نفسه ،أحس ببركان يعتصر اعصارا داخله لم يعد شئ في مكانه داخله ، ولم يعد شيئا كما كان من قبل ، ولن يكون الغد بمثل اليوم أو امس ، فالغد سيكون أشد مرارة وقسوة من اليوم وامس .
سارت السياره بسرعه وأحمد صامت تماما ، ففي هذه اللحظات كان كالثعبان ينسلخ من جلده ، ليهيئ لجلد جديد أن يطفو علي السطح ، فقد بدأت نظرته للحياه ولعمله تتغير ، فأمامه هو وزملائه عار يجب أن يمحا ، وثأر لابد من أخذه ولابد وأن يكون الثمن غال جدا جدا ، فحياته أصبحت كحبه رمل صغيرة في صحراء شاسعه ممتده ، فليس لحياته قيمه وسط من أستشهدوا وواجهوا الموت بشجاعه ، وهو ليس أقل منهم شجاعه وأذا اتاه الموت فمرحبا به لكن لابد وان يموت مرفوع الرأس وهو يؤدي واجبه بشرف
أجتازت السياره المسافه مخترقه جحافل من سيارات الجيش التي تنسحب عائده للقاهرة ووصلت السياره الي بوابه مطار إنشاص بعد ساعتين تقريبا ، وبعد اجراءات الامن المعتاده ، سمح له بالدخول ، حيث شاهد زملائه بجوار العقيد تحسين في ارض المطار.
كان الظلام قد حل عندما فوجئ الجميع بأقتراب أحمد منهم، فأسرع السمري محتضنا أحمد بقوة لكن بفتور، هكذا أحس أحمد وتسارع الجميع مرحبين به، لكنه ومن بين حشد الطيارين أخترق نظرة الجميع متجها الي عيني العقيد تحسين، ومتجاهلا عبارات الترحيب به من العقيد تحسين ، قال أحمد بصوت متحشرج يكتم وراءه حزن عميق "مدحت أستشهد يا فندم" فنكس الرجل رأسه وأومأ أيجابا، وصمت الجميع من حوله، بينما أعتصرت يد السمري كتف احمد، فالكل يعلم مدي الترابط القوي بينهم، نظر احمد الي عيني السمري والتي كانت تدمع، فتهرب السمري من نظراته، ومحاولا تغيير مسار الحديث تساءل أحمد "فيه اخبار عن خميس ومعتز وبخيت؟" رد السمري "قدرنا نعمل اتصال مع خميس،هوا بخير في العريش اما بخيت ومعتز فمفيش عنهم اخبار" أحمد "أمال احنا هنا ليه"
العقيد تحسن "صدرت لنا الاوامر بأخلاء المطار والتمركز هنا، لان المطار بقي معرض لمدفعيه العدو"
نكس احمد رأسه "علي بركه الله ، هنقاتل ولو حتي من الصعيد ، مش مهم نحارب منين بس لازم نحارب وناخذ بتارنا" تعالت صيحات الموافقه علي جمله احمد من الجميع وقد لمسوا محاولته الهروب من أحزانه مؤقتا بالحديث عن اي امور أخري غير مدحت، رغم أن احزانه تطل علي وجه في وضوح صارخ
مازال الحديث دائرا في ارض المطار بين الرجال ، بينما يعمل الفنيين علي تجهيز اكبر عدد ممكن من الطائرات المتيسره ، فرغم ان مطار إنشاص والذي يقع قرب مدينه بلبيس بمحافظه الشرقيه قد تعرض لاعنف قصف جوي يوم الخامس والسادس من يونيو ، الا انه رجاله قد قاموا بعمل المستحيل لاعادته للعمل في أسرع وقت ونجحوا في ذلك ، وأصبح هو المطار الرئيسي الذي يتجمع به من تبقي من فلول قواتنا الجويه العائده من سيناء.
وكانت روح الضباط والجنود بالمطار عاليه جدا وهناك تصميم علي العوده للقتال ، مما ساعد في رفع معنويات الضباط والجنود العائدين من سيناء
بعد وقت قليل دخلت سيارة نقل الي أرض المطار ، ونزل منها عدد من الطيارين فتمتم السمري
"دفعه تانيه من الطيارين وصلت، يا تري دول جايين من أي مطار؟"
بعد لحظات أنفصل أثنان منهم واتجهها تجاه العقيد تحسين ، واديا التحيه العسكريه للرجل وعرفا نفسيهما له
"ملازم أول عمر الشاذلي تحت أمرك يا فندم"
"ملازم أول طارق عزالدين تحت امرك يا فندم"
فرد الرجل تحيتهم وصافحهم فتقدم طارق بورقه ،قرأها العقيد تحسين جيدا ثم اردف "أهلا وسهلا معانا يا رجاله"
وقام بتعريف عمر وطارق الي زملائهم الطيارين
ثم أستكمل موجهها حديثه لباقي الطيارين” طارق وعمر معانا من النهارده يارجاله”
ثم اردف” أنتم تحت قياده النقيب أحمد ، عايزكم تكونوا معاه علي طول “
ثم أمر الجميع بالانصراف والتجمع مع اول ضوء لان لديهم عمل مكثف من الغد
أنصرف العقيد تحسين بينما تجمع باقي الطيارين يصافحون زملائهم الجدد في فتور ويتعرفون عليهم ، أثناء ذلك حضر أحد ضباط المطار والذي سيدلهم علي اماكن المبيت في المطار وينظم حركتهم ، ووسط هذا الحشد من الطيارين تحول الحديث من اماكن المبيت الي الحرب وبدأ النقاش ، فبعض الطيارين كانوا فزعين من الانباء التي تواترت بأن القوات الاسرائيليه بدأت في عبور القناه متجهه صوب القاهرة وأنه ليس لدينا قوات لصدها ، وتعالي الغضب بين الطيارين من هذه الانباء وأشتدت حده المناقشات
لكن أحمد تدخل بصوت صارم هادئ لم يعهده المقربون منه من قبل مؤكدا للجميع انه كان علي ضفاف القناه منذ ساعات وأن القوات الاسرائيليه ليست علي مقربه منها ، وأن الشائعات أو الاخبار المضلله هدفها هدم الروح المعنويه واستكمل “ احنا دلوقت معندناش الا روحنا المعنويه ، ولو العدو قدر يهزمها كمان تبقي البلد راحت خلاص ، لكن روح القتال هي اللي هترجع اللي راح”
كانت كلمات احمد تخرج لتصيب عقل ووجدان كل طيار صغير أو كبير حوله، فالروح المعنويه لو أنهارت لانهار معها كل شئ ، وهو كضابط يجب ان يحث زملائه وجنوده علي القتال والصمود
وبينما أحمد يتكلم محثا الرجال علي القتال وأن الامل مازال موجودا ، لمعت عيني طارق ببريق غريب وظهرت الابتسامه علي وجهه بأستحياء، فقد وجد في كلام أحمد الدواء الشافي ، أما عمر فقد مس كلام أحمد ونبرة صوته الهادئه صميم قلبه ، فترقرقت الدموع في عينيه
في هذه اللحظه تدخل السمري في الحديث مستكملا حديث أحمد بحماس وقوه ، “ أحنا خسرنا زملاء وأخوات لينا في اليومين اللي فاتوا دول ، وأكيد كل واحد منكم خسر حد قريب منه … لازم منسبش دم زملائنا يروح هدر ، كل واحد فينا لازم تكون له حربه الخاصه مع ولاد الكلاب دول ، كل واحد لازم ياخد بتار زملائنا ، لان محدش غيرنا هيقدر يمسح العار ده ، ولو كنا خسرنا جوله ، فالمعركه لسه طويله وصعبه ، والجاهز منكم بس هو اللي هيقدر يرد عليهم ، اما اللي حاسس انه ميقدرش او أعصابه مش جامده ، ممكن يسيب مكانه لحد تاني ، وكل واحد لازم يسيب مشاعرة واحزانه وراه لما يركب الطيارة ويكون تركيزه كله في اننا لازم ندفعهم التمن ، و اللي انا شايفه واضح في وجوهكم ، إن كل واحد منكم قد المسئوليه “
توقفت كلمات السمري عندما وجد ان الجميع قد تأثر بكلماته ، ودمعت أعين البعض ، ففضل ان يتوقف للحظه ، وأستطرد بعد ثوان ” من بكره، لازم ننسي كل اللي حصل وننسي أحزاننا ، ونحط حاجه واحده بس قدام عنيننا ، الانتقام و…التار بس ، من بكرة كل واحد منكم يكون جاهز 100% لتنفيذ اي تعليمات ، من بكرة الصبح لما الشمس تتطلع ، يكون كل واحد منكم بقى واحد جديد، بقى وحش وفايتر ، هدفه الوحيد تنفيذ واجبه باتقان شديد وتصميم وعنف ، كل طلعه لازم نعمل فيهم خساير ، وكل طلقه وصاروخ لازم تكون في قلبهم”
ثم أنصرف السمري بعد كلماته التي الهبت عقول زملائه واثرت كثيرا في كل منهم وبالفعل فقد كان كل منهم يتغير من داخله ، كل منهم يقتلع اليأس من جذوره
بعد قليل دخل احمد بصحبه طارق وعمر الي غرفه حيث تم تسكينهم بها معا مؤقتا نظرا لاكتظاظ المطار بالطيارين ، الصمت هو الحوار السائد بين ثلاثتهم بعد حديث السمري الحماسي، الكل غارق في تفكيره الخاص ،أرتمي احمد علي أحد الاسره بينما أتجه طارق وعمر كل الي سرير ، التصقت نظرات أحمد بسقف الغرفه محدقا مسترجعا كل ما مر به في هذا اليوم بينما عمر وطارق يغيران ملابس الطيران .
يقطع عمر الصمت موجهها حديثه لاحمد ” مش هتغير هدومك يا فندم ؟؟” أومأ أحمد لكنه لم يرد ،
ومازالت عينيه تتعلقان بالسقف صامتا ، وحاول عمر ان يواصل أسئلته لكن طارق أشار له بأن يترك أحمد في سبيله
بعد قليل قام أحمد وخلع ملابسه وظهرت عينيه دامعه، وبدأ في غسل قفازات الطيران الخاصه به في عنف ينم عن غضب مكتوم ، كانت عيني طارق وعمر تتابعانه عن كثب، وعندما فرغ كان قفازه قد عاد ناصع البياض فأشعل سيجاره، وجلس علي سريره صامتا
فتساءل طارق “ انت كنت في مهمه النهارده يا فندم ؟”
أومأ أحمد أيجابا واستكمل بمضض “ كنا بنضرب مطار العريش”
أحس طارق وعمر بالغرابه للحظات ، فلم يتعودا علي هذه العباره ، فمازال بعقل كل منهم ان مطار العريش مصريا ، وتعالي الاحساس بالمرارة عندما تذكرا انه أصبح اسرائيليا الان ويجب تدميرة كأي هدف اسرائيلي أخر
“دا كان مطارنا قبل ما ننتقل لمطار السر” قال عمر بحزن “هما اليهود لحقوا يشغلوه ؟” تساءل طارق واومأ احمد وهو يشعل سيجاره اخري “ في خساير عندنا من تشكيل سيادتك ؟؟” تساءل طارق وهو يحس بأن أسئلته قد تشعل الغضب المكبوت الظاهر علي وجهه احمد في أي لحظه، الا ان احمد اجاب بأسي “خسرنا كل طيارتنا” أندهش عمر وطارق وتسائلت أعينهم فأجاب أحمد
“مكنش معانا وقود كفايه نرجع ، وأضطرينا ننط قرب القنال”
نكس طارق راسه وتمتم “ هوا احنا ناقصين نخسر طيارات تاني كمان ؟؟”
لكن عيني أحمد برقت فجأه وصاح بحماس ”بس ادينا ولاد الكلاب علقه جامده ، ضربنالهم الممرات ووقعنالهم طيارتين ميراج” هنا قفز عمر الي مقدمه السرير متحفزا متسائلا عما حدث ، فأي خبر سعيد هو طوق نجاه لمعنوياتهم والتي هي في اشد الحاجه الي الانتشال
مضي وقت طويل والثلاثه يتحدثون في غرفتهم عما حدث لكل منهم ، الكبوات والانتصارات ، وأصبحت فجأه ذكري الشهداء دليل علي الامل ، فقد قاتلوا وادوا واجبهم ، ومضي الوقت حتي أرهقهم الحديث ،فأرتمي كل منهم علي سريره وعقله يسير في أتجاهه الخاص
الثامن من يونيو 1967
الثامنه صباحا
كان صباحا جديدا بالفعل علي كل الطيارين ، فقد وصل عدد من الطائرات الجديده للمطار وأصبح لكل طيار في المطار طائرة خاصه به كما كان قبل الحرب ، وتم توزيع الطائرات علي انحاء المطار لحمايتها ، كذلك تم أصلاح الممرات جزئيا وازاله الركام، وأرتفعت معنويات الطيارين وهم مهتمين بتجهيز وتسليح طائراتهم استعدادا لاي مهام جديده ، وبكل حماس الشباب كان العقيد تحسين يتحرك وسط طياريه ليشد من ازرهم ، تم الاتفاق علي ان يكون تشكيل أحمد من طائرات الميج 21 مكونا من طارق وعمر في البدايه فقط علي ان يكونا مستعدين لتنفيذ أي مهام في أي وقت، ورغم كل الحزن والاسي والمرارة التي تملئ جنبات كل فرد بالمطار الا ان الجميع وبلا أستثناء كانوا سعداء باستعدادهم وتحمسهم لخوض معارك في اي وقت .
وبجوار طائرته وقف العقيد تحسين وبجوارة السمري بملابس الطيران وعندما وصل أحمد ، بدأ الرجل في اعطاء تعليماته لأحمد “ فيه اوامر أننا نطلع الساعه تسعه نستطلع ممر متلا”
برقت عيني أحمد فهاهي اول فرصه للانتقام لمدحت وبقيه الشهداء ثم أستطرد الرجل
“الفرقه الرابعه المدرعه صدرت لها الاوامر بالعوده شرق القناه والدفاع عن ممر متلا بأي شكل ولاخر طلقه” ، قاطعه أحمد صائحا بحماس” الله أكبر- الله أكبر أخيرا هنهاجم”
أستكمل العقيد تحسين “ الاوامر اننا نستطلع الممر ونشوف لو الاسرائيلين وصلوا ولا لسه ، علشان نبلغ الفريق الغول قائد الفرقه الرابعه ، هتطلع معايا ومعانا السمري ، وباقي التشكيل بتاعك هيكون جاهز حاله اولي علي اول الممر” رد أحمد بتمام تلقيه التعليمات، أستقل أحمد سياره عائدا الي تشكيله المنتظر علي اطراف المطار فرحا بهذه التعليمات الجديده فالطيران معناه الاشتباك والاشتباك معناه الانتقام وهو لا يضع امام عينيه الان سوي الانتقام فقط
وبينما هو عائد دوت صافرات الانذار في المطار ، فزاد من سرعه سيارته لكي يسرع الي طائرته ودارت عينيه تمسح السماء بحثا عن طائرات العدو، وبينما عمر وطارق يديران محركات طائرتهم ، أقلعت بسرعه من أمامهم أربع طائرات ميج 21 للتصدي للطائرات المهاجمه التي أقتربت وبدأت تحاول قصف المطار مره أخري لكن هذه المره كانت طائراتنا لها بالمرصاد وأقلعت تحت قصف العدو الجوي، وبينما أحمد يغادر سيارته ركضا نحو طائرته سمع صوت محركات طارق وعمر يخبو !!
فنظر الي طارق الذي أشار بأشارة وجود تعليمات لاسلكيه بوقف أي أقلاع وأخلاء الطائرات
فأمر أحمد زملائه بالهبوط من الطائرات والابتعاد عنها حيث تمثل هدفا سهلا وأنبطح ثلاثتهم في أحد الخنادق المجهزة بجوار الطائرات ، يتساءل عمر عن سبب الغاء الاقلاع، وبينما نظرات الثلاثه لا تفارق المعركه الجويه الدائرة الان في السماء بين أربع من طائرتنا وست من طائرات العدو وتقلع طائرتي الحاله الثانيه من طائراتنا، لتعزير الدفاع، فيرد أحمد علي تساؤل عمر ”ده السبب يا عمر،فيه طيارت جاهزة وأحنا لسه بعيد عن الممر”
السعاده تغمر كيان طارق وهو يشاهد المعركه الجويه فهذه المره لم نترك لهم الفرصه لضرب الممرات وأستطعنا ان نحمي المطار باليقظه الشديده، وبعد ثوان قليله أتخذت المعركه الجويه موقعا بعيدا عن انظار الرجال ، فقام الثلاثه من خنادقهم ، واذان كل منهم تحاول ان تسترق السمع لصوت أي طائرات من بعيد
تساءل طارق عمن أقلع في الحاله الاولي ؟؟
فأجاب أحمد بأن الرائد نبيل شكري ومعه الرائد حسن القصري ، وعندما تساءل عمر عن سبب هذا السؤال أجاب طارق بأن سرعه رد فعلهم واقلاعهم الفوري الممتاز قد أنقذا المطار ، وبعد ثوان بدأت الطائرات المصريه في العوده وسط تهليل وتكبير الضباط والفنيين ، أحصى عمر خمس طائرات فقط عائده ، فقد خسرنا طائرة
أستدار أحمد لعمر وطارق “ انا عندي طلعه كمان نص ساعه مع العقيد تحسين وانتوا أجهزوا علشان هتكونوا طيارات تعزيز لنا” ثم أستدار تاركا الرجلين في حاله نشوي بينما أسرع هو لسيارته منطلقا للأطمئنان علي العائدين وتلقي أي تعليمات جديده، وصل احمد الي مكان تواجد العقيد تحسين بجوار الرائد نبيل شكري الذي هبط لتوة من طائرته كان الاثنان بجوار طائرة الرائد نبيل الذي كان يبكي بحرقه شديده بينما العقيد تحسين يحاول ان يهدئ من روعه ، توقف أحمد أمام هذا المشهد واستمع الي نبيل يقص بصوت مخنوق ” يا فندم والله انا كان ممكن اوقعه لو كان معايا مدفع ، أنا كنت راكب ديله وهو بيضرب علي حسن ومقدرتش اعمل حاجه” ثم أنخرط في بكاء عميق ما لبث ان تطايرت بعض عبارات وسط بكاءه “ كل اللي كان معايا صاروخين بس وضربتهم عليه لكنه هرب منهم ومقدرتش الحق حسن” فهم أحمد ان الرائد حسن القصري قد استشهد وذلك بسبب عدم وجود مدفع في طائرة الرائد نبيل والمخصصه للقتال الليلي فقط وهي حاله فريده في عدد من الطائرات التي اضطرتنا الظروف الي استخدامها ،وأن بكاء الرجل الشديد بسبب عدم قدرته علي نجده زميله ، تمتم العقيد تحسين ببعض العبارات التي تنفي مسئوليه نبيل عن أستشهاد حسن ، فأنفعل نبيل “ أزاي بتقول كدة ؟؟ أنا شفته بيموت قدام عنيا ومقدرتش أعمل له حاجه “ فأنفعل العقيد تحسين هو الاخر “ يعني كنت هاتعمله ايه؟ هتخبط بطيارتك في طياره العدو علشان تضربها ؟؟ انت مكنش ممكن تعمل أحسن من اللي عملته ، وده قدره انه يستشهد ، لكنك برضه حميت المطار وارواح ناس كتير كانت ممكن تروح لو سيبتوهم يضربوا المطار “ كانت كلمات العقيد تحسين الواضحه الشديده اللهجه كفيله بتهدئه نبيل قليلا ثم أمرة العقيد تحسين بأن يعود الي مسكنه للراحه ، و أستدار موجهها حديثه لاحمد بالاستعداد لتنفيذ المهمه ، بينما نظرات أحمد تتابع الرائد نبيل يسير منكس الرأس خائر القوي
وفي الساعه التاسعه تماما أقلع التشكيل تحت قياده العقيد تحسين ومعه السمري علي يمينه وأحمد علي يساره متجهين شرقا تجاه سيناء علي ارتفاع منخفض
ووصل التشكيل بسرعه فوق ممر متلا الجبلي ولم يشاهدا أي قوات اسرائيليه وتم التبليغ بذلك الي قياده الفرقه الرابعه ، وبناء علي أوامر العقيد تحسين واصلا تحليقهم تجاه الشرق ، بينما عيني أحمد تمسحان السماء فى ترقب وحذر بغيه رصد أي اهداف معاديه ، وقرب بلده نخل شرقي سيناء، رصد السمري مدرعات للعدو تهاجم قوة مشاه مصريه ، فتدخل علي الفور التشكيل وقصف عدد من دبابات العدو بالصواريخ ، بينما ظل أحمد يحمي التشكيل من ارتفاع أعلي ، وكانت سعادته برؤيه دبابات العدو تحترق لا توصف
وسرعان ما انهي العقيد تحسين الاغارة وافرغ كل ما معه من ذخائر فأستدار عائدا تجاه الشرق تاركا عدد من دبابات العدو تحترق بينما احمد يقوم بحمايتهم ، ومرا مره اخري فوق ممر متلا وأستمرا في الطيران غربا
كان السمري قد بدأ يبدي قلقه من تدني مستوي الوقود بطائرتهم، لكن العقيد تحسين لم يرد، وقرب حافه القناه شاهدوا تشكيلا مدرعا مصريا يقوم بالتجهيز للتقدم ، كان مشهدا جميلا لعشرات الدبابات المصريه وهي تستعد للتقدم في هجوم مضاد أنتحاري لمحاوله وقف تقدم العدو ، وهنا تذكر احمد صديقه مدحت المليجي ، فـ سمير المليجي شقيق مدحت ضابط بهذه الفرقه المدرعه، فدعا أحمد لهم بالنصر من أعماق قلبه ، فقد أصبحوا الامل الوحيد والاخير لمصر الان .
مر التشكيل فوق القناه ، حيث الجسور ممتده والقوات تتحرك عليها ، ولاحظ أحمد شيئا غريبا جدا لم يفهمه ، فبينما الفرقه الرابعه تتحرك شرقا للهجوم ، وجد عشرات الدبابات ومئات العربات تعبر علي الجسور قرب الاسماعيليه ، لكنها هذه المره تنسحب غربا !، لم يفهم أحمد شيئا مما يراه ، فقوات تتقدم وأخري تنسحب ! وأفاق من تفكيره علي نداء لاسلكي من السمري يستفسر منه عن مستوي الوقود، كان لدي أحمد وقود كاف للعوده ، لكن السمري والعقيد تحسين كانا يعانيان من تدني مستوي الوقود ،واستطاعا الهبوط بسلام قبل ان ينفذ الوقود بثوان .
وعلي الارض كانت انباء تقدم الفرقه الرابعه المدرعه هي حديث الساعه بين الضباط والجنود والفنيين وترقب الجميع أي أنباء عن نتيجه المعركه
وبعد الظهر بقليل جاءت تعليمات عاجله للعقيد تحسين بتقديم معاونه جويه للقطاع الاوسط بسيناء ، وعلي الفور أقلع تشكيل بقياده العقيد تحسين مرة اخري ومعه السمري والنقيب زكريا ابو سعده بينما يقوم تشكيل أحمد كاملا بحمايتهم .
أقلعت الطائرات الست في ثوان وتم عمل التنسيق لاسلكيا، فطار تشكيل أحمد وطارق وعمر في المقدمه لاعتراض اي طائرات مهاجمه
فور عبور التشكيل للقناه قرب الدفرسوار ، ظهرت اعمده الدخان الشديد علي الافق في وسط سيناء فتهلل أحمد ، فأثار المعركه لازالت موجوده وتمني الجميع ان تكون الغلبه لفرقتنا الرابعه المدرعه
لكن مع أقتراب التشكيل لممر متلا ، اصيب الجميع بالصدمه مما يرونه ، فالدبابات المصريه التي شوهدت هذا الصباح قد دمرت تماما ،وأصبحت مثل علب السردين المفتوحه تماما من تاثير الانفجارات ، ونظرا لان التشكيل يطير علي ارتفاع منخفض فقد استطاع الجميع مشاهده تفاصيل ارض المعركه بدقه، تلقت الاعين هول المنظر في صدمه ودمعت الاعين ، بينما كفت الالسن عن النطق فالعربات المحترقه وجثث الشهداء تملئ ارض المعركه ببشاعه، والنيران مازالت تلتهم المئات من العربات والدبابات، بينما تركت معدات أخري سليمه وأنسحب جنودها .
فتساءل السمري في أسي “ هيه دي الفرقه الرابعه ؟؟!، أمال فين دبابات العدو ؟؟”
رد أحمد بحزن شديد” دي انضربت بالطيران ، ملحقتش تشتبك مع دبابات العدو”
وهطلت الدموع مدرارا لتغرق وجه العقيد تحسين ، فقد ضاع الامل الاخير في تحسين الاوضاع وخسرنا الفرقه المدرعه الوحيده لدينا وأصبح الطريق مفتوحا الان امام العدو للتقدم صوب القاهرة ،وبصوت متحشرج يأس أمر العقيد تحسين التشكيل بالعوده للقاعدة ، فاستجاب الجميع في أسي وحزن ، فلم يعد هنالك ما يمكن ان يقدمونه لهذه الفرقه التي اوقعتها الاوامر الخاطئه وغياب التخطيط للقيام بمهمه انتحاريه تدمرت علي اثرها تماما
بينما التشكيل عائدا والصمت يصرخ بينهم ، تحدث عمر علي أستحياء ليفيد برصده غبار شديد تجاه ممر الجدي الي الشمال من ممر متلا ، وأستنتج انها من المحتمل ان تكون مدرعات اسرائيليه تتقدم ، لكن لم يرد العقيد تحسين وتواصلت دموعه في الانهمار ببطء ، تدخل السمري قائلا “ أحنا معانا وقود كفايه يا فندم ، ومعانا حموله كبيرة ، ميرضيش سيادتك أننا نرجع بيها” كان السمري يستحث قائده بهدوء علي مهاجمه اي اهداف قد يقابلونها لاطفاء لهيب الغضب واليأس بداخلهم ، وتعالت صيحات التوسل من باقي التشكيل لمهاجمه اي اهداف ، ورضخ العقيد تحسين لتوسلات طياريه ، فقد كان غضبه وثورته اكبر بكثير من هؤلاء الشباب الذين لم يعيشوا من قبل مرارة الانسحاب ، اما هو فقد عاصرة من قبل ويعلم مدي تاثيره علي الجميع
لذلك كانت رغبته في الانتقام تعادل بل وتفوق رغبه طياريه ، وعليه فأنحرف التشكيل متجها نحو اعمده الغبار التي تتصاعد ، واقترب الغبار أكثر فأكثر واتضحت الصورة ، فالقوات الاسرائيليه تتقدم صوب القناه بلا مقاومه ، والطريق ملئ بعشرات الدبابات والعربات المدرعه التي تتقدم بسرعه كبيره
أعطي العقيد تحسين اوامره لأحمد بأن يقوم تشكيله بالهجوم بالمدافع، بعدما ينتهي التشكيل الاول من القصف
انقض الطيارون الست بطائراتهم يقصفون الرتل المتقدم للعدو والذي فوجئ تماما بالهجوم المصري ، كان الغضب والرغبه في الانتقام تملئ كل طلقه وكل صاروخ تم اطلاقه علي العدو في دقه شديده ، وبداخل كل قنبله القتها الطائرات أطنانا من الحقد والكراهيه، وبعد دورتين من الهجوم ونجاح التشكيل في وقف تقدم رتل العدو وتدمير عدد من دباباته وعرباته أتخذ التشكيل طريق العوده ، واتخذ تشكيل أحمد وضعا متأخرا لحمايه الاخرين من أي تدخل معادي .
كانت المشاعر مختلطه ومتباينه لحد كبير بين الرضا بوقف تقدم العدو وتكبيده خسائر وبين اليأس من أن ذلك لن يغير في الموقف بأي شئ ، لكن أخراج الشحنات المكبوته داخل كل منهم أحسهم بالراحه
“ كله سلف ودين” قال عمر في اللاسلكي علي أستحياء
رد العقيد تحسن بهدوء “ يا اولاد .. الحرب لسه مخلصتش وهتيجي لكم فرص كتيرة علشان تاخدوا تاركم وتردوا الصاع صاعين لولاد الكلاب”
وعاد التشكيل الي مطار أنشاص ، وبناء علي تعليمات العقيد تحسين ، فقد اتجه الجميع الي غرفه الطيارين للراحه حتي تتم اعاده ملئ الطائرات بالوقود واعاده تسليحها
هرول باقي الطيارين للاستفسار من زملائهم بنتائج معركه الفرقه الرابعه ، وخيم الحزن والاسي وجوه الجميع عندما أخبرهم السمري في حزن بأن الفرقه الرابعه قد دمرت تماما، وتعالي اليأس الي اقصي درجاته بين الجميع ،ولم تشفع ملاحظه عمر لهم بأنهم دمروا عدد من دبابات العدو في طريق عودتهم في رفع جزء من اليأس من وجوه الجميع فكان البكاء الصامت هو القاسم المشترك لمعظم الطيارين ، فهم يشهدون مذبحه للجيش المصري بأكمله بدون ان يستطيعوا وقف أو تغيير ما حدث، وكانت نظريه المؤامره الدوليه والخيانه هي الاقرب الي عقولهم ، لكن احدا لم يفصح عما بداخله
وبعد قليل دخل أحد الضباط مخبرا الجميع بأن الرئيس عبد الناصر سيلقي خطابا مساء اليوم ، وقوبل ذلك بفتور بالغ من الجميع وتعالت عبارات السخط
“ هيقول أيه يعنى؟ “قال أحد الطيارين ، بينما تهكم أخر”مش كفايانا خطب وشعارات؟؟”
بينما تحدث أخر” ده كل اللي أحنا فالحين فيه خطب خطب لحد ما ودونا في داهيه”
كانت عيني عمر واذانه لا تصدق ما يراه ويسمعه عن الرئيس عبد الناصر ، ذلك الرجل الذي صال وجـال بمصر والعروبه في انحاء الدنيا والذي وضع لمصر ثقلا ووزنا في العالم كدوله ذات هيبه ، والذي كان الجميع يترقبون خطبه ويتابعونها لحظه بلحظه ويحفظون ما يقال فيها ، ثم تدخل احد الطيارين الشباب “ مش عبد الناصر بس هو المسئول، ده الكل مسئول ولازم يتحاكموا ، من أول اللي حط واحد زي شمس بدران وزير للحربيه!، يا جماعه دا مقدم ، ازاي يوصل لوزير حربيه كده وهو معندوش دراسات وعلم يوصله للمركز الحساس ده، لحد اللي ذبح الفرقه الرابعه انهارده”
تدخل طارق هو الاخر في الحوار “ يعني واحد زي مدكور ابو العز مثلا ، ده استاذ ومفيش اتنين يختلفوا علي امكانياته القياديه والعلميه ، يروحوا معينينوه محافظ أسوان، يعني الطيران خسر واحد زي مدكور ، وكنا محتاجينه جدا في المعركه جدا”
رد اخر بسخط” دي شغله الكويس هو اللي بعته أسوان بدل ما يكون قائد للقوات الجويه”
تدخل أحمد” والله يا جماعه ، انا شايف إن اللي حصل ده كان لازم يحصل علشان نصحي”
قاطعه السمري متسائلا” قصدك أيه يا أحمد”
أحمد موضحا “ يعني لو مكنش الحرب قامت وحصل اللي حصل ، مش كنا هنفضل زي ما احنا ؟، ويفضل اصحاب المعارف والقرايب هم اللي في القياده ، والمغضوب عليهم يطلعوا بره حتي ولو كانوا كفاءه نادره ، أنا معاكوا إن اللي حصل اليومين اللي فاتوا كانوا مصيبه علي البلد بكل الاشكال، بس لازم نتعلم منها ولازم نقف علي رجلينا بسرعه ، علشان اللي راح لازم يرجع ولو اليهود عدوا القنال ، لازم نستعد أننا نحاربهم في كل مدينه وقريه وبيت وشارع” كانت المناقشات حاميه، التعليقات ساخنه جدا ومتطرفه ، فأحد الطيارين طالب باعدام المتسببين في هذه الكارثه من أكبر قيادي الي الاصغر ، وعندما تدخل عمر مدافعا عن الرئيس عبد الناصر كأكبر قيادي وان المشير عامر هو المسئول عن الجيش ،
أنفعل هذا الشاب قائلا “ انت عايز تقنعني إن عبد الناصر ميعرفش حاجه عن الجيش؟ أزاي وهو القائد الاعلي للقوات المسلحه، بجره قلم منه كان ممكن يعيد كل شئ زي ما كان “
تدخل أخر” ما اللي حضروا المؤتمر في ابو صوير شافوا المشير بيقوله انه كله تمام وعلي مسئوليته الخاصه، يعني المشير قال انه مستعد للحرب وهينتصر ، انا كنت حاضر المؤتمر ده ، والريس قال ان الهجوم هيحصل يوم كذا وبالطريقه اللي حصلت ، دة اللي حصل فعلا بالضبط ، يعني الريس حذر الجيش من هجوم جوي ما بين يومي 5 و6 يونيو كأنه بيقرأ الغيب”
تدخل السمري متهكما “ انا كنت حاضر المؤتمر ده ، ويوم الضرب كان فيه 22 تحرك جوي صديق ، والدفاع الجوي مقيد”
أنتفض أحد الطيارين من مكانه “ علشان مش مصدقيني لما قلت انها مؤامره ، يعني الريس يحذر من هجوم جوي واحنا نعطل الدفاع الجوي ونوقف التدريب علشان البهوات رايحين جايين في السما ، والله انا شاكك في خيانه مش مؤامرة بس “
في تلك الاثناء كان طارق صامتا يشاهد ويسمع فقط ، لكنه كان سعيدا ايضا ، فالرجال بدؤا يفكرون ويحللون وينتقدون وهذا لم يكن موجودا في مخيلتهم من قبل وهذا يعني أن هناك فعل وعمل ، ففيما مضي لم يكونوا يفكرون ، فقط ينفذون ويتغاضون عما يرونه من سلبيات مثلهم جميعا ، مثل عمر والذي لم يري ما يحدث امامه حتي سقطت الاقنعه وازيلت الغشاوه بألم
مال عمر علي طارق مستفسرا عن سبب صمته ، وتوجهت الاعين جميعها تود معرفه رأي زميلهم الصامت
“ تعرفوا ، أنا صدمتي مش زي اي واحد فيكم ، لكن اقل بكثير”
تعالت نظرات الدهشه من وجوه الجميع بينما أعتدل أحمد في جلسته مركزا علي كلام طارق
“ أيوه ، متبصلويش كده كأني جي من القمر ، لا أنا كنت شايف وانتم لا ، كنت شايف اللي انتم رفضتوا تشوفوه ، مثلا عرفت زي كل واحد فيكم إن ميزانيه العرض العسكري بتاع 23 يوليو بتعدي خمسه مليون جنيه ، تعالوا نحسب الخمسه مليون دي تعمل كام دشمه طيارة تحميها من الهجوم ،ولما نطلب يقولوا لنا مفيش فلوس كفايه ، طيب بلاش الدشم ، فيه كام مطار عندنا فيه أكتر من ممر ، يعني ممرات تبادليه نطلع وننزل عليها ؟ …مفيش ولا مطار لان كل مطاراتنا فيها ممر واحد ، واظنكم شفتوا لما الممر بينضرب أيه اللي بيحصل ، والطيارات مش مموهه ،ومفيش رادارات تكشف الطيران المنخفض ولا دفاع جوي منظم ، والحكايه بايظه علي الاخر ، وبعدين يقولوا لنا نحارب ، نقول حاضر هنحارب ، وقبل الحرب يوقفوا المظلات الجويه ، يعني كمان نسيب لهم السما مفتوحه علشان لما ييجوا يضربوا ، ودلوقتي بس انتم جايين تتكلموا في الحاجات دي ، طيب كنتم فين من زمان ؟ ….. ، كل واحد فيكم كان شايف صورة غير الحقيقيه ومصدقها ، ودلوقت خلاص ، الواقع بقي قدامنا أهه ، أتكسحنا علي الارض ، علشان كل ده انا متصدمتش لما حصل اللي حصل ، بس انا سعيد ان كل واحد فيكم قدر يتكلم ويقول اللي جواه من غير خوف ، أصل ايه ممكن يحصل أكتر من اللي حصل ، لازم نتكلم بصوت عالي علشان يسمعونا ، كنا في الاول خايفين نتكلم علشان الكلام لو وصل لفوق ، كل واحد هيروح ورا الشمس ، واهه ادينا رحنا ورا الشمس بكتير من غير حتي ما نتكلم ، علشان كل ده أنا كنت شايف الهزيمه من زمان جدا ، يمكن من سنه 56 لما سابوا الفريق صدقي والمشير عامر في السلطه وهما معملوش حاجه في الحرب خالص وكان المفروض يجيبوا ناس دارسين وعندهم كفاءه علشان يمسكوا الجيش”
كان طارق يتكلم ويخرج بركان هائج من الكبت والاحباط ، ومس كلامه وترا حساسا بكل زميل له ، حتي عمر صديقه وزميله فوجئ تماما بكم الضغوط المكبوته بداخل طارق
بينما كانت عيني احمد وعقله يقيسان كل كلمه وكل رد فعل قام به طارق ، وكانت علامات الاعجاب تظهر علي أستحياء من تحليل طارق الجيد
وفي المساء عم الهدوء اركان المطار ، فقد قام معظم الطيارين بطلعات متعدده للدوريه، ونال الاجهاد بهم ، ورغم ذلك قبع الجميع من ضباط وفنيين وجنود امام جهاز التليفزيون الوحيد بالمطار منتظرين خطاب الرئيس
كان الصمت هو القاسم المشترك بين معظمهم مع أن عقول الجميع تعمل بقوه ، وتجلي ذلك في الكم الهائل من السجائر المشتعله بالمكان ،ودخل العقيد تحسين قبل دقائق من بدء الخطاب ،بينما أتجه أحمد الي النافذه مشعلا سيجارة جديده شاردا في الظلام المترامي حوله ، أما طارق وعمر فقد انهمكا في حديث مع احد الفنيين.
وعم الصمت مع بدأ النقل المباشر لخطاب الرئيس ، وفوجئ الجميع برجل اخر غير رئيسهم الذي أحبوة وعشقوة ، فالرجل الجالس امامهم في التليفزيون غير جمال عبد الناصر المرفوع الرأس المعتز بمصريته وعروبته ، فهو منكس الرأس تطل الهزيمه من عينيه ونبره صوته لدرجه ان عمر صاح بصوت عال
“ هو ده ناصر ؟؟؟” فقد كان غير مصدق أن الهزيمه من الممكن ان تنال منه أيضا ، وبينما خطبته تستمر شارحا الموقف الدولي وما الت اليه الاحوال ، والاسباب والدواعي التي ادت به لاتخاذ كل قرار قررة ، كذلك التواطئ الدولي ضد مصر والعروبه وما الت اليه الاحوال في فلسطين وسوريا والاردن من احتلال أراض اخري وفقدان سيناء كامله ، والاسباب والدواعي التي من أجلها قبل وقف أطلاق النار ، وبينما الرجل يشرح ذلك ويعلن تح
عدل سابقا من قبل mady في الأحد يونيو 27, 2010 7:27 am عدل 1 مرات
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
الجزء الثاني
الفصل الخامس
ما بعد النكسه
مرت عده أيام منذ بدأت الحرب، ولا يمكن لاشد المتفائلين في أسرائيل أن يتوقع ما حققته الضربات الإسرائيليه للجبهات العربيه المختلفه .
فقد تم أحتلال سيناء بلا عناء يذكر وتلتها الضفه الغربيه والجولان بسهوله أكبر، فقط سته ايام من الحرب، جعلت اربع عواصم عربيه في مهب الريح، فالقدس قد أحُتلت، وعاد اليهود لنفس طريق الالام الذي اقتادوا المسيح فيه منذ الفي عام تقريبا، وتعالى أنين الاقصي من الاسلحه التي حاصرته وفضت سلامه وأمنه
أما عمان الاردن فقد أصبحت علي مبعده خطوات من دبابات الإسرائيليين مثلها مثل دمشق التي لا تبعد هي الاخري كثيرا عنهم.
اما قاهرة الغزاة، فقد أنتظرت مصيرها بقلق بالغ، فعلي الرغم من بُعد القوات الإسرائيليه عنها بما يزيد عن مائه كيلو متر ووجود قناه السويس كمانع مائي، الا انه لم يكن هنالك ما يمنع الإسرائيليين من الوصول لها، في ظل حاله الانهيار في الجيش المصري والتي شملت كافه قياداته ووحداته والاهم من ذلك أنهيار معنويات جنوده وشروده وعزوفهم عن القتال.
ورغم تغيير قيادات الجيش فمازال الانهيار والتشتت والضياع يلف كافه وحدات الجيش وينخر عظامها بقوة، فالقاده يبحثون عن وحداتهم التي تشتت وضاعت معداتها بين سيناء والطرق المختلفه في أنحاء شرق مصر، والجنود مازالوا يتجهون صوب قراهم ومدنهم وقد اعطوا ظهورهم للجبهه .
وبين كل هذا الواقع الكئيب وإنعدام الامل في المستقبل، كان نبض الامل موجود وحي داخل القواعد الجويه المصريه، والتي أغلق الرجال ابوابها علي انفسهم محاولين أستعاده الحياه مره أخري، فقد أصيبت القوات الجويه في مقتل وتبعثرت أشلائها، لكن العقل لم يمت والقلب ما زال يضخ دما فكان طبيعيا ان تستجيب الاطراف.
كان بكل قاعده قاده وضباط يعملون جنبا الي جنب مع الجنود والمهندسيين والفنيين لتجهيز قواعدهم مره اخري للعمل، وازاله كم هائل من مخلفات القنابل الزمنيه الغير منفجرة بعد الدمار الذي حل بكل شبر فيها .
وفي قاعدة إنشاص الجويه والتي تلقت ضربات شديدة ومؤثرة، فقد دبت فيها الحياه بسرعه البرق، وعادت القاعده للعمل بصورة جزئيه بفضل جرأه وبساله الطيارين والمهندسين، واستطاعت هذه القاعده القيام بعدد كبير من الطلعات الهجوميه والدفاعيه وأصبحت مثال حي على ان القوات الجويه مازالت حيه.
الخامس عشر من يوينو 1967
مطار إنشاص :
طلب العقيد تحسين لاسلكيا من أفراد تشكيل النقيب أحمد للحضور الي مكتبه، تجمع أحمد وطارق وعمر أمام مكتب قائدهم وقد علا الاجهاد علي وجوه الجميع وطالت اللحى وزاغت الاعين من فرط التعب، فيالها من اياه عصيبه وقاسيه مرت بهم ونالت منهم
وفور دخول الثلاثه للمكتب، أخبرهم العقيد والذي ضاع صوته من فرط التوتر والارهاق، بأن وقف اطلاق النار مازال متماسكا، وان لديه عدد كبير من الطيارين يفوق عدد الطائرات، لذلك فقد قرر منح الثلاثه أجازة أجباريه 24 ساعه، ضمن فوج كبير من الطيارين .
علي الفور أعترض الثلاثه في وقت واحد، فليس الوقت مناسبا بعد للاجازة هكذا تعللوا، ويجب ان يظلوا بجوار زملائهم فالبلد في حرب، لكن الرجل بحزم صرح بأن ذلك أمر غير قابل للنقاش، وان الاجازة ستكون من السادسه مساء اليوم، ثم امرهم بالانصراف
وقبل ان يغادروا، وكمن تذكر أمرا، أضاف الرجل ((بلاش ترَوِحوا بالميري، البسوا ملكي احسن))
نظر الثلاثه لبعضهم البعض في دهشه وظهرت الاسئله من هذا الامر الشاذ من قائدهم، خرج الثلاثه الي ارض المطار متجهين الي مكان اقامتهم خلال الايام الماضيه، تحت اجنحه طائراتهم، حيث ينتظرون اي طارئ، كانت فكرة عمر ان يعسكروا بجوار الطائرات ورحب طارق واحمد بها بشده، وأثناء سيرهم، صاح أحمد معترضا (( أنزل اجازة أعمل ايه؟ انا بيتي بقى هنا وحياتي هنا، انزل مصر اعمل ايه ؟ طيب لو حصل حاجه هاعرف ازاي ؟؟))
عمر ((الواحد فعلا مش عارف هيحط وشه في وش اهله ازاي بعد اللي حصل ده ))
طارق ((يا جماعه، العقيد تحسين عنده حق، فيه طيارين كتير لكل طياره، وبرضه أكيد كل واحد هياخد له دور في الاجازة وخصوصا ان فيه وقف إطلاق نار، بس فكروا معايا في اهلكم، مش برضه محتاجين اننا نطمنهم علينا، ثم دول كلهم 24 ساعه بس ))
لمس كلام طارق وترا حساسا بداخل كل منهم، فأنزوي كل منهم بجوار طائراته يحاول ان يسترجع ذكريات اهله التي تاهت من عقل كل منهم وسط أحداث الحرب والامها ومعاناتها، وكيف غادر منزله اخر مرة بطلا والان يعود اليه مهزوما مدحورا.
أستند أحمد علي صاروخ مثبت في طائرته يدخن سيجاره وشرد عقله مع كل ما دار في الايام السابقه تلك الايام التي حفرت بالدماء والالم في عقله، جال مدحت في عقله بأبتسامته واناقته المميزة ونقاشتهم والمدعبات التي لم تكن لتنتهي لولا قضاء الله، وتذكر هؤلاء الجنود المساكين الذين قتلوا امام عينيه بدون رحمه، فترقرقت دمعه ساخنه علي عينيه وانزلقت سريعا ومسحها أحمد بسرعه وهو ينظر حوله خوفا من ان يكون اي من زملائه او الفنيين قد لاحظها، لكن كل من الرجال المنتشرين حول طائراتهم لم يكن يلاحظ، فكل منهم في عالمه الخاص وهمومه الشخصيه.
فبينما عمر وطارق يجلسان صامتين، كان الفنين يفترشون الارض وهم يشربون اكوابا من الشاي والحديث لا يتوقف بينهم .
اما بقيه الطيارين فهم منتشرون في ارجاء المطار بجوار طائراتهم، بينما مازال عدد من المهندسين والجنود يعبدون احد الممرات الفرعيه المدمرة
دق الجرس في منزل الحاج أحمد الشاذلي، فترك الحاج أحمد الجريده ونظر تجاه الساعه فوجدها قاربت العاشرة مساءا، وبدأ يتساءل عن هذا الزائر المتأخر، وقبل ان يتحرك من مقعده كانت الام تتوجه نحو الباب في بطء وكأنها تأبي ان تقابل احدا .
سمع الاب صرخه الام الفرحه وهي تهتف بأسم ابنها في لوعه، فأطاح بالجريده من يده وهرول تجاه الباب لينضم الي زوجته وابنه في عناق حار تملائه الدموع الممتزجه من اعين الجميع، شلال عنيف من المشاعر والدموع والفرحه تملاء الوجوه في أن واحد.
ظل الثلاثه محتضين بعضهم البعض لفترة من الوقت ،والام والاب لا يكفان عن حمد الله علي سلامه ابنهم والدموع تجد طريقها سريعا للعيون وبعد فترة هدأت ثورة المشاعر قليلا وتوجهوا الي غرفه المعيشه جميعا، الام تطمئن علي سلامه ابنها وعدم أصابته رغم حالته الرثه الواضحه عليه، بينما يجلس الاب يحتضنه في شوق، ثم اسرعت الام لتتصل ببناتها وناديه، وبصوت يرفرف عليه السعاده تزف اليهم خبر عوده عمر سالما .
كان عمر منهكا أشد الأنهاك، ولاحظ الوالدين ذلك من نظرة عينيه الزائغه القلقه، وبينما أسرعت الام لتعد عشاءا سريعا لابنها، كانت نظرات الاب تطل متسائله لكن الاسئله أستحت ان تخرج .
وبعد نصف ساعه كان عمر قد أستحم وحلق ذقنه وتناول العشاء واستعاد بعضا من شكله المالوف لديهم، وقتها بدأ توافد الجميع بما فيهم ناديه ووالديها لتدب الحياه في المنزل مره اخري.
ومره اخري ووسط صخب الاحاديث والترحيب بعودته سالما، تلاقت عيني عمر وناديه في صمت وعشق بعيدا عن عبارات الترحيب والمجاملات المحفوظه وتلاقت الايدي وتشابكت في شوق رهيب، ومره أخري يقطعها علي زوج شقيقه عمر عندما وصل وأحتضنه، لتعود مرة اخري وتتشابك وتلتهب المشاعر، مشاعر ناديه تضخ سعاده بعوده حبيبها سالما بينما عمر يمتص مشاعرها بكل قوة معوضا ايام واسابيع من المعاناه.
تعود الام من المطبخ باكواب من الشربات، لكن عمر ينظر الي والدته ويقف قائلا بحده ونظرات الغضب تطل من عينيه كالشرر المتطاير ((أيه ده يا أمي؟؟؟))
يتكهرب الجو في الغرفه فجأه وينظر الجميع لبعضهم البعض ويتعالي صوت الصمت، وتري الام في عيني ابنها نظرة تراها لاول مرة، نظرة لم تميزها فيميل الاب نحو ابنه ((أمك فرحانه برجوعك، دي كانت نادرة ندر لما ترجع بالسلامه))
أحس عمر لثانيه بالحرج من صياحه في والدته ومدي فرحتها فأردف بنبرة صوت خجوله حاسمه
((ملوش لزوم شربات يا أمي، الشاي هيكون أحسن))
شدت ناديه يدها علي يد عمر مخبره اياة بتفهمها بما يحس ويمر به فتقدم عمر نحو النافذه ناظرا للطريق المظلم الخالي من المارة تماما وتمتم ((البلد ضاعت وعايزني أشرب شربات؟؟))
تدخل والد ناديه محاولا تهدئه الحديث سائلا عمر ((البركه فيكم ترجعوا كل شئ بس انتوا ناوين تعملوا ايه بعد اللي حصل ؟))
نظر الجميع تجاه عمر الذي أشعل سيجارة بحركه لا اراديه في تصرف أول مرة يقوم به امام الجميع، وأستدار غير ملاحظ نظرات الاستغراب في عيني كل من حوله من السيجارة المشتعله في يده
قائلا ((تفتكر يا عمي هنعمل ايه ؟؟ هنحارب طبعا وهناخد تارنا ونرجع ارضنا ))
فتدخل علي في الحوار ((وهنقدر؟؟))
رد عمر بعصبيه وبحده ((طبعا هنقدر، ماهو احنا لازم نقدر لان اللي راح مفيش حاجه ترجعه الا الحرب والنصر))
تمتم أحمد زوج شقيقته الكبري ((بس الطريق طويل جدا وصعب، أنا سمعت ان خسايرنا كبيرة ))
تدخل الاب متسائلا علي أستحياء ((هو ايه اللي حصل بالضبط يا عمر، احنا سمعنا كلام كتير جدا وبصراحه مبقناش عارفين نصدق مين، الاذاعات العالميه بتقول حاجه وعندنا بنقول العكس))
تنفس عمر نفسا عميقا من سيجارته ونظر الي صورة عبد الناصر المواجهه له قائلا
((بإختصار يا حاج، احنا انهزمنا من غير ما نحارب، أنضربنا علي قفانا من غير ما نعرف نرد، محدش ادانا فرصه نقف ونحارب، لا .. دبحوا الجيش والطيران بجرة قلم))
ناديه بأسي ((اكيد كانت ايام صعبه عليك))
نظر عمر تجاهها وقد وضح التأثر علي صوته ((انا الموت كان حواليا في كل ثانيه، وناس كتير جدا ماتوا قدام عنيا من غير ما اقدر اعمل لهم حاجه، أصحاب وزملاء وعساكر ماتوا بالكوم من غير ما يقدروا يدافعوا عن نفسهم، ولا حتي يحاربوا، دي ماكنتش حرب دي كانت مذبحه))
ترقرقت الدموع في عيني ناديه من رد عمر المؤثر وتخيلها للمشهد، بينما نكس الاب رأسه حزنا.
عادت الام بالشاي هذه المرة، فقام عمر وقبل يدها فأحتضنته، ثم أستدار تجاه الجميع قائلا ((عمر اللي كنتوا تعرفوة خلاص مات يوم 5 يونيو وانا دلوقت شخص تاني، اي واحد زيي يمر بالي مريت بيه مع زملائي لازم يتغير ،واللي حصل خلي الواحد يفكر في اولوياته انا دلوقتي معنديش الا هدف واحد، هو الحرب والنصر بس))
نظر فوجد تساؤلات تطل من عيني ناديه فأستكمل موجهها كلامه اليها ((انا ممكن اموت في اي لحظه، لان الحرب مستمرة، ومش عايز اكون عقبه في طريق مستقبلك يا ناديه، فالقرار لك))
((قرار أيه ؟؟)) سألت ناديه في خوف، فأجاب عمر ((فسخ الخطوبه)) ، عم الصمت من هول ما يقوله عمر، فتدخلت والده ناديه عندما لمحت دموع أبنتها تنهمر ((مين جاب سيرة فسخ خطوبه يا كابتن عمر، أحنا يشرفنا انك تكون جوز بنتنا))
ثم قام والد ناديه وشد علي كتف عمر قائلا ((ملوش لزوم الكلام دة، انت لسه راجع وأكيد مش عارف بتقول أيه، انا هاعتبر اني مسمعتش ولا كلمه))
ثم أستكمل ضاحكا ((وبلاش بقي تحرق فرحتنا برجوعك، يا أبني دا احنا بقالنا كام يوم في غم أسود، من القلق عليك، يالا بقي روح بوس رأس خطيبتك واعتذر لها))
تعالت عبارات التجاوب من الجميع محاولين تلطيف الجو المشحون، وبعد أن قبل عمر رأسها ظهرت الابتسامه مرة اخري علي شفتيها، وهدأت حده النقاش وإن كان الحرب هو الموضوع الوحيد المطروح في المناقشه، وتساءل أحمد زوج شقيقته عن المسئول عما حدث ...... فنظر عمر تجاه صورة عبد الناصر وصمت للحظات، ثم أجاب ((معرفش))
وضح للجميع مدي أرهاق عمر، فأثروا الانصراف سريعا لكي يستريح، وعلي الباب، أمسك عمر بيد ناديه وسائلها ((هاشوفك قبل ما ارجع ؟))، أبتسمت وهزت رأسها بالايجاب
وبعد إنصراف الجميع، وتوجه الي غرفته متثاقلا مهموما لكن قبل ان يغلق باب غرفته سألته امه ((هوا طارق زميلك بخير ؟؟)) شرد عمر للحظه ثم اجاب ((زمانه في بيتهم دلوقت))
كان عمر محقا، فتقريبا في نفس الوقت الذي ارتمي عمر علي سريرة لينام، كان طارق بمنزله الانيق بمصر الجديده مع والدته في غرفه المائده، فقد أستقبلته بشوق وحرارة كبيرين، وبعد أن استحم بمياه دافئه أشتاق اليها كثيرا ساعدته في ارخاء اعصابه المتوترة قليلا، جلس علي مائده العشاء مع والدته يتجاذبان اطراف الحديث، فقد علم ان والده قد سافر للامم المتحده قبل الحرب ومن المتوقع استمرار سفره لمده من الوقت، وأنه اتصل عده مرات مستفسرا قلقا علي طارق، وان صوته كان مهموما جدا مما يراه ويسمعه كل يوم من وكلات الانباء العالميه عن مصر.
تجمع خدم المنزل حول المائده مستعدين في شوق لاي طلب قد يطلبه طارق، فقد كانت فرحتهم بعودته كبيرة، حتي زينب تلك الفتاه الصغيرة التي أشبعها طارق ضربا في كل مناسبه، كانت فرحه بعودته،
تناول طارق العشاء بنهم ووالدته صامته فقط تنظر اليه في شوق، وبعد أن فرغ من عشاءه أسرعت زينب لتعد له فنجانا من القهوة التي يحبها .
وبينما الخدم يرفعون اطباق العشاء، اخرجت الام سيجارة لتدخنها كعادتها، ومدت يدها بواحده لطارق، فقد كانت تعلم انه يدخن منذ زمن لكنها تظاهرت بالتجاهل، لكن هذه المرة قدمتها له كتعبير عن تفهمها بأن كل شئ قد تغير، ولم يعد شيئا كما كان من قبل وانها مقدره ما يمر به.
نظر طارق الي السيجاره المقدمه له لثوان، وتذكر ذلك الملازم الشاب الذي مات أثناء عودتهم من سيناء ومدي كان تشوقه لسيجاره اخيرة حتي مع الامه الشديده.
تدخل صوت الام ليقطع سير الذكريات في عقله ((كويس انك مش جي بلبس الطيران)) كانت جمله شديده الغرابه من الام التي تعشق رؤيه ابنها بملابس الطيران، فأستدعي طارق كل حواسه وتركيزة وتذكر نصيحه العقيد تحسين فتساءل علي الفور ((ليه بتقولي كده؟؟))
فنكست الام رأسها قائله ((البلد كلها بتحمل الطيران مسئوليه اللي جري))
فأستشاط طارق ووقف ((مين اللي بيقول الكلام ده ؟؟؟)) كانت نظراته الحاده تخيف الام التي صمتت محاوله التهرب من النقاش .
دخلت زينب الي الغرفه حامله معها فنجان القهوة، وبعد أن وضعته سألت طارق بابتسامه طفوليه
((تأمر بحاجه تانيه يا بيه ؟؟)) الا ان طارق نظر اليها بغضب وانفجر طاردا إياها من الغرفه، فركضت الفتاه السيئه الحظ خارجه .
أستدار طارق مرة اخري نحو والدته معيدا السؤال، فردت الام ((مش مهم دلوقتي، المهم إنك بخير))
طارق ((لا. أناعايزاعرف، محدش فينا قصر، كلنا عملنا اللي علينا وحرام تدبحونا أكتر ما أحنا مدبوحين))
وقفت الام وبصوت حنون وضعت يدها علي خد طارق ((أنا عارفه ان محدش منكم قصر، كلكم رجاله وهتعرفوا ازاي ترجعوا الامور زي ما كانت واحسن كمان ،.... المهم دلوقت تنام شويه وبكرة نتكلم))
كان لكلماتها المهدئه لابنها مفعول قوي عليه فهو يريد ان يستريح بالفعل، ولا يقوي علي النقاش لكنه يريد ان يعرف فأخبر والدته بأنهم سيكملوا الحديث غدا.
وعندما دخل غرفته وادار جهاز البيك أب علي أسطوانه كلاسيكيه هادئه، وقبل ان تمر دقيقتان كان قد غرق في سبات عميق تاركا صوت الموسيقي يصدح في الغرفه .
اما في منزل الاستاذ عبد الله بباب الشعريه كان الصمت يلف حجرات المنزل مثله مثل طرقات وأزقه المنطقه، ورغم الجو الصيفي الجميل الا ان جميع ساكني الحي قد أثروا الركون الي منازلهم، كان المعتاد ان تظل الطرقات مليئه بالمارة من جميع الاعمار، والاطفال يلعبون الكره حتي الفجر كذلك تظل المقاهي شاغره بروادها حتي ساعه مبكرة، كانت احوال الحرب وأخبارها تنعكس علي سلوكيات المواطنين الذين أجمعوا بلا اتفاق علي الانطواء في منازلهم .
فأختفت الابتسامه من الجميع وعم الوجوم محل الابتسامه المرتسمه دائما علي الشفاه لذلك لم يهتم أي من جيران أحمد بعودته، ورغم صخب أستقبال والديه واخوته له، الا ان أيا من الجيران لم يهتم بالسؤال،
كان الوحيد الذي أهتم بالسؤال هو الرائد حسنين والذي يسكن في الطابق الاسفل لشقه الاستاذ عبد الله والد أحمد، فرغم ان الرائد حسنين قد احيل للمعاش منذ فترة، الا ان حواسه العسكريه والوطنيه لم تنطفأ وظل ملازما للراديو يستمع ما يذاع من اخبار ويتبعها بأكواب من القهوة المتتاليه، وعندما أحس بضجه في شقه جارة أسرع ليسأل قلقا، وعندما وجد وجه الاستاذ عبد الله متهللا بعوده أبنه من الحرب، نكس الرائد حسنين رأسه مرددا بفتور غير متوقع ((طيب... حمد لله علي سلامته)) وأستدار عائدا الي شقته بدون أي اكتراث
لم يتوقف الاستاذ عبد الله عند رد فعل الرائد حسنين كثيرا وقتها، انما أنهمك في الترحيب بأبنه العائد من الحرب ، كان هذا منذ ساعه تقريبا والان يجلس الرجل محاطا بابناءه الثلاث وزوجته علي طاوله الطعام في الصاله المربعه المتواضعه يحتسي كوبا من الشاي الساخن .
توجهت الام نحو الغرفه التي دلف أحمد اليها منذ نصف ساعه تقريبا، وفتحت الباب بهدوء لتطمئن علي أبنها، وعندما تأكدت من نومه عادت مره أخري الي الصاله حيث أرتكنت علي احد الكنبات ووضعت يدها علي خدها هائمه في التفكير العميق .
وبجوار الوالد جلس عاطف الطالب بكليه الهندسه، يليه كمال وسمير الطلبه بالثانوي .
كان صمت الوالد والوالده متجاوبا مع صمت الابناء، والذين وإن كانوا قد فرحوا بعوده شقيقهم من الحرب لكن من عاد كان جسد شقيقهم فقط، فهو بلا روح تقريبا مما أطفأ فرحتهم .
اما الاب والام فقد رأوا ابنهم محطما بكل المقاييس وقد كبر أكثر من عشرة أعوام فوق سنه من هول ما رأه ومر به في عده ايام فقط .
أستدار عاطف سائلا والدته عما بها، فردت بحسرة ما بعدها حسره ((ما انت شايف أخوك رجع شكله أيه، هو ده أحمد اللي خلفته وربيته ؟؟ الواد كأنه شايل الدنيا فوق رأسه وماشي بيه))
تدخل كمال في الحوار ((هوا اللي حصل له شويه يا امي، ما انتي سمعتي من اللي رجعوا عن البلاوي اللي حصلت، وازاي كانت حالتهم تصعب علي الكافر))
فقاطعه سمير بهدوء ((مش الاحسن نحمد ربنا علي رجوع أبيه أحمد بدل ما نشيل هم، هوا أحنا ناقصين))
رفع الاب رأسه قائلا ((أمال لو ماشيلناش هم عيالنا هنشيل هم مين؟ ده الواد شايل هم البلد فوق كتافه))
الام ((الواد يا ولداه متكلمش كلمتين علي بعضهم من ساعه ما وصل لحد ما دخل ونام بهدومه))
عاطف ((يا جماعه، انتوا ليه مستغربين بس، أبيه أحمد راجع من حرب انهزمنا فيها، يعني شاف جيشنا وهو بينهزم، وأكيد انه شاف الموت بعينيه))
قاطعته الام بحده ((الموت ؟؟؟؟؟ فلا الله ولا فالك))
الاب ((امال انتي فاكرة ايه يا ام أحمد، أحمدي ربنا انه رجع بالسلامه، وقومي يالا صلي معايا ركعتين شكر لله علي رجوعه)) ثم نظر الي ابنائه شذرا ((وانتوا مش هتقوموا تصلوا جماعه ؟؟))
فأنتفض الثلاثه هلعا من نظرة الاب وركضوا تجاه الحمام للوضوء.
كان ضوء الشمس قد بزع منذ دقائق مزيحا ظلام الليل ومضيئا غرفه النوم، عندما تنبه عاطف الي ضوء الشمس يضايق عينيه، فأستيقظ ليجد أحمد مستندا علي حافه النافذه يدخن سيجارة بهدوء، أحتاج عاطف الي ثوان لكي يدرك عقله ما تراه عينيه، فأعتدل بهدوء وقام واضعا يده علي كتف شقيقه في حنان، شد أحمد علي يد شقيقه مال عاطف نحو شقيقه وبصوت يكاد يسمع قال
((الله يكون في عونك يا ابيه)) زاد أحمد من قوة قبضته علي يد شقيقه قائلا ((انت متعرفش انا شفت ايه في الكام يوم اللي فاتوا يا عاطف، البلد خلاص هتقع في أي لحظه))
تبسم عاطف علي استحياء ((لا يا ابيه، طول ما البلد فيها رجاله زيك، مش ممكن تقع ابدا، ثم ما الحرب وقفت))
نظر أحمد في عيني شقيقه نظرة تحمل تساؤلات عميقه غير مفهومه، فما المستقبل الذي ينتظر أشقائه
في المستقبل القريب، ومن اين يأتي عاطف بمثل هذه الثقه في ان البلد ستصمد، الأنه لم يحضر اهوال الحرب؟ ولم يشاهد القتل والدمار الذي رأه هو؟ او لانه لا يدرك حجم وابعاد الكارثه التي حلت بمصر ؟؟
أستغرب عاطف من نظرة أحمد له وتساءل عن مغزي هذه النظرة الا ان احمد لم يرد وواصل تدخين سيجارته ناظرا الي الطريق الخال من المارة تماما
قرر عاطف الا يدع شقيقه في شروده وفاجأه بسؤال مباشر ((في حد من زملائك أستشهد ؟؟؟))
بوغت احمد من السؤال واهتز كيانه بالكامل من قسوة السؤال، وبصعوبه رد احمد ((كتير))
بتلقائيه وعن عمد رد عاطف ((يا بختهم)) أستدار أحمد بحده ناظرا في عيني عاطف غاضبا من الرد
وقبل ان يتفوة أحمد بكلمه أردف عاطف ((طبعا .. حد يطول يموت شهيد، دلوقت هما في الجنه، الدور والباقي علينا اللي في النار دي، طب يا ريت اموت شهيد زي أي واحد منهم وانا بدافع عن ديني وبلدي)) جاءت كلمات عاطف بلسما علي قلب أحمد الا انه وبصعوبه بالغه قال ((مدحت أستشهد يا عاطف))
أهتز عاطف بشده فقد كانت له صداقه مع مدحت وكثيرا ما كانا يتسامران في الاجازات، لكن بصعوبه تمالك عاطف نفسه لكنه لم يستطع منع دموعه من الانهمار بسرعه، كل ما أستطاع ان يتفوة به ((لا اله الا الله – لا اله الا الله ))
وقتها فقط أستطاع عاطف أن يحس بجزء مما يحس به شقيقه، ففقدان صديق عزير كمدحت شئ صعب جدا
لم يجد احمد شيئا يقوله سوي أنه احتضن عاطف ودموعه تنهمر بغزاره هو الاخر .
فرغ عمر من صلاه الظهر مع والده، وقام الاثنان ليحتسيا كوبين من الشاي،، فقد قرر الاب الا يذهب الي عمله ويظل مع ولده لأكبر قدر من الوقت، و دار الحديث بينهم عن اي شئ وكل شئ الا الحرب، وعن تعمد تطرق الاب الي موضوعات مضحكه لعله ينتزع من شفتي ابنه ابتسامه كتلك التي تميز بها قبل الحرب .
أما الام فقد انهمكت في اعداد الغذاء لابنها و ناديه التي من المفترض ان تصل في اي لحظه .
وبالفعل وصلت ناديه وبدلا من ان يدعوها عمر للجلوس فقد قرر فجأه الخروج معها الي الشارع للتمشيه، وقبل ان يغادرا المنزل وعد عمر والدته بالعوده سريعا قبل موعد الغذاء
وفور خروجهم من بوابه المنزل، أستوقف تاكسيا وطلب منه الذهاب الي الكورنيش
تساءلت ناديه واجاب عمر (( عايز أشوف الميه )) ثم صمت، وطوال الطريق ظل يدخن صامتا، واحترمت ناديه صمته، وعلي كورنيش النيل، نظر عمر طويلا الي المياه المنسابه في هدوء
لم تكن ناديه تعلم ما يدور في خلده في تلك اللحظه بالتحديد الا انها تساءلت بغرابه قائله
((غريب جدا النيل ده ....)) نظر اليها عمر متعجبا من تلك الملحوظه وتساءل ... فردت ناديه
((تعرف النيل ده ماشي كدة بقاله قد أيه ؟؟)) هز عمر كتفيه نفيا ومازال تعجبه واضحا
((من الاف السنين، والنيل ده ماشي من الجنوب للشمال، تموت ناس وتتولد ناس ، وتتهد الدنيا من حواليه، وهو لسه ماشي)) تواصلت نظرات التعجب من عمر وظهر الفضول في معرفه مغذي كلامها، تأبطت ناديه ذراعه بحنان في تصرف نادر الحدوث منها وأشارت بيدها الاخري نحو النيل قائله ((بص الميه ماشيه ازاي، ميهمهاش ايه اللي بيحصل في البلد، وهتفضل ماشيه لحد ما القيامه تقوم، تفتكر ان الدنيا كلها هتقف بعد النكسه دي ؟؟ لا طبعا، النيل هيفضل ماشي من الجنوب للشمال زي ما ربنا خلقه، وحتي لو الاسرائييلين وصلوا القاهرة هيفضل ماشي برضه))
بدأ عمر يستجمع ما تقوله قائلا ((محدش قال ان الدنيا هتقف ))
ناديه ((انت كمان لازم تكمل وتفضل ماشي في الطريق بتاعك، ومتخليش حاجه في الدنيا تقف امام واجبك، وخلي النيل ده مثال لك ، مهما حصل لازم تحارب ولازم تصمد، لازم تفضل عمر المؤمن بربه وببلده))
لمعت عيني عمر من كلام ناديه وتمني لو أستطاع ان يضمها الي صدرة فقد كان كلامها مقدمه رائعه له في إخراج هذا الكم الهائل من الشحنات المكبوته داخله
فقال لها مبتسما ((تعرفي إنك عظيمه جدا، وتستاهلي بوسه))
ناديه وقد أحمرت خجلا ((لم نفسك يا كابتن، بلاش تهور )) ثم ضحك الاثنان، وأمسك كل منهم بيد الاخر في حب وسارا علي الكورنيش بجوار النيل يتحدثان وقد تغيرت احاسيس عمر رأسا علي عقب
وبعد فترة توقفت ناديه فجأة متسائله ((انت مش لسه لم تتفق مع بابا علي المهر ؟؟؟))
هز عمر رأسه ايجابا وهو متعجب من السؤال الغريب فأردفت ناديه وهي تحدق في عيني عمر ((طيب انا بقولك، انا مهري، حته من طيارة إسرائيلي توقعها بنفسك...... ايه رأيك))
أحس عمر برعشه قويه تسري في جسده من ذلك الشعور الذي ملئ خلايا جسده مع جمله ناديه، ولم يستطع أن يتفوه بكلمه، لكن اومأ مبتسما بالايجاب وجسده يمتلئ حماسا وسعاده من هذا الكم الهائل من الدعم والمسانده الذي حقنته ناديه لها حقنا، فقد كان ذكاءها حادا وناجحا في انتشال حبيبها من اليأس
ونظرا لبعضهما البعض لفترة وعيني عمر تشعان فخرا بمحبوبته وعقله يلح عليه في احتضانها
أحست ناديه بما بحس به عمر فأردفت ((مش نرجع البيت علشان نلحق الغدا))
في ذلك الوقت الذي كان عمر وناديه يستقلان التاكسي عائدين للمنزل كان طارق قد سلم نفسه للمياه في مغطس منزله، كانت رغبته في السباحه وغسل همومه كبيرة جدا، وكان من المستحيل ان يظهر في النادي مرتديا ملابس السباحه في هذا التوقيت بالذات وعلي ذلك أستطاع أن يجد بديلا معقولا، فملئ المغطس بالمياه حتي أخرة، وادار جهاز البيك أب علي أحد مقطوعات بيتهوفن الحماسيه، وبينما جسده يغرق ببطء في المياه، أشعل سيجارة ودار شريط ذكرياته ببطء متذكرا ما حدث، تذكر الصاوي ومحمود زملائه الذين أستشهدا قبل ان تسنح لهم الفرصه بالاقلاع بطائراتهم، كذلك تلك المطارده الشرسه مع طائرات العدو، وما دار بعد ذلك طوال تلك الايام المريره حتي عاد لمنزله
لقد كان بالفعل شهرا حافلا بالذكريات المؤلمه حقا، موت ودمار وهزيمه وانكسار ويأس، تنبه الي ان هذه الذكريات من المستحيل ان تمحا من عقله نهائيا، فكيف يستطيع ان ينسي اي مشهد مما رأه او حتي سمعه من العائدين .
فأشعل سيجاره اخري وأخري وموسيقي بيتهوفن تصدح، وعقله يعمل بقوة متذكرا شريطا طويلا، وفجأه وبدون سابق انذار توقف عقله عن التذكر وأضاءات جميع المصابيح الحمراء في عقله منذرة بالخطر، فما فائده التذكر وحرق الدم والسجائر، فما حدث قد حدث ولا راد لقضاء الله، لكن السبيل الوحيد هو التفكير في مخرج فعلي وحقيقي من هذا الكابوس، فلابد من ان ينتهي الكابوس بأي شكل، لكن التفكير في الماضي لن يساعد في ذلك، وتوصل بعد جهد الي معادله بسيطه جدا
نهايه الكابوس= إيمان بالله وبالنصر +عمل واجتهاد+ تضحيه لا نهائيه + هدوء اعصاب+تدريب عال
هنا وهنا فقط هدأت اعصابه وعادت اذانه تسمع صوت الموسيقي التي لم تكن تسمعها طوال الوقت لصخب صوت عقله ،وفي هذه اللحظه وضع طارق قدمه علي اول الطريق لنجده نفسه من مستنقع اليأس والهزيمه
هنا فقط وجد انه لابد من وجود مخرج للظلام الذي حل بمصر، وانه كمقاتل أحد تروس العسكريه المصريه والتي لابد لها من العوده للدوران مره أخري .
خرج طارق من الحمام شخصا اخرا، ولاحظت والدته ذلك بوضوح فتهللت اساريرها، فقد عاد الوجه للاشراق مره أخري وإن ظلت البسمه غائبه .
وعاد وسألها عما قصدته بالامس من تحميل الشعب للطيران مسئوليه الهزيمه، فردت الام ((انت عارف الاشاعات، فيه كلام انه كان فيه حفله للفجر في إنشاص، وانكم كنتم نايمين في العسل وكلام من ده انت فاهم الاشاعات)) ورغم توقعها بثورة طارق امام هذا الكلام الا انه اجاب بهدوء وثقه ((اللي يتكلم يتكلم – احنا هنرد وكل البلد هتسمع صوتنا قريب .أكيد ))
فتبسمت الام وهي تحمد الله في عقلها لهدوء ابنها ودعت له بالسلامه
و مع دقات الساعه الثامنه مساءا، كان أحمد يغادر منزله بزي مدني مثلما حضر، ودع اهله بسرعه كما تعود، ولم يلتفت لوالدته التي تعالي صوت بكائها، فياله من أحساس الام عندما تودع ابنها الذاهب للحرب، وكان لابد ان يظل مسيطرا علي اعصابه ولا يهتز بدموع والدته .
صحبه عاطف حتي السيارة، ،فأستدار موجها حديثه لعاطف ((خد بالك من امك وابوك كويس، انا ممكن معرفش اتصل الكام يوم الجايين)) تبسم عاطف مؤكدا قدرته علي الاعتناء بهم واردف
((المهم انت تاخد بالك من نفسك)) تبسم أحمد وأحتضنه
أنطلقت السيارة من حي باب الشعريه متجهه الي العباسيه حيث يسكن عمر
كان عمر قد أستعد وانتظر وصول السيارة في الشرفه وبجوارة ناديه، كان شوق عمر في العوده للمطار يعادل شوقه للقاء ناديه، وكان أحساسا غريبا وجديدا لديه، فهاهي ناديه بجوارة منذ الصباح، ومازال في شوق لها ولحنانها، لكنه ينظر الي الساعه كل دقيقه تقريبا، فهو في شوق الي العوده للمطار وللرفاق ولطائرته ..... وللحرب
قطع صوت الام من الداخل شروده، الام تعد كميات أقل ما توصف بانها هائله من الطعام، فأستفسر عمر متعجبا، وترد الام في حنان ((ده ليك ولزملائك اللي منزلوش أجازه، ثم دي حاجه بسيطه ترم عضمكم بدل اكل المطار)) أحصي عمر ما لايقل عن خمس صناديق أعدتها الام، ولسرورة بما قامت به أمه، أنحني وقبل يديها فأحتضنته الام، وبينما هذا السيل من المشاعر يملئ جنبات المنزل، جاء صوت اله التنبيه من الشارع، فتنبه لذلك واشار الي أحمد بأنه جاهز للرحيل، حمل الاب صندوقين وناديه صندوقا، وعندما هم عمر بحمل الصندوقين الاخرين لكي يغادر، أمسكت أمه بيده بشده
حاولت ان تقول شيئا، شيئا مهما لكن الكلمات لم تخرج، وخرج بدلا منها نهر من الدموع، حاولت مره اخري ان تتكلم، لكنها لم تستطع، وفي النهايه قالت ((تروح وترجع بالسلامه ))
كان عمر يعلم ان والدته ستطلب منه الا يغادر وان يظل بجوارهم، لكنها كانت تعلم انه المستحيل فعجزت حتي عن الكلام، وعند السيارة فوجئ أحمد بعمر ووالده وناديه يحملون صناديقا يقومون بوضعها في المقعد الخلفي، قطع مفاجأه احمد تدخل عمر معرفا والده علي قائده الشاب وكذلك عرف ناديه به .
أمسك الاب بكتف أحمد وبابتسامه صغيرة قال ((ربنا يحميكوا يا ولاد، ربنا ينصركم))
وعندما هم عمر بوداع ناديه، وضعت في يده سلسله فضه معلق بها ايه الكرسي
((دي تفضل في رقبتك علشان تحميك)) قالت ناديه، فطبع عمر قبله دافئه علي جبينها، ومسح دموعها المنسابه بيده، وركب السيارة بسرعه وهو يودع والده ووالدته الواقفه في الشرفه
أنطلقت السيارة بسرعه والرجال صامتون بها، كان احمد مدركا تمام الادراك مدي صعوبه الوداع لذلك ترك لعمر برهه من الوقت ثم بادرة سائلا
((ايه كل الكراتين دي يا عمر ؟؟؟)) خرج عمر من شروده علي سؤال أحمد فأبتسم
((دي الحاجه باعته أكل لنا)) فتبسم احمد واردف ((ربنا يخليهم لنا))
وصلت السياره الي مصر الجديده سريعا، وتوقفت امام منزل طارق الذي كان بدورة واقفا علي الرصيف منتظرا قدومهم، أستدار طارق مودعا والدته التي ودعته من الشرفه دلف طارق بجوار عمر، وفور دخوله تساءل هو الاخر عن ماهيه هذه الصناديق وعندما جاءة الرد من عمر تمتم
((هيه الحاجه ناويه تأكل المطار كله النهارده ؟؟)) وتبسم الجميع من تعليق طارق
دلفت السيارة الي بوابه المطار بعد ساعه تقريبا من مغادرتهم منزل طارق، وبعد الاجراءات المعتاده توجه عمر وطارق الي غرفتهم بينما توجه أحمد ليقدم نفسه للعقيد تحسين .
تقابل أحمد مع السمري بجوار مكتب العقيد وتساءل أحمد عن الاخبار وما دار في اليوم السابق
ولم يكن هناك أخبار جديده سوي استمرار عوده القوات من سيناء ،وان وقف اطلاق النار مازال قائما وإن كانت هناك انباء عن تراشق بالنيران بين قواتنا وقوات العدو علي ضفه القناه، وعندما علم السمري بأن أحمد متجه لمقابله العقيد تحسين أخبرة السمرى بان العقيد تحسين تم أستدعاؤه للقياده بالقاهرة وانه لم يعد حتي الان، وان اركان حرب المطار (نائب القائد) يزاول مهام القائد الان
وبدون جدوي دار الحوار بين الاثنين عن سبب استدعاء العقيد تحسين للقياده والهدف منه .
ومرت أيام علي الرجال وهم في قمه الاستعداد والتحفز، خلال هذه الايام وصل عدد من الطيارين الشبان الذين كانوا يتدربون في الاتحاد السوفيتي، كذلك وصلت اعداد من الطائرات الجديده، بدلا من تلك الباليه التي قام الاتحاد السوفيتي بتوريدها بسرعه من الوحدات العامله لانقاذ الموقف .
وفي صباح أحد الايام قبل نهايه شهر يونيو 1967 الكئيب، تم أستدعاء أحمد الي مكتب قائد المطار والذي بدورة ابلغه بأن الاوامر قد صدرت له (أحمد) وتشكيله بالنقل الي مطار القطاميه ومعهم اربعه من الطيارين الجدد الاكفاء وأن تشكيله اصبح يحمل رقما وهو 77 وأنه (أحمد) أصبح قائدا لهذا التشكيل حتي يتم تدعيمه بالطيارين والطائرات ليكون قوة سرب كامل.
كانت عجله الاعداد والتجهيز والتنظيم تسير بخطي سريعه داخل القوات الجويه، وتم خلق تشكيلات جويه جديده بأسماء جديده بدلا من تلك التي دمرت في الحرب، ومع تزايد عدد الطائرات كان لابد من اعادة توزيعهم علي باقي المطارات.
خرج أحمد الي رفاقه تحت اجنحه الطائرات وهو يحمل أمر النقل واسماء الطيارين والكثير من التفاصيل
أستدار عمر بفضول الي احمد الاتي تجاههم، فقد كانوا في شوق لمعرفه الاخبار الجديده
جلس أحمد تحت جناح الطائرة مخبرهم ((من النهارده أحنا أسمنا بقي التشكيل 77 وهنتقل من بكرة لمطار القطاميه)) فتساءل عمر مستغربا عن كلمه التشكيل 77
فأجاب أحمد ((ده مؤقتا لغايه لما تجي لنا طيارات وطيارين ونبقي السرب 77))
أما عمر فقد لمعت عيناه تمتم ((مطار القاطميه .... كويس جدا، ده علي الجبهه علي طول، يعني هنكون اول ناس نشتبك مع العدو ... ده شئ رائع جدا ))
أما احمد فقد كان متوجسا خيفه من الطيارين الجدد فقال ((احنا هينضم لنا اربع طيارين لسه راجعين من الاتحاد السوفيتي بعد ما أخدوا دورة قتال هناك ...... يعني احنا قدامنا مجهود جامد جدا علشان نجهزهم معنويا وفنيا، المفروض انهم يكونوا عشرة علي عشرة بسرعه، وده دوري ودوركم معايا برضه))
اومأ عمر وطارق أيجابا، وقد أحس كل منهم بالمسئوليه تجاه هؤلاء الصغار، فأرواحهم أصبحت في أعناق أحمد وعمر وطارق ولابد من تدريبهم جيدا جدا
في تلك الاثناء مر السمري بالرجال، وسال أحمد سؤاله اليومي عن مصير العقيد تحسين فنكس السمري رأسه، فأحس أحمد بان هنالك شيئا ما حدث له، جلس السمرى بجوارهم قائلا في حزن ((العقيد تحسين هيتقدم للمحاكمه)) فوجئ الجميع بكلمات السمري، وأنفعل أحمد غاضبا جدا عن تقديمه للمحاكمه، الا ان السمري طلب منه ان يهدئ من روعه وان يسمع ما يعرفه ((انتو عارفين إن فيه محكمه مخصوص لمحاكمه الطيران عن تقصيرة في الحرب، وانا عارف شعوركم وغضبكم لان احنا مقصرناش نهائيا، لكن الكلام ان كان فيه حفله هنا في إنشاص ليله الحرب، وان الحفله خلصت قبل الهجوم بكام ساعه بس علشان كده الطيارين كانوا مش مستعدين، وفيه كلام ان الفريق الدغيدي قائد الطيران في الجبهه لم يكن مستعدا وأنه ساب مركز القياده قبل الضرب، وكلام كتير من اللي يحرق الدم، وكان لازم كل اللي قصر يتحاكم كمطلب شعبي))
كان احمد وعمر وطارق يستمعون لكلام السمري في غضب وحنق من التهم الظالمه التي يرددها الشعب لتعليق شماعه الهزيمه علي الطيران وحده، وواصل السمري حديثه
((الفريق صدقي محمود عليه تهم تشنقه عشر مرات والفريق جمال عفيفي اركان حرب الطيران برضه مع أنه كان سايب القوات الجويه لمده ثلاث سنين قبل الحرب وجابوه قبلها علي طول، والفريق الدغيدي شايل كل تهم الضربه الجويه، وباقي المتهمين ما بين لواء وعميد وعقيد، مفيش طيارين كتير الا حوالي خمسه سته بس))
قاطعه احمد ((وتهم العقيد تحسين أيه ؟؟؟))
السمري ((العقيد تحسين متهم بانه رفض تنفيذ الخطه فهد، وبدل ما يطلع كل طيارته طلع اثنين بس ))
طارق مقاطعا ((يعني هوا لو كان طلع الطيارات كلها كانت نتيجه الحرب اختلفت ؟؟ انتوا حكيتوا لنا انهم كانوا اتناشر طيارة بس))
يضحك احمد بسخريه ويجز علي اسنانه غضبا وغيظا
أستكمل السمري ((وكمان متهم برفض الاوامر، لما رفض يغير مسار المظله اللي انت كنت فيها يا احمد ومعاك خميس الي العريش، وقرار الاتهام شايف ان مسأله الوقود دي حاجه فنيه، وكان لازم عليه انه ينفذ الاوامر))
أحمد متهكما بغضب ((والله ده ظلم ..!!!))
عمر ((يعني لما قلنا الحال بدأ يتعدل وبدأوا يجيبوا ناس فاهمه تمسك القياده يقوموا يحاكموا العقيد تحسين ؟؟ يعني مفيش حاجه أتصلحت في البلد ؟؟؟))
طارق ((يا جماعه الضغط علي الريس جامد جدا من الشعب، الشعب فاكر اننا المسئولين بس عن الهزيمه، ومحدش عارف انهم في الجيش كانوا حطينا علي الارض ومش سايبنا نطير ونعمل مظلات، ده حتي طلعات التدريب كانوا ناويين يلغوها بالكامل ))
السمري ((علي العموم هما طلبوني للشهاده في قضيه العقيد تحسين، وأظن إن كلامي ممكن يصلح الاوضاع بالنسبه له))
أحمد ((الله يكون في عونه فعلا، محدش شاف ظلم زي اللي هوا شافه))
غير السمري مسار الحديث متسائلا ((وأخبار السرب 77 أيه ؟؟؟))
أحمد بفتور ((مبقاش سرب لسه، كله لسه تحت التكوين احنا قوة تشكيل فقط، هوا انت الاخبار كلها عندك؟))
السمري ((انتوا هتشتغلوا مع ناس كويسه جدا، والولاد الجدد اللي هيوصلوا لسه محتاجين تدريب طويل، يعني السكه لسه امامهم طويله، ربنا معاكوا ))
مال عمر نحو السمري ((مش هنشوفك قبل ما نسافر ؟؟))
السمري ((بليل إن شاء الله))
وقام السمري وترك الرجال تحت جناح الطائرة يتدبرون امورهم
وفي فجر اليوم التالي غادر أحمد ورفاقه متجهين الي مطار القطاميه جوا، وبعد دقائق من الطيران كانت طائراتهم تحوم حول مطار القطاميه أستعدادا للهبوط .
وفور هبوط الطائرات، لاحظ احمد ورفاقه ان القاعده تبدو كخليه نحل بكل معاني الكلمه، فهناك اعداد كبيرة من المهندسين والعمال يملئون ساحه المطار، ومعدات وخلاطات خرسانه، ومباني غريبه الشكل تحت الانشاء، أشار الضابط ببرج المراقبه بتوزيع الطائرات في مكان قصي علي اطراف المطارات، وقبل ان يغادر الرفاق طائراتهم كانت احد السيارات الجيب الصغيرة تتوقف بجوارهم بسرعه
هبط أحمد ليجد رجلا شديد الوسامه والاناقه، يضع علي عينيه نظارة شمس تخفي عينيه، شعرة أسود كسواد الليل ويحمل علي كتفيه رتبه مقدم، تقدم المقدم تجاه أحمد الذي أدي التحيه العسكريه له
في تلك اللحظات كان عمر وطارق قد أصطفا بجوار أحمد مؤدين التحيه العسكريه أيضا للمقدم
صافحهم الرجل بأبتسامه مشرقه معرفا نفسه ((أنا المقدم محمد السيد قائد المطار، وانا فعلا سعيد بوجودكم معايا)) خلع الرجل نظارته ليكشف عن عيني حاده متجمده، وواصل الرجل حديثه موجهها كلامه الي أحمد
((أنا طلبت من الفريق مدكور رجاله شاركت في القتال الايام اللي فاتت، وعندها خبرة علشان يكونوا سرب المقاتلات بالمطار، ولما جت ملفاتكم عرفت ان الرجاله دي هيه اللي هتعرف تشتغل معايا ..... ببساطه أحنا مش عايزين طيارين بس، احنا عايزين فدائيين من نوع خاص، واللي اعرفه عنكم يخليني أقول انكم أقرب ما يكون للي في دماغي)) لبس الرجل نظارته مجددا، وأصطحب الرجال معه في السيارة، وبينما السيارة تتجه نحو مبني القياده، تجولت أعين الرفاق في انحاء المطار متسائله عما يحدث .
وفور وصول السيارة ونزولهم منها أستدار المقدم محمد، مشيرا الي تلك البنايات الغريبه قائله
((المباني اللي شايفنها دي دشم طيارات، علشان ميحصلش زي اللي حصل تاني))
تهلل طارق طربا ((يا فندم أحنا كنا عايزين الدشم دي من زمان))
بينما تساءل عمر ((بس يا فندم، دوران المحرك جوه الدشمه مش هيأثر علي جسم الطيارة ؟؟))
أجاب المقدم محمد ((التصميم الابتدائي للدشم واللي الروس رفضوه من زمان، كان فيه العيب ده أما الدشم دي فتصميم مصري 100% لها بابين، باب دخول وباب خروج، وعند تشغيل المحرك يكون باب الدخول الخلفي مفتوحا لخروج العادم، يعني مفيش حرارة ولا حاجه))
هتف أحمد بسعاده ((تحيا مصر ... اهوا ده الشغل والا بلاش ))
تدخل المقدم محمد مره اخري ((المشكله إن مفيش اعتمادات ماليه كفايه لعمل دشم اكتر، المرحله الاولي هيه عشر دشم بس، يعني لسه فيه طيارات ملهاش دشم، ودي هنوزعها علي اطراف المطار))
طارق ممتعضا ((يا دي الاعتمادات الماليه اللي ودتنا في داهيه، يعني لازم ننضرب تاني))
المقدم محمد ((أنت مش متخيل حجم المبالغ التي بتنصرف علي الجيش دلوقت، إحمد ربنا أن الفريق مدكور قدر يتصرف في عشر دشم لكل مطار، لكن خطه الطوارئ اللي الفريق مدكور وافق عليها، فيها ثلاثين دشمه بالمطار منها التبادلي وكمان رصف ممر جديد، واطاله الممر الحالي لمرة ونص طوله الحالي))
أحمد متسائلا ((ده كدة المطار هيكون قاعده كبيرة ؟؟))
المقدم محمد ((لا يا احمد، دة الطبيعي في كل مطار حربي، أو المفروض انه يكون موجود في كل مطار ولو ده كان موجود قبل خمسه يونيو، كان الحال اتغير فعلا))
عمر ((شاء الله وما قدر فعل))
المقدم محمد ((المهم، انه عندنا تشكيل ميج 17 فيه ست طيارات ومع الثمانيه ميج 21 نقدر نقول اننا بدأنا نكون جاهزين لاي عمليات، وعايزكم تكونوا جاهزين من بكره لبرنامج تدريب مكثف جدا))
ثم صافح المقدم محمد الرجال مرة أخري وتمني لهم التوفيق، وسلمهم لاحد الضباط الاداريين والمكلف بتسكينهم في سكن الطيارين بمبني سكنى داخل المطار .
دخل احمد الي غرفته وتفحصها بدقه، ومن شرفته بالدور الثاني تفحص مطارة الجديد، الملئ بالحيويه والعمل والنشاط من الجميع، فهنالك اعداد كبيرة من العمال تبني تلك الدشم الخرسانيه ومهندسين يستخدمون اجهزة مسح لقياس المسافات الهندسيه، دار ذهنه لبرهه
((ماذا لو كان كل هذا المجهود تم بذله قبل الهزيمه ؟؟)) لكن ماذا تفيد كلمه – لو- فيما هم فيه الان
فأستدار أحمد لافراغ حقيبه ملابسه، وبسرعه فرغ من مهمته، بعد ان جهز خوذته وقفازه الابيض وحذاءه لكي يكونوا جاهزين للغسيل، كما تعود ان يفعل بعد كل طلعه، ثم أرتمي علي السرير وامسك بملخص لملفات الطيارين الجدد الذين سينضمون للتشكيل اليوم، وبدأ في القراءه .
الورقه الاولي، تعلوها صورة شاب مصري الملامح يتوسط وجهه شارب رفيع
الملازم طيار: وليد عبد الرحمن : الاول علي دفعه عام 1966 – طيار مقاتل علي الميج 21 يتميز بالجراءه الشديده والتي من الممكن ان تتحول الي تهور، مطيع لاوامر رؤسائه، لا يدخن، خجول، عاد لمصر بعد الحرب، لم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي
شرد أحمد للحظه مع عده كلمات : اول الدفعه – جرئ – خجول ثم قلب الصفحه الثانيه
والتي توسطتها صورة لشاب أصلع الرأس ذو نظرات حاده وجهه يميل الي السمار
الملازم طيار : خالد فؤاد : الثاني علي دفعته عام 1966 – طيار مقاتل علي الميج 21 يتميز بالهدوء والتفكير العميق، متزن في تصرفاته عاد لمصر بعد الحرب، لم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي
اما بالصفحه الثالثه كانت تخص الملازم طيار: شريف المصري وقد علت الصفحه صورة شاب تضخ نظرات عينيه كبرياء وشمم، وقتها تذكر احمد صديقه الشهيد مدحت المليجي، فنظراتهما متشابهه رغم أختلاف الملامح ثم أستكمل القراءة بعد لحظات شرود، وتابع قراءة موجز عن شريف المصري
الثالث علي دفعته عام 1966، برع في قصف الاهداف الارضيه بالتدريبات علي الميج 21 – غير أجتماعي بالمرة، كثير الوحده والشرود ودائم القراءه والاطلاع، مطيع للاوامر ولم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي
اما بالورقه الاخيرة فكانت صورة لشاب ذو أبتسامه طفوليه تظهر من تحت شارب كثيف
انها صورة الملازم طيار: جمال شفيق الرابع علي دفعته عام 1966، مسيحي، طيار مقاتل علي الميج 21 ذو شخصيته مرحه ومحبوب من الاخرين جدا، لم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي أيضا .
شرد أحمد لبرهه مفكرا ..... الاربعه الاوائل في الدفعه قبل الاخيرة من كليه الطيران، يعطى مؤشرا مهما علي أهميه السرب الجديد، فما الداعي لتدعيم السرب بالاربعه المتوفقين دفعه واحده ؟؟؟
شرد أحمد ودام شروده وهو يحفظ علي ظهر قلب بيانات كل واحد منهم
وقبل العصر، طرق طارق وعمر الباب علي أحمد ليصطحبوه لاستقبال زملائهم الجدد.
وبينما اعتذر المقدم محمد السيد، لانشغاله بأعمال اداريه وطلب من أحمد أن يصطحبهم الي مكتبه عند وصولهم، فوقف الثلاثه بساحه المطار منتظرين زملائهم ويتحدثون بأعجاب عن العمال الذين يعملون بجد وأجتهاد لبناء الدشم المختلفه، وأختلفوا علي اشكال بعض المنشأت الخرسانيه الاخري الغريبه الشكل
مال أحمد علي رفاقه ((زملائنا الجدد اللي جايين دلوقت، كريمه الدفعه قبل الاخيره))
لم ينتبه عمر لمعني الجمله فأردف أحمد ((دول الاربعه الاوائل علي دفعه 66 ))
تعجب طارق ((ومن امتي الاوائل بيتحطوا في سرب واحد ؟؟؟))
هز أحمد كتفيه معربا عن أستغرابه هو الاخر وأستطرد ((دول لسه راجعين من روسيا طازة ))
تدخل عمر ((دول عايزين لجام من حديد)) ظهرت نظرة الاستغراب علي وجه أحمد فأستكمل عمر
((يعني اوائل الدفعه ولسه راجعين من روسيا، يعني عندهم طاقه كبيرة وعايزين يحاربوا بسرعه ))
أنتفض أحمد رعبا وصاح ((لأ)) دهش طارق وعمر من رد فعل أحمد الذي واصل
((مش قبل ما يتدربوا، ويتدربوا كويس جدا كمان، محدش هيشتبك منهم الا بعد ما نكون أحنا حواليهم .... دول لسه جدد ومقدرش أحطهم في أي أشتباك قبل ما أتأكد انهم هيرجعوا المطار بسلام))
قطع صوت طائرات مقتربه من الغرب حديث أحمد، وبالفعل ظهر تشكيل من اربع طائرات تحوم حول المطار وتتخذ دورة الهبوط، ومن خلف زجاج نظارته السوداء كانت عيني أحمد ترصد كل حركه تقوم بها الطائرات الهابطه لتقييم من بها وتكوين فكرة مبدئيه عن أسلوبه، والطيار الكفء هو من يستطع قياس قدرات طياريه من أقل حركه ولو بسيطه .
هبطت الطائرات بسهوله ويسر، وأنتشرت في جنبات المطار بناء علي تعليمات ضابط برج المراقبه .
وبعد دقائق وصلت سيارة جيب تقل الطيارين الا
الفصل الخامس
ما بعد النكسه
مرت عده أيام منذ بدأت الحرب، ولا يمكن لاشد المتفائلين في أسرائيل أن يتوقع ما حققته الضربات الإسرائيليه للجبهات العربيه المختلفه .
فقد تم أحتلال سيناء بلا عناء يذكر وتلتها الضفه الغربيه والجولان بسهوله أكبر، فقط سته ايام من الحرب، جعلت اربع عواصم عربيه في مهب الريح، فالقدس قد أحُتلت، وعاد اليهود لنفس طريق الالام الذي اقتادوا المسيح فيه منذ الفي عام تقريبا، وتعالى أنين الاقصي من الاسلحه التي حاصرته وفضت سلامه وأمنه
أما عمان الاردن فقد أصبحت علي مبعده خطوات من دبابات الإسرائيليين مثلها مثل دمشق التي لا تبعد هي الاخري كثيرا عنهم.
اما قاهرة الغزاة، فقد أنتظرت مصيرها بقلق بالغ، فعلي الرغم من بُعد القوات الإسرائيليه عنها بما يزيد عن مائه كيلو متر ووجود قناه السويس كمانع مائي، الا انه لم يكن هنالك ما يمنع الإسرائيليين من الوصول لها، في ظل حاله الانهيار في الجيش المصري والتي شملت كافه قياداته ووحداته والاهم من ذلك أنهيار معنويات جنوده وشروده وعزوفهم عن القتال.
ورغم تغيير قيادات الجيش فمازال الانهيار والتشتت والضياع يلف كافه وحدات الجيش وينخر عظامها بقوة، فالقاده يبحثون عن وحداتهم التي تشتت وضاعت معداتها بين سيناء والطرق المختلفه في أنحاء شرق مصر، والجنود مازالوا يتجهون صوب قراهم ومدنهم وقد اعطوا ظهورهم للجبهه .
وبين كل هذا الواقع الكئيب وإنعدام الامل في المستقبل، كان نبض الامل موجود وحي داخل القواعد الجويه المصريه، والتي أغلق الرجال ابوابها علي انفسهم محاولين أستعاده الحياه مره أخري، فقد أصيبت القوات الجويه في مقتل وتبعثرت أشلائها، لكن العقل لم يمت والقلب ما زال يضخ دما فكان طبيعيا ان تستجيب الاطراف.
كان بكل قاعده قاده وضباط يعملون جنبا الي جنب مع الجنود والمهندسيين والفنيين لتجهيز قواعدهم مره اخري للعمل، وازاله كم هائل من مخلفات القنابل الزمنيه الغير منفجرة بعد الدمار الذي حل بكل شبر فيها .
وفي قاعدة إنشاص الجويه والتي تلقت ضربات شديدة ومؤثرة، فقد دبت فيها الحياه بسرعه البرق، وعادت القاعده للعمل بصورة جزئيه بفضل جرأه وبساله الطيارين والمهندسين، واستطاعت هذه القاعده القيام بعدد كبير من الطلعات الهجوميه والدفاعيه وأصبحت مثال حي على ان القوات الجويه مازالت حيه.
الخامس عشر من يوينو 1967
مطار إنشاص :
طلب العقيد تحسين لاسلكيا من أفراد تشكيل النقيب أحمد للحضور الي مكتبه، تجمع أحمد وطارق وعمر أمام مكتب قائدهم وقد علا الاجهاد علي وجوه الجميع وطالت اللحى وزاغت الاعين من فرط التعب، فيالها من اياه عصيبه وقاسيه مرت بهم ونالت منهم
وفور دخول الثلاثه للمكتب، أخبرهم العقيد والذي ضاع صوته من فرط التوتر والارهاق، بأن وقف اطلاق النار مازال متماسكا، وان لديه عدد كبير من الطيارين يفوق عدد الطائرات، لذلك فقد قرر منح الثلاثه أجازة أجباريه 24 ساعه، ضمن فوج كبير من الطيارين .
علي الفور أعترض الثلاثه في وقت واحد، فليس الوقت مناسبا بعد للاجازة هكذا تعللوا، ويجب ان يظلوا بجوار زملائهم فالبلد في حرب، لكن الرجل بحزم صرح بأن ذلك أمر غير قابل للنقاش، وان الاجازة ستكون من السادسه مساء اليوم، ثم امرهم بالانصراف
وقبل ان يغادروا، وكمن تذكر أمرا، أضاف الرجل ((بلاش ترَوِحوا بالميري، البسوا ملكي احسن))
نظر الثلاثه لبعضهم البعض في دهشه وظهرت الاسئله من هذا الامر الشاذ من قائدهم، خرج الثلاثه الي ارض المطار متجهين الي مكان اقامتهم خلال الايام الماضيه، تحت اجنحه طائراتهم، حيث ينتظرون اي طارئ، كانت فكرة عمر ان يعسكروا بجوار الطائرات ورحب طارق واحمد بها بشده، وأثناء سيرهم، صاح أحمد معترضا (( أنزل اجازة أعمل ايه؟ انا بيتي بقى هنا وحياتي هنا، انزل مصر اعمل ايه ؟ طيب لو حصل حاجه هاعرف ازاي ؟؟))
عمر ((الواحد فعلا مش عارف هيحط وشه في وش اهله ازاي بعد اللي حصل ده ))
طارق ((يا جماعه، العقيد تحسين عنده حق، فيه طيارين كتير لكل طياره، وبرضه أكيد كل واحد هياخد له دور في الاجازة وخصوصا ان فيه وقف إطلاق نار، بس فكروا معايا في اهلكم، مش برضه محتاجين اننا نطمنهم علينا، ثم دول كلهم 24 ساعه بس ))
لمس كلام طارق وترا حساسا بداخل كل منهم، فأنزوي كل منهم بجوار طائراته يحاول ان يسترجع ذكريات اهله التي تاهت من عقل كل منهم وسط أحداث الحرب والامها ومعاناتها، وكيف غادر منزله اخر مرة بطلا والان يعود اليه مهزوما مدحورا.
أستند أحمد علي صاروخ مثبت في طائرته يدخن سيجاره وشرد عقله مع كل ما دار في الايام السابقه تلك الايام التي حفرت بالدماء والالم في عقله، جال مدحت في عقله بأبتسامته واناقته المميزة ونقاشتهم والمدعبات التي لم تكن لتنتهي لولا قضاء الله، وتذكر هؤلاء الجنود المساكين الذين قتلوا امام عينيه بدون رحمه، فترقرقت دمعه ساخنه علي عينيه وانزلقت سريعا ومسحها أحمد بسرعه وهو ينظر حوله خوفا من ان يكون اي من زملائه او الفنيين قد لاحظها، لكن كل من الرجال المنتشرين حول طائراتهم لم يكن يلاحظ، فكل منهم في عالمه الخاص وهمومه الشخصيه.
فبينما عمر وطارق يجلسان صامتين، كان الفنين يفترشون الارض وهم يشربون اكوابا من الشاي والحديث لا يتوقف بينهم .
اما بقيه الطيارين فهم منتشرون في ارجاء المطار بجوار طائراتهم، بينما مازال عدد من المهندسين والجنود يعبدون احد الممرات الفرعيه المدمرة
دق الجرس في منزل الحاج أحمد الشاذلي، فترك الحاج أحمد الجريده ونظر تجاه الساعه فوجدها قاربت العاشرة مساءا، وبدأ يتساءل عن هذا الزائر المتأخر، وقبل ان يتحرك من مقعده كانت الام تتوجه نحو الباب في بطء وكأنها تأبي ان تقابل احدا .
سمع الاب صرخه الام الفرحه وهي تهتف بأسم ابنها في لوعه، فأطاح بالجريده من يده وهرول تجاه الباب لينضم الي زوجته وابنه في عناق حار تملائه الدموع الممتزجه من اعين الجميع، شلال عنيف من المشاعر والدموع والفرحه تملاء الوجوه في أن واحد.
ظل الثلاثه محتضين بعضهم البعض لفترة من الوقت ،والام والاب لا يكفان عن حمد الله علي سلامه ابنهم والدموع تجد طريقها سريعا للعيون وبعد فترة هدأت ثورة المشاعر قليلا وتوجهوا الي غرفه المعيشه جميعا، الام تطمئن علي سلامه ابنها وعدم أصابته رغم حالته الرثه الواضحه عليه، بينما يجلس الاب يحتضنه في شوق، ثم اسرعت الام لتتصل ببناتها وناديه، وبصوت يرفرف عليه السعاده تزف اليهم خبر عوده عمر سالما .
كان عمر منهكا أشد الأنهاك، ولاحظ الوالدين ذلك من نظرة عينيه الزائغه القلقه، وبينما أسرعت الام لتعد عشاءا سريعا لابنها، كانت نظرات الاب تطل متسائله لكن الاسئله أستحت ان تخرج .
وبعد نصف ساعه كان عمر قد أستحم وحلق ذقنه وتناول العشاء واستعاد بعضا من شكله المالوف لديهم، وقتها بدأ توافد الجميع بما فيهم ناديه ووالديها لتدب الحياه في المنزل مره اخري.
ومره اخري ووسط صخب الاحاديث والترحيب بعودته سالما، تلاقت عيني عمر وناديه في صمت وعشق بعيدا عن عبارات الترحيب والمجاملات المحفوظه وتلاقت الايدي وتشابكت في شوق رهيب، ومره أخري يقطعها علي زوج شقيقه عمر عندما وصل وأحتضنه، لتعود مرة اخري وتتشابك وتلتهب المشاعر، مشاعر ناديه تضخ سعاده بعوده حبيبها سالما بينما عمر يمتص مشاعرها بكل قوة معوضا ايام واسابيع من المعاناه.
تعود الام من المطبخ باكواب من الشربات، لكن عمر ينظر الي والدته ويقف قائلا بحده ونظرات الغضب تطل من عينيه كالشرر المتطاير ((أيه ده يا أمي؟؟؟))
يتكهرب الجو في الغرفه فجأه وينظر الجميع لبعضهم البعض ويتعالي صوت الصمت، وتري الام في عيني ابنها نظرة تراها لاول مرة، نظرة لم تميزها فيميل الاب نحو ابنه ((أمك فرحانه برجوعك، دي كانت نادرة ندر لما ترجع بالسلامه))
أحس عمر لثانيه بالحرج من صياحه في والدته ومدي فرحتها فأردف بنبرة صوت خجوله حاسمه
((ملوش لزوم شربات يا أمي، الشاي هيكون أحسن))
شدت ناديه يدها علي يد عمر مخبره اياة بتفهمها بما يحس ويمر به فتقدم عمر نحو النافذه ناظرا للطريق المظلم الخالي من المارة تماما وتمتم ((البلد ضاعت وعايزني أشرب شربات؟؟))
تدخل والد ناديه محاولا تهدئه الحديث سائلا عمر ((البركه فيكم ترجعوا كل شئ بس انتوا ناوين تعملوا ايه بعد اللي حصل ؟))
نظر الجميع تجاه عمر الذي أشعل سيجارة بحركه لا اراديه في تصرف أول مرة يقوم به امام الجميع، وأستدار غير ملاحظ نظرات الاستغراب في عيني كل من حوله من السيجارة المشتعله في يده
قائلا ((تفتكر يا عمي هنعمل ايه ؟؟ هنحارب طبعا وهناخد تارنا ونرجع ارضنا ))
فتدخل علي في الحوار ((وهنقدر؟؟))
رد عمر بعصبيه وبحده ((طبعا هنقدر، ماهو احنا لازم نقدر لان اللي راح مفيش حاجه ترجعه الا الحرب والنصر))
تمتم أحمد زوج شقيقته الكبري ((بس الطريق طويل جدا وصعب، أنا سمعت ان خسايرنا كبيرة ))
تدخل الاب متسائلا علي أستحياء ((هو ايه اللي حصل بالضبط يا عمر، احنا سمعنا كلام كتير جدا وبصراحه مبقناش عارفين نصدق مين، الاذاعات العالميه بتقول حاجه وعندنا بنقول العكس))
تنفس عمر نفسا عميقا من سيجارته ونظر الي صورة عبد الناصر المواجهه له قائلا
((بإختصار يا حاج، احنا انهزمنا من غير ما نحارب، أنضربنا علي قفانا من غير ما نعرف نرد، محدش ادانا فرصه نقف ونحارب، لا .. دبحوا الجيش والطيران بجرة قلم))
ناديه بأسي ((اكيد كانت ايام صعبه عليك))
نظر عمر تجاهها وقد وضح التأثر علي صوته ((انا الموت كان حواليا في كل ثانيه، وناس كتير جدا ماتوا قدام عنيا من غير ما اقدر اعمل لهم حاجه، أصحاب وزملاء وعساكر ماتوا بالكوم من غير ما يقدروا يدافعوا عن نفسهم، ولا حتي يحاربوا، دي ماكنتش حرب دي كانت مذبحه))
ترقرقت الدموع في عيني ناديه من رد عمر المؤثر وتخيلها للمشهد، بينما نكس الاب رأسه حزنا.
عادت الام بالشاي هذه المرة، فقام عمر وقبل يدها فأحتضنته، ثم أستدار تجاه الجميع قائلا ((عمر اللي كنتوا تعرفوة خلاص مات يوم 5 يونيو وانا دلوقت شخص تاني، اي واحد زيي يمر بالي مريت بيه مع زملائي لازم يتغير ،واللي حصل خلي الواحد يفكر في اولوياته انا دلوقتي معنديش الا هدف واحد، هو الحرب والنصر بس))
نظر فوجد تساؤلات تطل من عيني ناديه فأستكمل موجهها كلامه اليها ((انا ممكن اموت في اي لحظه، لان الحرب مستمرة، ومش عايز اكون عقبه في طريق مستقبلك يا ناديه، فالقرار لك))
((قرار أيه ؟؟)) سألت ناديه في خوف، فأجاب عمر ((فسخ الخطوبه)) ، عم الصمت من هول ما يقوله عمر، فتدخلت والده ناديه عندما لمحت دموع أبنتها تنهمر ((مين جاب سيرة فسخ خطوبه يا كابتن عمر، أحنا يشرفنا انك تكون جوز بنتنا))
ثم قام والد ناديه وشد علي كتف عمر قائلا ((ملوش لزوم الكلام دة، انت لسه راجع وأكيد مش عارف بتقول أيه، انا هاعتبر اني مسمعتش ولا كلمه))
ثم أستكمل ضاحكا ((وبلاش بقي تحرق فرحتنا برجوعك، يا أبني دا احنا بقالنا كام يوم في غم أسود، من القلق عليك، يالا بقي روح بوس رأس خطيبتك واعتذر لها))
تعالت عبارات التجاوب من الجميع محاولين تلطيف الجو المشحون، وبعد أن قبل عمر رأسها ظهرت الابتسامه مرة اخري علي شفتيها، وهدأت حده النقاش وإن كان الحرب هو الموضوع الوحيد المطروح في المناقشه، وتساءل أحمد زوج شقيقته عن المسئول عما حدث ...... فنظر عمر تجاه صورة عبد الناصر وصمت للحظات، ثم أجاب ((معرفش))
وضح للجميع مدي أرهاق عمر، فأثروا الانصراف سريعا لكي يستريح، وعلي الباب، أمسك عمر بيد ناديه وسائلها ((هاشوفك قبل ما ارجع ؟))، أبتسمت وهزت رأسها بالايجاب
وبعد إنصراف الجميع، وتوجه الي غرفته متثاقلا مهموما لكن قبل ان يغلق باب غرفته سألته امه ((هوا طارق زميلك بخير ؟؟)) شرد عمر للحظه ثم اجاب ((زمانه في بيتهم دلوقت))
كان عمر محقا، فتقريبا في نفس الوقت الذي ارتمي عمر علي سريرة لينام، كان طارق بمنزله الانيق بمصر الجديده مع والدته في غرفه المائده، فقد أستقبلته بشوق وحرارة كبيرين، وبعد أن استحم بمياه دافئه أشتاق اليها كثيرا ساعدته في ارخاء اعصابه المتوترة قليلا، جلس علي مائده العشاء مع والدته يتجاذبان اطراف الحديث، فقد علم ان والده قد سافر للامم المتحده قبل الحرب ومن المتوقع استمرار سفره لمده من الوقت، وأنه اتصل عده مرات مستفسرا قلقا علي طارق، وان صوته كان مهموما جدا مما يراه ويسمعه كل يوم من وكلات الانباء العالميه عن مصر.
تجمع خدم المنزل حول المائده مستعدين في شوق لاي طلب قد يطلبه طارق، فقد كانت فرحتهم بعودته كبيرة، حتي زينب تلك الفتاه الصغيرة التي أشبعها طارق ضربا في كل مناسبه، كانت فرحه بعودته،
تناول طارق العشاء بنهم ووالدته صامته فقط تنظر اليه في شوق، وبعد أن فرغ من عشاءه أسرعت زينب لتعد له فنجانا من القهوة التي يحبها .
وبينما الخدم يرفعون اطباق العشاء، اخرجت الام سيجارة لتدخنها كعادتها، ومدت يدها بواحده لطارق، فقد كانت تعلم انه يدخن منذ زمن لكنها تظاهرت بالتجاهل، لكن هذه المرة قدمتها له كتعبير عن تفهمها بأن كل شئ قد تغير، ولم يعد شيئا كما كان من قبل وانها مقدره ما يمر به.
نظر طارق الي السيجاره المقدمه له لثوان، وتذكر ذلك الملازم الشاب الذي مات أثناء عودتهم من سيناء ومدي كان تشوقه لسيجاره اخيرة حتي مع الامه الشديده.
تدخل صوت الام ليقطع سير الذكريات في عقله ((كويس انك مش جي بلبس الطيران)) كانت جمله شديده الغرابه من الام التي تعشق رؤيه ابنها بملابس الطيران، فأستدعي طارق كل حواسه وتركيزة وتذكر نصيحه العقيد تحسين فتساءل علي الفور ((ليه بتقولي كده؟؟))
فنكست الام رأسها قائله ((البلد كلها بتحمل الطيران مسئوليه اللي جري))
فأستشاط طارق ووقف ((مين اللي بيقول الكلام ده ؟؟؟)) كانت نظراته الحاده تخيف الام التي صمتت محاوله التهرب من النقاش .
دخلت زينب الي الغرفه حامله معها فنجان القهوة، وبعد أن وضعته سألت طارق بابتسامه طفوليه
((تأمر بحاجه تانيه يا بيه ؟؟)) الا ان طارق نظر اليها بغضب وانفجر طاردا إياها من الغرفه، فركضت الفتاه السيئه الحظ خارجه .
أستدار طارق مرة اخري نحو والدته معيدا السؤال، فردت الام ((مش مهم دلوقتي، المهم إنك بخير))
طارق ((لا. أناعايزاعرف، محدش فينا قصر، كلنا عملنا اللي علينا وحرام تدبحونا أكتر ما أحنا مدبوحين))
وقفت الام وبصوت حنون وضعت يدها علي خد طارق ((أنا عارفه ان محدش منكم قصر، كلكم رجاله وهتعرفوا ازاي ترجعوا الامور زي ما كانت واحسن كمان ،.... المهم دلوقت تنام شويه وبكرة نتكلم))
كان لكلماتها المهدئه لابنها مفعول قوي عليه فهو يريد ان يستريح بالفعل، ولا يقوي علي النقاش لكنه يريد ان يعرف فأخبر والدته بأنهم سيكملوا الحديث غدا.
وعندما دخل غرفته وادار جهاز البيك أب علي أسطوانه كلاسيكيه هادئه، وقبل ان تمر دقيقتان كان قد غرق في سبات عميق تاركا صوت الموسيقي يصدح في الغرفه .
اما في منزل الاستاذ عبد الله بباب الشعريه كان الصمت يلف حجرات المنزل مثله مثل طرقات وأزقه المنطقه، ورغم الجو الصيفي الجميل الا ان جميع ساكني الحي قد أثروا الركون الي منازلهم، كان المعتاد ان تظل الطرقات مليئه بالمارة من جميع الاعمار، والاطفال يلعبون الكره حتي الفجر كذلك تظل المقاهي شاغره بروادها حتي ساعه مبكرة، كانت احوال الحرب وأخبارها تنعكس علي سلوكيات المواطنين الذين أجمعوا بلا اتفاق علي الانطواء في منازلهم .
فأختفت الابتسامه من الجميع وعم الوجوم محل الابتسامه المرتسمه دائما علي الشفاه لذلك لم يهتم أي من جيران أحمد بعودته، ورغم صخب أستقبال والديه واخوته له، الا ان أيا من الجيران لم يهتم بالسؤال،
كان الوحيد الذي أهتم بالسؤال هو الرائد حسنين والذي يسكن في الطابق الاسفل لشقه الاستاذ عبد الله والد أحمد، فرغم ان الرائد حسنين قد احيل للمعاش منذ فترة، الا ان حواسه العسكريه والوطنيه لم تنطفأ وظل ملازما للراديو يستمع ما يذاع من اخبار ويتبعها بأكواب من القهوة المتتاليه، وعندما أحس بضجه في شقه جارة أسرع ليسأل قلقا، وعندما وجد وجه الاستاذ عبد الله متهللا بعوده أبنه من الحرب، نكس الرائد حسنين رأسه مرددا بفتور غير متوقع ((طيب... حمد لله علي سلامته)) وأستدار عائدا الي شقته بدون أي اكتراث
لم يتوقف الاستاذ عبد الله عند رد فعل الرائد حسنين كثيرا وقتها، انما أنهمك في الترحيب بأبنه العائد من الحرب ، كان هذا منذ ساعه تقريبا والان يجلس الرجل محاطا بابناءه الثلاث وزوجته علي طاوله الطعام في الصاله المربعه المتواضعه يحتسي كوبا من الشاي الساخن .
توجهت الام نحو الغرفه التي دلف أحمد اليها منذ نصف ساعه تقريبا، وفتحت الباب بهدوء لتطمئن علي أبنها، وعندما تأكدت من نومه عادت مره أخري الي الصاله حيث أرتكنت علي احد الكنبات ووضعت يدها علي خدها هائمه في التفكير العميق .
وبجوار الوالد جلس عاطف الطالب بكليه الهندسه، يليه كمال وسمير الطلبه بالثانوي .
كان صمت الوالد والوالده متجاوبا مع صمت الابناء، والذين وإن كانوا قد فرحوا بعوده شقيقهم من الحرب لكن من عاد كان جسد شقيقهم فقط، فهو بلا روح تقريبا مما أطفأ فرحتهم .
اما الاب والام فقد رأوا ابنهم محطما بكل المقاييس وقد كبر أكثر من عشرة أعوام فوق سنه من هول ما رأه ومر به في عده ايام فقط .
أستدار عاطف سائلا والدته عما بها، فردت بحسرة ما بعدها حسره ((ما انت شايف أخوك رجع شكله أيه، هو ده أحمد اللي خلفته وربيته ؟؟ الواد كأنه شايل الدنيا فوق رأسه وماشي بيه))
تدخل كمال في الحوار ((هوا اللي حصل له شويه يا امي، ما انتي سمعتي من اللي رجعوا عن البلاوي اللي حصلت، وازاي كانت حالتهم تصعب علي الكافر))
فقاطعه سمير بهدوء ((مش الاحسن نحمد ربنا علي رجوع أبيه أحمد بدل ما نشيل هم، هوا أحنا ناقصين))
رفع الاب رأسه قائلا ((أمال لو ماشيلناش هم عيالنا هنشيل هم مين؟ ده الواد شايل هم البلد فوق كتافه))
الام ((الواد يا ولداه متكلمش كلمتين علي بعضهم من ساعه ما وصل لحد ما دخل ونام بهدومه))
عاطف ((يا جماعه، انتوا ليه مستغربين بس، أبيه أحمد راجع من حرب انهزمنا فيها، يعني شاف جيشنا وهو بينهزم، وأكيد انه شاف الموت بعينيه))
قاطعته الام بحده ((الموت ؟؟؟؟؟ فلا الله ولا فالك))
الاب ((امال انتي فاكرة ايه يا ام أحمد، أحمدي ربنا انه رجع بالسلامه، وقومي يالا صلي معايا ركعتين شكر لله علي رجوعه)) ثم نظر الي ابنائه شذرا ((وانتوا مش هتقوموا تصلوا جماعه ؟؟))
فأنتفض الثلاثه هلعا من نظرة الاب وركضوا تجاه الحمام للوضوء.
كان ضوء الشمس قد بزع منذ دقائق مزيحا ظلام الليل ومضيئا غرفه النوم، عندما تنبه عاطف الي ضوء الشمس يضايق عينيه، فأستيقظ ليجد أحمد مستندا علي حافه النافذه يدخن سيجارة بهدوء، أحتاج عاطف الي ثوان لكي يدرك عقله ما تراه عينيه، فأعتدل بهدوء وقام واضعا يده علي كتف شقيقه في حنان، شد أحمد علي يد شقيقه مال عاطف نحو شقيقه وبصوت يكاد يسمع قال
((الله يكون في عونك يا ابيه)) زاد أحمد من قوة قبضته علي يد شقيقه قائلا ((انت متعرفش انا شفت ايه في الكام يوم اللي فاتوا يا عاطف، البلد خلاص هتقع في أي لحظه))
تبسم عاطف علي استحياء ((لا يا ابيه، طول ما البلد فيها رجاله زيك، مش ممكن تقع ابدا، ثم ما الحرب وقفت))
نظر أحمد في عيني شقيقه نظرة تحمل تساؤلات عميقه غير مفهومه، فما المستقبل الذي ينتظر أشقائه
في المستقبل القريب، ومن اين يأتي عاطف بمثل هذه الثقه في ان البلد ستصمد، الأنه لم يحضر اهوال الحرب؟ ولم يشاهد القتل والدمار الذي رأه هو؟ او لانه لا يدرك حجم وابعاد الكارثه التي حلت بمصر ؟؟
أستغرب عاطف من نظرة أحمد له وتساءل عن مغزي هذه النظرة الا ان احمد لم يرد وواصل تدخين سيجارته ناظرا الي الطريق الخال من المارة تماما
قرر عاطف الا يدع شقيقه في شروده وفاجأه بسؤال مباشر ((في حد من زملائك أستشهد ؟؟؟))
بوغت احمد من السؤال واهتز كيانه بالكامل من قسوة السؤال، وبصعوبه رد احمد ((كتير))
بتلقائيه وعن عمد رد عاطف ((يا بختهم)) أستدار أحمد بحده ناظرا في عيني عاطف غاضبا من الرد
وقبل ان يتفوة أحمد بكلمه أردف عاطف ((طبعا .. حد يطول يموت شهيد، دلوقت هما في الجنه، الدور والباقي علينا اللي في النار دي، طب يا ريت اموت شهيد زي أي واحد منهم وانا بدافع عن ديني وبلدي)) جاءت كلمات عاطف بلسما علي قلب أحمد الا انه وبصعوبه بالغه قال ((مدحت أستشهد يا عاطف))
أهتز عاطف بشده فقد كانت له صداقه مع مدحت وكثيرا ما كانا يتسامران في الاجازات، لكن بصعوبه تمالك عاطف نفسه لكنه لم يستطع منع دموعه من الانهمار بسرعه، كل ما أستطاع ان يتفوة به ((لا اله الا الله – لا اله الا الله ))
وقتها فقط أستطاع عاطف أن يحس بجزء مما يحس به شقيقه، ففقدان صديق عزير كمدحت شئ صعب جدا
لم يجد احمد شيئا يقوله سوي أنه احتضن عاطف ودموعه تنهمر بغزاره هو الاخر .
فرغ عمر من صلاه الظهر مع والده، وقام الاثنان ليحتسيا كوبين من الشاي،، فقد قرر الاب الا يذهب الي عمله ويظل مع ولده لأكبر قدر من الوقت، و دار الحديث بينهم عن اي شئ وكل شئ الا الحرب، وعن تعمد تطرق الاب الي موضوعات مضحكه لعله ينتزع من شفتي ابنه ابتسامه كتلك التي تميز بها قبل الحرب .
أما الام فقد انهمكت في اعداد الغذاء لابنها و ناديه التي من المفترض ان تصل في اي لحظه .
وبالفعل وصلت ناديه وبدلا من ان يدعوها عمر للجلوس فقد قرر فجأه الخروج معها الي الشارع للتمشيه، وقبل ان يغادرا المنزل وعد عمر والدته بالعوده سريعا قبل موعد الغذاء
وفور خروجهم من بوابه المنزل، أستوقف تاكسيا وطلب منه الذهاب الي الكورنيش
تساءلت ناديه واجاب عمر (( عايز أشوف الميه )) ثم صمت، وطوال الطريق ظل يدخن صامتا، واحترمت ناديه صمته، وعلي كورنيش النيل، نظر عمر طويلا الي المياه المنسابه في هدوء
لم تكن ناديه تعلم ما يدور في خلده في تلك اللحظه بالتحديد الا انها تساءلت بغرابه قائله
((غريب جدا النيل ده ....)) نظر اليها عمر متعجبا من تلك الملحوظه وتساءل ... فردت ناديه
((تعرف النيل ده ماشي كدة بقاله قد أيه ؟؟)) هز عمر كتفيه نفيا ومازال تعجبه واضحا
((من الاف السنين، والنيل ده ماشي من الجنوب للشمال، تموت ناس وتتولد ناس ، وتتهد الدنيا من حواليه، وهو لسه ماشي)) تواصلت نظرات التعجب من عمر وظهر الفضول في معرفه مغذي كلامها، تأبطت ناديه ذراعه بحنان في تصرف نادر الحدوث منها وأشارت بيدها الاخري نحو النيل قائله ((بص الميه ماشيه ازاي، ميهمهاش ايه اللي بيحصل في البلد، وهتفضل ماشيه لحد ما القيامه تقوم، تفتكر ان الدنيا كلها هتقف بعد النكسه دي ؟؟ لا طبعا، النيل هيفضل ماشي من الجنوب للشمال زي ما ربنا خلقه، وحتي لو الاسرائييلين وصلوا القاهرة هيفضل ماشي برضه))
بدأ عمر يستجمع ما تقوله قائلا ((محدش قال ان الدنيا هتقف ))
ناديه ((انت كمان لازم تكمل وتفضل ماشي في الطريق بتاعك، ومتخليش حاجه في الدنيا تقف امام واجبك، وخلي النيل ده مثال لك ، مهما حصل لازم تحارب ولازم تصمد، لازم تفضل عمر المؤمن بربه وببلده))
لمعت عيني عمر من كلام ناديه وتمني لو أستطاع ان يضمها الي صدرة فقد كان كلامها مقدمه رائعه له في إخراج هذا الكم الهائل من الشحنات المكبوته داخله
فقال لها مبتسما ((تعرفي إنك عظيمه جدا، وتستاهلي بوسه))
ناديه وقد أحمرت خجلا ((لم نفسك يا كابتن، بلاش تهور )) ثم ضحك الاثنان، وأمسك كل منهم بيد الاخر في حب وسارا علي الكورنيش بجوار النيل يتحدثان وقد تغيرت احاسيس عمر رأسا علي عقب
وبعد فترة توقفت ناديه فجأة متسائله ((انت مش لسه لم تتفق مع بابا علي المهر ؟؟؟))
هز عمر رأسه ايجابا وهو متعجب من السؤال الغريب فأردفت ناديه وهي تحدق في عيني عمر ((طيب انا بقولك، انا مهري، حته من طيارة إسرائيلي توقعها بنفسك...... ايه رأيك))
أحس عمر برعشه قويه تسري في جسده من ذلك الشعور الذي ملئ خلايا جسده مع جمله ناديه، ولم يستطع أن يتفوه بكلمه، لكن اومأ مبتسما بالايجاب وجسده يمتلئ حماسا وسعاده من هذا الكم الهائل من الدعم والمسانده الذي حقنته ناديه لها حقنا، فقد كان ذكاءها حادا وناجحا في انتشال حبيبها من اليأس
ونظرا لبعضهما البعض لفترة وعيني عمر تشعان فخرا بمحبوبته وعقله يلح عليه في احتضانها
أحست ناديه بما بحس به عمر فأردفت ((مش نرجع البيت علشان نلحق الغدا))
في ذلك الوقت الذي كان عمر وناديه يستقلان التاكسي عائدين للمنزل كان طارق قد سلم نفسه للمياه في مغطس منزله، كانت رغبته في السباحه وغسل همومه كبيرة جدا، وكان من المستحيل ان يظهر في النادي مرتديا ملابس السباحه في هذا التوقيت بالذات وعلي ذلك أستطاع أن يجد بديلا معقولا، فملئ المغطس بالمياه حتي أخرة، وادار جهاز البيك أب علي أحد مقطوعات بيتهوفن الحماسيه، وبينما جسده يغرق ببطء في المياه، أشعل سيجارة ودار شريط ذكرياته ببطء متذكرا ما حدث، تذكر الصاوي ومحمود زملائه الذين أستشهدا قبل ان تسنح لهم الفرصه بالاقلاع بطائراتهم، كذلك تلك المطارده الشرسه مع طائرات العدو، وما دار بعد ذلك طوال تلك الايام المريره حتي عاد لمنزله
لقد كان بالفعل شهرا حافلا بالذكريات المؤلمه حقا، موت ودمار وهزيمه وانكسار ويأس، تنبه الي ان هذه الذكريات من المستحيل ان تمحا من عقله نهائيا، فكيف يستطيع ان ينسي اي مشهد مما رأه او حتي سمعه من العائدين .
فأشعل سيجاره اخري وأخري وموسيقي بيتهوفن تصدح، وعقله يعمل بقوة متذكرا شريطا طويلا، وفجأه وبدون سابق انذار توقف عقله عن التذكر وأضاءات جميع المصابيح الحمراء في عقله منذرة بالخطر، فما فائده التذكر وحرق الدم والسجائر، فما حدث قد حدث ولا راد لقضاء الله، لكن السبيل الوحيد هو التفكير في مخرج فعلي وحقيقي من هذا الكابوس، فلابد من ان ينتهي الكابوس بأي شكل، لكن التفكير في الماضي لن يساعد في ذلك، وتوصل بعد جهد الي معادله بسيطه جدا
نهايه الكابوس= إيمان بالله وبالنصر +عمل واجتهاد+ تضحيه لا نهائيه + هدوء اعصاب+تدريب عال
هنا وهنا فقط هدأت اعصابه وعادت اذانه تسمع صوت الموسيقي التي لم تكن تسمعها طوال الوقت لصخب صوت عقله ،وفي هذه اللحظه وضع طارق قدمه علي اول الطريق لنجده نفسه من مستنقع اليأس والهزيمه
هنا فقط وجد انه لابد من وجود مخرج للظلام الذي حل بمصر، وانه كمقاتل أحد تروس العسكريه المصريه والتي لابد لها من العوده للدوران مره أخري .
خرج طارق من الحمام شخصا اخرا، ولاحظت والدته ذلك بوضوح فتهللت اساريرها، فقد عاد الوجه للاشراق مره أخري وإن ظلت البسمه غائبه .
وعاد وسألها عما قصدته بالامس من تحميل الشعب للطيران مسئوليه الهزيمه، فردت الام ((انت عارف الاشاعات، فيه كلام انه كان فيه حفله للفجر في إنشاص، وانكم كنتم نايمين في العسل وكلام من ده انت فاهم الاشاعات)) ورغم توقعها بثورة طارق امام هذا الكلام الا انه اجاب بهدوء وثقه ((اللي يتكلم يتكلم – احنا هنرد وكل البلد هتسمع صوتنا قريب .أكيد ))
فتبسمت الام وهي تحمد الله في عقلها لهدوء ابنها ودعت له بالسلامه
و مع دقات الساعه الثامنه مساءا، كان أحمد يغادر منزله بزي مدني مثلما حضر، ودع اهله بسرعه كما تعود، ولم يلتفت لوالدته التي تعالي صوت بكائها، فياله من أحساس الام عندما تودع ابنها الذاهب للحرب، وكان لابد ان يظل مسيطرا علي اعصابه ولا يهتز بدموع والدته .
صحبه عاطف حتي السيارة، ،فأستدار موجها حديثه لعاطف ((خد بالك من امك وابوك كويس، انا ممكن معرفش اتصل الكام يوم الجايين)) تبسم عاطف مؤكدا قدرته علي الاعتناء بهم واردف
((المهم انت تاخد بالك من نفسك)) تبسم أحمد وأحتضنه
أنطلقت السيارة من حي باب الشعريه متجهه الي العباسيه حيث يسكن عمر
كان عمر قد أستعد وانتظر وصول السيارة في الشرفه وبجوارة ناديه، كان شوق عمر في العوده للمطار يعادل شوقه للقاء ناديه، وكان أحساسا غريبا وجديدا لديه، فهاهي ناديه بجوارة منذ الصباح، ومازال في شوق لها ولحنانها، لكنه ينظر الي الساعه كل دقيقه تقريبا، فهو في شوق الي العوده للمطار وللرفاق ولطائرته ..... وللحرب
قطع صوت الام من الداخل شروده، الام تعد كميات أقل ما توصف بانها هائله من الطعام، فأستفسر عمر متعجبا، وترد الام في حنان ((ده ليك ولزملائك اللي منزلوش أجازه، ثم دي حاجه بسيطه ترم عضمكم بدل اكل المطار)) أحصي عمر ما لايقل عن خمس صناديق أعدتها الام، ولسرورة بما قامت به أمه، أنحني وقبل يديها فأحتضنته الام، وبينما هذا السيل من المشاعر يملئ جنبات المنزل، جاء صوت اله التنبيه من الشارع، فتنبه لذلك واشار الي أحمد بأنه جاهز للرحيل، حمل الاب صندوقين وناديه صندوقا، وعندما هم عمر بحمل الصندوقين الاخرين لكي يغادر، أمسكت أمه بيده بشده
حاولت ان تقول شيئا، شيئا مهما لكن الكلمات لم تخرج، وخرج بدلا منها نهر من الدموع، حاولت مره اخري ان تتكلم، لكنها لم تستطع، وفي النهايه قالت ((تروح وترجع بالسلامه ))
كان عمر يعلم ان والدته ستطلب منه الا يغادر وان يظل بجوارهم، لكنها كانت تعلم انه المستحيل فعجزت حتي عن الكلام، وعند السيارة فوجئ أحمد بعمر ووالده وناديه يحملون صناديقا يقومون بوضعها في المقعد الخلفي، قطع مفاجأه احمد تدخل عمر معرفا والده علي قائده الشاب وكذلك عرف ناديه به .
أمسك الاب بكتف أحمد وبابتسامه صغيرة قال ((ربنا يحميكوا يا ولاد، ربنا ينصركم))
وعندما هم عمر بوداع ناديه، وضعت في يده سلسله فضه معلق بها ايه الكرسي
((دي تفضل في رقبتك علشان تحميك)) قالت ناديه، فطبع عمر قبله دافئه علي جبينها، ومسح دموعها المنسابه بيده، وركب السيارة بسرعه وهو يودع والده ووالدته الواقفه في الشرفه
أنطلقت السيارة بسرعه والرجال صامتون بها، كان احمد مدركا تمام الادراك مدي صعوبه الوداع لذلك ترك لعمر برهه من الوقت ثم بادرة سائلا
((ايه كل الكراتين دي يا عمر ؟؟؟)) خرج عمر من شروده علي سؤال أحمد فأبتسم
((دي الحاجه باعته أكل لنا)) فتبسم احمد واردف ((ربنا يخليهم لنا))
وصلت السياره الي مصر الجديده سريعا، وتوقفت امام منزل طارق الذي كان بدورة واقفا علي الرصيف منتظرا قدومهم، أستدار طارق مودعا والدته التي ودعته من الشرفه دلف طارق بجوار عمر، وفور دخوله تساءل هو الاخر عن ماهيه هذه الصناديق وعندما جاءة الرد من عمر تمتم
((هيه الحاجه ناويه تأكل المطار كله النهارده ؟؟)) وتبسم الجميع من تعليق طارق
دلفت السيارة الي بوابه المطار بعد ساعه تقريبا من مغادرتهم منزل طارق، وبعد الاجراءات المعتاده توجه عمر وطارق الي غرفتهم بينما توجه أحمد ليقدم نفسه للعقيد تحسين .
تقابل أحمد مع السمري بجوار مكتب العقيد وتساءل أحمد عن الاخبار وما دار في اليوم السابق
ولم يكن هناك أخبار جديده سوي استمرار عوده القوات من سيناء ،وان وقف اطلاق النار مازال قائما وإن كانت هناك انباء عن تراشق بالنيران بين قواتنا وقوات العدو علي ضفه القناه، وعندما علم السمري بأن أحمد متجه لمقابله العقيد تحسين أخبرة السمرى بان العقيد تحسين تم أستدعاؤه للقياده بالقاهرة وانه لم يعد حتي الان، وان اركان حرب المطار (نائب القائد) يزاول مهام القائد الان
وبدون جدوي دار الحوار بين الاثنين عن سبب استدعاء العقيد تحسين للقياده والهدف منه .
ومرت أيام علي الرجال وهم في قمه الاستعداد والتحفز، خلال هذه الايام وصل عدد من الطيارين الشبان الذين كانوا يتدربون في الاتحاد السوفيتي، كذلك وصلت اعداد من الطائرات الجديده، بدلا من تلك الباليه التي قام الاتحاد السوفيتي بتوريدها بسرعه من الوحدات العامله لانقاذ الموقف .
وفي صباح أحد الايام قبل نهايه شهر يونيو 1967 الكئيب، تم أستدعاء أحمد الي مكتب قائد المطار والذي بدورة ابلغه بأن الاوامر قد صدرت له (أحمد) وتشكيله بالنقل الي مطار القطاميه ومعهم اربعه من الطيارين الجدد الاكفاء وأن تشكيله اصبح يحمل رقما وهو 77 وأنه (أحمد) أصبح قائدا لهذا التشكيل حتي يتم تدعيمه بالطيارين والطائرات ليكون قوة سرب كامل.
كانت عجله الاعداد والتجهيز والتنظيم تسير بخطي سريعه داخل القوات الجويه، وتم خلق تشكيلات جويه جديده بأسماء جديده بدلا من تلك التي دمرت في الحرب، ومع تزايد عدد الطائرات كان لابد من اعادة توزيعهم علي باقي المطارات.
خرج أحمد الي رفاقه تحت اجنحه الطائرات وهو يحمل أمر النقل واسماء الطيارين والكثير من التفاصيل
أستدار عمر بفضول الي احمد الاتي تجاههم، فقد كانوا في شوق لمعرفه الاخبار الجديده
جلس أحمد تحت جناح الطائرة مخبرهم ((من النهارده أحنا أسمنا بقي التشكيل 77 وهنتقل من بكرة لمطار القطاميه)) فتساءل عمر مستغربا عن كلمه التشكيل 77
فأجاب أحمد ((ده مؤقتا لغايه لما تجي لنا طيارات وطيارين ونبقي السرب 77))
أما عمر فقد لمعت عيناه تمتم ((مطار القاطميه .... كويس جدا، ده علي الجبهه علي طول، يعني هنكون اول ناس نشتبك مع العدو ... ده شئ رائع جدا ))
أما احمد فقد كان متوجسا خيفه من الطيارين الجدد فقال ((احنا هينضم لنا اربع طيارين لسه راجعين من الاتحاد السوفيتي بعد ما أخدوا دورة قتال هناك ...... يعني احنا قدامنا مجهود جامد جدا علشان نجهزهم معنويا وفنيا، المفروض انهم يكونوا عشرة علي عشرة بسرعه، وده دوري ودوركم معايا برضه))
اومأ عمر وطارق أيجابا، وقد أحس كل منهم بالمسئوليه تجاه هؤلاء الصغار، فأرواحهم أصبحت في أعناق أحمد وعمر وطارق ولابد من تدريبهم جيدا جدا
في تلك الاثناء مر السمري بالرجال، وسال أحمد سؤاله اليومي عن مصير العقيد تحسين فنكس السمري رأسه، فأحس أحمد بان هنالك شيئا ما حدث له، جلس السمرى بجوارهم قائلا في حزن ((العقيد تحسين هيتقدم للمحاكمه)) فوجئ الجميع بكلمات السمري، وأنفعل أحمد غاضبا جدا عن تقديمه للمحاكمه، الا ان السمري طلب منه ان يهدئ من روعه وان يسمع ما يعرفه ((انتو عارفين إن فيه محكمه مخصوص لمحاكمه الطيران عن تقصيرة في الحرب، وانا عارف شعوركم وغضبكم لان احنا مقصرناش نهائيا، لكن الكلام ان كان فيه حفله هنا في إنشاص ليله الحرب، وان الحفله خلصت قبل الهجوم بكام ساعه بس علشان كده الطيارين كانوا مش مستعدين، وفيه كلام ان الفريق الدغيدي قائد الطيران في الجبهه لم يكن مستعدا وأنه ساب مركز القياده قبل الضرب، وكلام كتير من اللي يحرق الدم، وكان لازم كل اللي قصر يتحاكم كمطلب شعبي))
كان احمد وعمر وطارق يستمعون لكلام السمري في غضب وحنق من التهم الظالمه التي يرددها الشعب لتعليق شماعه الهزيمه علي الطيران وحده، وواصل السمري حديثه
((الفريق صدقي محمود عليه تهم تشنقه عشر مرات والفريق جمال عفيفي اركان حرب الطيران برضه مع أنه كان سايب القوات الجويه لمده ثلاث سنين قبل الحرب وجابوه قبلها علي طول، والفريق الدغيدي شايل كل تهم الضربه الجويه، وباقي المتهمين ما بين لواء وعميد وعقيد، مفيش طيارين كتير الا حوالي خمسه سته بس))
قاطعه احمد ((وتهم العقيد تحسين أيه ؟؟؟))
السمري ((العقيد تحسين متهم بانه رفض تنفيذ الخطه فهد، وبدل ما يطلع كل طيارته طلع اثنين بس ))
طارق مقاطعا ((يعني هوا لو كان طلع الطيارات كلها كانت نتيجه الحرب اختلفت ؟؟ انتوا حكيتوا لنا انهم كانوا اتناشر طيارة بس))
يضحك احمد بسخريه ويجز علي اسنانه غضبا وغيظا
أستكمل السمري ((وكمان متهم برفض الاوامر، لما رفض يغير مسار المظله اللي انت كنت فيها يا احمد ومعاك خميس الي العريش، وقرار الاتهام شايف ان مسأله الوقود دي حاجه فنيه، وكان لازم عليه انه ينفذ الاوامر))
أحمد متهكما بغضب ((والله ده ظلم ..!!!))
عمر ((يعني لما قلنا الحال بدأ يتعدل وبدأوا يجيبوا ناس فاهمه تمسك القياده يقوموا يحاكموا العقيد تحسين ؟؟ يعني مفيش حاجه أتصلحت في البلد ؟؟؟))
طارق ((يا جماعه الضغط علي الريس جامد جدا من الشعب، الشعب فاكر اننا المسئولين بس عن الهزيمه، ومحدش عارف انهم في الجيش كانوا حطينا علي الارض ومش سايبنا نطير ونعمل مظلات، ده حتي طلعات التدريب كانوا ناويين يلغوها بالكامل ))
السمري ((علي العموم هما طلبوني للشهاده في قضيه العقيد تحسين، وأظن إن كلامي ممكن يصلح الاوضاع بالنسبه له))
أحمد ((الله يكون في عونه فعلا، محدش شاف ظلم زي اللي هوا شافه))
غير السمري مسار الحديث متسائلا ((وأخبار السرب 77 أيه ؟؟؟))
أحمد بفتور ((مبقاش سرب لسه، كله لسه تحت التكوين احنا قوة تشكيل فقط، هوا انت الاخبار كلها عندك؟))
السمري ((انتوا هتشتغلوا مع ناس كويسه جدا، والولاد الجدد اللي هيوصلوا لسه محتاجين تدريب طويل، يعني السكه لسه امامهم طويله، ربنا معاكوا ))
مال عمر نحو السمري ((مش هنشوفك قبل ما نسافر ؟؟))
السمري ((بليل إن شاء الله))
وقام السمري وترك الرجال تحت جناح الطائرة يتدبرون امورهم
وفي فجر اليوم التالي غادر أحمد ورفاقه متجهين الي مطار القطاميه جوا، وبعد دقائق من الطيران كانت طائراتهم تحوم حول مطار القطاميه أستعدادا للهبوط .
وفور هبوط الطائرات، لاحظ احمد ورفاقه ان القاعده تبدو كخليه نحل بكل معاني الكلمه، فهناك اعداد كبيرة من المهندسين والعمال يملئون ساحه المطار، ومعدات وخلاطات خرسانه، ومباني غريبه الشكل تحت الانشاء، أشار الضابط ببرج المراقبه بتوزيع الطائرات في مكان قصي علي اطراف المطارات، وقبل ان يغادر الرفاق طائراتهم كانت احد السيارات الجيب الصغيرة تتوقف بجوارهم بسرعه
هبط أحمد ليجد رجلا شديد الوسامه والاناقه، يضع علي عينيه نظارة شمس تخفي عينيه، شعرة أسود كسواد الليل ويحمل علي كتفيه رتبه مقدم، تقدم المقدم تجاه أحمد الذي أدي التحيه العسكريه له
في تلك اللحظات كان عمر وطارق قد أصطفا بجوار أحمد مؤدين التحيه العسكريه أيضا للمقدم
صافحهم الرجل بأبتسامه مشرقه معرفا نفسه ((أنا المقدم محمد السيد قائد المطار، وانا فعلا سعيد بوجودكم معايا)) خلع الرجل نظارته ليكشف عن عيني حاده متجمده، وواصل الرجل حديثه موجهها كلامه الي أحمد
((أنا طلبت من الفريق مدكور رجاله شاركت في القتال الايام اللي فاتت، وعندها خبرة علشان يكونوا سرب المقاتلات بالمطار، ولما جت ملفاتكم عرفت ان الرجاله دي هيه اللي هتعرف تشتغل معايا ..... ببساطه أحنا مش عايزين طيارين بس، احنا عايزين فدائيين من نوع خاص، واللي اعرفه عنكم يخليني أقول انكم أقرب ما يكون للي في دماغي)) لبس الرجل نظارته مجددا، وأصطحب الرجال معه في السيارة، وبينما السيارة تتجه نحو مبني القياده، تجولت أعين الرفاق في انحاء المطار متسائله عما يحدث .
وفور وصول السيارة ونزولهم منها أستدار المقدم محمد، مشيرا الي تلك البنايات الغريبه قائله
((المباني اللي شايفنها دي دشم طيارات، علشان ميحصلش زي اللي حصل تاني))
تهلل طارق طربا ((يا فندم أحنا كنا عايزين الدشم دي من زمان))
بينما تساءل عمر ((بس يا فندم، دوران المحرك جوه الدشمه مش هيأثر علي جسم الطيارة ؟؟))
أجاب المقدم محمد ((التصميم الابتدائي للدشم واللي الروس رفضوه من زمان، كان فيه العيب ده أما الدشم دي فتصميم مصري 100% لها بابين، باب دخول وباب خروج، وعند تشغيل المحرك يكون باب الدخول الخلفي مفتوحا لخروج العادم، يعني مفيش حرارة ولا حاجه))
هتف أحمد بسعاده ((تحيا مصر ... اهوا ده الشغل والا بلاش ))
تدخل المقدم محمد مره اخري ((المشكله إن مفيش اعتمادات ماليه كفايه لعمل دشم اكتر، المرحله الاولي هيه عشر دشم بس، يعني لسه فيه طيارات ملهاش دشم، ودي هنوزعها علي اطراف المطار))
طارق ممتعضا ((يا دي الاعتمادات الماليه اللي ودتنا في داهيه، يعني لازم ننضرب تاني))
المقدم محمد ((أنت مش متخيل حجم المبالغ التي بتنصرف علي الجيش دلوقت، إحمد ربنا أن الفريق مدكور قدر يتصرف في عشر دشم لكل مطار، لكن خطه الطوارئ اللي الفريق مدكور وافق عليها، فيها ثلاثين دشمه بالمطار منها التبادلي وكمان رصف ممر جديد، واطاله الممر الحالي لمرة ونص طوله الحالي))
أحمد متسائلا ((ده كدة المطار هيكون قاعده كبيرة ؟؟))
المقدم محمد ((لا يا احمد، دة الطبيعي في كل مطار حربي، أو المفروض انه يكون موجود في كل مطار ولو ده كان موجود قبل خمسه يونيو، كان الحال اتغير فعلا))
عمر ((شاء الله وما قدر فعل))
المقدم محمد ((المهم، انه عندنا تشكيل ميج 17 فيه ست طيارات ومع الثمانيه ميج 21 نقدر نقول اننا بدأنا نكون جاهزين لاي عمليات، وعايزكم تكونوا جاهزين من بكره لبرنامج تدريب مكثف جدا))
ثم صافح المقدم محمد الرجال مرة أخري وتمني لهم التوفيق، وسلمهم لاحد الضباط الاداريين والمكلف بتسكينهم في سكن الطيارين بمبني سكنى داخل المطار .
دخل احمد الي غرفته وتفحصها بدقه، ومن شرفته بالدور الثاني تفحص مطارة الجديد، الملئ بالحيويه والعمل والنشاط من الجميع، فهنالك اعداد كبيرة من العمال تبني تلك الدشم الخرسانيه ومهندسين يستخدمون اجهزة مسح لقياس المسافات الهندسيه، دار ذهنه لبرهه
((ماذا لو كان كل هذا المجهود تم بذله قبل الهزيمه ؟؟)) لكن ماذا تفيد كلمه – لو- فيما هم فيه الان
فأستدار أحمد لافراغ حقيبه ملابسه، وبسرعه فرغ من مهمته، بعد ان جهز خوذته وقفازه الابيض وحذاءه لكي يكونوا جاهزين للغسيل، كما تعود ان يفعل بعد كل طلعه، ثم أرتمي علي السرير وامسك بملخص لملفات الطيارين الجدد الذين سينضمون للتشكيل اليوم، وبدأ في القراءه .
الورقه الاولي، تعلوها صورة شاب مصري الملامح يتوسط وجهه شارب رفيع
الملازم طيار: وليد عبد الرحمن : الاول علي دفعه عام 1966 – طيار مقاتل علي الميج 21 يتميز بالجراءه الشديده والتي من الممكن ان تتحول الي تهور، مطيع لاوامر رؤسائه، لا يدخن، خجول، عاد لمصر بعد الحرب، لم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي
شرد أحمد للحظه مع عده كلمات : اول الدفعه – جرئ – خجول ثم قلب الصفحه الثانيه
والتي توسطتها صورة لشاب أصلع الرأس ذو نظرات حاده وجهه يميل الي السمار
الملازم طيار : خالد فؤاد : الثاني علي دفعته عام 1966 – طيار مقاتل علي الميج 21 يتميز بالهدوء والتفكير العميق، متزن في تصرفاته عاد لمصر بعد الحرب، لم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي
اما بالصفحه الثالثه كانت تخص الملازم طيار: شريف المصري وقد علت الصفحه صورة شاب تضخ نظرات عينيه كبرياء وشمم، وقتها تذكر احمد صديقه الشهيد مدحت المليجي، فنظراتهما متشابهه رغم أختلاف الملامح ثم أستكمل القراءة بعد لحظات شرود، وتابع قراءة موجز عن شريف المصري
الثالث علي دفعته عام 1966، برع في قصف الاهداف الارضيه بالتدريبات علي الميج 21 – غير أجتماعي بالمرة، كثير الوحده والشرود ودائم القراءه والاطلاع، مطيع للاوامر ولم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي
اما بالورقه الاخيرة فكانت صورة لشاب ذو أبتسامه طفوليه تظهر من تحت شارب كثيف
انها صورة الملازم طيار: جمال شفيق الرابع علي دفعته عام 1966، مسيحي، طيار مقاتل علي الميج 21 ذو شخصيته مرحه ومحبوب من الاخرين جدا، لم ينتهي من دورة متقدمه علي الميج 21 بالاتحاد السوفيتي أيضا .
شرد أحمد لبرهه مفكرا ..... الاربعه الاوائل في الدفعه قبل الاخيرة من كليه الطيران، يعطى مؤشرا مهما علي أهميه السرب الجديد، فما الداعي لتدعيم السرب بالاربعه المتوفقين دفعه واحده ؟؟؟
شرد أحمد ودام شروده وهو يحفظ علي ظهر قلب بيانات كل واحد منهم
وقبل العصر، طرق طارق وعمر الباب علي أحمد ليصطحبوه لاستقبال زملائهم الجدد.
وبينما اعتذر المقدم محمد السيد، لانشغاله بأعمال اداريه وطلب من أحمد أن يصطحبهم الي مكتبه عند وصولهم، فوقف الثلاثه بساحه المطار منتظرين زملائهم ويتحدثون بأعجاب عن العمال الذين يعملون بجد وأجتهاد لبناء الدشم المختلفه، وأختلفوا علي اشكال بعض المنشأت الخرسانيه الاخري الغريبه الشكل
مال أحمد علي رفاقه ((زملائنا الجدد اللي جايين دلوقت، كريمه الدفعه قبل الاخيره))
لم ينتبه عمر لمعني الجمله فأردف أحمد ((دول الاربعه الاوائل علي دفعه 66 ))
تعجب طارق ((ومن امتي الاوائل بيتحطوا في سرب واحد ؟؟؟))
هز أحمد كتفيه معربا عن أستغرابه هو الاخر وأستطرد ((دول لسه راجعين من روسيا طازة ))
تدخل عمر ((دول عايزين لجام من حديد)) ظهرت نظرة الاستغراب علي وجه أحمد فأستكمل عمر
((يعني اوائل الدفعه ولسه راجعين من روسيا، يعني عندهم طاقه كبيرة وعايزين يحاربوا بسرعه ))
أنتفض أحمد رعبا وصاح ((لأ)) دهش طارق وعمر من رد فعل أحمد الذي واصل
((مش قبل ما يتدربوا، ويتدربوا كويس جدا كمان، محدش هيشتبك منهم الا بعد ما نكون أحنا حواليهم .... دول لسه جدد ومقدرش أحطهم في أي أشتباك قبل ما أتأكد انهم هيرجعوا المطار بسلام))
قطع صوت طائرات مقتربه من الغرب حديث أحمد، وبالفعل ظهر تشكيل من اربع طائرات تحوم حول المطار وتتخذ دورة الهبوط، ومن خلف زجاج نظارته السوداء كانت عيني أحمد ترصد كل حركه تقوم بها الطائرات الهابطه لتقييم من بها وتكوين فكرة مبدئيه عن أسلوبه، والطيار الكفء هو من يستطع قياس قدرات طياريه من أقل حركه ولو بسيطه .
هبطت الطائرات بسهوله ويسر، وأنتشرت في جنبات المطار بناء علي تعليمات ضابط برج المراقبه .
وبعد دقائق وصلت سيارة جيب تقل الطيارين الا
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
[img:6
[size=18]مرت دقيقتين وبعدها بدأت جميع الطائرات بالخروج من دشمها الحصينه متجهه للممر الرئيسي، تلتها دقيقتين أخريين وبعدها بدأ تشكيل الميج 21 في الاقلاع علي دفعتين كما تدربوا
وبعد دقيقه كان تشكيل الميج 17 القاذفه يقلع هو الاخر، لتلتحم جميع الطائرات في تشكيل واحد متجه شرقا، وعلي الارض بدأ الفنيين في اعداد ذخائر جديده لتحميل الطائرات بها اذا دعت الحاجه، واعداد صهاريج الوقود لاعاده ملئ الطائرات.
اما في الجو فقد خرج صوت المقدم محمد هادئا ((يا رجاله ... زي ما اتدربتوا كويس عايزين ننفذ اللي تدربنا عليه وندي ولاد الكلب دول درس جامد جدا، كل واحد يتأكد ان طلقاته وصواريخه وقنابله رايحه للهدف بالضبط، وزي ما طلعنا كلنا هنرجع كلنا إن شاء الله ((
حاله من الصمت والتركيز تملئ الطيارين وهم يعبرون قناه السويس لقصف العدو، وطبقا للتعليمات فقد ارتفع تشكيل الميج 21 بقياده المقدم محمد، ليترك للقاذفات فرصه الانقضاض علي هدفها الاول وهو تجمع لمدفعيه العدو شرق مدينه السويس وبدأت الطائرات في قصف مدفعيه العدو بسهوله حيرت الجميع، فلم يكن هنالك دفاع جوي او حمايه ارضيه من دشم وملاجئ لمدفعيات العدو ،فقد كانت وحداته مكشوفه تماما مما أربك احمد كثيرا، فطلب من زملائه مسح السماء بأعينهم بحثا عن طائرات معاديه، فليس هذا أسلوب عدو رضع المكر والدهاء، كان قصف الطائرات المصريه عنيفا جدا وبسرعه تعالت النيران وسحب الدخان الاسود فوق المنطقه
وبينما تشكيل احمد يحمي القاذفات، خرج صوت وليد مبلغا رصد طائرة معاديه علي ارتفاع عال تتجه غربا، ربما طائرة أستطلاع كان أستنتاجه بذلك، وطلب الاذن بالاشتباك فأذن له المقدم محمد، وأمر أحمد - عمر بأن يحمي ظهر وليد، وبالفعل أنفصل وليد وعمر عن التشكيل وبدأ في التسلق تجاه الطائرة المعاديه، بينما أكد احمد على وليد بتشغيل الكاميرا لتصوير الاشتباك .
في نفس الوقت صاح النقيب حسين قائد تشكيل القاذفات في اللاسلكي ((الذخيرة خلصت وفي أهداف كتير ومفيش دفاعات معاديه، اطلب الاذن بالعوده للتزود بذخيرة والعوده مرة أخري)) وافق المقدم محمد علي طلبه فورا وأمر بقيه الطائرات بمهاجمه الاهداف الارضيه بمدافعها، وبينما القاذفات تنسحب لاعادة التسليح بدأت المقاتلات تهاجم بمدافعها مواقع العدو
أحس أحمد بأحساس لا يمكن ان ينساه طوال حياته، فقد أحس بشعب مصر كله داخله يهاجم معه الان وهو يطلق طلقات مدفعه نحو دبابات ومدافع العدو، فيد شعب مصر هي من تضغط علي الزناد الان وليس يده، فها نحن هنا لم نهزم ولن نهزم ….هكذا كان يقول عقله وطلقات طائرته تنطلق مخترقه الفضاء نحو افراد ووحدات العدو
أرتفع أحمد بطائرته مرة أخري بعد ان افرغ مدفعه تماما، ومن بعده جاء الدور علي خالد فؤاد وشريف المصري وجمال شفيق ليقوما بهجومهم، وكانت أصابتهم مدمره لمدفعيه العدو، بينما ظل المقدم محمد وطارق يحميان الهجوم .
))محتاجين نعيد ملئ الذخيرة والوقود يا فندم)) قال أحمد في اللاسلكي ووافق المقدم محمد وبدأ التشكيل في العوده حاميا ظهر تشكيل القاذفات العائده
في تلك الاثناء كان وليد وعمر قد وصلا لارتفاع شاهق جدا خلف الطائرة الميراج المعاديه التي من الواضح انها كانت تقوم بعمليات تصوير وأستطلاع لقواتنا غرب القناه، ثم فجأه أحس الطيار المعادي بطائرتنا تلحق به فبدأ في المناروة وتابعه وليد وعمر.
كانت اذن أحمد تستمع للتعليمات من عمر الي وليد لمطارده الطائرة والاطباق عليها، وكان من الواضح ان الطيار الاسرائيلي بارع جدا، فقد أستطاع الافلات من صاروخين اطلقهما وليد، ولم يكن لوليد بديل غير استعمال المدفع بعد نفاذ صواريخه، وأستمرت المناورات الرأسيه والافقيه ووليد ممسك بطائرة العدو بمهارة، حتي أستطاع ان يصيبها بدفعه مركزة من مدفعه في جناحها لتشتعل بعدها الطائرة بفعل الوقود المخزن به
فتهللت أسارير الجميع وهم يسمعون وليد وعمر يكبران فرحين بأسقاط الطائرة المعاديه
وبسرعه أصدر المقدم محمد أمرة لكل التشكيل بالهبوط والدخول في الدشم سريعا لاعاده التسليح
وبمعنويات تناطح السماء هبطت الطائرات ومن بعدها هبط وليد ثم عمر وبعد أربع دقائق بالضبط كانت جميع طائراتنا داخل دشمها تعيد التزود بالوقود والذخيرة وبعد حوالي خمس عشر دقيقه بدأت الطائرات مرة أخري مغادرة دشمها الواحده تلو الاخري، وفي ثوان عاد التشكيل للالتحام في الجو مرة أخري متجها شرقا مره اخري، ومن كابينته كان أحمد ينظر الي زملائه مشيرا لهم بعلامات النصر، وقد تعالي أحساسه بالثقه في طياريه وبدأ خوفه عليهم يتلاشي من داخله بالتدريج، وبالفعل عادت طائراتنا الي نفس الموقع الاسرائيلي والذي مازال الدخان الاسود يحيط به، وبدأت القاذفات هجومها بالقنابل تاره وتارة اخري بالمدافع والصواريخ علي ما تبقي به من معدات سليمه، بينما أحمد ورفاقه يحمونها من الاعلي وأعينهم لا تكف عن مسح السماء بحثا عن اي أهداف معاديه ورغم ارتفاعهم الا ان عمر تمتع برؤيه الجنود الاسرائيلين يفرون من حفرة لاخري طمعا في النجاه من القصف المركز .
أفاد رادار مطار القطاميه بوجود طائرتين معاديتين تقتربان من المطار من الجنوب الشرقي، فقدر المقدم محمد الموقف سريعا وادرك ان الإسرائيليين يريدون ضرب المطار حتي لا تجد طائراتنا ممرا تهبط عليه، وحيث انه لم يكن بالمطار طائرات للحمايه او دفاع جوي من الارض فقد أتخذ قرارة بترك حريه التصرف لاحمد بينما يظل هو متابعا وحاميا للقاذفات .
تلقي أحمد الامر بالتصرف، وبسرعه البرق أمر خالد فؤاد وشريف المصري بالانفصال عن التشكيل والانضمام له في مطارده الطائرات المعاديه، وكانت بلاغات غرفه العمليات بالمطار تقدر ان أحمد من الممكن ان يلحق بهما قبل وصلوهما للمطار بوقت كاف، نظرا لمحور اقترابهما البعيد
أنقضت الطائرات المصريه بأقصي سرعه لها تجاه المطار بعد ان أشعلت الحارق اللاحق والقت خزانات الوقود الاضاقيه ، وقتها حاول ضابط العمليات تصحيح مسار أحمد مبلغا أياه بأنه من الممكن ان يقترب أكثر من الطائرات المعاديه لو اتخذ مسار أخر لكن أحمد رفض وظل علي مسارة تجاه المطار وسط تعجب خالد وشريف وضابط العمليات، كانت الطائرات الثلاث تطبق غربا بسرعه كبيرة جدا ، وفجأه أمر أحمد طياريه بأتخاذ مسار مختلف وحدد لكل منهم مسارا بحيث تفرق التشكيل، وبحيث يكون أحمد هو الاقرب الي المطار بينما يكون شريف خلف العدو، وعلي شاشه الرادار شاهد ضابط العمليات ما يجري بدون ان يفهم وثارت ثائرته، فالطائرات المعاديه ما زالت تقترب بسرعه ومرت ثوان من القلق وحدث امر غريب توقعه أحمد منذ البدايه، فالطائرات الإسرائيليه ألتقطت أقتراب طائراتنا، فأستدارات عائده الي قواعدها، في هذه اللحظه كان أحمد في مؤخرتها بينما خالد يهاجم جناحها بعد ان أصبح مسارة عموديا عليها، أما شريف المصري فكان يتقابل وجهها لوجه معها .
لم يستطع ضابط العمليات علي الارض التحكم في شعورة عندما شاهد تلك المناورة الرائعه التي ادارها أحمد وأوقع بها طائرات العدو في كمين محكم، فأنتفض واقفا في مكانه كأنما مسه شرر كهربي وظل محدقا في شاشه الرادار في توتر شديد.
هذه المناورة مكنت خالد من رصد وأصابه احدي الطائرات السوبر ميستير المعاديه بسرعه بواسطه صاروخين أصابها احداهما والتي عندما حاولت الفرار وجدت طائرة شريف تنقض مطلقه دفعات من النيران علي مقدمتها لتفجرها في الجو بدون ان يستطع الطيار ان ينجو بحياته .
أستدار شريف مطاردا الطائرة الاخري التي انسحبت من المعركه بعد ان القت القنابل التي تحملها في الصحراء طمعا في سرعه هروب اعلي لكن أحمد أمرة بالعوده للتشكيل مرة اخري، فمستوي الوقود اصبح حرجا ويتطلب العوده للمطار، نظرا للسرعه العاليه التي طاروا بها
في نفس الوقت كانت المقدم محمد السيد يقود باقي التشكيل عائدا بعد نجاح عمليه القصف، وتلقي بسعاده بالغه الاشاره اللاسلكيه من احمد بأسقاط طائرة معاديه وعودتهم للمطار
هبط أحمد وخالد وشريف قبل باقي التشكيل بوقت قصير، وفور دخوله الدشمه ونزوله من الطائرة فوجئ أحمد بخالد وشريف يهرعان اليه ركضا ليرتموا في أحضانه فرحين بما تحقق ومهنئينه علي الكمين المحكم الذي نصبه للعدو والذي مكنهم من تحقيق اول اصابه مشتركه لهم، فقد كان أول أشتباك لهم مع العدو وجها لوجه ،وبينما طائرات باقي التشكيل تدخل دشمها الواحده تلو الاخري، وقف أحمد شاردا وهو يدخن سيجارة بعد شوق طويل تاركا خالد وشريف يشرحان لبعضهما البعض ما قاما به في سعاده، فقد شرد في طياريه الذين يتفجرون حماسه أمامه وفكر في مدحت المليجي ذلك البرنس الذي غادر الدنيا، وعما كان سيشعر ويقول وهو يعيش تلك اللحظات المميزة التي قلما ما يدركها مقاتل، فما اقوي والذ من تذوق طعم نصر وحتي لو كان صغيرا طالما جاء بعد هزيمه نكراء
وسرعان ما دخلت باقي طائرات التشكيل وسط فرحه الفنيين الي الدشم ليخرج بعدها الطيارين في قمه النشوة والثقه متجهين الي مبني المطار.
وعندما يتجمع الجمع في غرفه الطيارين، يعلو الحماس ليناطح السماء، فالجميع تقريبا يتحدث عما قام به، وعن دورة في هذا النصر المهم، بينما انزوي خالد فؤاد وشريف المصري في ركن قاصي من الغرفه بجوار احمد مشاركين الاخرين فرحتهم في صمت
دخل المقدم محمد سعيدا هو الاخر وتعالي الهتاف لمصر عند دخوله، كانت كحفله الانتصار النهائي علي إسرائيل وتحرير الارض، لكنه الشوق للفرحه واثبات الذات امام العدو ، فقد كان الجميع يشاهد المدرعات المصريه المدمرة بطول سيناء وعرضها، وفي هذه اللحظات كان الدور عليهم ليقصفوا مدرعات العدو وعرباته، فقد كان وقت بدء الحساب
فتقدم المقدم محمد تجاه أحمد وشد علي يده مهنئا علي كفائته وحسن تصرفه، مما أخجل احمد
وشد الرجل علي يد كل الطيارين مهنئهم علي الاداء الممتاز، وطلب منهم الانتظار لحين تلقي تعليمات جديده، ثم أشار الي أحمد بأن يصحبه وأسرعا تجاه غرفه العمليات
وهناك دار حوار قصير في اللاسلكي مع قياده القوات الجويه حول الهجوم ونتائجه ومدي الدهشه من عدم وجود غطاء جوي معاد، وكما اراد الجميع فقد صدر الامر من القياده بتطوير الهجوم وأستمرار القصف الجوي المركز في قطاع العمليات بأقصي جهد ممكن
ودار حوار قصير بين ضابط العمليات وأحمد عن الكمين الذي نصبه للعدو سريعا، هنأه ضابط العمليات علي حسن تصرفه ورد احمد بأنه توفيق من الله فقط، مما زاد اعجاب الضابط بتواضع أحمد
وفي غرفه العمليات يجتمع المقدم محمد مع طياريه مره أخري وبصعوبه أستطاع السيطرة علي فرحتهم لشرح الخطوة الثانيه قائلا ((ربنا سترها معانا في الطلعتين دول، وممكن نكون محظوظين جدا لاننا لم نقابل طائرات معاديه كتير بس هما اكيد هيكونوا منتظرنا المرة الجايه، علشان كده لازم نكون أسرع))
ثم أشار الي موقع اخر علي الخريطه مؤكدا علي الهدف الجديد قائلا ((احنا عايزين نستثمر إن اليهود ملحقوش يعملوا دشم للذخيرة والامدادات خالص، علشان كده الهدف الجاي هو مركز شئون اداريه وتموين لفرقه مدرعه قرب ممر الجدي علي المحور الاوسط)) ثم نظر تجاه النقيب حسين قائلا ((مهمتك أنك تسهل شغل المقاتلات، مش هنقدر نفضل فوق الهدف لمده طويله، علشان كده عايزك انت ورجالتك تركزوا علي الضرب الدقيق)) فأومأ النقيب حسين بالعلم ،ثم اعطي المقدم محمد اوامره في نهايه التلقين بالاستعداد للاقلاع الساعه العاشره صباحا، حتي يعطي الطيارين والفنيين الوقت الكاف للتجهيز، وكان أخر تعليمات القائد هو بقاء طائرتي ميج 21 بالمطار أستعدادا لدعم التشكيل المهاجم، وبعد مهله تفكير رشح أحمد- طارق وشريف لهذه المهمه، ورضخ طارق للأمر وإن كانت ملامح وجهه تنبئ بضيق من بقائه بالمطار
وفي الساعه العاشره صباحا، بدأت الطائرات في الاقلاع مجددا، حيث أتخذ أحمد وعمر المقدمه لحمايه القاذفات خلفهم، بينما تكفل المقدم محمد ووليد ومعهم جمال وخالد حمايه الاجناب، وعلي الارض أستمع طارق وشريف عبر اللاسلكي لمحاثات زملائهم وهم منتظرين علي اول الممر في طائراتهم .
وطبقا للتعليمات، فقد أتخذت الطائرات أقل ارتفاع ممكن لتحقيق المفاجأه للعدو والذي لم يكن يتوقع تكرار هجمات الصباح مرة أخري، مرت الطائرات سريعا فوق الموقع الذي تم قصفه صباحا، حيث مازالت الحرائق مشتعله به، وتعمقت الطائرات اكثر داخل سيناء المحتله، أعطي المقدم الاوامر بأرتفاع المقاتلات لكي تشكل مظله حمايه لقوة الهجوم، وبدأ تشكيل القاذفات في قصف الموقع المعادي بشده وعنف، ومن الجو كانت الحرائق تتصاعد من كل شبر بالموقع ،تحدث المقدم محمد سائلا غرفه العمليات بالمطار اذا كانت هناك اهداف جويه قد ظهرت علي الرادار لكن الرادار لم يري سوي طائراتنا في السماء، مما أعطي المقدم محمد ضوء أخضر لمعاودة الهجوم
وبالفعل تم معاوده الهجوم من القاذفات، بينما أحمد وزملاءة يمسحون السماء بحثا عن اهداف معاديه
كان صوت النقيب محمود وطياريه واضحا ومليئا بكم حماس وسعاده بحجم الاضرار التي أصابت العدو،
لكن يقطع صوت ضابط العمليات جو السعاده فجأه، محذرا بأقلاع اربع طائرات معاديه من أحد مطارات سيناء، وعلي الفور يصدر المقدم محمد اوامرة لطياريه بالاتجاه غربا، مع القاء خرانات الوقود الاضافيه لزياده السرعه، ثم يعطي امرا لـ أحمد لكي يتعامل مع الطائرات المعاديه ، وبينما القاذفات المصريه تعود تجاه قاعدتها مسرعه، تبدأ المقاتلات في حمايه ظهر القاذفات، ويبدأ أحمد في التفكير سريعا ويقرر الاستمرار الاتجاه غربا لكي تكون المعركه الجويه أقرب ما يكون الي القناه وقواتنا هناك .
ضابط العمليات يبلغ بأن الطائرات المعاديه أصبحت علي مسافه 10 كيلو متر، ثم بعد لحظات أصبحت علي مسافه ثمانيه كيلو متر، و تظهر القناه علي الافق، ويطمئن المقدم محمد قليلا من نجاه القاذفات، وبينما طارق وشريف علي الارض يتحرقان شوقا للاقلاع، لكن الامر لم يعط بعد.
بعد لحظات يأمر المقدم محمد المقاتلات بالاشتباك، وبعد دوران حاد أتخذت الطائرات المواجهه وجها لوجه، أبقى أحمد - جمال بجوارة بينما شدد علي بقاء وليد بجوار عمر، والتحق خالد بجناح المقدم محمد، أصبحت المسافه ثلاثه كيلومترات فقط علي المواجهه ، أطلقت الطائرات الاسرائيليه صاروخين من تلك المسافه لكنهم ضلوا اهدافهم وبصوت حازم يأمر المقدم محمد طيارته بالانفصال عن التشكيل الاساسي ومحاصرة طائرات العدو، فينفصل أحمد ومعه جمال الي اليمين، بينما عمر ووليد ينفصلان باتجاه اليسار، وتبدأ المعركه مع الطائرات الاربع والتي أتضح انها من نوع الميراج المتقدمه والتي يطير بها أفضل الطيارين الإسرائيليين
وفي اول لحظات المعركه تصاب طائرة وليد بطلقات طائرة معاديه ويتعالي الدخان الاسود منها، ويغطي المقدم محمد أنسحاب وليد من المعركه بينما ألتحم أحمد وجمال مع طائرة اخري، ويظهر صوت ضابط العمليات بوجود طائرتين معاديتين أخريين تقتربان، وعلي الفور يصدر الامر باقلاع طارق وشريف لتعزيز المعركه، وبينما المعركه تدور في سماء القناه فوق مدينه السويس، وأستطاع أحمد أن يضيق الخناق علي طائرة معاديه ويأمر جمال بالتدخل والضرب، وفعلا يتدخل جمال بصاروخين متتاليين أصاب أحداهما الطائرة لتنسحب من المعركه مخلفه ذيل طويل من الدخان الاسود، ويواصل أحمد تدخله في المعركه وبينما عمر وخالد يرافقان المقدم محمد في مناورته لضرب طائرة أخري، يظهر صوت ضابط العمليات معلنا أنسحاب طائرات التعزيز المعاديه، تلي ذلك انسحاب مقاتلات العدو
يقوم خالد بعمل دوران حاد لمطارده طائرات العدو ويتبعه أحمد وجمال وعمر، لكن صوت القائد يخرج من اللاسلكي أمرا بعدم المطارده والعوده للقاعده فورا .
في تلك اللحظات اقترب طارق وشريف الي سماء المعركه، ويأمرهما القائد محمد بحمايه ظهره بينما تعود طائراتنا .
ينادي المقدم محمد علي وليد لاسلكيا، فقد انقطع الاتصال به اثناء المعركه الجويه، لكن بدون جدوي ،ويرد ضابط العمليات بأن وليد قد قفز من طائرته بعد عبورة القناه بمسافه وجيزة، فأتخذ المقدم محمد طريقا للعوده يماثل الممر الذي اتخذه وليد، ومع تصاعد القلق من احمد على زميله الجديد، يظهر في السماء عمودا من الدخان الاسود، ويستأذن أحمد بالدوران علي ارتفاع منخفض للتأكد من سلامه وليد، ويٌسمح له فينفصل أحمد من التشكيل ويبدا في البحث عن اي أثر لمظله زميله بينما كل خلايا جسده تدعو بسلامه زميله، ولسبب ما طاف هاجس مدحت المليجي علي عقل أحمد فيزداد قلقه .
بعد ثوان يتمكن احمد من رصد مظله وليد علي الارض وبجوارها وليد يلوح له، فأنفرجت اساريره وتنفس الصعداء وحمد الله كثيرا، ثم قام بالابلاغ عن موقع زميله لكي تقوم سياره بنجدته .
وبعد دقائق تعود جميع الطائرات الي دشمها الحصينه بسلام .
وأجتمع الطيارين في غرفه الطيارين يملئوهم السعاده مره أخري بعد ما تحقق لهم في هذه الطلعه ،وإن كان النقيب محمود وطياريه أشد سعاده لتمكنهم من قصف وتدمير اهداف كثيرة للعدو ،ويأمر المقدم محمد طياريه بالراحه مع وضع طائرتين مقاتلتين في وضع الاستعداد، وكان وضع الراحه الذي يعنيته القائد هو وجود الطيارين بجوار طائراتهم داخل الدشم، فمن المتوقع رد فعل عنيف للعدو علي غارات اليوم .
ويتطوع أحمد وعمر للبقاء كطياري حاله اولي لكي يعطيا رفاقهما قدرا من الراحه .
ويمر النهار بدون تدخل من العدو وبدون أن تصدر اوامر بقصف العدو مره أخري ،فقد أستهلك المطار جزء كبير من مخزون الذخيرة لديه، وقرب المغرب تعود سيارة حامله وليد معها لتنفرج اسارير الجميع فرحا بسلامه زميلهم ونجاته، ومع هبوط ستائر الليل يعود الطيارين لغرفهم لتغيير ملابسهم ثم العوده لتقييم ما تم اليوم بغرفه الطيارين .
ويجتمع المحاربون في تلك الغرفه كما تعودوا كل ليله، لكن شتان الفرق بين تلك الوجوة التي كانت مكتئبه ساهمه حزينه تفتقر الي الثقه، وبين تلك الوجوه التي أشرقت عليها شمس الثقه والسعاده مره أخري بعد غياب، فعاد الجميع يتحدث بثقه وتفاؤل وشاركهم المقدم محمد في ذلك .
وبعد اشارة من يده، يصمت الجميع ترقبا لما سيقوله قائدهم ((أحنا النهارده حطينا رجلنا علي اول الطريق الصح، النهارده بس نقدر نقول للعالم إننا موجودين ولسه عايشين، أنا أحب أقول إن اللي شفته في طلعات النهارده، شئ رائع، شفت حماس ودقه وفدائيه وأنضباط، وكل ده خلاني سعيد جدا، بس برضه انا مش مبسوط بزمن الاقلاع خالص، احنا عايزين نتدرب علشان نكون في السماء في دقيقيتن، علشان نقدر نقول اننا فعلا مقاتلين درجه اولي، لان كل ثانيه تفرق في نتيجه المعركه((
صمتت القاعه قليلا، فالكل يفكر في تلك الملحوظات التي اوردها قائدهم، ثم تابع القائد بصوت فرح
((انا عندي لكم خبر كويس جدا .... النهارده مش أحنا بس اللي كنا بنهاجم ...معظم طيارتنا الموجوده عملت طلعات بطول الجبهه ونفذنا 256 طلعه بطول الجبهه وأقدر أقول أننا ادينا اليهود علقه سخنه فعلا، وقياده الجبهه بلغت القياده بأن قصف العدو قد توقف تماما))
ضجت القاعه بالتصفيق والهتاف من الطيارين، فقواتنا الجويه قامت من عثرتها وأثبتت تواجدها ، وأستكمل الرجل ((معظم قواعدنا اللي علي الجبهه أشتغلت جامد النهارده – بلبيس وإنشاص وابو صوير والمنصورة وحلوان وجناكليس والصالحيه.... وكلهم عملوا نتايج كويسه، وكنت سعيد جدا وانا بأبلغ ان مطارنا النهارده أسقط طياره وأصاب طيارتين للعدو مقابل خسارة طائرة واحده فقط)) وبدأت الاعين تشع ثقه من جديد وكلمات القائد المشجعه تغسل هموم شهر ونصف من العار والهزيمه والضياع
كانت طلعات الرابع عشر من يوليو هي الدواء الذي أنقذ القوات الجويه من الموت، وبفضل جرأه القاده وحماس الطيارين وفدائيتهم، فقد قاموا بمفاجأه كامله للاسرائيلين تحدثت عنها وسائل الاعلام الغربي، وأستمع أحمد في غرفته ليلا لنشرات الاخبار تذيع انباء تلك المعارك، وقد فوجئ العالم أجمع بأن القوات الجويه المصريه مازالت قادرة علي الهجوم بعد الانكسار الرهيب الذي حل بها يوم الخامس من يونيو .
كان أحمد يستمع لذلك ودخان سيجارته يتعالي في هدوء بينما عقله يردد كلمه واحده (ولســـــه) فالطريق أمام الثأر مازال طويلا ولن يشفي تلك النار الهائجه بداخله إسقاط او اصابه طائرة او أثنين للعدو، بل انه يريد المزيد والمزيد، وبينما الهدوء يخيم علي غرف الطيارين فكل منهم في ملكوته الخاص، وفجأه يسمع الجميع صوت أحمد يصيح بصوت عال جدا ، ففزع الجميع وهرولوا تجاه غرفته، وعندما دخلوا وجدوه منفعلا يجوب الغرفه ويصيح بأعلي صوت في غيظ بكلام غير مفهوم، فتقدم منه المقدم محمد محاولا معرفه ما يجري، فصاح أحمد في غضب ((مصر قبلت وقف إطلاق النار، تصدق يا فندم ؟؟؟))
صعق الجميع من جمله أحمد، ففي أوج حماسهم وثقتهم من هزيمه الهزيمه، جاء هذا الخبر ليشل العقول، ويلجم الالسنه، هدأ المقدم محمد من ثورة أحمد، وأستفسر منه اكثر عن هذا الخبر، فقال أحمد ((الراديو اعلن أن أسرائيل طلبت إطلاق النار، وأحنا وافقنا، يعني لو كنا أحنا طلبنا وقف إطلاق النار يوم خمسه كانوا هايوافقوا ؟؟؟ أكيد لا، وكانوا فضلوا يقتلوا في العساكر الغلابه الاسري بدون رحمه، أشمعنا أحنا بقه نوافق)) نكس المقدم محمد رأسه مفكرا في كلام احمد بينما تدخل النقيب محمود ((اكيد في أعتبارات كتير جدا خلت الريس يوافق، أحنا ضباط وبنفذ الاوامر بس، يعني ملناش في السياسه))
فقاطعه شريف المصري غاضبا ((يعني لما نبتدي نشم نفسنا وندي ولاد الكلاب اول علقه، يقوموا يقعدونا علي الارض تاني ؟؟))
وتطور النقاش بين الجميع في أن واحد وبدا أن الحوار سيتصاعد، فتدخل المقدم محمد، منهيا هذا التوتر طالبا من الجميع العوده لغرفهم، بينما سيقوم هو بالاتصال بالقياده لمعرفه أسباب وقف إطلاق النار
وبعد قليل أتخذ طارق موقعه بجوار نافذه غرفته وقد أدرا جهاز البيك أب علي موسيقي كلاسيكيه هادئه وغاص في التفكير، بينما أمسك عمر بخوذته وأخذ ينظفها بغيظ مكتوم ولسان حاله يرثي للفرحه التي لم تدم، فقد كان يود أن يستمر القتال وتتوالي الاشتباكات .
أما المقدم محمد فقد أصطحب أحمد الي غرفه اللاسلكي بمبني القياده المجاور، ودار حوار بين المقدم محمد و القياده، كانت تعليمات القياده صارمه جدا، الاشتباك فقط في حاله الضرورة القصوي وللدفاع عن النفس فقط كذلك يجب أعتراض أي طائرات تخترق منطقه عمليات المطار .
وبدون اي توضيح للاسباب قيل للمقدم محمد، انه قرار وقف اطلاق النار، قرار سياسي ويجب أحترامه
نظر المقدم محمد تجاه أحد فوجده يدخن سيجارته في غيظ، فقد كان في قمه انتقامه من اليهود عندما تم وقف إطلاق النار .
خرج المقدم محمد مصطحبا احمد، وتمشيا في أرض المطار، وتحدث المقدم محمد بعيدا عن الرسميات
قائلا ((رغم أنني معترض علي وقف أطلاق النار، الا إنه قرار صح))
نظر أحمد بدهشه الي قائده الذي استكمل ((أيوة قرار صح لو بصيت له من وجه نظر قياده الجيش، لان أستمرار العمليات مش ممكن يكون في صالحنا لاننا ملمناش نفسنا لسه، وكمان أحنا في عرض كل دبابه وطيارة وعسكري في الوقت ده، يعني أحنا كسبنا من كل النواحي))
كان أحمد يقيس كل كلمه من قائده وتساءل عن مكاسبنا فأجاب القائد ((اديناهم علقه جامده بطول الجبهه وسمَعنا العالم أن الطيران المصري لسه موجود وكمان خرجنا بأقل خسائر ممكنه، وبرضه رفعنا معنويات البلد كلها مش الجيش بس، تصور معنويات الرجاله علي الجبهه لما شافونا بنعدي ونضرب اليهود بكل قوة، أهم حاجه أن وقف أطلاق النار هيدينا فرصه نلم نفسنا باعصاب اهدأ بدل ما نكون تحت ضغط العمليات والغارات، فكر في العساكر اللي في الخنادق لما يكونوا تحت القصف المستمر ومش قادرين يرودوا، شعور العسكري من دول بيكون قاتل ومدمر لمعنوياته ))
تمتم أحمد بعبارات تفهم وجهه نظر قائده والذي أستكمل ((انا دمي غلي لما عرفت الخبر منك، وكنت عايز اطير واشتبك واضربهم بكل قوة انا كمان، بس بص للمستقبل، تفتكر أننا هنعرف نعوض الطيار الكويس بعد كام شهر ؟او بعد كام سنه؟؟ ولا حتي ثلاث سنين كفايه، من التدريب والصقل والخبرة لغايه ما يوصل لمستوي طيار مقاتل كفء)) ثم أقترب الاثنان من دشمه لاحد الطائرات والتي كانت مفتوحه حيث يقوم الفنيين بأعمال الصيانه اليوميه
فأستدار المقدم محمد مواجهها أحمد ((وليد يطلع علي انشاص بكرة و يستلم طيارة جديده ومن بكرة السرب 77 هيبدأ تدريبات مكثفه وتخصصيه جدا لهدف محدد وضعته القياده للسرب ده))
ظهرت نظرات التساؤل علي عيني احمد فأستكمل الرجل ((انا مقدرش اقولك الهدف، بس كل اللي هقدر اقولك عليه، أن قرار تشكيل السرب كان لسبب محدد، وعلشان كده أختاروا طيارين أكفاء زيك وزي عمر وطارق، وحطوا معاكوا الاربعه الاوائل علي الدفعه علشان ترفعوا كفاءتهم ))
برقت عيني أحمد ببريق الفضول القاتل، لكن فضوله أصطدم بمعني كونه سر حربي
وأنهي المقدم محمد حديثه مربتا علي كتف احمد في هدوء وأستدار لمتابعه عمل الفنيين في الطائرات .
وفي اليوم التالي بدأت تدريبات التشكيل، والتي كانت غريبه علي الجميع يما فيهم أحمد فقد تمثلت في سباقات للاقلاع، حيث يتم حساب زمن أقلاع الطائرة من لحظه أعطاء الامر للطيار علي مسافه خمسون مترا من طائرته، فكان علي كل طيار ان يعدو تجاه طائرته بسرعه ،وان يقوم الفنيين بإدارة محرك الطائرة وربط الطيار في مقعده وتأكيد جاهزيه التسليح قبل ان تخرج الطائرة من دشمتها ،وتباري أحمد ورفاقه في تحطيم أرقام بعضهم البعض، ورغم تقلص الوقت مرة بعد مرة، الا ان المقدم محمد لم يكن سعيدا بالمرة وكان يرغب في تقليص الوقت اكثر واكثر
ومرت عده أيام من التدريبات التخصصيه والتي تخللها طلعات تدريبيه علي القتال الجوي،في هذا اليوم اعلن المقدم محمد عن أقترابهم من الزمن الذي وضعه لهم في الاقلاع السريع مما يعني الانتقال للمرحله الثانيه من التدريب حيث أضيف بند جديد الا وهو الاقلاع في أقل مسافه ممكنه وبأقل زمن
وتم تحديد جزء من الممر لكي يتم الاقلاع عليه فقط، حيث وضعت أقماع ملونه علي منتصف الممر محدده نهايه ممر الاقلاع، ولم يكن ذلك سهلا نظريا ولا عمليا
كانت تدريبات مرهقه جدا للرجال، فالمطلوب السرعه والتحكم، وكان الفضول يقتل الجميع لمعرفه سر تلك التدريبات الجديده، وكان الفريق مدكور وقيادات القوات الجويه يزورون المطار بأستمرار لمتابعه تلك التدريبات وقياس الزمن مما أضفى أهميه شديده علي التدريبات، وكان زملائهم من الطيارين والفنيين يُحمسَون الرجال، حيث تحولت التدريبات الي شبه مسابقه، وبعد وقت تم اضافه بند أخر الا وهو الهبوط علي نفس مسافه الاقلاع القصيرة مما زاد التدريبات مشقه، ولم يكن المقدم محمد هينا في تعامله مع الرجال بل كان قاسيا في ملاحظاته عنيفا في توجيهاته .
ومرت أسابيع والتدريبات مستمرة، حتي قرر المقدم محمد وقف التدريبات لمده ثلاث أيام متتاليه، فقد لاحظ عدم تحسن الاداء خلال اليومين الاخيرين من التدريبات ،مما أعطاة ضوءا أحمرا يجب الوقوف امامه .
فقد وصل الطيارين لحد التشبع من التدريبات ومن المؤكد أنهم يحتاجون للراحه، فطلب من أحمد أن يضع جدولا للاجازات، علي أن تكون ليوم واحد فقط بالتناوب مع زملائهم، وكان قرار القائد واضحا وصريحا بأن يكون احمد اول الخارجين للاجازه .
قوبلت تلك الاجازه بترحاب شديد من الطيارين المنهكين من التدريبات العنيفه خاصه في ظل وقف اطلاق النار، وعلي الفور وضع أحمد جدول الاجازه بحيث يظل أثنان من القدامي دائما بالمطار
وعلي الفور اتصل الجميع بذويهم لابلاغهم بنبأ الاجازة القصيرة، وبدأ الفوج الاول في الاجازة وكان أحمد اول الخارجين من المطار ومعه خالد فؤاد وجمال شفيق .
وفور وصول سيارته للمنزل، التف الاهالي حول أحمد مرحبين به، بينما تعالت الدعاوي من الامهات اللاتي تصادف وجودهن بالطريق بالنصر له ولكل الجيش المصري .
كانت أحوال الناس مختلفه كليا عن الزياره السابقه، مما أستدعت ان يلتفت لها لثوان، أذن فما يقال في الاذاعه صحيح، فقد تجسد امامه رفض الشعب للهزيمه والتفافه حول الجيش بالفعل وهو ما وضح من حرارة ترحاب الرائد حسنين جار والده له، فقد أحتضنه الرجل وهنأه هو وزملائه علي تلك العلقه الساخنه التي لقنوها لليهود منذ شهرين، وتمني لهم النصر، وبينما أحمد يستمع لدعاء جارة له سعيدا، فوجئ بوالدته تهرع علي درجات السلم، تختطف أبنها في أحضانها .
ومن بين الدموع الام وحرارة لقاء الاب، تجمع الثلاثه علي تلك المائده التي تتوسط صاله المنزل وسرعان ما دلف اخوته من الباب الواحد تلو الاخر بعد انتهاء موعد الدراسه، شتان الفارق بين ذلك اللقاء وبين الاخير الذي تم بعد النكسه مباشرة وكانت سعاده والديه كبيرة بوجه أبنهم الذي عاد اليه الاشراق مرة أخري وإن مازالت البسمه والدعابه غائبه، لكنه بالفعل مختلف عن اخر زيارة ، وتساءل أحمد من اخوته علي أحوال البلد، وفرح جدا عندما علم بالتفاف الجميع ومسانده الجيش وتخطي الهزيمه، رغم قلائل عزل المشير وحاشيته والمحاكمات العسكريه وغضب الشعب من نتائج المحاكمات المخيبه لامال الشعب
وسرعان ما أنهمك الجميع في تناول الطعام الذي اعدته الام علي عجل، وان كانت عيني عاطف لم تفارق أحمد لحظه فهو يرصد كل حركاته وانفعالاته، وبعد الغذاء أجتمع احمد مع أخوته في غرفتهم، ومع أكواب الشاي الساخن تساءل أحمد عن أحوال أخوته في الدراسه وعن احوالهم، بينما كان سمير وكمال وعاطف في شوق لمعرفه ما يدور علي الجبهه وسماع القصص كتلك التي تروي في الصحف
واستمر الحديث السامر بين احمد واخوته فترة، رفض خلالها أخوته نداءات والدتهم بترك أخوهم للراحه، كذلك رفض أحمد فقد كان مشتاق لاخوته وعائلته، كذلك كان متشوقا للسير في الطرقات كما كان يفعل من قبل .
وفي المساء أنطلق مع عاطف يجوبان طرقات الحي المكتظ بالسكان، وقوبل أحمد من الجميع بترحاب، وفي النهايه أقتادتهم خطاهم الي أحد المقاهي، حيث بدأ أحمد يتساءل عما خططه عاطف لمستقبله خاصه بعد تخرجه فأجاب عاطف بأنه قد قرر التقدم للكليه الحربيه كضابط مهندس، نظر أحمد في عيني عاطف متفاجئا مفكرا للحظه وحاول أن يفكر بعقله بعيدا عن قلبه ففشل، ففي لحظات فشل عقله في أختيار القرار المناسب، ورد علي عاطف بانه لا يعلم بالتحديد أذا كان يؤيده ام يعارضه، فهو شقيقه الاصغر وبالتأكيد يخشي علي حياته لكنه في نفس الوقت مصري مسلم، يعي تماما ان عليه واجب الجهاد ولا يمكن ان يثنيه عن ذلك وأستمر الحوار بينهم عن المستقبل حتي وقت متأخر حتي قاما وعادا الي منزلهم حيث أعدت الام عشاءا كبيرا أذهل أحمد بالفعل .
وفي صباح اليوم التالي وبعد استعداده للعوده سمع احمد طرق علي الباب وعندما فتح شقيقه سمير، دخلت عدد من السيدات من جيران واصدقاء والدته وهن يحملن اعدادا لا حصر لها من الاطباق التي تفوح منها رائحه الفراخ واللحم، فبهت احمد مما يحدث أمامه بينما تبسمت الام شاكرة لجيرانها كرمهم وانهمكت معهم في حوار بينما أستدار أحمد مندهشا مما يحدث، فأجاب الاب بهدوء أنها عاده ابتدعتها نساء الشارع للترحاب بالجنود العائدين من الجبهه، وعندما تساءل أحمد عما سيفعل بكل هذا الطعام، ردت الام بأنه له ولزملائه في المطار لكي يغذوا نفسهم بعيدا عن أكل الجيش، فترقرقت عيني احمد بالدمع ولحظها كمال علي الفور، وبعد قليل كان احمد يستقل السيارة بصحبه زملائه عائدا الي المطار وقد حُملت السياره علي أخرها بما لذ وطاب، ومن بين دموع الام ودعوات الاب والاشقاء، إنسلت السيارة مبتعده عن الانظار .
عاد أحمد للمطار الذي لا يبعد أكثر من ساعه ونصف عن منزله حاملا كميات كبيرة من الطعام أذهلت الجميع ،وبسرعه قام احمد بتوزيع الطعام علي الفنيين والجنود، وليجد أيضا عمرو وليد في انتظارة لكي يخرجا في اجازتهما، فقد كان عمر في شوق الي تلك الاجازة بشده نظرا لتشوقه لرؤيه عائلته وناديه بالتحديد
طلب عمر من سائقه الا يوصله الي المنزل بل الي الكونيش حيث كانت ناديه تنتظره في شوق، وظهر ذلك واضحا من نظراتها عندما نزل عمر من السيارة بملابسه العسكريه، كانت نظراتها تشع بريقا وفخرا بخطيبها وكانها تود لو تصيح بأعلي صوت لها ان هذا الرجل خطيبها وانها محبوبته الوحيده في تلك الدنيا .
قادتهم الخطي نحو احد المطاعم المطله علي النيل حيث جلسا وتحدثا لمده طويله .
كانت ناديه من الذكاء بحيث انها لم تتطرق لتلك الحرب اللعينه الدائره بل أخذت خطيبها بعيدا عن الواقع بمرارته الي عالم أخر ملئ بالحب والعشق، وبنظراتها المليئه حب وعشق ومن بين شفتيها خرجت كلمات حملت عمر الي السماء حملا، ودفعته الي عالم اخر من الصفاء والنقاء والرومانسيه .
ومن خلف نظراته الشمسيه كانت عيني عمر تحتضنان هذا الملاك الجالس امامه، فمن المستحيل ان تكون تلك الفتاه من هذا الكوكب، فقد أحس من كلماتها ونظراتها بأحساس يفوق الوصف من الهدوء والسكينه، فلم يقاطعها واثر ان يترك كلماتها تتغلغل في خلايا جسده وتضخ حبا وعشقا في جسده .
دامت جلستهم نحو الساعه، قطعها تذكير ناديه بأن عائلتيهم تنتظران بالمنزل، وانه لابد لهم من العوده الان، فقام عمر مكرها صاغرا فقد أصطدم مره أخري بالارض بعد ان كان في السماء محلقا مع ناديه
سار الاثنان متشابكي الايدي علي كورنيش النيل، وقد التهبت الايدي من حرارة العشق المتبادل حتي اوقف عمر تاكسيا، وانطلق بهم نحو العباسيه .
وقرب منتصف الليل غادر الجميع المنزل بعد يوم حافل قضاه الجميع مع عمر، والذي ظهر للجميع الاختلاف الكبير عليه عن الزياره السابقه، ووضح ذلك من سعاده الجميع بروح الدعابه والتفاؤل التي أشاعها عمر في المنزل من لحظه دخوله بصحبه ناديه حتي دلف لغرفته .
وفي الصباح التالي كان عمر منتظرا للسيارة بالشرفه بينما غابت الام في المطبخ، وفي الموعد المحدد وصلت السيارة بعد ان اصطحبت وليد .
هم عمر بالنزول الا ان والدته طلبت من ان يساعدها في شئ، وصدم عمر عندما رأي خمس صناديق موضوعه قرب باب المنزل ،علم علي الفور ما بها، فأستدار مقبلا يد والدته شاكرا اياها علي ما قامت به.
وطوال طريق العوده، كان عمر هائما في كلام ناديه الذي مازال يتردد صداه في عقله، ونظرات والدته له وهو يغادر، ففيها كم هائل من المشاعر والحب يكفي الجيش المصري كله وليس هو فقط، وعند ظهور بوابه المطار قرر عمر كعادته ان ينسي كل شئ ويعود لعمله وواجبه و مركزا كل حواسه فيهما .
تساءل عمر فور وصوله عن أحمد ، وعلم انه بطائرته في طائرات الحاله الاولي علي اول الممر ومعه جمال شفيق، فاسرع الي قائده متشوقا لرؤيته .
وبدخول سيارة عمر ووليد الي المطار بدأت اجازه طارق وشريف المصري فعليا، فأنطلقا في سيارة أخري مسرعين نحو الديار، وإن كانت اجازة شريف ستطول يوما نظرا لان عائلته تقطن قرب مدينه المنصورة مما يستدعي يوما زائدا عن زملائه الذين يقطنون بالقاهرة القريبه من المطار .
وصل طارق الي منزله، وعلم من زينب الخادمه بأن والديه في النادي ففكر قليلا لثانيه، فقد اراد مفاجئتهم بالزياره لذلك لم يعلمهم بموعد قدومه، وبرقت عينيه للحظه، فالظروف تخدمه جيدا الان، فاسرع الي الطابق العلوي حيث غير ملابسه وارتدي ملابس رياضيه خفيفه ومن تحتها ملابس السباحه ،وأنطلق بسيارة الرياضيه نحو النادي .
قوبل طارق بحفاوه من العاملين بالنادي عند رؤيته، واسرع نحو الحديقه حيث تعود والديه ان يجلسا في ظلال الاشجار بها ،فوجئت الام بأبنها يقترب من بعيد، لوهله لم تصدق عينيها، وبينما الاب منهمك في قراءه عدد من الاوراق، هرعت الام من مكانها مطيحه بكوب عصير يتوسط الطاوله نحو ابنها .
وبعد ثوان قليله استطاع الاب ان يدرك ان الرجل الذي تحتضنه زوجته هو طارق ابنه، فقام مسرعا فاتحا زراعيه لابنه الذي لم يراه منذ ما يقرب من خمسه اشهر تقريبا ليرتمي في احضانه.
تجمع الثلاثه علي الطاوله في سعاده، ومن بين دموع الفرح من الام ونظرات السعاده من الاب، دار الحوار بينهم عاليا ضاحكا، مما استدعي انتباه العديد من عضوات النادي فتجمعوا للترحيب بطارق
كان عقل طارق يجمع تلك الصور امامه، ففي كل يوم رجال يستشهدون ويصابون علي الجبهه، بينما هذا المجتمع المتمثل في النادي لا يعرف عنهم شيئا، فأصدقاؤه وصديقاته مازالوا كما تعود، وكأن مصر لا تحارب، مما اغاظه كثيرا، ورد والده في دبلوماسيه معهوده منه بأن الرجال هم الذين يقاتلون الان علي الجبهه وما يراه امامه لا يمثل اي شئ من مصر إنما هي طبقه ترعرعت علي الراحه والتعامل مع الحرب بالمكسب والخسارة الماديه، وتدخلت والدته محتجه ومشيرة الي طاوله مجاورة يجلس بجوارها عدد من السيدات، قائله بأن علي هذه الطاوله فقط، ثلاث سيدات لديهم ابناء في الجيش وليس من المعقول ان تخلو الشوارع والنوادي من الشباب لمجرد ان البلد في حرب .
صمت طارق قليلا واستاذن بأنه يود النزول لحمام السباحه قليلا، وبينما يسير تجاه غرفه خلع الملابس دار عقله في هذا الحديث ووجد ان عقله قد تعود علي فكرة ان الدوله مكرسه للحرب وللمجهود الحربي ونسي ان هنالك طلبه بمئات الالوف مازالوا يدرسون وعمال يعملون وفلاحين يزرعون الارض وموظفين وتجار وحرفيين ... كل هؤلاء يجب ان تستمر حياتهم لكي تستمر مصر في الحياه ولكي يمدوا الجيش بما يحتاجه ..... وفجأه توقف عن التفكير بعد ان غير ملابسه وأصبح علي حافه حمام السباحه، وكانسان لديه شخصيتين وقف وتساءل ((انت فين ؟؟؟)) فرد علي نفسه ((انا في النادي في اجازة)) وعاد تساءل ((ولما تكون في اجازة وفي النادي، المفروض تعمل ايه ؟؟)) فرد علي نفسه ((المفروض أوقف تفكيري وأستمتع بكل ثانيه في الاجازة، أمال سموها اجازة ليه ؟؟)) ثم أبتسم والقي بنفسه في حمام السباحه غاسلا همومه وتعبه في المياه الدافئه
في اليوم التالي دخلت سيارة طارق بوابه المطار وكان أحمد في أستقباله مرحبا بعودته
وعاد شريف المصري في اليوم التالي مباشره ليكتمل بذلك تشكيل السرب 77 مره أخري
كان المقدم محمد يشاهد بعينيه نتائج تلك الاجازة علي نتائج التدريب التي تحسن كثيرا بعد الاجازات السريعه التي نالها الجميع
ومرت عده ايام أخري من التدريب المثمر جدا وصلت خلالها الازمنه الفعليه الي تلك التي وضعها خبراء القوات الجويه بل وتعدتها مما حدا بالمقدم محمد أن يدعو الفريق مدكور لزيارة المطار لمشاهده بيان عملي بعد نهايه التدريب .
ووصلت طائرة قائد القوات الجويه في صباح احد الايام المشمسه من شهر اكتوبر عام 1967 الي المطار، ومعه كم كبير من قيادات القوات الجويه وبعض الخبراء السوفيت الذين وفدوا الي مصر بالمئات للمساعده في تدريب قواتنا المسلحه .
واعتلي جميع القاده برج المراقبه للمشاهده بوضوح فعاليات البيان الذي سيقدمه افراد السرب 77
أصطف الفنيين والطيارين علي السواء بعيدا عن طائراتهم بمسافه مائه متر، ثم اطلق المقدم محمد خرطوشه خضراء معلنا بدء البيان ونظر جميع القاده نحو ساعاتهم في وقت واحد لقياس الزمن، وركض الطيارين والفنيين نحو طائراتهم داخل الدشم، أسرع عدد من الفنيين يديرون الطائرات وأخرون ينزعون صمامات الامان عن الاسلحه ،واخرون يربطون الطيارين في مقاعدهم .
مرت ثوان وظهرت مقدمات الطائرات تخرج من دشمها الحصينه الواحده تلو الاخري، وبدلا من الانتظار علي اول الممر، فقد تسارعت الطائرة تلو الاخري في الانطلاق علي الممر في تناغم رائع، لتنطلق في الجو قبل نهايه الممر المحدده ببضع مترات وسط سعاده الموجودين من دقه التنفيذ .
بعد اربع دقائق فقط من انطلاق البيان، كانت اخر طائره تغادر الممر محلقه في السماء .
أستدار احد قيادات القوات الجويه نحو المقدم محمد مبتسما
((السوفيت كانوا قايلين إن أقل زمن هو خمس دقايق، وانت كسرته بدقيقه كامله... ده رقم قياسي يا محمد)) أبتسم المقدم محمد ورد ببعض عبارات الاشاده بطياريه وكفاءتهم
دار التشكيل حول الممر وبدأ في تنفيذ المرحله الثانيه، الا وهي الهبوط علي أقل مسافه والدخول سريعا في الدشم الحصينه، فاستدار التشكيل في الجو وأتخذ وضع الهبوط، وأقتربت الطائرات من الممر وبدات الواحده تلو الاخري تهبط في براعه عاليه لتسرع نحو دشمتها الحصينه مرة اخري، ومع نزول طائرة احمد قائد التشكيل ودخولها الي الدشمه سريعا توقفت الساعات مرة أخري لتحسب زمن قياسي أخر في الهبوط سواء من ناحيه مسافه الهبوط أو سرعه دخول الدشم مره أخري .
كان الفريق مدكور في قمه سعادته من هذا الاداء وأثني عليه كثيرا وهنأ المقدم محمد وضباطه من قيادات المطار علي حسن التدريب أيضا حسن إختيار الطيارين وبينما القاده يهبطون درجات برج المراقبه، تساءل الفريق مدكور ((السرب 77 جاهز للهدف ؟؟)) رد المقدم محمد ((جاهز يا فندم)) فأردف الفريق مدكور ((علي بركه الله، نبدأ المرحله التانيه، أنا عايزك يا محمد تقعد مع الطيارين وتبلغهم بطبيعه مهمتهم في الفتره الجايه، ومش محتاج أأكد لك علي السريه المطلقه في كل حاجه، ولازم يفهموا سريه مهمتهم ...)) وأوامأ المقدم محمد أيجابا، ثم أعطاه الفريق مدكور مظروفا يحمل بداخله قرار ترقيه طياري السرب 77 الي الرتبه الاعلي، ولم يفاجأ ذلك المقدم محمد فمعظم طياري السرب علي وشك الترقيه فعلا، لكن الفريق مدكور شرح انه اراد تقديم موعد الترقيه لتأكيد علي مدي اهتمام القوات الجويه بهذا السرب وبدوره القادم
فأصبح أحمد رائدا بينما ترقي عمر وطارق الي رتبه النقيب اما الاربعه الجدد فقد حصلوا علي رتبه الملازم اول والتي كان من المفترض حصولهم عليها من شهرين و في المساء بدأ طيارو السرب في التجمع بغرفه الطيارين طبقا لاوامر قائدهم، وسرعان ما بدأ الاجتماع وسط هاله من دخان السجائر المتصاعد ،تحدث المقدم محمد مهنأ الرجال علي ادائهم اليوم اما قاده القوات الجويه وشارحا لهم مدي اهميه التدريب والوصول الي الزمن المحدد، ثم تطرق الي قرار القائد بترقيه طياري السرب الي الرتبه الاعلي، وسرعان ما ظهرت السعاده علي وجود الطيارين الشباب، أما أحمد وعمر وطارق فلم يغير خبر الترقيه من ملامحهم في شئ فالجديه والرغبه في القتال أصبح القاسم المشترك بين الجميع ولم يكن للترقيه اي معني لهم في ذلك الوقت، بعد ذلك تطرق المقدم محمد الي الهدف الرئيسي من التدريبات قائلا
((التعليمات اللي وصلتني، إني أجهز السرب 77 بتشكيله الحالي علشان يكون تشكيل مستقل ولهدف محدد ومهم وضعته القياده بعد النكسه علي طول)) كانت افتتاحيه القائد مشوقه ومثيرة للفضول فتقدم أحمد علي كرسيه وقد تحفزت كل حواسه لتلقي الخبر الذي انتظرة أيام وايام، بينما تعالت نظرات الفضول من اعين باقي الطيارين .
أستطرد الرجل ((القياده قررت بعد النكسه اعاده احياء أحد المشروعات السريه عندنا، وهو مشروع المطارات السريه)) تعالت نظرات الدهشه والاستغراب من عيني الجميع عدا احمد الذي ظل محتفظا بتعابير وجهه كما هي، بينما تذكر طارق حديثه مع قائده السابق في مطار السر عن اخفاء المطار ، فقاطع المقدم محمد اندهاشهم مستكملا ((السرب 77 هيكون اول سرب يتمركز في اول مطار سري في مصر – مكان المطار لازم يكون سر، حتي انا مش عارفه ومش المفروض اعرفه، والتدريبات اللي تدربتوا عليها دي علشان تقدروا تشتغلوا من مطاركم الجديد، بأذن الله تستعدوا للتحرك بعد يومين))
ثم نظر الرجل في اعين رجاله مستكملا ((بكرة هيوصل طياري وفنيين السرب 212 اللي هيستلموا طيارتكم، وانتوا والفنيين بتوعكم هتسلموا نفسكم بعد بكرة لضابط مخابرات حربيه هيوصل هنا))
نظر الطيارون لبعضهم البعض في دهشه وتعالت الاسئله من أعينهم فقطع قائدهم الدهشه منهيا
((محدش يفكر يسألني اي حاجه لاني قلت كل اللي عندي، ومعرفش اكتر من اللي قلت لكم عليه))
انهي القائد جملته وغادر غرفه الطيارين مسرعا للخارج بينما التف الطيارون حول احمد مستفسرين بشوق لمعرفه المزيد الا ان احمد اقسم لهم بأنه لم يعرف اي شئ الا الان فقط ثم أستكمل ((بس لما تحطوا الاحداث جنب بعضها زي زيارات قائد القوت الجويه المتكررة لنا وحضورة التدريب النهائي وكمان ضابط مخابرات يستلمنا زي ما قال المقدم محمد، تقدروا تعرفوا اننا داخلين علي مهمه خطيرة ومهمه وسريه جدا ،لازم نكون عند حسن ظن مصر بينا)) صمت الجميع مفكرين في كلام احمد لهم، ثم تتابعوا في الخروج من الغرفه بدون ان يحصلوا علي اجابات شافيه
في اليوم التالي حضر اطقم السرب 212 من طيارين وفنيين لاستلام الطائرات، وتمت عمليه التسليم بسهوله ويسر وطبقا للتعليمات فلم يبح احد من طياري السرب77 بوجهتهم لاحد حتي الفنيين والذين سيغادرون معهم لم يعرفوا شيئا مما يحدث .
في صباح اليوم التالي وصل للمطار مقدم من المخابرات الحربيه ومعه سيارتي نقل، وبعد ساعه تقريبا غادر الرجال مطار القطاميه بعد وداع قائدهم
سارت السيارتين لمده
[size=18]مرت دقيقتين وبعدها بدأت جميع الطائرات بالخروج من دشمها الحصينه متجهه للممر الرئيسي، تلتها دقيقتين أخريين وبعدها بدأ تشكيل الميج 21 في الاقلاع علي دفعتين كما تدربوا
وبعد دقيقه كان تشكيل الميج 17 القاذفه يقلع هو الاخر، لتلتحم جميع الطائرات في تشكيل واحد متجه شرقا، وعلي الارض بدأ الفنيين في اعداد ذخائر جديده لتحميل الطائرات بها اذا دعت الحاجه، واعداد صهاريج الوقود لاعاده ملئ الطائرات.
اما في الجو فقد خرج صوت المقدم محمد هادئا ((يا رجاله ... زي ما اتدربتوا كويس عايزين ننفذ اللي تدربنا عليه وندي ولاد الكلب دول درس جامد جدا، كل واحد يتأكد ان طلقاته وصواريخه وقنابله رايحه للهدف بالضبط، وزي ما طلعنا كلنا هنرجع كلنا إن شاء الله ((
حاله من الصمت والتركيز تملئ الطيارين وهم يعبرون قناه السويس لقصف العدو، وطبقا للتعليمات فقد ارتفع تشكيل الميج 21 بقياده المقدم محمد، ليترك للقاذفات فرصه الانقضاض علي هدفها الاول وهو تجمع لمدفعيه العدو شرق مدينه السويس وبدأت الطائرات في قصف مدفعيه العدو بسهوله حيرت الجميع، فلم يكن هنالك دفاع جوي او حمايه ارضيه من دشم وملاجئ لمدفعيات العدو ،فقد كانت وحداته مكشوفه تماما مما أربك احمد كثيرا، فطلب من زملائه مسح السماء بأعينهم بحثا عن طائرات معاديه، فليس هذا أسلوب عدو رضع المكر والدهاء، كان قصف الطائرات المصريه عنيفا جدا وبسرعه تعالت النيران وسحب الدخان الاسود فوق المنطقه
وبينما تشكيل احمد يحمي القاذفات، خرج صوت وليد مبلغا رصد طائرة معاديه علي ارتفاع عال تتجه غربا، ربما طائرة أستطلاع كان أستنتاجه بذلك، وطلب الاذن بالاشتباك فأذن له المقدم محمد، وأمر أحمد - عمر بأن يحمي ظهر وليد، وبالفعل أنفصل وليد وعمر عن التشكيل وبدأ في التسلق تجاه الطائرة المعاديه، بينما أكد احمد على وليد بتشغيل الكاميرا لتصوير الاشتباك .
في نفس الوقت صاح النقيب حسين قائد تشكيل القاذفات في اللاسلكي ((الذخيرة خلصت وفي أهداف كتير ومفيش دفاعات معاديه، اطلب الاذن بالعوده للتزود بذخيرة والعوده مرة أخري)) وافق المقدم محمد علي طلبه فورا وأمر بقيه الطائرات بمهاجمه الاهداف الارضيه بمدافعها، وبينما القاذفات تنسحب لاعادة التسليح بدأت المقاتلات تهاجم بمدافعها مواقع العدو
أحس أحمد بأحساس لا يمكن ان ينساه طوال حياته، فقد أحس بشعب مصر كله داخله يهاجم معه الان وهو يطلق طلقات مدفعه نحو دبابات ومدافع العدو، فيد شعب مصر هي من تضغط علي الزناد الان وليس يده، فها نحن هنا لم نهزم ولن نهزم ….هكذا كان يقول عقله وطلقات طائرته تنطلق مخترقه الفضاء نحو افراد ووحدات العدو
أرتفع أحمد بطائرته مرة أخري بعد ان افرغ مدفعه تماما، ومن بعده جاء الدور علي خالد فؤاد وشريف المصري وجمال شفيق ليقوما بهجومهم، وكانت أصابتهم مدمره لمدفعيه العدو، بينما ظل المقدم محمد وطارق يحميان الهجوم .
))محتاجين نعيد ملئ الذخيرة والوقود يا فندم)) قال أحمد في اللاسلكي ووافق المقدم محمد وبدأ التشكيل في العوده حاميا ظهر تشكيل القاذفات العائده
في تلك الاثناء كان وليد وعمر قد وصلا لارتفاع شاهق جدا خلف الطائرة الميراج المعاديه التي من الواضح انها كانت تقوم بعمليات تصوير وأستطلاع لقواتنا غرب القناه، ثم فجأه أحس الطيار المعادي بطائرتنا تلحق به فبدأ في المناروة وتابعه وليد وعمر.
كانت اذن أحمد تستمع للتعليمات من عمر الي وليد لمطارده الطائرة والاطباق عليها، وكان من الواضح ان الطيار الاسرائيلي بارع جدا، فقد أستطاع الافلات من صاروخين اطلقهما وليد، ولم يكن لوليد بديل غير استعمال المدفع بعد نفاذ صواريخه، وأستمرت المناورات الرأسيه والافقيه ووليد ممسك بطائرة العدو بمهارة، حتي أستطاع ان يصيبها بدفعه مركزة من مدفعه في جناحها لتشتعل بعدها الطائرة بفعل الوقود المخزن به
فتهللت أسارير الجميع وهم يسمعون وليد وعمر يكبران فرحين بأسقاط الطائرة المعاديه
وبسرعه أصدر المقدم محمد أمرة لكل التشكيل بالهبوط والدخول في الدشم سريعا لاعاده التسليح
وبمعنويات تناطح السماء هبطت الطائرات ومن بعدها هبط وليد ثم عمر وبعد أربع دقائق بالضبط كانت جميع طائراتنا داخل دشمها تعيد التزود بالوقود والذخيرة وبعد حوالي خمس عشر دقيقه بدأت الطائرات مرة أخري مغادرة دشمها الواحده تلو الاخري، وفي ثوان عاد التشكيل للالتحام في الجو مرة أخري متجها شرقا مره اخري، ومن كابينته كان أحمد ينظر الي زملائه مشيرا لهم بعلامات النصر، وقد تعالي أحساسه بالثقه في طياريه وبدأ خوفه عليهم يتلاشي من داخله بالتدريج، وبالفعل عادت طائراتنا الي نفس الموقع الاسرائيلي والذي مازال الدخان الاسود يحيط به، وبدأت القاذفات هجومها بالقنابل تاره وتارة اخري بالمدافع والصواريخ علي ما تبقي به من معدات سليمه، بينما أحمد ورفاقه يحمونها من الاعلي وأعينهم لا تكف عن مسح السماء بحثا عن اي أهداف معاديه ورغم ارتفاعهم الا ان عمر تمتع برؤيه الجنود الاسرائيلين يفرون من حفرة لاخري طمعا في النجاه من القصف المركز .
أفاد رادار مطار القطاميه بوجود طائرتين معاديتين تقتربان من المطار من الجنوب الشرقي، فقدر المقدم محمد الموقف سريعا وادرك ان الإسرائيليين يريدون ضرب المطار حتي لا تجد طائراتنا ممرا تهبط عليه، وحيث انه لم يكن بالمطار طائرات للحمايه او دفاع جوي من الارض فقد أتخذ قرارة بترك حريه التصرف لاحمد بينما يظل هو متابعا وحاميا للقاذفات .
تلقي أحمد الامر بالتصرف، وبسرعه البرق أمر خالد فؤاد وشريف المصري بالانفصال عن التشكيل والانضمام له في مطارده الطائرات المعاديه، وكانت بلاغات غرفه العمليات بالمطار تقدر ان أحمد من الممكن ان يلحق بهما قبل وصلوهما للمطار بوقت كاف، نظرا لمحور اقترابهما البعيد
أنقضت الطائرات المصريه بأقصي سرعه لها تجاه المطار بعد ان أشعلت الحارق اللاحق والقت خزانات الوقود الاضاقيه ، وقتها حاول ضابط العمليات تصحيح مسار أحمد مبلغا أياه بأنه من الممكن ان يقترب أكثر من الطائرات المعاديه لو اتخذ مسار أخر لكن أحمد رفض وظل علي مسارة تجاه المطار وسط تعجب خالد وشريف وضابط العمليات، كانت الطائرات الثلاث تطبق غربا بسرعه كبيرة جدا ، وفجأه أمر أحمد طياريه بأتخاذ مسار مختلف وحدد لكل منهم مسارا بحيث تفرق التشكيل، وبحيث يكون أحمد هو الاقرب الي المطار بينما يكون شريف خلف العدو، وعلي شاشه الرادار شاهد ضابط العمليات ما يجري بدون ان يفهم وثارت ثائرته، فالطائرات المعاديه ما زالت تقترب بسرعه ومرت ثوان من القلق وحدث امر غريب توقعه أحمد منذ البدايه، فالطائرات الإسرائيليه ألتقطت أقتراب طائراتنا، فأستدارات عائده الي قواعدها، في هذه اللحظه كان أحمد في مؤخرتها بينما خالد يهاجم جناحها بعد ان أصبح مسارة عموديا عليها، أما شريف المصري فكان يتقابل وجهها لوجه معها .
لم يستطع ضابط العمليات علي الارض التحكم في شعورة عندما شاهد تلك المناورة الرائعه التي ادارها أحمد وأوقع بها طائرات العدو في كمين محكم، فأنتفض واقفا في مكانه كأنما مسه شرر كهربي وظل محدقا في شاشه الرادار في توتر شديد.
هذه المناورة مكنت خالد من رصد وأصابه احدي الطائرات السوبر ميستير المعاديه بسرعه بواسطه صاروخين أصابها احداهما والتي عندما حاولت الفرار وجدت طائرة شريف تنقض مطلقه دفعات من النيران علي مقدمتها لتفجرها في الجو بدون ان يستطع الطيار ان ينجو بحياته .
أستدار شريف مطاردا الطائرة الاخري التي انسحبت من المعركه بعد ان القت القنابل التي تحملها في الصحراء طمعا في سرعه هروب اعلي لكن أحمد أمرة بالعوده للتشكيل مرة اخري، فمستوي الوقود اصبح حرجا ويتطلب العوده للمطار، نظرا للسرعه العاليه التي طاروا بها
في نفس الوقت كانت المقدم محمد السيد يقود باقي التشكيل عائدا بعد نجاح عمليه القصف، وتلقي بسعاده بالغه الاشاره اللاسلكيه من احمد بأسقاط طائرة معاديه وعودتهم للمطار
هبط أحمد وخالد وشريف قبل باقي التشكيل بوقت قصير، وفور دخوله الدشمه ونزوله من الطائرة فوجئ أحمد بخالد وشريف يهرعان اليه ركضا ليرتموا في أحضانه فرحين بما تحقق ومهنئينه علي الكمين المحكم الذي نصبه للعدو والذي مكنهم من تحقيق اول اصابه مشتركه لهم، فقد كان أول أشتباك لهم مع العدو وجها لوجه ،وبينما طائرات باقي التشكيل تدخل دشمها الواحده تلو الاخري، وقف أحمد شاردا وهو يدخن سيجارة بعد شوق طويل تاركا خالد وشريف يشرحان لبعضهما البعض ما قاما به في سعاده، فقد شرد في طياريه الذين يتفجرون حماسه أمامه وفكر في مدحت المليجي ذلك البرنس الذي غادر الدنيا، وعما كان سيشعر ويقول وهو يعيش تلك اللحظات المميزة التي قلما ما يدركها مقاتل، فما اقوي والذ من تذوق طعم نصر وحتي لو كان صغيرا طالما جاء بعد هزيمه نكراء
وسرعان ما دخلت باقي طائرات التشكيل وسط فرحه الفنيين الي الدشم ليخرج بعدها الطيارين في قمه النشوة والثقه متجهين الي مبني المطار.
وعندما يتجمع الجمع في غرفه الطيارين، يعلو الحماس ليناطح السماء، فالجميع تقريبا يتحدث عما قام به، وعن دورة في هذا النصر المهم، بينما انزوي خالد فؤاد وشريف المصري في ركن قاصي من الغرفه بجوار احمد مشاركين الاخرين فرحتهم في صمت
دخل المقدم محمد سعيدا هو الاخر وتعالي الهتاف لمصر عند دخوله، كانت كحفله الانتصار النهائي علي إسرائيل وتحرير الارض، لكنه الشوق للفرحه واثبات الذات امام العدو ، فقد كان الجميع يشاهد المدرعات المصريه المدمرة بطول سيناء وعرضها، وفي هذه اللحظات كان الدور عليهم ليقصفوا مدرعات العدو وعرباته، فقد كان وقت بدء الحساب
فتقدم المقدم محمد تجاه أحمد وشد علي يده مهنئا علي كفائته وحسن تصرفه، مما أخجل احمد
وشد الرجل علي يد كل الطيارين مهنئهم علي الاداء الممتاز، وطلب منهم الانتظار لحين تلقي تعليمات جديده، ثم أشار الي أحمد بأن يصحبه وأسرعا تجاه غرفه العمليات
وهناك دار حوار قصير في اللاسلكي مع قياده القوات الجويه حول الهجوم ونتائجه ومدي الدهشه من عدم وجود غطاء جوي معاد، وكما اراد الجميع فقد صدر الامر من القياده بتطوير الهجوم وأستمرار القصف الجوي المركز في قطاع العمليات بأقصي جهد ممكن
ودار حوار قصير بين ضابط العمليات وأحمد عن الكمين الذي نصبه للعدو سريعا، هنأه ضابط العمليات علي حسن تصرفه ورد احمد بأنه توفيق من الله فقط، مما زاد اعجاب الضابط بتواضع أحمد
وفي غرفه العمليات يجتمع المقدم محمد مع طياريه مره أخري وبصعوبه أستطاع السيطرة علي فرحتهم لشرح الخطوة الثانيه قائلا ((ربنا سترها معانا في الطلعتين دول، وممكن نكون محظوظين جدا لاننا لم نقابل طائرات معاديه كتير بس هما اكيد هيكونوا منتظرنا المرة الجايه، علشان كده لازم نكون أسرع))
ثم أشار الي موقع اخر علي الخريطه مؤكدا علي الهدف الجديد قائلا ((احنا عايزين نستثمر إن اليهود ملحقوش يعملوا دشم للذخيرة والامدادات خالص، علشان كده الهدف الجاي هو مركز شئون اداريه وتموين لفرقه مدرعه قرب ممر الجدي علي المحور الاوسط)) ثم نظر تجاه النقيب حسين قائلا ((مهمتك أنك تسهل شغل المقاتلات، مش هنقدر نفضل فوق الهدف لمده طويله، علشان كده عايزك انت ورجالتك تركزوا علي الضرب الدقيق)) فأومأ النقيب حسين بالعلم ،ثم اعطي المقدم محمد اوامره في نهايه التلقين بالاستعداد للاقلاع الساعه العاشره صباحا، حتي يعطي الطيارين والفنيين الوقت الكاف للتجهيز، وكان أخر تعليمات القائد هو بقاء طائرتي ميج 21 بالمطار أستعدادا لدعم التشكيل المهاجم، وبعد مهله تفكير رشح أحمد- طارق وشريف لهذه المهمه، ورضخ طارق للأمر وإن كانت ملامح وجهه تنبئ بضيق من بقائه بالمطار
وفي الساعه العاشره صباحا، بدأت الطائرات في الاقلاع مجددا، حيث أتخذ أحمد وعمر المقدمه لحمايه القاذفات خلفهم، بينما تكفل المقدم محمد ووليد ومعهم جمال وخالد حمايه الاجناب، وعلي الارض أستمع طارق وشريف عبر اللاسلكي لمحاثات زملائهم وهم منتظرين علي اول الممر في طائراتهم .
وطبقا للتعليمات، فقد أتخذت الطائرات أقل ارتفاع ممكن لتحقيق المفاجأه للعدو والذي لم يكن يتوقع تكرار هجمات الصباح مرة أخري، مرت الطائرات سريعا فوق الموقع الذي تم قصفه صباحا، حيث مازالت الحرائق مشتعله به، وتعمقت الطائرات اكثر داخل سيناء المحتله، أعطي المقدم الاوامر بأرتفاع المقاتلات لكي تشكل مظله حمايه لقوة الهجوم، وبدأ تشكيل القاذفات في قصف الموقع المعادي بشده وعنف، ومن الجو كانت الحرائق تتصاعد من كل شبر بالموقع ،تحدث المقدم محمد سائلا غرفه العمليات بالمطار اذا كانت هناك اهداف جويه قد ظهرت علي الرادار لكن الرادار لم يري سوي طائراتنا في السماء، مما أعطي المقدم محمد ضوء أخضر لمعاودة الهجوم
وبالفعل تم معاوده الهجوم من القاذفات، بينما أحمد وزملاءة يمسحون السماء بحثا عن اهداف معاديه
كان صوت النقيب محمود وطياريه واضحا ومليئا بكم حماس وسعاده بحجم الاضرار التي أصابت العدو،
لكن يقطع صوت ضابط العمليات جو السعاده فجأه، محذرا بأقلاع اربع طائرات معاديه من أحد مطارات سيناء، وعلي الفور يصدر المقدم محمد اوامرة لطياريه بالاتجاه غربا، مع القاء خرانات الوقود الاضافيه لزياده السرعه، ثم يعطي امرا لـ أحمد لكي يتعامل مع الطائرات المعاديه ، وبينما القاذفات المصريه تعود تجاه قاعدتها مسرعه، تبدأ المقاتلات في حمايه ظهر القاذفات، ويبدأ أحمد في التفكير سريعا ويقرر الاستمرار الاتجاه غربا لكي تكون المعركه الجويه أقرب ما يكون الي القناه وقواتنا هناك .
ضابط العمليات يبلغ بأن الطائرات المعاديه أصبحت علي مسافه 10 كيلو متر، ثم بعد لحظات أصبحت علي مسافه ثمانيه كيلو متر، و تظهر القناه علي الافق، ويطمئن المقدم محمد قليلا من نجاه القاذفات، وبينما طارق وشريف علي الارض يتحرقان شوقا للاقلاع، لكن الامر لم يعط بعد.
بعد لحظات يأمر المقدم محمد المقاتلات بالاشتباك، وبعد دوران حاد أتخذت الطائرات المواجهه وجها لوجه، أبقى أحمد - جمال بجوارة بينما شدد علي بقاء وليد بجوار عمر، والتحق خالد بجناح المقدم محمد، أصبحت المسافه ثلاثه كيلومترات فقط علي المواجهه ، أطلقت الطائرات الاسرائيليه صاروخين من تلك المسافه لكنهم ضلوا اهدافهم وبصوت حازم يأمر المقدم محمد طيارته بالانفصال عن التشكيل الاساسي ومحاصرة طائرات العدو، فينفصل أحمد ومعه جمال الي اليمين، بينما عمر ووليد ينفصلان باتجاه اليسار، وتبدأ المعركه مع الطائرات الاربع والتي أتضح انها من نوع الميراج المتقدمه والتي يطير بها أفضل الطيارين الإسرائيليين
وفي اول لحظات المعركه تصاب طائرة وليد بطلقات طائرة معاديه ويتعالي الدخان الاسود منها، ويغطي المقدم محمد أنسحاب وليد من المعركه بينما ألتحم أحمد وجمال مع طائرة اخري، ويظهر صوت ضابط العمليات بوجود طائرتين معاديتين أخريين تقتربان، وعلي الفور يصدر الامر باقلاع طارق وشريف لتعزيز المعركه، وبينما المعركه تدور في سماء القناه فوق مدينه السويس، وأستطاع أحمد أن يضيق الخناق علي طائرة معاديه ويأمر جمال بالتدخل والضرب، وفعلا يتدخل جمال بصاروخين متتاليين أصاب أحداهما الطائرة لتنسحب من المعركه مخلفه ذيل طويل من الدخان الاسود، ويواصل أحمد تدخله في المعركه وبينما عمر وخالد يرافقان المقدم محمد في مناورته لضرب طائرة أخري، يظهر صوت ضابط العمليات معلنا أنسحاب طائرات التعزيز المعاديه، تلي ذلك انسحاب مقاتلات العدو
يقوم خالد بعمل دوران حاد لمطارده طائرات العدو ويتبعه أحمد وجمال وعمر، لكن صوت القائد يخرج من اللاسلكي أمرا بعدم المطارده والعوده للقاعده فورا .
في تلك اللحظات اقترب طارق وشريف الي سماء المعركه، ويأمرهما القائد محمد بحمايه ظهره بينما تعود طائراتنا .
ينادي المقدم محمد علي وليد لاسلكيا، فقد انقطع الاتصال به اثناء المعركه الجويه، لكن بدون جدوي ،ويرد ضابط العمليات بأن وليد قد قفز من طائرته بعد عبورة القناه بمسافه وجيزة، فأتخذ المقدم محمد طريقا للعوده يماثل الممر الذي اتخذه وليد، ومع تصاعد القلق من احمد على زميله الجديد، يظهر في السماء عمودا من الدخان الاسود، ويستأذن أحمد بالدوران علي ارتفاع منخفض للتأكد من سلامه وليد، ويٌسمح له فينفصل أحمد من التشكيل ويبدا في البحث عن اي أثر لمظله زميله بينما كل خلايا جسده تدعو بسلامه زميله، ولسبب ما طاف هاجس مدحت المليجي علي عقل أحمد فيزداد قلقه .
بعد ثوان يتمكن احمد من رصد مظله وليد علي الارض وبجوارها وليد يلوح له، فأنفرجت اساريره وتنفس الصعداء وحمد الله كثيرا، ثم قام بالابلاغ عن موقع زميله لكي تقوم سياره بنجدته .
وبعد دقائق تعود جميع الطائرات الي دشمها الحصينه بسلام .
وأجتمع الطيارين في غرفه الطيارين يملئوهم السعاده مره أخري بعد ما تحقق لهم في هذه الطلعه ،وإن كان النقيب محمود وطياريه أشد سعاده لتمكنهم من قصف وتدمير اهداف كثيرة للعدو ،ويأمر المقدم محمد طياريه بالراحه مع وضع طائرتين مقاتلتين في وضع الاستعداد، وكان وضع الراحه الذي يعنيته القائد هو وجود الطيارين بجوار طائراتهم داخل الدشم، فمن المتوقع رد فعل عنيف للعدو علي غارات اليوم .
ويتطوع أحمد وعمر للبقاء كطياري حاله اولي لكي يعطيا رفاقهما قدرا من الراحه .
ويمر النهار بدون تدخل من العدو وبدون أن تصدر اوامر بقصف العدو مره أخري ،فقد أستهلك المطار جزء كبير من مخزون الذخيرة لديه، وقرب المغرب تعود سيارة حامله وليد معها لتنفرج اسارير الجميع فرحا بسلامه زميلهم ونجاته، ومع هبوط ستائر الليل يعود الطيارين لغرفهم لتغيير ملابسهم ثم العوده لتقييم ما تم اليوم بغرفه الطيارين .
ويجتمع المحاربون في تلك الغرفه كما تعودوا كل ليله، لكن شتان الفرق بين تلك الوجوة التي كانت مكتئبه ساهمه حزينه تفتقر الي الثقه، وبين تلك الوجوه التي أشرقت عليها شمس الثقه والسعاده مره أخري بعد غياب، فعاد الجميع يتحدث بثقه وتفاؤل وشاركهم المقدم محمد في ذلك .
وبعد اشارة من يده، يصمت الجميع ترقبا لما سيقوله قائدهم ((أحنا النهارده حطينا رجلنا علي اول الطريق الصح، النهارده بس نقدر نقول للعالم إننا موجودين ولسه عايشين، أنا أحب أقول إن اللي شفته في طلعات النهارده، شئ رائع، شفت حماس ودقه وفدائيه وأنضباط، وكل ده خلاني سعيد جدا، بس برضه انا مش مبسوط بزمن الاقلاع خالص، احنا عايزين نتدرب علشان نكون في السماء في دقيقيتن، علشان نقدر نقول اننا فعلا مقاتلين درجه اولي، لان كل ثانيه تفرق في نتيجه المعركه((
صمتت القاعه قليلا، فالكل يفكر في تلك الملحوظات التي اوردها قائدهم، ثم تابع القائد بصوت فرح
((انا عندي لكم خبر كويس جدا .... النهارده مش أحنا بس اللي كنا بنهاجم ...معظم طيارتنا الموجوده عملت طلعات بطول الجبهه ونفذنا 256 طلعه بطول الجبهه وأقدر أقول أننا ادينا اليهود علقه سخنه فعلا، وقياده الجبهه بلغت القياده بأن قصف العدو قد توقف تماما))
ضجت القاعه بالتصفيق والهتاف من الطيارين، فقواتنا الجويه قامت من عثرتها وأثبتت تواجدها ، وأستكمل الرجل ((معظم قواعدنا اللي علي الجبهه أشتغلت جامد النهارده – بلبيس وإنشاص وابو صوير والمنصورة وحلوان وجناكليس والصالحيه.... وكلهم عملوا نتايج كويسه، وكنت سعيد جدا وانا بأبلغ ان مطارنا النهارده أسقط طياره وأصاب طيارتين للعدو مقابل خسارة طائرة واحده فقط)) وبدأت الاعين تشع ثقه من جديد وكلمات القائد المشجعه تغسل هموم شهر ونصف من العار والهزيمه والضياع
كانت طلعات الرابع عشر من يوليو هي الدواء الذي أنقذ القوات الجويه من الموت، وبفضل جرأه القاده وحماس الطيارين وفدائيتهم، فقد قاموا بمفاجأه كامله للاسرائيلين تحدثت عنها وسائل الاعلام الغربي، وأستمع أحمد في غرفته ليلا لنشرات الاخبار تذيع انباء تلك المعارك، وقد فوجئ العالم أجمع بأن القوات الجويه المصريه مازالت قادرة علي الهجوم بعد الانكسار الرهيب الذي حل بها يوم الخامس من يونيو .
كان أحمد يستمع لذلك ودخان سيجارته يتعالي في هدوء بينما عقله يردد كلمه واحده (ولســـــه) فالطريق أمام الثأر مازال طويلا ولن يشفي تلك النار الهائجه بداخله إسقاط او اصابه طائرة او أثنين للعدو، بل انه يريد المزيد والمزيد، وبينما الهدوء يخيم علي غرف الطيارين فكل منهم في ملكوته الخاص، وفجأه يسمع الجميع صوت أحمد يصيح بصوت عال جدا ، ففزع الجميع وهرولوا تجاه غرفته، وعندما دخلوا وجدوه منفعلا يجوب الغرفه ويصيح بأعلي صوت في غيظ بكلام غير مفهوم، فتقدم منه المقدم محمد محاولا معرفه ما يجري، فصاح أحمد في غضب ((مصر قبلت وقف إطلاق النار، تصدق يا فندم ؟؟؟))
صعق الجميع من جمله أحمد، ففي أوج حماسهم وثقتهم من هزيمه الهزيمه، جاء هذا الخبر ليشل العقول، ويلجم الالسنه، هدأ المقدم محمد من ثورة أحمد، وأستفسر منه اكثر عن هذا الخبر، فقال أحمد ((الراديو اعلن أن أسرائيل طلبت إطلاق النار، وأحنا وافقنا، يعني لو كنا أحنا طلبنا وقف إطلاق النار يوم خمسه كانوا هايوافقوا ؟؟؟ أكيد لا، وكانوا فضلوا يقتلوا في العساكر الغلابه الاسري بدون رحمه، أشمعنا أحنا بقه نوافق)) نكس المقدم محمد رأسه مفكرا في كلام احمد بينما تدخل النقيب محمود ((اكيد في أعتبارات كتير جدا خلت الريس يوافق، أحنا ضباط وبنفذ الاوامر بس، يعني ملناش في السياسه))
فقاطعه شريف المصري غاضبا ((يعني لما نبتدي نشم نفسنا وندي ولاد الكلاب اول علقه، يقوموا يقعدونا علي الارض تاني ؟؟))
وتطور النقاش بين الجميع في أن واحد وبدا أن الحوار سيتصاعد، فتدخل المقدم محمد، منهيا هذا التوتر طالبا من الجميع العوده لغرفهم، بينما سيقوم هو بالاتصال بالقياده لمعرفه أسباب وقف إطلاق النار
وبعد قليل أتخذ طارق موقعه بجوار نافذه غرفته وقد أدرا جهاز البيك أب علي موسيقي كلاسيكيه هادئه وغاص في التفكير، بينما أمسك عمر بخوذته وأخذ ينظفها بغيظ مكتوم ولسان حاله يرثي للفرحه التي لم تدم، فقد كان يود أن يستمر القتال وتتوالي الاشتباكات .
أما المقدم محمد فقد أصطحب أحمد الي غرفه اللاسلكي بمبني القياده المجاور، ودار حوار بين المقدم محمد و القياده، كانت تعليمات القياده صارمه جدا، الاشتباك فقط في حاله الضرورة القصوي وللدفاع عن النفس فقط كذلك يجب أعتراض أي طائرات تخترق منطقه عمليات المطار .
وبدون اي توضيح للاسباب قيل للمقدم محمد، انه قرار وقف اطلاق النار، قرار سياسي ويجب أحترامه
نظر المقدم محمد تجاه أحد فوجده يدخن سيجارته في غيظ، فقد كان في قمه انتقامه من اليهود عندما تم وقف إطلاق النار .
خرج المقدم محمد مصطحبا احمد، وتمشيا في أرض المطار، وتحدث المقدم محمد بعيدا عن الرسميات
قائلا ((رغم أنني معترض علي وقف أطلاق النار، الا إنه قرار صح))
نظر أحمد بدهشه الي قائده الذي استكمل ((أيوة قرار صح لو بصيت له من وجه نظر قياده الجيش، لان أستمرار العمليات مش ممكن يكون في صالحنا لاننا ملمناش نفسنا لسه، وكمان أحنا في عرض كل دبابه وطيارة وعسكري في الوقت ده، يعني أحنا كسبنا من كل النواحي))
كان أحمد يقيس كل كلمه من قائده وتساءل عن مكاسبنا فأجاب القائد ((اديناهم علقه جامده بطول الجبهه وسمَعنا العالم أن الطيران المصري لسه موجود وكمان خرجنا بأقل خسائر ممكنه، وبرضه رفعنا معنويات البلد كلها مش الجيش بس، تصور معنويات الرجاله علي الجبهه لما شافونا بنعدي ونضرب اليهود بكل قوة، أهم حاجه أن وقف أطلاق النار هيدينا فرصه نلم نفسنا باعصاب اهدأ بدل ما نكون تحت ضغط العمليات والغارات، فكر في العساكر اللي في الخنادق لما يكونوا تحت القصف المستمر ومش قادرين يرودوا، شعور العسكري من دول بيكون قاتل ومدمر لمعنوياته ))
تمتم أحمد بعبارات تفهم وجهه نظر قائده والذي أستكمل ((انا دمي غلي لما عرفت الخبر منك، وكنت عايز اطير واشتبك واضربهم بكل قوة انا كمان، بس بص للمستقبل، تفتكر أننا هنعرف نعوض الطيار الكويس بعد كام شهر ؟او بعد كام سنه؟؟ ولا حتي ثلاث سنين كفايه، من التدريب والصقل والخبرة لغايه ما يوصل لمستوي طيار مقاتل كفء)) ثم أقترب الاثنان من دشمه لاحد الطائرات والتي كانت مفتوحه حيث يقوم الفنيين بأعمال الصيانه اليوميه
فأستدار المقدم محمد مواجهها أحمد ((وليد يطلع علي انشاص بكرة و يستلم طيارة جديده ومن بكرة السرب 77 هيبدأ تدريبات مكثفه وتخصصيه جدا لهدف محدد وضعته القياده للسرب ده))
ظهرت نظرات التساؤل علي عيني احمد فأستكمل الرجل ((انا مقدرش اقولك الهدف، بس كل اللي هقدر اقولك عليه، أن قرار تشكيل السرب كان لسبب محدد، وعلشان كده أختاروا طيارين أكفاء زيك وزي عمر وطارق، وحطوا معاكوا الاربعه الاوائل علي الدفعه علشان ترفعوا كفاءتهم ))
برقت عيني أحمد ببريق الفضول القاتل، لكن فضوله أصطدم بمعني كونه سر حربي
وأنهي المقدم محمد حديثه مربتا علي كتف احمد في هدوء وأستدار لمتابعه عمل الفنيين في الطائرات .
وفي اليوم التالي بدأت تدريبات التشكيل، والتي كانت غريبه علي الجميع يما فيهم أحمد فقد تمثلت في سباقات للاقلاع، حيث يتم حساب زمن أقلاع الطائرة من لحظه أعطاء الامر للطيار علي مسافه خمسون مترا من طائرته، فكان علي كل طيار ان يعدو تجاه طائرته بسرعه ،وان يقوم الفنيين بإدارة محرك الطائرة وربط الطيار في مقعده وتأكيد جاهزيه التسليح قبل ان تخرج الطائرة من دشمتها ،وتباري أحمد ورفاقه في تحطيم أرقام بعضهم البعض، ورغم تقلص الوقت مرة بعد مرة، الا ان المقدم محمد لم يكن سعيدا بالمرة وكان يرغب في تقليص الوقت اكثر واكثر
ومرت عده أيام من التدريبات التخصصيه والتي تخللها طلعات تدريبيه علي القتال الجوي،في هذا اليوم اعلن المقدم محمد عن أقترابهم من الزمن الذي وضعه لهم في الاقلاع السريع مما يعني الانتقال للمرحله الثانيه من التدريب حيث أضيف بند جديد الا وهو الاقلاع في أقل مسافه ممكنه وبأقل زمن
وتم تحديد جزء من الممر لكي يتم الاقلاع عليه فقط، حيث وضعت أقماع ملونه علي منتصف الممر محدده نهايه ممر الاقلاع، ولم يكن ذلك سهلا نظريا ولا عمليا
كانت تدريبات مرهقه جدا للرجال، فالمطلوب السرعه والتحكم، وكان الفضول يقتل الجميع لمعرفه سر تلك التدريبات الجديده، وكان الفريق مدكور وقيادات القوات الجويه يزورون المطار بأستمرار لمتابعه تلك التدريبات وقياس الزمن مما أضفى أهميه شديده علي التدريبات، وكان زملائهم من الطيارين والفنيين يُحمسَون الرجال، حيث تحولت التدريبات الي شبه مسابقه، وبعد وقت تم اضافه بند أخر الا وهو الهبوط علي نفس مسافه الاقلاع القصيرة مما زاد التدريبات مشقه، ولم يكن المقدم محمد هينا في تعامله مع الرجال بل كان قاسيا في ملاحظاته عنيفا في توجيهاته .
ومرت أسابيع والتدريبات مستمرة، حتي قرر المقدم محمد وقف التدريبات لمده ثلاث أيام متتاليه، فقد لاحظ عدم تحسن الاداء خلال اليومين الاخيرين من التدريبات ،مما أعطاة ضوءا أحمرا يجب الوقوف امامه .
فقد وصل الطيارين لحد التشبع من التدريبات ومن المؤكد أنهم يحتاجون للراحه، فطلب من أحمد أن يضع جدولا للاجازات، علي أن تكون ليوم واحد فقط بالتناوب مع زملائهم، وكان قرار القائد واضحا وصريحا بأن يكون احمد اول الخارجين للاجازه .
قوبلت تلك الاجازه بترحاب شديد من الطيارين المنهكين من التدريبات العنيفه خاصه في ظل وقف اطلاق النار، وعلي الفور وضع أحمد جدول الاجازه بحيث يظل أثنان من القدامي دائما بالمطار
وعلي الفور اتصل الجميع بذويهم لابلاغهم بنبأ الاجازة القصيرة، وبدأ الفوج الاول في الاجازة وكان أحمد اول الخارجين من المطار ومعه خالد فؤاد وجمال شفيق .
وفور وصول سيارته للمنزل، التف الاهالي حول أحمد مرحبين به، بينما تعالت الدعاوي من الامهات اللاتي تصادف وجودهن بالطريق بالنصر له ولكل الجيش المصري .
كانت أحوال الناس مختلفه كليا عن الزياره السابقه، مما أستدعت ان يلتفت لها لثوان، أذن فما يقال في الاذاعه صحيح، فقد تجسد امامه رفض الشعب للهزيمه والتفافه حول الجيش بالفعل وهو ما وضح من حرارة ترحاب الرائد حسنين جار والده له، فقد أحتضنه الرجل وهنأه هو وزملائه علي تلك العلقه الساخنه التي لقنوها لليهود منذ شهرين، وتمني لهم النصر، وبينما أحمد يستمع لدعاء جارة له سعيدا، فوجئ بوالدته تهرع علي درجات السلم، تختطف أبنها في أحضانها .
ومن بين الدموع الام وحرارة لقاء الاب، تجمع الثلاثه علي تلك المائده التي تتوسط صاله المنزل وسرعان ما دلف اخوته من الباب الواحد تلو الاخر بعد انتهاء موعد الدراسه، شتان الفارق بين ذلك اللقاء وبين الاخير الذي تم بعد النكسه مباشرة وكانت سعاده والديه كبيرة بوجه أبنهم الذي عاد اليه الاشراق مرة أخري وإن مازالت البسمه والدعابه غائبه، لكنه بالفعل مختلف عن اخر زيارة ، وتساءل أحمد من اخوته علي أحوال البلد، وفرح جدا عندما علم بالتفاف الجميع ومسانده الجيش وتخطي الهزيمه، رغم قلائل عزل المشير وحاشيته والمحاكمات العسكريه وغضب الشعب من نتائج المحاكمات المخيبه لامال الشعب
وسرعان ما أنهمك الجميع في تناول الطعام الذي اعدته الام علي عجل، وان كانت عيني عاطف لم تفارق أحمد لحظه فهو يرصد كل حركاته وانفعالاته، وبعد الغذاء أجتمع احمد مع أخوته في غرفتهم، ومع أكواب الشاي الساخن تساءل أحمد عن أحوال أخوته في الدراسه وعن احوالهم، بينما كان سمير وكمال وعاطف في شوق لمعرفه ما يدور علي الجبهه وسماع القصص كتلك التي تروي في الصحف
واستمر الحديث السامر بين احمد واخوته فترة، رفض خلالها أخوته نداءات والدتهم بترك أخوهم للراحه، كذلك رفض أحمد فقد كان مشتاق لاخوته وعائلته، كذلك كان متشوقا للسير في الطرقات كما كان يفعل من قبل .
وفي المساء أنطلق مع عاطف يجوبان طرقات الحي المكتظ بالسكان، وقوبل أحمد من الجميع بترحاب، وفي النهايه أقتادتهم خطاهم الي أحد المقاهي، حيث بدأ أحمد يتساءل عما خططه عاطف لمستقبله خاصه بعد تخرجه فأجاب عاطف بأنه قد قرر التقدم للكليه الحربيه كضابط مهندس، نظر أحمد في عيني عاطف متفاجئا مفكرا للحظه وحاول أن يفكر بعقله بعيدا عن قلبه ففشل، ففي لحظات فشل عقله في أختيار القرار المناسب، ورد علي عاطف بانه لا يعلم بالتحديد أذا كان يؤيده ام يعارضه، فهو شقيقه الاصغر وبالتأكيد يخشي علي حياته لكنه في نفس الوقت مصري مسلم، يعي تماما ان عليه واجب الجهاد ولا يمكن ان يثنيه عن ذلك وأستمر الحوار بينهم عن المستقبل حتي وقت متأخر حتي قاما وعادا الي منزلهم حيث أعدت الام عشاءا كبيرا أذهل أحمد بالفعل .
وفي صباح اليوم التالي وبعد استعداده للعوده سمع احمد طرق علي الباب وعندما فتح شقيقه سمير، دخلت عدد من السيدات من جيران واصدقاء والدته وهن يحملن اعدادا لا حصر لها من الاطباق التي تفوح منها رائحه الفراخ واللحم، فبهت احمد مما يحدث أمامه بينما تبسمت الام شاكرة لجيرانها كرمهم وانهمكت معهم في حوار بينما أستدار أحمد مندهشا مما يحدث، فأجاب الاب بهدوء أنها عاده ابتدعتها نساء الشارع للترحاب بالجنود العائدين من الجبهه، وعندما تساءل أحمد عما سيفعل بكل هذا الطعام، ردت الام بأنه له ولزملائه في المطار لكي يغذوا نفسهم بعيدا عن أكل الجيش، فترقرقت عيني احمد بالدمع ولحظها كمال علي الفور، وبعد قليل كان احمد يستقل السيارة بصحبه زملائه عائدا الي المطار وقد حُملت السياره علي أخرها بما لذ وطاب، ومن بين دموع الام ودعوات الاب والاشقاء، إنسلت السيارة مبتعده عن الانظار .
عاد أحمد للمطار الذي لا يبعد أكثر من ساعه ونصف عن منزله حاملا كميات كبيرة من الطعام أذهلت الجميع ،وبسرعه قام احمد بتوزيع الطعام علي الفنيين والجنود، وليجد أيضا عمرو وليد في انتظارة لكي يخرجا في اجازتهما، فقد كان عمر في شوق الي تلك الاجازة بشده نظرا لتشوقه لرؤيه عائلته وناديه بالتحديد
طلب عمر من سائقه الا يوصله الي المنزل بل الي الكونيش حيث كانت ناديه تنتظره في شوق، وظهر ذلك واضحا من نظراتها عندما نزل عمر من السيارة بملابسه العسكريه، كانت نظراتها تشع بريقا وفخرا بخطيبها وكانها تود لو تصيح بأعلي صوت لها ان هذا الرجل خطيبها وانها محبوبته الوحيده في تلك الدنيا .
قادتهم الخطي نحو احد المطاعم المطله علي النيل حيث جلسا وتحدثا لمده طويله .
كانت ناديه من الذكاء بحيث انها لم تتطرق لتلك الحرب اللعينه الدائره بل أخذت خطيبها بعيدا عن الواقع بمرارته الي عالم أخر ملئ بالحب والعشق، وبنظراتها المليئه حب وعشق ومن بين شفتيها خرجت كلمات حملت عمر الي السماء حملا، ودفعته الي عالم اخر من الصفاء والنقاء والرومانسيه .
ومن خلف نظراته الشمسيه كانت عيني عمر تحتضنان هذا الملاك الجالس امامه، فمن المستحيل ان تكون تلك الفتاه من هذا الكوكب، فقد أحس من كلماتها ونظراتها بأحساس يفوق الوصف من الهدوء والسكينه، فلم يقاطعها واثر ان يترك كلماتها تتغلغل في خلايا جسده وتضخ حبا وعشقا في جسده .
دامت جلستهم نحو الساعه، قطعها تذكير ناديه بأن عائلتيهم تنتظران بالمنزل، وانه لابد لهم من العوده الان، فقام عمر مكرها صاغرا فقد أصطدم مره أخري بالارض بعد ان كان في السماء محلقا مع ناديه
سار الاثنان متشابكي الايدي علي كورنيش النيل، وقد التهبت الايدي من حرارة العشق المتبادل حتي اوقف عمر تاكسيا، وانطلق بهم نحو العباسيه .
وقرب منتصف الليل غادر الجميع المنزل بعد يوم حافل قضاه الجميع مع عمر، والذي ظهر للجميع الاختلاف الكبير عليه عن الزياره السابقه، ووضح ذلك من سعاده الجميع بروح الدعابه والتفاؤل التي أشاعها عمر في المنزل من لحظه دخوله بصحبه ناديه حتي دلف لغرفته .
وفي الصباح التالي كان عمر منتظرا للسيارة بالشرفه بينما غابت الام في المطبخ، وفي الموعد المحدد وصلت السيارة بعد ان اصطحبت وليد .
هم عمر بالنزول الا ان والدته طلبت من ان يساعدها في شئ، وصدم عمر عندما رأي خمس صناديق موضوعه قرب باب المنزل ،علم علي الفور ما بها، فأستدار مقبلا يد والدته شاكرا اياها علي ما قامت به.
وطوال طريق العوده، كان عمر هائما في كلام ناديه الذي مازال يتردد صداه في عقله، ونظرات والدته له وهو يغادر، ففيها كم هائل من المشاعر والحب يكفي الجيش المصري كله وليس هو فقط، وعند ظهور بوابه المطار قرر عمر كعادته ان ينسي كل شئ ويعود لعمله وواجبه و مركزا كل حواسه فيهما .
تساءل عمر فور وصوله عن أحمد ، وعلم انه بطائرته في طائرات الحاله الاولي علي اول الممر ومعه جمال شفيق، فاسرع الي قائده متشوقا لرؤيته .
وبدخول سيارة عمر ووليد الي المطار بدأت اجازه طارق وشريف المصري فعليا، فأنطلقا في سيارة أخري مسرعين نحو الديار، وإن كانت اجازة شريف ستطول يوما نظرا لان عائلته تقطن قرب مدينه المنصورة مما يستدعي يوما زائدا عن زملائه الذين يقطنون بالقاهرة القريبه من المطار .
وصل طارق الي منزله، وعلم من زينب الخادمه بأن والديه في النادي ففكر قليلا لثانيه، فقد اراد مفاجئتهم بالزياره لذلك لم يعلمهم بموعد قدومه، وبرقت عينيه للحظه، فالظروف تخدمه جيدا الان، فاسرع الي الطابق العلوي حيث غير ملابسه وارتدي ملابس رياضيه خفيفه ومن تحتها ملابس السباحه ،وأنطلق بسيارة الرياضيه نحو النادي .
قوبل طارق بحفاوه من العاملين بالنادي عند رؤيته، واسرع نحو الحديقه حيث تعود والديه ان يجلسا في ظلال الاشجار بها ،فوجئت الام بأبنها يقترب من بعيد، لوهله لم تصدق عينيها، وبينما الاب منهمك في قراءه عدد من الاوراق، هرعت الام من مكانها مطيحه بكوب عصير يتوسط الطاوله نحو ابنها .
وبعد ثوان قليله استطاع الاب ان يدرك ان الرجل الذي تحتضنه زوجته هو طارق ابنه، فقام مسرعا فاتحا زراعيه لابنه الذي لم يراه منذ ما يقرب من خمسه اشهر تقريبا ليرتمي في احضانه.
تجمع الثلاثه علي الطاوله في سعاده، ومن بين دموع الفرح من الام ونظرات السعاده من الاب، دار الحوار بينهم عاليا ضاحكا، مما استدعي انتباه العديد من عضوات النادي فتجمعوا للترحيب بطارق
كان عقل طارق يجمع تلك الصور امامه، ففي كل يوم رجال يستشهدون ويصابون علي الجبهه، بينما هذا المجتمع المتمثل في النادي لا يعرف عنهم شيئا، فأصدقاؤه وصديقاته مازالوا كما تعود، وكأن مصر لا تحارب، مما اغاظه كثيرا، ورد والده في دبلوماسيه معهوده منه بأن الرجال هم الذين يقاتلون الان علي الجبهه وما يراه امامه لا يمثل اي شئ من مصر إنما هي طبقه ترعرعت علي الراحه والتعامل مع الحرب بالمكسب والخسارة الماديه، وتدخلت والدته محتجه ومشيرة الي طاوله مجاورة يجلس بجوارها عدد من السيدات، قائله بأن علي هذه الطاوله فقط، ثلاث سيدات لديهم ابناء في الجيش وليس من المعقول ان تخلو الشوارع والنوادي من الشباب لمجرد ان البلد في حرب .
صمت طارق قليلا واستاذن بأنه يود النزول لحمام السباحه قليلا، وبينما يسير تجاه غرفه خلع الملابس دار عقله في هذا الحديث ووجد ان عقله قد تعود علي فكرة ان الدوله مكرسه للحرب وللمجهود الحربي ونسي ان هنالك طلبه بمئات الالوف مازالوا يدرسون وعمال يعملون وفلاحين يزرعون الارض وموظفين وتجار وحرفيين ... كل هؤلاء يجب ان تستمر حياتهم لكي تستمر مصر في الحياه ولكي يمدوا الجيش بما يحتاجه ..... وفجأه توقف عن التفكير بعد ان غير ملابسه وأصبح علي حافه حمام السباحه، وكانسان لديه شخصيتين وقف وتساءل ((انت فين ؟؟؟)) فرد علي نفسه ((انا في النادي في اجازة)) وعاد تساءل ((ولما تكون في اجازة وفي النادي، المفروض تعمل ايه ؟؟)) فرد علي نفسه ((المفروض أوقف تفكيري وأستمتع بكل ثانيه في الاجازة، أمال سموها اجازة ليه ؟؟)) ثم أبتسم والقي بنفسه في حمام السباحه غاسلا همومه وتعبه في المياه الدافئه
في اليوم التالي دخلت سيارة طارق بوابه المطار وكان أحمد في أستقباله مرحبا بعودته
وعاد شريف المصري في اليوم التالي مباشره ليكتمل بذلك تشكيل السرب 77 مره أخري
كان المقدم محمد يشاهد بعينيه نتائج تلك الاجازة علي نتائج التدريب التي تحسن كثيرا بعد الاجازات السريعه التي نالها الجميع
ومرت عده ايام أخري من التدريب المثمر جدا وصلت خلالها الازمنه الفعليه الي تلك التي وضعها خبراء القوات الجويه بل وتعدتها مما حدا بالمقدم محمد أن يدعو الفريق مدكور لزيارة المطار لمشاهده بيان عملي بعد نهايه التدريب .
ووصلت طائرة قائد القوات الجويه في صباح احد الايام المشمسه من شهر اكتوبر عام 1967 الي المطار، ومعه كم كبير من قيادات القوات الجويه وبعض الخبراء السوفيت الذين وفدوا الي مصر بالمئات للمساعده في تدريب قواتنا المسلحه .
واعتلي جميع القاده برج المراقبه للمشاهده بوضوح فعاليات البيان الذي سيقدمه افراد السرب 77
أصطف الفنيين والطيارين علي السواء بعيدا عن طائراتهم بمسافه مائه متر، ثم اطلق المقدم محمد خرطوشه خضراء معلنا بدء البيان ونظر جميع القاده نحو ساعاتهم في وقت واحد لقياس الزمن، وركض الطيارين والفنيين نحو طائراتهم داخل الدشم، أسرع عدد من الفنيين يديرون الطائرات وأخرون ينزعون صمامات الامان عن الاسلحه ،واخرون يربطون الطيارين في مقاعدهم .
مرت ثوان وظهرت مقدمات الطائرات تخرج من دشمها الحصينه الواحده تلو الاخري، وبدلا من الانتظار علي اول الممر، فقد تسارعت الطائرة تلو الاخري في الانطلاق علي الممر في تناغم رائع، لتنطلق في الجو قبل نهايه الممر المحدده ببضع مترات وسط سعاده الموجودين من دقه التنفيذ .
بعد اربع دقائق فقط من انطلاق البيان، كانت اخر طائره تغادر الممر محلقه في السماء .
أستدار احد قيادات القوات الجويه نحو المقدم محمد مبتسما
((السوفيت كانوا قايلين إن أقل زمن هو خمس دقايق، وانت كسرته بدقيقه كامله... ده رقم قياسي يا محمد)) أبتسم المقدم محمد ورد ببعض عبارات الاشاده بطياريه وكفاءتهم
دار التشكيل حول الممر وبدأ في تنفيذ المرحله الثانيه، الا وهي الهبوط علي أقل مسافه والدخول سريعا في الدشم الحصينه، فاستدار التشكيل في الجو وأتخذ وضع الهبوط، وأقتربت الطائرات من الممر وبدات الواحده تلو الاخري تهبط في براعه عاليه لتسرع نحو دشمتها الحصينه مرة اخري، ومع نزول طائرة احمد قائد التشكيل ودخولها الي الدشمه سريعا توقفت الساعات مرة أخري لتحسب زمن قياسي أخر في الهبوط سواء من ناحيه مسافه الهبوط أو سرعه دخول الدشم مره أخري .
كان الفريق مدكور في قمه سعادته من هذا الاداء وأثني عليه كثيرا وهنأ المقدم محمد وضباطه من قيادات المطار علي حسن التدريب أيضا حسن إختيار الطيارين وبينما القاده يهبطون درجات برج المراقبه، تساءل الفريق مدكور ((السرب 77 جاهز للهدف ؟؟)) رد المقدم محمد ((جاهز يا فندم)) فأردف الفريق مدكور ((علي بركه الله، نبدأ المرحله التانيه، أنا عايزك يا محمد تقعد مع الطيارين وتبلغهم بطبيعه مهمتهم في الفتره الجايه، ومش محتاج أأكد لك علي السريه المطلقه في كل حاجه، ولازم يفهموا سريه مهمتهم ...)) وأوامأ المقدم محمد أيجابا، ثم أعطاه الفريق مدكور مظروفا يحمل بداخله قرار ترقيه طياري السرب 77 الي الرتبه الاعلي، ولم يفاجأ ذلك المقدم محمد فمعظم طياري السرب علي وشك الترقيه فعلا، لكن الفريق مدكور شرح انه اراد تقديم موعد الترقيه لتأكيد علي مدي اهتمام القوات الجويه بهذا السرب وبدوره القادم
فأصبح أحمد رائدا بينما ترقي عمر وطارق الي رتبه النقيب اما الاربعه الجدد فقد حصلوا علي رتبه الملازم اول والتي كان من المفترض حصولهم عليها من شهرين و في المساء بدأ طيارو السرب في التجمع بغرفه الطيارين طبقا لاوامر قائدهم، وسرعان ما بدأ الاجتماع وسط هاله من دخان السجائر المتصاعد ،تحدث المقدم محمد مهنأ الرجال علي ادائهم اليوم اما قاده القوات الجويه وشارحا لهم مدي اهميه التدريب والوصول الي الزمن المحدد، ثم تطرق الي قرار القائد بترقيه طياري السرب الي الرتبه الاعلي، وسرعان ما ظهرت السعاده علي وجود الطيارين الشباب، أما أحمد وعمر وطارق فلم يغير خبر الترقيه من ملامحهم في شئ فالجديه والرغبه في القتال أصبح القاسم المشترك بين الجميع ولم يكن للترقيه اي معني لهم في ذلك الوقت، بعد ذلك تطرق المقدم محمد الي الهدف الرئيسي من التدريبات قائلا
((التعليمات اللي وصلتني، إني أجهز السرب 77 بتشكيله الحالي علشان يكون تشكيل مستقل ولهدف محدد ومهم وضعته القياده بعد النكسه علي طول)) كانت افتتاحيه القائد مشوقه ومثيرة للفضول فتقدم أحمد علي كرسيه وقد تحفزت كل حواسه لتلقي الخبر الذي انتظرة أيام وايام، بينما تعالت نظرات الفضول من اعين باقي الطيارين .
أستطرد الرجل ((القياده قررت بعد النكسه اعاده احياء أحد المشروعات السريه عندنا، وهو مشروع المطارات السريه)) تعالت نظرات الدهشه والاستغراب من عيني الجميع عدا احمد الذي ظل محتفظا بتعابير وجهه كما هي، بينما تذكر طارق حديثه مع قائده السابق في مطار السر عن اخفاء المطار ، فقاطع المقدم محمد اندهاشهم مستكملا ((السرب 77 هيكون اول سرب يتمركز في اول مطار سري في مصر – مكان المطار لازم يكون سر، حتي انا مش عارفه ومش المفروض اعرفه، والتدريبات اللي تدربتوا عليها دي علشان تقدروا تشتغلوا من مطاركم الجديد، بأذن الله تستعدوا للتحرك بعد يومين))
ثم نظر الرجل في اعين رجاله مستكملا ((بكرة هيوصل طياري وفنيين السرب 212 اللي هيستلموا طيارتكم، وانتوا والفنيين بتوعكم هتسلموا نفسكم بعد بكرة لضابط مخابرات حربيه هيوصل هنا))
نظر الطيارون لبعضهم البعض في دهشه وتعالت الاسئله من أعينهم فقطع قائدهم الدهشه منهيا
((محدش يفكر يسألني اي حاجه لاني قلت كل اللي عندي، ومعرفش اكتر من اللي قلت لكم عليه))
انهي القائد جملته وغادر غرفه الطيارين مسرعا للخارج بينما التف الطيارون حول احمد مستفسرين بشوق لمعرفه المزيد الا ان احمد اقسم لهم بأنه لم يعرف اي شئ الا الان فقط ثم أستكمل ((بس لما تحطوا الاحداث جنب بعضها زي زيارات قائد القوت الجويه المتكررة لنا وحضورة التدريب النهائي وكمان ضابط مخابرات يستلمنا زي ما قال المقدم محمد، تقدروا تعرفوا اننا داخلين علي مهمه خطيرة ومهمه وسريه جدا ،لازم نكون عند حسن ظن مصر بينا)) صمت الجميع مفكرين في كلام احمد لهم، ثم تتابعوا في الخروج من الغرفه بدون ان يحصلوا علي اجابات شافيه
في اليوم التالي حضر اطقم السرب 212 من طيارين وفنيين لاستلام الطائرات، وتمت عمليه التسليم بسهوله ويسر وطبقا للتعليمات فلم يبح احد من طياري السرب77 بوجهتهم لاحد حتي الفنيين والذين سيغادرون معهم لم يعرفوا شيئا مما يحدث .
في صباح اليوم التالي وصل للمطار مقدم من المخابرات الحربيه ومعه سيارتي نقل، وبعد ساعه تقريبا غادر الرجال مطار القطاميه بعد وداع قائدهم
سارت السيارتين لمده
عدل سابقا من قبل mady في الأحد يونيو 27, 2010 7:30 am عدل 2 مرات
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
[/size]
الفصل السادس : المطار السري
جريده الجمهوريه تبرز خبر إغراق ايلات
في صباح اليوم التالي حضر العقيد مصطفي ومعه عددا من الحقائب ، طالبا من الرجال تغيير ملابسهم وارتداء ملابس شركه البترول ، قابل الجميع هذا التصرف بالدهشة من حرص المخابرات علي أدق التفاصيل ، واعتلي الجميع سيارات النقل المطلية بألوان وشعار شركه البترول عدا أحمد الذي اختلي بالمقدم مصطفي طالبا منه مقابله محمد صلاح في أسرع وقت ، تبسم العقيد مصطفي مخبرا إياه بأن محمد سيكون في المطار اليوم ، فوجئ أحمد برد العقيد مصطفي لكن الأخير اخبره بأنه كان واثقا من رأي احمد فيما يخص محمد فهو بالنسبة له تحدي كبير ،ثم صافح المقدم مصطفي أحمد متمنيا له النصر وشد علي يده قائلا
((مصر منتظرة منكم كتير))
سرت قشعريرة في جسد احمد من كلمات الرجل بينما يهم بركوب مقدمه السيارة بجوار السائق الذي اندفع خارجا من القاهرة تجاه طريق الاسماعيليه الزراعي وبعد حوالي الساعة تفرع السائق في طريق جانبي ممهد وسار فيه لمده ساعة متخطيا قري ونجوع شرق الدلتا حتى عبر عده كباري مقامه فوق ترع متفرعة من النيل ، وبعد ثلاث ساعات من مغادرتهم القاهرة ، وصلت السيارة إلي نقطه تفتيش شرطه عسكريه ، حيث ابرز السائق تصريح شركه البترول ، وبعد تفتيش سريع للسيارة من الجنود استمرت السيارة في سيرها لمده ، بعدها أعلن السائق وصلوهم وأبطأ من سرعه السيارة ، فطلب منه أحمد التوقف بجانب الطريق ليستطلع المكان ، وفور توقف السيارة طلب من الجميع النزول من السيارة لاستطلاع المكان
نزل الطيارون أولا يستطلعون أرضيه الطريق والتي بدا عليها الجودة التامة من حيث الرصف خلافا لبقية الطرق، وبسرعة استطاع الطيارون تحديد علامات بداية الممر ونهايته والتي لم تظهر إلا عن قرب
كان احمد وعمر يتحدثان عن هذه الفكرة الجهنمية الممتازة ، حيث أنهم لا يستطيعون تحديد وجود مطار حتى وهم بداخله نظريا ، فالأشجار كثيفة علي جانبي الطريق لا تشيران الي ما بداخلهم ،أما طارق ووليد فقد اتجها بحثا عن الطريق الفرعي والذي سيقود الطائرات الي الممر من وسط الأشجار أما جمال وشريف وخالد فقد انتشروا في المكان واتجهوا تجاه الزراعات بحثا عن أماكن انتظار الطائرات ، ثم ظهر من بين الأشجار رجل يتحرك نحوهم وهو يلبس ملابس شركات البترول ، وعند اقترابه من احمد وضح انه المقدم فريد والذي كان متواجدا معهم في الليلة السابقة ، أشار إليهم الضابط بالتجمع في ذلك المنزل الريفي ، فتوجه الجميع تجاهه
كان المنزل مستطيل الشكل ولا يظهر منه للطريق سوي الضلع الأصغر فقط بينما يمتد داخل الأشجار لمسافة ومن داخله ضم غرفا لتغيير الملابس للطيارين وغرفه للتلقين بها خرائط وغرفه للاسلكي ومكتب خاص بقائد المطار وسته غرف للنوم حيث خصص اربعه افراد للغرفه الواحده، ورغم شكل المنزل الخارجي المصنوع من الطوب اللبن كبقيه مباني المنطقه الا ان ارضيته من الداخل والحوائط والاثاث كانوا علي احسن مستوي كبقيه المطارات الاخري ، واهم ما ميز المنزل من الداخل هي غرفه العمليات المصغرة ، حيث ضمت خرائط وجهاز لاسلكي وعده كراسي للطيارين وطاوله كبيرة للشرح
تفقد احمد وزملائه المنزل برفقه الضابط ، ثم طلب رئيس الفنيين تفقد مخازن الوقود والذخيرة وقطع الغيار واماكن انتظار الطائرات وتبعه احمد ثم بقيه الطيارين ، وفوجئ الجميع وسط الاشجار خلف المنزل بممرات اسمنتيه صغيرة تمتد في اتجاهات متعدده حيث خصص لكل طائرة مخزن للذخيرة والوقود مستقلين يقعان خلف مكان انتظارها بمسافه امنه لامدادها بما يلزم ، وتلك الممرات الاسمنيه لكي تسهل دفع العربات التي تحمل الذخيرة عليها ،اما المخازن نفسها فكانت صغيرة جدا مقارنه بتلك الموجوده في المطارات الكبيرة ، وقد غطيت تلك المخازن بعشب من نفس اللون المحيط بها مما أثار اعجاب الجميع بدقه التمويه
وظهرت اماكن انتظار الطائرات في نهايه كل ممر اسمنتي حيث مثلت مسافه خاليه من الاشجار تتطلب مهارة من الطيار في المرور خلالها ، ولمح احمد هوائيات اللاسكي فوق قمم الاشجار بشكل لا يلفت النظر نهائيا
أستمر افراد السرب حوالي ساعتين في تفقد الموقع في حين انصرف الفنيين في مراجعه مخازن الذخيرة والوقود وطرق التخزين والتحميل ومواقع مخازن قطع الغيار التي تحتاجها الطائرات ، أما الطيارين فقد فرغوا من معاينه الممرات وبدايتها ونهايتها وطرق الاقتراب
وقرب الثالثه ظهرا وصلت سيارة اخري من سيارات شركه البترول تحمل عدد من الافراد المسلحين والذين سيعملون كأمن لمحيط المطار ومعهم عدد من المتعلقات الشخصيه للطيارين والفنيين ، وتم الاتفاق علي ان يقوم افراد الشرطه العسكريه باغلاق الطريق عند الاقلاع والهبوط من خلال نقاط التفتيش المنتشرة حول الطريق بمسافه خمسه كيلو مترات من خلال اتصال تليفوني مباشر .
بعد فترة جاءت سيارة اخري من نفس النوع تحمل افرادا من امن المطار وبعض المتعلقات الشخصيه للطيارين والفنيين أيضا ، لكن كان معهم أيضا شاب يرتدي نظارة شمس ، لم يختلف عليه اثنان بأنه طيار حيث القوام الرياضي المتناسق والبنيه الصحيه المتكامله
وقف ذلك الشخص الاصلع الرأس يتابع بعينيه ما يجري حوله والنشاط ، لكن بصرة توقف امام رجل ينظر اليه من بعيد ويمعن النظر فيه .
ظل الاثنان ينظران لبعضهما فترة ، فأحمد كان يحاول ان يحلل شخصيه محمد صلاح ، فلا شك لديه فقد طبعت صورته التي في الملف في ذاكرته ، اما محمد صلاح فقد كان متعجبا من ذلك الشخص الذي يراقبه ، وبأحساس غريزي تلقائي ، سار نحو أحمد وتقدم الاخير بدورة .
تقابل الاثنان في منتصف الطريق واعينهم لا تفارق بعضها البعض من خلف النظارات ، فمحمد صلاح يعلم ان القرار بيد أحمد لكي يعود للطيران مرة اخري وهو يريد بكل ما اوتي من قوة ان يعود للسماء مرة أخري ، فتصافح الاثنان وقام كل منهم بتعريف نفسه للاخر ،وعلي مبعده منهم كان المقدم فريد يتابع بعينيه ما يدور بين الاثنين ، ودخل أحمد في الموضوع مباشرة بينما يسيران تجاه الاشجار سائلا (( انت ليه عايز تحارب يا محمد ))
رد محمد بهدوء (( ده أخر سؤال اتوقعه من سيادتك ، فحضرتك اكيد قريت ملفي واكيد عارف إن انا بالذات عندي بدل السبب ، الف سبب ))
كان احمد يريد ان يقيس كلام محمد واسلوبه وانفعلاته ، بينما محمد يريد ان يحظي بأنطباع جيد لدي احمد
وفي مكان قصي كان الطيارون يلتفون حول عمر وطارق يدخنون السجائر واعينهم تلاحق احمد ومحمد والتعليقات لا تكف من جمال شفيق علي هذا الطيار الاصلع
فقال احمد (( انا معنديش مكان هنا لحرب شخصيه ، احنا بنحارب ضمن سرب وبننفذ التعليمات )) لم يرد محمد علي جمله احمد ، (( وايه اللي ممكن تضيفه للسرب )) تسأل احمد ، فخلع محمد نظارته كاشفا عن عينين ميته من الشعور متبلده الاحساس (( انا مش عارف ممكن اضيف ايه للسرب او السرب يضيف لي ايه ، كل اللي اعرفه ان البلد محتله وفي حاله حرب وان فيه طيارات أسرائيلي كتير محتاجه تولع ، وطيارين يهود كتير لازم يموتوا علشان ننتصر، اما اموري الشخصيه فأصبحت في نفس الكأس اللي فيه البلد فمفيش فرق طالما هطير وأموت منهم اكتر عدد ممكن او اموت وانا بحاول ))،
احمد (( طيب لو كان في أشتباك وطلبت منك عدم الاشتباك والعوده للمطار .. هتعمل ايه ؟؟؟)) نظر محمد الي أحمد مستغربا هذا السؤال وأيقن الكمين الذي نصبه له احمد من السؤال وقرر ان يرد بنفس مكر السؤال
(( معتقدش ان حتى حضرتك ممكن تمنع نفسك من الاشتباك لو الظروف مواتيه بس لو الظروف مش مواتيه او فيها خطر هتمنعنا ، وانا لاعب في فريق ومش ممكن ارفض تنفيذ أمر مهما كان)) نظر اليه احمد مبتسما من هروبه الجيد من الكمين ورد عليه (( بص يا محمد ، التقارير بتقول انك خطر علي اي سرب في الوقت الحالي ، بس انا عندي دافع قوي إني أضمك معايا للسرب )) ثم تحولت نظرة احمد للجديه والصرامه
(( بس لو للحظه حسيت انك خطر علي زملائك ، هتلاقيني مرجعك بيتكم )) نظر اليه محمد بنظراته الميته وبدون اي انفعال ظاهر
فأستكمل احمد مخففا من نبرة الحديث (( تعالي قابل زملائك الجدد )) وقتها ظهرت فقط ابتسامه صفراء علي وجه محمد ، قام احمد بالتعارف بين محمد وبين زملائه الطيارين مخبرا اياهم بأن محمد طيار جيد ولابد له ان يظهر احسن ما به لزملائه المتميزين ، فقد كان احمد يهدف لدمج محمد وسط منافسه مع زملائه نتيجتها رفع كفاءة السرب ، وقرب وقت المغرب كان الجميع قد أنتظم في اماكنه ، حيث وصلت ملابس الطيران والمتعلقات الشخصيه الاخري الخاصه بكل منهم ، وغادر المقدم فريد بعد ان اطمئن الي انتظام العمل بالمطار وبعد ان اتفق مع احمد علي التوجه في الغد مع طياريه لمطار غرب القاهرة لاستلام الطائرات الجديده علي الا يقوم بالهبوط بهم في مطارة، ويستخدم مؤقتا مطار ابو صوير حتى يتم التدريب علي الهبوط والاقلاع بالمطار الجديد .
كانت الحماسه تغالب الجميع في هذا المساء ، عدا محمد صلاح الذي استكان في سريرة ينظر الي النافذه حارقا اكبر قدر ممكن من السجائر، بينما الاخرون كل في فلكه الخاص .
وفجأه وبدون مقدمات سمع الجميع صوت عمر يصيح في فضاء المكان ( تحيا مصر – تحيا مصر )
ركض الجميع اليه فوجدوة يرقص طربا في مشهد لم يألفه الجميع منه وقد وضع الراديو الصغير علي الارض وبات يرقص حوله، دخل احمد مستفسرا منه ، فرد عمر بسعاده بالغه (( غرقنا مدمرة إسرائيلي من شويه – البيان لسه متذاع من قليل )) تعالي الابتهاج من الجميع عدا محمد الذي ظل في مكانه بغرفته مستمعا لما يقال وغير مبال ظاهريا لكن قلبه كان يطير فرحا
تشارك الجميع في الفرحه طوال الليل وتسامر الجميع بجوار المذياع الصغير والبيان يعاد ويعاد ، حتى تأخر الوقت وأمر احمد الجميع بالخلود للنوم لانه امامهم يوم طويل
في الصباح التالي كانت طائرة هليكوبتر تطير بالرجال من مطار ابو صوير الي مطار غرب القاهرة حيث تم تجميع وتجهيز ثمان طائرات ميج 21 جديده للسرب 77 مقاتلات
طائرة ميج 21 بين المزارع
أستلم كل طيار طائرته بعد ان عاينها وتأكد من جاهزيتها للاقلاع هو والطاقم الفني الخاص بها وأنتهت الامور الاداريه بسرعه ، وعندما تسائل احمد علي الوان التمويه الغريبه والتي تختلف عن الوان الطائرات الاخري ، اجاب احد المهندسين بأنهم قد لجاؤا الي شركه النصر لصناعه السيارات لتوريد الالوان التي حددتها القياده لتلك الطائرات،حيث كانت مموهه بالالوان زراعيه تتناغم بين الاخضر والزيتي عكس باقي الطائرات المصريه المموهه بالالوان الصحراويه
وقرب الظهر أستعدت طائرات السرب للاقلاع متجهه نحو مطارها الجديد لاستطلاع المنطقه من حوله حيث سيقومون لمده اسبوع بالطيران حول المنطقه لحفظها جيدا ومعرفه افضل طرق الاقتراب وتم الاتفاق مع رئيس الفنيين علي اشعال قنبله فوسوفريه فور اقترابهم من المطار لتسهيل تحديد مكانه لاول مرة ومن ثم استكشاف المنطقه .
اقلع السرب بطائراته الجديده في تمام الثانيه والنصف ظهرا متجهه شرقا ، وتم التوجه للمطار بأستخدام البوصله والخريطه ، وتم عمل استكشاف للمنطقه حتى رصد وليد عمود الدخان الفوسفوري فتم التوجه تجاهه ، حيث رصد الجميع الطريق بالطيران المنخفض وبدأ الطيارون في مسح المنطقه جيدا بالعين المجرده لمعرفه العلامات المميزة لمكان المطار وبدايات الممر ونهايته ، أستمر الاستكشاف فترة ثم توجهت الطائرات الي مطار ابوصوير للهبوط به .
وعند عودتهم لمطارهم السري بملابس شركه البترول ليلا ، بدأ احمد في تحفيظ الرجال تعليمات الاقلاع والهبوط ، ومقارنه ما شاهدوة في السماء بأرض الواقع، وتم عمل عدد من التعديلات في علامات الممر علي الارض حتى تكون اكثر وضوحا بالجو ، وكانت عبارة عن علامه بالجير الابيض علي الارض غير ذات معني لمن يشاهدها الا انها كانت لافراد السرب تعني الكثير والكثير ، حتى تدخل جمال ضاحكا (( يا سلام لو حد من الفلاحين جه بالليل ، وشال العلامات دي واحنا مخدناش بالنا .... طب هننزل فين ؟)) ضحك الجميع عدا محمد والذي لم يكن متقبلا لمزاح جمال كذا احمد الذي اقلقه هذا الموضوع (( انتوا بتضحكوا .. دي تبقي مصيبه وخصوصا لو ماكنش معانا وقود كفايه نروح بيه ابو صوير )) فسكت الجميع مع جمله احمد ، فتدخل عمر (( تبقي العلامه لازم تكون ثابته وواضحه )) قال طارق وقد برقت عيناه (( حد فيكم شاف فيلم القطار بتاع برت لانكستر ؟؟؟؟))
استدار الجميع نحو طارق واختلفت التعبيرات ما بين مندهشه من جملته الغامضه وما بين متسائله عما يعني
فأردف طارق (( الفيلم بيدور حول مجموعه من المقاومه الفرنسيه بتحاول تهرب قطار حامل لوحات مسروقه من فرنسا ورايحه المانيا اثناء الاحتلال النازي لفرنسا ولما حب طيران الحلفاء يضرب القطار علشان يعطله ، قامت المقاومه بدهان سقف العربات اللي فيها اللوحات الاثريه دي باللون الابيض علشان متنضربش ..طيب ليه منعملش اي علامه ثابته زي بيت او عشه او اي حاجه بس يكون سقفها ابيض ، كده هنعرف نميز الممر من الجو )) تدخل وليد (( انا شفت الفيلم في السينما قبل الحرب ودي فكرة ممتازة فعلا)) وتعالت عبارات المدح في فكرة طارق وإن اختلف الجميع حول ماهيه شكل الطلاء ، واتفقوا علي ان خط ابيض بعرض الممر عند البدايه والنهايه سيكون كافيا جدا ولن يلفت الانظار من الجو .
في هذا المساء كان احمد سعيدا بتواصل الجميع واندماجهم في بوتقه واحده وتشاركهم في كل شئ يخص السرب كأنه ملكهم الخاص ، بينما انزوي عمر تحت شجرة يكتب خطابا لناديه يحمل كماً من الاشواق وتفادي ذكر اي شئ عن مكانه ، وشارك طارق شريف ووليد وخالد حديثهم العسكري ، حيث مازالت تبعات اغراق المدمرة ايلات تشغل العقول ، اما محمد صلاح فقد بات واضحا عزوفه عن الكلام او المشاركه في الحديث معهم ، فقط كان متجهما صامتا ناظرا للسماء من شباك غرفته
وطوال اسبوع قام افراد السرب 77 بطلعات متعدده لاستكشاف المنطقه والتعرف عليها ، كذلك التدريب علي التعاون مع مطار ابو صوير والصالحيه في التوجيه والاشتباك ، ووضح للجميع مدي كفاءة محمد صلاح وقدرته علي تطويع طائرته، وسرعته في التعلم خاصه فيما يتعلق بالاقلاع والهبوط السريع ، لذلك قام احمد بإدراج شريف المصري للطيران بجوارة لاكسابه خبرات محمد بينما تم تشكيل ثنائيات من الطيارين بهدف رفع مهارات الطيارين الصغار.
طوال هذه الفترة كان التدريب الجوي لابد وان يشمل عمل مباراه قتاليه بين افراد السرب تستمر لمده دقيقه واحده فقط ، حيث يتعرف احمد علي مهارات كل طيار ويضع له نقاط ومن ثم يضع جدولا سريا في عقله لا يعلمه غيرة لترتيب الطيارين لتنفيذ المهام المستقبلية
وفي نهايه الشهر صدم الجميع من أشارة وصلت تعلن أستقاله الفريق مدكور من قياده القوات الجويه وتعيين العميد مصطفي الحناوي قائدا لها متجاوزا عدد لا بأس به ممن سبقوة ، وخلال الايام التاليه وطوال الوقت كان حديث الجميع بعد انتهاء التدريب هو استقاله الفريق مدكور واذا كانت ستسبب فراغا في القياده او ارباكا للعمل ،وبعد فترة ظهرت الاسباب الحقيقيه لاستقاله الرجل، فقد كان وزير الدفاع الفريق فوزي معاديا له منذ سنوات عديده وأثر هذا العداء علي القوات الجويه ككل ، ففضل الفريق مدكور الاستقاله مضحيا بمنصبه وخبرته في سبيل عدم الوقوف حائلا امام حصول القوات الجويه علي الاعتمادات الناقصه لاستكمال دفاعاتها ومعداتها و ظهر واضحا ان اللواء الحناوي قد ملاء الفراغ تماما وان الرجل له قدرات وامكانيات جيده جدا .
طوال الوقت كانت التدريبات تسير بدرجه ثابته من الجديه والاصرار ، حيث يقوم السرب بالاقلاع من مطار ابو صوير علي نفس المسافه المخصصه علي الطريق وكذلك الهبوط حتى لا يفقد الطيارون ما توصلوا اليه من مستوي بمطار القطاميه .
مر شهر نوفمبر والتدريبات لا تنقطع حتى بدايه شهر ديسمبر ، فالطيران من ابو صوير اما الراحه والنوم ففي المطار 77 هكذا اصبح اسم المطار بين القاده القليلين الذين يعرفون بأمر المطار وتبعهم طياري السرب أنفسهم في تسميه المطار علي اسم السرب ، ففي المطار 77 كانت التدريبات النظريه لا تقل قوة عن العمليه حتى انهك الرجال، فالطيارون ذوي الخبرة يتوافدون علي المطار بملابس مدنيه ليلا ومعهم صور وخرائط ورسومات للشرح حيث يتم شرح المناورات الجويه ، وافضل اساليب القتال الجوي المستحدثه ،وعرض افلام لقتال جوي ، وطوال الفترة المخصصه للراحه يقوم الطيارون القدامي بنقل خبراتهم ومعرفتهم لطياري السرب 77 ، وفي اليوم التالي يقوم طياري السرب يتنفيذ ما تدربوا عليه نظريا ، وساعدهم احمد كثيرا في المناورات واساليب القتال من خلال ابتكارة لمناورات جديده معتمداََ علي خبرته في القتال الجوي وما تدرب عليه مع مدحت المليجي واحمد السمري قبل الحرب
وطوال تلك الفترة كانت نظرات اعين سكان القري المجاورة تلاحظ بشغف ما يحدث في الموقع بدون ان يعرفوا لكن الفضول كان قاتلا لهم ، وكان أمن المطار يمنع من يقترب منه بصرامه زادت فضول السكان
فكلما مرت جماعه من الفلاحين وهم يتجهون لعملهم كل صباح او مساء ،تجد الاعين تحاول ان تتعرف علي ما يدور في الداخل بشغف ،وكانت التقارير ترد من قائد الامن بذلك لاحمد والذي شدد علي طياريه والفنيين ضرورة الحفاظ علي السريه وعدم القيام بأي عمل ولو صغير ممكن ان يثير ريبه من حولهم
حتى التحيه العسكريه المعتاده بين الضباط فقد الغاها احمد ، فقد كان له مطلق الحريه في اي اجراء حمايه لامنه وامن المطار طبقا للاوامر التي سلمت له في اول الامر
وفي احد ايام منتصف ديسمبر ووسط جو شديد البروده وصلت اشارة للمطار بالانتقال للمرحله الثانيه من التدريب ، تبع ذلك الاشارة ليلا وصول عدد كبير من الشاحنات المطليه بالوان شركه البترول ، كانت ناقلات وقود كثيره لافراغ ما بها في خزانات في جوف الارض داخل الاشجار، ورغم العمليه الشاقه الا انه ومع اول ضوء كانت الشاحنات قد غادرت المطار بعد ان ملئت جميع خزانات المطار بكميات من الوقود تكفي اسبوعا من الطيران وفي الليله التاليه وصلت شاحنات تحمل الذخيرة ، فتم انزال الصواريخ وذخائر المدافع بحرص شديد الي المخازن تحت اشراف عدد كبير من المهندسين والفنيين،وغادرت الشاحنات قبل اول ضوء ايضا
وفي اليوم التالي بدأت تدريبات الهبوط بالمطار ، كان السرب يحلق فوق المطار في الوقت الذي لامست فيه عجلات طائرة احمد الارض لاول مرة وأستمرت في الاندفاع ، ثم اقلعت من جديد ، كان احمد يختبر الممر اولا قبل ان يغامر بدفع اي من طياريه ، وعندما تأكد من تماسك ارضيه الطريق بعد محاولتين للهبوط، بدأ الطيارين في الهبوط علي الطريق والاقلاع مرة اخري ، وعلي الارض كان الفنيين ومهندسين من قاعده ابو صوير منتشرين بطول الممر يقيسون تماسك ارضيه الممر وتحمله ، وبعد عشر مرات من الهبوط والاقلاع ، عاد التشكيل مرة اخري الي قاعده ابو صوير حيث لم يكن احمد متأكدا بعد من رأي رئيس الفنيين في ذلك
وفي اليوم التالي وبناء علي نصيحه رئيس الفنيين قرر أحمد ان يهبط بطائرته هو فقط ويتجه نحو الاشجار ، في بيان فعلي لما يجب ان يحدث
وبالفعل هبط احمد بسرعه ومهارة ، ثم انحرف بطائرته داخلا الي وسط الاشجار حيث استقرت طائرته ، وبينما زملائه الطيارين يعاينون التربه الصلبه المغطاه بالزرع وتاثير الطائرة عليها
وفي اليوم التالي وكان يوافق اول ايام عام 68 أرسل احمد اشارة من قاعده ابو صوير تفيد بأن السرب 77 سينتقل الي مطاره بدأ من الغد ، وتم ( التصديق ) الموافقه علي قرارة في نفس اليوم
وصباح الثاني من يناير ، بدأ السرب 77 الدوران حول مطارة استعدادا للهبوط ، ورويدا وببطء بدأت الطائرات تهبط ، هبط اولا عمر وتلاه وليد ثم طارق فشريف ثم محمد فجمال وفي النهايه خالد ومن بعده احمد ، وبعد ثوان كانت كل الطائرات في اماكنها وسط الاشجار .
كانت سعاده الرجال لا توصف بقرب انتهاء التدريبات والدخول في مرحله الاشتباك ، حيث شاهدوا عده مرات مقاتلاتنا تقلع من ابو صوير للاشتباك مع العدو في حين انهم ملتزمون بتدريبات طويله
في ذلك اليوم وصل للمطار ثلاث ضباط للعمل بالمطار وكانوا متفاوتي الرتب طبقا لعملهم فهنالك النقيب ايهاب وهو المكلف بالاتصالات مع القياده اما الرائد مصطفي والنقيب خليل فهم مسئولين عن امن المطار
وعلي الفور شرع احمد في التنسيق بين رجاله لتنفيذ اي مهام توكل لهم ، واتخذ احمد مكانه لاول مرة كقائد فعلي للمطار ، وتم فرد الخرائط للجبهه وتوزيع الواجبات للطيارين ،وكانت التعليمات الصادرة للسرب هي الاقلاع واعتراض اي طائرة للعدو تخترق الاجواء، كذلك عمل دوريات مقاتله داخل اراضي العدو للتعرف علي استعداداته
و أصدر احمد اوامرة بضروره استعداد جميع الطائرات والطيارين والفنيين لكي تقلع جميع الطائرات في وقت اقل من أربع دقائق من لحظه تلقي بلاغ من القياده ، لذلك يجب ان تكون جميع الطائرات مسلحه وجاهزة في اي وقت ، كذلك يجب ان يكون الطيارين في وضع استعداد دائم وحتي غروب الشمس مع وجود اربع طائرات حاله اولي بطياريها لتقليص زمن الاعتراض لاي طائرة مغيرة ، بحيث تستخدم كل طائرتين الممر المخصص لها
وأمضي الجميع وقتا حتى تم التأكد من جاهزيه جميع الطائرات والمعدات ، ورغم ان احمد كان متشكك في اجراءته التي طبقها كما علمه العقيد تحسين زكي قائده السابق الا انه وفي الوقت نفسه كان خائفا علي رفاقه ومطارة من اي هفوة، وانعكس عليه ذلك في كم السجائر التي اشعلها كانعكاس للتوتر المصاحب له
وقرب غروب الشمس بقليل وفجأه وبدون أي مقدمات مرت طائرة علي ارتفاع منخفض فوق المطار ، مسببه دويا هائلا هز الارض من تحت اقدام الرجال ، فأصيب الجميع بأرتباك ، ونظر أحمد تجاه ايهاب الجالس علي اللاسلكي وعينيه تتساءل في غضب اهو هجوم معادي ام ماذا ؟
وكانت ايماءة ايهاب بأنه لا يعلم شئ ولم يتم تبليغه بأي اختراق للعدو ،تلك الايماءه كانت باعثه بالرعب في اوصال احمد فهرع الي الخارج ليجد الرجال جميعهم يقفون في العراء بجوار المنزل واعينهم تبحث عن اثر لتلك الطائرة التي مرقت فوق رؤسهم منذ لحظات، ثم عاد صوت الطائرة ليقترب مره اخري ،فأمر احمد الرجال بالاحتماء فورا وعقله يتساءل في غضب مثله مثل عقول جميع من بالمطار (هل اكتشف الإسرائيليين المطار بهذه السرعه؟؟ ) نظر احمد فوجد عمر وطارق متخذين ساترا وينظرون في تساؤل اليه بينما القي بكل حواسه تجاه اذانه تتابع اقتراب الطائرة وتعالي صوت الطائرة مرة أخري ، ومع اقترابها تحرك محمد صلاح الي فوق شجرة بخفه ورشاقه حيث يمكنه من أعلي رؤيه السماء
مرقت الطائرة بسرعه مرة اخري وعلي ارتفاع منخفض مسببه صوتا هائلا ، ومن مواقعهم أستطاع الجميع مشاهده الطائرة التي ميزها الجميع بسرعه ، فهي طائرة مصريه من طراز سوخوي ، بسرعه خرج الجميع من مخابئهم يتابعون الطائرة وهي ترتفع في السماء تجاه الغرب
كان عمر اول المعلقين عما حدث (( لو اشوف الطيار ده هعلقه من رجليه علي الرعب اللي عمله لنا))
بعدها انسال تيار من التعليقات من افواه الرجال ، كل منهم يحلل ما حدث ويتساءل لماذا هذا المرور السريع المنخفض وفي هذا التوقيت بالذات ، وبينما الطيارين ملتفون حول احمد يتناقشون ، نزل محمد من فوق الشجرة واتجه نحو المنزل لكنه توقف موجهها حديثه لاحمد ببرود (( يا فندم دي طيارة استطلاع ، زمانه صورنا مرتين دلوقت )) ثم استدار متوجهها الي داخل المنزل وكأن شيئا لم يكن
تساءل طارق في ضيق (( ماله محمد ؟؟ هو فاكر انه هوا الوحيد اللي انهزم ؟)) قطع احمد حديث طارق بحده قائلا (( مش عايز اي حد يضايق محمد ، هوا شايل هم الدنيا فوق رأسه ودي مشكلته هوا ، طالما انه بيعمل شغله كويس محدش يحتك بيه ، انا مش عايز مشاكل .....مفهوم ؟؟؟؟)) اومأ طارق برأسه موافقا علي كلام أحمد الذي اردف موجهها كلامه لجمال (( بلاش حكايه النسر الاصلع اللي انت مطلعاها علي محمد،التهريج له حدود )) فأحس جمال بالخجل من معرفه قائده بما يطلقه علي محمد وسط زملائه فقط
عاد احمد الي الداخل بعد قليل وأمر أيهاب بأرسال اشاره الي القياده (( مرت طائرة أستطلاع سوخوي فوقنا . نرجو الافاده ......المطار 77 جاهز لتنفيذ أي اوامر ، ننتظر التعليمات ))
وفي غرفته تهلل قلب محمد وهو يستمع من بعيد لنص الرساله من فم أحمد ودار عقله في حوار من نوع خاص ، فها هو الميدان قد أستعد لأستقبال المقاتلين ولابد ان أكون أكثر عنفا وقوة وحسم ، ويجب الا اعود للمطار بأي ذخيرة مطلقا ، فذخيرتي مكانها طائرات العدو ودباباته وجنوده ، يجب ان يذوقوا مما اذاقوني انا وعائلتي منه ، فهؤلاء الإسرائيليين لا حق لهم في الحياه طالما هم قتله وسفاحين ... فبأي منطق يحاول قلبي ان يكون رحيما مع اناس قتلوا وعذبوا الاسري بكل دم بارد ثم قتلوهم ودفنوهم كما تدفن الماشيه ، بأي حق يخبرني ذلك القلب الضعيف بذلك ، أأرحم من قتلوا اشقائي او أرحمهم وأيديهم ملوثه بدماء امي وابي في بورسعيد ؟؟ لماذا ارحمهم ، انك قلب ضعيف مكانك المستشفي حيث تحن وتعطف علي الجنود المصابين لكن ليس مكانك الجبهه حيث أحتاج لقلب ميت لا رحمه له ولا شفقه علي اولاد الكلاب الانجاس الذين دنسوا ارضنا الطاهرة .......... لا يمكن ان ارحم أسير او مصاب منهم ، لابد ان ارسلهم للجحيم في اقرب فرصه .... يجب ...وفجأه توقف عن التفكير عندما أحس بيد خالد تهزة ويطلب منه التوجه لاحمد فورا ، أسرع محمد الي احمد مشوشا من تفكيرة السابق و اخبرة أحمد بأنه سينال شرف اول طلعه عمليات الصباح التالي وأضاف (( مهمتك قنص حر في القطاع واحد شمال الجبهه حتى عمق 40 كيلو )) ثم سكت أحمد ونظر الي عيني محمد قائلا
(( ده اول اختبار لك يا محمد ... العمق 40 كيلو بس ، تشتبك مع اي اهداف تقابلها في مسارك سواء اهداف جويه او ارضيه ، مده التنفيذ 5 دقايق بس فوق ارض العدو ، ثم العوده ..... فورا ...... اي تأخير او عدم تنفيذ للتعليمات معناه ان دي اخر طلعه في حياتك ...مفهوم ؟؟؟))
أبتسم محمد ، وربما كانت المرة الاولي الذي يراه فيها أحمد يبتسم ثم اجاب محمد
(( يا فندم طالما هاطير واشفي غليلي يبقي لازم انفذ التعليمات بالحرف )) أحس احمد بالراحه قليلا من اجابه محمد فأردف (( بكرة الساعه سبعه الاجتماع وبعدها الساعه تمانيه تطير بأذن الله ))
فأدي محمد التحيه العسكريه بكل حماس وهم بالانصراف الا ان أحمد اضاف مبتسما
(( علي فكرة ، انت كنت صح ، دي كانت طيارة استطلاع ))
في تلك الليله نام محمد كما لك ينم من قبل ولاول مرة منذ فترة تغيب عنه الكوابيس ليستيقظ مع اذان الفجر الذي يصل صوته من كفر نور المجاور لهم ، ليجد عمر يهم بالنهوض للصلاه ، فيتجه معه للصلاه مع بقيه الطيارين والفنيين حيث تعود الجميع ان يؤمهم أحمد في كل الصلوات
بعد صلاه الفجر عاد المصلين الي نومهم مرة اخري الا ان محمد سار وسط الزراعات حتى وصل لطائرته الرابضه كالشبح وسط الظلام ، فتحسس عجلاتها في رفق وعقله يناجيها في حنان الاب الذي يدخل علي ابناءة النيام ليطمئن عليهم .
ثم يمر بيده علي هيكل الطائرة حتى يصل لمقدمتها ويغيب في التفكير متذكرا مطار المليز وتلك اللحظات الرهيبه يوم خمسه يونيو ، وتمكنه من الاقلاع علي الممر الفرعي الشبه مدمر ،حتى وجد الطائرات الإسرائيليه تحجب اي شعاع للشمس يمكن ان يصل للمطار من كثرة عددها وهي تهاجم المطار ببشاعه كما تتجمع الحشرات علي الجيفه ، وكيف استطاع الاشتباك مع طائرات العدو وأصابه طائرتين وأستمرارة في الاشتباك ومطارته لهم حتى نفذ وقوده ، فقد نسي تماما متابعه الوقود وهو يطارد طائرات العدو لقرب الحدود ، ومدي حزنه وهو يقفز من طائرته في الصحراء وسط القتال الدائر علي الجبهه تحته
عدل سابقا من قبل mady في الأحد يونيو 27, 2010 7:31 am عدل 1 مرات
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
تنبه عقله الي ان الكوابيس قد ابتعدت عنه هذه الليله فلا يجب عليه ان يستعيد تلك الذكريات التي لن تمحا من ذاكرته ، وفضل ان يعود للراحه مرة اخري ، فامامه ساعتين من الراحه حتى موعد الافطار صباحا .
تناول الجميع الافطار في السادسه صباحا وسط ضباب كثيف يلف الجو ، نتيجه المنطقه الزراعيه التي حولهم ، وبعد عدد من التمرينات الخفيفه السريه وسط الاشجار تجمع الطيارين مرة اخري في غرفه العمليات ومعهم ايهاب وخليل ومصطفي ، حيث اعاد احمد تعليمات الاقلاع ودور الامن في ذلك والتسيق مع ايهاب ومطاري ابو صوير والصالحيه ، وما ان انصرف مصطفي وخليل الي عملهم ، عاد احمد للحديث مع الطيارين محددا خطه اليوم وتتركز في محاوله استكشاف درجه تنبه العدو لاختراق طائراتنا
حبث سيقوم محمد بعمليه قنص حر علي ان يكون جميع افراد السرب في طائراتهم وعلي اتم استعداد للاشتباك مع طائرات العدو التي قد تلاحق محمد ، ويتركز دور محمد علي تدمير اي اهداف بريه او جويه معاديه لمده أربع دقائق فقط فوق ارض العدو ، لكن فور وصول اشارة له بأقلاع مقاتلات معاديه لابد له وان يستدرجها تجاه الغرب حيث سيقلع السرب علي ارتفاع منخفض لنجدته وشدد احمد علي ضرورة عدم التهور من اي من طياريه ، وكذلك الاستماع الي صوت ايهاب بدقه لتلقي التعليمات او تعليمات ضابط التوجيه الجوي بمطار ابو صوير حيث سيقوم الاثنان بدور الاعين للسرب .
وفور نهايه التعليمات بدأت عبارات التشجيع تتعالي من الجميع لمحمد ، والذي وقف وأدي التحيه العسكريه بكل صرامه لاحمد قائلا )( النسر الاصلع جاهز لتنفيذ الاوامر يا فندم () ، وقتها ضحك الجميع عدا جمال الذي أحمر وجه خجلا من معرفه محمد بسره وتبسم احمد متمنيا لمحمد كل توفيق
خرج سكان كفر نور لمتابعه اعمالهم منذ الفجر كعادتهم دائما ، وبينما الرجال يعملون بكد في الحقول والنساء في بيوتهن او في الطرقات يقمن بأعمالهم اليوميه ، توقف الجميع عن العمل وتعالت نظرات الفزع من العيون ، فالارض تهتز من تحتهم بشده ، وصوتا كصوت الرعد الذي يصم الاذان يتعالي من حولهم ، لم يستطيعوا تبيان اتجاه الصوت ، وفجأه تمرق طائرة فوق الرؤوس مقلعه من بين الاشجار، من موقع شركه البترول بالتحديد
أصيب الجميع بالفزع لوهله وتعالي بكاء الاطفال من الخوف بينما طائرة النسر الاصلع تخترق الاجواء فوق البيوت، وهي تكاد تلامس أسقفها.
في نفس اللحظه كانت سبع طائرات تربض علي الارض وبداخلها الطيارين وكلهم اذان صاغيه لاي نداء او اشارة لاسلكيه من محمد لكي يقلعوا فورا
أتخذ محمد اتجاه الشرق بسرعه ومهارة علي ارتفاع منخفض يكاد يلمس معه قمم الاشجار ، وبعد ثوان كان يعبر القناه الي الشرق حيث سيناء المحتله، وصلته اشارة من مطار ابو صوير تعيد توجيهه الي الاتجاه الصحيح ، فقد انحرف قليلا عن مسارة ، في ذلك الوقت كان التوتر والقلق يعصف بأحمد وهو يستمع الي اشارات محمد لمطار ابو صوير ، افاد محمد بوجود قافله من العربات علي المحور الشمالي وانه سيهاجم بمدفعه ، كان عقله يتمني ان تهب طائرات العدو لقتاله فور رصده علي الرادار، لكن رادار ابو صوير لم يفيد بوجود مقاتلات للعدو في السماء بعد .
هاجم محمد القافله واعلن عن اشتعال النيران بعدد من العربات ، في نفس الوقت كان احمد ينظر الي ساعته ، فقد شارفت المهله المحدده لمحمد علي الانتهاء ،وبعد ثوان كان محمد يعلن انه اتخذ اتجاه العوده الي القاعده منفذا تعليمات احمد بدقه، وكان واضحا من صوته خيبه الامل في عدم وجود طائرات العدو .
ظل طياري السرب علي تأهبهم بينما اسرع أمن المطار والفنيين في تجهيز الطريق لهبوط محمد
هبط محمد بسرعه وقابله احمد تاركا باقي الطيارين في طائراتهم مستعدين ، قام محمد بتقديم تقرير شفهي اولي عن المهمه وما شاهده وخسائر العدو وملاحظاته ، ثم بدأ في كتابه تقريرة الرسمي والذي سيحفظ في سجلات المطار كأول تقرير عمليات
مر اليوم بدون عمليات ، فالطيارون مربوطين في طائراتهم بشوق في انتظار أي تعليمات ،والفنيين تحت الطائرات مستعدين لتشغيل الطائرات بسرعه البرق لاقلاعها ، بينما احمد منهمك في اعمال اداريه في مكتبه ، وتبادل عدد من الاشارات اللاسلكيه مع القياده ، ومع غروب الشمس كان الطيارون يتجمعون لتناول وجبه الغذاء وقد ظهر الاجهاد والحزن علي الوجوة ،وخلال تناول الغذاء كان الصمت هو القاسم المشترك بين الجميع ، فالجميع كان يمني نفسه بأشتباك مع العدو ، بينما حاول احمد رغم حزنه رفع معنويات الرجال بدون جدوي .
مرت عده ايام علي نفس الحال ، فبالتناوب أقلع معظم الطيارين في عمليات استطلاع لقطاع عملهم بدون ان يتدخل العدو مما جعل الجميع مستفذ نظرا لرغبتهم الملحه في الاشتباك .
وبعد حوالي اسبوعين صدرت الاوامر بالاستعداد للاشتراك في بيان عملي تنفذه الفرقه الرابعه المدرعه وتتلخص الاوامر في تحقيق غطاء جوي للفرقه الرابعه اثناء بيانها العملي .
واستعد الطيارون لذلك ، واقلعوا لاول مرة منذ فترة مع بعضهم البعض لكنهم اتجهوا غربا هذه المرة
وصل السرب فوق منطقه عمل الفرقه الرابعه التي كانت تهاجم مواقع وهميه للعدو ، واستطاع عمر ان يرصد العربه التي يتابع منها الرئيس عبد الناصر البيان ، نظرا لارتفاعهم المنخفض
جاء صوت الموجه الارضي ينذر بوجود تدخل عشر طائرات ، بدأ احمد فورا في اعطاء اوامرة حيث تتفوق الطائرات المتنافسه عليهم من ناحيه العدد ، لكن بدهاء كبير أستطاع احمد ان يعطي لسربه اليد العليا في هذا الاشتباك التدريبي حيث وضع الشمس خلف سربه مما جعل طياريه يرصدون الطائرات الاخري فورا وفي النفس الوقت عاكست اشعه الشمس أعين الطيارين الاخرين مما مكنه من اتخاذ الخطوة الاولي الحاسمه في اي اشتباك وانتزاع المبادأه وركوب الطائرات الاخري ، وبعد دقيقه كانت الاوامر للسرب 77 تصدر بالعوده للمطار، بعد ان استطاع محمد وعمر ان يصيبا طائرتين للقوة الاخري ، بينما اصيبت طائرة جمال في ذلك التدريب الوهمي السريع.
عادت جميع الطائرات قرب العصر الي المطار ، وبسرعه تم تجهيز الطائرات للاقلاع مرة اخري وتسليحها بصواريخ وذخيرة حيه هذه المرة ، وظل اربع طيارين في طائراتهم كطياري حاله اولي ، بينما انهمك احمد فور هبوطه في دراسه التدريب ونتائجه سريعا بمساعده غرفه عمليات القوات الجويه
وفي الليل اجتمع الطيارون لتقييم التدريب ونتائجه ، وكان الرأي الغالب للجميع ان هذا التدريب ليس مفيد علي الاطلاق اما محمد فكان رأيه ان هذا التدريب ليس اكثر من لعبه حمقاء هدفها الاستعراض امام الرئيس فقط ، وعندما ساله طارق بحده عما يقصد من تهكمه ، أجاب محمد بأن التدريب مع طيارين مصريين يقودون نفس الانواع ودرسوا نفس التكتيكات للمناورات لن يفيد أحد بشئ ، حيث ان خواص الطائرة والطيار الاسرائيلي وتدريبه وتكتيكات قتاله تختلف تماما عما يدرسه المصريين ، لذلك فأن احسن تدريب يكون امام الطائرات الإسرائيليه وقتها سيكتسب جميع الطيارين الخبرة اللازمه والتي ستفيدهم فعلا ، كان منطق محمد قويا جعل طارق والذي وضح عليه التحفز الدائم لمحمد ، جعله يهدأ مفكرا فيما قاله .
داخليا كان طارق غير مستريح لمحمد وطريقته في انتقاد الأوضاع وعزوفه عن الحوار مع زملائه وكان عمر يهون من غضب عمر كثيرا بينما يقوم احمد بدور حائط الصد عن محمد ، وفي الحقيقة كانت براعة محمد في الطيران هي حائط الصد المثالي لتصرفاته الغاضبة أحيانا واللامباليه أحيانا اخري.
الفصل السابع: هدوء حذر
كان الوضع علي الجبهه المصريه يتجه للاشتعال في اي لحظه ، فعبد الناصر والعرب اعلنوا رفضهم الاستسلام وأعلنوا في مؤتمر القمه بالخرطوم ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ، في نفس الوقت كانت عجله اعاده بناء القوات المسلحه تدور بأقصي قوة ، حيث ما زالت المخاوف من تطوير لنجاحها في يونيو ومحاوله العبور تجاه القاهرة لكسر اي محاوله لاعاده بناء القوات المسلحه المصريه.
الا ان هذه المخاوف زالت في ديسمبر 67 عندما اكتمل النسق الاول للدفاعات غرب القناه والذي انشئ علي عجل في يوليو 67 وكان يتم تدعيمه بكل ما يتم الوصول اليه من سلاح وافراد ، حتي وصل لمرحله النضج في ديسمبر ، في نفس الوقت كان يتم استحداث وحدات جديده مثل فرق المشاه والمدرعه والميكانيكيه والتي تشكل النسق الاول والثاني للدفاعات ، وكان ذلك يتطلب مجهود عسكري واداراي وفني ضخم جدا.
وكان السرب 77 علي علم بكل التطورات الجاريه بفضل زيارات الدمنهوري ، ذلك الرجل الغامض الذي ظهر في حياه طياري السرب في اواخر يناير 68، كان الدمنهوري الذي عرف نفسه علي انه ضابط توجيه معنوي يقص علي الرجال اخبار الاشتباكات التي تدور علي الجبهه اولا بأول ، شارحا كل التفاصيل التي لا يذاع منها الا النذر اليسير ، ورغم وجود تعليمات من القياده بحسن استقبال الدمنهوري الا ان احمد عجز ان يعرف من قيادته رتبه او حقيقه عمل الدمنهوري ، فالرجل كان ودودا ذو وجه خال من الملامح ، مرحا بوقار ، جعل متناقضات شخصيته المفتاح لحب الناس له وتلهفهم لزياراته ، وكان الطيارين يعلمون جيدا ان مركزة اعلي من أن يكون ضباط توجيه معنوي فقط ، فالرجل يعلم كل شئ عن كل فرد بالمطار، ويتصرف بتكتيك معين يهدف لاكساب الرجال الثقه بالنفس وبالسلاح ، وكأنه يشن عليهم حرب نفسيه لتقويه عزيمتهم فرغم انتصاب قامه كل منهم من الخارج ،الا ان الدمنهوري كان متأكد من انهيار المعنويات والقيم المعنويه لهم داخليا ، فحث الجميع علي الصلاة والتمسك بها والاكثار من قراءة القرأن ، كذلك كانت هداياه سواء للجنود او الطيارين ذات دلاله واضحه علي معرفته بأدق الاسرار وتقدير القياده لمشاعرهم ، فقدم لطارق مثلا اسطوانه كلاسيكيه شهيرة لموزارت ، بينما أهدي أحمد خوذه رفيقه الشهيد مدحت المليجي والتي تأثر بها احمد كثيرا وهو ممسك بها ، وعندما ظهرت نظرات تساؤل بين الدموع من عيني احمد ، رد الدمنهوري بهدوء ((محدش غيرك يستحق التذكار ده))
كانت لقاءات الدمنهوري مع الرجال تتم عاده ليلا ، حيث يمكث معهم ساعه او ساعتين أسبوعيا ثم يغادر معتذرا لضيق وقته ، وكثيرا ما افاض في شرح الموقف العسكري الاسرائيلي وانواع السلاح المتوفر لديهم بصورة عميقه ، جعلت الطيارين يدونون ما يقول للاستفاده منه ، وكانت احاديثه عن المجتمع الاسرائيلي وطريقه حياته ونقاط القوة والضعف فيه ملهمه للرجال الذين اصبحوا يرون المجتمع الاسرائيلي وكأنهم يعيشون فيها من دقه وصف الرجل، لذلك فقد اجتمع الجميع علي حب هذا الرجل الغامض ، وفي احد ليالي شهر أبريل المقمرة جلس الدمنهوري وسط الرجال بالقرب من احدي الطائرات في العراء ، وبدأ يسرد لهم دور تلك القوة الجديده التي دخلت القوات المسلحه ألا وهي قوات الدفاع الجوي ودورها الحيوي المستقبلي في حمايه سماء الجبهه لكي يتفرغ الطيارين للتدريبات لمعركه التحرير .
وشرح لهم ما سيحدث في الفترات القادمه من محاولات لتكوين النسق الاول لحزام دفاع جوي يحمي القاهرة ، علي ان يتحرك هذا الحزام تجاه القناة.
أصبح الدمنهوري بالنسبه لهم بمثابه الاعين التي تري ما لا يرونه او يسمعوا عنه في المطار
في تلك الفترة من ابريل 68 ، كان السرب قد قام بحوالي 75 طلعه قتال بدون ان يشتبك مع طائرات العدو نظرا للاوامر المحدده بعدم البقاء داخل سيناء لاكثر من خمس دقائق فقط ، نظرا لحرص القياده علي الحفاظ علي الطيارين وتدريبهم مع الابقاء علي النزعه الهجوميه لهم ، كذلك عدم مطارده الاسرائيلين لطائرات القنص خوفا من الوقوع في كمين ، وكانت الاشتباكات المدفعيه شديده بطول الجبهه ، وعلي فترات متباعده ، وظلت الاوامر محدده بتفادي الاشتباك الجوي مع العدو الا ان الاوضاع اتخذت منحني اخر في تلك الفترة ، اذ وردت تعليمات بقرب قيام الإسرائيليين بنشاط جوي قوي فوق القناه ، ويجب تدخل القوات الجويه في الدفاع عن القناه لكن بحساب وبلا تهور فتم وضع السرب 77 علي اهبه الاستعداد للدفع به في اي أشتباك ، وأبلغ احمد قيادته بأن السرب علي اهبه الاستعداد طوال الوقت ، مما رفع من روح الرجال المعنويه مرة اخري
وفي اليوم التالي أستيقظ الجميع وأثناء تناول طعام الافطار، وقام جمال بتسليم أحمد خوذته التي سبق ان استعارها منه الليله السابقه ، وعلي الخوذه البيضاء وجد احمد عبارة ((لا اله الا الله)) مكتوبه بخط منمق ومن تحتها ((النصر او الشهاده)) ،أعجب احمد جدا ودهش عندما وجد جميع خوذات الطيارين بنفس الشكل وأضاف جمال ((بدل ما نعمل زي الاسرائيلين ونرسم صورة نسر ولا صقر او حتي نجمه داود السداسيه ، قلت نكتب اللي احنا فعلا حاسين بيه وعايزينه علي رأسنا، انا بقالي مده بفكر نكتب حاجه علي الخوذات لغايه ما وصلت للفكرة دي))
تدخل عمر وهو ممسك بخوذته ((فعلا . احنا مقدمناش دلوقت بديل تاني إما النصر او الشهاده، لكن إننا نعيش في الذل ده ، ده مش مقبول))
أستمع احمد لما يقال بينما محمد صلاح يأكل في صمت أغاظ جدا طارق فبادرة سائلا ((وانت رأيك ايه يا محمد ؟؟))، نظر محمد لطارق نظرة لا تحمل اي تعابير قائلا ((انا كنت افضل ان خوذتي يكتب عليها، إقتل اسرائيلي اينما تجده، لان ده اللي انا حاسس بيه فعلا ، لكن انا مش مع عمر خالص، احنا مش عايشين في ذل لا ... احنا بعد الذل بكتير ، لما الاسرائيلي يكون محتل ارضي، وشايفه الناحيه التانيه من القنال ومقدرش اوصل له واقتله، ده يبقي ابعد كتير من الذل والاهانه))
فتدخل وليد سائلا محمد ((أمال نعمل ايه ؟؟))
فأجاب محمد منفعلا وهو يضرب بيده علي الطاوله ((نهاجمهم بكل اللي معانا وطول الوقت ومنخليش ولا واحد منهم يعرف ينام مستريح، ونطير في كل ثانيه ونضرب لهم كل شبر في سينا وجوة اسرائيل كمان، أحنا مش أقل منهم، حتي ولو هخش بطيارتي في طياراتهم ........))
وقطع الحديث دخول ايهاب مهرولا علي غير عادته، حاملا اشارة لاسلكيه في يده ... ، وسط نظرات التشوق من الجميع قرأ احمد الرساله ((الي السرب 77 – علي السرب القيام بحمايه طائرة الاستطلاع عند عودتها من سيناء في القطاع الخامس – الساعه 900))
نظر احمد لساعته فوجدها ما زالت السادسه صباحا ، والضباب يلف المكان فأعطي اوامرة للسرب بالاستعداد للاقلاع في التاسعه الا ربع صباحا
وفعلا في تمام التاسعه الا ربع صباحا ، كان السرب يقلع فرادى ليلتحم في الجو تحت قياده احمد
وصلت الاشارة من مطار ابو صوير بأن طائرة الاستطلاع في طريق عودتها من وسط سيناء كما هو مخطط ، أعطي احمد اوامرة لطارق بالانفصال ومعه محمد ووليد وشريف ويتجهوا جنوبا تجاه فايد علي ارتفاع منخفض جدا كما تم الاتفاق عليه مسبقا ، بينما طار أحمد وتشكيله فوق الاسماعيليه .
بعد ثوان أفاد رادار أبو صوير باقلاع طائرات إسرائيليه في اعقاب طائرة الاستطلاع المصريه التي مازالت تتجه غربا بسرعه ، وبسرعه قدر احمد المسافه والزمن فوجد ان الطائرات الإسرائيليه لن تلحق الطائرة المصريه لكنه وباقي الرجال في شوق للاشتباك فقرر الاشتباك فورا، وأمر تشكيل طارق بالاتجاه شرقا لاعتراض مقاتلات العدو علي ان يظل طارق علي ارتفاع منخفض جدا
وأنطلق التشكيلان تجاه الشرق في سرعه وقد منى كل طيار منهم نفسه بإسقاط طائرة للعدو ، اما محمد فكان في قمه تركيزة وهو يحصي كل ثانيه وكل كيلو متر يقربه من طائرات العدو.
افاد رادار ابو صوير أن طائرات العدو تبلغ أربع طائرات فقط وان المسافه هي عشرة كيلو متر ، وفجأة وبدون اي انذار ، وبعد التأكد من مرور طائرة الاستطلاع اعطي احمد اوامرة لتشكيله بالانسحاب شرقا خلفها وفتح الحارق اللاحق لزياده سرعه الطائرة للحد الاقصي ، ومع قمه الاندهاش التي اصابت طياريه ، أنسحب التشكيل تجاه الغرب ، بينما ظل تشكيل طارق يطير منخفضا تجاه الشرق.
سأل أحمد رادار ابو صوير ((المسافه كام)) يقصد بينه وبين العدو ، وأجاب الرادار 9 كيلو وتتناقص ببطء ، في هذه اللحظه كان تشكيل العدو في كمين محكم ، فطارق يعلم ما يحدث ويعرف الكمين الذي نصبه احمد، بفضل الربط العقلي بين جميع طياري السرب ، فرادارت العدو لا ترصد تشكيل طارق المنخفض جدا، وظلت طائراتهم تطارد تشكيل احمد ظنا منهم انه ينسحب خلف طائرة الاستطلاع التي عادت غرب القناه بأمان.
أصدر احمد أمر بالاشتباك ، وسمعه كل طياري السرب علي الموجه المفتوحه، في هذه اللحظه أرتفع تشكيل طارق واتجه للغرب ملاحقا لطائرات العدو ، بينما أستدار تشكيل احمد ليقابل الطائرات الإسرائيليه التي أصبحت داخل كمين محكم .
فورا افاد رادار ابو صوير برصد إقلاع مقاتلات معاديه إضافيه من مطار المليز في وسط سيناء، وظهر في الافق بوادر معركه جويه حاميه الوطيس ، كان عمر هو اول من رصد طائرات العدو التي انفصلت وانتشرت في السماء لتفادي الكمين ، وأستطاع تمييز أنها ميراج التي يطير بها افضل طياري المقاتلات في إسرائيل ، وتبعه طارق في رصدها والذي وصل بتشكيله لسماء المعركه ، بدأ الاشتباك فوق سيناء كدائرة كبيرة من الطائرات التي تطير في دوائر محاوله اللحاق بذيل الطائرات الاخري وهو ما يعرف في الطيران بـ DOG FIGHT ، لكن محمد لم يتدخل وظل طائرا يراقب الاشتباك ونداءات الطيارين لبعضهم ،كانت عينيه تراقب طائرات العدو في تركيز تام ، وفجأه لمح طائرة للعدو في وضع مناسب له ، فأنقض عليها بسرعه شديده لدرجه ان طارق ظن ان سيصطدم بها ، وفورا تنفصل طائرة العدو مذعورة من الدائرة لتفادي اصطدام محمد بها ، وتضع نفسها امام طلقات محمد الذي أطلق دفعات مكثفه أصابت الطائرة وتصاعد الدخان الاسود من محركها ، ووسط فرحته بأصابه اولي طائراته ،يجد صوت جمال يصيح بأن طائره للعدو تطلق نيرانها عليه وانه لا يستطيع الافلات ، فيتدخل محمد فورا تاركا الطائرة المصابه تنسحب من الاشتباك بعد ان كان قد عقد النيه علي استمرار الضرب عليها ، وبصوت هادئ ومتماسك ، يطلب محمد من جمال الخروج بمناورة جانبيه حاده ، في نفس الوقت يصل عمر لدعم جمال أيضا وكان وضعه افضل من محمد من حيث زاويه التصويب ، فيطلق صاروخين متتاليين ، يصيب احداهما طائرة العدو في مقتل وتنفجر قبل ان يتمكن الطيار من القفز بالمظله.
ومرت حوالي 30 ثانيه علي بدء المعركه أطلق خلالها السرب 77 عشر صواريخ علي طائرات العدو التي تمسكت بسماء المعركه ، وافاد ايهاب في اللاسلكي بإقلاع ست طائرات للتعزيز من ابو صوير ، لكن أحمد كان قلقا بخصوص طائرات التعزيز الإسرائيليه التي أقلعت وشارفت علي الوصول لسماء المعركه.
وبينما أحمد يحمي ذيل وليد الذي يطارد بدورة طائرة معاديه ، أمر أحمد بخروج جمال وخالد وشريف من دائرة القتال والعوده للمطار سريعا علي ارتفاع منخفض ،ونفذ الثلاثه الامر بسرعه ، وحدث ما توقعه احمد ، فقد تابعتهم الطائرات الاسرائيليه غربا لفترة ، مما سمح لبقيه السرب في تعقبهم ونقل المعركه قرب خطوط قواتنا وفي نفس الوقت الابتعاد عن طائرات التعزيز الاسرائيليه ، لكن الطائرات المطارده فطنت لذلك وانسحبت من المعركه سريعا ، عندما شاهدت مقاتلات السرب تتعقبهم ، ومع انسحاب الطائرات الأسرائيليه حتى التي كانت متجهه للمعركه وفق ما اعلنه ايهاب في اللاسلكي ، فقد انتهت المعركه وسط شعور بالبهجه من الجميع عدا محمد الذي ود لو استطاع ان يتابع مطاردتها ، والتحم السرب في تشكيل واحد وهو يعبر القناه متجه غربا في حمايه طائرات التعزيز التي وصلت من مطار ابو صوير.
وعلي خط القناه تابع رجال احد وحدات الصاعقه هذه المعركه الجويه ، وأنفرجت اساريرهم عندما احصوا عدد طائرتنا العائده فوجدوها كامله ، وكان شعورهم بوجود حمايه من نسور مصر فوق رؤوسهم لا يضاهيه أي شعور أخر من الحماسه والفخر.
فور نزول السرب الي المطار والدخول وسط الأشجار سريعا ، تلاقي الطيارين وسط الاشجار بالاحضان وسط حاله من الفرحه بما تحقق في هذه المعركه ، فللمرة الاولي يثبت السرب 77 تفوقه علي الطائرات الاسرائيليه ، وياتي ايهاب مهرولا لاحمد حاملا إشارة تهنئه من قياده القوات الجويه للسرب 77 على ادائهم في ذلك اليوم ، وأسهمت تلك البرقيه في زياده فرحه الرجال خاصه وان بها مكافأه لجميع العاملين بالمطار قدرها عشرون جنيها للجميع.
في تلك الليله حضر الدمنهوري خصيصا للقاء الرجال وبدا سعيدا بما حققوه ، فالمعركه علي حد وصفه هي معركه سيطرة علي سماء القناه والغلبه لمن يفرض سيطرته اولا ويحافظ عليها
لكن الرجل كان حاملا معه معلومه علي قدر كبير من الاهميه للطيارين ، فقد وصلت معلومات مؤكده عن قرب حصول الاسرائيليين علي الطائرة سكاي هوك A4 وهي طائرة مقاتله وقاذفه خفيفه امريكيه الصنع، واخبرهم ان الطيارين الاسرائيلين سيقودونها لاسرائيل خلال شهر مايو او يونيو المقبلين ، وان طياري السرب يجب ان يستعدوا نفسيا لمواجهه تلك الطيارة الخفيفه في اي وقت ، فظهر الاهتمام الشديد من الطيارين بهذه المعلومه ، واضاف الدمنهوري بأن المفاوضات تجري مع امريكا لامداد اسرائيل بالمقاتله القاذفه فانتوم F4 لكنها ليست معلومه مؤكده بعد.
تدخل شريف المصري في حوار الدمنهوري قائلا بأنه قرأ عن السكاي هوك والفانتوم قليلا بأحد الابحاث الخاصه بحرب فيتنام الدائرة، لكنه لم يستطع اضافه معلومات جديده عنها لان ليس هناك معلومات كثيرة متوافرة عنها، الا ان الدمنهوري اضاف بأن ضباط من القوات الجويه سيقومون بأعطاء طياري السرب كل ما يحتاجونه من معلومات عن تلك الطائرات لاحقا.
طائرة سكاي هوك بالطلاء الاسرائيلي المموه
وتساءل عمر عن الطائرات التي ستخرج من الخدمه لتحل محلها تلك الطائرات ، فأضاف الدمنهوري بأنه غير متأكد لكن النطاق لن يخرج عن السوبر ميستير أو الارجون البطيئتي الحركه وقليلتيي التسليح مقارنه بالميراج والسكاي هوك والفانتوم
فأضاف وليد انه بذلك سيختل الميزان في الجبهه بشده نتيجه تلك الصفقات ، فالميج التي يقاتلون بها تستطيع بالكاد مجابهه الميراج فما بالك بالسكاي هوك والفانتوم الامريكيتين
تدخل خالد فؤاد قائلا ان الاتحاد السوفيتي يجب ان يزود مصر بطائرات حديثه اكثر من الميج 21
فتهكم الدمنهوري قائلا ((لو بأيد السوفيت – كانوا خدوا منكم الطيارات اللي معاكوا – دول ناس ابخل من اليهود ومعتقدش انهم هيدوكوا طيارات احسن من الميج 21))
قال جمال ((لما كنا في الاتحاد السوفيتي كانوا بيعملوا اختبارات علي طيارة ميج 23 ودي اكيد احسن من الميج 21 في الحموله))
ووسط حديث الجميع كان احمد يستمع بأهتمام بينما محمد صلاح يستند علي جذع شجرة يدخن سيجارة، الا انه تدخل في الحوار ((طب ليه نشتري طيارة جديده؟ ما نطور اللي معانا ؟؟))
كان دخول محمد في الحوار علي غير العاده دافعا للجميع علي الانصات له فأستكمل ((الميج 21، مقاتله جيده جدا في القتال الجوي من حيث المناورة بس عيبها إن لها نقطتين تحميل بس علي الجناحين ولو قدرنا نحط نقطتين كمان يبقي كده ضاعفنا تسليح الطيارة وبكده نقدر نقلل عدد الطيارات في الطلعه الواحده، او نزيد فرصه اصابه الاهداف وده هيرفع مستواها ليماثل الميراج))
طارق متسائلا ((مش ده هيأثر علي سرعه الطائرة ومناورتها ؟))
محمد ((أكيد لو قدرنا نحسن المحرك هنزيد من قوة الدفع وبالتالي نقدر نحملها زياده))
تدخل عمر ووليد في النقاش الفني البحت بعمق ، وانصت الدمنهوري الي النقاش الحامي بين الطيارين والذي يهدف لرفع كفاءة الطائرة الميج 21 لمجابهه التطور الجوي الاسرائيلي
ثم تدخل الدمنهوري في نهايه الحوار سائلا محمد ((انت تقدر تعمل دراسه يا محمد عن تطوير الميج 21 بالشكل اللي يرضي طوحك ؟)) فأجاب محمد بالايجاب
الدمنهوري – ((وعليا إني ارفع لك الدراسه دي لاعلي مستوي – بس تكون صح ، يعني في الحدود المعقوله))
اومأ محمد ايجابا واردف ((بس ححتاج طارق معايا)) ووسط دهشه طارق من طلب محمد ، أومأ احمد موافقا .
وخلال الاسبوع التالي وبين اوقات الطلعات الجويه والتدريبات انهمك طارق ومحمد في دراسات فنيه بحته ساعدهم في ذلك أحد مهندسي مطار إنشاص والمتخصص في هندسه الطيران والذي حضر للمطار بناء علي طلب الدمنهوري والذي ظهر مع الوقت ان له نفوذ كبير في القياده .
ساعدت تلك الدراسه الفنيه في التقارب بين محمد وطارق الذين انهمكا في حسابات وقياسات وحساب حمولات الطائرة وكان عمر وبقيه زملائهم ينصتون لتلك المناقشات والمجادلات الحاميه بين محمد وطارق او بينهم وبين والمهندس وكثيرا ما تدخل احمد شارحا معلقا او مستفسرا ، فقد اندمج وانصهر الجميع في مشروع تطوير طائرة تعتمد عليها القوات الجويه المصريه ثم تم عمل اختبارات عديده علي الارض بتحميل الطائرة بما يفوق وزنها ومتابعه النتائج علي الارض .
وفي يونيو 68 انتهت تلك الدراسه بعد اسابيع طويله وخلصت لان المحرك يجب ان يتم استبداله بأخر ذو قوه دفع اكبر لكي يمكن الطائرة من حمل صاروخين اضافيين وخزان وقود اضافي تحت بدن الطائرة مما يزيد من مدي الطائرة ايضا .
التقط الدمنهوري تلك الدراسه واسرع بها الي القياده ، وبعد اسبوع فقط تم استدعاء أحمد ومحمد وطارق الي القياده حيث وجدا أكثر من ثلاثين طيار من طياري المقاتله الميج 21 من مختلف الاسراب والمطارات وتقابل الجميع مع كبار مهندسي القوات الجويه لمده ثلاث ساعات في مناقشه تفصيليه لتلك الدراسه ودراسات اخري قام بها طيارون اخرون ، والهدف من تطوير الميج 21 ، حيث أتفق الجميع علي كفاءة الطائرة وعدم الحاجه الي استبدالها بل الحاجه الملحه الي تطويرها، ووجدت الدراسات المختلفه تلاقي في المضمون مع دراسه محمد وطارق وبعد طول مناقشات صرح العميد نوح كبير مهندسي القوات الجويه ان تلك الدراسه سترفع للرئيس عبد الناصر رأسا لمناقشه السوفيت فيها .
في تلك الاثناء كانت الامورة مستقرة علي الجبهه لحد ما ، فالتراشق المدفعي مستمر ، والعمليات المصريه خلف الخطوط الاسرائيليه شبه يوميه ، والتدخل الاسرائيلي الجوي مستمر ضد خط القناه ، لكن التعليمات كانت قد صدرت بتقييد القوات الجويه ومنعها من الاشتباك الا في حدود ضيقه ، فأمضي السرب معظم وقته في التدريبات الجويه في عمق مصر بعيدا عن القناه واكتساب مهارات جديده يوما بعد يوم، ومع زياده عدد الخبراء السوفيت في القوات الجويه زادت التطبيقات الجديده للقتال الجوي، والتي تحتاج لتدريبات شاقه حتي يتم اتقانها ، وكانت تلك التطبيقات وليده الخبرة بين الطيران الامريكي والطيران الفيتنامي الشمالي والذي يستخدم مقاتلات ميج 21 أيضا .
في تلك الاونه ظهرت السكاي هوك في سماء القناه ، و لتتأكد نبؤه الدمنهوري الا أن التعليمات كانت مشدده علي تفادي الاشتباك مع طيران العدو
كان قد مر علي الرجال سته أشهر في مطارهم الجديد ، وطوال تلك الفترة لم يقم اي منهم بأجازة حتي الفنيين ، فالاجازات ممنوعه والاستعداد دائم وعلي اعلي درجه ، وفي اوقات الراحه ليلا يقضيها الرجال إما في مشاهده افلام سينمائيه تم تصويرها في عمليات قتال جوي لدراستها او في محاضرات نظريه يقوم بها ضباط القوات الجويه الكبار لصقل مهاراتهم، او في محاضرات توعيه دينيه واجتماعيه وثقافيه يقوم بها الدمنهوري، وفي اوقات نادرة يقوم احمد بعرض فيلم سينمائي للترفيه عن الرجال ، كانت الحرب هي الشاغل الوحيد لذهن ووجدان الرجال ، وكان التفرغ النفسي والعقلي لها طبيعيا لكل طيار ، فأصبحت العائله والاهل والتفكير في المستقبل شئ ثانوي يفكر فيه الطيار نادرا.
وطوال تلك الفترة كانت التقارير تفد الي احمد من قائد الامن بأن اهالي كفر نور أصبحوا علي علم تمام بما يحدث بالمطار وأن عدد من الاهالي وفدوا الي محيط المطار عارضين تقديم الطعام والالبان للجنود ، لكن الامن صرفهم ناكرا وجود جنود بالمكان ، مما اثار إعجاب احمد بالتفاف الاهالي مع جنودهم رغم الازعاج المتكرر جراء صوت محركات الطائرات .
وفي احد أيام شهر يوليو عام 1968 جاءت أشاره من القياده علي درجه عاليه من السريه والاهميه فتلقاها أحمد وهرع بعدها بالسيارة الي القاهرة للقاء قاده القوات الجويه بدون ان يبلغ احدا بما فيها.
ثم عاد احمد ليلا واجتمع بطياريه في غرفه العمليات وابلغهم في حزن بوقف العمل في المطار حتي إشعار اخر ، لم يترك احدا من الطيارين المنزعجين هذا التصريح يمر بدون أن يعرفوا السبب .
فقال احمد بحزم ((التعليمات صدرت بوقف الطلعات حتي إشعار اخر ، فالاسرائيلين أستطلعوا المطار أكتر من مرة ، ومن المتوقع انهم يعملوا هجوم علينا في اي وقت ، واحنا مش عايزين نديهم الاحساس انهم فعلا ضربوا مطار علشان ميستغلوش الموقف دعائيا)) ثم وجه كلامه لكبير الفنيين ((الطيارات تتأمن كويس جدا ونحط عليها شبك تمويه كثيف وتكون فاضيه من الوقود،
وبكرة الصبح جدا هتيجي عربيات تسحب الوقود والذخائر من الخزانات)) ثم أستكمل حديثه للجميع في أقتضاب ((الطيارين هياخدوا اجازة اربع ايام ، وبعدين يسلموا نفسهم للقياده في القاهرة، أما الفنيين فلازم يفضل عدد منهم هنا ، ومهمتهم يعملوا جدول للاجازات بس كله يبقي بعد أسبوع من النهارده في القياده))
وفور انتهاء احمد من تعليماته هرع الفنيين لتنفيذ التعليمات سعداء بتلك الاجازه التي طال انتظارها، كذلك بدأ الطيارين في الاتصال بذويهم لابلاغهم بالاجازة، عدا محمد الذي لم يبال بما قاله احمد فسأله طارق عما سيفعل في الاجازة ، ورد محمد في حزن ((انا مالياش حد انزله اجازة ، انا بيتي هنا وحياتي هنا ، ومش محتاج انزل اجازة))
وعبثا حاول طارق اثناؤة عن البقاء بالمطار شاركه في ذلك عمر وجمال ووليد ، لكن بدون فائده تذكر، فقد أعطت مشاركه الطيارين في دراسه تطوير الميج 21 دفئا أذاب الثلج بين محمد ورفاقه وتقبل الجميع بعدها طريقه محمد الغريبه في التعامل.
وفي اليوم التالي تم اخلاء المطار من كل الوقود والذخيرة التي به وتم تأمين الطائرات، وليلا تم اخلاء الطيارين عدا محمد الذي أثر البقاء في المطار مع عدد من الفنيين .
وبعد يومين وقرب المغرب بينما الرجال في اجازتهم ، خرج بيان من القوات المسلحه أستمع له احمد بمنزله بدون أكتراث ، كان البيان يصف هجوم وحشي للطيران الاسرائيلي علي قريه مصريه ومقتل عدد من السكان ، كان بيانا كأي بيان اخر تبثه الاذاعه عن الاعتداءات الاسرائيليه المتكررة علي الجبهه ، الا ان أحمد انتفض من مكانه عندما ذكر البيان كفر نور، ذلك الكفر المجاور لمطاره السري ، اذن فقد كانت تحذيرات المخابرات في محلها ، فدار عقله بسرعه وادار شريط البيان في عقله مرة اخري ، فلم يتم ذكر اي شئ عن المطار بالطبع أو موقع شركه البترول ، وهو الاسم الكودي للمطار الذي أشار اليه رجال المخابرات في التعاملات العامه.
وبعد ساعتين ونصف بالضبط، مرت سيارة طارق وبرفقته أحمد نقطه الشرطه العسكريه قرب المطار ، حيث وجدا المنطقه مضاءة فالحرائق تملئ كفر نور وسيارات الاسعاف والمطافئ تملئ المكان لتحول ظلام الليل الي نهار، فهرع احمد بين الاشجار نحو مبني القياده حيث همه كان الاول الاطمئنان علي سلامه موقعه وجنوده ففوجئ بفرد أمن فقط ، وسأل عن قائد الامن والطيار محمد وبقيه الفنيين ، فأجاب فرد الامن بأنهم توجهوا للقريه منذ الغارة ولم يعودا حتي الان.
خرج احمد ليجد طارق قد أطمئن سريعا علي سلامه منشأت المطار وكان سعيدا لذلك ، فالقنابل الاسرائيليه لم تقترب حتي من المطار او الطريق ، مما يعني ان الاسرائيليين لم يستطيعوا رصد أي شئ وظنوا ان حقول كفر نور الممتده حول المطار هي ممرات الطائرات فقصفوها مع مبان القريه في جريمه بشعه ، مما يؤكد صدق تنبؤات رجال المخابرات وكفاءة تمويه المطار
وبعد ثوان من التقاط الانفاس ، توجه احمد وطارق فورا نحو كفر نور لاستطلاع الموقف .
وهناك كان الوجه المخيف للحرب يطل ببشاعه ، فمن الواضح ان الطائرات الاسرائيليه أستخدمت قنابل ثقيله في قصف محيط كفر نور مما ادي الي تهدم العديد من المنازل علي سكانها وإستشهاد العشرات كما كان واضحا من عدد سيارات الاسعاف الكثيرة ، ووقف الاثنان يتابعان في ذهول عمليات اخلاء الضحايا علي مبعده ، ومن وسط الانقاض ظهر محمد يحمل أحد الاطفال الضحايا ويسرع به نحو أحد عربات الاسعاف وقد تلطخ وجهه وملابسه بالدماء وكان يبدو عليه الاعياء التام .
فأندفع احمد وطارق يساعدان في نقل الشهداء والجرحي من داخل حطام المنازل بعد ان زالت صدمتهم من هول المشهد ، وبعد وقت طويل رحلت سيارات الاسعاف حامله الشهداء والجرحي ، ليتحول الكفر للحداد مع تعالي أصوات البكاء والعويل من النساء علي الشهداء حول الانقاض غير مصدقات ما حدث.
وعلي اطراف القريه يجلس الطيارين الثلاث بملابسهم المدنيه المتشحه بالدماء والتراب علي حطام احد المنازل ،الصمت والسجائر المشتعله القاسم الوحيد بينهم ، بينما كل منهم يدور عقله في فلك خاص به وأعينهم تتجول في أسي بين منازل القريه المحترقه والمهدمه ((ذنبهم ايه الناس دول ؟؟؟)) تمتم طارق علي أستحياء وكأنه يفكر بصوت عال ، ولم يرد أيا من زملائه وظلوا في فلكهم الخاص وظل الدخان يتصاعد من سجائرهم ليعانق خيوط الدخان البسيط المتصاعد من الانقاض، الا ان الرد جاءوهم من رجل عجوز يجلس خلفهم ((ذنبهم إننا بنحارب ناس متعرفش دين او رحمه)) فالتفت احمد متفاجئا ليجد ان الرد جاء من عمده القريه والذي تهدم منزله هو الاخر علي عدد كبير من عائلته، فتمتم أحمد بحزن((البقيه في حياتك يا عمده)) لم يرد الرجل علي عزاء أحمد، أنما ردد بعد فترة صمت قول الله تعالي ((ولا تحسبن الذين فتلوا في سبيل الله امواتا، بل احياء عند ربهم يرزقون)) وأنسابت الدموع من عينيه في صمت لتبلل لحيته البيضاء، في هذه اللحظات وصل عمر ومعه بقيه الطيارين ليجدا المشهد البشع امامهم فيصابوا جميعا بالذهول والغضب من حجم التدمير الذي حل بالقريه ، فيتقدم عمر مواسيا العمده الباكي ، فيرد الشيخ بحده ((انتوا هنا بتعملوا ايه ؟)) ينظر الرجال لبعضهم البعض في حيرة من سؤال الرجل المفاجئ ولا يملك اي منهم جواب السؤال ، فيستكمل الشيخ بحده وغضب مكتوم ((هو مش المفروض انكم طيارين ومعاكم طيارات؟؟؟ خلاص محدش هياخد بتار كفر نور الا انتم.... قاعدين هنا ليه؟ )) ينظر الطيارون لبعضهم البعض في حيرة ، الا ان محمد يقطع تلك الحيرة قائلا للشيخ ((وعد مننا يا حاج، اننا هناخذ بتار كفر نور كله وكل شهيد مات النهارده هناخد بتارة من ولاد الكلب)) يتدخل أحمد بعدها ملطفا الحوار ومعتذرا للعمده عما سببه وجودهم بقرب الكفر من موت ودمار ، وهنا ينتفض العمده مطيحا بكل احزانه ومعلنا غضبه غضبا شديدا التفت له كل الرجال المتواجدين بالقرب منهم صائحا ((هوا احنا مش مصريين ولا انتوا بس المصريين ؟؟؟ لا ..كلنا مصريين وزي ما انتوا بتحطوا ارواحكم علي ايديكوا في كل لحظه ، احنا برضه بنحارب معاكم ومش مهم كام واحد مننا يموت المهم نحرر الارض وناخد بتارنا ونرجع نقدر نرفع رأسنا تاني))
ظلت كلمات عمده كفر نور تتردد في عقل احمد طيله الايام التاليه والتي شهدت صراعا بين الطيارين متمثلا في احمد كقائد للسرب وبين قيادته العليا والتي أصرت علي أستمرار ايقاف العمل بالمطار ، فقد حفر تشبيه العمده في مخيله احمد ، فالعمده شأنه شان اي مصري وعربي لم يعد يستطيع ان يرفع رأسه خجلا ومهانه مما حدث ، ودور الجيش هو اعاده رأس مصر لاعلي حيث كانت وحيث يجب ان تكون دائما
وتم نقل الطيارين لاحد المطارات البعيده عن الجبهه للتدريب ومرت عده اشهر والطيارون مازالوا يتدربون في احد المطارات بالصحراء الغربيه بعيدا عن الاشتباكات التي يسمعون عنها يوميا في الاذاعه ، ووسط قيظ حر صيف 1968 والخريف التالي ، ظل الرجال في مطاراهم يتدربون ويكتسبون خبرات من كبار الطيارين المصريين والخبراء السوفيت، وبدون اجازات او راحه واصل الرجال المحاضرات النظريه والتدريبات العمليه.
كان النسر الاصلع اكثرهم حنقا وغضبا من بقيه زملائه ، ووضح ذلك عليه من خلال عصبيته الزائده واحتكاكه الدائم مع المدربين السوفيت الذين كانوا تحت المستوي المطلوب طبقا لكلامه .
وفي احد الليالي الهادئه وصل الدمنهوري فجأه ، فكان ذلك تغييرا في الروتين اليومي الممل ، جعل الرجال يستقبلونه بسعاده بالغه وترقب لاخبار جديده، وبالفعل فقد كان الدمنهوري يحمل اخبارا طازجه جدا تخص النسر الاصلع ، فقد قبل السوفيت بمقترحاته هو وطارق بخصوص تعديلات الميج 21 وكان ذلك في حد ذاته نقله نوعيه لمستوي الطيارين ، وكعادته قابل النسر الاصلع تلك الانباء بفتور متعللا بان السوفيت يومهم بسنه ومن غير المتوقع تطبيق تلك التعديلات سريعا ، لكن الدمنهوري فاجأ الجميع بأن الرئيس عبد الناصر كان في زياره سريه لموسكو وتم الاتفاق علي توريد المحركات الجديده لكي تزود المقاتلات المصريه بها في اسرع وقت ، مما اثلج صدور الرجال كثيرا ، واضاف الدمنهوري بأن المهندسين المصرين قد طوروا كثيرا في الميج 21 وانها اصبحت جاهزة لاستقبال المحركات الجديده لكي تدخل الخدمه .
ومن بين جو المرح الذي اضفاه الدمنهوري علي الرجال بزيارته المفاجئه وهداياه الخاصه المتنوعه للجميع ، تساءل وليد عن اخبار المطار 77 و كفر نور ، ذلك الكفر الذي لم ينساه احد من الطيارين قط منذ تلك الغاره الاخيرة فتبسم الدمنهوري متسائلا اذا كانوا يقصدون الوعد الذي قطعوه علي انفسهم للعمده ، فأومأ الجميع ايجابا في دهشه من معرفه الرجل بهذا الوعد، فأكد الدمنهوري ان الفرصه ستتاح لكل منهم للوفاء بوعده قريبا ، فتساءل احمد مقاطعا عما اذا كانوا سيعودون للمطار 77 مرة اخري ، فأجاب الدمنهوري بالايجاب لكن بعد ان يتسلموا طائرات جديده معدله بدلا من تلك التي سحبت من المطار وكذلك بعد ان يتيقن الجميع من ان الاسرائيلين قد نسوا امر هذا المطار والذي مازالوا يستطلعونه بين الحين والاخر حيث شرح الدمنهوري فكرة اعاده المفاجأه مرة أخري بعد ان يتأكد الاسرائيليين من نجاح غاراتهم السابقه في تعطيل المطار .
مرت عده اسابيع اخري وقارب عام 68 علي الانتهاء ، وقام طياروا السرب بزيارة لاحد المطارات حيث شاهدوا النموذج المعدل من الميج 21 ، وفرح الرجال جدا بالتعديلات التي شملتها الطائرة من حيث وجود خزان وقود اضافي وأماكن لاربعه صواريخ علي الاجنحه
وزادت فرحتهم اكثر عندما علموا بقرب تسلمهم لتلك الطائرة المعدله ، وفورا بدأ احمد يعد طياريه طبقا لكتيب التعليمات الجديد للطائرة - علي التكتيكات الممكنه لهذا الطراز المعدل حيث تضاعف التسليح تقريبا وزاد المدي كثيرا ، مما شكل تطويرا لتدريباتهم
MIG 21 المطوره ويظهر خزان الوقود الإضافي ونقطتين للصواريخ علي كل جناح
في تلك الفترة تلقى احمد تعليمات بنزول جميع طياريه الي اجازة تستمر اسبوعا كاملا بدأ من اول الاسبوع القادم، وكذلك تلقي عمر التصديق علي طلبه المقدم بالزواج مما جعله يطير فرحا بهذا الخبر وشاركه الجميع فرحته ، سرعان ما اتصل عمر بناديه لاعلامها بتصديق الجيش علي طلبه ولكي تعد نفسها في الفترة المتبقيه
ووسط الجو الاحتفالي بعمر ، تقدم طارق عارضا شاليه اسرته بالمعمورة لعمر كهديه زفاف ليقضي فيه شهر العسل ، ولم يترك جمال الفرصه تفوته بتعليق ساخر بأن طارق يعرض شاليه في المعمورة في عز الشتاء والامطار لشهر العسل ، فضحك الجميع وامضوا تلك الليله في الاحتفال بعمر لكن احمد كان مدركا انهم مقبلون علي مرحله اخري في عملهم ، فقد تعودوا علي ان الاجازة الطويله يليها شئ مهم ، خاصه وان تعليمات القياده تنص علي التجمع بعد الاجازه في القياده بالقاهرة.
وبعد ايام كان الطيارون يلتقون في منزل عمر بالعباسيه للاحتفال به وبعروسه ولفت الطيارون الانظار فور دخولهم مجتمعين بزيهم العسكري الانيق وأجسامهم الرشيقه المتناسقه ووسط الاغاني وفرح الجميع بعقد القران، وتنهال علي احمد ورفاقه اكواب الشربات وسط نظرات اعجاب من صديقات ناديه للطيارين وخاصه لمحمد والذي ظل معظم الوقت في الشرفه يتابع الاحداث في صمت ، ويدخل الدمنهوري بملابسه المدنيه حاملا هديه ثقيله في يده لتزداد سعاده الجميع بوصوله ويلتقط طياري السرب صورة تذكاريه لهم مع العروسين بينما رفض الدمنهوري ان يشاركهم وسط دعابات من جمال.
تناول الجميع الافطار في السادسه صباحا وسط ضباب كثيف يلف الجو ، نتيجه المنطقه الزراعيه التي حولهم ، وبعد عدد من التمرينات الخفيفه السريه وسط الاشجار تجمع الطيارين مرة اخري في غرفه العمليات ومعهم ايهاب وخليل ومصطفي ، حيث اعاد احمد تعليمات الاقلاع ودور الامن في ذلك والتسيق مع ايهاب ومطاري ابو صوير والصالحيه ، وما ان انصرف مصطفي وخليل الي عملهم ، عاد احمد للحديث مع الطيارين محددا خطه اليوم وتتركز في محاوله استكشاف درجه تنبه العدو لاختراق طائراتنا
حبث سيقوم محمد بعمليه قنص حر علي ان يكون جميع افراد السرب في طائراتهم وعلي اتم استعداد للاشتباك مع طائرات العدو التي قد تلاحق محمد ، ويتركز دور محمد علي تدمير اي اهداف بريه او جويه معاديه لمده أربع دقائق فقط فوق ارض العدو ، لكن فور وصول اشارة له بأقلاع مقاتلات معاديه لابد له وان يستدرجها تجاه الغرب حيث سيقلع السرب علي ارتفاع منخفض لنجدته وشدد احمد علي ضرورة عدم التهور من اي من طياريه ، وكذلك الاستماع الي صوت ايهاب بدقه لتلقي التعليمات او تعليمات ضابط التوجيه الجوي بمطار ابو صوير حيث سيقوم الاثنان بدور الاعين للسرب .
وفور نهايه التعليمات بدأت عبارات التشجيع تتعالي من الجميع لمحمد ، والذي وقف وأدي التحيه العسكريه بكل صرامه لاحمد قائلا )( النسر الاصلع جاهز لتنفيذ الاوامر يا فندم () ، وقتها ضحك الجميع عدا جمال الذي أحمر وجه خجلا من معرفه محمد بسره وتبسم احمد متمنيا لمحمد كل توفيق
خرج سكان كفر نور لمتابعه اعمالهم منذ الفجر كعادتهم دائما ، وبينما الرجال يعملون بكد في الحقول والنساء في بيوتهن او في الطرقات يقمن بأعمالهم اليوميه ، توقف الجميع عن العمل وتعالت نظرات الفزع من العيون ، فالارض تهتز من تحتهم بشده ، وصوتا كصوت الرعد الذي يصم الاذان يتعالي من حولهم ، لم يستطيعوا تبيان اتجاه الصوت ، وفجأه تمرق طائرة فوق الرؤوس مقلعه من بين الاشجار، من موقع شركه البترول بالتحديد
أصيب الجميع بالفزع لوهله وتعالي بكاء الاطفال من الخوف بينما طائرة النسر الاصلع تخترق الاجواء فوق البيوت، وهي تكاد تلامس أسقفها.
في نفس اللحظه كانت سبع طائرات تربض علي الارض وبداخلها الطيارين وكلهم اذان صاغيه لاي نداء او اشارة لاسلكيه من محمد لكي يقلعوا فورا
أتخذ محمد اتجاه الشرق بسرعه ومهارة علي ارتفاع منخفض يكاد يلمس معه قمم الاشجار ، وبعد ثوان كان يعبر القناه الي الشرق حيث سيناء المحتله، وصلته اشارة من مطار ابو صوير تعيد توجيهه الي الاتجاه الصحيح ، فقد انحرف قليلا عن مسارة ، في ذلك الوقت كان التوتر والقلق يعصف بأحمد وهو يستمع الي اشارات محمد لمطار ابو صوير ، افاد محمد بوجود قافله من العربات علي المحور الشمالي وانه سيهاجم بمدفعه ، كان عقله يتمني ان تهب طائرات العدو لقتاله فور رصده علي الرادار، لكن رادار ابو صوير لم يفيد بوجود مقاتلات للعدو في السماء بعد .
هاجم محمد القافله واعلن عن اشتعال النيران بعدد من العربات ، في نفس الوقت كان احمد ينظر الي ساعته ، فقد شارفت المهله المحدده لمحمد علي الانتهاء ،وبعد ثوان كان محمد يعلن انه اتخذ اتجاه العوده الي القاعده منفذا تعليمات احمد بدقه، وكان واضحا من صوته خيبه الامل في عدم وجود طائرات العدو .
ظل طياري السرب علي تأهبهم بينما اسرع أمن المطار والفنيين في تجهيز الطريق لهبوط محمد
هبط محمد بسرعه وقابله احمد تاركا باقي الطيارين في طائراتهم مستعدين ، قام محمد بتقديم تقرير شفهي اولي عن المهمه وما شاهده وخسائر العدو وملاحظاته ، ثم بدأ في كتابه تقريرة الرسمي والذي سيحفظ في سجلات المطار كأول تقرير عمليات
مر اليوم بدون عمليات ، فالطيارون مربوطين في طائراتهم بشوق في انتظار أي تعليمات ،والفنيين تحت الطائرات مستعدين لتشغيل الطائرات بسرعه البرق لاقلاعها ، بينما احمد منهمك في اعمال اداريه في مكتبه ، وتبادل عدد من الاشارات اللاسلكيه مع القياده ، ومع غروب الشمس كان الطيارون يتجمعون لتناول وجبه الغذاء وقد ظهر الاجهاد والحزن علي الوجوة ،وخلال تناول الغذاء كان الصمت هو القاسم المشترك بين الجميع ، فالجميع كان يمني نفسه بأشتباك مع العدو ، بينما حاول احمد رغم حزنه رفع معنويات الرجال بدون جدوي .
مرت عده ايام علي نفس الحال ، فبالتناوب أقلع معظم الطيارين في عمليات استطلاع لقطاع عملهم بدون ان يتدخل العدو مما جعل الجميع مستفذ نظرا لرغبتهم الملحه في الاشتباك .
وبعد حوالي اسبوعين صدرت الاوامر بالاستعداد للاشتراك في بيان عملي تنفذه الفرقه الرابعه المدرعه وتتلخص الاوامر في تحقيق غطاء جوي للفرقه الرابعه اثناء بيانها العملي .
واستعد الطيارون لذلك ، واقلعوا لاول مرة منذ فترة مع بعضهم البعض لكنهم اتجهوا غربا هذه المرة
وصل السرب فوق منطقه عمل الفرقه الرابعه التي كانت تهاجم مواقع وهميه للعدو ، واستطاع عمر ان يرصد العربه التي يتابع منها الرئيس عبد الناصر البيان ، نظرا لارتفاعهم المنخفض
جاء صوت الموجه الارضي ينذر بوجود تدخل عشر طائرات ، بدأ احمد فورا في اعطاء اوامرة حيث تتفوق الطائرات المتنافسه عليهم من ناحيه العدد ، لكن بدهاء كبير أستطاع احمد ان يعطي لسربه اليد العليا في هذا الاشتباك التدريبي حيث وضع الشمس خلف سربه مما جعل طياريه يرصدون الطائرات الاخري فورا وفي النفس الوقت عاكست اشعه الشمس أعين الطيارين الاخرين مما مكنه من اتخاذ الخطوة الاولي الحاسمه في اي اشتباك وانتزاع المبادأه وركوب الطائرات الاخري ، وبعد دقيقه كانت الاوامر للسرب 77 تصدر بالعوده للمطار، بعد ان استطاع محمد وعمر ان يصيبا طائرتين للقوة الاخري ، بينما اصيبت طائرة جمال في ذلك التدريب الوهمي السريع.
عادت جميع الطائرات قرب العصر الي المطار ، وبسرعه تم تجهيز الطائرات للاقلاع مرة اخري وتسليحها بصواريخ وذخيرة حيه هذه المرة ، وظل اربع طيارين في طائراتهم كطياري حاله اولي ، بينما انهمك احمد فور هبوطه في دراسه التدريب ونتائجه سريعا بمساعده غرفه عمليات القوات الجويه
وفي الليل اجتمع الطيارون لتقييم التدريب ونتائجه ، وكان الرأي الغالب للجميع ان هذا التدريب ليس مفيد علي الاطلاق اما محمد فكان رأيه ان هذا التدريب ليس اكثر من لعبه حمقاء هدفها الاستعراض امام الرئيس فقط ، وعندما ساله طارق بحده عما يقصد من تهكمه ، أجاب محمد بأن التدريب مع طيارين مصريين يقودون نفس الانواع ودرسوا نفس التكتيكات للمناورات لن يفيد أحد بشئ ، حيث ان خواص الطائرة والطيار الاسرائيلي وتدريبه وتكتيكات قتاله تختلف تماما عما يدرسه المصريين ، لذلك فأن احسن تدريب يكون امام الطائرات الإسرائيليه وقتها سيكتسب جميع الطيارين الخبرة اللازمه والتي ستفيدهم فعلا ، كان منطق محمد قويا جعل طارق والذي وضح عليه التحفز الدائم لمحمد ، جعله يهدأ مفكرا فيما قاله .
داخليا كان طارق غير مستريح لمحمد وطريقته في انتقاد الأوضاع وعزوفه عن الحوار مع زملائه وكان عمر يهون من غضب عمر كثيرا بينما يقوم احمد بدور حائط الصد عن محمد ، وفي الحقيقة كانت براعة محمد في الطيران هي حائط الصد المثالي لتصرفاته الغاضبة أحيانا واللامباليه أحيانا اخري.
الفصل السابع: هدوء حذر
كان الوضع علي الجبهه المصريه يتجه للاشتعال في اي لحظه ، فعبد الناصر والعرب اعلنوا رفضهم الاستسلام وأعلنوا في مؤتمر القمه بالخرطوم ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ، في نفس الوقت كانت عجله اعاده بناء القوات المسلحه تدور بأقصي قوة ، حيث ما زالت المخاوف من تطوير لنجاحها في يونيو ومحاوله العبور تجاه القاهرة لكسر اي محاوله لاعاده بناء القوات المسلحه المصريه.
الا ان هذه المخاوف زالت في ديسمبر 67 عندما اكتمل النسق الاول للدفاعات غرب القناه والذي انشئ علي عجل في يوليو 67 وكان يتم تدعيمه بكل ما يتم الوصول اليه من سلاح وافراد ، حتي وصل لمرحله النضج في ديسمبر ، في نفس الوقت كان يتم استحداث وحدات جديده مثل فرق المشاه والمدرعه والميكانيكيه والتي تشكل النسق الاول والثاني للدفاعات ، وكان ذلك يتطلب مجهود عسكري واداراي وفني ضخم جدا.
وكان السرب 77 علي علم بكل التطورات الجاريه بفضل زيارات الدمنهوري ، ذلك الرجل الغامض الذي ظهر في حياه طياري السرب في اواخر يناير 68، كان الدمنهوري الذي عرف نفسه علي انه ضابط توجيه معنوي يقص علي الرجال اخبار الاشتباكات التي تدور علي الجبهه اولا بأول ، شارحا كل التفاصيل التي لا يذاع منها الا النذر اليسير ، ورغم وجود تعليمات من القياده بحسن استقبال الدمنهوري الا ان احمد عجز ان يعرف من قيادته رتبه او حقيقه عمل الدمنهوري ، فالرجل كان ودودا ذو وجه خال من الملامح ، مرحا بوقار ، جعل متناقضات شخصيته المفتاح لحب الناس له وتلهفهم لزياراته ، وكان الطيارين يعلمون جيدا ان مركزة اعلي من أن يكون ضباط توجيه معنوي فقط ، فالرجل يعلم كل شئ عن كل فرد بالمطار، ويتصرف بتكتيك معين يهدف لاكساب الرجال الثقه بالنفس وبالسلاح ، وكأنه يشن عليهم حرب نفسيه لتقويه عزيمتهم فرغم انتصاب قامه كل منهم من الخارج ،الا ان الدمنهوري كان متأكد من انهيار المعنويات والقيم المعنويه لهم داخليا ، فحث الجميع علي الصلاة والتمسك بها والاكثار من قراءة القرأن ، كذلك كانت هداياه سواء للجنود او الطيارين ذات دلاله واضحه علي معرفته بأدق الاسرار وتقدير القياده لمشاعرهم ، فقدم لطارق مثلا اسطوانه كلاسيكيه شهيرة لموزارت ، بينما أهدي أحمد خوذه رفيقه الشهيد مدحت المليجي والتي تأثر بها احمد كثيرا وهو ممسك بها ، وعندما ظهرت نظرات تساؤل بين الدموع من عيني احمد ، رد الدمنهوري بهدوء ((محدش غيرك يستحق التذكار ده))
كانت لقاءات الدمنهوري مع الرجال تتم عاده ليلا ، حيث يمكث معهم ساعه او ساعتين أسبوعيا ثم يغادر معتذرا لضيق وقته ، وكثيرا ما افاض في شرح الموقف العسكري الاسرائيلي وانواع السلاح المتوفر لديهم بصورة عميقه ، جعلت الطيارين يدونون ما يقول للاستفاده منه ، وكانت احاديثه عن المجتمع الاسرائيلي وطريقه حياته ونقاط القوة والضعف فيه ملهمه للرجال الذين اصبحوا يرون المجتمع الاسرائيلي وكأنهم يعيشون فيها من دقه وصف الرجل، لذلك فقد اجتمع الجميع علي حب هذا الرجل الغامض ، وفي احد ليالي شهر أبريل المقمرة جلس الدمنهوري وسط الرجال بالقرب من احدي الطائرات في العراء ، وبدأ يسرد لهم دور تلك القوة الجديده التي دخلت القوات المسلحه ألا وهي قوات الدفاع الجوي ودورها الحيوي المستقبلي في حمايه سماء الجبهه لكي يتفرغ الطيارين للتدريبات لمعركه التحرير .
وشرح لهم ما سيحدث في الفترات القادمه من محاولات لتكوين النسق الاول لحزام دفاع جوي يحمي القاهرة ، علي ان يتحرك هذا الحزام تجاه القناة.
أصبح الدمنهوري بالنسبه لهم بمثابه الاعين التي تري ما لا يرونه او يسمعوا عنه في المطار
في تلك الفترة من ابريل 68 ، كان السرب قد قام بحوالي 75 طلعه قتال بدون ان يشتبك مع طائرات العدو نظرا للاوامر المحدده بعدم البقاء داخل سيناء لاكثر من خمس دقائق فقط ، نظرا لحرص القياده علي الحفاظ علي الطيارين وتدريبهم مع الابقاء علي النزعه الهجوميه لهم ، كذلك عدم مطارده الاسرائيلين لطائرات القنص خوفا من الوقوع في كمين ، وكانت الاشتباكات المدفعيه شديده بطول الجبهه ، وعلي فترات متباعده ، وظلت الاوامر محدده بتفادي الاشتباك الجوي مع العدو الا ان الاوضاع اتخذت منحني اخر في تلك الفترة ، اذ وردت تعليمات بقرب قيام الإسرائيليين بنشاط جوي قوي فوق القناه ، ويجب تدخل القوات الجويه في الدفاع عن القناه لكن بحساب وبلا تهور فتم وضع السرب 77 علي اهبه الاستعداد للدفع به في اي أشتباك ، وأبلغ احمد قيادته بأن السرب علي اهبه الاستعداد طوال الوقت ، مما رفع من روح الرجال المعنويه مرة اخري
وفي اليوم التالي أستيقظ الجميع وأثناء تناول طعام الافطار، وقام جمال بتسليم أحمد خوذته التي سبق ان استعارها منه الليله السابقه ، وعلي الخوذه البيضاء وجد احمد عبارة ((لا اله الا الله)) مكتوبه بخط منمق ومن تحتها ((النصر او الشهاده)) ،أعجب احمد جدا ودهش عندما وجد جميع خوذات الطيارين بنفس الشكل وأضاف جمال ((بدل ما نعمل زي الاسرائيلين ونرسم صورة نسر ولا صقر او حتي نجمه داود السداسيه ، قلت نكتب اللي احنا فعلا حاسين بيه وعايزينه علي رأسنا، انا بقالي مده بفكر نكتب حاجه علي الخوذات لغايه ما وصلت للفكرة دي))
تدخل عمر وهو ممسك بخوذته ((فعلا . احنا مقدمناش دلوقت بديل تاني إما النصر او الشهاده، لكن إننا نعيش في الذل ده ، ده مش مقبول))
أستمع احمد لما يقال بينما محمد صلاح يأكل في صمت أغاظ جدا طارق فبادرة سائلا ((وانت رأيك ايه يا محمد ؟؟))، نظر محمد لطارق نظرة لا تحمل اي تعابير قائلا ((انا كنت افضل ان خوذتي يكتب عليها، إقتل اسرائيلي اينما تجده، لان ده اللي انا حاسس بيه فعلا ، لكن انا مش مع عمر خالص، احنا مش عايشين في ذل لا ... احنا بعد الذل بكتير ، لما الاسرائيلي يكون محتل ارضي، وشايفه الناحيه التانيه من القنال ومقدرش اوصل له واقتله، ده يبقي ابعد كتير من الذل والاهانه))
فتدخل وليد سائلا محمد ((أمال نعمل ايه ؟؟))
فأجاب محمد منفعلا وهو يضرب بيده علي الطاوله ((نهاجمهم بكل اللي معانا وطول الوقت ومنخليش ولا واحد منهم يعرف ينام مستريح، ونطير في كل ثانيه ونضرب لهم كل شبر في سينا وجوة اسرائيل كمان، أحنا مش أقل منهم، حتي ولو هخش بطيارتي في طياراتهم ........))
وقطع الحديث دخول ايهاب مهرولا علي غير عادته، حاملا اشارة لاسلكيه في يده ... ، وسط نظرات التشوق من الجميع قرأ احمد الرساله ((الي السرب 77 – علي السرب القيام بحمايه طائرة الاستطلاع عند عودتها من سيناء في القطاع الخامس – الساعه 900))
نظر احمد لساعته فوجدها ما زالت السادسه صباحا ، والضباب يلف المكان فأعطي اوامرة للسرب بالاستعداد للاقلاع في التاسعه الا ربع صباحا
وفعلا في تمام التاسعه الا ربع صباحا ، كان السرب يقلع فرادى ليلتحم في الجو تحت قياده احمد
وصلت الاشارة من مطار ابو صوير بأن طائرة الاستطلاع في طريق عودتها من وسط سيناء كما هو مخطط ، أعطي احمد اوامرة لطارق بالانفصال ومعه محمد ووليد وشريف ويتجهوا جنوبا تجاه فايد علي ارتفاع منخفض جدا كما تم الاتفاق عليه مسبقا ، بينما طار أحمد وتشكيله فوق الاسماعيليه .
بعد ثوان أفاد رادار أبو صوير باقلاع طائرات إسرائيليه في اعقاب طائرة الاستطلاع المصريه التي مازالت تتجه غربا بسرعه ، وبسرعه قدر احمد المسافه والزمن فوجد ان الطائرات الإسرائيليه لن تلحق الطائرة المصريه لكنه وباقي الرجال في شوق للاشتباك فقرر الاشتباك فورا، وأمر تشكيل طارق بالاتجاه شرقا لاعتراض مقاتلات العدو علي ان يظل طارق علي ارتفاع منخفض جدا
وأنطلق التشكيلان تجاه الشرق في سرعه وقد منى كل طيار منهم نفسه بإسقاط طائرة للعدو ، اما محمد فكان في قمه تركيزة وهو يحصي كل ثانيه وكل كيلو متر يقربه من طائرات العدو.
افاد رادار ابو صوير أن طائرات العدو تبلغ أربع طائرات فقط وان المسافه هي عشرة كيلو متر ، وفجأة وبدون اي انذار ، وبعد التأكد من مرور طائرة الاستطلاع اعطي احمد اوامرة لتشكيله بالانسحاب شرقا خلفها وفتح الحارق اللاحق لزياده سرعه الطائرة للحد الاقصي ، ومع قمه الاندهاش التي اصابت طياريه ، أنسحب التشكيل تجاه الغرب ، بينما ظل تشكيل طارق يطير منخفضا تجاه الشرق.
سأل أحمد رادار ابو صوير ((المسافه كام)) يقصد بينه وبين العدو ، وأجاب الرادار 9 كيلو وتتناقص ببطء ، في هذه اللحظه كان تشكيل العدو في كمين محكم ، فطارق يعلم ما يحدث ويعرف الكمين الذي نصبه احمد، بفضل الربط العقلي بين جميع طياري السرب ، فرادارت العدو لا ترصد تشكيل طارق المنخفض جدا، وظلت طائراتهم تطارد تشكيل احمد ظنا منهم انه ينسحب خلف طائرة الاستطلاع التي عادت غرب القناه بأمان.
أصدر احمد أمر بالاشتباك ، وسمعه كل طياري السرب علي الموجه المفتوحه، في هذه اللحظه أرتفع تشكيل طارق واتجه للغرب ملاحقا لطائرات العدو ، بينما أستدار تشكيل احمد ليقابل الطائرات الإسرائيليه التي أصبحت داخل كمين محكم .
فورا افاد رادار ابو صوير برصد إقلاع مقاتلات معاديه إضافيه من مطار المليز في وسط سيناء، وظهر في الافق بوادر معركه جويه حاميه الوطيس ، كان عمر هو اول من رصد طائرات العدو التي انفصلت وانتشرت في السماء لتفادي الكمين ، وأستطاع تمييز أنها ميراج التي يطير بها افضل طياري المقاتلات في إسرائيل ، وتبعه طارق في رصدها والذي وصل بتشكيله لسماء المعركه ، بدأ الاشتباك فوق سيناء كدائرة كبيرة من الطائرات التي تطير في دوائر محاوله اللحاق بذيل الطائرات الاخري وهو ما يعرف في الطيران بـ DOG FIGHT ، لكن محمد لم يتدخل وظل طائرا يراقب الاشتباك ونداءات الطيارين لبعضهم ،كانت عينيه تراقب طائرات العدو في تركيز تام ، وفجأه لمح طائرة للعدو في وضع مناسب له ، فأنقض عليها بسرعه شديده لدرجه ان طارق ظن ان سيصطدم بها ، وفورا تنفصل طائرة العدو مذعورة من الدائرة لتفادي اصطدام محمد بها ، وتضع نفسها امام طلقات محمد الذي أطلق دفعات مكثفه أصابت الطائرة وتصاعد الدخان الاسود من محركها ، ووسط فرحته بأصابه اولي طائراته ،يجد صوت جمال يصيح بأن طائره للعدو تطلق نيرانها عليه وانه لا يستطيع الافلات ، فيتدخل محمد فورا تاركا الطائرة المصابه تنسحب من الاشتباك بعد ان كان قد عقد النيه علي استمرار الضرب عليها ، وبصوت هادئ ومتماسك ، يطلب محمد من جمال الخروج بمناورة جانبيه حاده ، في نفس الوقت يصل عمر لدعم جمال أيضا وكان وضعه افضل من محمد من حيث زاويه التصويب ، فيطلق صاروخين متتاليين ، يصيب احداهما طائرة العدو في مقتل وتنفجر قبل ان يتمكن الطيار من القفز بالمظله.
ومرت حوالي 30 ثانيه علي بدء المعركه أطلق خلالها السرب 77 عشر صواريخ علي طائرات العدو التي تمسكت بسماء المعركه ، وافاد ايهاب في اللاسلكي بإقلاع ست طائرات للتعزيز من ابو صوير ، لكن أحمد كان قلقا بخصوص طائرات التعزيز الإسرائيليه التي أقلعت وشارفت علي الوصول لسماء المعركه.
وبينما أحمد يحمي ذيل وليد الذي يطارد بدورة طائرة معاديه ، أمر أحمد بخروج جمال وخالد وشريف من دائرة القتال والعوده للمطار سريعا علي ارتفاع منخفض ،ونفذ الثلاثه الامر بسرعه ، وحدث ما توقعه احمد ، فقد تابعتهم الطائرات الاسرائيليه غربا لفترة ، مما سمح لبقيه السرب في تعقبهم ونقل المعركه قرب خطوط قواتنا وفي نفس الوقت الابتعاد عن طائرات التعزيز الاسرائيليه ، لكن الطائرات المطارده فطنت لذلك وانسحبت من المعركه سريعا ، عندما شاهدت مقاتلات السرب تتعقبهم ، ومع انسحاب الطائرات الأسرائيليه حتى التي كانت متجهه للمعركه وفق ما اعلنه ايهاب في اللاسلكي ، فقد انتهت المعركه وسط شعور بالبهجه من الجميع عدا محمد الذي ود لو استطاع ان يتابع مطاردتها ، والتحم السرب في تشكيل واحد وهو يعبر القناه متجه غربا في حمايه طائرات التعزيز التي وصلت من مطار ابو صوير.
وعلي خط القناه تابع رجال احد وحدات الصاعقه هذه المعركه الجويه ، وأنفرجت اساريرهم عندما احصوا عدد طائرتنا العائده فوجدوها كامله ، وكان شعورهم بوجود حمايه من نسور مصر فوق رؤوسهم لا يضاهيه أي شعور أخر من الحماسه والفخر.
فور نزول السرب الي المطار والدخول وسط الأشجار سريعا ، تلاقي الطيارين وسط الاشجار بالاحضان وسط حاله من الفرحه بما تحقق في هذه المعركه ، فللمرة الاولي يثبت السرب 77 تفوقه علي الطائرات الاسرائيليه ، وياتي ايهاب مهرولا لاحمد حاملا إشارة تهنئه من قياده القوات الجويه للسرب 77 على ادائهم في ذلك اليوم ، وأسهمت تلك البرقيه في زياده فرحه الرجال خاصه وان بها مكافأه لجميع العاملين بالمطار قدرها عشرون جنيها للجميع.
في تلك الليله حضر الدمنهوري خصيصا للقاء الرجال وبدا سعيدا بما حققوه ، فالمعركه علي حد وصفه هي معركه سيطرة علي سماء القناه والغلبه لمن يفرض سيطرته اولا ويحافظ عليها
لكن الرجل كان حاملا معه معلومه علي قدر كبير من الاهميه للطيارين ، فقد وصلت معلومات مؤكده عن قرب حصول الاسرائيليين علي الطائرة سكاي هوك A4 وهي طائرة مقاتله وقاذفه خفيفه امريكيه الصنع، واخبرهم ان الطيارين الاسرائيلين سيقودونها لاسرائيل خلال شهر مايو او يونيو المقبلين ، وان طياري السرب يجب ان يستعدوا نفسيا لمواجهه تلك الطيارة الخفيفه في اي وقت ، فظهر الاهتمام الشديد من الطيارين بهذه المعلومه ، واضاف الدمنهوري بأن المفاوضات تجري مع امريكا لامداد اسرائيل بالمقاتله القاذفه فانتوم F4 لكنها ليست معلومه مؤكده بعد.
تدخل شريف المصري في حوار الدمنهوري قائلا بأنه قرأ عن السكاي هوك والفانتوم قليلا بأحد الابحاث الخاصه بحرب فيتنام الدائرة، لكنه لم يستطع اضافه معلومات جديده عنها لان ليس هناك معلومات كثيرة متوافرة عنها، الا ان الدمنهوري اضاف بأن ضباط من القوات الجويه سيقومون بأعطاء طياري السرب كل ما يحتاجونه من معلومات عن تلك الطائرات لاحقا.
طائرة سكاي هوك بالطلاء الاسرائيلي المموه
وتساءل عمر عن الطائرات التي ستخرج من الخدمه لتحل محلها تلك الطائرات ، فأضاف الدمنهوري بأنه غير متأكد لكن النطاق لن يخرج عن السوبر ميستير أو الارجون البطيئتي الحركه وقليلتيي التسليح مقارنه بالميراج والسكاي هوك والفانتوم
فأضاف وليد انه بذلك سيختل الميزان في الجبهه بشده نتيجه تلك الصفقات ، فالميج التي يقاتلون بها تستطيع بالكاد مجابهه الميراج فما بالك بالسكاي هوك والفانتوم الامريكيتين
تدخل خالد فؤاد قائلا ان الاتحاد السوفيتي يجب ان يزود مصر بطائرات حديثه اكثر من الميج 21
فتهكم الدمنهوري قائلا ((لو بأيد السوفيت – كانوا خدوا منكم الطيارات اللي معاكوا – دول ناس ابخل من اليهود ومعتقدش انهم هيدوكوا طيارات احسن من الميج 21))
قال جمال ((لما كنا في الاتحاد السوفيتي كانوا بيعملوا اختبارات علي طيارة ميج 23 ودي اكيد احسن من الميج 21 في الحموله))
ووسط حديث الجميع كان احمد يستمع بأهتمام بينما محمد صلاح يستند علي جذع شجرة يدخن سيجارة، الا انه تدخل في الحوار ((طب ليه نشتري طيارة جديده؟ ما نطور اللي معانا ؟؟))
كان دخول محمد في الحوار علي غير العاده دافعا للجميع علي الانصات له فأستكمل ((الميج 21، مقاتله جيده جدا في القتال الجوي من حيث المناورة بس عيبها إن لها نقطتين تحميل بس علي الجناحين ولو قدرنا نحط نقطتين كمان يبقي كده ضاعفنا تسليح الطيارة وبكده نقدر نقلل عدد الطيارات في الطلعه الواحده، او نزيد فرصه اصابه الاهداف وده هيرفع مستواها ليماثل الميراج))
طارق متسائلا ((مش ده هيأثر علي سرعه الطائرة ومناورتها ؟))
محمد ((أكيد لو قدرنا نحسن المحرك هنزيد من قوة الدفع وبالتالي نقدر نحملها زياده))
تدخل عمر ووليد في النقاش الفني البحت بعمق ، وانصت الدمنهوري الي النقاش الحامي بين الطيارين والذي يهدف لرفع كفاءة الطائرة الميج 21 لمجابهه التطور الجوي الاسرائيلي
ثم تدخل الدمنهوري في نهايه الحوار سائلا محمد ((انت تقدر تعمل دراسه يا محمد عن تطوير الميج 21 بالشكل اللي يرضي طوحك ؟)) فأجاب محمد بالايجاب
الدمنهوري – ((وعليا إني ارفع لك الدراسه دي لاعلي مستوي – بس تكون صح ، يعني في الحدود المعقوله))
اومأ محمد ايجابا واردف ((بس ححتاج طارق معايا)) ووسط دهشه طارق من طلب محمد ، أومأ احمد موافقا .
وخلال الاسبوع التالي وبين اوقات الطلعات الجويه والتدريبات انهمك طارق ومحمد في دراسات فنيه بحته ساعدهم في ذلك أحد مهندسي مطار إنشاص والمتخصص في هندسه الطيران والذي حضر للمطار بناء علي طلب الدمنهوري والذي ظهر مع الوقت ان له نفوذ كبير في القياده .
ساعدت تلك الدراسه الفنيه في التقارب بين محمد وطارق الذين انهمكا في حسابات وقياسات وحساب حمولات الطائرة وكان عمر وبقيه زملائهم ينصتون لتلك المناقشات والمجادلات الحاميه بين محمد وطارق او بينهم وبين والمهندس وكثيرا ما تدخل احمد شارحا معلقا او مستفسرا ، فقد اندمج وانصهر الجميع في مشروع تطوير طائرة تعتمد عليها القوات الجويه المصريه ثم تم عمل اختبارات عديده علي الارض بتحميل الطائرة بما يفوق وزنها ومتابعه النتائج علي الارض .
وفي يونيو 68 انتهت تلك الدراسه بعد اسابيع طويله وخلصت لان المحرك يجب ان يتم استبداله بأخر ذو قوه دفع اكبر لكي يمكن الطائرة من حمل صاروخين اضافيين وخزان وقود اضافي تحت بدن الطائرة مما يزيد من مدي الطائرة ايضا .
التقط الدمنهوري تلك الدراسه واسرع بها الي القياده ، وبعد اسبوع فقط تم استدعاء أحمد ومحمد وطارق الي القياده حيث وجدا أكثر من ثلاثين طيار من طياري المقاتله الميج 21 من مختلف الاسراب والمطارات وتقابل الجميع مع كبار مهندسي القوات الجويه لمده ثلاث ساعات في مناقشه تفصيليه لتلك الدراسه ودراسات اخري قام بها طيارون اخرون ، والهدف من تطوير الميج 21 ، حيث أتفق الجميع علي كفاءة الطائرة وعدم الحاجه الي استبدالها بل الحاجه الملحه الي تطويرها، ووجدت الدراسات المختلفه تلاقي في المضمون مع دراسه محمد وطارق وبعد طول مناقشات صرح العميد نوح كبير مهندسي القوات الجويه ان تلك الدراسه سترفع للرئيس عبد الناصر رأسا لمناقشه السوفيت فيها .
في تلك الاثناء كانت الامورة مستقرة علي الجبهه لحد ما ، فالتراشق المدفعي مستمر ، والعمليات المصريه خلف الخطوط الاسرائيليه شبه يوميه ، والتدخل الاسرائيلي الجوي مستمر ضد خط القناه ، لكن التعليمات كانت قد صدرت بتقييد القوات الجويه ومنعها من الاشتباك الا في حدود ضيقه ، فأمضي السرب معظم وقته في التدريبات الجويه في عمق مصر بعيدا عن القناه واكتساب مهارات جديده يوما بعد يوم، ومع زياده عدد الخبراء السوفيت في القوات الجويه زادت التطبيقات الجديده للقتال الجوي، والتي تحتاج لتدريبات شاقه حتي يتم اتقانها ، وكانت تلك التطبيقات وليده الخبرة بين الطيران الامريكي والطيران الفيتنامي الشمالي والذي يستخدم مقاتلات ميج 21 أيضا .
في تلك الاونه ظهرت السكاي هوك في سماء القناه ، و لتتأكد نبؤه الدمنهوري الا أن التعليمات كانت مشدده علي تفادي الاشتباك مع طيران العدو
كان قد مر علي الرجال سته أشهر في مطارهم الجديد ، وطوال تلك الفترة لم يقم اي منهم بأجازة حتي الفنيين ، فالاجازات ممنوعه والاستعداد دائم وعلي اعلي درجه ، وفي اوقات الراحه ليلا يقضيها الرجال إما في مشاهده افلام سينمائيه تم تصويرها في عمليات قتال جوي لدراستها او في محاضرات نظريه يقوم بها ضباط القوات الجويه الكبار لصقل مهاراتهم، او في محاضرات توعيه دينيه واجتماعيه وثقافيه يقوم بها الدمنهوري، وفي اوقات نادرة يقوم احمد بعرض فيلم سينمائي للترفيه عن الرجال ، كانت الحرب هي الشاغل الوحيد لذهن ووجدان الرجال ، وكان التفرغ النفسي والعقلي لها طبيعيا لكل طيار ، فأصبحت العائله والاهل والتفكير في المستقبل شئ ثانوي يفكر فيه الطيار نادرا.
وطوال تلك الفترة كانت التقارير تفد الي احمد من قائد الامن بأن اهالي كفر نور أصبحوا علي علم تمام بما يحدث بالمطار وأن عدد من الاهالي وفدوا الي محيط المطار عارضين تقديم الطعام والالبان للجنود ، لكن الامن صرفهم ناكرا وجود جنود بالمكان ، مما اثار إعجاب احمد بالتفاف الاهالي مع جنودهم رغم الازعاج المتكرر جراء صوت محركات الطائرات .
وفي احد أيام شهر يوليو عام 1968 جاءت أشاره من القياده علي درجه عاليه من السريه والاهميه فتلقاها أحمد وهرع بعدها بالسيارة الي القاهرة للقاء قاده القوات الجويه بدون ان يبلغ احدا بما فيها.
ثم عاد احمد ليلا واجتمع بطياريه في غرفه العمليات وابلغهم في حزن بوقف العمل في المطار حتي إشعار اخر ، لم يترك احدا من الطيارين المنزعجين هذا التصريح يمر بدون أن يعرفوا السبب .
فقال احمد بحزم ((التعليمات صدرت بوقف الطلعات حتي إشعار اخر ، فالاسرائيلين أستطلعوا المطار أكتر من مرة ، ومن المتوقع انهم يعملوا هجوم علينا في اي وقت ، واحنا مش عايزين نديهم الاحساس انهم فعلا ضربوا مطار علشان ميستغلوش الموقف دعائيا)) ثم وجه كلامه لكبير الفنيين ((الطيارات تتأمن كويس جدا ونحط عليها شبك تمويه كثيف وتكون فاضيه من الوقود،
وبكرة الصبح جدا هتيجي عربيات تسحب الوقود والذخائر من الخزانات)) ثم أستكمل حديثه للجميع في أقتضاب ((الطيارين هياخدوا اجازة اربع ايام ، وبعدين يسلموا نفسهم للقياده في القاهرة، أما الفنيين فلازم يفضل عدد منهم هنا ، ومهمتهم يعملوا جدول للاجازات بس كله يبقي بعد أسبوع من النهارده في القياده))
وفور انتهاء احمد من تعليماته هرع الفنيين لتنفيذ التعليمات سعداء بتلك الاجازه التي طال انتظارها، كذلك بدأ الطيارين في الاتصال بذويهم لابلاغهم بالاجازة، عدا محمد الذي لم يبال بما قاله احمد فسأله طارق عما سيفعل في الاجازة ، ورد محمد في حزن ((انا مالياش حد انزله اجازة ، انا بيتي هنا وحياتي هنا ، ومش محتاج انزل اجازة))
وعبثا حاول طارق اثناؤة عن البقاء بالمطار شاركه في ذلك عمر وجمال ووليد ، لكن بدون فائده تذكر، فقد أعطت مشاركه الطيارين في دراسه تطوير الميج 21 دفئا أذاب الثلج بين محمد ورفاقه وتقبل الجميع بعدها طريقه محمد الغريبه في التعامل.
وفي اليوم التالي تم اخلاء المطار من كل الوقود والذخيرة التي به وتم تأمين الطائرات، وليلا تم اخلاء الطيارين عدا محمد الذي أثر البقاء في المطار مع عدد من الفنيين .
وبعد يومين وقرب المغرب بينما الرجال في اجازتهم ، خرج بيان من القوات المسلحه أستمع له احمد بمنزله بدون أكتراث ، كان البيان يصف هجوم وحشي للطيران الاسرائيلي علي قريه مصريه ومقتل عدد من السكان ، كان بيانا كأي بيان اخر تبثه الاذاعه عن الاعتداءات الاسرائيليه المتكررة علي الجبهه ، الا ان أحمد انتفض من مكانه عندما ذكر البيان كفر نور، ذلك الكفر المجاور لمطاره السري ، اذن فقد كانت تحذيرات المخابرات في محلها ، فدار عقله بسرعه وادار شريط البيان في عقله مرة اخري ، فلم يتم ذكر اي شئ عن المطار بالطبع أو موقع شركه البترول ، وهو الاسم الكودي للمطار الذي أشار اليه رجال المخابرات في التعاملات العامه.
وبعد ساعتين ونصف بالضبط، مرت سيارة طارق وبرفقته أحمد نقطه الشرطه العسكريه قرب المطار ، حيث وجدا المنطقه مضاءة فالحرائق تملئ كفر نور وسيارات الاسعاف والمطافئ تملئ المكان لتحول ظلام الليل الي نهار، فهرع احمد بين الاشجار نحو مبني القياده حيث همه كان الاول الاطمئنان علي سلامه موقعه وجنوده ففوجئ بفرد أمن فقط ، وسأل عن قائد الامن والطيار محمد وبقيه الفنيين ، فأجاب فرد الامن بأنهم توجهوا للقريه منذ الغارة ولم يعودا حتي الان.
خرج احمد ليجد طارق قد أطمئن سريعا علي سلامه منشأت المطار وكان سعيدا لذلك ، فالقنابل الاسرائيليه لم تقترب حتي من المطار او الطريق ، مما يعني ان الاسرائيليين لم يستطيعوا رصد أي شئ وظنوا ان حقول كفر نور الممتده حول المطار هي ممرات الطائرات فقصفوها مع مبان القريه في جريمه بشعه ، مما يؤكد صدق تنبؤات رجال المخابرات وكفاءة تمويه المطار
وبعد ثوان من التقاط الانفاس ، توجه احمد وطارق فورا نحو كفر نور لاستطلاع الموقف .
وهناك كان الوجه المخيف للحرب يطل ببشاعه ، فمن الواضح ان الطائرات الاسرائيليه أستخدمت قنابل ثقيله في قصف محيط كفر نور مما ادي الي تهدم العديد من المنازل علي سكانها وإستشهاد العشرات كما كان واضحا من عدد سيارات الاسعاف الكثيرة ، ووقف الاثنان يتابعان في ذهول عمليات اخلاء الضحايا علي مبعده ، ومن وسط الانقاض ظهر محمد يحمل أحد الاطفال الضحايا ويسرع به نحو أحد عربات الاسعاف وقد تلطخ وجهه وملابسه بالدماء وكان يبدو عليه الاعياء التام .
فأندفع احمد وطارق يساعدان في نقل الشهداء والجرحي من داخل حطام المنازل بعد ان زالت صدمتهم من هول المشهد ، وبعد وقت طويل رحلت سيارات الاسعاف حامله الشهداء والجرحي ، ليتحول الكفر للحداد مع تعالي أصوات البكاء والعويل من النساء علي الشهداء حول الانقاض غير مصدقات ما حدث.
وعلي اطراف القريه يجلس الطيارين الثلاث بملابسهم المدنيه المتشحه بالدماء والتراب علي حطام احد المنازل ،الصمت والسجائر المشتعله القاسم الوحيد بينهم ، بينما كل منهم يدور عقله في فلك خاص به وأعينهم تتجول في أسي بين منازل القريه المحترقه والمهدمه ((ذنبهم ايه الناس دول ؟؟؟)) تمتم طارق علي أستحياء وكأنه يفكر بصوت عال ، ولم يرد أيا من زملائه وظلوا في فلكهم الخاص وظل الدخان يتصاعد من سجائرهم ليعانق خيوط الدخان البسيط المتصاعد من الانقاض، الا ان الرد جاءوهم من رجل عجوز يجلس خلفهم ((ذنبهم إننا بنحارب ناس متعرفش دين او رحمه)) فالتفت احمد متفاجئا ليجد ان الرد جاء من عمده القريه والذي تهدم منزله هو الاخر علي عدد كبير من عائلته، فتمتم أحمد بحزن((البقيه في حياتك يا عمده)) لم يرد الرجل علي عزاء أحمد، أنما ردد بعد فترة صمت قول الله تعالي ((ولا تحسبن الذين فتلوا في سبيل الله امواتا، بل احياء عند ربهم يرزقون)) وأنسابت الدموع من عينيه في صمت لتبلل لحيته البيضاء، في هذه اللحظات وصل عمر ومعه بقيه الطيارين ليجدا المشهد البشع امامهم فيصابوا جميعا بالذهول والغضب من حجم التدمير الذي حل بالقريه ، فيتقدم عمر مواسيا العمده الباكي ، فيرد الشيخ بحده ((انتوا هنا بتعملوا ايه ؟)) ينظر الرجال لبعضهم البعض في حيرة من سؤال الرجل المفاجئ ولا يملك اي منهم جواب السؤال ، فيستكمل الشيخ بحده وغضب مكتوم ((هو مش المفروض انكم طيارين ومعاكم طيارات؟؟؟ خلاص محدش هياخد بتار كفر نور الا انتم.... قاعدين هنا ليه؟ )) ينظر الطيارون لبعضهم البعض في حيرة ، الا ان محمد يقطع تلك الحيرة قائلا للشيخ ((وعد مننا يا حاج، اننا هناخذ بتار كفر نور كله وكل شهيد مات النهارده هناخد بتارة من ولاد الكلب)) يتدخل أحمد بعدها ملطفا الحوار ومعتذرا للعمده عما سببه وجودهم بقرب الكفر من موت ودمار ، وهنا ينتفض العمده مطيحا بكل احزانه ومعلنا غضبه غضبا شديدا التفت له كل الرجال المتواجدين بالقرب منهم صائحا ((هوا احنا مش مصريين ولا انتوا بس المصريين ؟؟؟ لا ..كلنا مصريين وزي ما انتوا بتحطوا ارواحكم علي ايديكوا في كل لحظه ، احنا برضه بنحارب معاكم ومش مهم كام واحد مننا يموت المهم نحرر الارض وناخد بتارنا ونرجع نقدر نرفع رأسنا تاني))
ظلت كلمات عمده كفر نور تتردد في عقل احمد طيله الايام التاليه والتي شهدت صراعا بين الطيارين متمثلا في احمد كقائد للسرب وبين قيادته العليا والتي أصرت علي أستمرار ايقاف العمل بالمطار ، فقد حفر تشبيه العمده في مخيله احمد ، فالعمده شأنه شان اي مصري وعربي لم يعد يستطيع ان يرفع رأسه خجلا ومهانه مما حدث ، ودور الجيش هو اعاده رأس مصر لاعلي حيث كانت وحيث يجب ان تكون دائما
وتم نقل الطيارين لاحد المطارات البعيده عن الجبهه للتدريب ومرت عده اشهر والطيارون مازالوا يتدربون في احد المطارات بالصحراء الغربيه بعيدا عن الاشتباكات التي يسمعون عنها يوميا في الاذاعه ، ووسط قيظ حر صيف 1968 والخريف التالي ، ظل الرجال في مطاراهم يتدربون ويكتسبون خبرات من كبار الطيارين المصريين والخبراء السوفيت، وبدون اجازات او راحه واصل الرجال المحاضرات النظريه والتدريبات العمليه.
كان النسر الاصلع اكثرهم حنقا وغضبا من بقيه زملائه ، ووضح ذلك عليه من خلال عصبيته الزائده واحتكاكه الدائم مع المدربين السوفيت الذين كانوا تحت المستوي المطلوب طبقا لكلامه .
وفي احد الليالي الهادئه وصل الدمنهوري فجأه ، فكان ذلك تغييرا في الروتين اليومي الممل ، جعل الرجال يستقبلونه بسعاده بالغه وترقب لاخبار جديده، وبالفعل فقد كان الدمنهوري يحمل اخبارا طازجه جدا تخص النسر الاصلع ، فقد قبل السوفيت بمقترحاته هو وطارق بخصوص تعديلات الميج 21 وكان ذلك في حد ذاته نقله نوعيه لمستوي الطيارين ، وكعادته قابل النسر الاصلع تلك الانباء بفتور متعللا بان السوفيت يومهم بسنه ومن غير المتوقع تطبيق تلك التعديلات سريعا ، لكن الدمنهوري فاجأ الجميع بأن الرئيس عبد الناصر كان في زياره سريه لموسكو وتم الاتفاق علي توريد المحركات الجديده لكي تزود المقاتلات المصريه بها في اسرع وقت ، مما اثلج صدور الرجال كثيرا ، واضاف الدمنهوري بأن المهندسين المصرين قد طوروا كثيرا في الميج 21 وانها اصبحت جاهزة لاستقبال المحركات الجديده لكي تدخل الخدمه .
ومن بين جو المرح الذي اضفاه الدمنهوري علي الرجال بزيارته المفاجئه وهداياه الخاصه المتنوعه للجميع ، تساءل وليد عن اخبار المطار 77 و كفر نور ، ذلك الكفر الذي لم ينساه احد من الطيارين قط منذ تلك الغاره الاخيرة فتبسم الدمنهوري متسائلا اذا كانوا يقصدون الوعد الذي قطعوه علي انفسهم للعمده ، فأومأ الجميع ايجابا في دهشه من معرفه الرجل بهذا الوعد، فأكد الدمنهوري ان الفرصه ستتاح لكل منهم للوفاء بوعده قريبا ، فتساءل احمد مقاطعا عما اذا كانوا سيعودون للمطار 77 مرة اخري ، فأجاب الدمنهوري بالايجاب لكن بعد ان يتسلموا طائرات جديده معدله بدلا من تلك التي سحبت من المطار وكذلك بعد ان يتيقن الجميع من ان الاسرائيلين قد نسوا امر هذا المطار والذي مازالوا يستطلعونه بين الحين والاخر حيث شرح الدمنهوري فكرة اعاده المفاجأه مرة أخري بعد ان يتأكد الاسرائيليين من نجاح غاراتهم السابقه في تعطيل المطار .
مرت عده اسابيع اخري وقارب عام 68 علي الانتهاء ، وقام طياروا السرب بزيارة لاحد المطارات حيث شاهدوا النموذج المعدل من الميج 21 ، وفرح الرجال جدا بالتعديلات التي شملتها الطائرة من حيث وجود خزان وقود اضافي وأماكن لاربعه صواريخ علي الاجنحه
وزادت فرحتهم اكثر عندما علموا بقرب تسلمهم لتلك الطائرة المعدله ، وفورا بدأ احمد يعد طياريه طبقا لكتيب التعليمات الجديد للطائرة - علي التكتيكات الممكنه لهذا الطراز المعدل حيث تضاعف التسليح تقريبا وزاد المدي كثيرا ، مما شكل تطويرا لتدريباتهم
MIG 21 المطوره ويظهر خزان الوقود الإضافي ونقطتين للصواريخ علي كل جناح
في تلك الفترة تلقى احمد تعليمات بنزول جميع طياريه الي اجازة تستمر اسبوعا كاملا بدأ من اول الاسبوع القادم، وكذلك تلقي عمر التصديق علي طلبه المقدم بالزواج مما جعله يطير فرحا بهذا الخبر وشاركه الجميع فرحته ، سرعان ما اتصل عمر بناديه لاعلامها بتصديق الجيش علي طلبه ولكي تعد نفسها في الفترة المتبقيه
ووسط الجو الاحتفالي بعمر ، تقدم طارق عارضا شاليه اسرته بالمعمورة لعمر كهديه زفاف ليقضي فيه شهر العسل ، ولم يترك جمال الفرصه تفوته بتعليق ساخر بأن طارق يعرض شاليه في المعمورة في عز الشتاء والامطار لشهر العسل ، فضحك الجميع وامضوا تلك الليله في الاحتفال بعمر لكن احمد كان مدركا انهم مقبلون علي مرحله اخري في عملهم ، فقد تعودوا علي ان الاجازة الطويله يليها شئ مهم ، خاصه وان تعليمات القياده تنص علي التجمع بعد الاجازه في القياده بالقاهرة.
وبعد ايام كان الطيارون يلتقون في منزل عمر بالعباسيه للاحتفال به وبعروسه ولفت الطيارون الانظار فور دخولهم مجتمعين بزيهم العسكري الانيق وأجسامهم الرشيقه المتناسقه ووسط الاغاني وفرح الجميع بعقد القران، وتنهال علي احمد ورفاقه اكواب الشربات وسط نظرات اعجاب من صديقات ناديه للطيارين وخاصه لمحمد والذي ظل معظم الوقت في الشرفه يتابع الاحداث في صمت ، ويدخل الدمنهوري بملابسه المدنيه حاملا هديه ثقيله في يده لتزداد سعاده الجميع بوصوله ويلتقط طياري السرب صورة تذكاريه لهم مع العروسين بينما رفض الدمنهوري ان يشاركهم وسط دعابات من جمال.
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
وانتهي الحفل سريعا قبل المغرب بقليل ، ليسافر بعدها عمر وناديه الي المعمورة لقضاء شهر العسل هناك ، ورغم بروده الطقس والامطار ،الا ان احساس عمر بالانعزال التام عن العالم مع ناديه فقط كان يعطيه احساس يفوق الوصف من الراحه النفسيه التي هو في أمس الحاجه لها
اول شئ قام به عمر هو فتح هديه الدمنهوري الثقيله الوزن ، وفجأه صدم عمر عندما فتح غطاء العلبه ، فبداخل العلبه كانت ترقد قطعه حديد محترقه وغير محدده المعالم ، وعندما قلبها عمر وجد علي الناحيه الاخري جزء من نجمه داود السداسيه الاسرائيليه ، دار عقل عمر في سرعه ، فكيف عرف الدمنهوري بالمهر الذي طلبته ناديه والذي تعذر عليه الحصول عليه نظرا لان الطائرات التي اصابها او اسقطها كانت تسقط في اراضي العدو ،كانت نظرات الدهشه تملئ ملامح عمر وعقله يعمل بسرعه ، فمن يعرف هذا المهر غير ناديه وطارق وقائده احمد ؟ ولولا دخول ناديه للحجرة وفرحتها بهذه الهديه الغاليه لظل عمر واقفا مذهولا طوال الليل محدقا في قطعه الحديد من جناح الطائرة الاسرائيليه
ورغم كل الحب الذي بثته ناديه في نفس عمر والذي كان بدوره محتاج له الا ان الكوابيس ما زالت تطارده وهو أمر افزع ناديه عده مرات ،عندما شاهدته يصحو مفزوعا كمن يطارده شبح وعبثا حاولت ان تعرف منه بماذا يحلم ، فلم يرد سوي بكلمات غير مفهومه لها مثل ((انت متعرفيش اللي مرينا بيه)) ((الموت كان ورانا وبيطاردنا)) (( محمود والصاوي ماتوا قدام عنيا)) ((ضربونا علي الطريق)) كان العرق يتصبب من كامل جسده وهو يردد تلك العبارات وما يلبث ان يهدأ بعد فترة ويعود للنوم .
اما محمد صلاح فقد وجد نفسه في منزله ببورسعيد بعد ما يقرب من عامين من مغادرته اخر مرة ، فلم يكن امامه مفر اخر يلجأ له فسلم لامر كان يخشاه وهو ان يعود الي المنزل الخالي من اهله ، وقف محمد يشاهد الصور المعلقه علي الحوائط لوالده ووالدته وشقيقيه جمال ومسعد اللذين استشهدا بالاردن في ايام النكسه ، وانسابت الدموع تلقائيا علي وجهه بعد ان ظلت متحجرة طيله عام كامل وظل فترة الاجازه هائما مع ذكرياته العائليه والامه وغضبه
وتمر أيام الاجازة سريعا ، ليتقابل الجميع مرة اخري في مقر قياده القوات الجويه لتلقي التعليمات
وكانت التعليمات مختصرة جدا .........العوده الي المطار السري
التقي الطيارين بالعقيد فريد مرة اخري والذي اخبرهم بأن هناك مؤتمر للطيارين سيعقد في القياده اليوم وبعدها سيتوجه الجميع الي مطار غرب القاهرة لاستلام الطائرات
دخل الطيارين للقاعه ووجدوا انفسهم وسط ما يقرب من مائه طيار من مختلف الاسراب وعلي الفور بدأ المؤتمر والذي انتهي بعد ساعتين تقريبا ، و كان مؤتمرا مثيرا للاعصاب ، فقد تحدث عدد من الخبراء السوفيت عن التطور في الميج 17 والميج 21 والسوخوي 7 كأنهم اصحاب تلك الافكار رغم انها افكار مصريه نابعه من خبرة القتال الفعلي مع العدو ، وتغني الخبراء في تعديد مزايا التطوير والامكانات الفنيه الجديده للطائرات والتي تجعلها تقارب ان لم تكن تتعدي مثيلاتها لدي اسرائيل
كان احمد وطياريه يعلمون ان هذا ليس حقيقي فما زالت هناك فجوة مع اسرائيل تتعلق بالصواريخ الجو جو والتي تزيد كفاءتها عند اسرائيل وتمكن الطائرات الاسرائيليه من ضرب مقاتلاتنا من بعيد ، كذلك مدي الطائرات مازال قصيرا ، لكن احمد تحكم في اعصابه وامسك بيد محمد عندما حاول ان يحاور الخبير الروسي ، وبنظرة صارمه صرف محمد النظر عن مجابهه الرجل ((أصل ما فيش فايده من الكلام مع الناس دي يا محمد)) قال احمد بعد نهايه المؤتمر واستطرد ((هما مقتنعين إن العيب فينا كطيارين مش في سلاحهم ، واحنا دورنا اننا نشتغل بالي تحت ايدنا بس))
كان احمد يقول هذه الكلمات وهو يعلم من قياداته بصواب هذا الرأي ، فالخبراء السوفيت زرعوا روح من اليأس والاحباط بين طيارينا بدعوى عدم كفاءتهم وهنا يبرز دور القاده الاصاغر في تحويل هذا الاحباط الي تحدي فلم يكونوا هؤلاء الشباب يحاربون اسرائيل فقط ، بل يحاربون امريكا التي تمد اسرائيل علي الفور بكل جديد ومتقدم ، ويحاربون السوفيت ليقنعوهم بكفاءتهم ليمدهم السوفيت بدرجه اعلي من السلاح وإن كانت مازالت متخلفه عما تمده امريكا –أسرائيل ، ويحاربون الزمن في التدريب والابتكار للوصول لمستوي عالي من الكفاءة بما هو متيسر لديهم ،وفي النهايه يحاربون اسرائيل بكل ما لديها من عتاد وسلاح.
أوضح وليد ان السوفيت لديهم طائرات اكثر تقدما وموديلات من الميج 21 والسوخوي 7 أكبر مدي واننا لم نسمع عنها اي شئ ودلل علي كلامه بأن التعديلات المصريه قوبلت بترحيب سوفيتي لانها مرت عليهم من قبل وكانت جاهزة عندهم بل ومطبقه لكنهم احتفظوا بها سرا
فيتدخل شريف في الحوار ((ما هوا مش معقول تقولي ان مفيش عند الروس طيارات تقدر توصل اسرائيل من هنا ، بس كل مرة نسأل يقول الخبير ان ده احسن سلاح عندنا))
يتابع خالد الحوار ((المشكله كمان ان اسرائيل بدأت في استخدام صواريخ سباروا علي السكاي هوك ، والكلام ده من نشرات التوجيه الدوريه ، يعني يقدروا يضربوا علينا من مدي 15 الي 20 كيلو واحنا منقدرش نضرب الا من 3 كيلو بس))
يقاطعه محمد (( كلامكم صح ، بس الصاروخ السبارو لما يقرب منك بيكون خلاص انهك المحرك علي المدي ده وأعتقد اننا ممكن نتفاداه بمناورة جانبيه حاده في الوقت المناسب ساعتها ميقدرش الصاروخ يستجيب لها ويضل الهدف))
أحمد ((مش هنقدر نؤكد الكلام ده يا محمد الا لما نقعد مع طيارين اشتبكوا مع الصاروخ وعرفوا امكانياته))
ثم ركب الجميع سيارة كبيرة متجهين الي مطار غرب القاهرة لاستلام طائراتهم الجديده ، بعد ان تأكد احمد من مغادرة الفنيين واطقم الامن الي المطار 77 حاملين معداتهم واجهزتهم الخاصه.
الفصل الثامن: حرب الاستنزاف
وفي نفس اليوم وقبل آخر ضوء بقليل، كانت الطائرات الثمان تهبط فرادي في المطار 77 مرة أخرى ليعود هذا المطار للحياة مرة اخري في ديسمبر 68
وبعد حوالي الساعة هرع احد إفراد الأمن الي احمد مرتبكا ، فعدد كبير من أهالي كفر نور يتقدمهم العمدة قد توافدوا حول المطار حاملين المشاعل وانه ( أي فرد الأمن ) لا يعلم نيتهم بالضبط ولا يمكن لأفراد الأمن منعهم لفترة طويلة نظرا لكثرة عددهم وإصرارهم علي الدخول لمحيط المطار.
خرج احمد تجاه حشد الأهالي عند محيط المطار متحفزا وتبعه بقيه الطيارين ،فوجدوا ما لا يقل عن مئتي رجل وسيده يحملون المشاعل في مظاهرة تنذر بعواقب وخيمة، وفورا اتجه احمد تجاه عمده القرية ، صاح العمدة غاضبا في وجه احمد بدون مقدمات بأنه لا يحق للأمن منعهم من الدخول ، حاول احمد تهدئه العمدة وتلطيف الجو ببعض العبارات عن الأمن وتنفيذ الأوامر ، إلا أن العمدة العجوز صاح في وجهه احمد بأن الأهالي فور رؤيتهم للطائرات تهبط قد تجمعوا واخرجوا ما بديارهم من طعام وحليب ليقدموه للجنود .
ففغر احمد فاه من الدهشة واسقط في يده ، وأحس كل طياري السرب بالإحراج عندما برزت النساء من خلف الرجال يحملن علي رؤسهن شتي أنواع الطعام واللحم وكميات كبيرة من اللبن .
وبلهجة أمره قال العمدة ( يا بني انتوا ولادنا ودي أقل حاجه نقدمها لكم، فلازم تاخدوا الأكل ) كان الرجل مصر اشد الإصرار ومن خلفه رجال الكفر وعلي ملامحهم تبرز الجدية والإصرار ، فقال احمد في إحراج بالغ
( بس يا عمده ده كتير جدا ، وانتوا محتاجين الأكل ده اكتر منا )
ردت احد النساء من خلف العمدة ( ودي تيجي حاجه جنب اللي انتوا بتعملوه ، دانتوا بتشوفوا الموت كل يوم عشان تحمونا )
فأسقط في يد احمد للمرة الثانية ووجد ان إصرار الأهالي اكبر من ان يرفضه وفي حاله الرفض سيتحول الموضوع الي اهانه لهم ولكرمهم ، فشكرهم احمد مع تأكيده بالا يتكرر هذا الموضوع لان لديهم ما يكفيهم ، وحمل الجنود والضباط الطعام وانصرفوا شاكرين ، في حين لم يتحرك أهالي القرية الا بعد ان تأكدوا ان جميع الأكل قد سُلم.
وخلال عودتهم الي المنزل ،قال شريف ( غريبة جدا الناس دي ، باعتين لنا حمام وبط ووز ولبن وكميات رز تكفينا شهر وهما في نفس الوقت محتاجين كل الأكل ده أكتر منا )
يرد خالد ( دول فلاحين يا جماعه ، وده واجب الضيافة عندهم وكان لازم كابتن احمد يقبله من الأول وإلا كانوا عملوها قضيه وزعلوا )
وليد ( بس إحنا لازم نفكر برضه في الناس دول ، إحنا كل يوم بناكل لحمه وفراخ وفيه ناس كتير مش لاقيه تاكل عيش حاف ، سواء في القري هنا أو في المدينة )
فيرد احمد ( إحنا بناكل لحم وفراخ كل يوم فعلا لاننا محتاجين نحافظ علي صحتنا عشان الحرب والناس عارفه كده مضحيه ومقدره والدليل اللي حصل دلوقت ، الناس بتاخذ من فم اطفالها وتأكلنا ، فيه ايه اعظم من كده ؟ ناقصنا ايه بعد كده عشان نحارب ؟)
( ناقصنا الامر بكده ) رد طارق
ويتبعه محمد ( انا لو عليا ، املي طياراتي ديناميت وانزل بيها علي أي مطار عند الكلاب دول وافجرة )
يرد عمر بيأس ( وهتكسب ايه ؟؟ هتموت ونخسر إحنا طيار ممتاز زيك وطيارته وفي نفس الوقت اسرائيل يجيلها بدل الطيارات المدمرة عشرة ، نبقي كسبنا ايه ؟)
وانتهي النقاش عندما وضعت اصناف الطعام علي المائده وخُزن ما فاض وبدأ الجميع في تناول الطعام الشهي.
في اليوم التالي أتخدت الطائرات وضع الاستعدات طبقا للتعليمات ، وتأتي اشارة من القياده بان العقيد فريد والدمنهوري سيحضران ليلا ، وبالفعل اجتمع الرجال مع الدمنهوري والعقيد فريد يستمعان لما لديهم ليقولونه
الدمنهوري ( إحنا داخلين علي مرحله مختلفة عن الأول ، في الأول كنا في مرحله صمود وردع يعني كان لازم نصمد ونعيد تنظيم الجيش وندافع عن خط القناة وتحملنا في المرحلة دي خساير كبيرة بس تأثير المرحله دي علي العدو كان كبير جدا ، فبدؤا يعملوا تحصينات دفاعيه بطول القناه تحت اشراف الجنرال بارليف بنفسه لان اليهود بطبعهم جبناء وقصفنا المدفعي كبدهم خساير كبيرة، أما مرحله الردع اللي إحنا نعتبر لسه فيها اختلف الحال ، فبدأنا في دوريات عبور واستطلاع للعدو ومهاجمه دورياته، وفيه مجموعه من رجال الصاعقة المختلطة مع رجاله المخابرات الحربية بيعملوا عمليات بطوليه خلف خطوط العدو واحنا مسميين المجموعة دي المجموعة 39 ودي لوحدها مجننة إسرائيل، وفي الكام شهر اللي فاتوا لاحظنا من الاستطلاع ان تحصينات الجنرال بارليف بدأت تاخذ شكل تاني في شكل خط دفاعي حصين واستعملوا قضبان سكه حديد غزة وحجارة لتغطيه أسقف الدشم دي ، ومن ورا الخط الدفاعي ده حطوا عدد من سرايا الدبابات لدعم أي نقطه تتم مهاجمتها)
محمد مقاطعا ( ياولاد الحراميه، تبقي ارضنا ويثبتوا نفسهم فيها ؟ دول مش ناويين يطلعوا منها ؟)
المنهوري ( لا يا محمد مش باين لهم خروج منها ، عشان كده الريس لما قال ان اللي اتاخذ بالقوة لازم يرجع بالقوة كان عنده حق ، اما الجديد كمان علي الجبهة انهم بدأوا يحطوا بطاريات صواريخ هوك ارض جو في المحاور الحيوية ودي صواريخ متطورة جدا ، وكمان طوروا مطار المليز وبقه اسمه رافديم وطوروا عدد تاني من المطارات وعملوا طرق جديده مرصوفة كويس لتحركات قواتهم ،لكن اللي يهمكم فعلا ان فيه طيارين اسرائيلين هيسافروا امريكا عشان ياخدوا دورة في الفانتوم ويرجعوا بيها طايرين، بس ده مش قبل سنه تقريبا )
طارق وقد تعالي اندهاشه ( طايرين بيها من أمريكا ؟؟ ازاي ؟؟)
العقيد فريد ( احنا لسه معندناش معلومات مؤكده عن امكانات الفانتوم لكن هنتكلم النهارده عن امكانيات السكاي هوك ومقارنتها بالميج 21 المعدله اللي معاكم ، واول ما نجيب مواصفات الفانتوم هنبلغكم بيها علي طول )
أحمد ( والسكاي هوك دي اخبارها ايه ؟)
فقام العقيد فريد ووضع علي طاوله الاجتماعات صورا عديده للطائرة سكاي هوك بالالوان الاسرائيليه
اول تشكيل سكاي هوك إسرائيلي
ثم أستطرد العقيد فريد ( السكاي هوك مصممه اصلا للعمل فوق حاملات الطائرات كقاذفه بحريه خفيفه ، لكن قدرة المناورة عندها تخليها مقاتله كويسه برضه ، سرعه الطيارة 1.1 ماخ (الماخ هي وحده قياس سرعه الصوت) وهي محمله مقارنه بـ 1.5 ماخ للميج 21 عندنا ، اما حموله الطائرة فهي اكبر من ضعف الميج 21 فحمولتها تصل الي 3700 كيلو جرام مقارنه بـ 1500 كيلو جرام للميج 21 وده معناه ان الميج 21 وهي محمله بالصواريخ وضعها افضل بكثير من السكاي هوك وهي محمله لان مناورتها بتقل طول ما هي محمله ، اما بخصوص المدي فهو 3300 كيلو متر بخزانات إضافية وعلي ارتفاع عال مقارنه بـ1800 كيلو للميج المعدله )
كان جميع الطيارين يدونون ما يقال في تركيز عال وتساءل خالد عن تسيلحها ، فاجاب العقيد فريد شارحا علي المخططات التي امامهم (السكاي هوك فيها خمس اماكن لتحميل الصواريخ والقنابل وتسليح الاعتراض الجوي الاساسي هو الصاروخ السايدوندر والصاروخ سباروا وفيه اجهزة الكترونيه لتوجيه الصواريخ والرصد)
فتساءل شريف عن كيفيه التصدي لتلك الطائرة ونقاط القوة والضعف ، ولمده ساعتين انهمك الرجال في سجال مع العقيد فريد في مناقشه تلك الطائرة وامكاناتها وكذلك الخبرات السابقه المنقوله من السوفيت والفيتناميين الشماليين في معاركهم مع تلك الطائرة، وانتهي الحوار مع العقيد فريد بوضع تصور لأحسن اسلوب لمواجه تلك الطائرة بناء علي المعلومات المتاحة وفي نفس الوقت شدد العقيد فريد علي تقليل عدد الطائرات في المهمه الواحده نظرا لحساسية الموقف، وتدخل الدمنهوري (مطاركم معرض للكشف في اي لحظه بسبب وجود سوابق ناجحه لكم مع العدو فهو حاططكم تحت المنظار، فلازم تكونوا مستعدين للتحرك لاي مطار تاني في اي وقت، بس المعلومات اللي عندنا بتقول انه متخوف من محاوله ضربكم هنا تاني بعد ما ضرب كفر نور غلط ، التدريبات هتكون في اضيق الحدود والطيران علي اقل ارتفاع ممكن لتفادي كشف العدو لكم، لاننا شاكين في رصد طائراتنا، فكل مرة نطلع طيارة تلاقيه مطلع اتنين يعني هوا كاشف مطاراتنا ، ازاي ؟؟ لسه منعرفش ، ممكن جواسيس او رادارات لسه منعرفش لكن اللي نعرفه كويس انكم لازم تحققوا المفاجأه تاني وتعترضوا طياراته في مكان وزمان هوا مش متوقعه )
أحمد ( طيب ازاي هوا كاشفنا بالطريقه دي ونقدر نفاجأه ؟؟؟)
العقيد فريد ( احنا متوقعين ان العدو يكثف هجماته الايام الجايه ضد مواقع الصواريخ خصوصا علي الجبهه، وهيكون عامل حسابه لطيران باقي القواعد الجويه لكن مش عامل حسابكم خالص، عشان كده احنا محتاجين نفاجأه تاني من حيث لا يتوقع)
طارق ( طيب واخبار الدفاع الجوي ايه ؟؟)
الدمنهوري ( احنا دخلنا الجبهه عدد من كتائب الصواريخ سام 2 عشان تحمي المطارات وكمان بقدر الامكان تحمي اكبر عدد من الوحدات البريه كمان ، بس مقدرش اقول ان الدفاع الجوي وقف علي رجليه لسه عشان كده احنا معتمدين علي الطيران مع الدفاع الجوي لصد هجمات العدو بس لما الدفاع الجوي يقف علي رجليه هتقدروا انتوا تستريحوا )
العقيد فريد متداخلا ( حمايه قواعد وتحصينات الدفاع الجوي اللي لسه بتبني اولويه قصوي للقياده) الدمنهوري ( انتوا داخلين علي ايام صعبه جدا ، فلازم تكونوا جاهزين جدا )
ثم تبسم قائلا ( وبلاش تتقلوا في الاكل زي امبارح بليل )
فضحك الجميع من دعابه الدمنهوري
مر شهري يناير وفبراير علي الرجال في سكون تام ، فلم يتم عمل طلعه واحده من المطار وإن حافظ احمد بصعوبة علي كفاءة الطيارين بعمل تدريبات أرضيه شاقه بهدف الحفاظ علي أزمنه الإقلاع والهبوط
في تلك الفترة وعمل الطلعات اللازمة من مطار إنشاص ،وبعد موافقة القيادة تم إنزال مستوي الأمن حول المطار ، فتم السماح للسيارات المدنية بالمرور علي الطرق الموازية للمطار والتي تمثل الممرات ، كما تم السماح لأهالي القريه بالمرور في قلب المطار ، وكان ذلك في حد ذاته خداع لأي استطلاع قد يقوم به العدو مع الالتزام بعناصر الأمن بالاستعداد لإغلاق الطرق في اي لحظه ،بينما تم زيادة مستوي تمويه الطائرات داخل المطار وكان ذلك بناء علي خطه وضعها احمد مع الدمنهوري في يناير 1969، تحسبا لأي عملاء للعدو، يحاولون رصد المطار.
في تلك الفترة كانت الاشتباكات الجوية قد خفت حدتها قليلا مع ورود معلومات بزيادة تحصينات خط بارليف علي شاطئ القناة مما كان يصيب الرجال بإحباط بالغ.
وفي اول مارس 1969 صدرت الأوامر للسرب بالاستعداد لتنفيذ أي مهام ، وكانت اشاره غامضة لأحمد فهم في الحقيقة علي اعلي استعداد والقيادة تعلم ذلك بالفعل فما سر تلك الإشارة ، وفي اليوم التالي مباشرة جاءت اشارة مشفرة باستعداد السرب كاملا للمعاونة ، فتم وضع جميع الطائرات في اقصي درجات الاستعداد منذ اول ضوء ، ومن داخل كبائن الطائرات أستمع الطيارون للاشارات اللاسلكيه من القواعد المختلفه
وقرب الظهر وضح جليا ان هناك نشاط مكثف في الجو ، فطائراتنا القاذفه تتجه لقصف وحدات العدو
كانت تركيز الرجال مع الاشارات المختلفه من الطيارين ، بينما ايهاب علي الارض مواجهاً لجهاز اللاسلكي منتظرا اي اشارة بالاقلاع .
أستمع الرجال لطيارينا وهم يهاجمون تجمعات مدفعيه العدو ودباباته علي الشاطئ الشرقي للقناه في عنف وتركيز شديدين وبلاغات قاده التشكيلات باصابات العدو المتواليه ، لكن ما شد انتباه احمد هو هجوم يقوم به تشكيل سوخوي بمهاجمه مركز للعدو فوق جبل ام خشيب وهي اعلي قمه في جبال سيناء علي المحور الاوسط .
كان قائد التشكيل يتحدث عن اصابه مباشرة للهدف بينما القياده تلح بمعاوده الهجوم مرة اخري علي غير العاده ،في نفس الوقت افادت الرادارات المصرية بإقلاع طائرات العدو ، بينما عادت طائراتنا جميعها بعد تنفيذ مهامها كان هذا التشكيل مازال فوق الهدف .
أحس محمد بأن الامر سيصدر لنجده هذا التشكيل ، الا ان الامر لم يصدر بعد فتابع طياروا السرب 77 بلاغات قائد التشكيل الذي افاد بأنه قد انهي مهمته وانه عائد لقاعدته باقصي سرعه.
وبينما بلاغات غرفه العمليات تبلغه باقتراب تشكيل معادي من مؤخرته وان طائرات التعزيز في الطريق
وقتها توقع احمد ان يصدر لهم الامر بالاقلاع لتغطيه الانسحاب ، فتابع في تركيز بلاغات قائد التشكيل
الذي أقترب باقصي سرعه من القناه ، وفجأه سمعوا قائد التشكيل ينبه طيار أخر صائحا ( طيارتك مولعه يا عبد الباقي – نط منها ) أحس طارق بأن الزمن توقف به وهو يستمع لتلك المحادثه ، فطيار زميل لهم علي وشك الموت او أسره في تلك اللحظات ..... ثم تلي ذلك فترة صمت لاسلكي
ثم ظهر صوت قائد التشكيل يسأل طياريه هل رأي أحدهم مظله عبد الباقي ، ولم يكن هناك رد بالإيجاب من باقي التشكيل ، فجأه تنسحب طائرات العدو بعد ظهور طائرات التعزيز التي اقلعت من مطار القطاميه ووصلت لسماء المعركه قرب القناه ، فيتساءل قائد التشكيل مرة اخري هل رأي احد مظله عبد الباقي ، فيأتي صوت احد الطيارين بالايجاب وانه رأه يقفز بالمظله ، ليتنفس الجميع الصعداء
ويمسح احمد قطرات العرق التي تصببت بشده وهو يستمع لتلك المحادثات المتوترة فهو يجلس في طائرته لا حول له ولا قوة ويتمني مثل طياريه ان يصدر الامر بالاقلاع ..
ومر اليوم بدون أن يصدر الامر بالاقلاع للسرب
وليلا يجتمع الرجال حول الراديو ليستمعوا لخطاب الرئيس عبد الناصر الذي اعلن فيه بدء صراع جديد يهدف لاستنزاف طاقات العدو وتكبيده اكبر خسائر ممكنه، لٌيشحَن الرجال مرة اخري بقوة كلمات عبد الناصر المتحديه ، فلا استسلام فقط قتال حتي تحرير الارض او الموت
وفي الايام التاليه تشهد الجبهه المصريه اعنف قصف متبادل من المدفعيه البعيده المدي ، وينام الرجال ليلا وهم يسمعون الانفجارات من بعيد تهز الارض تحت اقدامهم وتتوتر الاعصاب يوما بعد يوم وخاصه اعصاب محمد الذي اصبح وجوده علي الارض صعبا خاصه بعد اشتعال المواجهات الجويه
الا ان تعليمات القياده للسرب كانت بالالتزام بضبط النفس ،وفي التاسع من مارس ليلا تصل اشارة الي المطار تنعي الفريق عبد المنعم رياض رئيس الاركان في نقطه المعديه رقم 6 وهي اقرب نقاط المواجهه اثر قذيفه مباشرة ، فعم الوجوم والحزن وجوه الجميع وانزوي احمد حزينا علي هذا الرجل الذي ظهر معدنه القيادي الاصيل في لقاءته القليله مع الطيارين بعد النكسه ، فقد كانت خسارة كبيرة لمصر بكل المقاييس
وبعد يومين غادر عمر المطار مندوبا عن السرب لحضور الجنازة ، وفي قلب العاصمه تجمع الملايين من شعب مصر أيضا لحضور جنازة ذلك البطل ، ووسط حشود اقل ما يقال عنها انها رهيبه وقف عمر ببذلته الرسميه ضمن وفد القوات الجويه ، ومع أنتهاء صلاه الظهر يبدأ موكب الجنازة يتقدمه الرئيس عبد الناصر، وما هي الا خطوات قصيرة الا ويذوب الرئيس وسط جموع البشر ويغيب عن انظار عمر ، وتتحول الجنازة الي ملحمه شعبيه فهتف الملايين ( بالروح بالدم نفديك يا شهيد ) ليهتز وجدان عمر من جلال الهتاف يعقبه هتاف اخر ( هنحارب – هنحارب ) لتأكيد وحده الشعب مع الجيش ، وهيهات حاول عمر ان يلمح الرئيس مرة اخري الا ان الرجل ذاب وسط جموع البشر بدون حراسه او رسميات ليندمج وسط شعبه في تشيع جثمان اعلي رتبه لشهيد مصري في هذه الحرب المريره.
مضي علي السرب ما يقرب من ثلاث اشهر لم يقم فيها بطلعه واحده منتظرا الاوامر بعمل الكمين المناسب لطائرات العدو والتي لم تقترب من منطقه الكمين بعد ، ومع فشل نظريه الكمين ووجود ضغط علي القياده من الطيارين برغبتهم في مشاركه زملائهم في العمليات ، يتم اعطاء أحمد الامر بحراسه سرب ميج 17 من مطار إنشاص اثناء تنفيذه مهمه قصف لموقع صواريخ هوك ، ويشتعل الحماس بين الطيارين عندما يعود احمد من مطار ابو صوير حاملا تعليمات العمليه ،ويشتعل الحماس بكل من في المطار مرة أخري ، ويلاحظ اطفال كفر نور الحركه المفاجئه بالمطار فيتجمعون للمشاهده من بعيد .
وفي نفس اليوم يقلع عدد من طائرات السرب قبل الغروب بنصف ساعه وسط تهليل سكان كفر لنور لكل طائرة تقلع ،وتحت قياده احمد انضم التشكيل المكون من محمد ووليد وطارق الي تشكيل الميج 17 غرب القنطرة علي ارتفاع منخفض ،وعلي الارض ينتظر عمر وخالد وشريف وجمال لتعزير موقف احمد اذا دعت الضرورة ،ويتجه التشكيل شرقا تجاه بطاريه الهوك علي المحور الشمالي علي ارتفاع منخفض، وتعبر الطائرات القناه ليشاهد احمد وزملائه سيناء وما تم فيها من تغييرات كبيرة منذ اخر مرة رأوها ، فهناك الان ساتر عال من الرمال يحجب القوات الاسرائيليه عن المصريه ومن بعده دشم حصينه يرتع حولها الجنود الاسرائيلين في امان.
طبقا للمخطط فان قائد سرب القاذفات سيخترق الغطاء الراداري الإسرائيلي علي ارتفاع منخفض جدا وقرب الهدف سترتفع الطائرات جميعها لعمل هجوم علي الموقع بينما ينتظر تشكيل احمد خارج منطقه الهجوم للحمايه من اي تدخل جوي معادي، وبالفعل يتم الوصول للهدف ببراعة تامة ومفاجأة للعدو ، ويتم قصف احد القواذف وأحد الرادارات ، لكن فوجئ الجميع بقصف مدفعي معادي ضد طائراتنا عند ارتفاعها لعمل دورة اخري لقصف بقيه القواذف ،وطبقا لتقارير المخابرات فلم يكن من المفترض تواجد تلك المدفعية المضادة للطائرات والتي نجحت في اصابه طائرة ميج 17 فأنسحب الطيار بها بعد ان تخلص من حمولته
مخلفا وراءة ذيلا من الدخان الأسود ، وعلي الأرض أستمع عمر لنداءات الطيارين لبعضهم البعض في صمت وتركيز وعقله يدعو للجميع بالسلامة.
مازال تشكيل الميج 17 يحاول ان يخترق الستار المعادي وقصف الهدف وسط القصف المعادي الكثيف ،لكن طائرات التشكيل تقابل بنيران مركزه في كل مرة تحاول الاختراق، وتصدر الاوامر بانسحاب الطائرات بعد ان أفاد قائد التشكيل بصعوبه الاختراق وتعرض طائراته لنيران شديده، ويبدأ أحمد في حمايه مؤخرة الميج 17، يلاحظ محمد عدم ثبات احد طائرات الميج اثناء الطيران في التشكيل وشرودها، ويتم النداء علي الطيار بدون رد ، وبينما الطائرات تنسحب شرقا ، يتقدم محمد لمعرفه ماذا حل بطيار الطائرة القاذفه.
فيبلغ محمد – أحمد بأن غطاء الكابينه غير موجود وان الطيار قد انزل مستوي الكرسي ليتفادي الهواء المندفع في وجهه ،لذلك فأن الطيار لا يري شيئا امامه ويحاول الحفاظ علي اتجاهه بواسطه باقي طائرات التشكيل التي يستطع رؤيتها ، وان الطيار اشار اليه بأن اللاسلكي لا يعمل ايضاَ، كذلك واضح أثر تطاير الشظايا المعاديه علي مقدمه الطائره .
كان وضع حرج تابعه الجميع سواء في الجو او علي الارض فبينما طار محمد قريبا لهذا الطيار فأن باقي التشكيل اتخذ طريقه كلَ الي قواعده سريعا ، فقد اقترب غروب الشمس وسيكون من المستحيل الهبوط الليلي ، ويستأذن محمد – أحمد بأن يظل مع الطائرة المصابه لمعاونتها علي الهبوط ، ويوافق أحمد بسرعه مذكرا محمد بأن ضوء النهار قد قارب علي الزوال .
وعلي الفور يرتفع محمد قليلا واضعه نفسه كبوصله للطيار الاخر الذي فهم ماذا يريد محمد منه، وبلغ القلق مداه بالجميع حتي احمد الذي كان قد هبط بالفعل خلف تشكيله ،وظل في طائرته وسط الاشجار يستمع الي بلاغات محمد في قلق.
أقتربت الطائرتان من ممر قاعده إنشاص وتم الاذن لهما بالهبوط ، ليتخذ محمد جانب الطائرة المصابه أعلي قليلا حتي يتسني للطيار رؤيته بوضوح وتقليده ، وانزل محمد عجلات الهبوط ليقوم الاخر بذلك ، وتبدأ السرعه بالتباطئ تمهيدا للهبوط.
لم يكن موقفا سهلا علي محمد بكل تأكيد ، فمن المفروض انه ينظر امامه لكي يقوم بهبوط سليم ومناسب ، لكنه وجد انه مجبر علي الرؤيه الي جانبه معظم الوقت لكي يتأكد من تنفيذ زميله لتعليماته سواء بالاشارة او بتقليده والا فأنه سيهبط خارج الممر تماما، انه اشبه بمحاوله رجل اعمي ادخال مفتاح في ثقب باب من المرة الاولي لانه ليس هناك مجال لمحاوله اخري او للخطأ
وعلي اول الممر تصطف عربات الاطفاء والاسعاف تحسبا لهذا الهبوط الاضطراري ، ويتابع قائد المطار من اعلي برج المراقبه ظهور الطائرتين من بعيد ، مازالت الميج المصابه غير مستقرة رغم انزال العجلات وتقليل السرعه ، فطيار الميح عينيه مع محمد وطائرته لتنفيذ الهبوط وقد تقاربت الطائرتان من بعض بدرجه دعت ضابط برج انشاص أن يحذر محمد عده مرات، ويحبس الجميع انفاسه في ترقب، وتعدت الطائرتان أول الممر ومازالت تقتربان من الارض ببطء حتي لامست الميج المصابه الأرض فتنفس الجميع الصعداء ، ويشير محمد لزميله بأنه هبوطه سليما ، فيرد الاخر سعيدا بتحيه عسكريه لمحمد والذي بدورة زاد من سرعه طائرته ورفع العجلات وارتفع عائدا لمطارة ، بينما كل من يتابع الموقف يحمد الله علي سلامه هذا الطيار، وفور تنفس احمد الصعداء أنتفض من طائرته فقد بدأ الليل يرخي ستارة ولن يستطع محمد الهبوط بدون ان يري الممر .
فأمر احمد الرجال بسرعه اشعال النار في عدد من الصناديق الخشبيه من مخلفات قطع غيار الطائرات وتحديد الممر لمحمد لكي يراه من السماء .
وعلي أطراف كفر نور، جلس العمده ومعه عدد من الرجال يفترشون الارض حوله يتحدثون في امور الكفر واحوال الناس فيه ، التفت العمده الي رجل يجلس بجوارة متسائلا ( الولاد كلهم رجعوا ؟؟)
يرد الرجل ( لا يا عمده – فيه واحد لسه مرجعش )
فينظر العمده تجاه غابه الاشجار ( ربنا يرجعه بالسلامه ويحميهم )
في هذه اللحظه تمرق طائرة محمد فوق الرؤس مصحوبه بدوي يصم الاذان
فيبتسم العمده سعيدا بأكتمال عقد الطيارين ويحمد الله ، الا ان احد الرجال الجالسين علي الارض تساءل
(وده هينزل ازاي يا عمده والدنيا بقت ضلمه؟؟، هوا ينفع ينزل في الضلمه يا عمده ؟؟؟!!!! )
ها هو موقف صعب اخر يتعرض له محمد في نفس الوقت الذي بدأ فيه الدوران حول المطار لكنه لا يستطيع تبيان حدود الممر من جراء الظلام كذلك ليس من المقبول ان يقوم بالاتصال بقائده علي الارض ليرشده للهبوط كي لا يلتقط العدو الاشارة ، فكان هبوطا اعمي بكل معاني الكلمه ، وفور دورانه لمح اربع مشاعل علي الارض ، لم يستطع الرجال اشعال صناديق اكثر في ذلك الوقت الضيق لعدم وجود شئ يسهل اشعاله ، فيمر محمد بطائرته فوق تلك المشاعل بدون ان يهبط فهو يريد ان يحدد ما تمثله تلك المشاعل هل بدايه الممر ام ماذا ، ومره اخري لم يستطع ان يحدد شئ، فيبدأ في الدوران مرة اخري متابعا عداد الوقود الذي وصل للصفر تقريبا، وعلي الارض كان الجميع يعرف ما يعانيه محمد ويعرفون سوء الوضع وقله حيلتهم الا ان الحل جاء من كفر نور فبينما احمد يتحرك بين جنوده غاضبا باحثا عن اي شئ يصلح لاشعال النار فيه فاذا بحشد من رجال كفر نور يتقدمهم العمده يهرولون علي المطار حاملين المشاعل في مشهد عظيم الجم الالسنه وسط دهشه عمر وطارق وبقيه افراد المطار، لم يفكر احمد في شئ الا انه اسرع تجاههم وبدأ في وضع الرجال علي جانبي الممر الصغير في سرعه وساعده بقيه الطيارين والفنيين .
ووسط قلق بالغ من محمد يتوقف محرك طائرته اثناء الدوران الاخير ، وعبثا حاول ان يدير المحرك مرة اخري لكن من الواضح ان الوقود قد انتهي تماما، ويلحظ محمد الممر فجأه مضاء امامه بالمشاعل ، فقرر ان يأخذ المجازفه ويهبط مهما كانت النتائج .
ومع تلاشي سرعه الطائرة يضع محمد طائرته وسط صفي المشاعل ويهبط تدريجيا حتي يلامس الارض ببطء وعينيه تستغرب في دهشه ، فمن هؤلاء ومن اين اتوا؟؟
وفور هبوطه توقفت الطائرة في منتصف الممر ، يهبط محمد وسط الاهالي الفرحه بسلامته
ومازال محمد مستغربا من حضورهم يلتفت يمينا ويسارا ، وفورا يبدأ الفنيين في دفع الطائرة داخل الاشجار ويعاونهم الرجال بسرعه، فأحتضن أحمد عمده القريه فرحا بمشاركتهم الجليله لانقاذ محمد ، ويرد الرجل بتواضع (رجاله الكفر بيعدوا كل طيارة طالعه ونازله عشان نتطمن عليكم اول بأول ، ولما شفنا محمد بيه نازل بالليل قولنا لازم ننور له الطريق ، دا أقل واجب منا ليكم ، المهم انكم تدوا الكلاب علقه في كل مرة) فتبسم احمد ورافق العمده حتي مشارف القريه وودعه
وبعد ساعه كان الرجال يقدمون تقريرهم المكتوب لاحمد ، و يجتمع الطيارين لمناقشه احداث اليوم الحافله وتقييم الاداء، ورغم ارتفاع معنويات الطيارين وفرحتهم الا ان محمد وطارق كانوا غاضبين اشد الغضب
(ازاي قائد تشكيل الميج 17 يرجع من غير ما يضرب الهدف، ده كان خايف ولا ايه ؟ انا مكنتش مصدق انه راجع ومعاه قنابل وصواريخ !!!) قال محمد في عنف
عمر (ما انت شفت المدفعيه المضادة الاسرائيلي كانت عامله ازاي ، ده مكنش فيه مكان يقدروا يعدوا منه خالص )
أحمد مستكملا ( ثم التعليمات جت لقائد التشكيل بالانسحاب ، وده امر ولازم يتنفذ )
سكت محمد كاتما غيظه من عدم تنفيذ المهمه علي الوجه الاكمل ، الا ان الجميع اثنوا علي اداء محمد مع الطيار المصاب وبراعته في توجيهه وبراعته ايضا في الهبوظ في الظلام .
في اليوم التالي وصل خطاب شكر للسرب من سرب القاذفات بمطار إنشاص لمساعدتهم في عوده الطائرة المصابه ومعاونتهم في القذف.
ثم مر يومين هادئين وتلي ذلك أمر عمليات لحمايه تشكيل ميج 17 سيقصف نفس الهدف المُعادي الا وهو بطاريه صواريخ هوك علي المحور الشمالي جنوب منطقه رمانه .
في ذلك اليوم أستقر أحمد رغما عنه طبقا لتعليمات القياده علي خروج عدد اخر من الطيارين بدلا ممن نفذوا المهمه السابقه لاعطاء الفرصه لاكبر عدد من الطيارين في اكتساب خبرة العمليات اللازمه
فأقلع عمر كقائد لتشكيل يضم جمال وخالد وشريف ، كانت المهمه هي حمايه ثمان طائرات قاذفه ميج 17 في اداء مهمتها ، وظل احمد رغما عنه علي الارض مع طارق ومحمد ووليد مستعدين للمسانده
، وتم اختيار اول ضوء لتنفيذ المهمه في الثالث من أبريل عام 1969 ، لكن المهمه تأجلت عده مرات بسبب الضباب الكثيف، حتي وصل موعد الاقلاع الي العاشرة صباحا ، وبينما اهالي كفر نور في الحقول يعملون ويزرعون والاطفال يتابعون تحركات الطائرات، مرقت اربع طائرات علي التوالي فوق الرؤوس محلقه في السماء ، وسط تحيات الاطفال ودعاء الكبار
أستمع احمد ورفاقه علي الارض الي اشارات برج المراقبه للتوجيه تجاه الهدف بعد الالتقاء مع تشكيل القاذفات.
عبرت الطائرات القناه علي ارتفاع منخفض تجاه الشمال الشرقي حيث تم اختيار نقطه يمكن الاختراق منها الي بطاريه الصواريخ بدون التعرض للمدفعيات الكثيفه .
وفور عبور القناه افاد موجه مطار ابو صوير بأقلاع طائرات معاديه ، وعلي الفور تم تبليغ احمد بالاستعداد ، فتحركت طائرات التعزيز لاول الممر.
قائد تشكيل القاذفات أعطي اوامرة لطياريه بالاستمرار تجاه الهدف بينما صدر الامر لعمر من ضابط توجيه ابوصير بالالتفاف ومقابله طائرات العدو ، فأنفعل احمد بشده فيجب ان يظل عمر قرب القناه والا يتورط في العمق ، لكن عمر نفذ التعليمات وبعد ثوان جاءت تعليمات اخري من مطار ابو صوير لتشكيل عمر بالانسحاب بعد ان قام تشكيل القاذفات بتدمير الهدف وتنفيذ المهمه وإن كان قد خسر طائرتين بفعل المضادات المعاديه
في غمرة توتر احمد ورفاقه علي الارض من بلاغات مطار ابو صوير باقتراب طائرات العدو من تشكيل عمر بمسافه 30 كيلو ثم 25 أصدر عمر امرة بالقاء خزانات الوقود الاحتياطيه لاكتساب سرعه اكبر وبعد ثانيه سمع احمد صوت جمال يصرخ في فزع (الخزان موقعش – الخزان موقعش) دلاله علي عيب فني ادي لعدم سقوط الخزان الاضافي مما يعني تباطئ سرعته عن زملاءه ولحاق العدو به ، افاد مطار ابو صوير بأن طائرات العدو أربع طائرات وانها علي مسافه عشرين كيلو ، في نفس اللحظه صدر الامر لاحمد بالاقلاع ، واثناء اقلاع التعزيز سمع احمد صوت جمال يصيح ( انا انصبت – انا...) ...... ثم سكت الصوت فبدأ عمر بالنداء علي جمال بدون رد ، وبعد ثوان أصيبت طائرة شريف بصاروخ وهي ضمن التشكيل بجوار عمر وأشتعلت فيها النيران جراء اصابتها بصاروخ ، وسادت الدهشه ملامح عمر وخالد.
أسرع تشكيل أحمد منقضا بأكبر سرعه ممكنه تجاه تشكيل عمر العائد بسرعه ، سمع أحمد صوت عمر يسأل عن مدي الطائرات الاسرائيليه فتلعثم ضابط توجيه بمطار ابو صوير ثم قال 8 كيلو !!!
بينما تشكيل احمد ما زال علي مسافه 30 كيلو، قدر عمر الموقف وهو مذعور من عدم تنبيه ضابط التوجيه لهم بتقلص المسافه لتلك الدرجه الخطيرة ، وأمر خالد بدوران حاد للخروج من مدي الصواريخ المعاديه ، وفور بدءه عمل الدوران أنفجر صاروخ أخر قرب طائرة عمر ، فأصابت شظايا الانفجار الذيل اصابه بالغه جعلت تحكم عمر في الطائرة صعبا جدا وبدأت الطائرة تهوي به، وبصوت هادئ فاتر قال عمر ( انا إنصبت – مش قادر اتحكم في الطيارة بسهوله )
رد احمد فورا ( سيطر علي الطيارة يا عمر – انت قرب القنال – حاول تعدي ونط بعد كده )
عمر ( انا شايف القناه بس الطيارة بتفقد ارتفاع بسرعه ومش قادر اوازنها كويس )
تدخل محمد ( اصمد يا وحش – احنا قربنا نوصل )
بدأ احمد النداء علي خالد الذي لم يرد عليه فزاد احمد من سرعه طائرته للقصوي وطلب توجيهه لاعتراض طائرات العدو ، فبدأ ضابط التوجيه يوجهه للاعتراض ، في ذلك الوقت طلب طارق الانفصال لمتابعه عمر الا ان احمد رفض مبلغا اياه بحتميه تأخير طائرات العدو ، افاد ضابط التوجيه بأنحراف طائرات العدو تجاه الجنوب ، مما يعني ابتعادها عن عمر قليلا ، في تلك اللحظه كانت طائرات تشكيل احمد تعبر القناه تجاه الشرق وعمر يٌُبلغ بانه علي وشك عبور القناه تجاه الغرب وانه سيقفز فور عبورة القناه.
طلب احمد الافاده من مطار ابو صوير بوضع طائرات العدو ، فأفاد بانها مازالت تتجه جنوبا
(دول عايزين يسحبونا وراهم) قال طارق بعد فترة صمت وصدق محمد واحمد علي كلامه
فأمر أحمد التشكيل بالدوران والعوده تجاه الغرب للاطمئنا علي عمر (اخبارك ايه دلوقت يا عمر ؟؟؟)
سأل طارق، ولم يات اجابه فواصل تكرار السؤال وبدون ان يأتيه رد (حدد مكان الميج المصابه ؟؟)
أحمد سائلا ضابط توجيه ابو صوير ، فقام الضابط بتحديد أخر مكان لها واتجه له احمد وزملائه ،
(عمود دخان تجاه اليسار) صاح وليد والذي كان صامتا معظم الوقت، وعلي الفور اتجه الجميع تجاه عمود الدخان الاسود الناتج من تحطم طائرة عمر ، وقرب حافه القناه كانت الطائره تشتعل وسط الاشجار .
( مش باين اذا كان عمر نط ولا لأ) قال محمد ، ورد وليد (بإذن الله يكون بخير) بينما أحمد وطارق في قمه الوجوم والاحباط ، فقد خسر أحمد ثلاث طيارين حتي الان ويريد ان يطمئن علي عمر ، وبعد دورتين حول الحطام المشتعل تأتي الاوامر بالعوده للمطار سريعا .
وطوال الطريق نادي احمد علي خالد اكثر من مرة بدون رد ، فأيقن انه أصيب هو الاخر .
عادت الطائرات ونزل الطيارين صامتين، وفوجئ أحمد بطائرة من طائرات السرب تقبع وسط الاشجار، فجرى ومعه وليد مستطلعين الامر، ليفاجئوا بخالد مشتبك مع احد الفنيين يريد ان يفتك به في غضب، فتدخل احمد بحده فاضا الاشتباك، كان خالد مشتبك مع احد فنيي طائره جمال محملا اياه مسئوليه استشهاد جمال بسبب عدم دقه عمله واهماله، فتدخل أحمد ونزع خالد من الاشتباك وانزوي به صائحا
(خلاص اللي مات مات واللي انت بتعمله ده مش هيرجع جمال او شريف او عمر ، أمسك نفسك يا حضرة الضابط شويه احنا في حرب يعني ممكن كلنا نموت مش جمال بس، ومفيش قوة في الدنيا تقدر ترجعهم)
ثم دفعه من كتفه في حده (أتفضل علي طيارتك ، عايزها تكون جاهزة في عشر دقايق ، أحنا مش بنلعب احنا في حرب)
كانت هذه هي المرة الاولي لكل من في المطار التي يرون فيها احمد بمثل هذا الانفعال والحده والعنف مع طياريه وبينما سار وليد بجوارة وهو يدمع في صمت ، يحضر رئيس الفنيين ويسأل احمد كعادته عن بقيه الطائرات ، ويرد احمد في الم وحزم بصوت عال (محدش راجع تاني) ليصاب جميع الفنيين بصدمه رهيبه يتلوها صمت رهيب ، يستكمل بعدها أحمد موجها حديثه لرئيس الفنيين ( خلي رجالتك يشوفوا شغلهم احسن من كده ) فيصمت الرجل في وجوم ، و يدخل احمد غرفته ويغلق الباب علي نفسه صامتا حزينا اشد الحزن ومفكرا في الخطأ الذي حدث ليستشهد ثلاثه من طياريه دفعه واحده ، لكنه في نفس الوقت حانقا من تركه لزملائه يقلعون من غيرة ، فلو كان معهم لاختلف الوضع مؤكدا ، او لاستشهد هو بدل ايا منهم ...
وفي الغرفه الاخري طوفان من الحزن ملئ طارق ومحمد في صمت بينما لم يستطع وليد ان يتمالك نفسه ، وحاول محمد مواساته وتشجيعه بكلمات كان محمد مدركا كذبها وهي تخرج من فمه ، فلا امل في عودتهم قريبا لو كانوا احياء ، ولا النصر قريب لنأخذ بتارهم ، هي مجرد كلمات خرجت من فم محمد للمواساه فقط
وفي المساء وصلت اشارتين للمطار ، الاولي بوقف اي طلعات لحين الانتهاء من التحقيق ، والثانيه هي نجاة عمر حيث سقط فوق وحده مشاه مصريه ، وانه نقل للعلاج بمستشفي المعادي .
كانت الاشارة الاولي متوقعه اما الثانيه فقد ساهمت في رفع الحزن قليلا عن احمد وطارق وبقيه الطيارين،
وعلي الفور يقرر ان يتوجه لمستشفي المعادي ، وقبل ان يركب احمد سيارته شاهد عمده القريه مقبلا تجاهه لكن اعصابه لم تكن لتتحمل حديث مع العمده في ذلك التوقيت فأمر السائق بالانطلاق ومعه طياريه الذين اصروا علي زياره زميلهم ، وبعد ساعتين كان ما تبقي من طياري السرب يقفون اما سرير عمر والذي تجمع حوله زوجته ووالديه، كانت قدمه موضوعه في جبيرة ومعلقه في اسلاك ودار حوار جامد حاد يخلو من المشاعر ولاحظه الجميع
أحمد وطياريه ( حمد الله علي السلامه)
عمر بفتور ( مين أستشهد؟ )
أحمد مغيرا الموضوع ( الدكتور قال ايه ؟؟)
عمر بإحباط ( كسر مضاعف في الرجل الشمال وحبه كدمات، بس قولولي بقه مين أستشهد )
طارق ( طيب – الحمد لله)
محمد ( ايه اللي حصل لك ؟؟)
عمر بنفاذ صبر ( بعد ما عديت القناه كان التحكم في الطيارة صعب وفقدت ارتفاع جامد ، والظاهر اني نطيت بالكرسي متأخر لاني حسيت بيه هيفرتك رجليا )
محمد ( الكرسي الروسي ده زي الداهيه )
عمر ( الحمد لله – أهم حاجه أخف بسرعه عشان اعرف اطير تاني معاكم )
ثم تلي ذلك فترة صمت تخللها عبارات الحمد والشكر لله من والدته وزوجته لنجاته ، ثم يسأل مرة اخري بحده وهو ينظر الي عيني احمد ( مين مرجعش تاني؟؟؟)
نظر طارق لاحمد الذي رد بثبات ( جمال وشريف)
ساد الوجوم اجواء الغرفه وتوتر الجو حتي قطع محمد الصمت قائلا ( انا طالع اشرب سيجارة برة ) وتبعه احمد وطارق تاركين عمر مع اهله ، وبعد ثوان يخرج الاهل وناديه ايضا ، فقد طلب عمر ان يكون بمفرده قليلا .
إحساس قاس لقائد يعود سليما ويفقد عدد من طياريه في معركه خاطئه بكل المقاييس ،فمهمته حمايتهم بأقصي قدر ممكن ، فيا له من احساس بالمسئوليه ، فاتجه أحمد نحو غرفه الطبيب وطلب منه تشخيص لحاله عمر بصفته قائده الميداني الا ان الطبيب لم يرد أن يعطي قول فصل في مسأله عوده عمر للطيران من عدمه ، فدرجه التئام العظام وعودتها لطبيعتها هي التي تحدد ذلك
ونظرا لأن عمر سيجري له عمليه معقده لتسريع عمليه التئام العظام فأن الامر سيأخذ ما لا يقل عن عام حتي يعود مرة اخري للطيران لو نجحت العمليه تماما حتي يستطيع العظم تحمل الضغوط الكبيرة .
خرج احمد من غرفه الطبيب مهموما ، فكيف سيبلغ عمر بهذا الخبر ؟ وشاركه طارق في التساؤل ، بينما صرح وليد بأن مستقبل عمر في الجو قد انتهي فعليا بهذه الطريقه واتفق الجميع علي عدم ابلاغ عمر بذلك وان يتركوا المهمه للطبيب
وفي اليوم التالي صباحا حضر الدمنهوري والعقيد فريد ومعهم عدد من كبار ضباط القوات الجويه لمعرفه ما جرى بالتحديد ، وتم تشديد الامن لمنع اقتراب اي من اهالي القريه .
وبدأ أحمد في سرد الوقائع معتمدا علي التقرير الذي كتبه خالد وتقرير طارق ومحمد ووليد ايضا.
وبدأ احمد بعدها في شرح رأيه (من الواضح أن أول خطأ حدث نتيجه دفع التشكيل لاعتراض طائرات العدو في عمق سيناء بعيدا عن القناه باربعين كيلو تقريبا خلافا لتعليمات الاشتباك الصادرة ، ثاني خطأ برضه هو التباطئ من الموجه الارضي في اعلان مدي الطائرات المعاديه ، فطائرة الملازم شريف أنفجرت بتأثير صاروخ سباروا مضروب من مسافه 10:8 كيلو في حين ان اخر بلاغ من الموجهه ان العدو علي مسافه 25 كيلو وبين البلاغين لم يقم بتيلغ التشكيل بأي جديد، والمحصله ان سوء التوجيه وضع التشكيل في عمق العدو وبعيدا عن طائرات التعزيز ورجع تاني وتباطأ في اعلان مدي طائرات العدو لنناور بعيدا عن الصواريخ وده معناه ان الموجه الارضي وضعنا في اسوأ موقف في المعركه ، فالطائرات تطاردنا فوق ارضها وفي مدي صواريخها ونحن بعيدين عنها )
أكد خالد الذي حضر المعركه تلك المعلومات وصرح بان جهاز اللاسلكي الخاص بطائرته قد تعطل من جراء شظايا الصاروخ الذي اصاب طائرة عمر، وانه وجد نفسه لا يسمع أي اشارة وانه حاول الاتصال علي عدد من الترددات بدون فائده وانه لم يري اي طائرة مصريه بالقرب منه ، ففضل الانسحاب بطائرته والعوده للمطار سريعا مستخدما البوصله.
وبدأت الاسئله تنهمر من الضباط علي احمد ورفاقه عن كل تفصيله خلال المعركه وصرح اكبرهم رتبه بأن القياده قد شعرت بالذعر من خبر إسقاط ثلاث طائرات من السرب 77 والذي يعتبر طياريه من احسن طياري المقاتلين في القوات الجويه ، فعاد احمد وأكد علي سوء التوجيه الجوي لهم ، وانهم لم يشتركوا في اشتباك بل تم الضرب عليهم من مسافه بعيده ، في ظروف أسوأ ما تكون ، وتساءل طارق عن سوء مستوي الموجهيين الارضيين في مختلف القواعد
فاجاب العقيد فريد ( انت عارف انهم ضباط صف او ضباط شرف وخبرتهم برضه مش كبيرة )
فكتم محمد غيظه وهو يقول ( طب يافندم، مادام انتوا عارفين ان معندهمش خبرة ، ليه سايبنهم؟ دول بيبقوا عنينا واحنا طايرين ، ويا إما يقودونا لوضع هجومي جيد او يودونا في داهيه زي ما حصل مع عمر) و طوال هذه النقاشات كان الدمنهوري صامتا يراقب فقط بعينيه الاحاديث
وانتهي التحقيق الرسمي وظل الرجال مجتمعين ، وتساءل الدمنهوري عن عمر ، فرد احمد بأنه خارج حسابات السرب في الوقت الحالي ، ثم تساءل محمد عن فترة دورة الموجهه الارضي لطيار مقاتل
فنظر اليه احمد وقد فهم عما يدور في خلده (شهر بالكتير) رد العقيد فريد
فتابع طارق والذي ادرك ما يدور في عقل زملائه ( طب يا فندم – ليه ميبقاش عمر عنينا علي الارض ، لغايه ما الدكتور يقرر عودته للطيران ممكن يكون الموجه الارضي بتاعنا ،بدل ما يقعد علي مكتب ونخسر خبرته )
نظر ضباط القوات الجويه للعقيد فريد في صمت والذي بدورة لمعت عيناه لكنه تساءل ( وعمر هيفديكم في أيه ؟؟؟)
أجاب أحمد ( عمر طيار ممتاز ودارس تكتيك عال والاهم من كده اشترك في معارك جويه كتير ، يعني هوا ممكن يترجم لنا اللي هوا شايفه علي الرادار ويحطنا في احسن موقف ، والاهم من كله ده ان فيه رابط عقلي معانا ، يعني هوا عارف كل واحد فينا بيفكر ازاي وعايز ايه – انا شايف ان ده احسن مكان لعمر ولنا بعد اللي حصل )
رد العقيد فريد ( القياده درست بالفعل الموضوع ده ، بس احنا كنا محتاجين طيارين اكتر من حاجتنا لموجهين وفي حاله عمر مفيش مانع انه يبقي الموجه بتاعكم في ابو صوير ) ، فتدخل الدمنهوري ( عمر هيخرج بعد اسبوع تقريبا ، وممكن نعمل له دورة مكثفه وانا همده بكتب كتير عن التكتيكات الجويه للموجه الارضي )
تبسم احمد علي استحياء قائلا ( انا بليل هازورة واطرح عليه الموضوع )
فقاطعه العقيد فريد ( بس متوعدوش بحا
اول شئ قام به عمر هو فتح هديه الدمنهوري الثقيله الوزن ، وفجأه صدم عمر عندما فتح غطاء العلبه ، فبداخل العلبه كانت ترقد قطعه حديد محترقه وغير محدده المعالم ، وعندما قلبها عمر وجد علي الناحيه الاخري جزء من نجمه داود السداسيه الاسرائيليه ، دار عقل عمر في سرعه ، فكيف عرف الدمنهوري بالمهر الذي طلبته ناديه والذي تعذر عليه الحصول عليه نظرا لان الطائرات التي اصابها او اسقطها كانت تسقط في اراضي العدو ،كانت نظرات الدهشه تملئ ملامح عمر وعقله يعمل بسرعه ، فمن يعرف هذا المهر غير ناديه وطارق وقائده احمد ؟ ولولا دخول ناديه للحجرة وفرحتها بهذه الهديه الغاليه لظل عمر واقفا مذهولا طوال الليل محدقا في قطعه الحديد من جناح الطائرة الاسرائيليه
ورغم كل الحب الذي بثته ناديه في نفس عمر والذي كان بدوره محتاج له الا ان الكوابيس ما زالت تطارده وهو أمر افزع ناديه عده مرات ،عندما شاهدته يصحو مفزوعا كمن يطارده شبح وعبثا حاولت ان تعرف منه بماذا يحلم ، فلم يرد سوي بكلمات غير مفهومه لها مثل ((انت متعرفيش اللي مرينا بيه)) ((الموت كان ورانا وبيطاردنا)) (( محمود والصاوي ماتوا قدام عنيا)) ((ضربونا علي الطريق)) كان العرق يتصبب من كامل جسده وهو يردد تلك العبارات وما يلبث ان يهدأ بعد فترة ويعود للنوم .
اما محمد صلاح فقد وجد نفسه في منزله ببورسعيد بعد ما يقرب من عامين من مغادرته اخر مرة ، فلم يكن امامه مفر اخر يلجأ له فسلم لامر كان يخشاه وهو ان يعود الي المنزل الخالي من اهله ، وقف محمد يشاهد الصور المعلقه علي الحوائط لوالده ووالدته وشقيقيه جمال ومسعد اللذين استشهدا بالاردن في ايام النكسه ، وانسابت الدموع تلقائيا علي وجهه بعد ان ظلت متحجرة طيله عام كامل وظل فترة الاجازه هائما مع ذكرياته العائليه والامه وغضبه
وتمر أيام الاجازة سريعا ، ليتقابل الجميع مرة اخري في مقر قياده القوات الجويه لتلقي التعليمات
وكانت التعليمات مختصرة جدا .........العوده الي المطار السري
التقي الطيارين بالعقيد فريد مرة اخري والذي اخبرهم بأن هناك مؤتمر للطيارين سيعقد في القياده اليوم وبعدها سيتوجه الجميع الي مطار غرب القاهرة لاستلام الطائرات
دخل الطيارين للقاعه ووجدوا انفسهم وسط ما يقرب من مائه طيار من مختلف الاسراب وعلي الفور بدأ المؤتمر والذي انتهي بعد ساعتين تقريبا ، و كان مؤتمرا مثيرا للاعصاب ، فقد تحدث عدد من الخبراء السوفيت عن التطور في الميج 17 والميج 21 والسوخوي 7 كأنهم اصحاب تلك الافكار رغم انها افكار مصريه نابعه من خبرة القتال الفعلي مع العدو ، وتغني الخبراء في تعديد مزايا التطوير والامكانات الفنيه الجديده للطائرات والتي تجعلها تقارب ان لم تكن تتعدي مثيلاتها لدي اسرائيل
كان احمد وطياريه يعلمون ان هذا ليس حقيقي فما زالت هناك فجوة مع اسرائيل تتعلق بالصواريخ الجو جو والتي تزيد كفاءتها عند اسرائيل وتمكن الطائرات الاسرائيليه من ضرب مقاتلاتنا من بعيد ، كذلك مدي الطائرات مازال قصيرا ، لكن احمد تحكم في اعصابه وامسك بيد محمد عندما حاول ان يحاور الخبير الروسي ، وبنظرة صارمه صرف محمد النظر عن مجابهه الرجل ((أصل ما فيش فايده من الكلام مع الناس دي يا محمد)) قال احمد بعد نهايه المؤتمر واستطرد ((هما مقتنعين إن العيب فينا كطيارين مش في سلاحهم ، واحنا دورنا اننا نشتغل بالي تحت ايدنا بس))
كان احمد يقول هذه الكلمات وهو يعلم من قياداته بصواب هذا الرأي ، فالخبراء السوفيت زرعوا روح من اليأس والاحباط بين طيارينا بدعوى عدم كفاءتهم وهنا يبرز دور القاده الاصاغر في تحويل هذا الاحباط الي تحدي فلم يكونوا هؤلاء الشباب يحاربون اسرائيل فقط ، بل يحاربون امريكا التي تمد اسرائيل علي الفور بكل جديد ومتقدم ، ويحاربون السوفيت ليقنعوهم بكفاءتهم ليمدهم السوفيت بدرجه اعلي من السلاح وإن كانت مازالت متخلفه عما تمده امريكا –أسرائيل ، ويحاربون الزمن في التدريب والابتكار للوصول لمستوي عالي من الكفاءة بما هو متيسر لديهم ،وفي النهايه يحاربون اسرائيل بكل ما لديها من عتاد وسلاح.
أوضح وليد ان السوفيت لديهم طائرات اكثر تقدما وموديلات من الميج 21 والسوخوي 7 أكبر مدي واننا لم نسمع عنها اي شئ ودلل علي كلامه بأن التعديلات المصريه قوبلت بترحيب سوفيتي لانها مرت عليهم من قبل وكانت جاهزة عندهم بل ومطبقه لكنهم احتفظوا بها سرا
فيتدخل شريف في الحوار ((ما هوا مش معقول تقولي ان مفيش عند الروس طيارات تقدر توصل اسرائيل من هنا ، بس كل مرة نسأل يقول الخبير ان ده احسن سلاح عندنا))
يتابع خالد الحوار ((المشكله كمان ان اسرائيل بدأت في استخدام صواريخ سباروا علي السكاي هوك ، والكلام ده من نشرات التوجيه الدوريه ، يعني يقدروا يضربوا علينا من مدي 15 الي 20 كيلو واحنا منقدرش نضرب الا من 3 كيلو بس))
يقاطعه محمد (( كلامكم صح ، بس الصاروخ السبارو لما يقرب منك بيكون خلاص انهك المحرك علي المدي ده وأعتقد اننا ممكن نتفاداه بمناورة جانبيه حاده في الوقت المناسب ساعتها ميقدرش الصاروخ يستجيب لها ويضل الهدف))
أحمد ((مش هنقدر نؤكد الكلام ده يا محمد الا لما نقعد مع طيارين اشتبكوا مع الصاروخ وعرفوا امكانياته))
ثم ركب الجميع سيارة كبيرة متجهين الي مطار غرب القاهرة لاستلام طائراتهم الجديده ، بعد ان تأكد احمد من مغادرة الفنيين واطقم الامن الي المطار 77 حاملين معداتهم واجهزتهم الخاصه.
الفصل الثامن: حرب الاستنزاف
وفي نفس اليوم وقبل آخر ضوء بقليل، كانت الطائرات الثمان تهبط فرادي في المطار 77 مرة أخرى ليعود هذا المطار للحياة مرة اخري في ديسمبر 68
وبعد حوالي الساعة هرع احد إفراد الأمن الي احمد مرتبكا ، فعدد كبير من أهالي كفر نور يتقدمهم العمدة قد توافدوا حول المطار حاملين المشاعل وانه ( أي فرد الأمن ) لا يعلم نيتهم بالضبط ولا يمكن لأفراد الأمن منعهم لفترة طويلة نظرا لكثرة عددهم وإصرارهم علي الدخول لمحيط المطار.
خرج احمد تجاه حشد الأهالي عند محيط المطار متحفزا وتبعه بقيه الطيارين ،فوجدوا ما لا يقل عن مئتي رجل وسيده يحملون المشاعل في مظاهرة تنذر بعواقب وخيمة، وفورا اتجه احمد تجاه عمده القرية ، صاح العمدة غاضبا في وجه احمد بدون مقدمات بأنه لا يحق للأمن منعهم من الدخول ، حاول احمد تهدئه العمدة وتلطيف الجو ببعض العبارات عن الأمن وتنفيذ الأوامر ، إلا أن العمدة العجوز صاح في وجهه احمد بأن الأهالي فور رؤيتهم للطائرات تهبط قد تجمعوا واخرجوا ما بديارهم من طعام وحليب ليقدموه للجنود .
ففغر احمد فاه من الدهشة واسقط في يده ، وأحس كل طياري السرب بالإحراج عندما برزت النساء من خلف الرجال يحملن علي رؤسهن شتي أنواع الطعام واللحم وكميات كبيرة من اللبن .
وبلهجة أمره قال العمدة ( يا بني انتوا ولادنا ودي أقل حاجه نقدمها لكم، فلازم تاخدوا الأكل ) كان الرجل مصر اشد الإصرار ومن خلفه رجال الكفر وعلي ملامحهم تبرز الجدية والإصرار ، فقال احمد في إحراج بالغ
( بس يا عمده ده كتير جدا ، وانتوا محتاجين الأكل ده اكتر منا )
ردت احد النساء من خلف العمدة ( ودي تيجي حاجه جنب اللي انتوا بتعملوه ، دانتوا بتشوفوا الموت كل يوم عشان تحمونا )
فأسقط في يد احمد للمرة الثانية ووجد ان إصرار الأهالي اكبر من ان يرفضه وفي حاله الرفض سيتحول الموضوع الي اهانه لهم ولكرمهم ، فشكرهم احمد مع تأكيده بالا يتكرر هذا الموضوع لان لديهم ما يكفيهم ، وحمل الجنود والضباط الطعام وانصرفوا شاكرين ، في حين لم يتحرك أهالي القرية الا بعد ان تأكدوا ان جميع الأكل قد سُلم.
وخلال عودتهم الي المنزل ،قال شريف ( غريبة جدا الناس دي ، باعتين لنا حمام وبط ووز ولبن وكميات رز تكفينا شهر وهما في نفس الوقت محتاجين كل الأكل ده أكتر منا )
يرد خالد ( دول فلاحين يا جماعه ، وده واجب الضيافة عندهم وكان لازم كابتن احمد يقبله من الأول وإلا كانوا عملوها قضيه وزعلوا )
وليد ( بس إحنا لازم نفكر برضه في الناس دول ، إحنا كل يوم بناكل لحمه وفراخ وفيه ناس كتير مش لاقيه تاكل عيش حاف ، سواء في القري هنا أو في المدينة )
فيرد احمد ( إحنا بناكل لحم وفراخ كل يوم فعلا لاننا محتاجين نحافظ علي صحتنا عشان الحرب والناس عارفه كده مضحيه ومقدره والدليل اللي حصل دلوقت ، الناس بتاخذ من فم اطفالها وتأكلنا ، فيه ايه اعظم من كده ؟ ناقصنا ايه بعد كده عشان نحارب ؟)
( ناقصنا الامر بكده ) رد طارق
ويتبعه محمد ( انا لو عليا ، املي طياراتي ديناميت وانزل بيها علي أي مطار عند الكلاب دول وافجرة )
يرد عمر بيأس ( وهتكسب ايه ؟؟ هتموت ونخسر إحنا طيار ممتاز زيك وطيارته وفي نفس الوقت اسرائيل يجيلها بدل الطيارات المدمرة عشرة ، نبقي كسبنا ايه ؟)
وانتهي النقاش عندما وضعت اصناف الطعام علي المائده وخُزن ما فاض وبدأ الجميع في تناول الطعام الشهي.
في اليوم التالي أتخدت الطائرات وضع الاستعدات طبقا للتعليمات ، وتأتي اشارة من القياده بان العقيد فريد والدمنهوري سيحضران ليلا ، وبالفعل اجتمع الرجال مع الدمنهوري والعقيد فريد يستمعان لما لديهم ليقولونه
الدمنهوري ( إحنا داخلين علي مرحله مختلفة عن الأول ، في الأول كنا في مرحله صمود وردع يعني كان لازم نصمد ونعيد تنظيم الجيش وندافع عن خط القناة وتحملنا في المرحلة دي خساير كبيرة بس تأثير المرحله دي علي العدو كان كبير جدا ، فبدؤا يعملوا تحصينات دفاعيه بطول القناه تحت اشراف الجنرال بارليف بنفسه لان اليهود بطبعهم جبناء وقصفنا المدفعي كبدهم خساير كبيرة، أما مرحله الردع اللي إحنا نعتبر لسه فيها اختلف الحال ، فبدأنا في دوريات عبور واستطلاع للعدو ومهاجمه دورياته، وفيه مجموعه من رجال الصاعقة المختلطة مع رجاله المخابرات الحربية بيعملوا عمليات بطوليه خلف خطوط العدو واحنا مسميين المجموعة دي المجموعة 39 ودي لوحدها مجننة إسرائيل، وفي الكام شهر اللي فاتوا لاحظنا من الاستطلاع ان تحصينات الجنرال بارليف بدأت تاخذ شكل تاني في شكل خط دفاعي حصين واستعملوا قضبان سكه حديد غزة وحجارة لتغطيه أسقف الدشم دي ، ومن ورا الخط الدفاعي ده حطوا عدد من سرايا الدبابات لدعم أي نقطه تتم مهاجمتها)
محمد مقاطعا ( ياولاد الحراميه، تبقي ارضنا ويثبتوا نفسهم فيها ؟ دول مش ناويين يطلعوا منها ؟)
المنهوري ( لا يا محمد مش باين لهم خروج منها ، عشان كده الريس لما قال ان اللي اتاخذ بالقوة لازم يرجع بالقوة كان عنده حق ، اما الجديد كمان علي الجبهة انهم بدأوا يحطوا بطاريات صواريخ هوك ارض جو في المحاور الحيوية ودي صواريخ متطورة جدا ، وكمان طوروا مطار المليز وبقه اسمه رافديم وطوروا عدد تاني من المطارات وعملوا طرق جديده مرصوفة كويس لتحركات قواتهم ،لكن اللي يهمكم فعلا ان فيه طيارين اسرائيلين هيسافروا امريكا عشان ياخدوا دورة في الفانتوم ويرجعوا بيها طايرين، بس ده مش قبل سنه تقريبا )
طارق وقد تعالي اندهاشه ( طايرين بيها من أمريكا ؟؟ ازاي ؟؟)
العقيد فريد ( احنا لسه معندناش معلومات مؤكده عن امكانات الفانتوم لكن هنتكلم النهارده عن امكانيات السكاي هوك ومقارنتها بالميج 21 المعدله اللي معاكم ، واول ما نجيب مواصفات الفانتوم هنبلغكم بيها علي طول )
أحمد ( والسكاي هوك دي اخبارها ايه ؟)
فقام العقيد فريد ووضع علي طاوله الاجتماعات صورا عديده للطائرة سكاي هوك بالالوان الاسرائيليه
اول تشكيل سكاي هوك إسرائيلي
ثم أستطرد العقيد فريد ( السكاي هوك مصممه اصلا للعمل فوق حاملات الطائرات كقاذفه بحريه خفيفه ، لكن قدرة المناورة عندها تخليها مقاتله كويسه برضه ، سرعه الطيارة 1.1 ماخ (الماخ هي وحده قياس سرعه الصوت) وهي محمله مقارنه بـ 1.5 ماخ للميج 21 عندنا ، اما حموله الطائرة فهي اكبر من ضعف الميج 21 فحمولتها تصل الي 3700 كيلو جرام مقارنه بـ 1500 كيلو جرام للميج 21 وده معناه ان الميج 21 وهي محمله بالصواريخ وضعها افضل بكثير من السكاي هوك وهي محمله لان مناورتها بتقل طول ما هي محمله ، اما بخصوص المدي فهو 3300 كيلو متر بخزانات إضافية وعلي ارتفاع عال مقارنه بـ1800 كيلو للميج المعدله )
كان جميع الطيارين يدونون ما يقال في تركيز عال وتساءل خالد عن تسيلحها ، فاجاب العقيد فريد شارحا علي المخططات التي امامهم (السكاي هوك فيها خمس اماكن لتحميل الصواريخ والقنابل وتسليح الاعتراض الجوي الاساسي هو الصاروخ السايدوندر والصاروخ سباروا وفيه اجهزة الكترونيه لتوجيه الصواريخ والرصد)
فتساءل شريف عن كيفيه التصدي لتلك الطائرة ونقاط القوة والضعف ، ولمده ساعتين انهمك الرجال في سجال مع العقيد فريد في مناقشه تلك الطائرة وامكاناتها وكذلك الخبرات السابقه المنقوله من السوفيت والفيتناميين الشماليين في معاركهم مع تلك الطائرة، وانتهي الحوار مع العقيد فريد بوضع تصور لأحسن اسلوب لمواجه تلك الطائرة بناء علي المعلومات المتاحة وفي نفس الوقت شدد العقيد فريد علي تقليل عدد الطائرات في المهمه الواحده نظرا لحساسية الموقف، وتدخل الدمنهوري (مطاركم معرض للكشف في اي لحظه بسبب وجود سوابق ناجحه لكم مع العدو فهو حاططكم تحت المنظار، فلازم تكونوا مستعدين للتحرك لاي مطار تاني في اي وقت، بس المعلومات اللي عندنا بتقول انه متخوف من محاوله ضربكم هنا تاني بعد ما ضرب كفر نور غلط ، التدريبات هتكون في اضيق الحدود والطيران علي اقل ارتفاع ممكن لتفادي كشف العدو لكم، لاننا شاكين في رصد طائراتنا، فكل مرة نطلع طيارة تلاقيه مطلع اتنين يعني هوا كاشف مطاراتنا ، ازاي ؟؟ لسه منعرفش ، ممكن جواسيس او رادارات لسه منعرفش لكن اللي نعرفه كويس انكم لازم تحققوا المفاجأه تاني وتعترضوا طياراته في مكان وزمان هوا مش متوقعه )
أحمد ( طيب ازاي هوا كاشفنا بالطريقه دي ونقدر نفاجأه ؟؟؟)
العقيد فريد ( احنا متوقعين ان العدو يكثف هجماته الايام الجايه ضد مواقع الصواريخ خصوصا علي الجبهه، وهيكون عامل حسابه لطيران باقي القواعد الجويه لكن مش عامل حسابكم خالص، عشان كده احنا محتاجين نفاجأه تاني من حيث لا يتوقع)
طارق ( طيب واخبار الدفاع الجوي ايه ؟؟)
الدمنهوري ( احنا دخلنا الجبهه عدد من كتائب الصواريخ سام 2 عشان تحمي المطارات وكمان بقدر الامكان تحمي اكبر عدد من الوحدات البريه كمان ، بس مقدرش اقول ان الدفاع الجوي وقف علي رجليه لسه عشان كده احنا معتمدين علي الطيران مع الدفاع الجوي لصد هجمات العدو بس لما الدفاع الجوي يقف علي رجليه هتقدروا انتوا تستريحوا )
العقيد فريد متداخلا ( حمايه قواعد وتحصينات الدفاع الجوي اللي لسه بتبني اولويه قصوي للقياده) الدمنهوري ( انتوا داخلين علي ايام صعبه جدا ، فلازم تكونوا جاهزين جدا )
ثم تبسم قائلا ( وبلاش تتقلوا في الاكل زي امبارح بليل )
فضحك الجميع من دعابه الدمنهوري
مر شهري يناير وفبراير علي الرجال في سكون تام ، فلم يتم عمل طلعه واحده من المطار وإن حافظ احمد بصعوبة علي كفاءة الطيارين بعمل تدريبات أرضيه شاقه بهدف الحفاظ علي أزمنه الإقلاع والهبوط
في تلك الفترة وعمل الطلعات اللازمة من مطار إنشاص ،وبعد موافقة القيادة تم إنزال مستوي الأمن حول المطار ، فتم السماح للسيارات المدنية بالمرور علي الطرق الموازية للمطار والتي تمثل الممرات ، كما تم السماح لأهالي القريه بالمرور في قلب المطار ، وكان ذلك في حد ذاته خداع لأي استطلاع قد يقوم به العدو مع الالتزام بعناصر الأمن بالاستعداد لإغلاق الطرق في اي لحظه ،بينما تم زيادة مستوي تمويه الطائرات داخل المطار وكان ذلك بناء علي خطه وضعها احمد مع الدمنهوري في يناير 1969، تحسبا لأي عملاء للعدو، يحاولون رصد المطار.
في تلك الفترة كانت الاشتباكات الجوية قد خفت حدتها قليلا مع ورود معلومات بزيادة تحصينات خط بارليف علي شاطئ القناة مما كان يصيب الرجال بإحباط بالغ.
وفي اول مارس 1969 صدرت الأوامر للسرب بالاستعداد لتنفيذ أي مهام ، وكانت اشاره غامضة لأحمد فهم في الحقيقة علي اعلي استعداد والقيادة تعلم ذلك بالفعل فما سر تلك الإشارة ، وفي اليوم التالي مباشرة جاءت اشارة مشفرة باستعداد السرب كاملا للمعاونة ، فتم وضع جميع الطائرات في اقصي درجات الاستعداد منذ اول ضوء ، ومن داخل كبائن الطائرات أستمع الطيارون للاشارات اللاسلكيه من القواعد المختلفه
وقرب الظهر وضح جليا ان هناك نشاط مكثف في الجو ، فطائراتنا القاذفه تتجه لقصف وحدات العدو
كانت تركيز الرجال مع الاشارات المختلفه من الطيارين ، بينما ايهاب علي الارض مواجهاً لجهاز اللاسلكي منتظرا اي اشارة بالاقلاع .
أستمع الرجال لطيارينا وهم يهاجمون تجمعات مدفعيه العدو ودباباته علي الشاطئ الشرقي للقناه في عنف وتركيز شديدين وبلاغات قاده التشكيلات باصابات العدو المتواليه ، لكن ما شد انتباه احمد هو هجوم يقوم به تشكيل سوخوي بمهاجمه مركز للعدو فوق جبل ام خشيب وهي اعلي قمه في جبال سيناء علي المحور الاوسط .
كان قائد التشكيل يتحدث عن اصابه مباشرة للهدف بينما القياده تلح بمعاوده الهجوم مرة اخري علي غير العاده ،في نفس الوقت افادت الرادارات المصرية بإقلاع طائرات العدو ، بينما عادت طائراتنا جميعها بعد تنفيذ مهامها كان هذا التشكيل مازال فوق الهدف .
أحس محمد بأن الامر سيصدر لنجده هذا التشكيل ، الا ان الامر لم يصدر بعد فتابع طياروا السرب 77 بلاغات قائد التشكيل الذي افاد بأنه قد انهي مهمته وانه عائد لقاعدته باقصي سرعه.
وبينما بلاغات غرفه العمليات تبلغه باقتراب تشكيل معادي من مؤخرته وان طائرات التعزيز في الطريق
وقتها توقع احمد ان يصدر لهم الامر بالاقلاع لتغطيه الانسحاب ، فتابع في تركيز بلاغات قائد التشكيل
الذي أقترب باقصي سرعه من القناه ، وفجأه سمعوا قائد التشكيل ينبه طيار أخر صائحا ( طيارتك مولعه يا عبد الباقي – نط منها ) أحس طارق بأن الزمن توقف به وهو يستمع لتلك المحادثه ، فطيار زميل لهم علي وشك الموت او أسره في تلك اللحظات ..... ثم تلي ذلك فترة صمت لاسلكي
ثم ظهر صوت قائد التشكيل يسأل طياريه هل رأي أحدهم مظله عبد الباقي ، ولم يكن هناك رد بالإيجاب من باقي التشكيل ، فجأه تنسحب طائرات العدو بعد ظهور طائرات التعزيز التي اقلعت من مطار القطاميه ووصلت لسماء المعركه قرب القناه ، فيتساءل قائد التشكيل مرة اخري هل رأي احد مظله عبد الباقي ، فيأتي صوت احد الطيارين بالايجاب وانه رأه يقفز بالمظله ، ليتنفس الجميع الصعداء
ويمسح احمد قطرات العرق التي تصببت بشده وهو يستمع لتلك المحادثات المتوترة فهو يجلس في طائرته لا حول له ولا قوة ويتمني مثل طياريه ان يصدر الامر بالاقلاع ..
ومر اليوم بدون أن يصدر الامر بالاقلاع للسرب
وليلا يجتمع الرجال حول الراديو ليستمعوا لخطاب الرئيس عبد الناصر الذي اعلن فيه بدء صراع جديد يهدف لاستنزاف طاقات العدو وتكبيده اكبر خسائر ممكنه، لٌيشحَن الرجال مرة اخري بقوة كلمات عبد الناصر المتحديه ، فلا استسلام فقط قتال حتي تحرير الارض او الموت
وفي الايام التاليه تشهد الجبهه المصريه اعنف قصف متبادل من المدفعيه البعيده المدي ، وينام الرجال ليلا وهم يسمعون الانفجارات من بعيد تهز الارض تحت اقدامهم وتتوتر الاعصاب يوما بعد يوم وخاصه اعصاب محمد الذي اصبح وجوده علي الارض صعبا خاصه بعد اشتعال المواجهات الجويه
الا ان تعليمات القياده للسرب كانت بالالتزام بضبط النفس ،وفي التاسع من مارس ليلا تصل اشارة الي المطار تنعي الفريق عبد المنعم رياض رئيس الاركان في نقطه المعديه رقم 6 وهي اقرب نقاط المواجهه اثر قذيفه مباشرة ، فعم الوجوم والحزن وجوه الجميع وانزوي احمد حزينا علي هذا الرجل الذي ظهر معدنه القيادي الاصيل في لقاءته القليله مع الطيارين بعد النكسه ، فقد كانت خسارة كبيرة لمصر بكل المقاييس
وبعد يومين غادر عمر المطار مندوبا عن السرب لحضور الجنازة ، وفي قلب العاصمه تجمع الملايين من شعب مصر أيضا لحضور جنازة ذلك البطل ، ووسط حشود اقل ما يقال عنها انها رهيبه وقف عمر ببذلته الرسميه ضمن وفد القوات الجويه ، ومع أنتهاء صلاه الظهر يبدأ موكب الجنازة يتقدمه الرئيس عبد الناصر، وما هي الا خطوات قصيرة الا ويذوب الرئيس وسط جموع البشر ويغيب عن انظار عمر ، وتتحول الجنازة الي ملحمه شعبيه فهتف الملايين ( بالروح بالدم نفديك يا شهيد ) ليهتز وجدان عمر من جلال الهتاف يعقبه هتاف اخر ( هنحارب – هنحارب ) لتأكيد وحده الشعب مع الجيش ، وهيهات حاول عمر ان يلمح الرئيس مرة اخري الا ان الرجل ذاب وسط جموع البشر بدون حراسه او رسميات ليندمج وسط شعبه في تشيع جثمان اعلي رتبه لشهيد مصري في هذه الحرب المريره.
مضي علي السرب ما يقرب من ثلاث اشهر لم يقم فيها بطلعه واحده منتظرا الاوامر بعمل الكمين المناسب لطائرات العدو والتي لم تقترب من منطقه الكمين بعد ، ومع فشل نظريه الكمين ووجود ضغط علي القياده من الطيارين برغبتهم في مشاركه زملائهم في العمليات ، يتم اعطاء أحمد الامر بحراسه سرب ميج 17 من مطار إنشاص اثناء تنفيذه مهمه قصف لموقع صواريخ هوك ، ويشتعل الحماس بين الطيارين عندما يعود احمد من مطار ابو صوير حاملا تعليمات العمليه ،ويشتعل الحماس بكل من في المطار مرة أخري ، ويلاحظ اطفال كفر نور الحركه المفاجئه بالمطار فيتجمعون للمشاهده من بعيد .
وفي نفس اليوم يقلع عدد من طائرات السرب قبل الغروب بنصف ساعه وسط تهليل سكان كفر لنور لكل طائرة تقلع ،وتحت قياده احمد انضم التشكيل المكون من محمد ووليد وطارق الي تشكيل الميج 17 غرب القنطرة علي ارتفاع منخفض ،وعلي الارض ينتظر عمر وخالد وشريف وجمال لتعزير موقف احمد اذا دعت الضرورة ،ويتجه التشكيل شرقا تجاه بطاريه الهوك علي المحور الشمالي علي ارتفاع منخفض، وتعبر الطائرات القناه ليشاهد احمد وزملائه سيناء وما تم فيها من تغييرات كبيرة منذ اخر مرة رأوها ، فهناك الان ساتر عال من الرمال يحجب القوات الاسرائيليه عن المصريه ومن بعده دشم حصينه يرتع حولها الجنود الاسرائيلين في امان.
طبقا للمخطط فان قائد سرب القاذفات سيخترق الغطاء الراداري الإسرائيلي علي ارتفاع منخفض جدا وقرب الهدف سترتفع الطائرات جميعها لعمل هجوم علي الموقع بينما ينتظر تشكيل احمد خارج منطقه الهجوم للحمايه من اي تدخل جوي معادي، وبالفعل يتم الوصول للهدف ببراعة تامة ومفاجأة للعدو ، ويتم قصف احد القواذف وأحد الرادارات ، لكن فوجئ الجميع بقصف مدفعي معادي ضد طائراتنا عند ارتفاعها لعمل دورة اخري لقصف بقيه القواذف ،وطبقا لتقارير المخابرات فلم يكن من المفترض تواجد تلك المدفعية المضادة للطائرات والتي نجحت في اصابه طائرة ميج 17 فأنسحب الطيار بها بعد ان تخلص من حمولته
مخلفا وراءة ذيلا من الدخان الأسود ، وعلي الأرض أستمع عمر لنداءات الطيارين لبعضهم البعض في صمت وتركيز وعقله يدعو للجميع بالسلامة.
مازال تشكيل الميج 17 يحاول ان يخترق الستار المعادي وقصف الهدف وسط القصف المعادي الكثيف ،لكن طائرات التشكيل تقابل بنيران مركزه في كل مرة تحاول الاختراق، وتصدر الاوامر بانسحاب الطائرات بعد ان أفاد قائد التشكيل بصعوبه الاختراق وتعرض طائراته لنيران شديده، ويبدأ أحمد في حمايه مؤخرة الميج 17، يلاحظ محمد عدم ثبات احد طائرات الميج اثناء الطيران في التشكيل وشرودها، ويتم النداء علي الطيار بدون رد ، وبينما الطائرات تنسحب شرقا ، يتقدم محمد لمعرفه ماذا حل بطيار الطائرة القاذفه.
فيبلغ محمد – أحمد بأن غطاء الكابينه غير موجود وان الطيار قد انزل مستوي الكرسي ليتفادي الهواء المندفع في وجهه ،لذلك فأن الطيار لا يري شيئا امامه ويحاول الحفاظ علي اتجاهه بواسطه باقي طائرات التشكيل التي يستطع رؤيتها ، وان الطيار اشار اليه بأن اللاسلكي لا يعمل ايضاَ، كذلك واضح أثر تطاير الشظايا المعاديه علي مقدمه الطائره .
كان وضع حرج تابعه الجميع سواء في الجو او علي الارض فبينما طار محمد قريبا لهذا الطيار فأن باقي التشكيل اتخذ طريقه كلَ الي قواعده سريعا ، فقد اقترب غروب الشمس وسيكون من المستحيل الهبوط الليلي ، ويستأذن محمد – أحمد بأن يظل مع الطائرة المصابه لمعاونتها علي الهبوط ، ويوافق أحمد بسرعه مذكرا محمد بأن ضوء النهار قد قارب علي الزوال .
وعلي الفور يرتفع محمد قليلا واضعه نفسه كبوصله للطيار الاخر الذي فهم ماذا يريد محمد منه، وبلغ القلق مداه بالجميع حتي احمد الذي كان قد هبط بالفعل خلف تشكيله ،وظل في طائرته وسط الاشجار يستمع الي بلاغات محمد في قلق.
أقتربت الطائرتان من ممر قاعده إنشاص وتم الاذن لهما بالهبوط ، ليتخذ محمد جانب الطائرة المصابه أعلي قليلا حتي يتسني للطيار رؤيته بوضوح وتقليده ، وانزل محمد عجلات الهبوط ليقوم الاخر بذلك ، وتبدأ السرعه بالتباطئ تمهيدا للهبوط.
لم يكن موقفا سهلا علي محمد بكل تأكيد ، فمن المفروض انه ينظر امامه لكي يقوم بهبوط سليم ومناسب ، لكنه وجد انه مجبر علي الرؤيه الي جانبه معظم الوقت لكي يتأكد من تنفيذ زميله لتعليماته سواء بالاشارة او بتقليده والا فأنه سيهبط خارج الممر تماما، انه اشبه بمحاوله رجل اعمي ادخال مفتاح في ثقب باب من المرة الاولي لانه ليس هناك مجال لمحاوله اخري او للخطأ
وعلي اول الممر تصطف عربات الاطفاء والاسعاف تحسبا لهذا الهبوط الاضطراري ، ويتابع قائد المطار من اعلي برج المراقبه ظهور الطائرتين من بعيد ، مازالت الميج المصابه غير مستقرة رغم انزال العجلات وتقليل السرعه ، فطيار الميح عينيه مع محمد وطائرته لتنفيذ الهبوط وقد تقاربت الطائرتان من بعض بدرجه دعت ضابط برج انشاص أن يحذر محمد عده مرات، ويحبس الجميع انفاسه في ترقب، وتعدت الطائرتان أول الممر ومازالت تقتربان من الارض ببطء حتي لامست الميج المصابه الأرض فتنفس الجميع الصعداء ، ويشير محمد لزميله بأنه هبوطه سليما ، فيرد الاخر سعيدا بتحيه عسكريه لمحمد والذي بدورة زاد من سرعه طائرته ورفع العجلات وارتفع عائدا لمطارة ، بينما كل من يتابع الموقف يحمد الله علي سلامه هذا الطيار، وفور تنفس احمد الصعداء أنتفض من طائرته فقد بدأ الليل يرخي ستارة ولن يستطع محمد الهبوط بدون ان يري الممر .
فأمر احمد الرجال بسرعه اشعال النار في عدد من الصناديق الخشبيه من مخلفات قطع غيار الطائرات وتحديد الممر لمحمد لكي يراه من السماء .
وعلي أطراف كفر نور، جلس العمده ومعه عدد من الرجال يفترشون الارض حوله يتحدثون في امور الكفر واحوال الناس فيه ، التفت العمده الي رجل يجلس بجوارة متسائلا ( الولاد كلهم رجعوا ؟؟)
يرد الرجل ( لا يا عمده – فيه واحد لسه مرجعش )
فينظر العمده تجاه غابه الاشجار ( ربنا يرجعه بالسلامه ويحميهم )
في هذه اللحظه تمرق طائرة محمد فوق الرؤس مصحوبه بدوي يصم الاذان
فيبتسم العمده سعيدا بأكتمال عقد الطيارين ويحمد الله ، الا ان احد الرجال الجالسين علي الارض تساءل
(وده هينزل ازاي يا عمده والدنيا بقت ضلمه؟؟، هوا ينفع ينزل في الضلمه يا عمده ؟؟؟!!!! )
ها هو موقف صعب اخر يتعرض له محمد في نفس الوقت الذي بدأ فيه الدوران حول المطار لكنه لا يستطيع تبيان حدود الممر من جراء الظلام كذلك ليس من المقبول ان يقوم بالاتصال بقائده علي الارض ليرشده للهبوط كي لا يلتقط العدو الاشارة ، فكان هبوطا اعمي بكل معاني الكلمه ، وفور دورانه لمح اربع مشاعل علي الارض ، لم يستطع الرجال اشعال صناديق اكثر في ذلك الوقت الضيق لعدم وجود شئ يسهل اشعاله ، فيمر محمد بطائرته فوق تلك المشاعل بدون ان يهبط فهو يريد ان يحدد ما تمثله تلك المشاعل هل بدايه الممر ام ماذا ، ومره اخري لم يستطع ان يحدد شئ، فيبدأ في الدوران مرة اخري متابعا عداد الوقود الذي وصل للصفر تقريبا، وعلي الارض كان الجميع يعرف ما يعانيه محمد ويعرفون سوء الوضع وقله حيلتهم الا ان الحل جاء من كفر نور فبينما احمد يتحرك بين جنوده غاضبا باحثا عن اي شئ يصلح لاشعال النار فيه فاذا بحشد من رجال كفر نور يتقدمهم العمده يهرولون علي المطار حاملين المشاعل في مشهد عظيم الجم الالسنه وسط دهشه عمر وطارق وبقيه افراد المطار، لم يفكر احمد في شئ الا انه اسرع تجاههم وبدأ في وضع الرجال علي جانبي الممر الصغير في سرعه وساعده بقيه الطيارين والفنيين .
ووسط قلق بالغ من محمد يتوقف محرك طائرته اثناء الدوران الاخير ، وعبثا حاول ان يدير المحرك مرة اخري لكن من الواضح ان الوقود قد انتهي تماما، ويلحظ محمد الممر فجأه مضاء امامه بالمشاعل ، فقرر ان يأخذ المجازفه ويهبط مهما كانت النتائج .
ومع تلاشي سرعه الطائرة يضع محمد طائرته وسط صفي المشاعل ويهبط تدريجيا حتي يلامس الارض ببطء وعينيه تستغرب في دهشه ، فمن هؤلاء ومن اين اتوا؟؟
وفور هبوطه توقفت الطائرة في منتصف الممر ، يهبط محمد وسط الاهالي الفرحه بسلامته
ومازال محمد مستغربا من حضورهم يلتفت يمينا ويسارا ، وفورا يبدأ الفنيين في دفع الطائرة داخل الاشجار ويعاونهم الرجال بسرعه، فأحتضن أحمد عمده القريه فرحا بمشاركتهم الجليله لانقاذ محمد ، ويرد الرجل بتواضع (رجاله الكفر بيعدوا كل طيارة طالعه ونازله عشان نتطمن عليكم اول بأول ، ولما شفنا محمد بيه نازل بالليل قولنا لازم ننور له الطريق ، دا أقل واجب منا ليكم ، المهم انكم تدوا الكلاب علقه في كل مرة) فتبسم احمد ورافق العمده حتي مشارف القريه وودعه
وبعد ساعه كان الرجال يقدمون تقريرهم المكتوب لاحمد ، و يجتمع الطيارين لمناقشه احداث اليوم الحافله وتقييم الاداء، ورغم ارتفاع معنويات الطيارين وفرحتهم الا ان محمد وطارق كانوا غاضبين اشد الغضب
(ازاي قائد تشكيل الميج 17 يرجع من غير ما يضرب الهدف، ده كان خايف ولا ايه ؟ انا مكنتش مصدق انه راجع ومعاه قنابل وصواريخ !!!) قال محمد في عنف
عمر (ما انت شفت المدفعيه المضادة الاسرائيلي كانت عامله ازاي ، ده مكنش فيه مكان يقدروا يعدوا منه خالص )
أحمد مستكملا ( ثم التعليمات جت لقائد التشكيل بالانسحاب ، وده امر ولازم يتنفذ )
سكت محمد كاتما غيظه من عدم تنفيذ المهمه علي الوجه الاكمل ، الا ان الجميع اثنوا علي اداء محمد مع الطيار المصاب وبراعته في توجيهه وبراعته ايضا في الهبوظ في الظلام .
في اليوم التالي وصل خطاب شكر للسرب من سرب القاذفات بمطار إنشاص لمساعدتهم في عوده الطائرة المصابه ومعاونتهم في القذف.
ثم مر يومين هادئين وتلي ذلك أمر عمليات لحمايه تشكيل ميج 17 سيقصف نفس الهدف المُعادي الا وهو بطاريه صواريخ هوك علي المحور الشمالي جنوب منطقه رمانه .
في ذلك اليوم أستقر أحمد رغما عنه طبقا لتعليمات القياده علي خروج عدد اخر من الطيارين بدلا ممن نفذوا المهمه السابقه لاعطاء الفرصه لاكبر عدد من الطيارين في اكتساب خبرة العمليات اللازمه
فأقلع عمر كقائد لتشكيل يضم جمال وخالد وشريف ، كانت المهمه هي حمايه ثمان طائرات قاذفه ميج 17 في اداء مهمتها ، وظل احمد رغما عنه علي الارض مع طارق ومحمد ووليد مستعدين للمسانده
، وتم اختيار اول ضوء لتنفيذ المهمه في الثالث من أبريل عام 1969 ، لكن المهمه تأجلت عده مرات بسبب الضباب الكثيف، حتي وصل موعد الاقلاع الي العاشرة صباحا ، وبينما اهالي كفر نور في الحقول يعملون ويزرعون والاطفال يتابعون تحركات الطائرات، مرقت اربع طائرات علي التوالي فوق الرؤوس محلقه في السماء ، وسط تحيات الاطفال ودعاء الكبار
أستمع احمد ورفاقه علي الارض الي اشارات برج المراقبه للتوجيه تجاه الهدف بعد الالتقاء مع تشكيل القاذفات.
عبرت الطائرات القناه علي ارتفاع منخفض تجاه الشمال الشرقي حيث تم اختيار نقطه يمكن الاختراق منها الي بطاريه الصواريخ بدون التعرض للمدفعيات الكثيفه .
وفور عبور القناه افاد موجه مطار ابو صوير بأقلاع طائرات معاديه ، وعلي الفور تم تبليغ احمد بالاستعداد ، فتحركت طائرات التعزيز لاول الممر.
قائد تشكيل القاذفات أعطي اوامرة لطياريه بالاستمرار تجاه الهدف بينما صدر الامر لعمر من ضابط توجيه ابوصير بالالتفاف ومقابله طائرات العدو ، فأنفعل احمد بشده فيجب ان يظل عمر قرب القناه والا يتورط في العمق ، لكن عمر نفذ التعليمات وبعد ثوان جاءت تعليمات اخري من مطار ابو صوير لتشكيل عمر بالانسحاب بعد ان قام تشكيل القاذفات بتدمير الهدف وتنفيذ المهمه وإن كان قد خسر طائرتين بفعل المضادات المعاديه
في غمرة توتر احمد ورفاقه علي الارض من بلاغات مطار ابو صوير باقتراب طائرات العدو من تشكيل عمر بمسافه 30 كيلو ثم 25 أصدر عمر امرة بالقاء خزانات الوقود الاحتياطيه لاكتساب سرعه اكبر وبعد ثانيه سمع احمد صوت جمال يصرخ في فزع (الخزان موقعش – الخزان موقعش) دلاله علي عيب فني ادي لعدم سقوط الخزان الاضافي مما يعني تباطئ سرعته عن زملاءه ولحاق العدو به ، افاد مطار ابو صوير بأن طائرات العدو أربع طائرات وانها علي مسافه عشرين كيلو ، في نفس اللحظه صدر الامر لاحمد بالاقلاع ، واثناء اقلاع التعزيز سمع احمد صوت جمال يصيح ( انا انصبت – انا...) ...... ثم سكت الصوت فبدأ عمر بالنداء علي جمال بدون رد ، وبعد ثوان أصيبت طائرة شريف بصاروخ وهي ضمن التشكيل بجوار عمر وأشتعلت فيها النيران جراء اصابتها بصاروخ ، وسادت الدهشه ملامح عمر وخالد.
أسرع تشكيل أحمد منقضا بأكبر سرعه ممكنه تجاه تشكيل عمر العائد بسرعه ، سمع أحمد صوت عمر يسأل عن مدي الطائرات الاسرائيليه فتلعثم ضابط توجيه بمطار ابو صوير ثم قال 8 كيلو !!!
بينما تشكيل احمد ما زال علي مسافه 30 كيلو، قدر عمر الموقف وهو مذعور من عدم تنبيه ضابط التوجيه لهم بتقلص المسافه لتلك الدرجه الخطيرة ، وأمر خالد بدوران حاد للخروج من مدي الصواريخ المعاديه ، وفور بدءه عمل الدوران أنفجر صاروخ أخر قرب طائرة عمر ، فأصابت شظايا الانفجار الذيل اصابه بالغه جعلت تحكم عمر في الطائرة صعبا جدا وبدأت الطائرة تهوي به، وبصوت هادئ فاتر قال عمر ( انا إنصبت – مش قادر اتحكم في الطيارة بسهوله )
رد احمد فورا ( سيطر علي الطيارة يا عمر – انت قرب القنال – حاول تعدي ونط بعد كده )
عمر ( انا شايف القناه بس الطيارة بتفقد ارتفاع بسرعه ومش قادر اوازنها كويس )
تدخل محمد ( اصمد يا وحش – احنا قربنا نوصل )
بدأ احمد النداء علي خالد الذي لم يرد عليه فزاد احمد من سرعه طائرته للقصوي وطلب توجيهه لاعتراض طائرات العدو ، فبدأ ضابط التوجيه يوجهه للاعتراض ، في ذلك الوقت طلب طارق الانفصال لمتابعه عمر الا ان احمد رفض مبلغا اياه بحتميه تأخير طائرات العدو ، افاد ضابط التوجيه بأنحراف طائرات العدو تجاه الجنوب ، مما يعني ابتعادها عن عمر قليلا ، في تلك اللحظه كانت طائرات تشكيل احمد تعبر القناه تجاه الشرق وعمر يٌُبلغ بانه علي وشك عبور القناه تجاه الغرب وانه سيقفز فور عبورة القناه.
طلب احمد الافاده من مطار ابو صوير بوضع طائرات العدو ، فأفاد بانها مازالت تتجه جنوبا
(دول عايزين يسحبونا وراهم) قال طارق بعد فترة صمت وصدق محمد واحمد علي كلامه
فأمر أحمد التشكيل بالدوران والعوده تجاه الغرب للاطمئنا علي عمر (اخبارك ايه دلوقت يا عمر ؟؟؟)
سأل طارق، ولم يات اجابه فواصل تكرار السؤال وبدون ان يأتيه رد (حدد مكان الميج المصابه ؟؟)
أحمد سائلا ضابط توجيه ابو صوير ، فقام الضابط بتحديد أخر مكان لها واتجه له احمد وزملائه ،
(عمود دخان تجاه اليسار) صاح وليد والذي كان صامتا معظم الوقت، وعلي الفور اتجه الجميع تجاه عمود الدخان الاسود الناتج من تحطم طائرة عمر ، وقرب حافه القناه كانت الطائره تشتعل وسط الاشجار .
( مش باين اذا كان عمر نط ولا لأ) قال محمد ، ورد وليد (بإذن الله يكون بخير) بينما أحمد وطارق في قمه الوجوم والاحباط ، فقد خسر أحمد ثلاث طيارين حتي الان ويريد ان يطمئن علي عمر ، وبعد دورتين حول الحطام المشتعل تأتي الاوامر بالعوده للمطار سريعا .
وطوال الطريق نادي احمد علي خالد اكثر من مرة بدون رد ، فأيقن انه أصيب هو الاخر .
عادت الطائرات ونزل الطيارين صامتين، وفوجئ أحمد بطائرة من طائرات السرب تقبع وسط الاشجار، فجرى ومعه وليد مستطلعين الامر، ليفاجئوا بخالد مشتبك مع احد الفنيين يريد ان يفتك به في غضب، فتدخل احمد بحده فاضا الاشتباك، كان خالد مشتبك مع احد فنيي طائره جمال محملا اياه مسئوليه استشهاد جمال بسبب عدم دقه عمله واهماله، فتدخل أحمد ونزع خالد من الاشتباك وانزوي به صائحا
(خلاص اللي مات مات واللي انت بتعمله ده مش هيرجع جمال او شريف او عمر ، أمسك نفسك يا حضرة الضابط شويه احنا في حرب يعني ممكن كلنا نموت مش جمال بس، ومفيش قوة في الدنيا تقدر ترجعهم)
ثم دفعه من كتفه في حده (أتفضل علي طيارتك ، عايزها تكون جاهزة في عشر دقايق ، أحنا مش بنلعب احنا في حرب)
كانت هذه هي المرة الاولي لكل من في المطار التي يرون فيها احمد بمثل هذا الانفعال والحده والعنف مع طياريه وبينما سار وليد بجوارة وهو يدمع في صمت ، يحضر رئيس الفنيين ويسأل احمد كعادته عن بقيه الطائرات ، ويرد احمد في الم وحزم بصوت عال (محدش راجع تاني) ليصاب جميع الفنيين بصدمه رهيبه يتلوها صمت رهيب ، يستكمل بعدها أحمد موجها حديثه لرئيس الفنيين ( خلي رجالتك يشوفوا شغلهم احسن من كده ) فيصمت الرجل في وجوم ، و يدخل احمد غرفته ويغلق الباب علي نفسه صامتا حزينا اشد الحزن ومفكرا في الخطأ الذي حدث ليستشهد ثلاثه من طياريه دفعه واحده ، لكنه في نفس الوقت حانقا من تركه لزملائه يقلعون من غيرة ، فلو كان معهم لاختلف الوضع مؤكدا ، او لاستشهد هو بدل ايا منهم ...
وفي الغرفه الاخري طوفان من الحزن ملئ طارق ومحمد في صمت بينما لم يستطع وليد ان يتمالك نفسه ، وحاول محمد مواساته وتشجيعه بكلمات كان محمد مدركا كذبها وهي تخرج من فمه ، فلا امل في عودتهم قريبا لو كانوا احياء ، ولا النصر قريب لنأخذ بتارهم ، هي مجرد كلمات خرجت من فم محمد للمواساه فقط
وفي المساء وصلت اشارتين للمطار ، الاولي بوقف اي طلعات لحين الانتهاء من التحقيق ، والثانيه هي نجاة عمر حيث سقط فوق وحده مشاه مصريه ، وانه نقل للعلاج بمستشفي المعادي .
كانت الاشارة الاولي متوقعه اما الثانيه فقد ساهمت في رفع الحزن قليلا عن احمد وطارق وبقيه الطيارين،
وعلي الفور يقرر ان يتوجه لمستشفي المعادي ، وقبل ان يركب احمد سيارته شاهد عمده القريه مقبلا تجاهه لكن اعصابه لم تكن لتتحمل حديث مع العمده في ذلك التوقيت فأمر السائق بالانطلاق ومعه طياريه الذين اصروا علي زياره زميلهم ، وبعد ساعتين كان ما تبقي من طياري السرب يقفون اما سرير عمر والذي تجمع حوله زوجته ووالديه، كانت قدمه موضوعه في جبيرة ومعلقه في اسلاك ودار حوار جامد حاد يخلو من المشاعر ولاحظه الجميع
أحمد وطياريه ( حمد الله علي السلامه)
عمر بفتور ( مين أستشهد؟ )
أحمد مغيرا الموضوع ( الدكتور قال ايه ؟؟)
عمر بإحباط ( كسر مضاعف في الرجل الشمال وحبه كدمات، بس قولولي بقه مين أستشهد )
طارق ( طيب – الحمد لله)
محمد ( ايه اللي حصل لك ؟؟)
عمر بنفاذ صبر ( بعد ما عديت القناه كان التحكم في الطيارة صعب وفقدت ارتفاع جامد ، والظاهر اني نطيت بالكرسي متأخر لاني حسيت بيه هيفرتك رجليا )
محمد ( الكرسي الروسي ده زي الداهيه )
عمر ( الحمد لله – أهم حاجه أخف بسرعه عشان اعرف اطير تاني معاكم )
ثم تلي ذلك فترة صمت تخللها عبارات الحمد والشكر لله من والدته وزوجته لنجاته ، ثم يسأل مرة اخري بحده وهو ينظر الي عيني احمد ( مين مرجعش تاني؟؟؟)
نظر طارق لاحمد الذي رد بثبات ( جمال وشريف)
ساد الوجوم اجواء الغرفه وتوتر الجو حتي قطع محمد الصمت قائلا ( انا طالع اشرب سيجارة برة ) وتبعه احمد وطارق تاركين عمر مع اهله ، وبعد ثوان يخرج الاهل وناديه ايضا ، فقد طلب عمر ان يكون بمفرده قليلا .
إحساس قاس لقائد يعود سليما ويفقد عدد من طياريه في معركه خاطئه بكل المقاييس ،فمهمته حمايتهم بأقصي قدر ممكن ، فيا له من احساس بالمسئوليه ، فاتجه أحمد نحو غرفه الطبيب وطلب منه تشخيص لحاله عمر بصفته قائده الميداني الا ان الطبيب لم يرد أن يعطي قول فصل في مسأله عوده عمر للطيران من عدمه ، فدرجه التئام العظام وعودتها لطبيعتها هي التي تحدد ذلك
ونظرا لأن عمر سيجري له عمليه معقده لتسريع عمليه التئام العظام فأن الامر سيأخذ ما لا يقل عن عام حتي يعود مرة اخري للطيران لو نجحت العمليه تماما حتي يستطيع العظم تحمل الضغوط الكبيرة .
خرج احمد من غرفه الطبيب مهموما ، فكيف سيبلغ عمر بهذا الخبر ؟ وشاركه طارق في التساؤل ، بينما صرح وليد بأن مستقبل عمر في الجو قد انتهي فعليا بهذه الطريقه واتفق الجميع علي عدم ابلاغ عمر بذلك وان يتركوا المهمه للطبيب
وفي اليوم التالي صباحا حضر الدمنهوري والعقيد فريد ومعهم عدد من كبار ضباط القوات الجويه لمعرفه ما جرى بالتحديد ، وتم تشديد الامن لمنع اقتراب اي من اهالي القريه .
وبدأ أحمد في سرد الوقائع معتمدا علي التقرير الذي كتبه خالد وتقرير طارق ومحمد ووليد ايضا.
وبدأ احمد بعدها في شرح رأيه (من الواضح أن أول خطأ حدث نتيجه دفع التشكيل لاعتراض طائرات العدو في عمق سيناء بعيدا عن القناه باربعين كيلو تقريبا خلافا لتعليمات الاشتباك الصادرة ، ثاني خطأ برضه هو التباطئ من الموجه الارضي في اعلان مدي الطائرات المعاديه ، فطائرة الملازم شريف أنفجرت بتأثير صاروخ سباروا مضروب من مسافه 10:8 كيلو في حين ان اخر بلاغ من الموجهه ان العدو علي مسافه 25 كيلو وبين البلاغين لم يقم بتيلغ التشكيل بأي جديد، والمحصله ان سوء التوجيه وضع التشكيل في عمق العدو وبعيدا عن طائرات التعزيز ورجع تاني وتباطأ في اعلان مدي طائرات العدو لنناور بعيدا عن الصواريخ وده معناه ان الموجه الارضي وضعنا في اسوأ موقف في المعركه ، فالطائرات تطاردنا فوق ارضها وفي مدي صواريخها ونحن بعيدين عنها )
أكد خالد الذي حضر المعركه تلك المعلومات وصرح بان جهاز اللاسلكي الخاص بطائرته قد تعطل من جراء شظايا الصاروخ الذي اصاب طائرة عمر، وانه وجد نفسه لا يسمع أي اشارة وانه حاول الاتصال علي عدد من الترددات بدون فائده وانه لم يري اي طائرة مصريه بالقرب منه ، ففضل الانسحاب بطائرته والعوده للمطار سريعا مستخدما البوصله.
وبدأت الاسئله تنهمر من الضباط علي احمد ورفاقه عن كل تفصيله خلال المعركه وصرح اكبرهم رتبه بأن القياده قد شعرت بالذعر من خبر إسقاط ثلاث طائرات من السرب 77 والذي يعتبر طياريه من احسن طياري المقاتلين في القوات الجويه ، فعاد احمد وأكد علي سوء التوجيه الجوي لهم ، وانهم لم يشتركوا في اشتباك بل تم الضرب عليهم من مسافه بعيده ، في ظروف أسوأ ما تكون ، وتساءل طارق عن سوء مستوي الموجهيين الارضيين في مختلف القواعد
فاجاب العقيد فريد ( انت عارف انهم ضباط صف او ضباط شرف وخبرتهم برضه مش كبيرة )
فكتم محمد غيظه وهو يقول ( طب يافندم، مادام انتوا عارفين ان معندهمش خبرة ، ليه سايبنهم؟ دول بيبقوا عنينا واحنا طايرين ، ويا إما يقودونا لوضع هجومي جيد او يودونا في داهيه زي ما حصل مع عمر) و طوال هذه النقاشات كان الدمنهوري صامتا يراقب فقط بعينيه الاحاديث
وانتهي التحقيق الرسمي وظل الرجال مجتمعين ، وتساءل الدمنهوري عن عمر ، فرد احمد بأنه خارج حسابات السرب في الوقت الحالي ، ثم تساءل محمد عن فترة دورة الموجهه الارضي لطيار مقاتل
فنظر اليه احمد وقد فهم عما يدور في خلده (شهر بالكتير) رد العقيد فريد
فتابع طارق والذي ادرك ما يدور في عقل زملائه ( طب يا فندم – ليه ميبقاش عمر عنينا علي الارض ، لغايه ما الدكتور يقرر عودته للطيران ممكن يكون الموجه الارضي بتاعنا ،بدل ما يقعد علي مكتب ونخسر خبرته )
نظر ضباط القوات الجويه للعقيد فريد في صمت والذي بدورة لمعت عيناه لكنه تساءل ( وعمر هيفديكم في أيه ؟؟؟)
أجاب أحمد ( عمر طيار ممتاز ودارس تكتيك عال والاهم من كده اشترك في معارك جويه كتير ، يعني هوا ممكن يترجم لنا اللي هوا شايفه علي الرادار ويحطنا في احسن موقف ، والاهم من كله ده ان فيه رابط عقلي معانا ، يعني هوا عارف كل واحد فينا بيفكر ازاي وعايز ايه – انا شايف ان ده احسن مكان لعمر ولنا بعد اللي حصل )
رد العقيد فريد ( القياده درست بالفعل الموضوع ده ، بس احنا كنا محتاجين طيارين اكتر من حاجتنا لموجهين وفي حاله عمر مفيش مانع انه يبقي الموجه بتاعكم في ابو صوير ) ، فتدخل الدمنهوري ( عمر هيخرج بعد اسبوع تقريبا ، وممكن نعمل له دورة مكثفه وانا همده بكتب كتير عن التكتيكات الجويه للموجه الارضي )
تبسم احمد علي استحياء قائلا ( انا بليل هازورة واطرح عليه الموضوع )
فقاطعه العقيد فريد ( بس متوعدوش بحا
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
في تلك الفترات ُعقدت مؤتمرات بين الطيارين وقياداتهم المختلفه بهدف شرح الطيارين لخبراتهم المكتسبه في القتال مع العدو ونقل تلك الخبرة الي باقي الطيارين وكان عمر يحضر تلك المؤتمرات بطلب من احمد لكي يحافظ علي خبرته النظريه .
ومرت عده أشهر نزل فيها طارق ووليد وخالد اجازة عده مرات ، بينما ظل أحمد ومحمد في المطار بعد ان تفرغا بصورة كامله للقتال وقاما بأكبر عدد من الطلعات في السرب .
وكانت الاشتباكات البريه لا تهدأ يوما بعد ان تحول مصطلح الاستنزاف الذي اطلقه الرئيس عبد الناصر الي فعل ، فتحولت الاشتباكات الي حرب الاستنزاف للطرفين ، فالمنتصر هو ما يكبد العدو اكبر قدر من الخسائر في الافراد والمعدات ويتحمل في نفس الوقت خسائرة ، وزادت شهره المجموعه 39 والصاعقه ومنظمه سيناء عربيه داخل اروقه القوات المسلحه بفضل ملاحم البطوله التي تقوم بها يوميا تقريبا ، اما علي نطاق قوات الدفاع الجوي فقد تم نشر عدد كبير من الصواريخ سام 2 ترافقها اعداد كبيرة من المدفعيه المضاده للطائرات ، وبجوار المطار 77 رابطت وحده صواريخ سام 2 ، وكان ذلك مبعثا للراحه بين طياري السرب من وجود دفاع جوي قريب منهم
وفي سبتمبر 1969 وبناء علي تعليمات الرئيس عبد الناصر بالقيام بمجهود جوي يخفف الضغط قليلا عن القوات البريه ، فقد أنطلقت اكثر من مائه طائرة مقاتله وقادفه في هجوك مفاجئ علي تجمعات العدو شرق القناه بطول خط القناه ، وبينما السرب 77 في الجو يقوم بمظله لحمايه القاذفات في طريق عودتها وصلت التبليغات تباعا من قاده التشكيل بأنهم في خط العوده بدون تدخل من العدو ، وكان عمر مع أحمد علي اللاسلكي ينسقان خطوط السير وللتأكيد علي عوده جميع طائراتنا، بعد تنفيذها هجوما ناجحا و مفاجئا بكل المقاييس.
وفي صباح السادس من اكتوبر 1969 يفاجأ احمد وجميع من بالمطار بأصوات قنابل قريبه من المطار فيهرع خارجا ليجد سماء المنطقه قد غرقت في الدخان الاسود المنبعث من موقع الصواريخ المقارب لهم
فقد تم دك الموقع تماما بدون تحذير عن اقتراب طائرات العدو .
أسرع احمد الي اللاسلكي سائلا عمر الذي رد (فيه تشويش جامد علي الرادارات واحنا مش شايفين حاجه)
فرد احمد ( انا طالع اعمل مظله – خليك معايا )
وأسرع احمد طالبا من محمد وطارق الاقلاع معه ، وفور اقلاع احمد ورفاقه يتبين لهم فداحه القصف المعادي الذي دمر موقع الصواريخ بالكامل ، ومرارا يطلب احمد من عمر بتوجيهه لاقرب طائرات معاديه ، وعمر يقسم له بانه لا يري اي اهداف معاديه علي الشاشه ، ليعود بعد قليل الطيارين الي مطارهم في ظل خيبه امل وحزن
في تلك الليله جاءت الاشارة بأن العدو قام بقصف وحدات الدفاع الجوي بطول الجبهه بقوه 200 طائرة وانه استطاع بنجاح ان يقصف عدد كبير من تلك الاهداف مستخدما اجهزة شوشره عاليه التأثير
وبعد عده ايام يحضر العقيد فريد منفردا تلك المرة ويجتمع مع الرجال ومعهم عمر وسبب الزياره
( الفانتوم F4 هتوصل اسرائيل في اي لحظه ، المخابرات رصدت اقلاع الطيارات من امريكا – الدفعه الاولي حوالي 48 طيارة هتوصل علي فترات خلال الاسبوع ده ) قال العقيد فريد وأستطرد ( نظرا لمميزات الفانتوم فمتوقع تغير كبير في التكتيك الاسرائيلي ، من المتوقع انه يبقي اكثر شراسه خصوصا ضد الدفاع الجوي )
طارق ( حضرتك مقلتش برضه – ازاي الفانتوم تطير من امريكا لاسرائيل ؟؟)
العقيد فريد ( مدي الفانتوم 3700 كيلومتر بدون خزانات اضافيه وتقدرعلي التزود بالوقود في الجو )
بهت جميع الطيارين من المدي الكبير جدا للفانتوم مقارنه بمدي 1800 كيلومتر لطائرتهم بخزانات اضافيه .
فعلق محمد محبطا ( ده معناه ان العمق عندنا بقي مفتوح لهم تماما ؟؟)
العقيد فريد ( مش دي المشكله بس– لكن حموله الطيارة 7.5 طن من القنابل ، يعني خمس اضعاف حموله الميج 21 وكمان فيها اجهزة الكترونيه متقدمه جدا اما السرعه فهي 2.3 ماخ وهي دي المشكله الكبيرة)
طارق ( يا نهار أسود – ودي هنلحقها ازاي ؟؟؟ دا احنا 2.1 ماخ بالعافيه)
مرت هذه الليله علي الرجال بصعوبه بالغه ، فالعدو قد حصل علي طائرة تفوق بكثير ما لدينا ، ولا نملك
من الطائرات ما يمكنها ان تتصدي لهذ الطائرة ، وطالت النقاشات بين الرجال وعمر في كيفيه التصدي لهذا الشبح المخيف المسمي فانتوم ، ووعدهم عمر قبل مغادرته بأمدادهم بما يتوصل له من كتيبات او معلومات عن الفانتوم .
في اليوم التالي 10 أكتوبر 1969 صدرت الاوامر لطائرتين من السرب بعمل مظله فوق القنطرة غرب ، لحمايه تشكيل مهاجم ، وأقلع أحمد ومعه وليد لعمل المظله وظل باقي السرب مستعد
وفي الموعد المحدد عبرت طائرتين اليوشن 28 وهي طائرات قاذفه عتيقه ومعها طائرتين ميج 21 من سرب مطار المنصوره لمهاجمه موقع معادي وسط اندهاش أحمد من استخدام طائرات بطيئه في الهجوم، وهي من الطائرات القليله التي خرجت سالمه من النكسه .
طائرة قاذفه من طراز اليوشن 28
، وبعد دقائق عادت الطائرات الاربع سالمه، لتأتي اشارة من عمر بالبقاء في منطقه المظله وتغيير الطائرات ، أستغرب احمد من هذا الامر لكنه نفذه .
فأقلع طارق وخالد قبل ان يهبط احمد ووليد بثوان وتابع احمد علي اللاسلكي ما يحدث في الجو بينما الفنيين يعبدون ملئ الطائرات بالوقود.
وسمع طارق تعليمات جديده ، فقد مرت طائرتين ميج 17 ترافقهم طائرتين ميج 21 لضرب نفس الهدف
فأدرك أحمد مغزي هذا التكتيك في قصف نفس الهدف مرتين بعد فترة زمنيه لتحقيق اعلي قدر من الاصابات في صفوف العدو ، وتمني ان ينجح هذا التكتيك مع العدو .
بعد عده ايام حضر عمر ليلا الي المطار يرافقه الدمنهوري وبصحبتهم عدد من الكتب السوفيتيه التي تغطي قصور المعلومات لدي الطيارين عن الفانتوم الاسرائيليه ، فعكف الطيارين في الايام التاليه في قراءه تلك الكتب ودراسه الخواص الفنيه لتلك الطائرة المخيفه
وجد أحمد معلومه مثيرة للاهتمام جدا ، الا وهي ان الفانتوم وهي في كامل حمولتها تبلغ سرعتها 900 كيلو متر فقط اي اقل من ماخ واحد ، مما يجعل للميج 21 افضليه كبيرة عليها ، لكن كان ذلك يستوجب ان تعترضها طائراتنا قبل أن تنفذ مهمتها الهجوميه.
وبعد عده أيام صدرت اوامر مفاجئه باقلاع السرب لاعتراض طائرات تقوم بقصف محيط مطار ابوصوير، فأقلع التشكيل واتخذ الاتجاه الذي حدده عمر ، كما أقلعت طائرات ابو صوير ، لكن كان الهجوم قد أنتهي وانسحبت طائرات العدو التي أتضح فيما بعد انها فانتوم بعد ان قامت بمهاجمه مواقع صواريخ سام حول المطار ودمرتهم تماما .
عاد احمد للمطار وهو حانق جدا لان الفانتوم قد ظهرت في الصورة الان وانه لم يتمكن من الاشتباك معها ، ودار حوار سريع مع عمر للاستفسار عن التحذير المتأخر والذي جعل الفانتوم تفلت من الاعتراض ، فصرح عمر بأن الطائرات المهاجمه كانت علي ارتفاع منخفض جدا جعل رصدها صعب جدا بالاضافه لاستخدام وسائل شوشرة متقدمه جدا .
(ودي هنحاربها ازاي اذا كنا مش قادرين نشوفها ونطلع لها ؟؟) قال طارق
ورد محمد ( أكيد لها حل ) وأستكمل في تحدي ( لازم نشوف لها حل )
في اليوم التالي 23 أكتوبر صدرت الاوامر للسرب بالاقلاع لاعتراض طائرات معاديه تقترب من الشمال وعزز السرب ثلاث طائرات من مطار ابو صوير ليصبح العدد ثمان طائرات مصريه في تشكيلين ، وقام عمر بتوجيه الطائرات لاعتراض العدو ابعد ما يكون عن مطاراته واقرب ما يكون لقواتنا ، وقرب القنطرة أشار عمر الي بدء تشكيل العدو في الانسحاب للشرق ، فواصل احمد وتشكيله المطارده لثوان ثم أستدار عائدا الي مطارة بينما عاد التشكيل الاخر ، في تلك اللحظات القليله من الهدوء في الجو ، أستطاع احمد أن يرصد احد تحصينات خط بارليف ، ولاحظ أحمد كبر حجم النقطه الحصينه وقربها من نقطه اخري ومن حولهم عدد من الجنود يلعبون الكرة فأحس احمد بغيظ كبير ، واصدر أمرة بمهاجمه تلك النقطه وملعب الكرة خاصه ، بكل ما يملكون من أسلحه ، وبكل سعاده بدأ الطيارين في الدوران لمهاجمه الحصن ، والذي لاحظ الجنود فيه ما يحدث فبدؤا في الركض لداخل الحصن .
أطلقت الطائرات ما معها من صواريخ جو جو وطلقات المدافع ضد الحصن بدون نتيجه واضحه ، وعند العوده كانت المشاعر مختلطه بين الرجال ما بين احباط وسعاده
( مكنش ممكن اسيبهم يلعبوا كورة واحنا طالع دينا في الحرب وعسكرنا قاعدين في الخنادق الناحيه التانيه ) قال احمد بلهجه غاضبه بعد عودتهم
ورد وليد ( بس صواريخنا معملتش حاجه في الحصن خالص ، أكننا بنضربهم بعلب صفيح )
محمد بحنق ( الكلاب دول عاملين تحصينات ولا تأثر فيها قنابلنا التقيله )
طارق ضاحكا ( كفايه اننا رعبناهم ، وزمانهم لغايه دلوقت مستخبيين )
بعد يومين أقلع أحمد ووليد وخالد مرة اخري لحمايه تشكيل من الميج 17 يهاجم موقع لصواريخ هوك المضاده للطائرات مرة اخري ويظل احمد يحلق بتشكيله قرب الاسماعيليه ، ويبلغ عمر بأقتراب تشكيل معادي من اتجاه العريش لمهاجمه الطائرات المصريه القاذفه ، وعلي الفور يأمر احمد طياريه بالقاء خزانات الوقود الاضافيه والتي خلت من الوقود ، وزياده السرعه والاتجاه في اتجاه بورسعيد شمالا .
تبدأ القاذفات في الانسحاب جنوبا بعد تنفيذ الهجوم ، الا ان الطائرات الاسرائيليه تقترب منها بسرعه كبيرة ، ويبدأ أحمد في الدخول لمقابله الطائرات الاسرائيليه فوق بورفؤاد والتي أتضح انها طائرتي سكاي هوك ، وعلي الفور يصدر احمد اوامرة لطيارية بالتفرق والاشتباك مع العدو ، ويلمح أحمد طائرة سكاي هوك تطبق بشده علي قاذفه ميج 17 مصريه بينما تتجه الاخيرة غربا منسحبه ،في نفس اللحظه التي اطبق فيها احمد مطلقه دفعات من مدفعه بتركيز شديد ليصيب الطائرة الاسرائيليه ، أطلقت السكاي هوك صاروخا أصاب الطائرة المصريه في جناحها في توقيت متزامن
ولم يكتف احمد بذلك بل واصل تسديد طلقاته للطائرة المعاديه التي تقلصت سرعتها بشكل كبير جدا ويقفز منها الطيار الاسرائيلي علي بعد امتار قليله من احمد تاركا طائرته تهوي ،بينما أستطاعت بقيه القاذفات الانسحاب ، ومازال خالد ووليد يناوران الطائرة المعاديه الاخري التي بدأت تنسحب ساحبه مقاتلاتنا خلفها ، ولولا موقف الوقود المتعثر ما أمر أحمد طياريه بالعوده للمطار .
ووسط مشاعر الراحه التي ملئته ، يتابع احمد الطيار المصري الذي قفز بدورة قبل لحظات من انفجار طائرته في الجو وهبط داخل بورفؤاد ، فتنفس احمد الصعداء ، واتجه عائدا الي مطارة .
ووسط هذه الحاله من الشد العصبي والطلعات المستمرة ، يأتي الأمر لاحمد بأجازة اجباريه لمده 48 ساعه ، وتعلل احمد بعده حجج واهيه طمعا في ان يظل في موقعه لا يغادرة ، وبعد عده محادثات ومناقشات ، اقتنع احمد بالاجازة لمده 24 ساعه فقط علي ان يقوم طارق بقياده السرب بالإنابه ،فوصل احمد منزله مساء الثالث من نوفمبر 1969 وفي صباح اليوم التالي وبينما احمد ينتهي من صلاه الصبح ، سمع دويا هائلا أصم الاذان وتبعه تكسر بعض نوافذ المنازل ، وتعاليت اصوات الصراخ من المنازل المجاورة من جراء هذا الصوت ، وأستيظت عائله احمد في فزع الا انه كان متماسكا وطلب منهم الهدوء والبقاء في المنزل .
ووسط صراخ السيدات اللاتي نزلن في الشوارع بملابس النوم وعويل الاطفال خوفا وهلعا ، قام أحمد بلبس ملابسه العسكريه واتجه فورا الي المطار وسط دهشه والده ووالدته .
وظهرا في المطار فوجئ الجميع بأحمد يدخل عليه قاطعا اجازته القصيرة متسائلا عما حدث في القاهرة
( دي طيارة فانتوم اخترقت حاجز الصوت فوق القاهرة ) صرح ايهاب
وتساءل أحمد ( وازاي عدت من الدفاع الجوي )
رد ايهاب ( اللي عرفته من عمر ان الفانتوم اخترقت من خليج السويس حتي حلوان بعيد عن نطاق الرادار بتاعنا ، ومن هناك طارت زيرو فيت فوق النيل حتي القاهرة )
خالد مندهش ( إبن الكلب، كل اللفه دي عشان يخترق حاجز الصوت فوق القاهرة !!!)
محمد (دي اسرائيل بتلعب حرب نفسيه قذرة علينا – دول بيقولوا للريس جمال احنا ممكن نوصل فوق بيتك في اي وقت ) سكت الجميع مفكرين في تحليل محمد
وأضاف طارق ( وبرضه بيقولوا لنا ان دفاعنا الجوي ملوش لزمه )
في نفس الوقت وصلت اشارة من القياده تفيد بأسقاط طائرة مصريه بواسطه الفانتوم ، فأشتعل أحمد غضبا وطاف يصيح في المكتب ( هما مش لاقيين حد يلمهم ؟؟ )
فرد طارق ( الفانتوم بتعلن عن وجودها بقوة – أحنا لازم نشوف لها حل )
وطوال الايام التاليه عكف الجميع علي اعاده قراءة المواصفات الفنيه للطائرة مرة اخري ، لكن مع منتصف شهر نوفمبر بدأ الموقف يشتعل مرة اخري في الجو ، فقد بدأت اسرائيل غارات مكثفه ضد وحدات الصواريخ المصريه ، وكان الطيران المصري في السماء يقاتل بشراسه محاولا وقف الهجمات
وفي العشرين من نوفمبر ، أقلع احمد ومحمد وخالد في مظله فوق منطقه العمليات ، وبعد لحظات جاءت اشارة من عمر ، بوجود هدف معادي شرق بورسعيد ، فزاد أحمد من سرعه طائرته وأنطلق تجاه الشمال علي ارتفاع منخفض ، وعلي الفور تم رصد طائرتين ميراج اسرائيلي تتجهان نحو بورسعيد ، فقام عمر بتوجيه احمد بحيث يكونان خلف طائرات العدو ، حيث لم ترصدهم رادارات الميراج نظرا للارتفاع المنخفض ، ثم دار احمد ووضع تشكيله خلف طائرات العدو التي سرعان ما اكتشفت وجود طائراتنا خلفها ،فأنفصل التشكيل المعادي بسرعه ، وكما تدرب الرجال فقد أنفصل احمد خلف احد الطائرات بينما خالد ومن خلفه محمد وراء الاخري ،وسرعان ما نشبت معركه جويه في سماء بورسعيد تابعها الاهالي والصيادين من علي الارض ، أمسك احمد بذيل الطائرة الاسرائيليه ، وظل الطيار الاسرائيلي يناور ويناور بكل ما أستطاع في مناورات رأسيه وافقيه حيث أستطاع أحمد في النهايه ان يضع الميراج داخل دائرة التصويب لديه ، وبسبب قرب المسافه فقد قرر ان يضرب بالمدفع ، واطلق دفعه مركزة أصابت جناح الطائرة
أستمر أحمد في المطارده الا ان صوت عمر جاءة بوجود طائرتين اخريين في المنطقه وتعذر اكتشافهم مبكرا ، فترك احمد الطائرة المصابه وحذر بقيه طياريه ، في نفس الوقت اعطي الامر لطارق بالاقلاع لتعزيزه ، كان خالد ممسكا بذيل الطائرة الاخري واطلق عليها صاروخين لكنهما ضلا طريقهما ، في نفس اللحظه التي بدأت فيها الميراج الانسحاب ظهرت طائرتي فانتوم في السماء خلف طائرة احمد ، فقرر محمد ان يسرع لنجده أحمد ، تاركا خالد يطارد الميراج التي تحاول الهرب .
أسرع محمد بكل سرعه للحاق بأحمد الذي يحاول الافلات من الطائرتين ، وفور سماع محمد لصوت احمد بأنهم فانتوم ، أحس بنشوة غريبه فها هي الفرصه تتاح له لاسقاط ذلك الشبح المخيف
ترك خالد المطارده بعد ان وجد ان فارق السرعه يتزايد لصالح الميراج الاسرائيليه فأستدار عائدا لنجده أحمد ، في نفس التوقيت كان طارق ووليد قد اتخذا اتجاه المعركه ،قام احمد بعده مناورات لتفادي صاروخ اطلقته الفانتوم لكنه في نفس الوقت كان يحتاج لدعم من محمد والذي وصل بدورة الي المعركه وأطلق صاروخا علي الفانتوم الثانيه في تصويب مثالي
والتي بصورة مفاجئه ناورت بعيدا عن الصاروخ مطلقه مشاعل ملتهبه أنفجر الصاروخ في احداها وسط ذهول من محمد ، لكنه أستكمل الاشتباك معها في غيظ بعد ان نجح علي الاقل في ابعادها عن احمد وإن ترك الطائرة الاولي تناور محاوله اصطياد طائرة احمد، ودخل خالد الي المعركه متأخرا ومازال طارق ووليد في الطريق ، وفي لحظه سمع الجميع صوت احمد يقول ( انا انصبت – هنط من الطيارة) ثم انقطع الاتصال به ، فعاد الجميع الي تركيزهم ، وزاد تصميم محمد علي اصابه الطائرة المعاديه
في ذلك الوقت أتخذت الطائرات المعاديه اتجاه الشرق مستخدمه سرعتها الكبيرة في التخلص من الاشتباك ، فأطلق محمد اربعه صواريخ ضلوا الطريق جميعهم ، ليعود ويحلق فوق منطقه سقوط طائرة احمد فوق بورسعيد ،ويتنفس الصعداء عند رؤيته للمظله تتهادي ببطء نحو الارض ، ويعطي محمد احداثيات هبوط احمد لعمر، في نفس الوقت يتم عوده الطائرات الي المطار سريعا وفي المساء يصل احمد وسط سعاده الجميع بنجاته ، الا ان محمد كان غاضبا كعادته ( ازاي ممكن نوقع الفانتوم ؟؟ صواريخ ومش نافع ولا حتي المدفع ، أنا مقدرتش اخذ وضع الضرب بالمدفع خالص )
أحمد منهكا ( وليه الصواريخ مش نافعه ؟؟)
محمد ( من لحظه ما ضربت الصاروخ ، لقيت فيه حاجات كده زي المشاعل بتطلع من الفانتوم في الوقت اللي الطيارة ناورت فيه ،كأن الطيار عرف اني ضربت صاروخ ، وفي الاخر الصاروخ انفجر في واحده من المشاعل دي بعيد عن الطيارة )
أحمد مفكرا ( ياولاد الجنّيه !!! دول عرفوا ان كل صواريخنا حراريه عشان كده الصاروخ بيروح للمشاعل دي ، لانه مش شايف غيرها ....... بس ازاي الطيار عرف ؟؟؟؟)
وبعد فتره من المداولات يصل عمر للاطمئنان علي احمد وللتباحث في أول معركه مع الفانتوم وجها لوجه
كان الاحباط هو السمه العامه رغم اصابه طائره للعدو ومنعه من تحقيق هدفه الا ان الفشل في مواجهه الفانتوم زاد رعب الطيارين منها ومن أنها لا تقهر ، وانعكس ذلك بالسلب علي بقيه الطيارين في مختلف المطارات ، حيث أصبح السرب 77 وغموضه وجراءته في القتال أصبح يمثل الروح الجديده التي تمسك بها الطيارون الجدد ورغم تكبد السرب لخسائر إلا ان سمعته كان عاليه ، وفشل طياريه في اسقاط الفانتوم كان صدمه لباقي الطيارين ناهيك عن إسقاط طائرة قائد السرب 77 وكان احمد يعلم قيمه السرب المعنويه لباقي الاسراب الاخري لذلك كان كان متحمسا ومتحديا اكثر واكثر في اسقاط طائرة فانتوم ، ذلك الشبح الذي ارسلته امريكا لمنطقتنا لكي يرتع فيها كيفما شاء
وفي اليوم التالي أستلم احمد طائرة جديده من مطار غرب القاهرة وطار بها مباشرة الي مطاره وكان كل ما يشغل باله هو الرد علي اختراق حاجز الصوت فوق القاهرة وفشله في اسقاط فانتوم ، وتشاء الاقدار ان يتم استدعاء احمد لمقابله رئيس اركان القوات الجويه والذي يسلمه أمر عمليات بعمليه فائقه الاهميه والسريه ، وفي المساء عاد احمد يحمل مظروفا يحمل خرائط وقلبا ملئ بالحماس فأستدعي عمر من أبوصوير ورئيس الفنيين ثم جمع الطيارين جميعهم قائلا ( احنا لازم نرد علي اللي حصل فوق القاهرة ، وعشان كده القياده كلفتنا بعمليه مهمه وسريه ، عمليه نقول بيها لليهود اننا موجودين ، لكن مش هننفذ الا لما نكون جاهزين تماما)
تشوق الجميع لمعرفه هذه المهمه والتي صرح أحمد بأن طارق سيصحبه فيها ، وأستمر شرح احمد لخطته وقتا ، ساد العبوس وقتها وجه محمد لعدم اختيارة لتنفيذ تلك المهمه الجريئه ، ثم أنطلق الرجال ينفذون التعليمات التي اصدرها احمد ، وبعد يومين صباحا خرج احمد وطارق الي طائراتهم يتأكدون من جاهزيتها، لم تكن الطائرات مسلحه بصواريخ ولا حتي طلقات مدافع ، فقد تم أستبدال وزن الاسلحه بخزاني وقود أضافيين علي الاجنحه لتحمل كل طائرة 3 خزانات وقود تحمل كميه وقود محسوبه بدقه متناهيه ، ويستعد الاثنان في الوقت الذي اتخذ محمد وبقيه الطيارين وضع الاستعداد للطوارئ .
أستعد احمد وطارق جيدا وتأكدا من مسدسيهما جيدا ، واطمئنا علي وجود ذخيرة كافيه وساعدهم بقيه الطيارين في التجهيز وسط تعجب الفنيين من الاهتمام الشديد بهذه الطلعه ، ثم انزوي احمد بطارق لدقائق ، ثم ركب كل منهم طائرته .
وأقلعت الطائرتين تحملان كميه كبيرة من الوقود وبدون اسلحه نهائيا في مهمه انتحاريه ، اما الهدف فكان اختراق حاجز الصوت مرتين فوق تل ابيب – عاصمه العدو .
أقلع احمد وطارق وانطلقا علي ارتفاع منخفض جدا تجاه الشمال ومن فوق بورسعيد أستكملت الطائرتين طريقهما تجاه الشمال الشرقي ، وفوق امواج البحر بقليل طار الاثنان بسرعه كبيرة ، بينما عمر يحدق في شاشه الرادار منتظرا اقلاع اي طائرة معاديه لابلاغ احمد ، والذي لم يعلمه احد ان قاده القوات الجويه كانوا يتابعون شاشات الرادار لمتابعه رد فعل العدو في غرفه العمليات ، فهي عمليه مهمه جدا وحساسه وتتطلب طيارين علي درجه عاليه جدا من المهاره والجرأه أو بالادق الفدائيه ، ورغم ان احمد وطارق لا يظهران علي الرادار لارتفاعهم المنخفض ،فقد كانت الاعين مسلطه علي القواعد الجويه الاسرائيليه .
مر احمد وطارق علي مسافه من شواطئ غزة ، واستمرا في طريقهما وكل منهم ممسك بعصا التحكم بكلتا يديه نظرا لصعوبه التحكم في الطائرة علي الارتفاع المنخفض والسرعه العاليه .
لمح عمر طائرتين معاديتين تطيران فوق شمال سيناء قرب المكان المفترض لاحمد وطارق في نفس الوقت فحبس انفاسه ، لكن الطائرتين كانتين في دوريه عاديه ووضح ذلك جليا لعمر فلم يعرهم اهتمام وتابع متابعه بقيه القواعد المعاديه وهو يدخن سيجارته بعصبيه بالغه ،بينما محمد ووليد وجمال يجلسون بجوار اللاسلكي في شده القلق علي زملائهم ، وحيث ان التعليمات كانت بصمت لاسلكي تام ، فلم يكن لاحد ان يعرف مكانهم ، الا احمد الذي ظل متابعا موقعه بواسطه خريطه وضعها علي فخذه ليتابع الموقف بالبوصله وعداد السرعه .
ومر وقت والاثنان يطيران حتي ظهرت تل ابيب علي الافق ، وبعد اشارات متفق عليها أبطأ طارق قليلا من سرعته واتخذ مكانه خلف احمد بمسافه متوسطه تصل الي كيلو مترين ، ثم أتخذا مسارا عموديا علي الشاطئ وانطلقا بأقصي سرعه فوق المدينه بعد ان القيا خزاني الوقود الاضافيين بعد ان فرغا تماما
في تلك اللحظه كان سكان تل ابيب يعيشون حياتهم العاديه في نشوة وسعاده في ظل احساس لا نهائي بالامن والامن بفضل جيش الدفاع وذراعه الطويله ( الطيران ) وبفضل نشوة انتصارهم في يونيو 67 ، الا ان صوت انفجارين متتاليين هزا المدينه هزا وجعلا زجاج المباني يتساقط من فرط قوة الانفجار ،فعم الذعر انحاء المدينه وهرب السكان الي الملاجئ ، ولاول مرة تطير طائرات معاديه فوق تل ابيب منذ عام 1948 ، واتجهت الطائرات عائده تجاه البحر مرة اخري علي نفس الارتفاع المنخفض ، كانت سعاده احمد وطارق لا توصف بعد ان استطاعا النفاذ الي عاصمه العدو وترويع سكانها ردا علي ما قامت به الفانتوم فوق القاهرة
في تلك اللحظات القلقه كان عمر يتابع الطائرات الاسرائيليه في سيناء والتي لم يظهر علي حركتها اي تغير يذكر او استنفار ، ووصلت اشارة لاسلكيه برصد نشاط جوي مفاجئ في شمال اسرائيل والجولان المحتل، فتبسم عمر وكتم انفعاله حتي علي من حوله وأستمر يدخن في تركيز شديد.
كانت خطه احمد هي الاستمرار علي اقل ارتفاع ممكن لاطول فترة ممكنه قبل الارتفاع وتقليل استهلاك الوقود والذي كان استهلاكه عاليا جدا في ذلك الوقت خاصه بعد التخلص من خزان الوقود الاضافي الاخير وبدء استهلاك وقود الطائرة نفسها ،وقدر احمد موقعه مرة اخري طبقا للسرعه والخريطه وساعه يده فوجد انه لابد وان يكون موازيا لبحيرة البردويل في شمال سيناء ، وطبقا للسرعه الحاليه فلديه حوالي 4 دقائق ويكون فوق المناطق المصريه ، فأرتفع قليلا وسرعان ما رصده عمر علي الرادار ،فأعطي الاذن لمحمد بالاقلاع لحمايه تشكيل احمد وهو عائد، وبعد دقيقيتن كان محمد ومعه وليد وخالد قد اقلعا في اتجاه الشمال للتقابل مع تشكيل احمد .
في هذا الوقت كانت البلاغات ترد لغرفه عمليات القوات الجويه ومنها الي غرفه عمليات ابوصوير من الاردن وسوريا بنشاط جوي مكثف فوق شمال ووسط اسرائيل مما يعني ان الاسرائيليين يبحثون عن شئ ،
فضحك عمر من سوء تقدير الاسرائيليين الذين ظنوا انها طائرات سوريه .
وبعد دقائق هبط احمد وطارق وخزان وقودهما يكاد يكون صفرا ، لدرجه ان محرك طائرة احمد توقف قبل ان يدخل بطائرته وسط الاشجار ، فقد أمضي الطيارين وقتا قبل تنفيذ المهمه يدرسون السرعات والارتفاعات التي سيطيرون بها لكي يكفي الوقود المتاح، وبالفعل نجحوا في حسابه بدقه
وسرعان ما بدأت التهاني تنهال علي احمد وطارق علي ذلك النصر المعنوي المهم الذين حققوة ، وكان شعور احمد بالثقه عاليا ويكاد يكون نفس شعورة قبل النكسه بالضبط ، فظهرت ملامح وجهه سعيده لاول مرة منذ فترة كبيرة وعاد البريق الي عينيه بعد طول غياب وما زاد فرحتهم هو تحميل اسرائيل لسوريا مسئوليه الاختراق مما يعني ان اسرائيل لم تتوقع هذا الفعل من جانب مصر وانها تحس بالامان التام ، وفي المقابل وطبقا للمخطط فلم تنشر مصر اي خبر يتعلق بهذه الواقعه وكأن الواقعه لا تعنينا فعلا وإن علم بها الطيارين في مختلف الاسراب ، فزادت شعبيه السرب 77 الي السماء وارتفعت معنوياتهم بعد ان اعلنوا لانفسهم انهم قادرين علي ترويع العدو مثلما يروع اهلنا في مدنهم ، فقد كانت حرب نفسيه بشعه ، تحمل الجيش والشعب تبعاتها بكل جلد وتصميم .
وبعد شلال الفرح سأل محمد –أحمد عن السبب في عدم اختيارة لهذه المهمه ، فرد احمد مبتسما ( انا فكرت فيك ، بس مكنتش ضامن رد فعلك لما تلاقي نفسك فوق تل ابيب )
فتبسم محمد متفها وجهه نظر قائده ،وانصرف صامتا .
ومر يومين هادئين علي الجبهه وذلك في اواخر نوفمبر 69 ، سمحت بأعاده ترتيب الاوراق وحضور عدد من المحاضرات النظريه للطيارين .
ومع قرب نهايه نوفمبر 69 أنطلق الطيران الاسرائيلي مرة اخري يهاجم بكل ضراوة مواقع الدفاع الجوي ومنشأته الخرسانيه التي مازالت في طور البناء ، فدخلت الفانتوم والسكاي هوك والميراج الي الجبهه المصريه بكل قوة تقذف مئات الاطنان من المتفجرات علي كل موقع للدفاع الجوي من قناه السويس حتي القاهرة
وكان الطيارون في السماء، يحاولون بشتي الطرق منع القاذفات الاسرائيليه ونشبت معارك جويه كثيرة وتساقطت الطائرات من الجانبين ، وكان طياري السرب 77 في السماء يتصدون للعدو ببساله وأستطاع وليد وخالد أسقاط طائرة لكل منهم ، وكان اعتماد القياده علي السرب دافعا لاجاده اكثر وتصميم أكثر
لكن الشئ الذي أرق الجميع هو عدم التمكن من المساس بالفانتوم او اصابتها طوال شهرين من العمليات ، فقد اصبحت كابوس يؤرق كل الطيارين، لدرجه ان الطيارين أصبحوا يعتقدون فعلا انها لا تقهر ،وزادت الخسائر في الطائرات والطيارين المصريين ، لكن ظل السرب 77 محتفظا بعدده ، وزاد ضغط العمليات علي السرب نتيجه الاعتماد الكبير عليه ، وفي الاول من ديسمبر أقلع أحمد ومعه محمد ووليد لاعتراض تشكيل طائرات يقترب من الاسماعيليه علي ارتفاع متوسط ، قدر عمر عدد الطائرات المهاجمه بأربع طائرات ، ثم زادهم عمر الي سته طائرات عندما وضحت صورتهم علي الرادار مما أستدعي أقلاع طارق وخالد للتعزيز ، وفور اقتراب طائرات العدو من خط القناه ، اعلن عمر انسحاب ثلاث طائرات للعدو في اتجاه الشرق ، فأمر احمد – محمد بمطارده تلك الطائرات والتي أتضح فيما بعد انها فانتوم ، فعندما أقترب محمد من خلفها وعلي مسافه 5 كيلومترات منها ، القت الفانتوم بقنابلها بالصحراء فوق سيناء وزادت من سرعتها منسحبه ، فعاد محمد حزينا من هروب ذلك الصيد الثمين مرة اخري، في ذلك الوقت كان احمد ووليد مشتبكين مع ثلاث طائرات ميراج فوق القناه ووصل طارق وخالد لسماء المعركه ودارت معركه قصيرة أصيبت فيها طائرة خالد واضطر للقفز منها فوق القناه ، في نفس اللحظه وصل محمد لسماء المعركه ولمح علي الفور مظله خالد ، لكن ما شد انتباهه هو دوران طائرة ميراج للانقضاض علي خالد الذي يتهادي في السماء نازلا للارض بمظلته ، احس محمد بمدي قذارة ذلك الطيار ، فأسرع منقضا عليه مطلقا صاروخا ، أنفجر بعيدا لكنه شتت تركيز الطيار الاسرائيلي لوهله جعلته يبتعد أمتار قليله عن مظله خالد منقذا الاخير من موت محقق ، ويستمر محمد في مطارده الميراج ويقلص المسافه معها ويلجأ للمدفع كحل أمثل بدلا من الصواريخ ، ويطلق عده دفعات ثم يتعطل مدفعه عن العمل وعبثا حاول الضرب ، فطلب من زملائه التدخل لان الميراج في وضع مناسب جدا للضرب ، لكن الثلاثه كانوا في دائرة المعركه مع طائرتين ميراج ، ولم يستطع اي منهم الخروج منها
اعلن عمر ان ثلاث طائرت تعزيز قد اقلعت من ابو صوير وأمامها دقيقتين للوصول ، فتمتم أحمد بأن المعركه ستنتهي في اقل من ثلاثين ثانيه ، أما محمد فواصل ملاحقته للميراج مصورا للطيار المعادي انه مازال في الاشتباك ، وفورا رصدت الرادارات الاسرائيليه وصول طائرات تعزيز مصريه فأبلغت طياريها بالانسحاب بعد ان أسقطوا لنا طائرة وبدون خسائر لهم .
عاد السرب 77 سريعا لمطارة وبدأ محمد سريعا مع الفنيين في اصلاح مدفع طائرته وقبل حلول الليل كان المدفع قد أصلح وعاد خالد للمطار ، وطبقا للتعليمات المشدده بأستعواض اي طائرة بأقصي سرعه لان المرحله لا تحتمل أي نقص في عدد الطائرات المدافعه ، فقد انطلق خالد ليلا تجاه مطار غرب القاهرة ليقلع مع اول ضوء عائدا بطائرة جديده ، وكما هو معروف في ذلك الوقت ان عدد الطائرات كان يزيد عن عدد الطيارين بالاضافه لوجود اولويه قصوي لطائرات السرب 77 ، فكان استعواض الخسائر في الطائرات يسيرا
وبعد عده أيام يعاود السرب أقلاعه مرة اخري لاعتراض تشكيل معادي فوق بورسعيد ، وتنطلق الطائرات بتوجيه عمر لقطع خط تقدم تلك الطائرات ، وكما حدث في المرة السابقه فقد انسحب جزء من الطائرات ، لكن احمد شدد علي تماسك التشكيل ، وتم اعتراض التشكيل المعادي فوق سماء مدينه بورسعيد ، وأتضح انهم ثلاث طائرات سكاي هوك ، والتي انفصلت عن التشكيل محاوله ضرب طائراتنا
فتدخل وليد خلف احد الطائرات ومن خلفه احمد لحمايته ، بينما خالد وطارق خلف الطائرة الثانيه ، وانفرد محمد بطائرة ثالثه ، في البدايه أستطاعت الطائرة الاولي الافلات من متابعه وليد لها فتتبعها احمد ، اما الطائرة الثانيه فقد انطلقت بزاويه شبه رأسيه تجاه السماء ، ثم بنفس الزاويه تجاه الارض ، وبمهارة تامه أنقض طارق مسددا صاروخين متتاليين نحوها أصابها احدهم ثم تابع بالرشاشات حتي انفجرت الطائرة الي أشلاء وبدون ان يستطيع الطيار ان يقفز منها ، ونظرا لقرب مسافه الاشتباك فلم يستطع طارق ان يغير اتجاهه ، ليدخل بطائرته وسط كرة النار المتبقيه من انفجار الطائرة المعاديه لتصاب طائرته فورا بأضرار كبيرة ، وينسحب من المعركه تجاه الجنوب وهو يحاول السيطرة علي طائرته ، وبينما عمر يتابع علي شاشات الرادار ما يحدث فقد رصد أقلاع طائرات معاديه لتعزيز تلك الطائرات ، فأقلعت اربع طائرات من مطار الصالحيه لاعتراضها ، بينما قرر أحمد الانسحاب من المعركه بعد تعمقه في سيناء خلف الطائرة المعاديه التي افلتت من اربع صواريخ اطلقها احمد ، وفي تلك الفترة كان محمد مازال مطاردا للطائرة الثالثه وعندما علم من احمد بقرب وصول طائرات معاديه أستكمل مطاردته لها مصرحا بأن الطيار الاسرائيلي جيد جدا وانه لن يتركه يعود حيا ، فًًقدر احمد الموقف مع عمر سريعا واعطي محمد ثلاثين ثانيه اخري ثم ينسحب ، كانت هذه الفسحه من الوقت كافيه جدا لمحمد لكي يطلق عده دفعات علي الطائرة الاسرائيليه ليصيبها فقط ، ومع انقضاء المهله أصدر احمد أمرة لمحمد بالعوده ، وبنظرة حسرة تابع محمد انسحاب الطائرة الاسرائيليه وهي تجر ورائها ذيلا من الدخان الاسود ، وانتهت المعركه بينما طارق يستميت في التحكم في طائرته ، وعند أقتراب أحمد منه معاينه حجم الاضرار أمرة باختيار منطقه مناسبه والقفز ، وكان طارق مثله مثل اي طيار ، يحس بأن طائرته لا يجب ان تفارقه الا بالموت وأنها جزء لا يتجزأ منه ، لكن الوضع لا يتحمل مشاعر وعاطفه هكذا قال احمد ونفذ طارق ، فقفز بمظلته غرب الاسماعيليه .
وفي اليوم التالي حضر الدمنهوري ليشد من أزر الرجال ويبلغهم تحيه القياده لهم وخاصه الرئيس عبد الناصر ، فقام عمر من مكانه فاغرا فاه ( الريس جمال بيحيينا !!؟؟!!)
فتبسم الدمنهوري قائلا ( طبعا – الريس متابع كل صغيرة وكبيرة في الجيش وعارف شغلكم والدور اللي بتقوموا بيه انتوا واخوانكم في الجيش والبحريه والدفاع الجوي ، والريس مقدر جدا التضحيات اللي بتحصل كل يوم )
فنظر الطيارين لبعضهم البعض وقد علت المعنويات وظهرت الابتسامات علي الوجوه سعيده بدعم رئيس الجمهوريه ، وأستطرد الدمنهوري ( انا جاي لكم عشان معايا خبر بمليون جنيه ) فوقف الجميع علي اطراف اصابعهم بينما صاح محمد بحماس ( هنعدي القناه ؟؟؟؟)
الا ان الدمنهوري هز رأسه نافيا وقال بفخر ( من شويه وقعنا اول فانتوم في أشتباك جوي ) قام الجميع من اماكنهم فرحين مصفقين وقد تعالي التكبير ، وأستكمل الدمنهوري( البيان هيتذاع الساعه 7 ابقوا اسمعوة) فتساءل محمد ( مين اللي مجبتوش ولاده ده اللي وقعها )
رد الدمنهوري سعيدا ( الملازم اول احمد عاطف)
فهتف وليد وخالد في وقت واحد ( احمد عاطف دفعتنا – ده ممتاز بجد )
اعقب ذلك حديث حماسي طويل بين الرجال وبين الدمنهوري عن كل صغيرة وكبيرة في ظروف الاشتباك وقال الدمنهوري ما يعرفه فقط فهو ليس بطيار ليرد علي اسئله الطيارين الفنيه وفي النهايه وبعينين تشعان بريقا قال احمد ودخان سيجارته يتصاعد حوله ( يعني الفانتوم ممكن تقع اهي ، امال احنا خايفين منها ليه .... ) ثم نظر لرجاله قائلا في حماس ( من بكرة ... هنخش ورا الفانتوم في كل اشتباك وهتكون هدفنا الاول، واذا كان احمد عاطف وقعها يبقي اي حد فينا يقدر يوقعها برضه )
وانفض الاجتماع الحماسي قبل التاسعه مساءا بقليل وخلد الطيارين للنوم بينما احمد مستيقظ يفكر في صديق عمرة مدحت المليجي وعن شعورة لو كان متواجد الان ليري ضراوة القتال الجوي ، وطافت ذكرياتهم معا وقتا طويلا حتي نام أحمد من فرط التعب
وفي فجر اليوم التالي أستيقظ الرجال أشد حماسه وقوه واضعين الفانتوم نصب اعينهم ، ليس لشئ الا لكسر عقده بدأت تنمو في نفوسهم بأن الفانتوم غير قابله للتدمير ، ويجب القضاء علي تلك العقده بأي شكل، في ذلك الصباح هبط طارق بطائرته الجديده وبدأ الفنيين في فحصها واعاده تجهيزها للاقلاع
واجتمع احمد بطياريه مفكرا بصوت عال بأنهم يجب ان يقوموا بعمل كمين للطائرات المعاديه وخاصه الفانتوم قائلا ( لما احنا بنخش في اشتباك ، هما علي طول بيطلعوا طيارات تعزيز ، فا احنا بننسحب علي طول وده صح لان ظروف الاشتباك دايما مش في صالحنا ، طب ازاي نحط نفسنا في ظروف أشتباك احسن ؟؟) فأطرق الجميع يفكرون بينما الفنيين يجهزون الطائرات للاقلاع
ظل الطيارين يتناقشون في اساليب القتال مع العدو ، واضعين في اعتبارهم تفوق اجهزة الرصد والرادارات الاسرائيليه، مما يجعلهم دائما في وضع أفضل ، فالطائرات الاسرائيليه تقلع فور اقلاع اي طائرة مصريه أي انها تكتشف جميع التحركات الجويه المصريه فور وقوعها ، في حين ان الرادارات المصريه لا تكتشف الطائرات الاسرائيليه الا لمدي معين .
وبعد فترة أنذر عمر السرب بوجود طائرتين تقتربان من بورسعيد ، فأقلع احمد وطارق ومحمد لاعتراضها ، وتبعهما محمد بعد فترة للتعزيز ، وقرب القنطرة أفاد عمر باختفاء طائرات العدو من شاشات الرادار
مما أربك أحمد فقسم التشكيل في ثلاث اتجاهات لاستطلاع المنطقه ، وبعد دقائق أفاد عمر بظهور الطائرتين شرقا فوق بورفؤاد فتوجه احمد للاشتباك وتجمع التشكيل مرة اخري .
كانت الطائرات المصريه قد أستهلكت جزء من الوقود نتيجه البحث عنهما ، وعند اقتراب تشكيل احمد ، تم رصد الطائرتين واتضح انهما فانتوم ، فتعالي الحماس بين الطيارين لظهور الفانتوم .
أنطلقت الفانتوم بموازاه القناه الي الجنوب بسرعه عاليه ، فأمر أحمد باقلاع وليد وخالد واعتراض الطائرتين ، في ذلك الوقت نبه عمر التشكيل لوضع الوقود ، كان تشكيل احمد يطبق علي الفانتوم من الخلف بينما خالد ووليد يقطعان الطريق عليها ، لكن احمد أحس بالقلق البالغ ، فهو علي وشك العوده لاعاده الملئ بينما خالد ووليد بمفردهما ، وفجأه ظهرت من العدم طائرتين ميراج خلف تشكيل احمد ، ففزع عمر وهو يري تلك الطائرتين خلف احمد ونبهه لذلك بينما أقلعت طائرتين لتعزيز احمد من ابو صوير وطائرتين من قاعده المنصورة، لكن المعركه ستنتهي قبل ان تصل اي من طائرات التعزيز تلك ، فناور احمد وهو يطلب التوجيه من عمر
وانفصل التشكيل في سماء المعركه بينما أنسحبت الفانتوم شرقا ، كان الموقف جد عصيب فأقترح عمر منفذا للمأزق الصعب ذلك وهو ان ينسحب احمد تجاه ابو صوير تاركا الدفاع الجوي يتكفل بمطارديه ،
فأعطي احمد الامر لطارق ومحمد بالاتجاه لابو صوير علي ارتفاع منخفض وبأقصي سرعه بدون الالتحام في التشكيل بينما يطارد خالد ووليد مطارديه ، كانت فكرة جيده لكن وضع الوقود كان حرجا ، كان انسحاب احمد في ذلك التوقيت له نتيجه سلبيه علي طياريه الذين تعودوا علي الاشتباك الدائم ، لكن كان له نتيجه ايجابيه اخري ، فقد اقتربت طائرات التعزيز من تشكيل احمد بأسرع مما توقع وخالد ووليد يطبقان من الخلف بينما هو وتشكيله يناوران الصواريخ الاسرائيليه المنطلقه خلفهم بكثرة ، وسرعان ما ادركت الطائرات الاسرائيليه الكمين المصري فأنسحبت سريعا ، ليتنفس احمد الصعداء ويحمد الله
وليلا جلس الرجال يتناقشون في الكمين الاسرائيلي لهم ، وأن مشكله الرادارات المصريه التي لا ترصد الطائرات التي علي ارتفاع منخفض اصبحت تؤرقهم كثيرا ، ففكر الجميع في حل لهذه المشكله ، فتحدث محمد ( دي مشكله عندهم زي عندنا ، الرادارت بتاعتهم مبترصدش طيارتنا برضه يعني احنا ممكن برضه نعمل لهم كمين ) فتساءل وليد عما اذا كان لديه فكرة فأستكمل محمد شارحا علي الخريطه
( احنا دايما بنعترض الطيارات في مناطق محدده ، وهو بيكونوا جاهزين لنا ، طب ما نطلع علي ارتفاع واطي جدا ونعترضهم داخل ارضهم من وراهم قبل ما يضربوا اهدافهم ، وبكده الفانتوم هتكون ثقيله وبطيئه ومش هتكون مستعده ) طالت المناقشات الي ان وصل الجميع الي تصور معين وبدأوا يعدوا له العده .
في اليوم التالي وصلت اشارة تحمل تحذيرا من الوقوع في كمائن الطائرات للعدو ، وليلا حضر العقيد فريد وشرح للرجال تكتيك القوات الاسرائيليه في استدراج طائرتنا لمدي ابعد من مدي الوقود واعتراضها بطائرات لا تظهر علي الرادار ، وعندما أبلغه احمد بأنهم شارفوا علي الوقوع في مثل الكمين لكنهم نجوا منه قال لهم العقيد فريد بأن عددا من طيارينا أستشهدوا بسبب هذا الاسلوب .
وتحاور الجميع في تغير تكتيك العدو خاصه بعد وصول الفانتوم ، فأخبرهم الرجل بان القياده تنظر للسرب ومتوقعه منه نتائج جيده طوال الوقت .
بعد مغادرة العقيد فريد المطار ، عكف احمد في مكتبه يدرس اسلوب العدو وتكتيكاته وكان همه الاساسي عمل كمين لطائرة فانتوم .
في تلك الاثناء كانت الغارات الاسرائيليه علي مواقع الدفاع الجوي مستمرة ، وكانت الطائرات الاسرائيليه تستغل تكتيك يكشف عجز الدفاعات المصريه ، فقد كانت تهجم علي ارتفاع منخفض جدا يعجز عن رصدها الدفاع الجوي المصري ، ثم ترتفع بمجرد اقترابها من الهدف لتقصفه وتنسحب عائده مستغله سرعتها العاليه ، متفاديه اي مطارده لطائرات مصريه
طوال نوفمبر وديسمبر 1969 نجحت الطائرات الاسرائيليه في تدمير 36 موقع لصواريخ سام 2 و سام 3 بطول الجبهه وحتي القاهره وأنتكس الدفاع الجوي المصري بصورة رهيبه وظهر عجز القوات الجويه علي منع الطيران الاسرائيلي وبل وعن حمايه سماء مصر
وفي أخر ديسمبر ووسط القتال المشتعل في كل ارجاء الجبهه يخرج السرب مرة اخري في دوريه قتال فوق الاسماعيليه ، ويرصد عمر اقتراب طائرتي قرب دوريه السرب ، فيقرر أحمد أطلاق طائرات تعزيزه من المطار 77 وسط بوادر بمعركه جويه وشيكه الا ان الطائرات الاسرائيليه ترصد الطائرات المصريه
وتغير مسارها ، ويعود احمد غاضبا من عدم تمكنه من عمل كمين للطائرات الاسرائيليه ، وفي اليوم التالي ومازال الغضب يتملكه تصدر اوامر للسرب بحمايه تشكيل من الميج 17 سيقوم بضربه لموقع رادار اسرائيلي في العمق مقابل للاسماعيليه ، فيضع احمد خطته بأن يكون وليد وخالد في الطلعه الاولي ،
بينما يكون هو ومحمد وطارق مستعدين للتعزيز ، وكان ذلك غير مألوف حيث كان احمد مقرر سلفا بأن يكون في كل طلعه جويه والا يترك طياريه بمفردهم بدون ان يكون معهم ، لكن كان هناك ما يدور في عقله لم يعلمه احد ، وعليه فقط اعطي الاوامر السالفه الذكر .
وفور تنفيذ القاذفات قصف الهدف ،أقلع خالد ووليد لحمايتها شرق الاسماعيليه ، وكانت تعليمات احمد هي الاقلاع بباقي الطائرات فورا وعلي ارتفاع منخفض جدا والاندفاع داخل سيناء من مناطق غير مرصوده من العدو بين تحصيناته الدفاعيه ، كل ذلك تم بالتنسيق مع عمر وفي ظل سيطرة من قيادات القوات الجويه ، وطبقا للمتوقع فقد اقلعت طائرتين من مطار رافديم (المليز سابقا) ومن سرعتها أيقن عمر انها فانتوم ، فقام بتحذير خالد ووليد بصوت مرتبك تحسبا لرصد اشارته ، لكنه في الحقيقه كان يكلم احمد والذي طار مع محمد وطارق علي ارتفاع منخفض جدا بمهارة متجهين شرقا ، وعند بدء الفانتوم الاقتراب من خط القناه لتلحق بالقاذفات الميج وتشتبك مع خالد ووليد ، قام تشكيل أحمد بالدوران علي ارتفاع منخفض جدا واتخذ لنفسه موقع خلف الفانتوم ، وكانت الاشارات من عمر الي وليد في الحقيقه مرسله لاحمد ، حيث عمل وليد علي تردد مفتوح للاستماع فقط ، وهكذا أمكن لاحمد وضع الفانتوم داخل كمين ، علي الفور أطلق الثلاثه صواريخهم تجاه الطائرتين ، واللتين بدأتا في أطلاق المشاعل المضلله للصواريخ ونجحتا في ذلك ، فتزايد التحدي لدي الطيارين الخمسه وتحول القتال الي المدافع ، ومع انفصال تشكيل الفانتوم وفي ظل تفوق عددي مصري ، رصد عمر اقلاع اربع طائرات من نفس القاعده الاسرائيليه ،الا ان تعليمات احمد كانت صارمه بالاستمرار في الاشتباك مهما كانت الظروف ، فقد كان شوقه لاسقاط فانتوم كبيرا جدا، وفي نفس الوقت أقلعت ثمان طائرات مصريه من ابو صوير كانت جاهزة لهذا الموقف ، أمسك محمد ومعه خالد بذيل طائرة ، بينما يحاول طارق وخالد الامساك بذيل الاخري ،أما أحمد فقد كان يحلق عاليا معطيا تعليماته لطياريه كصانع العاب
كان محمد مصمم أشد التصميم علي أسقاط الفانتوم خاصه ان الطيار لم يستخدم كل امكانيات طائرته في المناورة ، فتم الضرب عليه بالصواريخ من مسافه قريبه ، فأصاب الصاروخ جناح الطائرة ، ثم تحول محمد للمدفع وهو يضرب ويصيح بكل كراهيه ( موت – موت يا ابن الكلب ) حتي أشتعل محرك الفانتوم ، فقام محمد بالدوران حتي تأكد إسقاط الطائرة ، فتهلل عمر طربا للنسر الاصلع ونجاحه ،ورصد محمد مظله لاحد طياري تلك الطائرة ، فتوجه للمظله مطلقا نيران مدفعه في غضب
شاهد احمد ما يحدث ولفت نظرة صوت خالد ينهر محمد عما ينتوي فعله مع الطيار الاسرائيلي ، فتدخل أحمد أمرا محمد بالكف عن مطارده الطيار ، أما طارق فقد اطبق علي الفانتوم الاخري وأطلق عده دفعات من مدفعه أصابت الطائره في ذيلها ، وصاح طارق سعيدا ( اصبت الفانتوم )
ففرح أحمد وأمر طارق بالعوده بعد ان تأكد من انسحاب الطائرة الاخري ...
عاد أحمد الي مكتبه بالمطار وأتصل بالقياده سعيدا ،وهو يبلغ ان السرب 77 أسقط طائرة فانتوم واصاب أخري .
كان الجميع في قمه السعاده وهم يقصون علي بعضهم البعض ما تم في الجو بينما اختلى أحمد بمحمد في حوار هادئ بجوار احد الطائرات ( مينفعش يا محمد نعمل معاهم نفس اللي هما بيعملوة معانا )
بدء محمد في الزمجرة معترضا ، فأكمل احمد ( احنا محترمين وبنحترم القوانين ودينا بيقول لنا منقتلش واحد اعزل ) فحاول محمد ان يعترض مرة اخري الا ان أحمد انهي الموضوع بكل هدوء وأدب
( لو سمحت يا محمد ، الموضوع ده ميتكررش ، وتشيله من دماغك خالص لو عايز تفضل معانا )
أستمرت الغارات الاسرائيليه علي مواقع الصواريخ المصريه مع بدايه عام 1970
وفي يناير قلت الغارات قليلا ، فقد تم تدمير كافه منصات الصواريخ بالجبهه تماما
وكان الرجال في قمه النشاط والحيويه ورغم مرور عام كامل من القتال المستميت دفاعا وهجوما لاثبات الذات ، فقد وصل افراد
ومرت عده أشهر نزل فيها طارق ووليد وخالد اجازة عده مرات ، بينما ظل أحمد ومحمد في المطار بعد ان تفرغا بصورة كامله للقتال وقاما بأكبر عدد من الطلعات في السرب .
وكانت الاشتباكات البريه لا تهدأ يوما بعد ان تحول مصطلح الاستنزاف الذي اطلقه الرئيس عبد الناصر الي فعل ، فتحولت الاشتباكات الي حرب الاستنزاف للطرفين ، فالمنتصر هو ما يكبد العدو اكبر قدر من الخسائر في الافراد والمعدات ويتحمل في نفس الوقت خسائرة ، وزادت شهره المجموعه 39 والصاعقه ومنظمه سيناء عربيه داخل اروقه القوات المسلحه بفضل ملاحم البطوله التي تقوم بها يوميا تقريبا ، اما علي نطاق قوات الدفاع الجوي فقد تم نشر عدد كبير من الصواريخ سام 2 ترافقها اعداد كبيرة من المدفعيه المضاده للطائرات ، وبجوار المطار 77 رابطت وحده صواريخ سام 2 ، وكان ذلك مبعثا للراحه بين طياري السرب من وجود دفاع جوي قريب منهم
وفي سبتمبر 1969 وبناء علي تعليمات الرئيس عبد الناصر بالقيام بمجهود جوي يخفف الضغط قليلا عن القوات البريه ، فقد أنطلقت اكثر من مائه طائرة مقاتله وقادفه في هجوك مفاجئ علي تجمعات العدو شرق القناه بطول خط القناه ، وبينما السرب 77 في الجو يقوم بمظله لحمايه القاذفات في طريق عودتها وصلت التبليغات تباعا من قاده التشكيل بأنهم في خط العوده بدون تدخل من العدو ، وكان عمر مع أحمد علي اللاسلكي ينسقان خطوط السير وللتأكيد علي عوده جميع طائراتنا، بعد تنفيذها هجوما ناجحا و مفاجئا بكل المقاييس.
وفي صباح السادس من اكتوبر 1969 يفاجأ احمد وجميع من بالمطار بأصوات قنابل قريبه من المطار فيهرع خارجا ليجد سماء المنطقه قد غرقت في الدخان الاسود المنبعث من موقع الصواريخ المقارب لهم
فقد تم دك الموقع تماما بدون تحذير عن اقتراب طائرات العدو .
أسرع احمد الي اللاسلكي سائلا عمر الذي رد (فيه تشويش جامد علي الرادارات واحنا مش شايفين حاجه)
فرد احمد ( انا طالع اعمل مظله – خليك معايا )
وأسرع احمد طالبا من محمد وطارق الاقلاع معه ، وفور اقلاع احمد ورفاقه يتبين لهم فداحه القصف المعادي الذي دمر موقع الصواريخ بالكامل ، ومرارا يطلب احمد من عمر بتوجيهه لاقرب طائرات معاديه ، وعمر يقسم له بانه لا يري اي اهداف معاديه علي الشاشه ، ليعود بعد قليل الطيارين الي مطارهم في ظل خيبه امل وحزن
في تلك الليله جاءت الاشارة بأن العدو قام بقصف وحدات الدفاع الجوي بطول الجبهه بقوه 200 طائرة وانه استطاع بنجاح ان يقصف عدد كبير من تلك الاهداف مستخدما اجهزة شوشره عاليه التأثير
وبعد عده ايام يحضر العقيد فريد منفردا تلك المرة ويجتمع مع الرجال ومعهم عمر وسبب الزياره
( الفانتوم F4 هتوصل اسرائيل في اي لحظه ، المخابرات رصدت اقلاع الطيارات من امريكا – الدفعه الاولي حوالي 48 طيارة هتوصل علي فترات خلال الاسبوع ده ) قال العقيد فريد وأستطرد ( نظرا لمميزات الفانتوم فمتوقع تغير كبير في التكتيك الاسرائيلي ، من المتوقع انه يبقي اكثر شراسه خصوصا ضد الدفاع الجوي )
طارق ( حضرتك مقلتش برضه – ازاي الفانتوم تطير من امريكا لاسرائيل ؟؟)
العقيد فريد ( مدي الفانتوم 3700 كيلومتر بدون خزانات اضافيه وتقدرعلي التزود بالوقود في الجو )
بهت جميع الطيارين من المدي الكبير جدا للفانتوم مقارنه بمدي 1800 كيلومتر لطائرتهم بخزانات اضافيه .
فعلق محمد محبطا ( ده معناه ان العمق عندنا بقي مفتوح لهم تماما ؟؟)
العقيد فريد ( مش دي المشكله بس– لكن حموله الطيارة 7.5 طن من القنابل ، يعني خمس اضعاف حموله الميج 21 وكمان فيها اجهزة الكترونيه متقدمه جدا اما السرعه فهي 2.3 ماخ وهي دي المشكله الكبيرة)
طارق ( يا نهار أسود – ودي هنلحقها ازاي ؟؟؟ دا احنا 2.1 ماخ بالعافيه)
مرت هذه الليله علي الرجال بصعوبه بالغه ، فالعدو قد حصل علي طائرة تفوق بكثير ما لدينا ، ولا نملك
من الطائرات ما يمكنها ان تتصدي لهذ الطائرة ، وطالت النقاشات بين الرجال وعمر في كيفيه التصدي لهذا الشبح المخيف المسمي فانتوم ، ووعدهم عمر قبل مغادرته بأمدادهم بما يتوصل له من كتيبات او معلومات عن الفانتوم .
في اليوم التالي 10 أكتوبر 1969 صدرت الاوامر لطائرتين من السرب بعمل مظله فوق القنطرة غرب ، لحمايه تشكيل مهاجم ، وأقلع أحمد ومعه وليد لعمل المظله وظل باقي السرب مستعد
وفي الموعد المحدد عبرت طائرتين اليوشن 28 وهي طائرات قاذفه عتيقه ومعها طائرتين ميج 21 من سرب مطار المنصوره لمهاجمه موقع معادي وسط اندهاش أحمد من استخدام طائرات بطيئه في الهجوم، وهي من الطائرات القليله التي خرجت سالمه من النكسه .
طائرة قاذفه من طراز اليوشن 28
، وبعد دقائق عادت الطائرات الاربع سالمه، لتأتي اشارة من عمر بالبقاء في منطقه المظله وتغيير الطائرات ، أستغرب احمد من هذا الامر لكنه نفذه .
فأقلع طارق وخالد قبل ان يهبط احمد ووليد بثوان وتابع احمد علي اللاسلكي ما يحدث في الجو بينما الفنيين يعبدون ملئ الطائرات بالوقود.
وسمع طارق تعليمات جديده ، فقد مرت طائرتين ميج 17 ترافقهم طائرتين ميج 21 لضرب نفس الهدف
فأدرك أحمد مغزي هذا التكتيك في قصف نفس الهدف مرتين بعد فترة زمنيه لتحقيق اعلي قدر من الاصابات في صفوف العدو ، وتمني ان ينجح هذا التكتيك مع العدو .
بعد عده ايام حضر عمر ليلا الي المطار يرافقه الدمنهوري وبصحبتهم عدد من الكتب السوفيتيه التي تغطي قصور المعلومات لدي الطيارين عن الفانتوم الاسرائيليه ، فعكف الطيارين في الايام التاليه في قراءه تلك الكتب ودراسه الخواص الفنيه لتلك الطائرة المخيفه
وجد أحمد معلومه مثيرة للاهتمام جدا ، الا وهي ان الفانتوم وهي في كامل حمولتها تبلغ سرعتها 900 كيلو متر فقط اي اقل من ماخ واحد ، مما يجعل للميج 21 افضليه كبيرة عليها ، لكن كان ذلك يستوجب ان تعترضها طائراتنا قبل أن تنفذ مهمتها الهجوميه.
وبعد عده أيام صدرت اوامر مفاجئه باقلاع السرب لاعتراض طائرات تقوم بقصف محيط مطار ابوصوير، فأقلع التشكيل واتخذ الاتجاه الذي حدده عمر ، كما أقلعت طائرات ابو صوير ، لكن كان الهجوم قد أنتهي وانسحبت طائرات العدو التي أتضح فيما بعد انها فانتوم بعد ان قامت بمهاجمه مواقع صواريخ سام حول المطار ودمرتهم تماما .
عاد احمد للمطار وهو حانق جدا لان الفانتوم قد ظهرت في الصورة الان وانه لم يتمكن من الاشتباك معها ، ودار حوار سريع مع عمر للاستفسار عن التحذير المتأخر والذي جعل الفانتوم تفلت من الاعتراض ، فصرح عمر بأن الطائرات المهاجمه كانت علي ارتفاع منخفض جدا جعل رصدها صعب جدا بالاضافه لاستخدام وسائل شوشرة متقدمه جدا .
(ودي هنحاربها ازاي اذا كنا مش قادرين نشوفها ونطلع لها ؟؟) قال طارق
ورد محمد ( أكيد لها حل ) وأستكمل في تحدي ( لازم نشوف لها حل )
في اليوم التالي 23 أكتوبر صدرت الاوامر للسرب بالاقلاع لاعتراض طائرات معاديه تقترب من الشمال وعزز السرب ثلاث طائرات من مطار ابو صوير ليصبح العدد ثمان طائرات مصريه في تشكيلين ، وقام عمر بتوجيه الطائرات لاعتراض العدو ابعد ما يكون عن مطاراته واقرب ما يكون لقواتنا ، وقرب القنطرة أشار عمر الي بدء تشكيل العدو في الانسحاب للشرق ، فواصل احمد وتشكيله المطارده لثوان ثم أستدار عائدا الي مطارة بينما عاد التشكيل الاخر ، في تلك اللحظات القليله من الهدوء في الجو ، أستطاع احمد أن يرصد احد تحصينات خط بارليف ، ولاحظ أحمد كبر حجم النقطه الحصينه وقربها من نقطه اخري ومن حولهم عدد من الجنود يلعبون الكرة فأحس احمد بغيظ كبير ، واصدر أمرة بمهاجمه تلك النقطه وملعب الكرة خاصه ، بكل ما يملكون من أسلحه ، وبكل سعاده بدأ الطيارين في الدوران لمهاجمه الحصن ، والذي لاحظ الجنود فيه ما يحدث فبدؤا في الركض لداخل الحصن .
أطلقت الطائرات ما معها من صواريخ جو جو وطلقات المدافع ضد الحصن بدون نتيجه واضحه ، وعند العوده كانت المشاعر مختلطه بين الرجال ما بين احباط وسعاده
( مكنش ممكن اسيبهم يلعبوا كورة واحنا طالع دينا في الحرب وعسكرنا قاعدين في الخنادق الناحيه التانيه ) قال احمد بلهجه غاضبه بعد عودتهم
ورد وليد ( بس صواريخنا معملتش حاجه في الحصن خالص ، أكننا بنضربهم بعلب صفيح )
محمد بحنق ( الكلاب دول عاملين تحصينات ولا تأثر فيها قنابلنا التقيله )
طارق ضاحكا ( كفايه اننا رعبناهم ، وزمانهم لغايه دلوقت مستخبيين )
بعد يومين أقلع أحمد ووليد وخالد مرة اخري لحمايه تشكيل من الميج 17 يهاجم موقع لصواريخ هوك المضاده للطائرات مرة اخري ويظل احمد يحلق بتشكيله قرب الاسماعيليه ، ويبلغ عمر بأقتراب تشكيل معادي من اتجاه العريش لمهاجمه الطائرات المصريه القاذفه ، وعلي الفور يأمر احمد طياريه بالقاء خزانات الوقود الاضافيه والتي خلت من الوقود ، وزياده السرعه والاتجاه في اتجاه بورسعيد شمالا .
تبدأ القاذفات في الانسحاب جنوبا بعد تنفيذ الهجوم ، الا ان الطائرات الاسرائيليه تقترب منها بسرعه كبيرة ، ويبدأ أحمد في الدخول لمقابله الطائرات الاسرائيليه فوق بورفؤاد والتي أتضح انها طائرتي سكاي هوك ، وعلي الفور يصدر احمد اوامرة لطيارية بالتفرق والاشتباك مع العدو ، ويلمح أحمد طائرة سكاي هوك تطبق بشده علي قاذفه ميج 17 مصريه بينما تتجه الاخيرة غربا منسحبه ،في نفس اللحظه التي اطبق فيها احمد مطلقه دفعات من مدفعه بتركيز شديد ليصيب الطائرة الاسرائيليه ، أطلقت السكاي هوك صاروخا أصاب الطائرة المصريه في جناحها في توقيت متزامن
ولم يكتف احمد بذلك بل واصل تسديد طلقاته للطائرة المعاديه التي تقلصت سرعتها بشكل كبير جدا ويقفز منها الطيار الاسرائيلي علي بعد امتار قليله من احمد تاركا طائرته تهوي ،بينما أستطاعت بقيه القاذفات الانسحاب ، ومازال خالد ووليد يناوران الطائرة المعاديه الاخري التي بدأت تنسحب ساحبه مقاتلاتنا خلفها ، ولولا موقف الوقود المتعثر ما أمر أحمد طياريه بالعوده للمطار .
ووسط مشاعر الراحه التي ملئته ، يتابع احمد الطيار المصري الذي قفز بدورة قبل لحظات من انفجار طائرته في الجو وهبط داخل بورفؤاد ، فتنفس احمد الصعداء ، واتجه عائدا الي مطارة .
ووسط هذه الحاله من الشد العصبي والطلعات المستمرة ، يأتي الأمر لاحمد بأجازة اجباريه لمده 48 ساعه ، وتعلل احمد بعده حجج واهيه طمعا في ان يظل في موقعه لا يغادرة ، وبعد عده محادثات ومناقشات ، اقتنع احمد بالاجازة لمده 24 ساعه فقط علي ان يقوم طارق بقياده السرب بالإنابه ،فوصل احمد منزله مساء الثالث من نوفمبر 1969 وفي صباح اليوم التالي وبينما احمد ينتهي من صلاه الصبح ، سمع دويا هائلا أصم الاذان وتبعه تكسر بعض نوافذ المنازل ، وتعاليت اصوات الصراخ من المنازل المجاورة من جراء هذا الصوت ، وأستيظت عائله احمد في فزع الا انه كان متماسكا وطلب منهم الهدوء والبقاء في المنزل .
ووسط صراخ السيدات اللاتي نزلن في الشوارع بملابس النوم وعويل الاطفال خوفا وهلعا ، قام أحمد بلبس ملابسه العسكريه واتجه فورا الي المطار وسط دهشه والده ووالدته .
وظهرا في المطار فوجئ الجميع بأحمد يدخل عليه قاطعا اجازته القصيرة متسائلا عما حدث في القاهرة
( دي طيارة فانتوم اخترقت حاجز الصوت فوق القاهرة ) صرح ايهاب
وتساءل أحمد ( وازاي عدت من الدفاع الجوي )
رد ايهاب ( اللي عرفته من عمر ان الفانتوم اخترقت من خليج السويس حتي حلوان بعيد عن نطاق الرادار بتاعنا ، ومن هناك طارت زيرو فيت فوق النيل حتي القاهرة )
خالد مندهش ( إبن الكلب، كل اللفه دي عشان يخترق حاجز الصوت فوق القاهرة !!!)
محمد (دي اسرائيل بتلعب حرب نفسيه قذرة علينا – دول بيقولوا للريس جمال احنا ممكن نوصل فوق بيتك في اي وقت ) سكت الجميع مفكرين في تحليل محمد
وأضاف طارق ( وبرضه بيقولوا لنا ان دفاعنا الجوي ملوش لزمه )
في نفس الوقت وصلت اشارة من القياده تفيد بأسقاط طائرة مصريه بواسطه الفانتوم ، فأشتعل أحمد غضبا وطاف يصيح في المكتب ( هما مش لاقيين حد يلمهم ؟؟ )
فرد طارق ( الفانتوم بتعلن عن وجودها بقوة – أحنا لازم نشوف لها حل )
وطوال الايام التاليه عكف الجميع علي اعاده قراءة المواصفات الفنيه للطائرة مرة اخري ، لكن مع منتصف شهر نوفمبر بدأ الموقف يشتعل مرة اخري في الجو ، فقد بدأت اسرائيل غارات مكثفه ضد وحدات الصواريخ المصريه ، وكان الطيران المصري في السماء يقاتل بشراسه محاولا وقف الهجمات
وفي العشرين من نوفمبر ، أقلع احمد ومحمد وخالد في مظله فوق منطقه العمليات ، وبعد لحظات جاءت اشارة من عمر ، بوجود هدف معادي شرق بورسعيد ، فزاد أحمد من سرعه طائرته وأنطلق تجاه الشمال علي ارتفاع منخفض ، وعلي الفور تم رصد طائرتين ميراج اسرائيلي تتجهان نحو بورسعيد ، فقام عمر بتوجيه احمد بحيث يكونان خلف طائرات العدو ، حيث لم ترصدهم رادارات الميراج نظرا للارتفاع المنخفض ، ثم دار احمد ووضع تشكيله خلف طائرات العدو التي سرعان ما اكتشفت وجود طائراتنا خلفها ،فأنفصل التشكيل المعادي بسرعه ، وكما تدرب الرجال فقد أنفصل احمد خلف احد الطائرات بينما خالد ومن خلفه محمد وراء الاخري ،وسرعان ما نشبت معركه جويه في سماء بورسعيد تابعها الاهالي والصيادين من علي الارض ، أمسك احمد بذيل الطائرة الاسرائيليه ، وظل الطيار الاسرائيلي يناور ويناور بكل ما أستطاع في مناورات رأسيه وافقيه حيث أستطاع أحمد في النهايه ان يضع الميراج داخل دائرة التصويب لديه ، وبسبب قرب المسافه فقد قرر ان يضرب بالمدفع ، واطلق دفعه مركزة أصابت جناح الطائرة
أستمر أحمد في المطارده الا ان صوت عمر جاءة بوجود طائرتين اخريين في المنطقه وتعذر اكتشافهم مبكرا ، فترك احمد الطائرة المصابه وحذر بقيه طياريه ، في نفس الوقت اعطي الامر لطارق بالاقلاع لتعزيزه ، كان خالد ممسكا بذيل الطائرة الاخري واطلق عليها صاروخين لكنهما ضلا طريقهما ، في نفس اللحظه التي بدأت فيها الميراج الانسحاب ظهرت طائرتي فانتوم في السماء خلف طائرة احمد ، فقرر محمد ان يسرع لنجده أحمد ، تاركا خالد يطارد الميراج التي تحاول الهرب .
أسرع محمد بكل سرعه للحاق بأحمد الذي يحاول الافلات من الطائرتين ، وفور سماع محمد لصوت احمد بأنهم فانتوم ، أحس بنشوة غريبه فها هي الفرصه تتاح له لاسقاط ذلك الشبح المخيف
ترك خالد المطارده بعد ان وجد ان فارق السرعه يتزايد لصالح الميراج الاسرائيليه فأستدار عائدا لنجده أحمد ، في نفس التوقيت كان طارق ووليد قد اتخذا اتجاه المعركه ،قام احمد بعده مناورات لتفادي صاروخ اطلقته الفانتوم لكنه في نفس الوقت كان يحتاج لدعم من محمد والذي وصل بدورة الي المعركه وأطلق صاروخا علي الفانتوم الثانيه في تصويب مثالي
والتي بصورة مفاجئه ناورت بعيدا عن الصاروخ مطلقه مشاعل ملتهبه أنفجر الصاروخ في احداها وسط ذهول من محمد ، لكنه أستكمل الاشتباك معها في غيظ بعد ان نجح علي الاقل في ابعادها عن احمد وإن ترك الطائرة الاولي تناور محاوله اصطياد طائرة احمد، ودخل خالد الي المعركه متأخرا ومازال طارق ووليد في الطريق ، وفي لحظه سمع الجميع صوت احمد يقول ( انا انصبت – هنط من الطيارة) ثم انقطع الاتصال به ، فعاد الجميع الي تركيزهم ، وزاد تصميم محمد علي اصابه الطائرة المعاديه
في ذلك الوقت أتخذت الطائرات المعاديه اتجاه الشرق مستخدمه سرعتها الكبيرة في التخلص من الاشتباك ، فأطلق محمد اربعه صواريخ ضلوا الطريق جميعهم ، ليعود ويحلق فوق منطقه سقوط طائرة احمد فوق بورسعيد ،ويتنفس الصعداء عند رؤيته للمظله تتهادي ببطء نحو الارض ، ويعطي محمد احداثيات هبوط احمد لعمر، في نفس الوقت يتم عوده الطائرات الي المطار سريعا وفي المساء يصل احمد وسط سعاده الجميع بنجاته ، الا ان محمد كان غاضبا كعادته ( ازاي ممكن نوقع الفانتوم ؟؟ صواريخ ومش نافع ولا حتي المدفع ، أنا مقدرتش اخذ وضع الضرب بالمدفع خالص )
أحمد منهكا ( وليه الصواريخ مش نافعه ؟؟)
محمد ( من لحظه ما ضربت الصاروخ ، لقيت فيه حاجات كده زي المشاعل بتطلع من الفانتوم في الوقت اللي الطيارة ناورت فيه ،كأن الطيار عرف اني ضربت صاروخ ، وفي الاخر الصاروخ انفجر في واحده من المشاعل دي بعيد عن الطيارة )
أحمد مفكرا ( ياولاد الجنّيه !!! دول عرفوا ان كل صواريخنا حراريه عشان كده الصاروخ بيروح للمشاعل دي ، لانه مش شايف غيرها ....... بس ازاي الطيار عرف ؟؟؟؟)
وبعد فتره من المداولات يصل عمر للاطمئنان علي احمد وللتباحث في أول معركه مع الفانتوم وجها لوجه
كان الاحباط هو السمه العامه رغم اصابه طائره للعدو ومنعه من تحقيق هدفه الا ان الفشل في مواجهه الفانتوم زاد رعب الطيارين منها ومن أنها لا تقهر ، وانعكس ذلك بالسلب علي بقيه الطيارين في مختلف المطارات ، حيث أصبح السرب 77 وغموضه وجراءته في القتال أصبح يمثل الروح الجديده التي تمسك بها الطيارون الجدد ورغم تكبد السرب لخسائر إلا ان سمعته كان عاليه ، وفشل طياريه في اسقاط الفانتوم كان صدمه لباقي الطيارين ناهيك عن إسقاط طائرة قائد السرب 77 وكان احمد يعلم قيمه السرب المعنويه لباقي الاسراب الاخري لذلك كان كان متحمسا ومتحديا اكثر واكثر في اسقاط طائرة فانتوم ، ذلك الشبح الذي ارسلته امريكا لمنطقتنا لكي يرتع فيها كيفما شاء
وفي اليوم التالي أستلم احمد طائرة جديده من مطار غرب القاهرة وطار بها مباشرة الي مطاره وكان كل ما يشغل باله هو الرد علي اختراق حاجز الصوت فوق القاهرة وفشله في اسقاط فانتوم ، وتشاء الاقدار ان يتم استدعاء احمد لمقابله رئيس اركان القوات الجويه والذي يسلمه أمر عمليات بعمليه فائقه الاهميه والسريه ، وفي المساء عاد احمد يحمل مظروفا يحمل خرائط وقلبا ملئ بالحماس فأستدعي عمر من أبوصوير ورئيس الفنيين ثم جمع الطيارين جميعهم قائلا ( احنا لازم نرد علي اللي حصل فوق القاهرة ، وعشان كده القياده كلفتنا بعمليه مهمه وسريه ، عمليه نقول بيها لليهود اننا موجودين ، لكن مش هننفذ الا لما نكون جاهزين تماما)
تشوق الجميع لمعرفه هذه المهمه والتي صرح أحمد بأن طارق سيصحبه فيها ، وأستمر شرح احمد لخطته وقتا ، ساد العبوس وقتها وجه محمد لعدم اختيارة لتنفيذ تلك المهمه الجريئه ، ثم أنطلق الرجال ينفذون التعليمات التي اصدرها احمد ، وبعد يومين صباحا خرج احمد وطارق الي طائراتهم يتأكدون من جاهزيتها، لم تكن الطائرات مسلحه بصواريخ ولا حتي طلقات مدافع ، فقد تم أستبدال وزن الاسلحه بخزاني وقود أضافيين علي الاجنحه لتحمل كل طائرة 3 خزانات وقود تحمل كميه وقود محسوبه بدقه متناهيه ، ويستعد الاثنان في الوقت الذي اتخذ محمد وبقيه الطيارين وضع الاستعداد للطوارئ .
أستعد احمد وطارق جيدا وتأكدا من مسدسيهما جيدا ، واطمئنا علي وجود ذخيرة كافيه وساعدهم بقيه الطيارين في التجهيز وسط تعجب الفنيين من الاهتمام الشديد بهذه الطلعه ، ثم انزوي احمد بطارق لدقائق ، ثم ركب كل منهم طائرته .
وأقلعت الطائرتين تحملان كميه كبيرة من الوقود وبدون اسلحه نهائيا في مهمه انتحاريه ، اما الهدف فكان اختراق حاجز الصوت مرتين فوق تل ابيب – عاصمه العدو .
أقلع احمد وطارق وانطلقا علي ارتفاع منخفض جدا تجاه الشمال ومن فوق بورسعيد أستكملت الطائرتين طريقهما تجاه الشمال الشرقي ، وفوق امواج البحر بقليل طار الاثنان بسرعه كبيرة ، بينما عمر يحدق في شاشه الرادار منتظرا اقلاع اي طائرة معاديه لابلاغ احمد ، والذي لم يعلمه احد ان قاده القوات الجويه كانوا يتابعون شاشات الرادار لمتابعه رد فعل العدو في غرفه العمليات ، فهي عمليه مهمه جدا وحساسه وتتطلب طيارين علي درجه عاليه جدا من المهاره والجرأه أو بالادق الفدائيه ، ورغم ان احمد وطارق لا يظهران علي الرادار لارتفاعهم المنخفض ،فقد كانت الاعين مسلطه علي القواعد الجويه الاسرائيليه .
مر احمد وطارق علي مسافه من شواطئ غزة ، واستمرا في طريقهما وكل منهم ممسك بعصا التحكم بكلتا يديه نظرا لصعوبه التحكم في الطائرة علي الارتفاع المنخفض والسرعه العاليه .
لمح عمر طائرتين معاديتين تطيران فوق شمال سيناء قرب المكان المفترض لاحمد وطارق في نفس الوقت فحبس انفاسه ، لكن الطائرتين كانتين في دوريه عاديه ووضح ذلك جليا لعمر فلم يعرهم اهتمام وتابع متابعه بقيه القواعد المعاديه وهو يدخن سيجارته بعصبيه بالغه ،بينما محمد ووليد وجمال يجلسون بجوار اللاسلكي في شده القلق علي زملائهم ، وحيث ان التعليمات كانت بصمت لاسلكي تام ، فلم يكن لاحد ان يعرف مكانهم ، الا احمد الذي ظل متابعا موقعه بواسطه خريطه وضعها علي فخذه ليتابع الموقف بالبوصله وعداد السرعه .
ومر وقت والاثنان يطيران حتي ظهرت تل ابيب علي الافق ، وبعد اشارات متفق عليها أبطأ طارق قليلا من سرعته واتخذ مكانه خلف احمد بمسافه متوسطه تصل الي كيلو مترين ، ثم أتخذا مسارا عموديا علي الشاطئ وانطلقا بأقصي سرعه فوق المدينه بعد ان القيا خزاني الوقود الاضافيين بعد ان فرغا تماما
في تلك اللحظه كان سكان تل ابيب يعيشون حياتهم العاديه في نشوة وسعاده في ظل احساس لا نهائي بالامن والامن بفضل جيش الدفاع وذراعه الطويله ( الطيران ) وبفضل نشوة انتصارهم في يونيو 67 ، الا ان صوت انفجارين متتاليين هزا المدينه هزا وجعلا زجاج المباني يتساقط من فرط قوة الانفجار ،فعم الذعر انحاء المدينه وهرب السكان الي الملاجئ ، ولاول مرة تطير طائرات معاديه فوق تل ابيب منذ عام 1948 ، واتجهت الطائرات عائده تجاه البحر مرة اخري علي نفس الارتفاع المنخفض ، كانت سعاده احمد وطارق لا توصف بعد ان استطاعا النفاذ الي عاصمه العدو وترويع سكانها ردا علي ما قامت به الفانتوم فوق القاهرة
في تلك اللحظات القلقه كان عمر يتابع الطائرات الاسرائيليه في سيناء والتي لم يظهر علي حركتها اي تغير يذكر او استنفار ، ووصلت اشارة لاسلكيه برصد نشاط جوي مفاجئ في شمال اسرائيل والجولان المحتل، فتبسم عمر وكتم انفعاله حتي علي من حوله وأستمر يدخن في تركيز شديد.
كانت خطه احمد هي الاستمرار علي اقل ارتفاع ممكن لاطول فترة ممكنه قبل الارتفاع وتقليل استهلاك الوقود والذي كان استهلاكه عاليا جدا في ذلك الوقت خاصه بعد التخلص من خزان الوقود الاضافي الاخير وبدء استهلاك وقود الطائرة نفسها ،وقدر احمد موقعه مرة اخري طبقا للسرعه والخريطه وساعه يده فوجد انه لابد وان يكون موازيا لبحيرة البردويل في شمال سيناء ، وطبقا للسرعه الحاليه فلديه حوالي 4 دقائق ويكون فوق المناطق المصريه ، فأرتفع قليلا وسرعان ما رصده عمر علي الرادار ،فأعطي الاذن لمحمد بالاقلاع لحمايه تشكيل احمد وهو عائد، وبعد دقيقيتن كان محمد ومعه وليد وخالد قد اقلعا في اتجاه الشمال للتقابل مع تشكيل احمد .
في هذا الوقت كانت البلاغات ترد لغرفه عمليات القوات الجويه ومنها الي غرفه عمليات ابوصوير من الاردن وسوريا بنشاط جوي مكثف فوق شمال ووسط اسرائيل مما يعني ان الاسرائيليين يبحثون عن شئ ،
فضحك عمر من سوء تقدير الاسرائيليين الذين ظنوا انها طائرات سوريه .
وبعد دقائق هبط احمد وطارق وخزان وقودهما يكاد يكون صفرا ، لدرجه ان محرك طائرة احمد توقف قبل ان يدخل بطائرته وسط الاشجار ، فقد أمضي الطيارين وقتا قبل تنفيذ المهمه يدرسون السرعات والارتفاعات التي سيطيرون بها لكي يكفي الوقود المتاح، وبالفعل نجحوا في حسابه بدقه
وسرعان ما بدأت التهاني تنهال علي احمد وطارق علي ذلك النصر المعنوي المهم الذين حققوة ، وكان شعور احمد بالثقه عاليا ويكاد يكون نفس شعورة قبل النكسه بالضبط ، فظهرت ملامح وجهه سعيده لاول مرة منذ فترة كبيرة وعاد البريق الي عينيه بعد طول غياب وما زاد فرحتهم هو تحميل اسرائيل لسوريا مسئوليه الاختراق مما يعني ان اسرائيل لم تتوقع هذا الفعل من جانب مصر وانها تحس بالامان التام ، وفي المقابل وطبقا للمخطط فلم تنشر مصر اي خبر يتعلق بهذه الواقعه وكأن الواقعه لا تعنينا فعلا وإن علم بها الطيارين في مختلف الاسراب ، فزادت شعبيه السرب 77 الي السماء وارتفعت معنوياتهم بعد ان اعلنوا لانفسهم انهم قادرين علي ترويع العدو مثلما يروع اهلنا في مدنهم ، فقد كانت حرب نفسيه بشعه ، تحمل الجيش والشعب تبعاتها بكل جلد وتصميم .
وبعد شلال الفرح سأل محمد –أحمد عن السبب في عدم اختيارة لهذه المهمه ، فرد احمد مبتسما ( انا فكرت فيك ، بس مكنتش ضامن رد فعلك لما تلاقي نفسك فوق تل ابيب )
فتبسم محمد متفها وجهه نظر قائده ،وانصرف صامتا .
ومر يومين هادئين علي الجبهه وذلك في اواخر نوفمبر 69 ، سمحت بأعاده ترتيب الاوراق وحضور عدد من المحاضرات النظريه للطيارين .
ومع قرب نهايه نوفمبر 69 أنطلق الطيران الاسرائيلي مرة اخري يهاجم بكل ضراوة مواقع الدفاع الجوي ومنشأته الخرسانيه التي مازالت في طور البناء ، فدخلت الفانتوم والسكاي هوك والميراج الي الجبهه المصريه بكل قوة تقذف مئات الاطنان من المتفجرات علي كل موقع للدفاع الجوي من قناه السويس حتي القاهرة
وكان الطيارون في السماء، يحاولون بشتي الطرق منع القاذفات الاسرائيليه ونشبت معارك جويه كثيرة وتساقطت الطائرات من الجانبين ، وكان طياري السرب 77 في السماء يتصدون للعدو ببساله وأستطاع وليد وخالد أسقاط طائرة لكل منهم ، وكان اعتماد القياده علي السرب دافعا لاجاده اكثر وتصميم أكثر
لكن الشئ الذي أرق الجميع هو عدم التمكن من المساس بالفانتوم او اصابتها طوال شهرين من العمليات ، فقد اصبحت كابوس يؤرق كل الطيارين، لدرجه ان الطيارين أصبحوا يعتقدون فعلا انها لا تقهر ،وزادت الخسائر في الطائرات والطيارين المصريين ، لكن ظل السرب 77 محتفظا بعدده ، وزاد ضغط العمليات علي السرب نتيجه الاعتماد الكبير عليه ، وفي الاول من ديسمبر أقلع أحمد ومعه محمد ووليد لاعتراض تشكيل طائرات يقترب من الاسماعيليه علي ارتفاع متوسط ، قدر عمر عدد الطائرات المهاجمه بأربع طائرات ، ثم زادهم عمر الي سته طائرات عندما وضحت صورتهم علي الرادار مما أستدعي أقلاع طارق وخالد للتعزيز ، وفور اقتراب طائرات العدو من خط القناه ، اعلن عمر انسحاب ثلاث طائرات للعدو في اتجاه الشرق ، فأمر احمد – محمد بمطارده تلك الطائرات والتي أتضح فيما بعد انها فانتوم ، فعندما أقترب محمد من خلفها وعلي مسافه 5 كيلومترات منها ، القت الفانتوم بقنابلها بالصحراء فوق سيناء وزادت من سرعتها منسحبه ، فعاد محمد حزينا من هروب ذلك الصيد الثمين مرة اخري، في ذلك الوقت كان احمد ووليد مشتبكين مع ثلاث طائرات ميراج فوق القناه ووصل طارق وخالد لسماء المعركه ودارت معركه قصيرة أصيبت فيها طائرة خالد واضطر للقفز منها فوق القناه ، في نفس اللحظه وصل محمد لسماء المعركه ولمح علي الفور مظله خالد ، لكن ما شد انتباهه هو دوران طائرة ميراج للانقضاض علي خالد الذي يتهادي في السماء نازلا للارض بمظلته ، احس محمد بمدي قذارة ذلك الطيار ، فأسرع منقضا عليه مطلقا صاروخا ، أنفجر بعيدا لكنه شتت تركيز الطيار الاسرائيلي لوهله جعلته يبتعد أمتار قليله عن مظله خالد منقذا الاخير من موت محقق ، ويستمر محمد في مطارده الميراج ويقلص المسافه معها ويلجأ للمدفع كحل أمثل بدلا من الصواريخ ، ويطلق عده دفعات ثم يتعطل مدفعه عن العمل وعبثا حاول الضرب ، فطلب من زملائه التدخل لان الميراج في وضع مناسب جدا للضرب ، لكن الثلاثه كانوا في دائرة المعركه مع طائرتين ميراج ، ولم يستطع اي منهم الخروج منها
اعلن عمر ان ثلاث طائرت تعزيز قد اقلعت من ابو صوير وأمامها دقيقتين للوصول ، فتمتم أحمد بأن المعركه ستنتهي في اقل من ثلاثين ثانيه ، أما محمد فواصل ملاحقته للميراج مصورا للطيار المعادي انه مازال في الاشتباك ، وفورا رصدت الرادارات الاسرائيليه وصول طائرات تعزيز مصريه فأبلغت طياريها بالانسحاب بعد ان أسقطوا لنا طائرة وبدون خسائر لهم .
عاد السرب 77 سريعا لمطارة وبدأ محمد سريعا مع الفنيين في اصلاح مدفع طائرته وقبل حلول الليل كان المدفع قد أصلح وعاد خالد للمطار ، وطبقا للتعليمات المشدده بأستعواض اي طائرة بأقصي سرعه لان المرحله لا تحتمل أي نقص في عدد الطائرات المدافعه ، فقد انطلق خالد ليلا تجاه مطار غرب القاهرة ليقلع مع اول ضوء عائدا بطائرة جديده ، وكما هو معروف في ذلك الوقت ان عدد الطائرات كان يزيد عن عدد الطيارين بالاضافه لوجود اولويه قصوي لطائرات السرب 77 ، فكان استعواض الخسائر في الطائرات يسيرا
وبعد عده أيام يعاود السرب أقلاعه مرة اخري لاعتراض تشكيل معادي فوق بورسعيد ، وتنطلق الطائرات بتوجيه عمر لقطع خط تقدم تلك الطائرات ، وكما حدث في المرة السابقه فقد انسحب جزء من الطائرات ، لكن احمد شدد علي تماسك التشكيل ، وتم اعتراض التشكيل المعادي فوق سماء مدينه بورسعيد ، وأتضح انهم ثلاث طائرات سكاي هوك ، والتي انفصلت عن التشكيل محاوله ضرب طائراتنا
فتدخل وليد خلف احد الطائرات ومن خلفه احمد لحمايته ، بينما خالد وطارق خلف الطائرة الثانيه ، وانفرد محمد بطائرة ثالثه ، في البدايه أستطاعت الطائرة الاولي الافلات من متابعه وليد لها فتتبعها احمد ، اما الطائرة الثانيه فقد انطلقت بزاويه شبه رأسيه تجاه السماء ، ثم بنفس الزاويه تجاه الارض ، وبمهارة تامه أنقض طارق مسددا صاروخين متتاليين نحوها أصابها احدهم ثم تابع بالرشاشات حتي انفجرت الطائرة الي أشلاء وبدون ان يستطيع الطيار ان يقفز منها ، ونظرا لقرب مسافه الاشتباك فلم يستطع طارق ان يغير اتجاهه ، ليدخل بطائرته وسط كرة النار المتبقيه من انفجار الطائرة المعاديه لتصاب طائرته فورا بأضرار كبيرة ، وينسحب من المعركه تجاه الجنوب وهو يحاول السيطرة علي طائرته ، وبينما عمر يتابع علي شاشات الرادار ما يحدث فقد رصد أقلاع طائرات معاديه لتعزيز تلك الطائرات ، فأقلعت اربع طائرات من مطار الصالحيه لاعتراضها ، بينما قرر أحمد الانسحاب من المعركه بعد تعمقه في سيناء خلف الطائرة المعاديه التي افلتت من اربع صواريخ اطلقها احمد ، وفي تلك الفترة كان محمد مازال مطاردا للطائرة الثالثه وعندما علم من احمد بقرب وصول طائرات معاديه أستكمل مطاردته لها مصرحا بأن الطيار الاسرائيلي جيد جدا وانه لن يتركه يعود حيا ، فًًقدر احمد الموقف مع عمر سريعا واعطي محمد ثلاثين ثانيه اخري ثم ينسحب ، كانت هذه الفسحه من الوقت كافيه جدا لمحمد لكي يطلق عده دفعات علي الطائرة الاسرائيليه ليصيبها فقط ، ومع انقضاء المهله أصدر احمد أمرة لمحمد بالعوده ، وبنظرة حسرة تابع محمد انسحاب الطائرة الاسرائيليه وهي تجر ورائها ذيلا من الدخان الاسود ، وانتهت المعركه بينما طارق يستميت في التحكم في طائرته ، وعند أقتراب أحمد منه معاينه حجم الاضرار أمرة باختيار منطقه مناسبه والقفز ، وكان طارق مثله مثل اي طيار ، يحس بأن طائرته لا يجب ان تفارقه الا بالموت وأنها جزء لا يتجزأ منه ، لكن الوضع لا يتحمل مشاعر وعاطفه هكذا قال احمد ونفذ طارق ، فقفز بمظلته غرب الاسماعيليه .
وفي اليوم التالي حضر الدمنهوري ليشد من أزر الرجال ويبلغهم تحيه القياده لهم وخاصه الرئيس عبد الناصر ، فقام عمر من مكانه فاغرا فاه ( الريس جمال بيحيينا !!؟؟!!)
فتبسم الدمنهوري قائلا ( طبعا – الريس متابع كل صغيرة وكبيرة في الجيش وعارف شغلكم والدور اللي بتقوموا بيه انتوا واخوانكم في الجيش والبحريه والدفاع الجوي ، والريس مقدر جدا التضحيات اللي بتحصل كل يوم )
فنظر الطيارين لبعضهم البعض وقد علت المعنويات وظهرت الابتسامات علي الوجوه سعيده بدعم رئيس الجمهوريه ، وأستطرد الدمنهوري ( انا جاي لكم عشان معايا خبر بمليون جنيه ) فوقف الجميع علي اطراف اصابعهم بينما صاح محمد بحماس ( هنعدي القناه ؟؟؟؟)
الا ان الدمنهوري هز رأسه نافيا وقال بفخر ( من شويه وقعنا اول فانتوم في أشتباك جوي ) قام الجميع من اماكنهم فرحين مصفقين وقد تعالي التكبير ، وأستكمل الدمنهوري( البيان هيتذاع الساعه 7 ابقوا اسمعوة) فتساءل محمد ( مين اللي مجبتوش ولاده ده اللي وقعها )
رد الدمنهوري سعيدا ( الملازم اول احمد عاطف)
فهتف وليد وخالد في وقت واحد ( احمد عاطف دفعتنا – ده ممتاز بجد )
اعقب ذلك حديث حماسي طويل بين الرجال وبين الدمنهوري عن كل صغيرة وكبيرة في ظروف الاشتباك وقال الدمنهوري ما يعرفه فقط فهو ليس بطيار ليرد علي اسئله الطيارين الفنيه وفي النهايه وبعينين تشعان بريقا قال احمد ودخان سيجارته يتصاعد حوله ( يعني الفانتوم ممكن تقع اهي ، امال احنا خايفين منها ليه .... ) ثم نظر لرجاله قائلا في حماس ( من بكرة ... هنخش ورا الفانتوم في كل اشتباك وهتكون هدفنا الاول، واذا كان احمد عاطف وقعها يبقي اي حد فينا يقدر يوقعها برضه )
وانفض الاجتماع الحماسي قبل التاسعه مساءا بقليل وخلد الطيارين للنوم بينما احمد مستيقظ يفكر في صديق عمرة مدحت المليجي وعن شعورة لو كان متواجد الان ليري ضراوة القتال الجوي ، وطافت ذكرياتهم معا وقتا طويلا حتي نام أحمد من فرط التعب
وفي فجر اليوم التالي أستيقظ الرجال أشد حماسه وقوه واضعين الفانتوم نصب اعينهم ، ليس لشئ الا لكسر عقده بدأت تنمو في نفوسهم بأن الفانتوم غير قابله للتدمير ، ويجب القضاء علي تلك العقده بأي شكل، في ذلك الصباح هبط طارق بطائرته الجديده وبدأ الفنيين في فحصها واعاده تجهيزها للاقلاع
واجتمع احمد بطياريه مفكرا بصوت عال بأنهم يجب ان يقوموا بعمل كمين للطائرات المعاديه وخاصه الفانتوم قائلا ( لما احنا بنخش في اشتباك ، هما علي طول بيطلعوا طيارات تعزيز ، فا احنا بننسحب علي طول وده صح لان ظروف الاشتباك دايما مش في صالحنا ، طب ازاي نحط نفسنا في ظروف أشتباك احسن ؟؟) فأطرق الجميع يفكرون بينما الفنيين يجهزون الطائرات للاقلاع
ظل الطيارين يتناقشون في اساليب القتال مع العدو ، واضعين في اعتبارهم تفوق اجهزة الرصد والرادارات الاسرائيليه، مما يجعلهم دائما في وضع أفضل ، فالطائرات الاسرائيليه تقلع فور اقلاع اي طائرة مصريه أي انها تكتشف جميع التحركات الجويه المصريه فور وقوعها ، في حين ان الرادارات المصريه لا تكتشف الطائرات الاسرائيليه الا لمدي معين .
وبعد فترة أنذر عمر السرب بوجود طائرتين تقتربان من بورسعيد ، فأقلع احمد وطارق ومحمد لاعتراضها ، وتبعهما محمد بعد فترة للتعزيز ، وقرب القنطرة أفاد عمر باختفاء طائرات العدو من شاشات الرادار
مما أربك أحمد فقسم التشكيل في ثلاث اتجاهات لاستطلاع المنطقه ، وبعد دقائق أفاد عمر بظهور الطائرتين شرقا فوق بورفؤاد فتوجه احمد للاشتباك وتجمع التشكيل مرة اخري .
كانت الطائرات المصريه قد أستهلكت جزء من الوقود نتيجه البحث عنهما ، وعند اقتراب تشكيل احمد ، تم رصد الطائرتين واتضح انهما فانتوم ، فتعالي الحماس بين الطيارين لظهور الفانتوم .
أنطلقت الفانتوم بموازاه القناه الي الجنوب بسرعه عاليه ، فأمر أحمد باقلاع وليد وخالد واعتراض الطائرتين ، في ذلك الوقت نبه عمر التشكيل لوضع الوقود ، كان تشكيل احمد يطبق علي الفانتوم من الخلف بينما خالد ووليد يقطعان الطريق عليها ، لكن احمد أحس بالقلق البالغ ، فهو علي وشك العوده لاعاده الملئ بينما خالد ووليد بمفردهما ، وفجأه ظهرت من العدم طائرتين ميراج خلف تشكيل احمد ، ففزع عمر وهو يري تلك الطائرتين خلف احمد ونبهه لذلك بينما أقلعت طائرتين لتعزيز احمد من ابو صوير وطائرتين من قاعده المنصورة، لكن المعركه ستنتهي قبل ان تصل اي من طائرات التعزيز تلك ، فناور احمد وهو يطلب التوجيه من عمر
وانفصل التشكيل في سماء المعركه بينما أنسحبت الفانتوم شرقا ، كان الموقف جد عصيب فأقترح عمر منفذا للمأزق الصعب ذلك وهو ان ينسحب احمد تجاه ابو صوير تاركا الدفاع الجوي يتكفل بمطارديه ،
فأعطي احمد الامر لطارق ومحمد بالاتجاه لابو صوير علي ارتفاع منخفض وبأقصي سرعه بدون الالتحام في التشكيل بينما يطارد خالد ووليد مطارديه ، كانت فكرة جيده لكن وضع الوقود كان حرجا ، كان انسحاب احمد في ذلك التوقيت له نتيجه سلبيه علي طياريه الذين تعودوا علي الاشتباك الدائم ، لكن كان له نتيجه ايجابيه اخري ، فقد اقتربت طائرات التعزيز من تشكيل احمد بأسرع مما توقع وخالد ووليد يطبقان من الخلف بينما هو وتشكيله يناوران الصواريخ الاسرائيليه المنطلقه خلفهم بكثرة ، وسرعان ما ادركت الطائرات الاسرائيليه الكمين المصري فأنسحبت سريعا ، ليتنفس احمد الصعداء ويحمد الله
وليلا جلس الرجال يتناقشون في الكمين الاسرائيلي لهم ، وأن مشكله الرادارات المصريه التي لا ترصد الطائرات التي علي ارتفاع منخفض اصبحت تؤرقهم كثيرا ، ففكر الجميع في حل لهذه المشكله ، فتحدث محمد ( دي مشكله عندهم زي عندنا ، الرادارت بتاعتهم مبترصدش طيارتنا برضه يعني احنا ممكن برضه نعمل لهم كمين ) فتساءل وليد عما اذا كان لديه فكرة فأستكمل محمد شارحا علي الخريطه
( احنا دايما بنعترض الطيارات في مناطق محدده ، وهو بيكونوا جاهزين لنا ، طب ما نطلع علي ارتفاع واطي جدا ونعترضهم داخل ارضهم من وراهم قبل ما يضربوا اهدافهم ، وبكده الفانتوم هتكون ثقيله وبطيئه ومش هتكون مستعده ) طالت المناقشات الي ان وصل الجميع الي تصور معين وبدأوا يعدوا له العده .
في اليوم التالي وصلت اشارة تحمل تحذيرا من الوقوع في كمائن الطائرات للعدو ، وليلا حضر العقيد فريد وشرح للرجال تكتيك القوات الاسرائيليه في استدراج طائرتنا لمدي ابعد من مدي الوقود واعتراضها بطائرات لا تظهر علي الرادار ، وعندما أبلغه احمد بأنهم شارفوا علي الوقوع في مثل الكمين لكنهم نجوا منه قال لهم العقيد فريد بأن عددا من طيارينا أستشهدوا بسبب هذا الاسلوب .
وتحاور الجميع في تغير تكتيك العدو خاصه بعد وصول الفانتوم ، فأخبرهم الرجل بان القياده تنظر للسرب ومتوقعه منه نتائج جيده طوال الوقت .
بعد مغادرة العقيد فريد المطار ، عكف احمد في مكتبه يدرس اسلوب العدو وتكتيكاته وكان همه الاساسي عمل كمين لطائرة فانتوم .
في تلك الاثناء كانت الغارات الاسرائيليه علي مواقع الدفاع الجوي مستمرة ، وكانت الطائرات الاسرائيليه تستغل تكتيك يكشف عجز الدفاعات المصريه ، فقد كانت تهجم علي ارتفاع منخفض جدا يعجز عن رصدها الدفاع الجوي المصري ، ثم ترتفع بمجرد اقترابها من الهدف لتقصفه وتنسحب عائده مستغله سرعتها العاليه ، متفاديه اي مطارده لطائرات مصريه
طوال نوفمبر وديسمبر 1969 نجحت الطائرات الاسرائيليه في تدمير 36 موقع لصواريخ سام 2 و سام 3 بطول الجبهه وحتي القاهره وأنتكس الدفاع الجوي المصري بصورة رهيبه وظهر عجز القوات الجويه علي منع الطيران الاسرائيلي وبل وعن حمايه سماء مصر
وفي أخر ديسمبر ووسط القتال المشتعل في كل ارجاء الجبهه يخرج السرب مرة اخري في دوريه قتال فوق الاسماعيليه ، ويرصد عمر اقتراب طائرتي قرب دوريه السرب ، فيقرر أحمد أطلاق طائرات تعزيزه من المطار 77 وسط بوادر بمعركه جويه وشيكه الا ان الطائرات الاسرائيليه ترصد الطائرات المصريه
وتغير مسارها ، ويعود احمد غاضبا من عدم تمكنه من عمل كمين للطائرات الاسرائيليه ، وفي اليوم التالي ومازال الغضب يتملكه تصدر اوامر للسرب بحمايه تشكيل من الميج 17 سيقوم بضربه لموقع رادار اسرائيلي في العمق مقابل للاسماعيليه ، فيضع احمد خطته بأن يكون وليد وخالد في الطلعه الاولي ،
بينما يكون هو ومحمد وطارق مستعدين للتعزيز ، وكان ذلك غير مألوف حيث كان احمد مقرر سلفا بأن يكون في كل طلعه جويه والا يترك طياريه بمفردهم بدون ان يكون معهم ، لكن كان هناك ما يدور في عقله لم يعلمه احد ، وعليه فقط اعطي الاوامر السالفه الذكر .
وفور تنفيذ القاذفات قصف الهدف ،أقلع خالد ووليد لحمايتها شرق الاسماعيليه ، وكانت تعليمات احمد هي الاقلاع بباقي الطائرات فورا وعلي ارتفاع منخفض جدا والاندفاع داخل سيناء من مناطق غير مرصوده من العدو بين تحصيناته الدفاعيه ، كل ذلك تم بالتنسيق مع عمر وفي ظل سيطرة من قيادات القوات الجويه ، وطبقا للمتوقع فقد اقلعت طائرتين من مطار رافديم (المليز سابقا) ومن سرعتها أيقن عمر انها فانتوم ، فقام بتحذير خالد ووليد بصوت مرتبك تحسبا لرصد اشارته ، لكنه في الحقيقه كان يكلم احمد والذي طار مع محمد وطارق علي ارتفاع منخفض جدا بمهارة متجهين شرقا ، وعند بدء الفانتوم الاقتراب من خط القناه لتلحق بالقاذفات الميج وتشتبك مع خالد ووليد ، قام تشكيل أحمد بالدوران علي ارتفاع منخفض جدا واتخذ لنفسه موقع خلف الفانتوم ، وكانت الاشارات من عمر الي وليد في الحقيقه مرسله لاحمد ، حيث عمل وليد علي تردد مفتوح للاستماع فقط ، وهكذا أمكن لاحمد وضع الفانتوم داخل كمين ، علي الفور أطلق الثلاثه صواريخهم تجاه الطائرتين ، واللتين بدأتا في أطلاق المشاعل المضلله للصواريخ ونجحتا في ذلك ، فتزايد التحدي لدي الطيارين الخمسه وتحول القتال الي المدافع ، ومع انفصال تشكيل الفانتوم وفي ظل تفوق عددي مصري ، رصد عمر اقلاع اربع طائرات من نفس القاعده الاسرائيليه ،الا ان تعليمات احمد كانت صارمه بالاستمرار في الاشتباك مهما كانت الظروف ، فقد كان شوقه لاسقاط فانتوم كبيرا جدا، وفي نفس الوقت أقلعت ثمان طائرات مصريه من ابو صوير كانت جاهزة لهذا الموقف ، أمسك محمد ومعه خالد بذيل طائرة ، بينما يحاول طارق وخالد الامساك بذيل الاخري ،أما أحمد فقد كان يحلق عاليا معطيا تعليماته لطياريه كصانع العاب
كان محمد مصمم أشد التصميم علي أسقاط الفانتوم خاصه ان الطيار لم يستخدم كل امكانيات طائرته في المناورة ، فتم الضرب عليه بالصواريخ من مسافه قريبه ، فأصاب الصاروخ جناح الطائرة ، ثم تحول محمد للمدفع وهو يضرب ويصيح بكل كراهيه ( موت – موت يا ابن الكلب ) حتي أشتعل محرك الفانتوم ، فقام محمد بالدوران حتي تأكد إسقاط الطائرة ، فتهلل عمر طربا للنسر الاصلع ونجاحه ،ورصد محمد مظله لاحد طياري تلك الطائرة ، فتوجه للمظله مطلقا نيران مدفعه في غضب
شاهد احمد ما يحدث ولفت نظرة صوت خالد ينهر محمد عما ينتوي فعله مع الطيار الاسرائيلي ، فتدخل أحمد أمرا محمد بالكف عن مطارده الطيار ، أما طارق فقد اطبق علي الفانتوم الاخري وأطلق عده دفعات من مدفعه أصابت الطائره في ذيلها ، وصاح طارق سعيدا ( اصبت الفانتوم )
ففرح أحمد وأمر طارق بالعوده بعد ان تأكد من انسحاب الطائرة الاخري ...
عاد أحمد الي مكتبه بالمطار وأتصل بالقياده سعيدا ،وهو يبلغ ان السرب 77 أسقط طائرة فانتوم واصاب أخري .
كان الجميع في قمه السعاده وهم يقصون علي بعضهم البعض ما تم في الجو بينما اختلى أحمد بمحمد في حوار هادئ بجوار احد الطائرات ( مينفعش يا محمد نعمل معاهم نفس اللي هما بيعملوة معانا )
بدء محمد في الزمجرة معترضا ، فأكمل احمد ( احنا محترمين وبنحترم القوانين ودينا بيقول لنا منقتلش واحد اعزل ) فحاول محمد ان يعترض مرة اخري الا ان أحمد انهي الموضوع بكل هدوء وأدب
( لو سمحت يا محمد ، الموضوع ده ميتكررش ، وتشيله من دماغك خالص لو عايز تفضل معانا )
أستمرت الغارات الاسرائيليه علي مواقع الصواريخ المصريه مع بدايه عام 1970
وفي يناير قلت الغارات قليلا ، فقد تم تدمير كافه منصات الصواريخ بالجبهه تماما
وكان الرجال في قمه النشاط والحيويه ورغم مرور عام كامل من القتال المستميت دفاعا وهجوما لاثبات الذات ، فقد وصل افراد
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
الفصل التاسع : نهايه حرب وبدايه حرب
وصلت الامور لمستوي خطير جدا في حرب الاستنزاف ، فقد تحمل الجانبين خسائر فادحه وكانت مكاسب المصريين قليله لكن مهمه ، ومكاسب الاسرائيلين قليله وغير مهمه ، فقد أكتسب الطيارين خبرة لا يعادلها سنوات وسنوات أخري من التدريب وهي خبره الاشتباك المتواصل مع العدو، وهو ما أطلق علىه التطعيم بالدم ، ورغم تساقط الشهداء الا ان ذلك لم يمنع الطيارين من فرض سيطرتهم على القناه ، وأصبحت كل طائرة إسرائيليه تعبر القناه تواجه عددا من الطائرات يعترضها ، ورغم أستغلال العدو للثغرات في نطاقات الرادارات المصريه ونفاذه منها وقصفه للاهداف، الا ان ذلك لم يمنع الطيارين من مواصله الاشتباك في ظل الامكانيات المتاحه ، وكانت الروح المعنويه للطيارين تعلو مع كل أشتباك ، فالطيارين الاسرائيليين ليسوا بمثل هذه المهارة ، نعم هم على مستوي عال جدا ، لكن من الممكن إسقاطهم ، فهم في النهايه بشر ، وليسوا وحوش لا تقهر كما تصورهم الجنود والضباط بعد النكسه.
الفانتوم فوق القوات المصرية
ومع بدايه عام 1970 كان قد مر عامين ونصف العام من القتال المتواصل مع العدو ، ووقف الجيش المصري على قدميه مرة اخري وخرج من عثرته ، وأصبح الجميع في شوق وانتظار للحظه العبور وكان كل مقاتل يعمل ويتدرب وذهنه في لحظه التحرير .
اما السرب 77 فقد أشترك في عده تدريبات للعبور خلال عامي 69/70 فتدرب على حمايه القوات وهي تعبر على احد فروع نهر النيل ،وكانت الاحاديث الجانبيه بين الطيارين لا تكف لحظه عن ذكر العبور واستعاده سيناء .
ومع بدء يناير 1970 ضرب الاسرائيلين مصنع أبو زعبل للصناعات وأستشهد 70 عامل في تلك الغارة التي قامت بها الفانتوم مخترقه كافه الدفاعات بدون ان يحس بها أحد ، وكانت ثورة الطيارين عاليه من عدم كشف الطائرات الفانتوم وطالب عدد اخر بالرد بالمثل بقصف هدف مدني ، الا ان القاده وبصعوبه بالغه أستطاعوا كبح جماح الطيارين الصغار .
وفي فبراير أستطاع السرب اعتراض تشكيل فانتوم وميراج فوق بحيرة المنزله ، فالقت الفانتوم قنابلها فوق مياه البحيرة وأنسحبت هاربه، واستطاع محمد تدمير طائرة ميراج بينما أصيبت طائرة أحمد وأضطر للقفز منها مرة اخري .
وبعد يومين عاد الدمنهوري للظهور مرة اخري بعد فترة غياب ، عاد محملا بكميات من الهدايا للطيارين ، ومبلغا أياهم تحيات الرئيس عبد الناصر والتي كانت بالنسبه لهم اكبر من اي هديه اخري.
في تلك الزياره تسأل أحمد عن بقيه المطارات السريه التي قيل انها تعمل ، فرد الدمنهوري بأن اجراءات الامن تحتم علىه الا يخبرهم بمواقعها والا يعلم بمواقعها الا عدد محدود جدا لتظل سريه ، واضاف الدمنهوري بان هذه المطارات حققت المطلوب منها تماما ، فقد شتتت مجهود العدو الذي اصبح يتوقع وجود مطار في كل حقل وفي كل طريق ممر.
وساعد على ذلك وطنيه الاهالي ،وقص علىهم الدمنهوري قصه جاسوس تم القبض علىه يحوم حول احد المطارات ويسأل الاهالي الذين انكروا معرفتهم بأي مطارات او طائرات ، وفي نفس الوقت قاموا بالابلاغ عنه في وطنيه وصدق وتفهم لوضع البلد، وتم القبض علىه
وتساءل محمد ((طب وهنحارب امتي ؟؟ قصدي هنعبر القنال امته ؟؟ احنا على نار ))
تبسم الدمنهوري وهو يدخن سيجارته ولم يرد ، ففهم الجميع من معرفتهم بالدمنهوري انه ليس مخول بالكلام في هذا الموضوع
فتدخل طارق متسائلا (( بمناسبه الجواسيس ، احنا من فترة شاكين ان في حد مراقب طلعاتنا كل مرة نطلع في دوريه ، نلاقي اليهود مطلعين طيارتين تلاته على طول ))
تبسم الدمنهوري مقاطعا (( فيه جواسيس مش عارفين نعمل لهم حاجه ، الاول فوق جبل ام خشيب وده مركز مراقبه وتصنت الكتروني متقدم جدا ، وده راصد الدلتا كلها عندنا لغايه القاهرة ، ومهما ضربناه بالطيارت ، يرجع يشتغل تاني بعد فترة )) وصمت قليلا ليلتقط انفاسه ، فتساءل احمد (( والتاني؟؟؟))
فرد الدمنهوري (( الجاسوس التاني ، دي طيارة ستراتوكروز للاستطلاع الالكتروني ، ودي طياره فيها اجهزة بترصد نبضات الرادار والاتصالات وتقدر تحدد للطيران الاسرائيلي مواقع الصواريخ عندنا بدقه عشان يضربوها وبترصد الاتصالات اللاسلكيه وبتتصنت علىها ، ودي مش عارفين نوصل لها بالصواريخ ، ولانها بتطير على مسافه داخل سيناء وبالليل معظم الوقت فمش عارفين نصطادها ))
عمر (( احنا فعلا متابعين طيرانها وعاملين جدول لتحركاتها ))
خالد ((وايه خطورتها دي ؟؟))
الدمنهوري منفثا دخان سيجارته (( المعلومات اللي عندنا انها بتتصنت على المكالمات التليفونيه للخطوط العسكريه وبتسجلها ، ودي لوحدها مصيبه ، وكمان زي ما قلت لكم بترصد نبضات الرادار ، فبسهوله تقدر تعرف مواقع الصواريخ عندنا وتفرقها عن الهيكلي ))
أحمد (( وهتعملوا ايه معاها دي ، ومع مركز جبل ام خشيب ؟؟؟))
الدمنهوري (( الموضع متصعد لاعلى مستويات في القياده لاتخاذ القرار ))
طائرة ستراتوكروز إسرائيليه
بعد هذا اللقاء بعده أيام عاد عمر للتدريب استعدادا للطيران مرة اخري بعد ان أكد الطبيب جاهزيته للطيران والتئام العظام مرة أخري ، فبدأ في عمل الاختبارات اللازمه لكي يعود ،وبالفعل عاد للطيران مع سربه في منتصف مارس ، في نفس الليله حضر الدمنهوري مرة اخري ، وكان الطيارين منهكين من تعدد الاشتباكات والطلعات المستمرة ، وجلس الرجل وحوله الطيارين والفنيين كالعاده يرتشفون الشاي بين الطائرات ، بدء الرجل حديثه ليخبر الرجال ببدء وصول وحدات سوفيتيه للدفاع عن العمق المصري
فأنتفض الجميع مستغريبين من هذا الامر ، فهل تورطت مصر في استعمار أخر ؟؟
لكن الرجل بكل هدوء امتص غضبهم المتصاعد واخبرهم بأن ذلك بناء على طلب الرئيس عبد الناصر
فتزايدت دهشه الجميع وخاصه عمر غير مصدق دعوة الرئيس لاستعمار جديد
فضحك الدمنهوري قائلا (( لا متخفوش خالص – القوات دي لها قواعد مش هتتحرك خارجها ، لها دور محدد وصريح الا وهو الدفاع عن العمق عشان انتوا تعرفوا تركزوا على الجبهه بس ))
محمد غاضبا (( واحنا مكناش عارفين ندافع عن بلدنا ؟؟؟؟!!))
الدمنهوري (( لازم تعرفوا ان عددكم كطيارين قليل جدا مقارنه بمساحه العمليات المطلوبه ، وكان لازم احنا نعمل تصرف يمنع الاختراق الاسرائيلي المستمر للعمق من نجح حمادي لابو زعبل وطبعا انتوا عارفين ان الطيار اللي بيستشهد بنعوضه بعدها بعد كام سنه ... مش أقل من تلات سنين ، يبقي هنعرف نتدرب للعبور إزاي؟؟))
أحمد (( وحجم القوات دي أيه ؟؟))
الدمنهوري (( الاتفاق على 95 طيارة ميج 21 معدله بطياريها وكتائب سام 3 المطورة لحمايه السد والعمق ، وكمان عدد من الطيارات الميج 25 المتطورة جدا ودي للاستطلاع ، اما الحاجه اللي هيجيبوها معاهم وانتوا محتاجينها ، هي معدات حرب الكترونيه تحمي الرادارات من شوشرة الطيارات وبكده نحقق لكم رصد وتوجيه ممتاز لاهدافكم ))
صمت الرجال قليلا يفكرون فيما قاله الرجل ، فتساءل طارق (( اماكن تمركز الطيارات فين ؟؟))
الدمنهوري (( هيكونوا في القواعد الخلفيه للعمق زي كوم اوشيم بالفيوم وجناكليس قرب اسكندريه وقاعده بني سويف ، والتعلىمات انهم يشتغلوا للحمايه والدفاع الجوي فقط ، وقريبا جدا هتروحوا زيارة لسرب سوفيتي لتبادل الخبرات ))
وبالفعل بعد عده أيام كانت طائرة هليكوبتر تهبط في قاعد بني سويف ليلا حامله طياري السرب 77 وعدد من الفنيين ، وتمت مشاهده عدد من الطائرات الميج 21 يتم دهانها بالالوان المصريه ، وتحاور الفنيين مع نظرائهم السوفيت في امور الصيانه ، وعقد الطيارين اجتماع مع الطيارين وعدد من المستشارين السوفيت في حضور العقيد فريد وكعاده تلك الاجتماعات ، فقد كان حوارا عصبيا من الجانبين ، فقد أصر السوفيت على ان الطيارين المصريين دون مستوي القتال المطلوب حتى بعد تطوير الميج والسوخوي بناء على طلبهم ، وان الطيارين المصريين ينقصهم الجرأه في الاشتباكات ، وان الروح الانهزاميه تملئهم ويجب ان يكونوا اقوي واصلب لكي يكسبوا الحرب المقبله .
وبينما المترجم يترجم كلمات المستشارين والطيارين السوفيت ، أحتقن وجه جميع الطيارين وتعالى الغضب داخل النفوس ، وأحس احمد بأن هذ الاجتماع من الممكن ان ينتهي بكارثه ، فمال على العقيد فريد وتمتم ببضع كلمات ثم أشار لطياريه ، وغادر طياري السرب غرفه الاجتماعات في هدوء تاركين العقيد فريد يشرح للمستشار السوفيتي ان ما قاله يتعدي حدود الواقع ويشيع الاحباط في الرجال وانصرف غاضبا هو الاخر ، تاركا الدهشه تعلو وجوه الفريق السوفيتي .
وفي طريق العوده انطلق الغضب المكتوم من الطيارين على اسلوب السوفيت المتعجرف المغرور وكانت التعلىقات من الجميع غاضبه عدا أحمد الذي جلس مبتسما وعندما تسائل محمد عن سبب تبسمه رد احمد:
((بحمد ربنا ان السوفيت ميعرفوش حاجه عننا ولا عن مطارنا ، والا كان زماني مموتهم كلهم))
فتغير مسار الحوار بالتندر على رد فعل كل منهم لو كان السوفيت يقبعون في مطارهم ، كما يقبعون في كافه المطارات الاخري وأستكمل أحمد سائلا عمر (( الموجهه اللي استلم مكانك مستواه كويس ؟؟))
عمر (( دربنا عدد من الضباط المؤهلات ودول كويسين جدا ، وفي عدد من الطيارن المصابين برضه ماسكين التوجيه ، لا تقلق نهائيا من الموضوع ده ))
فأعتدل أحمد في مقعده وأغمض عينيه فترة ، تبعه عمر حتي غاص الاثنان في نوم عميق ، فمال طارق ناحيه وليد (( مش قلت لك إن عمر ممكن ينام في أي مكان )) وضحك الاثنان
مرت عده أيام على تلك الواقعه ، وبدأت بشاير المعدات الالكترونيه السوفيتبه الجديده في الظهور ، فبدأت البلاغات باقتراب طائرات معاديه تتم مبكرا ، مما أعطي وقتا كافيا لاعتراض الطائرات المعاديه قبل دخولها لاهدافها ، ثم صدرت الاوامر في الرابع من ابريل بعمل مظله لحمايه تشكيل ميج 17 عائد من قصف مركز أم خشيب الحيوي ، فأقلع احمد وعمر ومحمد وظل الباقي في وضع الاستعداد بالمطار
هاجمت القاذفات هدفها وبدأت في خط العوده ، وأفاد الموجهه بوجود طائرات مطارده للقاذفات ، اعطي احمد اوامرة لمحمد وعمر بالانخفاض لعمل كمين للطائرات المطارده ، وبدء تنفيذ خطه تم وضعها مسبقا ، فطار احمد منفردا ، ثم انحرف بعد مرور القاذفات ، فتتبعته مقاتلتين ميراج ، فأنخفض بطائرته مناورا مبتعدا عن الميراج ، بينما انحرف عمر ومحمد بهدوء خلف الطائرات المطارده التي لم ترصد وجودهم بعد ، وبدؤا في اتخاذ وضع الضرب
أنتبهت احدي الطائرات الميراج للكمين فانفصلت عن المطارده فتابعها محمد بينما عمر يقترب من الاخري التي تناور خلف احمد بكل مهاره ، وفي لحظه أطلق عمر دفاعات مكثفه من مدفعه ليصيب الطائرة في محركها وتشتعل فيها النيران ، ويكبر عمر فرحا بتدميرة لطائرة العدو ، بينما أحمد يتنفس الصعداء من تخلصه من مطارده والذي كان على مستوي جيد جدا في المطاردة ، يتساءل احمد من محمد على وضعه ، فيرد الاخير بانه يركب ذيل الميراج الاخري ، لكن طيارها على درجه كبيرة من الكفاءة ، ولا يستطيع ان يدخل في دائرة الضرب بسهوله ، يصل عمر ومن بعده احمد لسماء المعركه فوق القنطرة غرب ، ويساعدان محمد في تطويق الميراج ، افاد موجهه ابو صوير باقتراب طائرات معاديه ، وجاء الامر من القياده بالتخلص من الاشتباك سريعا ، فيتعجل محمد في اطلاق صاروخين يضلان الطريق ، بينما أحمد وعمر يساعدانه والطيار الاسرائيلي يقوم بمناورات حاده للتخلص من الاشتباك بمهارة ، ثم يأتي امر اخر من القياده بالتخلص من الاشتباك حالا فينفذ الجميع ذلك ، وفور اتجاههم غربا يرصد احمد صاروخين أنطلقا من خلف قواتنا غرب القناه ، ليطاردا الميراج الاسرائيليه ، لكنها تتمكن ايضا من الافلات منهم .
وعند العوده للمطار ، يقف محمد يدخن سيجارته مع عمر واحمد ويقول ((انا نفسي اقابل الطيار الاسرائيلي ده تاني)) فيتساءل عمر عن السبب ويجيب محمد ((ده طيار ممتاز ، وعندي احساس اني لو شفته على الارض هاسلم عليه )) فنظر أحمد مستغربا من مشاعر محمد ((غريبه ...صح ؟؟؟ بس ده الاحساس اللي جوايا ناحيته ، حاولت معاه كل المناورات الممكنه واللي اتعلمتها ، وفي كل مرة بيخرج قبل ما أقدر أضرب عليه طلقه واحده، عشان كده انا مش زعلان اني مقدرتش اوقعه)) أجاب محمد
كانت مشاعر الطيارين غريبه جدا بعد كل اشتباك ، فهم في معركه إما يقتلوا فيها او يقتلوا العدو ، لكن الاحساس بالاعجاب من كفاءه طيار معادي او عدم كفاءته فقد كانت موجوده لكنها نادره الحدوث في وسط كم الموت والدمار المشتعل في السماء .
بعد عده أيام وبينما الرجال قابعين في طائراتهم منتظرين الامر بالاقلاع لاي مهمه ، مرت فوقهم طائرات فانتوم على ارتفاع منخفض جدا هز الارض من تحتهم وهي تتجه غربا ، وبدون انتظار اي أوامر بدأت الطائرات في الاقلاع سريعا وبينما أحمد يبلغ بالاختراق المعادي أقلع وأتخذ أتجاه الغرب ، لكنه لم يعد يري تلك الطائرات ، فطلب من مطار ابو صوير توجيهه ، لكن الموجهه افاد بان الرادار لا يري اي شئ .
فأغتاظ احمد جدا وطلب من خالد ووليد ان يمسحوا السماء بحثا عن أهداف ، لكنهم لم يروا اي اهداف معاديه ، وظل الاتصال مفتوحا مع القياده بحثا عن تلك الطائرات التي اختفت ، وبعد قليل تم رصدهم فوق القنطرة عائدتين الي الشرق بسرعه كبيرة ، وضاعت فرصه اعتراضهم ، فعاد احمد وطياريه يجرون اذيل الخيبه ، وهم لا يعلمون ماذا قصفت تلك الطائرات اللعينه وما الحقته من دمار ، وفي المساء جاء الخبر من الراديو ببيان للقوات المسلحه ، وعم الوجوم ارجاء المطار وهم يستمعون لصوت المذيع يختنق وهو ينعي الي الامه أستشهاد 31 تلميذ من مدرسه بحر البقر الابتدائيه في محافظه الشرقيه جراء قصف طائرات الفانتوم لها ، فتعالى الغضب الي السماء من احمد ومحمد ، بينما وضع عمر رأسه بين يديه في ذهول غير مصدق الخبر ، أما طارق فظل يردد في غضب كلمه واحده ( حرام – حرام )..........اما وليد وخالد فقد تساقطت الدموع من اعينهم على أستحياء في صمت ، وقد هبط الخبر عليهم كالصاعقه ، أفاق محمد من غضبه وبدأ يتكلم عاليا (( طب دول عيال ، ذنبهم ايه بس ، عيال في مدرستهم ينضربوا ليه؟ عملتهلم ايه اخلاق الحرب وكانوا هما اصلا عملوا ايه في دنيتهم ؟؟))
تمالك احمد اعصابه بسرعه بعد ان وجد ان الجميع قد فقد اعصابه ، فوقف بينهم والدموع تملئ مقلتيه
قائلا (( يا رجاله – دي الحرب ودي ضريبه الحرب، ومش متوقع من عدو كافر زي ده اقل من كده ، المهم نمسك اعصابنا ونحط الولاد دول في دماغنا في كل اشتباك جاي ، لازم ناخذ بتارهم برضه زي ما بنحاول ناخذ بتار زملائنا واهلنا في كل حته في مصر ))
فيرد وليد (( بس دول عيال يا فندم ))
أحمد (( عيال مش عيال – احنا في حرب والناس كلها لازم تستحمل ، والجدع اللي يصمد للنهايه ، ولازم نخليهم يدفعوا التمن ...........لازم ))
خبر استشهاد اطفال مدرسة بحر البقر
مرت الليله كئيبه على الرجال بكل ما تحمله من معاني ، وأمر احمد رجاله بفحص طائراتهم في محاوله منه لشغلهم بعيدا عن التفكير في ذلك الحدث المؤلم .
في اليوم التالي جاءت تعليمات بتخصيص طائرتين فقط كحاله اولي مع الثبات على الاستعداد العالي ، وعندما سأل احمد في مقابله بالقياده ، كان الرد بأن الدفاع الجوي سيتكفل بدور الاعتراض الجوي تدريجيا ، ولحين اكتمال انساق الدفاع الجوي سيظل السرب جاهزا .
مر يومين بدون قتال ، وتم السماح بفتح الاجازات بمعدل طيار واحد للسرب ، فنزل خالد وتلاه وليد ثم عمر وتلاه طارق ،أما احمد و محمد فكانا لا يرون ضروره للاجازة لان كل منهم مشتاق لقتال جديد مثلهم مثل باقي الطيارين
ومر شهر أبريل وقبل ان ينتهي شهر مايو حضر الدمنهوري سعيدا ، وعلموا منه بأنه منذ قليل تم التخلص من احد الجواسيس المزعجين لقواتنا ، وأستكمل قبل ان يسأله احد ((وقعنا الستراتوكروز))
فتهلل الجميع فرحا ، فقد كان اسعد خبر سمعه الرجال منذ أيام كثيرة ، وتساءل احمد ((ازاي ؟؟))
ورد الدمنهوري ((عملنا لها كمين – قائد الدفاع الجوي كان مركز جدا مع الطيارة دي ، الرجاله قدروا يرصدوا حركتها خصوصا برة مدي الصواريخ بتاعتنا ، فتم التنسيق مع رئيس الاركان ، انه يتعمل لها كمين محكم ، وفعلا من ساعه بس جت اشارة ان الكمين نجح والطيارة ولعت السما بمن فيها))
تساءل عمر فرحا ((ووقعناها ازاي؟))
فرد الدمنهوري ((بطاريه صواريخ سام 3 أتحركت مع اخر ضوء لقرب شاطئ القناه في سكون تام وفي مكان مش متوقع ، ولما جت الطيارة طايرة بأمان لانها راصده مواقع صواريخنا وعارفه انها خارج المدي مسبقا ، ضربنا عليها صاروخين ، والاتنين ضربوها))
فتهلل الجميع طربا وأمضوا ليله سعيده ، أبعدت عنهم احزان ليالي ماضيه
في اليوم التالي صدرت الاوامر للسرب ، بحمايه تشكيل قاذفات ميج 17 متجهه لقصف مركز ام خشيب ، فتندر الجميع بأن الجاسوس الثاني في طريقه للسقوط ،فأقلع احمد وطارق وخالد وطارا في موازاه القناه انتظار لعوده تشكيل القاذفات او للتدخل لحمايتهم ، وكان ذلك الذي حدث بالفعل ، فقد تم الابلاغ عن اقلاع اربع طائرات معاديه ، فتوجه احمد للاشتباك معهم ، واقلع عمر ومحمد ووليد للتعزيز ، كانت الطائرات المطارده تقترب بسرعه كبيرة فأبلغ الموجهه انها أحتمال كبير تكون فانتوم ، فرد أحمد بالعلم وذكر طياريه بمذبحه بحر البقر ، وان وقت الرد قد حان .
عاد تشكيل القاذفات للغرب بعد ان خسر طائرتين وعبر ما تبقي من التشكيل قناه السويس في الوقت الذي كان تشكيل عمر يطير شرقا على ارتفاع منخفض ، وفور تأمين القاذفات بدأ احمد ينسحب غربا هو الاخر عائدا وساحبا الطائرات المطارده له الي مدي وحده صواريخ قريبه، لكن الفانتوم ادركت الطعم جيدا ، وغيرت من خط سيرها لتصطدم بتشكيل عمر المقابل لها ، في نفس الوقت عدل احمد اتجاه تشكيله والتحم في المعركه ، أطلقت الفانتوم عده صواريخ تجاه طائرات تشكيل عمر ، فأصيبت طائرة وليد لكنه قفز منها قبل ان ترتطم بمياه القناه ، أما عمر فقد أشتبك مع الفانتوم ، ولدهشته البالغه فلم يقوم طيارها بمناورات قويه مستغلا امكانيات طائرته ليقع في دائرة نيران عمر الذي اطلق صاروخا ،أنفجر داخل محرك الفانتوم مشعلا أياها ، وفوق الساتر الترابي شرق القناه هبطت مظلتين تحملان الطيار والملاح ،
وبذعر بالغ انسحبت الطائرة الاخري بسرعه كبيرة تاركه سماء المعركه لطائرات السرب التي عادت للمطار وقبع الجميع منظرين اخبار عن وليد .
وصل وليد للمطار قرب الفجر في سيارة عسكريه ، وكان واضحا عليه الانهاك الكبير ، فتهافت عليه الطيارون بعد ان أستيقظوا للاطمئنان عليه، وبعد جرعه مياه سريعه جلس وليد يقص على زملائه ما حدث قائلا (( نزلت فوق كتيبه مشاه مصري ، وعلى حظي الاسود الكتيبه دي كانت مشتبكه مع العدو ، فأخدني نقيب بسرعه وشدني داخل حفرة وقايه )) ثم اردف ضاحكا (( تعرفوا انهم في الجبهه بيسموا الدشم وملاجئ الوقايه بأسم – قفص القرود )) فضحك من حوله الا ان محمد رد بجديه (( فعلا في المشاه والصاعقه بيسموا الخندق قفص القرود – لان العسكري محشور جواة ومش شايف حاجه من الضرب اللي نازل على نافوخه من اليهود ، بس قاعد مقرفص جواة زي القرد منتظر الفرج ))،
فعلق احمد (( ده شعور فظيع للعسكري من دول ))
عاد خالد لصلب الموضوع متسائلا في فضول (( وبعدين ايه اللي حصل))
فآستكمل وليد ((لما الضرب وقف بعد ربع ساعه ، قدرت اطلع من القفص ده ، وبصيت على الناحيه التانيه من القناه ، لقيت اليهود بيسحبوا طيارينهم اللي وقعوا على الساتر بتاعهم ، وكان واضح جدا ان فيه منهم واحد مصاب جامد ، لدرجه ان هيلكوبتر جت بعد ربع ساعه من توقف الضرب وسحبت الطيارين بسرعه))
ثم أضاف مندهشا ((بس ايه الساتر ده ، دي حيطه على القنال منشوفش من وراها حاجه خالص !))
فأضاف عمر (("لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر" – صدق الله العظيم )) فصدق الجميع أيجابا
في عصر اليوم التالي هبط وليد بطائرة جديده، ليعود للسرب قوته الكامله مرة أخري ، وفي تلك الليله ووسط السكون والظلام المحيط ، خرج أحمد كعادته يتجول بين الطائرات والفنيين والجنود ، يطمئن عليهم ويحل اي مشكلات تحتاج لتدخله ، فوجد محمد يقبع في كابينه طائرته مفكرا وسارحا في همومه فأثر احمد الا يقطع تفكيرة ومضى هو في سيرة الي ان جلس على جذع شجرة وهام بتفكيرة في احداث عامين من القتال والموت ، وتذكر حواراته مع السمري والمليجي فتبسم ، وتذكر قائده السابق العميد تحسين ذكي والذي انقطعت اخبارة بعد ايام من النكسه وتساءل عما حل به الان ، وتجول بتفكيرة في أيام النكسه العصيبه وتذكر مشهد قتل الاسري قرب القناه ، ومدي حزنه من عدم تمكنه انقاذهم فبعد عامين مازال غير متأكد من صواب ما قام به ومازال الشعور بالذنب يلح عليه على فترات ، وتبسم عندما تذكر تدريبات مطار القطاميه مع المقدم محمد السيد وكذلك هجمات منتصف يوليو التي اعادت له الثقه مرة اخري ، وبينما هو يشعل سيجارة اخري طاف على مخيلته طابور طويل من صور الشهداء الذين سقطوا حوله ، وتساءل عما يحس به كل منهم وهو يقابل الموت بصدر رحب ، هل يحس الجندي بالرضا عما اداه او يحس بالحزن لعدم تأديته واجبه كما يفترض؟؟ هاجس غريب لم يفارقه يوما منذ يوم 5 يونيو ، الا وهو ذلك الموت ، فمتي موعده ومتي سيحين دورة لكي يموت ، وهل سيكون قد أدي دورة كما ينبغي؟
من المؤكد ان كل جندي وطيار بالمطار يتوقع الموت في اي لحظه ويحسب له الف حساب ، لكن من منهم يفكر في حساب النفس ؟ فهل اديت دوري كما ينبغي ام لا ؟ هل ارضيت نفسي من الثأر ام لا ؟
هاجس غريب لكنه واقعي في تلك الفترة العصيبه من عمر الفرد ، فالفرق بين الموت والحياه أصبح أرفع من الشعرة ، وفي اوقات كثيرة كان الموت اقرب اليه من اي شئ اخر في الدنيا ، فكم من مرة اصيبت طائرته وهوت وهو بداخلها ويده تمسك رافعه ستقذف به الي خارج الطائرة ، وكم من مرة سمع ان تلك الرافعه تتعطل ويقتل الطيار بسبب تلك الرافعه اللعينه ، ناهيك عن الشعور القاسي بالتخلي عن طائرة أعتبرها في وقت ما جزء لا يتجزأ منه وحارب بها ، يا الله من تلك الهواجس والافكار التي تعصف بالمقاتل على الجبهه ، في وقت ما تدفعه تلك الهواجس الي حب الحياه والتمسك بها والاندفاع الي امتصاص كل ما بها من ملذات ، وتاره اخري تجده زاهدا في تلك الحياه مقبل على الموت بكل سرعه كما هو الحال مع زميله محمد والذي سلم نفسه روحا وجسدا للموت ، فعندما يراقبه احمد اثناء الاشتباكات يجده كطياري الكاميكازي الانتحاريين اليابانيين في الحرب العالميه الثانيه ، فطيرانه اقرب ما يكون الى الانتحاري وهي نقطه تميز واضحه له ، ففي مرات كثيرة يقوم محمد بمناورة تخالف المنطق والعقل لا لشئ الا لضرب العدو معرضا حياته لخطر كبير، هذه المناورات المجنونه تجعل العدو مرتبك وتضع محمد في وضع مناسب جدا للضرب ، أما عمر فهو يؤدي عمله باتقان وتفان مثله مثل باقي الطيارين ومن مميزاته انه ينسي حياته وزوجته بمجرد دخوله المطار ، فقلما يتحدث عن المستقبل أو سعاده الحياه الزوجيه فكل تركيزة منصب على القتال ، أما طارق فهمه الاساسي والذي يؤرقه منذ النكسه هو إيجاد حل للخروج من تلك الحرب منتصرا ، وكم من مرة دار النقاش بينهم عن حل لهذه الازمه وللتفوق الاسرائيلي في الطائرات كما وكيفا ،
وكان رد احمد دائما ان التدريب الجاد الشاق هو الحل الوحيد للنصر في المعركه المنتظرة ، اما وليد وخالد فقد صقلتهم الاشتباكات الجويه الكثيرة التي خاضوها واكتسبوا خبرات أكبر بكثير من كثيرين ممن هم في سنهم على مستوي العالم وليس مصر فقط ، فرغم تخرجهم من ثلاث اعوام تقريبا ، الا ان خبرتهم القتاليه تزيد عن خبرة قاده الويه واسراب جويه في دول عديده ، وأنعكس ذلك على تصرفاتهم خاصه بعد استشهاد رفاقهم جمال وشريف ، أنعكس ذلك بحاله من النضج والهدوء والجديه قلما تجدها في شباب لم يتعدوا منتصف العشرينات من عمرهم .
طافت كل هذه الافكار في عقل احمد ، وبينما هو ينظر لتلك الطائرات الواقفه بين الاشجار تغسل تعبها بندي الليل، طاف بذهنه في اليوم الذي ستعبر فيه تلك الطائرات لقناه السويس متجهه نحو قلب العدو ومسدده ضرباتها لقواته ، حاميه جيش مصر وهو يعبر محررا نفسه ومصر والعرب من عار هزيمه نكراء لا يد له فيها ، معيدا للامه كلها كرامه سلبت منه على حين غرة .
ففي ذلك اليوم بالضبط منذ ثلاثه اعوام مضت كان اليأس والاحباط والذل يملئ جوانب احمد وكل رفاقه بعد ان تجرعوا هزيمه قاسيه بكل معاني الكلمه من قسوة ومرارة ، وحتي الان لا ينكر احمد انه لم يكن يري نورا في نهايه النفق المظلم ولم يكن لديه امل بالمرة ، لكنه صمد كما صمد كل جندي وضابط اخر في الجيش ، وقاتل كما قاتلوا جميعا ، وتقبل التضحيات وذاق طعم هزيمه العدو في معارك لكنه لم يذق بعد حلاوة النصر في حرب .
في تلك الايام يصل الدمنهوري حاملا اخبارا جديده ، فهنالك حائط منيع من الصواريخ يبنى الان بطول الجبهه ، ورغم القصف المعادي المستمر الا ان العمل يتقدم ، وهو ما يعني وجود غطاء صاروخي كامل لقواتنا وقواعدنا الجويه ، وأستمر الرجل شارحا الموقف العسكري ، واردف ان الاخترقات الاسرائيليه للعمق قد توقفت عندما تم رصد الطيارين السوفيت عندما اعترضوا الفانتوم قرب منطقه السخنه جنوب السويس ، وعلى الفور زمجر محمد معترضا مبديا امله في ان يشتبك السوفيت مرة مع الاسرائيليين
الا ان الدمنهوري شدد على ان الوجود السوفيتي لمصر لحمايه العمق وليس استعمار واحتلال ، وتابع الرجل تحليله للموقف العام ، بان قواتنا البريه أصبحت على درجه جيده من الكفاءه يمكنها من تنفيذ اي عمليات هجوميه تطلب منها .
ثم أردف الرجل بأن الوقت قد أقترب لكي ينالوا قسطا من الراحه، بعد ان يتولي الدفاع الجوي مهمه التصدي للطائرات المغيرة ، وبالفعل وبعد عده أيام يعقد مؤتمر بقاعده ابو صوير يجمع الطيارين والموجهيين الارضيين وعدد من قاده سلاح الدفاع الجوي ، وكان غرض المؤتمر تنظيم التعاون بين القوتين وتنظيم الممرات الامنه التي يمكن لطائراتنا استخدامها بأمان وحتي لا تتعرض لخطر صواريخ الدفاع الجوي .
وبعد عده ساعات من المحاورات والتعليمات عاد الرجال الي مطارهم يدرسون التعليمات الجديده
وفي الايام التالي وبدون اي اثارة لشكوك الاسرائيليين ، قام السرب بعده دوريات مستخدمين طرق الاقتراب والتقدم الامنه وسط منظومه الرادار المصريه
وفي اخر أيام شهر يوينو عام 1970 أعلن الدفاع الجوي المصري عن وجوده في الساحه ، ففي ظل تأهب كامل من السرب تابع طياروه أقتراب طائرات العدو كالعاده ، وانتظروا الامر بالاقلاع لكن الامر لم يصدر ، انما توالت بلاغات الدفاع الجوي بإسقاط طائرات العدو وقتل وأسر طياريها حتي وصل العدد بنهايه اليوم الي ثمان طائرات ما بين سكاي هوك وفانتوم، بينما لم يصدر الامر للطائرات بالاعتراض
ووسط تهليل وتكبير الطيارين والفنيين من أسقاط هذا العدد من الطائرات مرة واحده ، وسط تلك الفرحه أعلن الدفاع الجوي عن مولده الفعلى كقوة مستقله يعتمد عليها ، وفي اليوم التالي لاحظ الجميع شيئا غريبا جدا ، فلم تقترب طائرة إسرائيليه واحده من خط القناه ، وكان هذا يعني للرجال شئ واحد الا وهو ان إسرائيل تعد العده لشئ ما ، فتوقعوا ان يكون اليوم التالي حافلا .
في اليوم التالي تم أستمرار النجاح فتم إسقاط طائرتين سكاي هوك وطائرتين فانتوم في اليوم الذي يليه
وحتي العشرين من يوليو كان الرجال قد أحصوا إسقاط 13 طائرة إسرائيليه وأسر عدد كبير من طياري تلك الطائرات وجاءت صرخات جولدا مائير من اسرائيل لامريكا قائله في الصحف
(( انهم (اي المصريين) يسقطون طائرات بملايين الدولارات بصواريخ بالاف الجنيهات ))
في نفس الليله حضر الدمنهوري حاملا عدد من الافلام السينمائيه واله عرض على غير العاده ، وعلى الفور تم تجهيز غرفه الطيارين لعرض ما بجعبه الدمنهوري الذي قال (( ده اول استجواب لطيار فانتوم اسرائيلي ولازم تشوفوه بتركيز كبير )) وعلى الفور اتخذ الرجال اماكنهم في حماسه وشوق
بدأ الفيلم في غرفه رماديه الحوائط يتوسط ارضيتها ثلاث كراسي فقط حول طاوله، بينما خلت الحوائط من اي نافذه ودخل ضابط مصري برتبه عقيد ويليه ضابط اخر برتبه نقيب وتلاهم طيار الاسرائيلي مقيد الايدي و معصوب العينين يقوده جندي من الشرطه العسكريه ، لا يتعدي عمر الطيار الاسرائيلي اثنان وعشرون عاما بأي حال ، وعند نزع الغطاء عن عينيه علت عينيه نظرات رعب ، فأجلسه الجندي على الكرسي المقابل للعقيد الذي بدأ في طرح الاسئله بينما يترجم النقيب الحديث.
العقيد – هل عاملك المصريون جيدا حتي الان ؟
الطيار – نعم
العقيد – هل تحتاج شيئا ؟
الطيار – سجائر فقط
فأمر العقيد شخصا يقف بعيدا عن الكاميرا بأحضار سجائر وعلى الفور كان احد الجنود يشعل سيجارة للطيار ، بينما تهكم محمد بصوت عال قائلا (( ناقص كمان نقول له تحب تروح بيتكم أمته ؟؟)) فنظر اليه احمد بحده مشيرا اليه بعدم الحديث ،وأستكمل الطيارون متابعه الفيلم في تركيز وقد علا الرؤوس سحابه من دخان السجائر ، ووضح على الطيار الاسرائيلي الهدوء بعد تلبيه طلبه .
العقيد – أسمك ورتبتك ؟
الطيار – ملازم أول رامي هاربيز
العقيد – سربك ؟
الطيار – سرب بايت شيم من قاعده رافديم
العقيد – ماذا كانت مهمتك ؟
الطيار – لا اريد الاجابه عن هذا السؤال
العقيد – لماذا ؟
الطيار – طبقا لاتفاقيه جنيف لا يحق لك سؤالي عن ذلك
العقيد – اذن ماذا يحق لي ؟
الطيار – ان تسالني عن اسمي ورتبتي ورقمي فقط وقد اجبتك بالفعل
تعالي التوتر بين الطيارين وهم يتابعون عجرفه الطيار الاسرائيلي في الرد بينما كان غضب محمد مكبوتا من المعامله الحسنه لاسير حرب وتذكر ما حدث معه في الاسر فعلت المرارة في حلقه
العقيد بهدوء – انت متهم بأرتكاب جرائم حرب وقتل مدنيين وهذا ضد اتفاقيه جنيف مما يعني انه يحق
لنا أن نحاكمك ونعدمك طبقا للاعراف الدوليه
الطيار برعب وقد سقطت السيجارة من فمه – .أ.أ..أنا لم ارتكب اي جرائم حرب
العقيد منفعلا – اذن ماذا تسمي ضرب مصنع مدني وقتل 70 عامل ثم ضرب مدرسه اطفال وقتل 31
طفل في مدرستهم، ما الذي صنعه هؤلاء الاطفال لكم لكي تقتلوهم
الطيار وقد علا الرعب وجهه – سيدي انا لم اشترك في مثل هذه الغارات
العقيد مواصلا انفعاله – لدينا معلومات مؤكده برقم طائرتك ، لن تفلت من الاعدام ولن تعود حيا
الطيار متوسلا – ارجوك سيدي صدقني ، انا لم أشترك في تلك الغارة إنما زملاء لي
العقيد ضاحكا – كيف أصدقك فزميلك النقيب عاموس زامير والذي يقبع في زنزانه مجاورة قد اعترف عليك من فترة
الطيار برعب – عاموس يكذب ارجوك سيدي صدقني
العقيد مبتسما – حسنا سنحاكمك على أي حال من الاحوال ،لكن بعد ان تتعرف على أساليبنا في نزع اعترافاتك ،فلدينا أساليب تفوق ما لدي الاتحاد السوفيتي من تعذيب
خر الطيار على الارض باكيا محاولا التماس عطف العقيد بالا يعرضه لتعذيب ، قائلا بانه سمع عن اساليب التعذيب السوفيتيه القاسيه ، وانه على أستعداد للاجابه على اي سؤال يسأله العقيد ، ثم توقف الفيلم لعطل في اله العرض. وبينما احد الجنود يصلحها ، تساءل احمد (( بسهوله كده عنده أستعداد يعترف ؟؟))
الدمنهوري (( اللي اكتشفناه إن الاسرائيلي بدون سلاح بيكون جبان جدا وبأقل وسيله ضغط بيعترف، دول ناس ميعرفوش معني الانتماء و الدين ، ولعلمكم الطيار الاسير التاني اعترف فعلا على كل زملائه ))
عادت اله العرض للعمل وبدأت على مشهد حيث جفف الطيار الاسرائيلي دموعه وتم فك قيوده فأمسك بسيجارة وعاد العقيد يسأل
العقيد –مرة اخري ما هي مهمتك؟
الطيار – مهمتي كانت ضرب مواقع صواريخ سام
العقيد – وكيف أصيبت طائرتك ؟
الطيار – كانت معلوماتنا ان المصريين لا يعرفون تشغيل معظم انظمه الصواريخ ، وان اجهزتنا بالطائرة ستحذرنا من اي صاروخ قادم نحونا بل انها تحذرنا من لحظه بدء رصد الرادار لطائرتنا ، لكني فوجئت بصاروخ يندفع نحوي بدون انذار ، فقمت بمناورة للابتعاد لكنه اصاب الطائرة فأندفعت قافزا من الطائرة بسرعه ، بينما لم يستطع الملاح القفز معي ، وهبطت فوق وحده مدفعيه مصريه وهم من أسرني والباقي أكيد سيادتك تعرفه .
العقيد – أخبرني بالمزيد عن اجهزة الانذار بطائرتك
الطيار بعد لحظه تردد – لدينا في الفانتوم جهاز نطلق عليه أغنيه سام (( SamSong)) وهو يطلق انذار فور بدء رصد راداراتكم لنا، ثم يختلف الصوت فور أطلاق صاروخ ، وعند بدء رصد كمبيوتر الطائرة للصاروخ يقوم تلقائيا بأطلاق مشاعل خداعيه والمناورة للابتعاد عن الصاروخ .
وقف محمد مندهشا (( عشان كده مكناش قادرين نوقعها بالصواريخ ، انا مش قلت لكم ))
اوقف الدمنهوري الفيلم نظرا لبدأ حوار فني بين الطيارين حول تلك المعلومات التي ادلي بها ذلك الاسير
فالجميع بدأ يربط بين كلامه وبين ما حدث في اشتباكات جويه مع الفانتوم وكان اكثرهم حماسا محمد والذي فشل لعده مرات في اسقاط الفانتوم، كان الحوار بين الرجال يتأرجح بين مشاعر الاندهاش من التقدم التكنولوجي في الفانتوم وبين الثقه في انهم بالفعل اسقطوها حتي ان عمر قال متفاخرا
(( ادي أي طيار مصري الفانتوم وشوف هيعمل ايه ))
وأستكمل خالد (( ده الكمبيوتر بتاعهم بيعمل كل حاجه للطيار ، امال ناقص ايه تاني؟؟))
ووافق طارق (( مؤكد انهم كده حاسين بأمان تام في الطيارة ))
عمر (( المهم ان مفيش ولا كتاب من اللي قرأتهم جاب سيرة جهاز اغنيه سام ده ؟؟))
فتدخل الدمنهوري (( من المهم انكم تركزوا مع كل كلمه قالها الاسير ده ، عشان تستفيدوا منها ))
ثم عاد الفيلم للعرض مرة اخري
العقيد – هل أشتركت في معارك جويه ؟
الطيار – نعم عده مرات فوق القناه والجولان
العقيد – ما تقدير زملائك للطيارين المصريين ؟
الطيار – لقد تكلمنا مع قادتنا عده مرات عن تقدم مستوي الطيارين المصريين بإطراد واضح وانهم أصبحوا قادرين فعليا على تهديدنا
العقيد – وماذا قال لكم القاده ؟
الطيار – لقد قللوا من شأن الطيارين المصريين جدا وكذلك قللوا من شأن منصات الصواريخ سام لاننا لدينا وسائل الخداع لها
العقيد – وما رأيك وانت أسير الان ؟
الطيار – انا مندهش ، فأجهزة طائرتي لم تنذرني برصد الرادارات لي او بأقتراب صاروخ سام ، و مازلت حتي الان مندهشا ،فقد كان لدي شعور تام بالامان داخل طائرتي
العقيد – ماذا حدث يوم 20 نوفمبر الماضي ؟
الطيار – لا افهم سؤالك
العقيد – ماذاحدث للمقدم دان في ذلك اليوم؟
الطيار – اه ، انها ذكري سيئه
العقيد –لا عليلك فقط اخبرني
الطيار – لقد كان المقدم دان في مهمه فوق بورسعيد ، واعترضه هؤلاء الاشباح واستطاع احدهم اصابه المقدم دان في جناح طائرته لكنه تمكن من العوده وطائرته مصابه ، وكانت اصابه طائرته بالغه بحق لدرجه اننا تجمعنا قرب الممر نراقب هبوطه على الممر ، لكن قرب اقترابه من الممر ، تمزق جزء من الجناح فجأه وهوت الطائرة فوق الممر محترقه لقد كانت تجربه سيئه جدا فالمقدم دان من طيارينا المتمرسين .
ضجت غرفه الطيارين بالتصفيق بينما نظر الدمنهوري لاحمد مفتخرا ((انت اللي وقعت دان يا أحمد))
فرد احمد بكل تواضع ((الحمد لله)) وعاد متابعا الفيلم وقد لمعت عينيه سعاده
العقيد – ماذا تقصد بالاشباح ؟
الطيار – نحن نطلق لفظ الاشباح على عدد من الطائرات في القطاع الشمالي والذين يقلعون من احد الحقول تقريبا ،فنحن لا نعلم من اين يقلعون ،وكلما أقتربنا من القناه يظهر لنا هؤلاء الاشباح على الرادار فورا، وقد قمنا بقصف مكان يعتقد انهم يقلعون منه لكن من الواضح ان معلومات الاستطلاع عندنا غير جيده فقد ظلوا يظهرون بأستمرار ، وللحق فكل طيارينا يكنون كل احترام لهؤلاء الطيارين ، فهم ممتازين ويختلفون عن بقيه الطيارين على الجبهه في مهاراتهم وشجاعتهم .
يتدخل طارق معلقا ((ييجي المستشار السوفيتي يسمع اللي بيتقال)) وتضج الغرفه بالضحك
العقيد – كيف يختلفون عن باقي الطيارين ؟
الطيار – من الواضح ان لديهم خبرة جيده وشجاعه تفوق الوصف ، وقد سمعت عده طيارين يتحدثون عن هؤلاء الاشباح
العقيد – حسنا هل لديك اي مطالب حتي الاستجواب التالي؟
الطيار - أريد ان أعود لبلدي وأسرتي
وانتهي الفيلم الذي يصور الاستجواب والذي دام اكثر من ساعتين ، ومع انتهاء الفيلم وقف جميع الطيارين في نشوة وسعاده ينظرون لبعضهم البعض في فخر وسعاده ، فقد حصلوا من متابعه هذا الاستجواب على معلومات قيمه جدا .
وتساءل عمر (( ليه اجهزة الانذار في الفانتوم لم ترصد الصاروخ ؟؟))
الدمنهوري (( يا جماعه احنا دلوقت في وسط اول حرب الكترونيه في العالم ، امريكا بتدي اسرائيل اجهزة شوشرة على رادارتنا وعلى الصواريخ وأحنا بدورنا إما بنحصل على السلاح المضاد للسلاح ده من الاتحاد السوفيتي او بنطور سلاحنا بنفسنا ، فيه رجاله قاعده في شغلها تطور لكم اجهزة هدفها الشوشرة على جهاز الشوشرة الاسرائيلي ))
طارق ممازحا ((تقوم امريكا تعمل جهاز شوشرة على جهاز الشوشرة بتاعنا المضاد لجهاز الشوشرة بتاعهم))
الدمنهوري بجديه (( ده حصل فعلا ، ودي دائرة مستمرة لا نهايه لها لاننا لو توقفنا عن التطوير والدراسه فده معناه انهم هيضربونا من غير ما نأخذ بالنا لانهم مشوشرين علينا ))
أحمد (( انا عقلي تعبني من مجرد التفكير في السباق ده ))
ثم تم عرض الفيلم مرة اخري بناء على طلب احمد وطياريه حيث دونوا ملاحظات اكثر واكثر .
وليلا وبعد ان عم الهدوء جنبات المطار مرة اخري عكف احمد في دراسه كل ملاحظاته التي دونها ، بينما عكف باقي الطيارين في غرفهم كلا منهم في عالمه الخاص .
كانت شهاده الطيار الاسرائيلي اكبر شهاده على المجهود الذي قام به السرب طوال عامين من القتال والدم والعرق في قتال عدو متفوق تقنيا بفارق كبير جدا ، فقد كان شرح الطيار لمعدات طائرته مفزعا لاحمد ، بينما هو وطياريه يعملون على البوصله حتي الان وليس بالطائرة اي اجهزة انذار او امان
فقد زاده ذلك احساسا بكف البصر مقارنه بما لدي الفانتوم من اجهزة رؤيه
وكانت تعليمات القياده المستمرة (( اعمل بما لديك ولا تنتظر اي طائرات جديده )) ردا على تساؤلات الطيارين بانواع جديده من المقاتلات اكثر حداثه ومدي وتسليح .
كان صباح اليوم التالي مختلفا بين الطيارين جميعهم ، فنظرات الاعين قد اختلفت ، فقد ظهر بريق جديد بالثقه والكرامه ، فشهاده ذلك الاسير قد اعطت الطيارين احساس كبير بالثقه أقلق أحمد كثيرا ، الفارق بين الثفه والغرور يكاد لا يُرى، والغرور هو عدو الطيار الاول في عالم الطيران ، فالطيار المغرور لابد له من أن يغفل تأمين نفسه وسربه في الجو ولابد له من أن يصاب او يموت نتيجه أستهانته بعدوة .
فبدأ احمد في شحذ همم الرجال على فترات مذكرهم بمذابح العدو وشهدائنا ، وكان يقوم بالقاء تلك العبارات وسط احاديث عاديه ليذكر الرجال بمهمتهم التي لم تبدأ بعد الا وهي تحرير الارض
وفي 25 يوليو ووسط قيظ الصيف، صدرت الاوامر بأعتراض تشكيل من اربع طائرات يقترب من بورسعيد من ناحيه البحر ، فأقلع السرب كاملا وأتخذ ارتفاع منخفض فوق قمم الاشجار مستعينا بتوجيه الموجهه الارضي لاعتراض الهدف فوق البحر المتوسط ، وقرب القنطرة أمر احمد – طارق ووليد وخالد بالارتفاع والقيام بدور الطعم لتشكيل العدو ، طار السرب في طرق الطيران الامن طبقا لخطط الطيران الجديده ، وعند وصولهم فوق بورسعيد كانت بطاريه الصواريخ في بورسعيد قد أطلقت صاروخين ضلا هدفيهما ، وتُرك المجال للسرب 77 في الاشتباك ، لكن ضرب الصواريخ المضادة أربك حسابات تشكيل العدو ، فالقي قنابله فوق البحر واتجه غربا هاربا ،فأمر احمد بالقاء خزانات الوقود الاضافيه وفتح الحارق اللاحق لزياده السرعه للقصوي ومطارده طائرات العدو قبل ان تهرب .
طوال هذا الوقت دار احمد من تجاه البحر بينما اتجه طارق مباشرة تجاه طائرات العدو مطلقا صاروخا بدون ان يصيب اي طائرة لكنه ادي لارتباك تشكيل العدو مرة اخري ودورانه للاشتباك ، كان دوران طائرات العدو في ذلك التوقيت مفيدا جدا ، فقد ظلت قرب القناه وقريبا من قواتنا وبعيدا عن قواعدها ، وايضا مكنت احمد من الانقضاض عليها من تجاه البحر في موقف مثالي .
ودارت دائرة القتال قبل ان يصل احمد ، وسرعان ما أصيبت طائرة خالد ببعض الشظايا من صاروخ ضال ، لكن تدخل محمد في التوقيت المناسب مطلقا صاروخا على الطائرة التي تطارد خالد ، انقذ الاخير نظرا لتباطئ سرعه طائرته نتيجه اصابه محرك طائرته ، وعلى الفور أنسحب خالد عائدا لمطارة ، بينما محمد يمسك بذيل طائرة سكاي هوك ولحق به عمر لمساعدته ، في الوقت الذي تابع البقيه دائرة القتال
، ووصلت اشارة بأنطلاق طائرات تعزيز من الصالحيه وابوصوير ، فأستبشر احمد خيرا ، فطائراتنا تقلع للتعزيز قبل طائرات العدو
وكالعاده رصد الاسرائيلين طائرتنا تقترب فأمرت طياريها بالانسحاب ونجحت طائراتهم في ذلك وسط خيبه امل من احمد ، بينما محمد مازال مطبقا على الطائرة الاخري لا يترك لها فرصه للهرب ويعاونه عمر بتعليماته ومناوراته ، ويطلق محمد صاروخا بدقه لتصاب الطائرة المعاديه في محركها ويتصاعد الدخان الاسود وتتباطأ سرعتها ، وبلا رحمه يطلق صاروخين متتالين ينفجران أيضا بها محولين الطائرة الي قطع صغيره من الحديد والنار ، ويهلل محمد مبلغا أحمد على موجه مفتوحه متعمدا رصد الاسرائييلين لها
((النسر الاصلع دمر طائرة معاديه سكاي هوك – الطائرة انفجرت بالطيار وتحولت الي قطع صغيرة))
ففهم أحمد ما يقوم به محمد ، أنه يبعث برساله ارهاب للاسرائيلين لكي يسمعوها ، وتجاوب احمد معه
((من قائد الاشباح الي النسر الاصلع، مبروك – أنضم للتشكيل فورا))
وبداخل كل طائرة كانت النشوة سيده الموقف هنا ، فالثقه دفعت الدم دفعا الي كل خلايا الجسد في قوة غريبه .
ثم عاد احمد على تردد أمن سائلا عن مصير خالد الذي مازال في طريقه للهبوط ،فأبلغه الاخير بأنه في طريقه للهبوط الاضطراري، تابع الفنيين في المطار أقتراب طائرة خالد والدخان يتصاعد منها ، وهم على اتم استعداد لاخلاء الطيار فورا والسيطره على النيران .
ومن شرفه منزله وقف عمده كفر نور يتابع في خوف ، هبوط طائرة خالد وذيل الدخان الاسود خلفها ، وقلبه ينبض بالدعاء مع كل نبضه داعيا له بالسلامه ، ويتابع الفنيين ملامسه الطائرة لارض الطريق وسرعان ما تتوقف ليهرعوا لاطفاء النيران المشتعله من مؤخرتها ، بينما هرع خالد مبتعدا عن الطائرة.
وبعد وقت قليل تم السيطرة على الحريق سريعا واثناء ذلك هبطت طائرات السرب الواحده تلو الاخري على الممر الاخر .
وليلا عكف خالد مع فنيي طائرته في اصلاح الطائرة ، بينما بقيه الطيارين في غرفه الطيارين يتناقشون في إشتباك والدروس المستفاده منه (( دي حرب نفسيه اللي هما بيستعملوها معانا ، فقلت أرد لهم نفس النوع )) قال محمد مبررا الاشارة المفتوحه التي بثها بعد الاشتباك مباشرة ، ودار الحوار بعدها عن الاخبار التي تتوارد بطول الجبهه عما يقوم به الاسرائيلين من بثه بمكبرات الصوت من أغاني ونداءات بالاستسلام لكي يسمعها الجنود على الطرف الاخر من القناه بهدف كسر روحنا المعنويه ، وأن ما قام به محمد من المحتمل ان يخفض في روح العدو المعنويه ، وهو أسلوب محمود طالما ظل في نطاق السيطرة
ثم تطرق احمد الي مساعي وزير الخارجيه الامريكيه لوقف إطلاق النار قريبا والانتقال بالحرب الي اروقه السياسيه فهتف عمر (( الريس مش ممكن يقبل وقف إطلاق النار ابدا ))
وتابع طارق (( بس وقف إطلاق النار ده معناه اننا خرجنا اقوي من الاول ))
فتهكم محمد (( فاكرين تصريحات ديان بعد النكسه لما قال انه منتظر مكالمه عبد الناصر له واللي هيستسلم فيها عبد الناصر ؟؟))
فطاف بمخيله الرجال في وقت واحد تلك الاوقات السوداء من تاريخ مصر ، حيث تعالت صور الاذلال لمصر بكل صورها
وصلت الامور لمستوي خطير جدا في حرب الاستنزاف ، فقد تحمل الجانبين خسائر فادحه وكانت مكاسب المصريين قليله لكن مهمه ، ومكاسب الاسرائيلين قليله وغير مهمه ، فقد أكتسب الطيارين خبرة لا يعادلها سنوات وسنوات أخري من التدريب وهي خبره الاشتباك المتواصل مع العدو، وهو ما أطلق علىه التطعيم بالدم ، ورغم تساقط الشهداء الا ان ذلك لم يمنع الطيارين من فرض سيطرتهم على القناه ، وأصبحت كل طائرة إسرائيليه تعبر القناه تواجه عددا من الطائرات يعترضها ، ورغم أستغلال العدو للثغرات في نطاقات الرادارات المصريه ونفاذه منها وقصفه للاهداف، الا ان ذلك لم يمنع الطيارين من مواصله الاشتباك في ظل الامكانيات المتاحه ، وكانت الروح المعنويه للطيارين تعلو مع كل أشتباك ، فالطيارين الاسرائيليين ليسوا بمثل هذه المهارة ، نعم هم على مستوي عال جدا ، لكن من الممكن إسقاطهم ، فهم في النهايه بشر ، وليسوا وحوش لا تقهر كما تصورهم الجنود والضباط بعد النكسه.
الفانتوم فوق القوات المصرية
ومع بدايه عام 1970 كان قد مر عامين ونصف العام من القتال المتواصل مع العدو ، ووقف الجيش المصري على قدميه مرة اخري وخرج من عثرته ، وأصبح الجميع في شوق وانتظار للحظه العبور وكان كل مقاتل يعمل ويتدرب وذهنه في لحظه التحرير .
اما السرب 77 فقد أشترك في عده تدريبات للعبور خلال عامي 69/70 فتدرب على حمايه القوات وهي تعبر على احد فروع نهر النيل ،وكانت الاحاديث الجانبيه بين الطيارين لا تكف لحظه عن ذكر العبور واستعاده سيناء .
ومع بدء يناير 1970 ضرب الاسرائيلين مصنع أبو زعبل للصناعات وأستشهد 70 عامل في تلك الغارة التي قامت بها الفانتوم مخترقه كافه الدفاعات بدون ان يحس بها أحد ، وكانت ثورة الطيارين عاليه من عدم كشف الطائرات الفانتوم وطالب عدد اخر بالرد بالمثل بقصف هدف مدني ، الا ان القاده وبصعوبه بالغه أستطاعوا كبح جماح الطيارين الصغار .
وفي فبراير أستطاع السرب اعتراض تشكيل فانتوم وميراج فوق بحيرة المنزله ، فالقت الفانتوم قنابلها فوق مياه البحيرة وأنسحبت هاربه، واستطاع محمد تدمير طائرة ميراج بينما أصيبت طائرة أحمد وأضطر للقفز منها مرة اخري .
وبعد يومين عاد الدمنهوري للظهور مرة اخري بعد فترة غياب ، عاد محملا بكميات من الهدايا للطيارين ، ومبلغا أياهم تحيات الرئيس عبد الناصر والتي كانت بالنسبه لهم اكبر من اي هديه اخري.
في تلك الزياره تسأل أحمد عن بقيه المطارات السريه التي قيل انها تعمل ، فرد الدمنهوري بأن اجراءات الامن تحتم علىه الا يخبرهم بمواقعها والا يعلم بمواقعها الا عدد محدود جدا لتظل سريه ، واضاف الدمنهوري بان هذه المطارات حققت المطلوب منها تماما ، فقد شتتت مجهود العدو الذي اصبح يتوقع وجود مطار في كل حقل وفي كل طريق ممر.
وساعد على ذلك وطنيه الاهالي ،وقص علىهم الدمنهوري قصه جاسوس تم القبض علىه يحوم حول احد المطارات ويسأل الاهالي الذين انكروا معرفتهم بأي مطارات او طائرات ، وفي نفس الوقت قاموا بالابلاغ عنه في وطنيه وصدق وتفهم لوضع البلد، وتم القبض علىه
وتساءل محمد ((طب وهنحارب امتي ؟؟ قصدي هنعبر القنال امته ؟؟ احنا على نار ))
تبسم الدمنهوري وهو يدخن سيجارته ولم يرد ، ففهم الجميع من معرفتهم بالدمنهوري انه ليس مخول بالكلام في هذا الموضوع
فتدخل طارق متسائلا (( بمناسبه الجواسيس ، احنا من فترة شاكين ان في حد مراقب طلعاتنا كل مرة نطلع في دوريه ، نلاقي اليهود مطلعين طيارتين تلاته على طول ))
تبسم الدمنهوري مقاطعا (( فيه جواسيس مش عارفين نعمل لهم حاجه ، الاول فوق جبل ام خشيب وده مركز مراقبه وتصنت الكتروني متقدم جدا ، وده راصد الدلتا كلها عندنا لغايه القاهرة ، ومهما ضربناه بالطيارت ، يرجع يشتغل تاني بعد فترة )) وصمت قليلا ليلتقط انفاسه ، فتساءل احمد (( والتاني؟؟؟))
فرد الدمنهوري (( الجاسوس التاني ، دي طيارة ستراتوكروز للاستطلاع الالكتروني ، ودي طياره فيها اجهزة بترصد نبضات الرادار والاتصالات وتقدر تحدد للطيران الاسرائيلي مواقع الصواريخ عندنا بدقه عشان يضربوها وبترصد الاتصالات اللاسلكيه وبتتصنت علىها ، ودي مش عارفين نوصل لها بالصواريخ ، ولانها بتطير على مسافه داخل سيناء وبالليل معظم الوقت فمش عارفين نصطادها ))
عمر (( احنا فعلا متابعين طيرانها وعاملين جدول لتحركاتها ))
خالد ((وايه خطورتها دي ؟؟))
الدمنهوري منفثا دخان سيجارته (( المعلومات اللي عندنا انها بتتصنت على المكالمات التليفونيه للخطوط العسكريه وبتسجلها ، ودي لوحدها مصيبه ، وكمان زي ما قلت لكم بترصد نبضات الرادار ، فبسهوله تقدر تعرف مواقع الصواريخ عندنا وتفرقها عن الهيكلي ))
أحمد (( وهتعملوا ايه معاها دي ، ومع مركز جبل ام خشيب ؟؟؟))
الدمنهوري (( الموضع متصعد لاعلى مستويات في القياده لاتخاذ القرار ))
طائرة ستراتوكروز إسرائيليه
بعد هذا اللقاء بعده أيام عاد عمر للتدريب استعدادا للطيران مرة اخري بعد ان أكد الطبيب جاهزيته للطيران والتئام العظام مرة أخري ، فبدأ في عمل الاختبارات اللازمه لكي يعود ،وبالفعل عاد للطيران مع سربه في منتصف مارس ، في نفس الليله حضر الدمنهوري مرة اخري ، وكان الطيارين منهكين من تعدد الاشتباكات والطلعات المستمرة ، وجلس الرجل وحوله الطيارين والفنيين كالعاده يرتشفون الشاي بين الطائرات ، بدء الرجل حديثه ليخبر الرجال ببدء وصول وحدات سوفيتيه للدفاع عن العمق المصري
فأنتفض الجميع مستغريبين من هذا الامر ، فهل تورطت مصر في استعمار أخر ؟؟
لكن الرجل بكل هدوء امتص غضبهم المتصاعد واخبرهم بأن ذلك بناء على طلب الرئيس عبد الناصر
فتزايدت دهشه الجميع وخاصه عمر غير مصدق دعوة الرئيس لاستعمار جديد
فضحك الدمنهوري قائلا (( لا متخفوش خالص – القوات دي لها قواعد مش هتتحرك خارجها ، لها دور محدد وصريح الا وهو الدفاع عن العمق عشان انتوا تعرفوا تركزوا على الجبهه بس ))
محمد غاضبا (( واحنا مكناش عارفين ندافع عن بلدنا ؟؟؟؟!!))
الدمنهوري (( لازم تعرفوا ان عددكم كطيارين قليل جدا مقارنه بمساحه العمليات المطلوبه ، وكان لازم احنا نعمل تصرف يمنع الاختراق الاسرائيلي المستمر للعمق من نجح حمادي لابو زعبل وطبعا انتوا عارفين ان الطيار اللي بيستشهد بنعوضه بعدها بعد كام سنه ... مش أقل من تلات سنين ، يبقي هنعرف نتدرب للعبور إزاي؟؟))
أحمد (( وحجم القوات دي أيه ؟؟))
الدمنهوري (( الاتفاق على 95 طيارة ميج 21 معدله بطياريها وكتائب سام 3 المطورة لحمايه السد والعمق ، وكمان عدد من الطيارات الميج 25 المتطورة جدا ودي للاستطلاع ، اما الحاجه اللي هيجيبوها معاهم وانتوا محتاجينها ، هي معدات حرب الكترونيه تحمي الرادارات من شوشرة الطيارات وبكده نحقق لكم رصد وتوجيه ممتاز لاهدافكم ))
صمت الرجال قليلا يفكرون فيما قاله الرجل ، فتساءل طارق (( اماكن تمركز الطيارات فين ؟؟))
الدمنهوري (( هيكونوا في القواعد الخلفيه للعمق زي كوم اوشيم بالفيوم وجناكليس قرب اسكندريه وقاعده بني سويف ، والتعلىمات انهم يشتغلوا للحمايه والدفاع الجوي فقط ، وقريبا جدا هتروحوا زيارة لسرب سوفيتي لتبادل الخبرات ))
وبالفعل بعد عده أيام كانت طائرة هليكوبتر تهبط في قاعد بني سويف ليلا حامله طياري السرب 77 وعدد من الفنيين ، وتمت مشاهده عدد من الطائرات الميج 21 يتم دهانها بالالوان المصريه ، وتحاور الفنيين مع نظرائهم السوفيت في امور الصيانه ، وعقد الطيارين اجتماع مع الطيارين وعدد من المستشارين السوفيت في حضور العقيد فريد وكعاده تلك الاجتماعات ، فقد كان حوارا عصبيا من الجانبين ، فقد أصر السوفيت على ان الطيارين المصريين دون مستوي القتال المطلوب حتى بعد تطوير الميج والسوخوي بناء على طلبهم ، وان الطيارين المصريين ينقصهم الجرأه في الاشتباكات ، وان الروح الانهزاميه تملئهم ويجب ان يكونوا اقوي واصلب لكي يكسبوا الحرب المقبله .
وبينما المترجم يترجم كلمات المستشارين والطيارين السوفيت ، أحتقن وجه جميع الطيارين وتعالى الغضب داخل النفوس ، وأحس احمد بأن هذ الاجتماع من الممكن ان ينتهي بكارثه ، فمال على العقيد فريد وتمتم ببضع كلمات ثم أشار لطياريه ، وغادر طياري السرب غرفه الاجتماعات في هدوء تاركين العقيد فريد يشرح للمستشار السوفيتي ان ما قاله يتعدي حدود الواقع ويشيع الاحباط في الرجال وانصرف غاضبا هو الاخر ، تاركا الدهشه تعلو وجوه الفريق السوفيتي .
وفي طريق العوده انطلق الغضب المكتوم من الطيارين على اسلوب السوفيت المتعجرف المغرور وكانت التعلىقات من الجميع غاضبه عدا أحمد الذي جلس مبتسما وعندما تسائل محمد عن سبب تبسمه رد احمد:
((بحمد ربنا ان السوفيت ميعرفوش حاجه عننا ولا عن مطارنا ، والا كان زماني مموتهم كلهم))
فتغير مسار الحوار بالتندر على رد فعل كل منهم لو كان السوفيت يقبعون في مطارهم ، كما يقبعون في كافه المطارات الاخري وأستكمل أحمد سائلا عمر (( الموجهه اللي استلم مكانك مستواه كويس ؟؟))
عمر (( دربنا عدد من الضباط المؤهلات ودول كويسين جدا ، وفي عدد من الطيارن المصابين برضه ماسكين التوجيه ، لا تقلق نهائيا من الموضوع ده ))
فأعتدل أحمد في مقعده وأغمض عينيه فترة ، تبعه عمر حتي غاص الاثنان في نوم عميق ، فمال طارق ناحيه وليد (( مش قلت لك إن عمر ممكن ينام في أي مكان )) وضحك الاثنان
مرت عده أيام على تلك الواقعه ، وبدأت بشاير المعدات الالكترونيه السوفيتبه الجديده في الظهور ، فبدأت البلاغات باقتراب طائرات معاديه تتم مبكرا ، مما أعطي وقتا كافيا لاعتراض الطائرات المعاديه قبل دخولها لاهدافها ، ثم صدرت الاوامر في الرابع من ابريل بعمل مظله لحمايه تشكيل ميج 17 عائد من قصف مركز أم خشيب الحيوي ، فأقلع احمد وعمر ومحمد وظل الباقي في وضع الاستعداد بالمطار
هاجمت القاذفات هدفها وبدأت في خط العوده ، وأفاد الموجهه بوجود طائرات مطارده للقاذفات ، اعطي احمد اوامرة لمحمد وعمر بالانخفاض لعمل كمين للطائرات المطارده ، وبدء تنفيذ خطه تم وضعها مسبقا ، فطار احمد منفردا ، ثم انحرف بعد مرور القاذفات ، فتتبعته مقاتلتين ميراج ، فأنخفض بطائرته مناورا مبتعدا عن الميراج ، بينما انحرف عمر ومحمد بهدوء خلف الطائرات المطارده التي لم ترصد وجودهم بعد ، وبدؤا في اتخاذ وضع الضرب
أنتبهت احدي الطائرات الميراج للكمين فانفصلت عن المطارده فتابعها محمد بينما عمر يقترب من الاخري التي تناور خلف احمد بكل مهاره ، وفي لحظه أطلق عمر دفاعات مكثفه من مدفعه ليصيب الطائرة في محركها وتشتعل فيها النيران ، ويكبر عمر فرحا بتدميرة لطائرة العدو ، بينما أحمد يتنفس الصعداء من تخلصه من مطارده والذي كان على مستوي جيد جدا في المطاردة ، يتساءل احمد من محمد على وضعه ، فيرد الاخير بانه يركب ذيل الميراج الاخري ، لكن طيارها على درجه كبيرة من الكفاءة ، ولا يستطيع ان يدخل في دائرة الضرب بسهوله ، يصل عمر ومن بعده احمد لسماء المعركه فوق القنطرة غرب ، ويساعدان محمد في تطويق الميراج ، افاد موجهه ابو صوير باقتراب طائرات معاديه ، وجاء الامر من القياده بالتخلص من الاشتباك سريعا ، فيتعجل محمد في اطلاق صاروخين يضلان الطريق ، بينما أحمد وعمر يساعدانه والطيار الاسرائيلي يقوم بمناورات حاده للتخلص من الاشتباك بمهارة ، ثم يأتي امر اخر من القياده بالتخلص من الاشتباك حالا فينفذ الجميع ذلك ، وفور اتجاههم غربا يرصد احمد صاروخين أنطلقا من خلف قواتنا غرب القناه ، ليطاردا الميراج الاسرائيليه ، لكنها تتمكن ايضا من الافلات منهم .
وعند العوده للمطار ، يقف محمد يدخن سيجارته مع عمر واحمد ويقول ((انا نفسي اقابل الطيار الاسرائيلي ده تاني)) فيتساءل عمر عن السبب ويجيب محمد ((ده طيار ممتاز ، وعندي احساس اني لو شفته على الارض هاسلم عليه )) فنظر أحمد مستغربا من مشاعر محمد ((غريبه ...صح ؟؟؟ بس ده الاحساس اللي جوايا ناحيته ، حاولت معاه كل المناورات الممكنه واللي اتعلمتها ، وفي كل مرة بيخرج قبل ما أقدر أضرب عليه طلقه واحده، عشان كده انا مش زعلان اني مقدرتش اوقعه)) أجاب محمد
كانت مشاعر الطيارين غريبه جدا بعد كل اشتباك ، فهم في معركه إما يقتلوا فيها او يقتلوا العدو ، لكن الاحساس بالاعجاب من كفاءه طيار معادي او عدم كفاءته فقد كانت موجوده لكنها نادره الحدوث في وسط كم الموت والدمار المشتعل في السماء .
بعد عده أيام وبينما الرجال قابعين في طائراتهم منتظرين الامر بالاقلاع لاي مهمه ، مرت فوقهم طائرات فانتوم على ارتفاع منخفض جدا هز الارض من تحتهم وهي تتجه غربا ، وبدون انتظار اي أوامر بدأت الطائرات في الاقلاع سريعا وبينما أحمد يبلغ بالاختراق المعادي أقلع وأتخذ أتجاه الغرب ، لكنه لم يعد يري تلك الطائرات ، فطلب من مطار ابو صوير توجيهه ، لكن الموجهه افاد بان الرادار لا يري اي شئ .
فأغتاظ احمد جدا وطلب من خالد ووليد ان يمسحوا السماء بحثا عن أهداف ، لكنهم لم يروا اي اهداف معاديه ، وظل الاتصال مفتوحا مع القياده بحثا عن تلك الطائرات التي اختفت ، وبعد قليل تم رصدهم فوق القنطرة عائدتين الي الشرق بسرعه كبيرة ، وضاعت فرصه اعتراضهم ، فعاد احمد وطياريه يجرون اذيل الخيبه ، وهم لا يعلمون ماذا قصفت تلك الطائرات اللعينه وما الحقته من دمار ، وفي المساء جاء الخبر من الراديو ببيان للقوات المسلحه ، وعم الوجوم ارجاء المطار وهم يستمعون لصوت المذيع يختنق وهو ينعي الي الامه أستشهاد 31 تلميذ من مدرسه بحر البقر الابتدائيه في محافظه الشرقيه جراء قصف طائرات الفانتوم لها ، فتعالى الغضب الي السماء من احمد ومحمد ، بينما وضع عمر رأسه بين يديه في ذهول غير مصدق الخبر ، أما طارق فظل يردد في غضب كلمه واحده ( حرام – حرام )..........اما وليد وخالد فقد تساقطت الدموع من اعينهم على أستحياء في صمت ، وقد هبط الخبر عليهم كالصاعقه ، أفاق محمد من غضبه وبدأ يتكلم عاليا (( طب دول عيال ، ذنبهم ايه بس ، عيال في مدرستهم ينضربوا ليه؟ عملتهلم ايه اخلاق الحرب وكانوا هما اصلا عملوا ايه في دنيتهم ؟؟))
تمالك احمد اعصابه بسرعه بعد ان وجد ان الجميع قد فقد اعصابه ، فوقف بينهم والدموع تملئ مقلتيه
قائلا (( يا رجاله – دي الحرب ودي ضريبه الحرب، ومش متوقع من عدو كافر زي ده اقل من كده ، المهم نمسك اعصابنا ونحط الولاد دول في دماغنا في كل اشتباك جاي ، لازم ناخذ بتارهم برضه زي ما بنحاول ناخذ بتار زملائنا واهلنا في كل حته في مصر ))
فيرد وليد (( بس دول عيال يا فندم ))
أحمد (( عيال مش عيال – احنا في حرب والناس كلها لازم تستحمل ، والجدع اللي يصمد للنهايه ، ولازم نخليهم يدفعوا التمن ...........لازم ))
خبر استشهاد اطفال مدرسة بحر البقر
مرت الليله كئيبه على الرجال بكل ما تحمله من معاني ، وأمر احمد رجاله بفحص طائراتهم في محاوله منه لشغلهم بعيدا عن التفكير في ذلك الحدث المؤلم .
في اليوم التالي جاءت تعليمات بتخصيص طائرتين فقط كحاله اولي مع الثبات على الاستعداد العالي ، وعندما سأل احمد في مقابله بالقياده ، كان الرد بأن الدفاع الجوي سيتكفل بدور الاعتراض الجوي تدريجيا ، ولحين اكتمال انساق الدفاع الجوي سيظل السرب جاهزا .
مر يومين بدون قتال ، وتم السماح بفتح الاجازات بمعدل طيار واحد للسرب ، فنزل خالد وتلاه وليد ثم عمر وتلاه طارق ،أما احمد و محمد فكانا لا يرون ضروره للاجازة لان كل منهم مشتاق لقتال جديد مثلهم مثل باقي الطيارين
ومر شهر أبريل وقبل ان ينتهي شهر مايو حضر الدمنهوري سعيدا ، وعلموا منه بأنه منذ قليل تم التخلص من احد الجواسيس المزعجين لقواتنا ، وأستكمل قبل ان يسأله احد ((وقعنا الستراتوكروز))
فتهلل الجميع فرحا ، فقد كان اسعد خبر سمعه الرجال منذ أيام كثيرة ، وتساءل احمد ((ازاي ؟؟))
ورد الدمنهوري ((عملنا لها كمين – قائد الدفاع الجوي كان مركز جدا مع الطيارة دي ، الرجاله قدروا يرصدوا حركتها خصوصا برة مدي الصواريخ بتاعتنا ، فتم التنسيق مع رئيس الاركان ، انه يتعمل لها كمين محكم ، وفعلا من ساعه بس جت اشارة ان الكمين نجح والطيارة ولعت السما بمن فيها))
تساءل عمر فرحا ((ووقعناها ازاي؟))
فرد الدمنهوري ((بطاريه صواريخ سام 3 أتحركت مع اخر ضوء لقرب شاطئ القناه في سكون تام وفي مكان مش متوقع ، ولما جت الطيارة طايرة بأمان لانها راصده مواقع صواريخنا وعارفه انها خارج المدي مسبقا ، ضربنا عليها صاروخين ، والاتنين ضربوها))
فتهلل الجميع طربا وأمضوا ليله سعيده ، أبعدت عنهم احزان ليالي ماضيه
في اليوم التالي صدرت الاوامر للسرب ، بحمايه تشكيل قاذفات ميج 17 متجهه لقصف مركز ام خشيب ، فتندر الجميع بأن الجاسوس الثاني في طريقه للسقوط ،فأقلع احمد وطارق وخالد وطارا في موازاه القناه انتظار لعوده تشكيل القاذفات او للتدخل لحمايتهم ، وكان ذلك الذي حدث بالفعل ، فقد تم الابلاغ عن اقلاع اربع طائرات معاديه ، فتوجه احمد للاشتباك معهم ، واقلع عمر ومحمد ووليد للتعزيز ، كانت الطائرات المطارده تقترب بسرعه كبيرة فأبلغ الموجهه انها أحتمال كبير تكون فانتوم ، فرد أحمد بالعلم وذكر طياريه بمذبحه بحر البقر ، وان وقت الرد قد حان .
عاد تشكيل القاذفات للغرب بعد ان خسر طائرتين وعبر ما تبقي من التشكيل قناه السويس في الوقت الذي كان تشكيل عمر يطير شرقا على ارتفاع منخفض ، وفور تأمين القاذفات بدأ احمد ينسحب غربا هو الاخر عائدا وساحبا الطائرات المطارده له الي مدي وحده صواريخ قريبه، لكن الفانتوم ادركت الطعم جيدا ، وغيرت من خط سيرها لتصطدم بتشكيل عمر المقابل لها ، في نفس الوقت عدل احمد اتجاه تشكيله والتحم في المعركه ، أطلقت الفانتوم عده صواريخ تجاه طائرات تشكيل عمر ، فأصيبت طائرة وليد لكنه قفز منها قبل ان ترتطم بمياه القناه ، أما عمر فقد أشتبك مع الفانتوم ، ولدهشته البالغه فلم يقوم طيارها بمناورات قويه مستغلا امكانيات طائرته ليقع في دائرة نيران عمر الذي اطلق صاروخا ،أنفجر داخل محرك الفانتوم مشعلا أياها ، وفوق الساتر الترابي شرق القناه هبطت مظلتين تحملان الطيار والملاح ،
وبذعر بالغ انسحبت الطائرة الاخري بسرعه كبيرة تاركه سماء المعركه لطائرات السرب التي عادت للمطار وقبع الجميع منظرين اخبار عن وليد .
وصل وليد للمطار قرب الفجر في سيارة عسكريه ، وكان واضحا عليه الانهاك الكبير ، فتهافت عليه الطيارون بعد ان أستيقظوا للاطمئنان عليه، وبعد جرعه مياه سريعه جلس وليد يقص على زملائه ما حدث قائلا (( نزلت فوق كتيبه مشاه مصري ، وعلى حظي الاسود الكتيبه دي كانت مشتبكه مع العدو ، فأخدني نقيب بسرعه وشدني داخل حفرة وقايه )) ثم اردف ضاحكا (( تعرفوا انهم في الجبهه بيسموا الدشم وملاجئ الوقايه بأسم – قفص القرود )) فضحك من حوله الا ان محمد رد بجديه (( فعلا في المشاه والصاعقه بيسموا الخندق قفص القرود – لان العسكري محشور جواة ومش شايف حاجه من الضرب اللي نازل على نافوخه من اليهود ، بس قاعد مقرفص جواة زي القرد منتظر الفرج ))،
فعلق احمد (( ده شعور فظيع للعسكري من دول ))
عاد خالد لصلب الموضوع متسائلا في فضول (( وبعدين ايه اللي حصل))
فآستكمل وليد ((لما الضرب وقف بعد ربع ساعه ، قدرت اطلع من القفص ده ، وبصيت على الناحيه التانيه من القناه ، لقيت اليهود بيسحبوا طيارينهم اللي وقعوا على الساتر بتاعهم ، وكان واضح جدا ان فيه منهم واحد مصاب جامد ، لدرجه ان هيلكوبتر جت بعد ربع ساعه من توقف الضرب وسحبت الطيارين بسرعه))
ثم أضاف مندهشا ((بس ايه الساتر ده ، دي حيطه على القنال منشوفش من وراها حاجه خالص !))
فأضاف عمر (("لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر" – صدق الله العظيم )) فصدق الجميع أيجابا
في عصر اليوم التالي هبط وليد بطائرة جديده، ليعود للسرب قوته الكامله مرة أخري ، وفي تلك الليله ووسط السكون والظلام المحيط ، خرج أحمد كعادته يتجول بين الطائرات والفنيين والجنود ، يطمئن عليهم ويحل اي مشكلات تحتاج لتدخله ، فوجد محمد يقبع في كابينه طائرته مفكرا وسارحا في همومه فأثر احمد الا يقطع تفكيرة ومضى هو في سيرة الي ان جلس على جذع شجرة وهام بتفكيرة في احداث عامين من القتال والموت ، وتذكر حواراته مع السمري والمليجي فتبسم ، وتذكر قائده السابق العميد تحسين ذكي والذي انقطعت اخبارة بعد ايام من النكسه وتساءل عما حل به الان ، وتجول بتفكيرة في أيام النكسه العصيبه وتذكر مشهد قتل الاسري قرب القناه ، ومدي حزنه من عدم تمكنه انقاذهم فبعد عامين مازال غير متأكد من صواب ما قام به ومازال الشعور بالذنب يلح عليه على فترات ، وتبسم عندما تذكر تدريبات مطار القطاميه مع المقدم محمد السيد وكذلك هجمات منتصف يوليو التي اعادت له الثقه مرة اخري ، وبينما هو يشعل سيجارة اخري طاف على مخيلته طابور طويل من صور الشهداء الذين سقطوا حوله ، وتساءل عما يحس به كل منهم وهو يقابل الموت بصدر رحب ، هل يحس الجندي بالرضا عما اداه او يحس بالحزن لعدم تأديته واجبه كما يفترض؟؟ هاجس غريب لم يفارقه يوما منذ يوم 5 يونيو ، الا وهو ذلك الموت ، فمتي موعده ومتي سيحين دورة لكي يموت ، وهل سيكون قد أدي دورة كما ينبغي؟
من المؤكد ان كل جندي وطيار بالمطار يتوقع الموت في اي لحظه ويحسب له الف حساب ، لكن من منهم يفكر في حساب النفس ؟ فهل اديت دوري كما ينبغي ام لا ؟ هل ارضيت نفسي من الثأر ام لا ؟
هاجس غريب لكنه واقعي في تلك الفترة العصيبه من عمر الفرد ، فالفرق بين الموت والحياه أصبح أرفع من الشعرة ، وفي اوقات كثيرة كان الموت اقرب اليه من اي شئ اخر في الدنيا ، فكم من مرة اصيبت طائرته وهوت وهو بداخلها ويده تمسك رافعه ستقذف به الي خارج الطائرة ، وكم من مرة سمع ان تلك الرافعه تتعطل ويقتل الطيار بسبب تلك الرافعه اللعينه ، ناهيك عن الشعور القاسي بالتخلي عن طائرة أعتبرها في وقت ما جزء لا يتجزأ منه وحارب بها ، يا الله من تلك الهواجس والافكار التي تعصف بالمقاتل على الجبهه ، في وقت ما تدفعه تلك الهواجس الي حب الحياه والتمسك بها والاندفاع الي امتصاص كل ما بها من ملذات ، وتاره اخري تجده زاهدا في تلك الحياه مقبل على الموت بكل سرعه كما هو الحال مع زميله محمد والذي سلم نفسه روحا وجسدا للموت ، فعندما يراقبه احمد اثناء الاشتباكات يجده كطياري الكاميكازي الانتحاريين اليابانيين في الحرب العالميه الثانيه ، فطيرانه اقرب ما يكون الى الانتحاري وهي نقطه تميز واضحه له ، ففي مرات كثيرة يقوم محمد بمناورة تخالف المنطق والعقل لا لشئ الا لضرب العدو معرضا حياته لخطر كبير، هذه المناورات المجنونه تجعل العدو مرتبك وتضع محمد في وضع مناسب جدا للضرب ، أما عمر فهو يؤدي عمله باتقان وتفان مثله مثل باقي الطيارين ومن مميزاته انه ينسي حياته وزوجته بمجرد دخوله المطار ، فقلما يتحدث عن المستقبل أو سعاده الحياه الزوجيه فكل تركيزة منصب على القتال ، أما طارق فهمه الاساسي والذي يؤرقه منذ النكسه هو إيجاد حل للخروج من تلك الحرب منتصرا ، وكم من مرة دار النقاش بينهم عن حل لهذه الازمه وللتفوق الاسرائيلي في الطائرات كما وكيفا ،
وكان رد احمد دائما ان التدريب الجاد الشاق هو الحل الوحيد للنصر في المعركه المنتظرة ، اما وليد وخالد فقد صقلتهم الاشتباكات الجويه الكثيرة التي خاضوها واكتسبوا خبرات أكبر بكثير من كثيرين ممن هم في سنهم على مستوي العالم وليس مصر فقط ، فرغم تخرجهم من ثلاث اعوام تقريبا ، الا ان خبرتهم القتاليه تزيد عن خبرة قاده الويه واسراب جويه في دول عديده ، وأنعكس ذلك على تصرفاتهم خاصه بعد استشهاد رفاقهم جمال وشريف ، أنعكس ذلك بحاله من النضج والهدوء والجديه قلما تجدها في شباب لم يتعدوا منتصف العشرينات من عمرهم .
طافت كل هذه الافكار في عقل احمد ، وبينما هو ينظر لتلك الطائرات الواقفه بين الاشجار تغسل تعبها بندي الليل، طاف بذهنه في اليوم الذي ستعبر فيه تلك الطائرات لقناه السويس متجهه نحو قلب العدو ومسدده ضرباتها لقواته ، حاميه جيش مصر وهو يعبر محررا نفسه ومصر والعرب من عار هزيمه نكراء لا يد له فيها ، معيدا للامه كلها كرامه سلبت منه على حين غرة .
ففي ذلك اليوم بالضبط منذ ثلاثه اعوام مضت كان اليأس والاحباط والذل يملئ جوانب احمد وكل رفاقه بعد ان تجرعوا هزيمه قاسيه بكل معاني الكلمه من قسوة ومرارة ، وحتي الان لا ينكر احمد انه لم يكن يري نورا في نهايه النفق المظلم ولم يكن لديه امل بالمرة ، لكنه صمد كما صمد كل جندي وضابط اخر في الجيش ، وقاتل كما قاتلوا جميعا ، وتقبل التضحيات وذاق طعم هزيمه العدو في معارك لكنه لم يذق بعد حلاوة النصر في حرب .
في تلك الايام يصل الدمنهوري حاملا اخبارا جديده ، فهنالك حائط منيع من الصواريخ يبنى الان بطول الجبهه ، ورغم القصف المعادي المستمر الا ان العمل يتقدم ، وهو ما يعني وجود غطاء صاروخي كامل لقواتنا وقواعدنا الجويه ، وأستمر الرجل شارحا الموقف العسكري ، واردف ان الاخترقات الاسرائيليه للعمق قد توقفت عندما تم رصد الطيارين السوفيت عندما اعترضوا الفانتوم قرب منطقه السخنه جنوب السويس ، وعلى الفور زمجر محمد معترضا مبديا امله في ان يشتبك السوفيت مرة مع الاسرائيليين
الا ان الدمنهوري شدد على ان الوجود السوفيتي لمصر لحمايه العمق وليس استعمار واحتلال ، وتابع الرجل تحليله للموقف العام ، بان قواتنا البريه أصبحت على درجه جيده من الكفاءه يمكنها من تنفيذ اي عمليات هجوميه تطلب منها .
ثم أردف الرجل بأن الوقت قد أقترب لكي ينالوا قسطا من الراحه، بعد ان يتولي الدفاع الجوي مهمه التصدي للطائرات المغيرة ، وبالفعل وبعد عده أيام يعقد مؤتمر بقاعده ابو صوير يجمع الطيارين والموجهيين الارضيين وعدد من قاده سلاح الدفاع الجوي ، وكان غرض المؤتمر تنظيم التعاون بين القوتين وتنظيم الممرات الامنه التي يمكن لطائراتنا استخدامها بأمان وحتي لا تتعرض لخطر صواريخ الدفاع الجوي .
وبعد عده ساعات من المحاورات والتعليمات عاد الرجال الي مطارهم يدرسون التعليمات الجديده
وفي الايام التالي وبدون اي اثارة لشكوك الاسرائيليين ، قام السرب بعده دوريات مستخدمين طرق الاقتراب والتقدم الامنه وسط منظومه الرادار المصريه
وفي اخر أيام شهر يوينو عام 1970 أعلن الدفاع الجوي المصري عن وجوده في الساحه ، ففي ظل تأهب كامل من السرب تابع طياروه أقتراب طائرات العدو كالعاده ، وانتظروا الامر بالاقلاع لكن الامر لم يصدر ، انما توالت بلاغات الدفاع الجوي بإسقاط طائرات العدو وقتل وأسر طياريها حتي وصل العدد بنهايه اليوم الي ثمان طائرات ما بين سكاي هوك وفانتوم، بينما لم يصدر الامر للطائرات بالاعتراض
ووسط تهليل وتكبير الطيارين والفنيين من أسقاط هذا العدد من الطائرات مرة واحده ، وسط تلك الفرحه أعلن الدفاع الجوي عن مولده الفعلى كقوة مستقله يعتمد عليها ، وفي اليوم التالي لاحظ الجميع شيئا غريبا جدا ، فلم تقترب طائرة إسرائيليه واحده من خط القناه ، وكان هذا يعني للرجال شئ واحد الا وهو ان إسرائيل تعد العده لشئ ما ، فتوقعوا ان يكون اليوم التالي حافلا .
في اليوم التالي تم أستمرار النجاح فتم إسقاط طائرتين سكاي هوك وطائرتين فانتوم في اليوم الذي يليه
وحتي العشرين من يوليو كان الرجال قد أحصوا إسقاط 13 طائرة إسرائيليه وأسر عدد كبير من طياري تلك الطائرات وجاءت صرخات جولدا مائير من اسرائيل لامريكا قائله في الصحف
(( انهم (اي المصريين) يسقطون طائرات بملايين الدولارات بصواريخ بالاف الجنيهات ))
في نفس الليله حضر الدمنهوري حاملا عدد من الافلام السينمائيه واله عرض على غير العاده ، وعلى الفور تم تجهيز غرفه الطيارين لعرض ما بجعبه الدمنهوري الذي قال (( ده اول استجواب لطيار فانتوم اسرائيلي ولازم تشوفوه بتركيز كبير )) وعلى الفور اتخذ الرجال اماكنهم في حماسه وشوق
بدأ الفيلم في غرفه رماديه الحوائط يتوسط ارضيتها ثلاث كراسي فقط حول طاوله، بينما خلت الحوائط من اي نافذه ودخل ضابط مصري برتبه عقيد ويليه ضابط اخر برتبه نقيب وتلاهم طيار الاسرائيلي مقيد الايدي و معصوب العينين يقوده جندي من الشرطه العسكريه ، لا يتعدي عمر الطيار الاسرائيلي اثنان وعشرون عاما بأي حال ، وعند نزع الغطاء عن عينيه علت عينيه نظرات رعب ، فأجلسه الجندي على الكرسي المقابل للعقيد الذي بدأ في طرح الاسئله بينما يترجم النقيب الحديث.
العقيد – هل عاملك المصريون جيدا حتي الان ؟
الطيار – نعم
العقيد – هل تحتاج شيئا ؟
الطيار – سجائر فقط
فأمر العقيد شخصا يقف بعيدا عن الكاميرا بأحضار سجائر وعلى الفور كان احد الجنود يشعل سيجارة للطيار ، بينما تهكم محمد بصوت عال قائلا (( ناقص كمان نقول له تحب تروح بيتكم أمته ؟؟)) فنظر اليه احمد بحده مشيرا اليه بعدم الحديث ،وأستكمل الطيارون متابعه الفيلم في تركيز وقد علا الرؤوس سحابه من دخان السجائر ، ووضح على الطيار الاسرائيلي الهدوء بعد تلبيه طلبه .
العقيد – أسمك ورتبتك ؟
الطيار – ملازم أول رامي هاربيز
العقيد – سربك ؟
الطيار – سرب بايت شيم من قاعده رافديم
العقيد – ماذا كانت مهمتك ؟
الطيار – لا اريد الاجابه عن هذا السؤال
العقيد – لماذا ؟
الطيار – طبقا لاتفاقيه جنيف لا يحق لك سؤالي عن ذلك
العقيد – اذن ماذا يحق لي ؟
الطيار – ان تسالني عن اسمي ورتبتي ورقمي فقط وقد اجبتك بالفعل
تعالي التوتر بين الطيارين وهم يتابعون عجرفه الطيار الاسرائيلي في الرد بينما كان غضب محمد مكبوتا من المعامله الحسنه لاسير حرب وتذكر ما حدث معه في الاسر فعلت المرارة في حلقه
العقيد بهدوء – انت متهم بأرتكاب جرائم حرب وقتل مدنيين وهذا ضد اتفاقيه جنيف مما يعني انه يحق
لنا أن نحاكمك ونعدمك طبقا للاعراف الدوليه
الطيار برعب وقد سقطت السيجارة من فمه – .أ.أ..أنا لم ارتكب اي جرائم حرب
العقيد منفعلا – اذن ماذا تسمي ضرب مصنع مدني وقتل 70 عامل ثم ضرب مدرسه اطفال وقتل 31
طفل في مدرستهم، ما الذي صنعه هؤلاء الاطفال لكم لكي تقتلوهم
الطيار وقد علا الرعب وجهه – سيدي انا لم اشترك في مثل هذه الغارات
العقيد مواصلا انفعاله – لدينا معلومات مؤكده برقم طائرتك ، لن تفلت من الاعدام ولن تعود حيا
الطيار متوسلا – ارجوك سيدي صدقني ، انا لم أشترك في تلك الغارة إنما زملاء لي
العقيد ضاحكا – كيف أصدقك فزميلك النقيب عاموس زامير والذي يقبع في زنزانه مجاورة قد اعترف عليك من فترة
الطيار برعب – عاموس يكذب ارجوك سيدي صدقني
العقيد مبتسما – حسنا سنحاكمك على أي حال من الاحوال ،لكن بعد ان تتعرف على أساليبنا في نزع اعترافاتك ،فلدينا أساليب تفوق ما لدي الاتحاد السوفيتي من تعذيب
خر الطيار على الارض باكيا محاولا التماس عطف العقيد بالا يعرضه لتعذيب ، قائلا بانه سمع عن اساليب التعذيب السوفيتيه القاسيه ، وانه على أستعداد للاجابه على اي سؤال يسأله العقيد ، ثم توقف الفيلم لعطل في اله العرض. وبينما احد الجنود يصلحها ، تساءل احمد (( بسهوله كده عنده أستعداد يعترف ؟؟))
الدمنهوري (( اللي اكتشفناه إن الاسرائيلي بدون سلاح بيكون جبان جدا وبأقل وسيله ضغط بيعترف، دول ناس ميعرفوش معني الانتماء و الدين ، ولعلمكم الطيار الاسير التاني اعترف فعلا على كل زملائه ))
عادت اله العرض للعمل وبدأت على مشهد حيث جفف الطيار الاسرائيلي دموعه وتم فك قيوده فأمسك بسيجارة وعاد العقيد يسأل
العقيد –مرة اخري ما هي مهمتك؟
الطيار – مهمتي كانت ضرب مواقع صواريخ سام
العقيد – وكيف أصيبت طائرتك ؟
الطيار – كانت معلوماتنا ان المصريين لا يعرفون تشغيل معظم انظمه الصواريخ ، وان اجهزتنا بالطائرة ستحذرنا من اي صاروخ قادم نحونا بل انها تحذرنا من لحظه بدء رصد الرادار لطائرتنا ، لكني فوجئت بصاروخ يندفع نحوي بدون انذار ، فقمت بمناورة للابتعاد لكنه اصاب الطائرة فأندفعت قافزا من الطائرة بسرعه ، بينما لم يستطع الملاح القفز معي ، وهبطت فوق وحده مدفعيه مصريه وهم من أسرني والباقي أكيد سيادتك تعرفه .
العقيد – أخبرني بالمزيد عن اجهزة الانذار بطائرتك
الطيار بعد لحظه تردد – لدينا في الفانتوم جهاز نطلق عليه أغنيه سام (( SamSong)) وهو يطلق انذار فور بدء رصد راداراتكم لنا، ثم يختلف الصوت فور أطلاق صاروخ ، وعند بدء رصد كمبيوتر الطائرة للصاروخ يقوم تلقائيا بأطلاق مشاعل خداعيه والمناورة للابتعاد عن الصاروخ .
وقف محمد مندهشا (( عشان كده مكناش قادرين نوقعها بالصواريخ ، انا مش قلت لكم ))
اوقف الدمنهوري الفيلم نظرا لبدأ حوار فني بين الطيارين حول تلك المعلومات التي ادلي بها ذلك الاسير
فالجميع بدأ يربط بين كلامه وبين ما حدث في اشتباكات جويه مع الفانتوم وكان اكثرهم حماسا محمد والذي فشل لعده مرات في اسقاط الفانتوم، كان الحوار بين الرجال يتأرجح بين مشاعر الاندهاش من التقدم التكنولوجي في الفانتوم وبين الثقه في انهم بالفعل اسقطوها حتي ان عمر قال متفاخرا
(( ادي أي طيار مصري الفانتوم وشوف هيعمل ايه ))
وأستكمل خالد (( ده الكمبيوتر بتاعهم بيعمل كل حاجه للطيار ، امال ناقص ايه تاني؟؟))
ووافق طارق (( مؤكد انهم كده حاسين بأمان تام في الطيارة ))
عمر (( المهم ان مفيش ولا كتاب من اللي قرأتهم جاب سيرة جهاز اغنيه سام ده ؟؟))
فتدخل الدمنهوري (( من المهم انكم تركزوا مع كل كلمه قالها الاسير ده ، عشان تستفيدوا منها ))
ثم عاد الفيلم للعرض مرة اخري
العقيد – هل أشتركت في معارك جويه ؟
الطيار – نعم عده مرات فوق القناه والجولان
العقيد – ما تقدير زملائك للطيارين المصريين ؟
الطيار – لقد تكلمنا مع قادتنا عده مرات عن تقدم مستوي الطيارين المصريين بإطراد واضح وانهم أصبحوا قادرين فعليا على تهديدنا
العقيد – وماذا قال لكم القاده ؟
الطيار – لقد قللوا من شأن الطيارين المصريين جدا وكذلك قللوا من شأن منصات الصواريخ سام لاننا لدينا وسائل الخداع لها
العقيد – وما رأيك وانت أسير الان ؟
الطيار – انا مندهش ، فأجهزة طائرتي لم تنذرني برصد الرادارات لي او بأقتراب صاروخ سام ، و مازلت حتي الان مندهشا ،فقد كان لدي شعور تام بالامان داخل طائرتي
العقيد – ماذا حدث يوم 20 نوفمبر الماضي ؟
الطيار – لا افهم سؤالك
العقيد – ماذاحدث للمقدم دان في ذلك اليوم؟
الطيار – اه ، انها ذكري سيئه
العقيد –لا عليلك فقط اخبرني
الطيار – لقد كان المقدم دان في مهمه فوق بورسعيد ، واعترضه هؤلاء الاشباح واستطاع احدهم اصابه المقدم دان في جناح طائرته لكنه تمكن من العوده وطائرته مصابه ، وكانت اصابه طائرته بالغه بحق لدرجه اننا تجمعنا قرب الممر نراقب هبوطه على الممر ، لكن قرب اقترابه من الممر ، تمزق جزء من الجناح فجأه وهوت الطائرة فوق الممر محترقه لقد كانت تجربه سيئه جدا فالمقدم دان من طيارينا المتمرسين .
ضجت غرفه الطيارين بالتصفيق بينما نظر الدمنهوري لاحمد مفتخرا ((انت اللي وقعت دان يا أحمد))
فرد احمد بكل تواضع ((الحمد لله)) وعاد متابعا الفيلم وقد لمعت عينيه سعاده
العقيد – ماذا تقصد بالاشباح ؟
الطيار – نحن نطلق لفظ الاشباح على عدد من الطائرات في القطاع الشمالي والذين يقلعون من احد الحقول تقريبا ،فنحن لا نعلم من اين يقلعون ،وكلما أقتربنا من القناه يظهر لنا هؤلاء الاشباح على الرادار فورا، وقد قمنا بقصف مكان يعتقد انهم يقلعون منه لكن من الواضح ان معلومات الاستطلاع عندنا غير جيده فقد ظلوا يظهرون بأستمرار ، وللحق فكل طيارينا يكنون كل احترام لهؤلاء الطيارين ، فهم ممتازين ويختلفون عن بقيه الطيارين على الجبهه في مهاراتهم وشجاعتهم .
يتدخل طارق معلقا ((ييجي المستشار السوفيتي يسمع اللي بيتقال)) وتضج الغرفه بالضحك
العقيد – كيف يختلفون عن باقي الطيارين ؟
الطيار – من الواضح ان لديهم خبرة جيده وشجاعه تفوق الوصف ، وقد سمعت عده طيارين يتحدثون عن هؤلاء الاشباح
العقيد – حسنا هل لديك اي مطالب حتي الاستجواب التالي؟
الطيار - أريد ان أعود لبلدي وأسرتي
وانتهي الفيلم الذي يصور الاستجواب والذي دام اكثر من ساعتين ، ومع انتهاء الفيلم وقف جميع الطيارين في نشوة وسعاده ينظرون لبعضهم البعض في فخر وسعاده ، فقد حصلوا من متابعه هذا الاستجواب على معلومات قيمه جدا .
وتساءل عمر (( ليه اجهزة الانذار في الفانتوم لم ترصد الصاروخ ؟؟))
الدمنهوري (( يا جماعه احنا دلوقت في وسط اول حرب الكترونيه في العالم ، امريكا بتدي اسرائيل اجهزة شوشرة على رادارتنا وعلى الصواريخ وأحنا بدورنا إما بنحصل على السلاح المضاد للسلاح ده من الاتحاد السوفيتي او بنطور سلاحنا بنفسنا ، فيه رجاله قاعده في شغلها تطور لكم اجهزة هدفها الشوشرة على جهاز الشوشرة الاسرائيلي ))
طارق ممازحا ((تقوم امريكا تعمل جهاز شوشرة على جهاز الشوشرة بتاعنا المضاد لجهاز الشوشرة بتاعهم))
الدمنهوري بجديه (( ده حصل فعلا ، ودي دائرة مستمرة لا نهايه لها لاننا لو توقفنا عن التطوير والدراسه فده معناه انهم هيضربونا من غير ما نأخذ بالنا لانهم مشوشرين علينا ))
أحمد (( انا عقلي تعبني من مجرد التفكير في السباق ده ))
ثم تم عرض الفيلم مرة اخري بناء على طلب احمد وطياريه حيث دونوا ملاحظات اكثر واكثر .
وليلا وبعد ان عم الهدوء جنبات المطار مرة اخري عكف احمد في دراسه كل ملاحظاته التي دونها ، بينما عكف باقي الطيارين في غرفهم كلا منهم في عالمه الخاص .
كانت شهاده الطيار الاسرائيلي اكبر شهاده على المجهود الذي قام به السرب طوال عامين من القتال والدم والعرق في قتال عدو متفوق تقنيا بفارق كبير جدا ، فقد كان شرح الطيار لمعدات طائرته مفزعا لاحمد ، بينما هو وطياريه يعملون على البوصله حتي الان وليس بالطائرة اي اجهزة انذار او امان
فقد زاده ذلك احساسا بكف البصر مقارنه بما لدي الفانتوم من اجهزة رؤيه
وكانت تعليمات القياده المستمرة (( اعمل بما لديك ولا تنتظر اي طائرات جديده )) ردا على تساؤلات الطيارين بانواع جديده من المقاتلات اكثر حداثه ومدي وتسليح .
كان صباح اليوم التالي مختلفا بين الطيارين جميعهم ، فنظرات الاعين قد اختلفت ، فقد ظهر بريق جديد بالثقه والكرامه ، فشهاده ذلك الاسير قد اعطت الطيارين احساس كبير بالثقه أقلق أحمد كثيرا ، الفارق بين الثفه والغرور يكاد لا يُرى، والغرور هو عدو الطيار الاول في عالم الطيران ، فالطيار المغرور لابد له من أن يغفل تأمين نفسه وسربه في الجو ولابد له من أن يصاب او يموت نتيجه أستهانته بعدوة .
فبدأ احمد في شحذ همم الرجال على فترات مذكرهم بمذابح العدو وشهدائنا ، وكان يقوم بالقاء تلك العبارات وسط احاديث عاديه ليذكر الرجال بمهمتهم التي لم تبدأ بعد الا وهي تحرير الارض
وفي 25 يوليو ووسط قيظ الصيف، صدرت الاوامر بأعتراض تشكيل من اربع طائرات يقترب من بورسعيد من ناحيه البحر ، فأقلع السرب كاملا وأتخذ ارتفاع منخفض فوق قمم الاشجار مستعينا بتوجيه الموجهه الارضي لاعتراض الهدف فوق البحر المتوسط ، وقرب القنطرة أمر احمد – طارق ووليد وخالد بالارتفاع والقيام بدور الطعم لتشكيل العدو ، طار السرب في طرق الطيران الامن طبقا لخطط الطيران الجديده ، وعند وصولهم فوق بورسعيد كانت بطاريه الصواريخ في بورسعيد قد أطلقت صاروخين ضلا هدفيهما ، وتُرك المجال للسرب 77 في الاشتباك ، لكن ضرب الصواريخ المضادة أربك حسابات تشكيل العدو ، فالقي قنابله فوق البحر واتجه غربا هاربا ،فأمر احمد بالقاء خزانات الوقود الاضافيه وفتح الحارق اللاحق لزياده السرعه للقصوي ومطارده طائرات العدو قبل ان تهرب .
طوال هذا الوقت دار احمد من تجاه البحر بينما اتجه طارق مباشرة تجاه طائرات العدو مطلقا صاروخا بدون ان يصيب اي طائرة لكنه ادي لارتباك تشكيل العدو مرة اخري ودورانه للاشتباك ، كان دوران طائرات العدو في ذلك التوقيت مفيدا جدا ، فقد ظلت قرب القناه وقريبا من قواتنا وبعيدا عن قواعدها ، وايضا مكنت احمد من الانقضاض عليها من تجاه البحر في موقف مثالي .
ودارت دائرة القتال قبل ان يصل احمد ، وسرعان ما أصيبت طائرة خالد ببعض الشظايا من صاروخ ضال ، لكن تدخل محمد في التوقيت المناسب مطلقا صاروخا على الطائرة التي تطارد خالد ، انقذ الاخير نظرا لتباطئ سرعه طائرته نتيجه اصابه محرك طائرته ، وعلى الفور أنسحب خالد عائدا لمطارة ، بينما محمد يمسك بذيل طائرة سكاي هوك ولحق به عمر لمساعدته ، في الوقت الذي تابع البقيه دائرة القتال
، ووصلت اشارة بأنطلاق طائرات تعزيز من الصالحيه وابوصوير ، فأستبشر احمد خيرا ، فطائراتنا تقلع للتعزيز قبل طائرات العدو
وكالعاده رصد الاسرائيلين طائرتنا تقترب فأمرت طياريها بالانسحاب ونجحت طائراتهم في ذلك وسط خيبه امل من احمد ، بينما محمد مازال مطبقا على الطائرة الاخري لا يترك لها فرصه للهرب ويعاونه عمر بتعليماته ومناوراته ، ويطلق محمد صاروخا بدقه لتصاب الطائرة المعاديه في محركها ويتصاعد الدخان الاسود وتتباطأ سرعتها ، وبلا رحمه يطلق صاروخين متتالين ينفجران أيضا بها محولين الطائرة الي قطع صغيره من الحديد والنار ، ويهلل محمد مبلغا أحمد على موجه مفتوحه متعمدا رصد الاسرائييلين لها
((النسر الاصلع دمر طائرة معاديه سكاي هوك – الطائرة انفجرت بالطيار وتحولت الي قطع صغيرة))
ففهم أحمد ما يقوم به محمد ، أنه يبعث برساله ارهاب للاسرائيلين لكي يسمعوها ، وتجاوب احمد معه
((من قائد الاشباح الي النسر الاصلع، مبروك – أنضم للتشكيل فورا))
وبداخل كل طائرة كانت النشوة سيده الموقف هنا ، فالثقه دفعت الدم دفعا الي كل خلايا الجسد في قوة غريبه .
ثم عاد احمد على تردد أمن سائلا عن مصير خالد الذي مازال في طريقه للهبوط ،فأبلغه الاخير بأنه في طريقه للهبوط الاضطراري، تابع الفنيين في المطار أقتراب طائرة خالد والدخان يتصاعد منها ، وهم على اتم استعداد لاخلاء الطيار فورا والسيطره على النيران .
ومن شرفه منزله وقف عمده كفر نور يتابع في خوف ، هبوط طائرة خالد وذيل الدخان الاسود خلفها ، وقلبه ينبض بالدعاء مع كل نبضه داعيا له بالسلامه ، ويتابع الفنيين ملامسه الطائرة لارض الطريق وسرعان ما تتوقف ليهرعوا لاطفاء النيران المشتعله من مؤخرتها ، بينما هرع خالد مبتعدا عن الطائرة.
وبعد وقت قليل تم السيطرة على الحريق سريعا واثناء ذلك هبطت طائرات السرب الواحده تلو الاخري على الممر الاخر .
وليلا عكف خالد مع فنيي طائرته في اصلاح الطائرة ، بينما بقيه الطيارين في غرفه الطيارين يتناقشون في إشتباك والدروس المستفاده منه (( دي حرب نفسيه اللي هما بيستعملوها معانا ، فقلت أرد لهم نفس النوع )) قال محمد مبررا الاشارة المفتوحه التي بثها بعد الاشتباك مباشرة ، ودار الحوار بعدها عن الاخبار التي تتوارد بطول الجبهه عما يقوم به الاسرائيلين من بثه بمكبرات الصوت من أغاني ونداءات بالاستسلام لكي يسمعها الجنود على الطرف الاخر من القناه بهدف كسر روحنا المعنويه ، وأن ما قام به محمد من المحتمل ان يخفض في روح العدو المعنويه ، وهو أسلوب محمود طالما ظل في نطاق السيطرة
ثم تطرق احمد الي مساعي وزير الخارجيه الامريكيه لوقف إطلاق النار قريبا والانتقال بالحرب الي اروقه السياسيه فهتف عمر (( الريس مش ممكن يقبل وقف إطلاق النار ابدا ))
وتابع طارق (( بس وقف إطلاق النار ده معناه اننا خرجنا اقوي من الاول ))
فتهكم محمد (( فاكرين تصريحات ديان بعد النكسه لما قال انه منتظر مكالمه عبد الناصر له واللي هيستسلم فيها عبد الناصر ؟؟))
فطاف بمخيله الرجال في وقت واحد تلك الاوقات السوداء من تاريخ مصر ، حيث تعالت صور الاذلال لمصر بكل صورها
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
في مختلف انحاء العالم ، وظهر الوجه الحقيقي للاصدقاء ، وقتها وقفت مصر عاريه تتحمل سياط الذل والشماته من كل من هب ودب نكايه في مواقف عبد الناصر التحرريه والتي دفعت معظم الشعوب الافريقيه للتحرر من نير الاستعمار .
وقتها لم يكن ليجرؤ مصري بأن يجاهر بمصريته في اي مكان بالعالم ، وزاد من ذلك تصريحات موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي ومن حوله بأنه ينتظر من عبد الناصر مكالمه أستسلام ، ولولا انه الشعب المصري ، ولولا ان حضارة الالاف السنين تملئ خلايا جسده وما فيها من صمود وكبرياء وشمم ولولا عودته للتمسك بالدين والعقيده مرة اخري ، فلولا كل ذلك ما نجحت مصر ان تقف على قدميها مرة اخري متحمله سياط وسهام الاعداء التي أسالت من دم الشهداء انهار روت رمال الجبهه
وعاد الحديث مرة اخري لمبادرة السلام الامريكيه ورغم عدم علم الجميع بمحتواها ، الا أن الجميع أجمعوا على رفض اي وقف لاطلاق النار بصورة قاطعه .
في اليوم التالي والذي يوافق 30 يوليو 1970 وبينما الرجال في طائراتهم منتظرين اي تعليمات ، أبلغ ايهاب الرجال بتغيير التردد اللاسلكي ومتابعه أشتباك بين طيارين سوفيت واسرائيلين قرب خليج السويس ، فأنتقل الرجال بسرعه للتردد الاخر وتابعوا احاديث باللغه الروسيه غير مفهومه، وفي شغف بالغ أستمع الرجال لوقائع اول اشتباك سوفيتي اسرائيلي
لكن احمد لاحظ ان نبرة الطيارين السوفيت بها رعب كبير وصياح على غير عادتهم ، و تلاشت الاصوات الواحد تلو الاخر حتي تلاشت جميع الاصوات ، فطلب احمد من ايهاب تقصي ما حدث مع بقيه المطارات
وليلا جاء الخبر (( الاسرائيلين وقعوا 5 طيارات ميج 21 بطيارين سوفيت وكل الطيارين ماتوا ))
تبسم محمد قائلا (( في ستين داهيه ، عشان دلوقت يعرفوا إن العيب مش فينا ))
أحمد متسائلا (( نفسي دلوقت اشوف وش المستشار السوفيتي في قاعده بني سويف ))
عمر (( هاتقوله ايه يا فندم ؟))
أحمد (( ولا كلمه – انا بس عايز اعرف هيعلق على اللي حصل هيقول ايه ؟؟))
إيهاب (( التعليمات اللي صدرت بتقول ان المعركه دي لم تحدث واننا لا نعرف عنها اي شئ ))
وليد (( انت عايز تقول ان اسرائيل مش هتعلن عنها ؟))
إيهاب (( والله دي التعليمات ))
وبالفعل مر يوم ثم أسبوع بدون ان يعلن اي طرف عن تلك المعركه ،لكن الاحاديث الجانبيه بين الطيارين وقادتهم في كل القواعد الجويه كانت لا تكف عن التعليق والتشفي في السوفيت ، فرغم مساعدتهم لنا التي لا تقدر ، فأن غرورهم واشاعتهم روح الاحباط بين صفوف قواتنا ، جعل الجنود والضباط يكرهونهم كرها شديدا
وفي السابع من أغسطس ،أعلنت مصر انها قبلت وقف اطلاق النار لمده تسعين يوما ، لمحاوله حل القضيه دبلوماسيا ، وأشعل ذلك شرارة الغضب داخل النفوس بينما تعالى صياح عمر منتقدا ورافضا
((أزاي الريس يقبل وقف إطلاق النار ؟؟ ازاي ؟؟ بعد كل اللي وصلنا له ))
وبناء على وقف اطلاق النار فأنه سيتوقف وقف أطلاق النار من منتصف الليل تماما، ومع حلول الليل سمع الرجال هدير عربات مختلفه تتحرك على الطرق بجوارهم ، فخرج الجميع يشاهدون ما يجري ، فوقعت أعينهم على العشرات من عربات سلاح الدفاع الجوي تتحرك تجاه الشرق ، عشرات منصات الصواريخ المحمله بصواريخها وعشرات العربات الحامله لصواريخ سام 3 تتحرك في سرعه ، بينما وقف ضابط برتبه كبيرة بجوار عربته امام مدخل كفر نور ينظم المرور لرجاله ويبث الحماس فيهم بينما وقف أهالي الكفر يحيون المقاتلين، فتقدم الطيارين من الضابط على استحياء مدفوعين بفضول لمعرفه ما يجري ،
وقام احمد بتعريف نفسه للرجل مظهرا تعريف الشخصيه الخاص به ،فتساءل الرجل عما تفعل القوات الجويه في هذا المكان البعيد عن اي مطار حربي يعرفه ، فصمت الجميع مرتبكين الا ان احمد رد بثقه ومخبرا الرجل بأنه سر و لا يجب ان يعرفه الكثيرين ، فرد الرجل بانه يتفهم ، فأستكمل أحمد مخبرا الرجل بالسر الخطير ،وهو أن اماكن مبيت الطيارين في مطاري ابوصوير والصالحيه قد أستهدفت ، فرأت القياده ان ينام الطيارين ليلا بعيدا عن اي خطر قد يتعرضون له ، ويبدو ان ملامح احمد الجاده قد أقنعت الرجل ، بينما وليد يكاد لا يستطيع ان يكتم ضحكه لكن الرجل لم يلاحظ تعبيرات وجه وليد بسبب الظلام ، وتساءل احمد محولا الموضوع ومتسائلا عن وجهه تلك الصواريخ ، فرد الرجل بأن قرار وقف اطلاق النار سيسري بعد ساعات ،وان الاوامر قد صدرت بدفع النسق الاول من الصواريخ لحافه الجبهه قبل منتصف الليل ، فتمتم محمد متسائلا عن سبب السرعه ؟
فأجاب الرجل بأن شروط وقف اطلاق النار هي عدم تحريك اي وحدات للامام ، وهذا يسري أيضا على أسرائيل ، مما يعني اننا لو لم ننجح في تحقيق هذا التحرك قبل الساعات المتبقيه من الموعد ، فأننا سنواجه مشاكل كبيرة، وكانت تعليمات القياده صريحه بسرعه التحرك والانتهاء قبل منتصف الليل، فتفهم احمد سبب السرعه ، وأثناء حديث الرجل والذي تطوع بشرحه المثير من المعلومات لاطمئنانه لاحمد ورفاقه ، واثناء الحوار الجاد ، سمع الرجال صوت ارتطام قوي ، فقد سقطت احد عربات الرادار في الترعه التي تغذي كفر نور بمياه الري ، ومالت العربه داخل المياه ، فهرع الرجال والاهالي نحو العربه ، قفز بعض رجال الكفر في المياه لاخراج من بالعربيه من جنود ، وبالفعل اخرجوا اثنين من الجنود مصابين ، بينما أستشهد السائق
وفي وسط ذلك خرج صوت الضابط صائحا في رجاله بسرعه التحرك لانهم ((في عرض دقيقه)) وان المسأله لا تحتمل أغلاق الطريق الضيق لوقت كبير ، فأحس الجميع بحساسيه الموقف وتعقيده فعرض عمده الكفر المساعده التي رحب بها الضابط ، وعلى الفور تحولت القريه الي خليه نحل تتحرك بسرعه نظر أحمد الي رتل العربات المتوقفه والتي تحمل صواريخ ورادارات وهوائيات ، ثم أمر الفنيين بالمساعده في اخفاء تلك العربات وسط الاشجار بواسطه شباك التمويه، فالتف الضابط مندهشا ومتسائلا (( شباك تمويه بتعمل ايه في مبيت الطيارين ؟!)) لكن احمد لم يلتفت اليه ، انما هرع مع بقيه الطيارين والضباط ينظمون إخفاء رتل السيارات ، بينما وصل عدد كبير من الاهالي مصطحبين الدواب والماشيه ، حيث قاموا بحماس شديد ، بربط السيارة المنكوبه بحبال وجرها ببطء من داخل الترعه ، وبعد عده محاولات فاشله تكاتف فيها الجميع من ضباط وجنود والاهالي، تم إخراج السيارة من المياه وإخلاء الطريق امام باقي السيارات التي اندفعت بسرعه كبيرة نحو مواقعها وسط تكبير الاهالي وفرحتهم .
وفي الصباح التالي كان الهدوء الحذر قد عم أنحاء الجبهه ، لكن دوريات الطيران لم تتوقف ،وبعد عدم أيام جاءت الاوامر بخفض درجه استعداد السرب للحاله العاديه ، وبعد يومين أخرين حضر الدمنهوري ليلا وطلب من الرجال الاستعداد في الليله التاليه لحضور مقابله مهمه جدا.
وبالفعل أستعد الطيارون الست لهذه المقابله الغامضه والتي رفض الدمنهوري الافصاح عن تفاصيلها
وأختلفت التنبؤات بين الطيارين عن أهميه المقابله والشخص الذي سيقابلهم ، وكان ذلك حدثا اخرج الرجال من حاله الملل التي مروا فيها في اليومين الماضيين ، وزاد من فضول الجميع هو تأكيد الدمنهوري لهم بألاناقه الكامله .
وفي المساء حضرت سيارتين مدنيتين من قياده القوات الجويه أقلت الرجال ، الذين أضفت عليهم البدل الرسميه وسامه كبيرة افتقدوها كثيرا من قله الاهتمام بالمظهر في ظل عامين من القتال الضاري ،
وصلت السيارات الي ضاحيه مصر الجديده حيث تقبع قياده الطيران ، فأيقن الطيارين ان اللقاء سيكون مع رئيس الاركان (اللواء مبارك) او الفريق البغدادي قائد الطيران ، لكن السيارات مرت بجوار البوابه وأستمرت في السير نحو منشيه البكري ، تعالت ضربات قلب عمر كثيرا ، فهو يعرف تلك المنطقه جيدا ، ثم توقفت السيارات عند عده نقاط تفتيش للحرس الجمهوري وسط دهشه الرجال ، الا ان عمر كان قد تأكد ، فتسارعت دقات قلبه وتسارع تنفسه وعجز عن الكلام .
دخلت السيارتين لساحه فيلا ونزل الطيارون من السيارات التي غادرت المدخل ، وطلب منهم احد ضباط الحرس الجمهوري الانتظار دقائق ، ريثما يسمح لهم بالدخول.
فتساءل وليد بصوت عال وبدهشه (( بيت مين ده؟؟)) فلم يرد احد ، غير ان صوت متحشرج صدر من عمر قال كلمات لم يميزها احد ، فسأل طارق بتقول ايه ، فحاول عمر الكلام مرة اخري لكنه تحشرج وكان وجهه محتقن جدا وانفاسه متسارعه ، فأعاد طارق السؤال ورد عمر بصوت متحشرج لكنه اكثر وضوحا
(( بيت الريس )) ، فتهكم أحمد (( ريس مين يا عمر ؟؟)) فاجاب عمر (( جمال عبد الناصر )) فصدم الجميع وتعالت نظرات الذهول وعدم التصديق ، فتساءل محمد بدهشه ورجاء (( عمر ، انت بتتكلم بجد ؟؟))،
الا ان ضابط الحرس الجمهوري خرج مرة اخري ودعاهم للدخول قبل ان يجيب عمر
(( الريس نازل حالا – اتفضلوا )) سمع الجميع كلمه (الريس ) من الضابط فتأكدوا ان كلام عمر صحيح ، فعم الذهول والصدمه خلايا جسدهم .
وبعد ثوان من دخولهم صالون منزل الرئيس ، ظل الرجال واقفين ينظرون حولهم الى الاثاث العادي الذي لا ينم على اي فخامه او عظمه ، وانفاسهم تتسارع من هول مفاجأه مقابله الزعيم
وبعد دقائق دخل الرئيس بقامته الطويله وكتفيه العريضين وأبتسامته المحبوبه، وبلا استثناء فغر الجميع افواههم من الدهشه ، فهم امام أسطورة حيه ورمز للامه والشعوب واكبر أماني الملايين من البشر هي مشاهده الرئيس فما بالك بهؤلاء الطيارين وهم يقفون وجها لوجه معه ، لاحظ احمد دهشه الرئيس من حاله التسمر التي أضحي عليها الطيارين ، فنادي على طياريه (( انتباه )) وقتها صدق الجميع ما يحدث وانهم امام القائد الاعلى للقوات المسلحه وجهها لوجه ، فوقف الجميع انتباه مؤديين التحيه العسكريه بكل انضباط .
رد الرئيس التحيه ومد يده مصافحا أحمد الذي عرف نفسه وأستكمل معرفا طياريه ، وعندما توقف أمام عمر ، سأله عن ساقه وهل عادت لطبيعتها ، دهش عمر من السؤال ، واجاب بعسكريه صرفه بأنها أصبحت كما كانت وشكر الرئيس على سؤاله ، أما محمد فقد شمله الرئيس بدعابه قائلا (( انت بقي النسر الاصلع ؟)) فرد محمد بالايجاب بكل جديه ، بينما أستكمل الرئيس مصافحه طارق ووليد وخالد مداعبهم بكلمات مشجعه ، ثم جلس الرئيس بينما نظرات الاعجاب وعدم التصديق مما يحدث تفضح الطيارين .
فبدأ الرئيس حديثه بعد ان أشعل سيجارة (( انا حبيت اقابل الاشباح اللي مجنيين اليهود )) فتبسم الطيارين على استحياء من مجامله الرئيس الذي استكمل
(( المفروض اني كنت اقابلكم في ديسمبر الجاي لكن من اسبوع ، كنت بتفرج على التحقيق مع الطيارين الاسري اللي اتكلموا عنكم بكل احترام )) ثم سكت فجأه وقال (( انتوا مش بتدخنوا ليه ؟؟؟ دا انتوا حريقه سجاير زي ما سمعت )) فنظر الطيارين لبعضهم البعض ، وسرعان ما أشعل احمد سيجارة وتبعه الاخرون ، بينما أستكمل الرئيس حديثه ((لما شفت فيلم الاسري قلت لازم أشوفكم في اقرب فرصه عشان احييكم على دوركم الكبير)) وبينما الطيارين صامتين يتابعون في شغف وإعجاب كل كلمه من كلامات الرئيس ، واصل الرجل حديثه بهدوء (( الايام دي الفريق بغدادي حاطط جدول عشان اقابل قاده الاسراب والطيارين وزي ما قلت كان دوركم زي ما أتقال لي في ديسمبر لكن انا أستعجلت اللقاء ده ، وبصراحه يا ولاد – مصر فخورة بكم وبكل ما تقدمونه للبلد )) فرد احمد (( ده واجبنا يا فندم ، واحنا مستعدين نموت واحنا بنقوم بواجبنا )) فتبسم الرئيس قائلا (( هيه دي الروح اللي لازم تكون موجوده في كل واحد في الجيش )) ثم غير الرئيس مسار الحوار متسائلا (( اخبار الميج 21 بعد التعديل ايه ؟؟))
فرد أحمد (( كويسه يا فندم – كله كويس ))
فظهر نظرات عتاب على وجه الرئيس (( الكلام ده يا احمد كان زمان قبل النكسه – مش دلوقت ...... انا عارف انكم شاركتم بالافكار في تطوير الميج ، فعايز اعرف رأيكم الصريح فيها بعد التعديلات دي ، وارجوكم ... مش عايز كلام مدح وخلاص ..... عايز كلام ناس فاهمه ومجربه واشتبكت مع العدو كتير ))
فطلب احمد من طارق ومحمد الاجابه عن هذا التساؤل ، وطال النقاش بين الطيارين والرئيس حول امور فنيه بحته تدخل فيها الرئيس، فظهر للرجال ان لدي الرئيس خلفيه كبيرة عن كل خطوه من خطوات التطوير، وفي لحظه صمت لالتقاط الانفاس
قال الرئيس (( يعني من كلامكم كده اننا ممكن نخش الحرب بالميج ونحقق نتائج ؟))
فرد الجميع ايجابا ، ثم عرض الرئيس الاجابه عن اي تساؤلات خاصه بالطيارين ، وبعد ان وضع احد الخدم اكواب العصير امام الطيارين وانصرف ، تساءل محمد بصوت قلق ((أحنا هنحارب بجد يا ريس ؟؟ يعني هنعبر القناه ونحرر سينا ؟؟؟))
الرئيس مبتسما (( طبعا بأذن الله ))
فتساءل عمر محرجا (( طب ليه يا ريس قبلت وقف اطلاق النار؟))
فتبسم الرئيس (( الموضوع ده أخذ مني وقت كبير جدا في الدراسه وعمل حسابات مختلفه ، فلما سألت القاده ، هل أستمرار حرب الاستنزاف هيحقق اهدافنا أختلفت ارائهم ، ومحدش اداني رأي محدد – فعلشان نخش مرحله التحرير لازم اولا نقدر ندخل الصواريخ للجبهه عشان تحمي القوات اللي هتعبر ، انا مقبلتش وقف اطلاق النار الا عشان نستعد لمرحله التحرير والفريق فوزي جهز الخطط ، فاضل اختيار التوقيت وده مش هيكون بعد فترة كبيرة ))
فتحمس الطيارين من كلام الرئيس وتساءل عمر مرة اخري (( يعني وقف اطلاق النار كان عشان ناخذ نفسنا بس ؟))
الرئيس (( لا يا عمر مش كده بس ، عشان اقدر ادخل الصواريخ للجبهه عشان الجيش يقدر يعبر في حمايتها كمان وده مهم جدا لنجاح التحرير ))
ثم تطرق الرئيس بعد ذلك لامور اجتماعيه وانسانيه تخص الطيارين مبتعدا في حديثه عن الحرب وويلاتها ، وفي نهايه الحوار أخبرهم الرئيس بأنه قرر منح السرب نوط الواجب العسكري تقديرا من مصر لاداء طياري السرب 77 قتال
وقبل منتصف الليل بقليل انصرف الرجال في نشوة كبيرة تاركين الرئيس ليقرأ عده تقارير وردت اليه .
وعند ركوبهم السيارات أعطي السائق لاحمد مظروفا وجد بداخله أمرا باجازة اسبوع ساريه المفعول من نفس الليله لكل طياري السرب
كانت اول اجازة فعليه يستمتع بها الرجال منذ 14 مايو 1967 ، فبالنسبه لاحمد فقد أحس بالراحه والحاجه للنوم ، نظرا لوقف اطلاق النار والهدوء على الجبهه مما ساعد عقله على الاسترخاء التام وليتواصل مره اخري مع عائلته التي غابت عن تفكيرة طوال فترة حرب الاستنزاف ، حتي الاجازات الخاطفه التي قام بها ، فكان ذهنه مشغولا بالسرب ورفاقه والحرب الدائرة
اما عمر وطارق فقد انطلق كل منهم الي الاسكندريه، فعمر أصطحب زوجته ناديه سريعا الي الاسكندريه للاستجمام والراحه ، اما طارق فقد لحق بعائلته في المعموره ، ليعود لنفس الشاطئ ، ويلتقي بأصدقائه القدامي مرة اخري وينسي لفترة ما الحرب والقتلي والاشتباكات والموت الذي يحيط به في كل لحظه .
كذلك عاد وليد وخالد لعائلاتهم لا يطمعون في شئ أكثر من الخلود للراحه النفسيه والجسمانيه
بعد ان اعطي لقاء الرئيس لمعنوياتهم دفعه كبيرة جدا ، فقد خرجوا من تلك المعارك اشخاص مختلفين تماما ، فقد أصبحوا ذوي خبرة كبيرة في القتال الجوي ، وأصبح الموت لهم لا يعني شئ نظرا لتواجده معه دائما سواء على الارض او في السماء ، فقد أصبح صديقا لهم لا يخافونه بقدر ما يخافون من تأخر الحرب ، فقد كان النصر أهم لهم من أي شئ أخر على وجه الارض ، ومحو عار الهزيمه وعوده الكرامه للشعب وجيشه وقواتهم الجويه، وكان ذلك يضغط عليهم جدا ، فرغم مرور سنوات الا ان احدا لم ينسي الهزيمه واثاراها الشخصيه والعامه ، فقد أختلف الشعب بعد الهزيمه عن قبلها ، وكان كل طيار يري ذلك في ساعات الاجازة القليله بوضوح تام ، فكان للهزيمه أثر عجيب جدا على افراد الشعب بكل طبقاته، فبينما رفض أغلب الشعب الهزيمه واعلن الصمود ، الا ان هنالك الكثيرين ممن رفضوا الهزيمه عادوا واعلنوا الاستسلام والهرب خارج البلد الي اوروبا للعمل او التسول هروبا من واقع مر في مصر ، وهناك وقعوا فريسه سهله جدا جدا في يد المخابرات الاسرائيليه وعصابات التهريب المنظم ، وعاد منهم عددا لمصر كأعداء هدفهم قلب مصر وظهر الجيش المصري يحفرون تحت اقدامه لاخلال توازنه ، ومنهم من لم يعد ولم يعرف مصيرة ، كان هذا ما حل بالذين اختاروا الهروب من الواقع المرير في مصر الي اوروبا طمعا في مستقبل أفضل ، أما الفئه التي أستسلمت للهزيمه وظلت في مصر ، فقد أتخذت كل الطرق الغير مشروعه للهروب من الواقع من مخدرات وفساد اخلاقي ، مما جعلها هي الاخري تحفر تحت اقدام الجيش لتخل بتوازنه بعدما تعالت اصوات تلك الفئه مطالبه بعدم الحرب لعدم جدواها وبالتسليم بأن اسرائيل قوة لا تقهر ، ويجب التنازل عن سيناء مقابل ان نعيش في أمان .
من أستسلموا للهزيمه لم يروا اي جانب مشرق في المستقبل ولم يروا الرجال يعملون ليل نهار لدرء العدوان والدفاع عن مصر ، بل لم تري تلك الفئه النجاحات العسكريه طوال ثلاث اعوام من القتال المستمر ، لم تسمع عن تضحيات الرجال بطول القناه وداخل سيناء وفي كل شبر بمصر لكي يثبتوا للعالم ولانفسهم انهم يحق لهم الحياه في كرامه وشمم .
تلك الفئه المهزومه من المجتمع شاهدها عمر وناديه على شواطئ العجمي بالاسكندريه وشاهدها طارق بالمعمورة في وسط موسم المصيف ، وكانت حوار طارق معهم غير ذي جدوي ، فالانهزاميه والاستسلام يغلف كل كلمه من كلمتاهم ، واليأس والاحباط يملئ نبرات اصواتهم ، مما دفعهم لنسيان ذلك الواقع بكل المحرمات الممكنه ، فقد فتحت الهزيمه بابا كبيرا للفساد الاخلاقي لكي يدخل منه الي كل فئات المجتمع وينهش لحم الصغار والكبار بدعوي نسيان الهزيمه ، غير واعيين لان نسيان الهزيمه يكون على خط النار على ضفه القناه وليس في حفلات المخدرات ، أما (( النسر الاصلع )) فقد عاد لبورسعيد مدينه الصمود ، ليجد الشعب المقاوم البطل ، يعيش بين اطلال ماتبقي من المباني ، يعيش سعيدا مجاهدا ، وعلى جدران المباني تجد شعارات الحرب والمقاومه تصرخ بكل عزة بأن النصر قادم لا محاله ، لا يحزنهم كساد تجارتهم او تهدم منازلهم ، فهم شعب ولد ليعيش حرا ومنتصرا ولا تهزة الانكسارات بقدر ما تقويه .
الفصل العاشر : إنقلاب
إنقلاب تام أحس به طيارو السرب 77 بعد عودتهم لمطارهم السري في اواخر أغسطس 1970
فقد أنعكست حاله الهدوء علي الجبهه وتماسك وقف إطلاق النار الي حاله أسترخاء وسط الفنيين والجنود وبدأ هذا الاسترخاء يتسرب الي نفس الطيارين حتي أحمد نفسه تأثر بذلك ، ولعده أيام ظل الرجال علي الارض بدون طلعات مما سرب الي نفوسهم الملل ، في تلك الايام أجتمع احمد مع قيادات القوات الجويه والتي ابلغته بضرورة الاستعداد للانتقال مع رجال السرب الي احد مطارات الدلتا ، حيث أدي السرب دورة المطلوب منه كاملا في الخطوط الاماميه ، وحتي انتهاء وقف أطلاق النار فأن السرب سيتدرب فوق الدلتا والصحراء الغربيه ، وبالفعل عاد أحمد لقاعدته وأبلغ الرجال بذلك ، ووسط حزن اهالي كفر نور غادرت عشرات السيارات حامله الفنيين ومعداتهم والوقود والذخائر في نفس الوقت الذي أقلعت طائرات السرب لاخر مرة متجهه غربا ، نحو مطار حقيقي سيعمل منه السرب بعد ذلك ، وبناء علي تعليمات احمد ، فقد قام السرب بدورتين حول كفر نور للتحيه والوداع.
وقبل استقراراة في مطارة الجديد ، وجد احمد ان السرب تم تنظيمه داخل تنظيم اللواء 104 دفاع جوي والذي يتمركز في عده مطارات بالدلتا ومهمته الدفاع الجوي عن الدلتا والقناه ، وبه أكفأ طياري المقاتلات في مصر.
كانت سمعه السرب 77 تسبقه قبل وصوله الي مطارة الجديد ، وأستعد جميع الطيارين لاستقبال هؤلاء النسور الذين أطلق عليهم اليهود لقب الاشباح وقد شاع هذا اللقب بين اوساط الطيارين ، وأصطف عدد من الطيارين بالمطار الجديد لاستقبال نسور السرب 77 وهو يهبطون علي الممر ، وأول ما لفت انتباه الجميع علي الارض ، هو ان طائرات السرب هبطت علي مسافه صغيرة جدا من الممر واندفعت نحو الدشم المخصصه لها في سرعه كبيرة ،وعلي الفور أستعد بقيه الطيارين لاستقبال سيارة النسور التي سرعان ما وصلت الي حيث غرفه الطيارين ، نزل أحمد ومن خلفه طياريه ، كان احمد علي علم بأنه سيكون قائدا لسرب الاعتراض الجوي بالمطار ، والذي يتواجد به عدد قليل من طائرات السوخوي الاستطلاعيه وطائرات اليوشن 28 القاذفه المتوسطه ، أٌستقبل الطيارين أحمد وزملائه بكل حفاوة وقاموا بالتعارف سريعا.
وفي المساء وكعادتهم منذ بدء الحرب ،أجتمع احمد بطياريه لوضع الخطوط العريضه للمرحله المقبله وطبقا للمخطط فانها ستشمل تدريبات قويه جدا تبعا لتعليمات رئيس الاركان الذي زارهم في اليوم نفسه ليشد من ازرهم ويراجع علي تنسيق التعاون بين السرب وبيقيه الاسراب في المطارات المجاورة .
كان فضول بقيه الطيارين في المطار شديدا جدا لمعرفه قصص السرب 77 وبطولاته لكن طياري السرب كانوا حائطا منيعا من السريه كما تعلموا في بدايه تشكيل السرب ، فلم يفلح اي من الطياري الاخرين في معرفه اي شئ من احمد او زملائه عما قاموا به .
وعلي الجانب الاخر ، نجد ان احمد حافظ علي تركيز طياريه الشديد في التدريب علي الاقلاع والهبوط السريع وسط اعجاب بقيه الطيارين من براعه هؤلاء الطيارين في التحرك علي الممرات بسرعه تجاه الدشم المخصصه لهم ، والاقلاع السريع جدا
وبعد عده الايام بينما رجال السرب مجتمعين في الغرفه المخصصه لهم بالمطار يتناقشون، دخل أحد الجنود مهرولا ليخبرهم بأن الاذاعه تذيع علي كل تردداتها قرأناَ وكذلك التلفزيون !!
فتعجب الرجال وأسرع عمر الي جهازة الصغير ، ليتأكد الجميع من الخبر ، وبعد فترة صمت وقلق عن سبب ذلك ، خرج صوت المذيع حزينا يقدم نائب الرئيس – السيد انور السادات .
فنظر محمد لاحمد ، فوجد الدموع تترقرق في عيني أحمد وتأبي أن تنهمر ، وبدأ صوت السيد السادات يحمل حزنا وهو ينعي الرئيس عبد الناصر..
عم الصمت جنبات الغرفه للحظات ، رغم ان هؤلاء الرجال المتميزين بسرعه رد الفعل العالي جدا فهم لم يتمكنوا من فهم ما يحدث او بالاحري لم يستوعب عقلهم تلك الكلمات التي ينقلها المذياع .
كان صوت النحيب يخرج من الراديو بجوار صوت السيد السادات المتحشرج والذي وضح انه يجاهد لكي يكمل ما يقرأه بصعوبه بالغ .
وبعد ثوان خرج صوت عمر يشق الصمت ويرج الغرفه رجا وهو يصيح في لوعه (( لا)) ، واندفع محطما نافذه الغرفه بقبضه يده في لوعه والم شديدين ، هب أحمد من مكانه ليمسك بيد عمر الملطخه بالدماء ، وينظر عمر الي عيني احمد غير مصدق ، فلا يري غير الدموع تنهمر ببطء فيتأكد مما يقاومه عقله
(( مش معقول يا فندم – مش معقول )) قالها عمر في حسرة ، ثم ارتمي في أحضان احمد باكيا كطفل صغير ، وشاركهم وليد وخالد في البكاء ، أما محمد فقد وضع رأسه بين يديه وأطلق العنان لدموع متحجرة منذ اعوام ، بينما طارق أستند علي حائط يعلوة صورة الرئيس عبد الناصر ، وفي صمت نزفت عينيه شلالا من الدموع اللا نهائيه .
عم المطار حاله من الانهيار التام بين افراده ، فالرجل الذي كان والدهم والذين عاشوا معه احلي أيام وأقسي أيام قد رحل بلا رجعه ، الرجل الذي علمهم معني الكرامه والكبرياء والحريه مات
فكر عقل احمد لبرهه في التمالك والتماسك ، لكل قلبه كان ينزف بضراوة فأنهارت دفاعته امام الاحساس الفجائي الذي ملئه بالخوف .
هو نفس أحساس الطفل الذي يفقد والده وسنده وظهرة الذي يلجأ اليه وقت الشده ، وها هو يقف وحيدا في صحراء مليئه بالضباع والذئاب والتي تستعد لمهاجمته في اي وقت ، فكيف يدافع عن نفسه وعبد الناصر قد مات ، كيف يقاتل وحده الان .
أحساس قاتل للرجال ملئهم رعبا وهلعا ، كان طارق اول من تحدث بصعوبه بالغه منهيا صمت الغرفه
(( أستغفر الله العظيم – بس انا كان عندي احساس مليني إن الريس مش ممكن يموت !!!)) ويلي ذلك حاله اخري من الصمت والبكاء
يرد وليد (( دا احنا كنا لسه معاه من اسبوعين، خلاص مش هنشوفه تاني بالبساطه دي؟ ))
خالد (( النكسه موتته – حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عملوا فينا كده ))
صوت محمد من خلف يديه (( وحدوا الله يا جماعه )) فتتعالي عبارات التوحيد من الرجال ، فيستكمل
محمد (( الموت علينا حق ، ولازم نتماسك ومنكفرش بربنا )) فتعالت عبارات الاستغفار من فم رجال كسرهم خبر وفاه رجل وأب وزعيم لهم جميعا ، فلا غريب ان يحسوا جميعا بالخواء وعدم الامان .
وليلا ينزوي كل منهم في غرفته صامتا حزينا باكيا مفكرا في المستقبل الذي ازداد اظلاما بعد رحيل الرئيس ، وتأتي أشاره عاجله من القياده برفع حاله الاستعداد للدرجه القصوي تخوفا من أستغلال أسرائيل لانهيار معنويات الجيش وتقوم بخرق وقف اطلاق النار ، دار في عقل احمد منطقيه ما تفكر فيه القياده ، لكن اللا منطقي هنا هو وضع طياريه بحالتهم السيئه تلك في حاله أستعداد قصوي ،فأمضي جزء من الليل مفكرا في حل لهذه المشكله .
ومع اول ضوء لبس ملابس الطيران ، وأخبر رجاله بالتعليمات الجديده وامرهم بنسيان ما حدث بالامس وأمضي وقتا في خطبه لشد ازر رجاله وختمها بقوله (( انا هاكون في طيارتي حاله اولي ،وبعد عشر دقايق عايز كل واحد منكم يجهز ويكون في طيارته – عبد الناصر مات وعايزنا ننتصر ، ومش هننتصر واحدنا قاعدين نعيط عليه ، لا هننتصر واحنا في طياراتنا جاهزين ومستعدين لاي عدو )) ثم انصرف بسرعه مغادرا الغرفه نحو طائرته .
لم يفكر اي منهم في ما قاله احمد ، فبداخل كل منهم عزيمه وقوة وايمان بالواجب ، لكن جلال الخبر هز الرجال من اعماق اعماقهم بكل عنف وقوة ، فبعد ثوان من مغادرة احمد ، تحرك كل منهم بدون ان ينظر للاخر خارجين من الغرفه حاملين خوذاتهم بتثاقل كبير متجهين نحو دشم طائراتهم .
قطع محمد الصمت (( انا هاكون حاله اولي مع كابتن احمد )) ولم يرد احد من طياري السرب ، انما أتجههوا نحو طائراتهم في صمت ، تابعه صمت اخر وحزن من الفنيين ، فالجميع يعمل بجهد وعرق لكن بلا روح فالحزن يملئ الوجوة والاعين في وضوح تام .
أستمع احمد في اللاسلكي الي تبليغات القياده المتتابعه بعدم وجود نشاط جوي يذكر علي الجبهه ، ومع مرور الوقت أبلغ احمد قيادته بأنه سيخرج عدد من الدوريات المقاتله فوق منطقه عمليات السرب فوافقت القياده ، فأمر عمر وطارق بالاقلاع في دوريه قتال يليهم خالد ووليد ، وبالفعل وعلي مدار ساعه ، نظم السرب عدد من الدوريات المقاتله ، فقد كان احمد يتذكر نصيحه قائده السابق العقيد تحسين زكي في الهاء الطيارين عن همومهم الشخصيه بالطيران ، وعلي ذلك قرر ان يقوم بعمل تدريب سريع ، بينما هو ومحمد في دوريتهم امر خالد ووليد بالاقلاع السريع لاعتراض عدو وهمي والاشتباك معه ، بينما قام وهو ومحمد بدور العدو ، علي ان يظل عمر وطارق للتعزيز ، وفعلا تم التدريب علي الاشتباك الجوي وعادت الطائرات ، وفي المساء وضع احمد فرضا عليهم بتخطيط نظري لمناورة وتكتيك بين طائرة مصريه واربع طائرات معاديه بهدف خروج الطائرة المصريه من الاشتباك سالمه .
كان ذلك الهاء اخر لهم عما يسمعونه في الراديو من احزان الشعب ، بينما يتوجه الملايين من شتي بقاع مصر متجهين للقاهرة للمشاركه في وداع رئيسهم لمثواه الاخير .
كان الفرض الذي وضعه احمد شبه مستحيل نظريا ،لكنه المح لطياريه بوجود حل لهذا الفرض ، مما شغلهم لفترة ، لكن وصول اشارة من القياده قطع تركيز احمد ، كانت الاشارة تشير الي وجوب وجود مندوب من السرب للمشاركه في الجنازة في اليوم التالي ، وعند طرح الموضوع للنقاش بين طياريه أندفع الجميع بحماس طالبين المشاركه ، ولعدم حدوث أختلافات بين الرجال أقترح احمد عمل قرعه وبالفعل تم عمل القرعه ليفوز محمد بها وسط خيبه امل من الجميع .
وفي اليوم التالي تابع الجميع الجنازة علي الهواء مباشرة ، فبينما قبع احمد في طائرته ومعه طارق في طائرات الاستعداد ، فأن عمر قد أصطحب الراديو الخاص به تحت جناح طائرته وشاركه وليد وخالد
وبينما شمس الخريف تلفح وجوة الرجال في ثبات ، فقد أستمعوا الي أصوات المذيعيين الباكيين يصفون المشهد الجلل الذي تدور وقائعه في قلب القاهرة حيث غلب صوت الملايين من المواطنين علي صوت المذيع وهم يرددون بدون اتفاق مسبق اغنيه واحده (( الوداع يا جمال يا حبيب الملايين )) فانهمرت الدموع من الطيارين بينما يسمعون الشعب يودع زعيمه ، وأستمر الحال علي هذا المنوال حتي نهايه الجنازة قرب المغرب ، وبعد عده ساعات عاد محمد في حاله رثه جدا ، واخبرهم ان الجنازة الرسميه قد اختفت بعد دقائق فقط ، حيث اندمج الشعب وسط الجنود والضباط ، وذاب هو وسط حشود البشر الباكيه ،وظل يسير وراء النعش لمسافه طويله حتي وصل لمثواه الاخير بصعوبه بالغه
مر يومين علي جنازة الرئيس عبد الناصر ووضحت الصورة بأن انور السادات أصبح الرئيس الجديد
وهو ما كان موضوع مناقشات الرجال في اوقات الراحه.
وبعد عده أسابيع من الهدوء تم تعديل البرنامج التدريبي للسرب ، فقد أشترك السرب في عده مناورات للقوات البريه وتم تخصيص السرب للقيام بدور العدو الجوي ، لكي يرفع من مستوي بقيه الطيارين .
وبالفعل أشترك السرب في عده طلعات ضد طائرات مصريه ، ووضح وجود طيارين متميزين جدا في بقيه الاسراب ، فقد أستطاع احد الطيارين اصابه أحمد قائد السرب ، بينما أستطاع أخر اصابه محمد مما يعني أرتفاع مستوي بقيه الطيارين بصورة كبيرة ، عما كانوا عليه من سنوات مضت .
وفي بدايه عام 1971 اعلن الرئيس السادات ان عام 71 هو عام الحسم ، وبالفعل كانت الاستعدادات في القوات الجويه تسير علي أساس وجود حرب في نفس العام .
ومع تمدد وقف إطلاق النار بصورة غير رسميه ، فقد وصلت القوات المصريه الي حاله اللا سلم واللا حرب ، فالاشتباك مع العدو في حاله الرد فقط ولا يسمح بأي اعمل هجوميه مع العدو ، وكانت المجموعه 39 صاعقه هي الوحيده المسموح لها العبور ومهاجمه العدو ، تحت ستار اعمال مقاومه يقوم بها عرب سيناء ، بعد ان اصبح اسمها الرسمي (( منظمه سيناء العربيه ))
وفي منتصف مايو 1971 أطاح السادات بمن اسماهم بمراكز القوي والتي كانت تخطط للاطاحه به ،وأصبح انفراده بالحكم واقعا ، وفي تعليقه علي ذلك اثناء اجتماع مع قاده الاسراب في يونيو ، ذكر الرئيس السادات ان هذه المجموعه حاولت الانقلاب عليه وانهم كانوا يتصنتون علي تليفونه الخاص وانه رفض أن تكون تلك المجموعه بمثابه اوصياء عليه ، وبسؤال الرئيس عن موعد معركه التحرير ،بدأ الرئيس يتعلل بأن الوقت غير مناسب نظرا لان السوفيت لم يوفوا بتعهداتهم لعبد الناصر بشأن توريد الاسلحه وان الجيش المصري يعاني من نقص في الدبابات ووسائل الحرب الالكترونيه وطائرات الردع التكتيكيه TU 16 .
كانت محصله الاجتماع يسمعها الطيارين نقلا عن احمد والذي كان الغضب يملئه وهو يحكي وشاركه الجميع
(( يعني مش هنحارب .... )) قالها محمد غاضبا بشده وتابعه الباقي من الطيارين الا ان طارق كان لديه وجهه نظر مختلفه عندما قال (( يا جماعه – احنا ترس في منظومه فيها فوق المليون ترس وزي خليه النحل ، احنا النحل الشغال بنفذ الاوامر بس مش بنصنعها )) عمر متسائلا (( تقصد ايه ؟))
طارق (( الغضب والاعتراض مش هيجيب نتيجه – احنا دورنا نتدرب ونتدرب ونتدرب وننتظر الاوامر عشان لما تصدر ،ولو حتي بعد سنه ، نكون جاهزين لها )) صمت الجميع ، وإن كان صوت العقول التي تفكر بقوة يتعالي عاليا في ارجاء الغرفه .
وكما توقع محمد ، فقد حل اول سنه 72 بدون حرب ، وإن كانت التدريبات مستمرة بقوة ولا يكاد يمر يوم بدون طلعات تدريب .
وفي أبريل 72 تم تعيين اللواء حسني مبارك قائدا للقوات الجويه ، بدأ الرجل النشيط والمحبوب في اوساط الطيارين عمله بسرعه وأخذ التدريب مسار اقوي واعقد من قبل .
فتم البدء بتدريب السرب 77 للقيام باعمال هجوميه ، فبدلا من تحميل صواريخ جو- جو بدء في تحميل قنابل وصواريخ ، وكان ذلك جديدا علي طياري السرب الذين وصلوا لمرحله تشبع من التدريبات الجويه والاشتباكات المستمرة فتم تعيين منطقه معينه للسرب للقذف ، وقبل طلعه القذف تم اصطحاب الطيارين للمنطقه ووسط ضباط القوات الجويه تم عرض صور الهدف عليهم ، فهو مركز قياده للعدو يقع علي مسافه 40 -45 كيلو من القناه وتحميه بطاريه صواريخ هوك متطورة ، وعلي الطبيعه شاهد الطيارين بأنبهار موقع مماثل لما في الصور من منشأت المركز ومجسمات لدبابات العدو المنتظرة به ، فأعجبوا بدقه الاستطلاع والتخطيط ، وتبقي عليهم دقه التنفيذ .
وتم اعطائهم التعليمات بأن المرحله الاولي من التدريب والتي ستسمر مده ، تتضمن الطيران الطيران علي مستوي منخفض ، فتبسم وليد قائلا (( احنا فعلا متدربين علي الطيران المنخفض )) فأردف الضابط المتولي الشرح بأن ارتفاعهم المنخفض ليس كافيا وإنهم يجب ان يقللوا ارتفاعهم اكثر حتي ارتفاع 35 الي 40 متر فقط حتي يمكن الاختراق وسط الدفاعات الجويه الاسرائيليه وقصف الهدف بعد التعامل مع رادار بطاريه الصواريخ اولا لتعطيل البطاريه ، وتم وضع الاهداف والخرائط وعاد احمد ورفاقه الي مطارهم لدراسه الخرائط والتخطيط للتنفيذ.
في اليوم التالي قام السرب بطلعه استطلاعيه فوق هدفهم التدريبي ومعاينته قبل ان يعود السرب للمطار مرة اخري لدراسه الطريق مرة اخري .
في تلك الليله حضر الدمنهوري لزيارتهم لاول مرة منذ ان تركوا المطار السري منذ ما يقرب عام ونصف
فقابله الجميع بترحاب كبير جدا ، وامضي الرجال ردحا من الليل يتسامرون ويتحدثون في امور الدنيا والحياه بعيدا عن اي احاديث عسكريه .
وأضفت زيارة الدمنهوري روحا جديده علي الطيارين الذين عادوا لنشاطهم مرة اخري ، ناهيك عن كم الهدايا التي احضرها الدمنهوري للطيارين والفنيين في مختلف انحاء المطار .
وفي اليوم التالي بدأت الطلعات للتدريب علي الطيران المنخفض جدا بعد دراسه مسار السرب من مطارة حتي الهدف الحقيقي في عمق سيناء .
وبدأت مسابقه في الطيران المنخفض بين الطيارين ، و برز محمد متقدما علي الجميع ، فطائرته تكاد تلمس قمم الاشجار في فدائيه وتابعه بقيه الطيارين لكن بشئ من الخوف .
ومع توالي التدريبات في يوليو1972 فوجئ الجميع بقرار الرئيس السادات بطرد الخبراء السوفيت من مصر ، وتباينت ردود الافعال بين الطيارين ،فبينما يري احمد ان السادات لن يحارب وانه اوضحها صريحه الان بعد طرد السوفيت وشاركه معظم الطيارين في ذلك ، الا ان محمد كعادته كان له رأيا أخرا ، فهو يري ان خروج السوفيت مكسب لمصر حيث ان السوفيت عامل هدام وليس بناء داخل الجيش المصري وعلل ذلك بأنهم يضربون اهم ما تستند عليه اي قوة مسلحه الا وهي روحها المعنويه ، وانهم يضربون روحنا المعنويه في مقتل ،وأستمر النقاش حتي أمر أحمد طياريه بالاستعداد لطلعه تدريب اخري قبل اخر ضوء، وأقلعت الطائرات متجهه لهدفها التدريب وهي محمله بالقنابل وعلي ارتفاع منخفض جدا ، ثم عادت لمطارها مرة اخري بعد عمل قصف وهمي للهدف .
في ذلك الوقت كان احمد قد استقر علي خطته لتنفيذ الهجوم ،وشارك الطيارين فيها لاول مرة
(( طيارة مننا هتسبق علي اقل ارتفاع وتضرب رادار الهوك ، وتفتح لباقي الطيارات ممر نقدر نشتغل منه فوق الهدف ، لاننا ممكن نلاقي نفسنا مضطرين لعمل دورة تانيه حول الهدف وضربه مرة تانيه ، والدورة التانيه دي هتعني تزايد احتمالات الضرب علينا واصابتنا )) ثم واصل شرحه التفصيلات
(( الطيارة المخترقه الاولي ومعها طيارة تانيه هيكون معاهم صواريخ جو جو كمان ، عشان يحموا الطيارات الاربعه الباقيين اللي مهمتهم الوحيده دك الهدف بكل قوة ))
توالت التدريبات لفترة زمنيه اخري وسط متابعه قاده القوات الجويه ، حتي وصل السرب لدخول منطقه الهدف علي ارتفاع 20 متر فقط ، وهو ما يعد رقما مستحيلا يتطلب مهارة عاليه
وفورا تم الانتقال للمرحله الثانيه الا وهي القذف الفعلي للهدف وتنفيذ الهجوم بالذخيرة الحيه
تطوع محمد للقيام بدور الهجوم الابتدائي المنفرد ضد رادار بطاريه الهوك ووافق احمد علي ذلك ، علي ان يقوم طارق بحمايه السرب من اي تدخل جوي .
وأقلعت الطائرات واتخذت مسارها علي ارتفاع منخفض ، وقرب نقطه تماثل قناه السويس ، انخفضت الطائرات اكثر وقللت من سرعتها تاركه محمد يتقدم في الامام ، وبالفعل اتخذ محمد المقدمه بأقصي سرعه حتي وصل لمنطقه الهدف وقذف الرادار ، وسمعه احمد في اللاسلكي
(( النسر الاصلع فتح الطريق للاشباح )) فرد أحمد (( الاشباح في الطريق ، واصل الحمايه – انتهي ))
وقرب الهدف ارتفعت الطائرات بزاويه كبيرة لتكتسب ارتفاعا ، وبتنسيق ومهارة ، عادت وانقضت علي اهدافها ، فتم تدمير المبني الذي يمثل مقر القياده الاسرائيلي بأصابات مركزة ، ثم التحم السرب عائدا بينما طارق ومحمد يحميان مؤخرة السرب
وليلا وصلت للمطار اشارة بنتائج التدريب وانها ممتازة جدا ، وختمت الاشارة بضروة استمرار التدريب علي نفس الهدف يوميا يتخلله مرة واحده اسبوعيا بالذخيرة الحيه
وطوال الاشهر الاخيرة من عام 1972 قام السرب بـ 54 عمليه هجوم علي الهدف منها ثماني مرات قصف بالذخيرة الحيه .
وفي احد الليالي البارده ، وبينما الرجال يرتشفون الشاي في غرفه الطيارين ودخان السجائر يملئ فضاء الغرف ، نهض محمد من كرسيه صائحا بغضب (( وايه فايده التدريبات اللي تقطع الحيل دي ؟؟؟))
فقال أحمد تاركا كتاب كان في يده (( ايه مشكلتك يا محمد ؟)) فواصل محمد متذمرا (( يا فندم بقالنا خمس سنين علي الحال ده ، واليهود لسه طابقين علي نفسنا ، حتي ضرب النار عليهم بقه ممنوع ))
عمر (( العمليه بصراحه مش باين لها حرب السنه دي )) وليد (( الجيش عمال يتدرب علي العبور ، شكله بقي جاهز من مده )) خالد(( انتوا مش فاكرين الريس عبد الناصر لما قال لنا ان الحرب قربت ؟؟))
محمد (( وادينا لسه قاعدين زي الولايا منتظرين الفرج ))
أحمد (( احنا مش اتفقنا من فترة اننا منتظرين الامر وملناش يد في اعطاء الامر ؟ صح ولا لأ؟؟))
محمد متذمرا (( بس خلاص زهقنا كلنا من القعده دي ))
أحمد منهيا الحوار (( كله بأمر الله متنساش كده ))
وقتها لم يكن ليجرؤ مصري بأن يجاهر بمصريته في اي مكان بالعالم ، وزاد من ذلك تصريحات موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي ومن حوله بأنه ينتظر من عبد الناصر مكالمه أستسلام ، ولولا انه الشعب المصري ، ولولا ان حضارة الالاف السنين تملئ خلايا جسده وما فيها من صمود وكبرياء وشمم ولولا عودته للتمسك بالدين والعقيده مرة اخري ، فلولا كل ذلك ما نجحت مصر ان تقف على قدميها مرة اخري متحمله سياط وسهام الاعداء التي أسالت من دم الشهداء انهار روت رمال الجبهه
وعاد الحديث مرة اخري لمبادرة السلام الامريكيه ورغم عدم علم الجميع بمحتواها ، الا أن الجميع أجمعوا على رفض اي وقف لاطلاق النار بصورة قاطعه .
في اليوم التالي والذي يوافق 30 يوليو 1970 وبينما الرجال في طائراتهم منتظرين اي تعليمات ، أبلغ ايهاب الرجال بتغيير التردد اللاسلكي ومتابعه أشتباك بين طيارين سوفيت واسرائيلين قرب خليج السويس ، فأنتقل الرجال بسرعه للتردد الاخر وتابعوا احاديث باللغه الروسيه غير مفهومه، وفي شغف بالغ أستمع الرجال لوقائع اول اشتباك سوفيتي اسرائيلي
لكن احمد لاحظ ان نبرة الطيارين السوفيت بها رعب كبير وصياح على غير عادتهم ، و تلاشت الاصوات الواحد تلو الاخر حتي تلاشت جميع الاصوات ، فطلب احمد من ايهاب تقصي ما حدث مع بقيه المطارات
وليلا جاء الخبر (( الاسرائيلين وقعوا 5 طيارات ميج 21 بطيارين سوفيت وكل الطيارين ماتوا ))
تبسم محمد قائلا (( في ستين داهيه ، عشان دلوقت يعرفوا إن العيب مش فينا ))
أحمد متسائلا (( نفسي دلوقت اشوف وش المستشار السوفيتي في قاعده بني سويف ))
عمر (( هاتقوله ايه يا فندم ؟))
أحمد (( ولا كلمه – انا بس عايز اعرف هيعلق على اللي حصل هيقول ايه ؟؟))
إيهاب (( التعليمات اللي صدرت بتقول ان المعركه دي لم تحدث واننا لا نعرف عنها اي شئ ))
وليد (( انت عايز تقول ان اسرائيل مش هتعلن عنها ؟))
إيهاب (( والله دي التعليمات ))
وبالفعل مر يوم ثم أسبوع بدون ان يعلن اي طرف عن تلك المعركه ،لكن الاحاديث الجانبيه بين الطيارين وقادتهم في كل القواعد الجويه كانت لا تكف عن التعليق والتشفي في السوفيت ، فرغم مساعدتهم لنا التي لا تقدر ، فأن غرورهم واشاعتهم روح الاحباط بين صفوف قواتنا ، جعل الجنود والضباط يكرهونهم كرها شديدا
وفي السابع من أغسطس ،أعلنت مصر انها قبلت وقف اطلاق النار لمده تسعين يوما ، لمحاوله حل القضيه دبلوماسيا ، وأشعل ذلك شرارة الغضب داخل النفوس بينما تعالى صياح عمر منتقدا ورافضا
((أزاي الريس يقبل وقف إطلاق النار ؟؟ ازاي ؟؟ بعد كل اللي وصلنا له ))
وبناء على وقف اطلاق النار فأنه سيتوقف وقف أطلاق النار من منتصف الليل تماما، ومع حلول الليل سمع الرجال هدير عربات مختلفه تتحرك على الطرق بجوارهم ، فخرج الجميع يشاهدون ما يجري ، فوقعت أعينهم على العشرات من عربات سلاح الدفاع الجوي تتحرك تجاه الشرق ، عشرات منصات الصواريخ المحمله بصواريخها وعشرات العربات الحامله لصواريخ سام 3 تتحرك في سرعه ، بينما وقف ضابط برتبه كبيرة بجوار عربته امام مدخل كفر نور ينظم المرور لرجاله ويبث الحماس فيهم بينما وقف أهالي الكفر يحيون المقاتلين، فتقدم الطيارين من الضابط على استحياء مدفوعين بفضول لمعرفه ما يجري ،
وقام احمد بتعريف نفسه للرجل مظهرا تعريف الشخصيه الخاص به ،فتساءل الرجل عما تفعل القوات الجويه في هذا المكان البعيد عن اي مطار حربي يعرفه ، فصمت الجميع مرتبكين الا ان احمد رد بثقه ومخبرا الرجل بأنه سر و لا يجب ان يعرفه الكثيرين ، فرد الرجل بانه يتفهم ، فأستكمل أحمد مخبرا الرجل بالسر الخطير ،وهو أن اماكن مبيت الطيارين في مطاري ابوصوير والصالحيه قد أستهدفت ، فرأت القياده ان ينام الطيارين ليلا بعيدا عن اي خطر قد يتعرضون له ، ويبدو ان ملامح احمد الجاده قد أقنعت الرجل ، بينما وليد يكاد لا يستطيع ان يكتم ضحكه لكن الرجل لم يلاحظ تعبيرات وجه وليد بسبب الظلام ، وتساءل احمد محولا الموضوع ومتسائلا عن وجهه تلك الصواريخ ، فرد الرجل بأن قرار وقف اطلاق النار سيسري بعد ساعات ،وان الاوامر قد صدرت بدفع النسق الاول من الصواريخ لحافه الجبهه قبل منتصف الليل ، فتمتم محمد متسائلا عن سبب السرعه ؟
فأجاب الرجل بأن شروط وقف اطلاق النار هي عدم تحريك اي وحدات للامام ، وهذا يسري أيضا على أسرائيل ، مما يعني اننا لو لم ننجح في تحقيق هذا التحرك قبل الساعات المتبقيه من الموعد ، فأننا سنواجه مشاكل كبيرة، وكانت تعليمات القياده صريحه بسرعه التحرك والانتهاء قبل منتصف الليل، فتفهم احمد سبب السرعه ، وأثناء حديث الرجل والذي تطوع بشرحه المثير من المعلومات لاطمئنانه لاحمد ورفاقه ، واثناء الحوار الجاد ، سمع الرجال صوت ارتطام قوي ، فقد سقطت احد عربات الرادار في الترعه التي تغذي كفر نور بمياه الري ، ومالت العربه داخل المياه ، فهرع الرجال والاهالي نحو العربه ، قفز بعض رجال الكفر في المياه لاخراج من بالعربيه من جنود ، وبالفعل اخرجوا اثنين من الجنود مصابين ، بينما أستشهد السائق
وفي وسط ذلك خرج صوت الضابط صائحا في رجاله بسرعه التحرك لانهم ((في عرض دقيقه)) وان المسأله لا تحتمل أغلاق الطريق الضيق لوقت كبير ، فأحس الجميع بحساسيه الموقف وتعقيده فعرض عمده الكفر المساعده التي رحب بها الضابط ، وعلى الفور تحولت القريه الي خليه نحل تتحرك بسرعه نظر أحمد الي رتل العربات المتوقفه والتي تحمل صواريخ ورادارات وهوائيات ، ثم أمر الفنيين بالمساعده في اخفاء تلك العربات وسط الاشجار بواسطه شباك التمويه، فالتف الضابط مندهشا ومتسائلا (( شباك تمويه بتعمل ايه في مبيت الطيارين ؟!)) لكن احمد لم يلتفت اليه ، انما هرع مع بقيه الطيارين والضباط ينظمون إخفاء رتل السيارات ، بينما وصل عدد كبير من الاهالي مصطحبين الدواب والماشيه ، حيث قاموا بحماس شديد ، بربط السيارة المنكوبه بحبال وجرها ببطء من داخل الترعه ، وبعد عده محاولات فاشله تكاتف فيها الجميع من ضباط وجنود والاهالي، تم إخراج السيارة من المياه وإخلاء الطريق امام باقي السيارات التي اندفعت بسرعه كبيرة نحو مواقعها وسط تكبير الاهالي وفرحتهم .
وفي الصباح التالي كان الهدوء الحذر قد عم أنحاء الجبهه ، لكن دوريات الطيران لم تتوقف ،وبعد عدم أيام جاءت الاوامر بخفض درجه استعداد السرب للحاله العاديه ، وبعد يومين أخرين حضر الدمنهوري ليلا وطلب من الرجال الاستعداد في الليله التاليه لحضور مقابله مهمه جدا.
وبالفعل أستعد الطيارون الست لهذه المقابله الغامضه والتي رفض الدمنهوري الافصاح عن تفاصيلها
وأختلفت التنبؤات بين الطيارين عن أهميه المقابله والشخص الذي سيقابلهم ، وكان ذلك حدثا اخرج الرجال من حاله الملل التي مروا فيها في اليومين الماضيين ، وزاد من فضول الجميع هو تأكيد الدمنهوري لهم بألاناقه الكامله .
وفي المساء حضرت سيارتين مدنيتين من قياده القوات الجويه أقلت الرجال ، الذين أضفت عليهم البدل الرسميه وسامه كبيرة افتقدوها كثيرا من قله الاهتمام بالمظهر في ظل عامين من القتال الضاري ،
وصلت السيارات الي ضاحيه مصر الجديده حيث تقبع قياده الطيران ، فأيقن الطيارين ان اللقاء سيكون مع رئيس الاركان (اللواء مبارك) او الفريق البغدادي قائد الطيران ، لكن السيارات مرت بجوار البوابه وأستمرت في السير نحو منشيه البكري ، تعالت ضربات قلب عمر كثيرا ، فهو يعرف تلك المنطقه جيدا ، ثم توقفت السيارات عند عده نقاط تفتيش للحرس الجمهوري وسط دهشه الرجال ، الا ان عمر كان قد تأكد ، فتسارعت دقات قلبه وتسارع تنفسه وعجز عن الكلام .
دخلت السيارتين لساحه فيلا ونزل الطيارون من السيارات التي غادرت المدخل ، وطلب منهم احد ضباط الحرس الجمهوري الانتظار دقائق ، ريثما يسمح لهم بالدخول.
فتساءل وليد بصوت عال وبدهشه (( بيت مين ده؟؟)) فلم يرد احد ، غير ان صوت متحشرج صدر من عمر قال كلمات لم يميزها احد ، فسأل طارق بتقول ايه ، فحاول عمر الكلام مرة اخري لكنه تحشرج وكان وجهه محتقن جدا وانفاسه متسارعه ، فأعاد طارق السؤال ورد عمر بصوت متحشرج لكنه اكثر وضوحا
(( بيت الريس )) ، فتهكم أحمد (( ريس مين يا عمر ؟؟)) فاجاب عمر (( جمال عبد الناصر )) فصدم الجميع وتعالت نظرات الذهول وعدم التصديق ، فتساءل محمد بدهشه ورجاء (( عمر ، انت بتتكلم بجد ؟؟))،
الا ان ضابط الحرس الجمهوري خرج مرة اخري ودعاهم للدخول قبل ان يجيب عمر
(( الريس نازل حالا – اتفضلوا )) سمع الجميع كلمه (الريس ) من الضابط فتأكدوا ان كلام عمر صحيح ، فعم الذهول والصدمه خلايا جسدهم .
وبعد ثوان من دخولهم صالون منزل الرئيس ، ظل الرجال واقفين ينظرون حولهم الى الاثاث العادي الذي لا ينم على اي فخامه او عظمه ، وانفاسهم تتسارع من هول مفاجأه مقابله الزعيم
وبعد دقائق دخل الرئيس بقامته الطويله وكتفيه العريضين وأبتسامته المحبوبه، وبلا استثناء فغر الجميع افواههم من الدهشه ، فهم امام أسطورة حيه ورمز للامه والشعوب واكبر أماني الملايين من البشر هي مشاهده الرئيس فما بالك بهؤلاء الطيارين وهم يقفون وجها لوجه معه ، لاحظ احمد دهشه الرئيس من حاله التسمر التي أضحي عليها الطيارين ، فنادي على طياريه (( انتباه )) وقتها صدق الجميع ما يحدث وانهم امام القائد الاعلى للقوات المسلحه وجهها لوجه ، فوقف الجميع انتباه مؤديين التحيه العسكريه بكل انضباط .
رد الرئيس التحيه ومد يده مصافحا أحمد الذي عرف نفسه وأستكمل معرفا طياريه ، وعندما توقف أمام عمر ، سأله عن ساقه وهل عادت لطبيعتها ، دهش عمر من السؤال ، واجاب بعسكريه صرفه بأنها أصبحت كما كانت وشكر الرئيس على سؤاله ، أما محمد فقد شمله الرئيس بدعابه قائلا (( انت بقي النسر الاصلع ؟)) فرد محمد بالايجاب بكل جديه ، بينما أستكمل الرئيس مصافحه طارق ووليد وخالد مداعبهم بكلمات مشجعه ، ثم جلس الرئيس بينما نظرات الاعجاب وعدم التصديق مما يحدث تفضح الطيارين .
فبدأ الرئيس حديثه بعد ان أشعل سيجارة (( انا حبيت اقابل الاشباح اللي مجنيين اليهود )) فتبسم الطيارين على استحياء من مجامله الرئيس الذي استكمل
(( المفروض اني كنت اقابلكم في ديسمبر الجاي لكن من اسبوع ، كنت بتفرج على التحقيق مع الطيارين الاسري اللي اتكلموا عنكم بكل احترام )) ثم سكت فجأه وقال (( انتوا مش بتدخنوا ليه ؟؟؟ دا انتوا حريقه سجاير زي ما سمعت )) فنظر الطيارين لبعضهم البعض ، وسرعان ما أشعل احمد سيجارة وتبعه الاخرون ، بينما أستكمل الرئيس حديثه ((لما شفت فيلم الاسري قلت لازم أشوفكم في اقرب فرصه عشان احييكم على دوركم الكبير)) وبينما الطيارين صامتين يتابعون في شغف وإعجاب كل كلمه من كلامات الرئيس ، واصل الرجل حديثه بهدوء (( الايام دي الفريق بغدادي حاطط جدول عشان اقابل قاده الاسراب والطيارين وزي ما قلت كان دوركم زي ما أتقال لي في ديسمبر لكن انا أستعجلت اللقاء ده ، وبصراحه يا ولاد – مصر فخورة بكم وبكل ما تقدمونه للبلد )) فرد احمد (( ده واجبنا يا فندم ، واحنا مستعدين نموت واحنا بنقوم بواجبنا )) فتبسم الرئيس قائلا (( هيه دي الروح اللي لازم تكون موجوده في كل واحد في الجيش )) ثم غير الرئيس مسار الحوار متسائلا (( اخبار الميج 21 بعد التعديل ايه ؟؟))
فرد أحمد (( كويسه يا فندم – كله كويس ))
فظهر نظرات عتاب على وجه الرئيس (( الكلام ده يا احمد كان زمان قبل النكسه – مش دلوقت ...... انا عارف انكم شاركتم بالافكار في تطوير الميج ، فعايز اعرف رأيكم الصريح فيها بعد التعديلات دي ، وارجوكم ... مش عايز كلام مدح وخلاص ..... عايز كلام ناس فاهمه ومجربه واشتبكت مع العدو كتير ))
فطلب احمد من طارق ومحمد الاجابه عن هذا التساؤل ، وطال النقاش بين الطيارين والرئيس حول امور فنيه بحته تدخل فيها الرئيس، فظهر للرجال ان لدي الرئيس خلفيه كبيرة عن كل خطوه من خطوات التطوير، وفي لحظه صمت لالتقاط الانفاس
قال الرئيس (( يعني من كلامكم كده اننا ممكن نخش الحرب بالميج ونحقق نتائج ؟))
فرد الجميع ايجابا ، ثم عرض الرئيس الاجابه عن اي تساؤلات خاصه بالطيارين ، وبعد ان وضع احد الخدم اكواب العصير امام الطيارين وانصرف ، تساءل محمد بصوت قلق ((أحنا هنحارب بجد يا ريس ؟؟ يعني هنعبر القناه ونحرر سينا ؟؟؟))
الرئيس مبتسما (( طبعا بأذن الله ))
فتساءل عمر محرجا (( طب ليه يا ريس قبلت وقف اطلاق النار؟))
فتبسم الرئيس (( الموضوع ده أخذ مني وقت كبير جدا في الدراسه وعمل حسابات مختلفه ، فلما سألت القاده ، هل أستمرار حرب الاستنزاف هيحقق اهدافنا أختلفت ارائهم ، ومحدش اداني رأي محدد – فعلشان نخش مرحله التحرير لازم اولا نقدر ندخل الصواريخ للجبهه عشان تحمي القوات اللي هتعبر ، انا مقبلتش وقف اطلاق النار الا عشان نستعد لمرحله التحرير والفريق فوزي جهز الخطط ، فاضل اختيار التوقيت وده مش هيكون بعد فترة كبيرة ))
فتحمس الطيارين من كلام الرئيس وتساءل عمر مرة اخري (( يعني وقف اطلاق النار كان عشان ناخذ نفسنا بس ؟))
الرئيس (( لا يا عمر مش كده بس ، عشان اقدر ادخل الصواريخ للجبهه عشان الجيش يقدر يعبر في حمايتها كمان وده مهم جدا لنجاح التحرير ))
ثم تطرق الرئيس بعد ذلك لامور اجتماعيه وانسانيه تخص الطيارين مبتعدا في حديثه عن الحرب وويلاتها ، وفي نهايه الحوار أخبرهم الرئيس بأنه قرر منح السرب نوط الواجب العسكري تقديرا من مصر لاداء طياري السرب 77 قتال
وقبل منتصف الليل بقليل انصرف الرجال في نشوة كبيرة تاركين الرئيس ليقرأ عده تقارير وردت اليه .
وعند ركوبهم السيارات أعطي السائق لاحمد مظروفا وجد بداخله أمرا باجازة اسبوع ساريه المفعول من نفس الليله لكل طياري السرب
كانت اول اجازة فعليه يستمتع بها الرجال منذ 14 مايو 1967 ، فبالنسبه لاحمد فقد أحس بالراحه والحاجه للنوم ، نظرا لوقف اطلاق النار والهدوء على الجبهه مما ساعد عقله على الاسترخاء التام وليتواصل مره اخري مع عائلته التي غابت عن تفكيرة طوال فترة حرب الاستنزاف ، حتي الاجازات الخاطفه التي قام بها ، فكان ذهنه مشغولا بالسرب ورفاقه والحرب الدائرة
اما عمر وطارق فقد انطلق كل منهم الي الاسكندريه، فعمر أصطحب زوجته ناديه سريعا الي الاسكندريه للاستجمام والراحه ، اما طارق فقد لحق بعائلته في المعموره ، ليعود لنفس الشاطئ ، ويلتقي بأصدقائه القدامي مرة اخري وينسي لفترة ما الحرب والقتلي والاشتباكات والموت الذي يحيط به في كل لحظه .
كذلك عاد وليد وخالد لعائلاتهم لا يطمعون في شئ أكثر من الخلود للراحه النفسيه والجسمانيه
بعد ان اعطي لقاء الرئيس لمعنوياتهم دفعه كبيرة جدا ، فقد خرجوا من تلك المعارك اشخاص مختلفين تماما ، فقد أصبحوا ذوي خبرة كبيرة في القتال الجوي ، وأصبح الموت لهم لا يعني شئ نظرا لتواجده معه دائما سواء على الارض او في السماء ، فقد أصبح صديقا لهم لا يخافونه بقدر ما يخافون من تأخر الحرب ، فقد كان النصر أهم لهم من أي شئ أخر على وجه الارض ، ومحو عار الهزيمه وعوده الكرامه للشعب وجيشه وقواتهم الجويه، وكان ذلك يضغط عليهم جدا ، فرغم مرور سنوات الا ان احدا لم ينسي الهزيمه واثاراها الشخصيه والعامه ، فقد أختلف الشعب بعد الهزيمه عن قبلها ، وكان كل طيار يري ذلك في ساعات الاجازة القليله بوضوح تام ، فكان للهزيمه أثر عجيب جدا على افراد الشعب بكل طبقاته، فبينما رفض أغلب الشعب الهزيمه واعلن الصمود ، الا ان هنالك الكثيرين ممن رفضوا الهزيمه عادوا واعلنوا الاستسلام والهرب خارج البلد الي اوروبا للعمل او التسول هروبا من واقع مر في مصر ، وهناك وقعوا فريسه سهله جدا جدا في يد المخابرات الاسرائيليه وعصابات التهريب المنظم ، وعاد منهم عددا لمصر كأعداء هدفهم قلب مصر وظهر الجيش المصري يحفرون تحت اقدامه لاخلال توازنه ، ومنهم من لم يعد ولم يعرف مصيرة ، كان هذا ما حل بالذين اختاروا الهروب من الواقع المرير في مصر الي اوروبا طمعا في مستقبل أفضل ، أما الفئه التي أستسلمت للهزيمه وظلت في مصر ، فقد أتخذت كل الطرق الغير مشروعه للهروب من الواقع من مخدرات وفساد اخلاقي ، مما جعلها هي الاخري تحفر تحت اقدام الجيش لتخل بتوازنه بعدما تعالت اصوات تلك الفئه مطالبه بعدم الحرب لعدم جدواها وبالتسليم بأن اسرائيل قوة لا تقهر ، ويجب التنازل عن سيناء مقابل ان نعيش في أمان .
من أستسلموا للهزيمه لم يروا اي جانب مشرق في المستقبل ولم يروا الرجال يعملون ليل نهار لدرء العدوان والدفاع عن مصر ، بل لم تري تلك الفئه النجاحات العسكريه طوال ثلاث اعوام من القتال المستمر ، لم تسمع عن تضحيات الرجال بطول القناه وداخل سيناء وفي كل شبر بمصر لكي يثبتوا للعالم ولانفسهم انهم يحق لهم الحياه في كرامه وشمم .
تلك الفئه المهزومه من المجتمع شاهدها عمر وناديه على شواطئ العجمي بالاسكندريه وشاهدها طارق بالمعمورة في وسط موسم المصيف ، وكانت حوار طارق معهم غير ذي جدوي ، فالانهزاميه والاستسلام يغلف كل كلمه من كلمتاهم ، واليأس والاحباط يملئ نبرات اصواتهم ، مما دفعهم لنسيان ذلك الواقع بكل المحرمات الممكنه ، فقد فتحت الهزيمه بابا كبيرا للفساد الاخلاقي لكي يدخل منه الي كل فئات المجتمع وينهش لحم الصغار والكبار بدعوي نسيان الهزيمه ، غير واعيين لان نسيان الهزيمه يكون على خط النار على ضفه القناه وليس في حفلات المخدرات ، أما (( النسر الاصلع )) فقد عاد لبورسعيد مدينه الصمود ، ليجد الشعب المقاوم البطل ، يعيش بين اطلال ماتبقي من المباني ، يعيش سعيدا مجاهدا ، وعلى جدران المباني تجد شعارات الحرب والمقاومه تصرخ بكل عزة بأن النصر قادم لا محاله ، لا يحزنهم كساد تجارتهم او تهدم منازلهم ، فهم شعب ولد ليعيش حرا ومنتصرا ولا تهزة الانكسارات بقدر ما تقويه .
الفصل العاشر : إنقلاب
إنقلاب تام أحس به طيارو السرب 77 بعد عودتهم لمطارهم السري في اواخر أغسطس 1970
فقد أنعكست حاله الهدوء علي الجبهه وتماسك وقف إطلاق النار الي حاله أسترخاء وسط الفنيين والجنود وبدأ هذا الاسترخاء يتسرب الي نفس الطيارين حتي أحمد نفسه تأثر بذلك ، ولعده أيام ظل الرجال علي الارض بدون طلعات مما سرب الي نفوسهم الملل ، في تلك الايام أجتمع احمد مع قيادات القوات الجويه والتي ابلغته بضرورة الاستعداد للانتقال مع رجال السرب الي احد مطارات الدلتا ، حيث أدي السرب دورة المطلوب منه كاملا في الخطوط الاماميه ، وحتي انتهاء وقف أطلاق النار فأن السرب سيتدرب فوق الدلتا والصحراء الغربيه ، وبالفعل عاد أحمد لقاعدته وأبلغ الرجال بذلك ، ووسط حزن اهالي كفر نور غادرت عشرات السيارات حامله الفنيين ومعداتهم والوقود والذخائر في نفس الوقت الذي أقلعت طائرات السرب لاخر مرة متجهه غربا ، نحو مطار حقيقي سيعمل منه السرب بعد ذلك ، وبناء علي تعليمات احمد ، فقد قام السرب بدورتين حول كفر نور للتحيه والوداع.
وقبل استقراراة في مطارة الجديد ، وجد احمد ان السرب تم تنظيمه داخل تنظيم اللواء 104 دفاع جوي والذي يتمركز في عده مطارات بالدلتا ومهمته الدفاع الجوي عن الدلتا والقناه ، وبه أكفأ طياري المقاتلات في مصر.
كانت سمعه السرب 77 تسبقه قبل وصوله الي مطارة الجديد ، وأستعد جميع الطيارين لاستقبال هؤلاء النسور الذين أطلق عليهم اليهود لقب الاشباح وقد شاع هذا اللقب بين اوساط الطيارين ، وأصطف عدد من الطيارين بالمطار الجديد لاستقبال نسور السرب 77 وهو يهبطون علي الممر ، وأول ما لفت انتباه الجميع علي الارض ، هو ان طائرات السرب هبطت علي مسافه صغيرة جدا من الممر واندفعت نحو الدشم المخصصه لها في سرعه كبيرة ،وعلي الفور أستعد بقيه الطيارين لاستقبال سيارة النسور التي سرعان ما وصلت الي حيث غرفه الطيارين ، نزل أحمد ومن خلفه طياريه ، كان احمد علي علم بأنه سيكون قائدا لسرب الاعتراض الجوي بالمطار ، والذي يتواجد به عدد قليل من طائرات السوخوي الاستطلاعيه وطائرات اليوشن 28 القاذفه المتوسطه ، أٌستقبل الطيارين أحمد وزملائه بكل حفاوة وقاموا بالتعارف سريعا.
وفي المساء وكعادتهم منذ بدء الحرب ،أجتمع احمد بطياريه لوضع الخطوط العريضه للمرحله المقبله وطبقا للمخطط فانها ستشمل تدريبات قويه جدا تبعا لتعليمات رئيس الاركان الذي زارهم في اليوم نفسه ليشد من ازرهم ويراجع علي تنسيق التعاون بين السرب وبيقيه الاسراب في المطارات المجاورة .
كان فضول بقيه الطيارين في المطار شديدا جدا لمعرفه قصص السرب 77 وبطولاته لكن طياري السرب كانوا حائطا منيعا من السريه كما تعلموا في بدايه تشكيل السرب ، فلم يفلح اي من الطياري الاخرين في معرفه اي شئ من احمد او زملائه عما قاموا به .
وعلي الجانب الاخر ، نجد ان احمد حافظ علي تركيز طياريه الشديد في التدريب علي الاقلاع والهبوط السريع وسط اعجاب بقيه الطيارين من براعه هؤلاء الطيارين في التحرك علي الممرات بسرعه تجاه الدشم المخصصه لهم ، والاقلاع السريع جدا
وبعد عده الايام بينما رجال السرب مجتمعين في الغرفه المخصصه لهم بالمطار يتناقشون، دخل أحد الجنود مهرولا ليخبرهم بأن الاذاعه تذيع علي كل تردداتها قرأناَ وكذلك التلفزيون !!
فتعجب الرجال وأسرع عمر الي جهازة الصغير ، ليتأكد الجميع من الخبر ، وبعد فترة صمت وقلق عن سبب ذلك ، خرج صوت المذيع حزينا يقدم نائب الرئيس – السيد انور السادات .
فنظر محمد لاحمد ، فوجد الدموع تترقرق في عيني أحمد وتأبي أن تنهمر ، وبدأ صوت السيد السادات يحمل حزنا وهو ينعي الرئيس عبد الناصر..
عم الصمت جنبات الغرفه للحظات ، رغم ان هؤلاء الرجال المتميزين بسرعه رد الفعل العالي جدا فهم لم يتمكنوا من فهم ما يحدث او بالاحري لم يستوعب عقلهم تلك الكلمات التي ينقلها المذياع .
كان صوت النحيب يخرج من الراديو بجوار صوت السيد السادات المتحشرج والذي وضح انه يجاهد لكي يكمل ما يقرأه بصعوبه بالغ .
وبعد ثوان خرج صوت عمر يشق الصمت ويرج الغرفه رجا وهو يصيح في لوعه (( لا)) ، واندفع محطما نافذه الغرفه بقبضه يده في لوعه والم شديدين ، هب أحمد من مكانه ليمسك بيد عمر الملطخه بالدماء ، وينظر عمر الي عيني احمد غير مصدق ، فلا يري غير الدموع تنهمر ببطء فيتأكد مما يقاومه عقله
(( مش معقول يا فندم – مش معقول )) قالها عمر في حسرة ، ثم ارتمي في أحضان احمد باكيا كطفل صغير ، وشاركهم وليد وخالد في البكاء ، أما محمد فقد وضع رأسه بين يديه وأطلق العنان لدموع متحجرة منذ اعوام ، بينما طارق أستند علي حائط يعلوة صورة الرئيس عبد الناصر ، وفي صمت نزفت عينيه شلالا من الدموع اللا نهائيه .
عم المطار حاله من الانهيار التام بين افراده ، فالرجل الذي كان والدهم والذين عاشوا معه احلي أيام وأقسي أيام قد رحل بلا رجعه ، الرجل الذي علمهم معني الكرامه والكبرياء والحريه مات
فكر عقل احمد لبرهه في التمالك والتماسك ، لكل قلبه كان ينزف بضراوة فأنهارت دفاعته امام الاحساس الفجائي الذي ملئه بالخوف .
هو نفس أحساس الطفل الذي يفقد والده وسنده وظهرة الذي يلجأ اليه وقت الشده ، وها هو يقف وحيدا في صحراء مليئه بالضباع والذئاب والتي تستعد لمهاجمته في اي وقت ، فكيف يدافع عن نفسه وعبد الناصر قد مات ، كيف يقاتل وحده الان .
أحساس قاتل للرجال ملئهم رعبا وهلعا ، كان طارق اول من تحدث بصعوبه بالغه منهيا صمت الغرفه
(( أستغفر الله العظيم – بس انا كان عندي احساس مليني إن الريس مش ممكن يموت !!!)) ويلي ذلك حاله اخري من الصمت والبكاء
يرد وليد (( دا احنا كنا لسه معاه من اسبوعين، خلاص مش هنشوفه تاني بالبساطه دي؟ ))
خالد (( النكسه موتته – حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عملوا فينا كده ))
صوت محمد من خلف يديه (( وحدوا الله يا جماعه )) فتتعالي عبارات التوحيد من الرجال ، فيستكمل
محمد (( الموت علينا حق ، ولازم نتماسك ومنكفرش بربنا )) فتعالت عبارات الاستغفار من فم رجال كسرهم خبر وفاه رجل وأب وزعيم لهم جميعا ، فلا غريب ان يحسوا جميعا بالخواء وعدم الامان .
وليلا ينزوي كل منهم في غرفته صامتا حزينا باكيا مفكرا في المستقبل الذي ازداد اظلاما بعد رحيل الرئيس ، وتأتي أشاره عاجله من القياده برفع حاله الاستعداد للدرجه القصوي تخوفا من أستغلال أسرائيل لانهيار معنويات الجيش وتقوم بخرق وقف اطلاق النار ، دار في عقل احمد منطقيه ما تفكر فيه القياده ، لكن اللا منطقي هنا هو وضع طياريه بحالتهم السيئه تلك في حاله أستعداد قصوي ،فأمضي جزء من الليل مفكرا في حل لهذه المشكله .
ومع اول ضوء لبس ملابس الطيران ، وأخبر رجاله بالتعليمات الجديده وامرهم بنسيان ما حدث بالامس وأمضي وقتا في خطبه لشد ازر رجاله وختمها بقوله (( انا هاكون في طيارتي حاله اولي ،وبعد عشر دقايق عايز كل واحد منكم يجهز ويكون في طيارته – عبد الناصر مات وعايزنا ننتصر ، ومش هننتصر واحدنا قاعدين نعيط عليه ، لا هننتصر واحنا في طياراتنا جاهزين ومستعدين لاي عدو )) ثم انصرف بسرعه مغادرا الغرفه نحو طائرته .
لم يفكر اي منهم في ما قاله احمد ، فبداخل كل منهم عزيمه وقوة وايمان بالواجب ، لكن جلال الخبر هز الرجال من اعماق اعماقهم بكل عنف وقوة ، فبعد ثوان من مغادرة احمد ، تحرك كل منهم بدون ان ينظر للاخر خارجين من الغرفه حاملين خوذاتهم بتثاقل كبير متجهين نحو دشم طائراتهم .
قطع محمد الصمت (( انا هاكون حاله اولي مع كابتن احمد )) ولم يرد احد من طياري السرب ، انما أتجههوا نحو طائراتهم في صمت ، تابعه صمت اخر وحزن من الفنيين ، فالجميع يعمل بجهد وعرق لكن بلا روح فالحزن يملئ الوجوة والاعين في وضوح تام .
أستمع احمد في اللاسلكي الي تبليغات القياده المتتابعه بعدم وجود نشاط جوي يذكر علي الجبهه ، ومع مرور الوقت أبلغ احمد قيادته بأنه سيخرج عدد من الدوريات المقاتله فوق منطقه عمليات السرب فوافقت القياده ، فأمر عمر وطارق بالاقلاع في دوريه قتال يليهم خالد ووليد ، وبالفعل وعلي مدار ساعه ، نظم السرب عدد من الدوريات المقاتله ، فقد كان احمد يتذكر نصيحه قائده السابق العقيد تحسين زكي في الهاء الطيارين عن همومهم الشخصيه بالطيران ، وعلي ذلك قرر ان يقوم بعمل تدريب سريع ، بينما هو ومحمد في دوريتهم امر خالد ووليد بالاقلاع السريع لاعتراض عدو وهمي والاشتباك معه ، بينما قام وهو ومحمد بدور العدو ، علي ان يظل عمر وطارق للتعزيز ، وفعلا تم التدريب علي الاشتباك الجوي وعادت الطائرات ، وفي المساء وضع احمد فرضا عليهم بتخطيط نظري لمناورة وتكتيك بين طائرة مصريه واربع طائرات معاديه بهدف خروج الطائرة المصريه من الاشتباك سالمه .
كان ذلك الهاء اخر لهم عما يسمعونه في الراديو من احزان الشعب ، بينما يتوجه الملايين من شتي بقاع مصر متجهين للقاهرة للمشاركه في وداع رئيسهم لمثواه الاخير .
كان الفرض الذي وضعه احمد شبه مستحيل نظريا ،لكنه المح لطياريه بوجود حل لهذا الفرض ، مما شغلهم لفترة ، لكن وصول اشارة من القياده قطع تركيز احمد ، كانت الاشارة تشير الي وجوب وجود مندوب من السرب للمشاركه في الجنازة في اليوم التالي ، وعند طرح الموضوع للنقاش بين طياريه أندفع الجميع بحماس طالبين المشاركه ، ولعدم حدوث أختلافات بين الرجال أقترح احمد عمل قرعه وبالفعل تم عمل القرعه ليفوز محمد بها وسط خيبه امل من الجميع .
وفي اليوم التالي تابع الجميع الجنازة علي الهواء مباشرة ، فبينما قبع احمد في طائرته ومعه طارق في طائرات الاستعداد ، فأن عمر قد أصطحب الراديو الخاص به تحت جناح طائرته وشاركه وليد وخالد
وبينما شمس الخريف تلفح وجوة الرجال في ثبات ، فقد أستمعوا الي أصوات المذيعيين الباكيين يصفون المشهد الجلل الذي تدور وقائعه في قلب القاهرة حيث غلب صوت الملايين من المواطنين علي صوت المذيع وهم يرددون بدون اتفاق مسبق اغنيه واحده (( الوداع يا جمال يا حبيب الملايين )) فانهمرت الدموع من الطيارين بينما يسمعون الشعب يودع زعيمه ، وأستمر الحال علي هذا المنوال حتي نهايه الجنازة قرب المغرب ، وبعد عده ساعات عاد محمد في حاله رثه جدا ، واخبرهم ان الجنازة الرسميه قد اختفت بعد دقائق فقط ، حيث اندمج الشعب وسط الجنود والضباط ، وذاب هو وسط حشود البشر الباكيه ،وظل يسير وراء النعش لمسافه طويله حتي وصل لمثواه الاخير بصعوبه بالغه
مر يومين علي جنازة الرئيس عبد الناصر ووضحت الصورة بأن انور السادات أصبح الرئيس الجديد
وهو ما كان موضوع مناقشات الرجال في اوقات الراحه.
وبعد عده أسابيع من الهدوء تم تعديل البرنامج التدريبي للسرب ، فقد أشترك السرب في عده مناورات للقوات البريه وتم تخصيص السرب للقيام بدور العدو الجوي ، لكي يرفع من مستوي بقيه الطيارين .
وبالفعل أشترك السرب في عده طلعات ضد طائرات مصريه ، ووضح وجود طيارين متميزين جدا في بقيه الاسراب ، فقد أستطاع احد الطيارين اصابه أحمد قائد السرب ، بينما أستطاع أخر اصابه محمد مما يعني أرتفاع مستوي بقيه الطيارين بصورة كبيرة ، عما كانوا عليه من سنوات مضت .
وفي بدايه عام 1971 اعلن الرئيس السادات ان عام 71 هو عام الحسم ، وبالفعل كانت الاستعدادات في القوات الجويه تسير علي أساس وجود حرب في نفس العام .
ومع تمدد وقف إطلاق النار بصورة غير رسميه ، فقد وصلت القوات المصريه الي حاله اللا سلم واللا حرب ، فالاشتباك مع العدو في حاله الرد فقط ولا يسمح بأي اعمل هجوميه مع العدو ، وكانت المجموعه 39 صاعقه هي الوحيده المسموح لها العبور ومهاجمه العدو ، تحت ستار اعمال مقاومه يقوم بها عرب سيناء ، بعد ان اصبح اسمها الرسمي (( منظمه سيناء العربيه ))
وفي منتصف مايو 1971 أطاح السادات بمن اسماهم بمراكز القوي والتي كانت تخطط للاطاحه به ،وأصبح انفراده بالحكم واقعا ، وفي تعليقه علي ذلك اثناء اجتماع مع قاده الاسراب في يونيو ، ذكر الرئيس السادات ان هذه المجموعه حاولت الانقلاب عليه وانهم كانوا يتصنتون علي تليفونه الخاص وانه رفض أن تكون تلك المجموعه بمثابه اوصياء عليه ، وبسؤال الرئيس عن موعد معركه التحرير ،بدأ الرئيس يتعلل بأن الوقت غير مناسب نظرا لان السوفيت لم يوفوا بتعهداتهم لعبد الناصر بشأن توريد الاسلحه وان الجيش المصري يعاني من نقص في الدبابات ووسائل الحرب الالكترونيه وطائرات الردع التكتيكيه TU 16 .
كانت محصله الاجتماع يسمعها الطيارين نقلا عن احمد والذي كان الغضب يملئه وهو يحكي وشاركه الجميع
(( يعني مش هنحارب .... )) قالها محمد غاضبا بشده وتابعه الباقي من الطيارين الا ان طارق كان لديه وجهه نظر مختلفه عندما قال (( يا جماعه – احنا ترس في منظومه فيها فوق المليون ترس وزي خليه النحل ، احنا النحل الشغال بنفذ الاوامر بس مش بنصنعها )) عمر متسائلا (( تقصد ايه ؟))
طارق (( الغضب والاعتراض مش هيجيب نتيجه – احنا دورنا نتدرب ونتدرب ونتدرب وننتظر الاوامر عشان لما تصدر ،ولو حتي بعد سنه ، نكون جاهزين لها )) صمت الجميع ، وإن كان صوت العقول التي تفكر بقوة يتعالي عاليا في ارجاء الغرفه .
وكما توقع محمد ، فقد حل اول سنه 72 بدون حرب ، وإن كانت التدريبات مستمرة بقوة ولا يكاد يمر يوم بدون طلعات تدريب .
وفي أبريل 72 تم تعيين اللواء حسني مبارك قائدا للقوات الجويه ، بدأ الرجل النشيط والمحبوب في اوساط الطيارين عمله بسرعه وأخذ التدريب مسار اقوي واعقد من قبل .
فتم البدء بتدريب السرب 77 للقيام باعمال هجوميه ، فبدلا من تحميل صواريخ جو- جو بدء في تحميل قنابل وصواريخ ، وكان ذلك جديدا علي طياري السرب الذين وصلوا لمرحله تشبع من التدريبات الجويه والاشتباكات المستمرة فتم تعيين منطقه معينه للسرب للقذف ، وقبل طلعه القذف تم اصطحاب الطيارين للمنطقه ووسط ضباط القوات الجويه تم عرض صور الهدف عليهم ، فهو مركز قياده للعدو يقع علي مسافه 40 -45 كيلو من القناه وتحميه بطاريه صواريخ هوك متطورة ، وعلي الطبيعه شاهد الطيارين بأنبهار موقع مماثل لما في الصور من منشأت المركز ومجسمات لدبابات العدو المنتظرة به ، فأعجبوا بدقه الاستطلاع والتخطيط ، وتبقي عليهم دقه التنفيذ .
وتم اعطائهم التعليمات بأن المرحله الاولي من التدريب والتي ستسمر مده ، تتضمن الطيران الطيران علي مستوي منخفض ، فتبسم وليد قائلا (( احنا فعلا متدربين علي الطيران المنخفض )) فأردف الضابط المتولي الشرح بأن ارتفاعهم المنخفض ليس كافيا وإنهم يجب ان يقللوا ارتفاعهم اكثر حتي ارتفاع 35 الي 40 متر فقط حتي يمكن الاختراق وسط الدفاعات الجويه الاسرائيليه وقصف الهدف بعد التعامل مع رادار بطاريه الصواريخ اولا لتعطيل البطاريه ، وتم وضع الاهداف والخرائط وعاد احمد ورفاقه الي مطارهم لدراسه الخرائط والتخطيط للتنفيذ.
في اليوم التالي قام السرب بطلعه استطلاعيه فوق هدفهم التدريبي ومعاينته قبل ان يعود السرب للمطار مرة اخري لدراسه الطريق مرة اخري .
في تلك الليله حضر الدمنهوري لزيارتهم لاول مرة منذ ان تركوا المطار السري منذ ما يقرب عام ونصف
فقابله الجميع بترحاب كبير جدا ، وامضي الرجال ردحا من الليل يتسامرون ويتحدثون في امور الدنيا والحياه بعيدا عن اي احاديث عسكريه .
وأضفت زيارة الدمنهوري روحا جديده علي الطيارين الذين عادوا لنشاطهم مرة اخري ، ناهيك عن كم الهدايا التي احضرها الدمنهوري للطيارين والفنيين في مختلف انحاء المطار .
وفي اليوم التالي بدأت الطلعات للتدريب علي الطيران المنخفض جدا بعد دراسه مسار السرب من مطارة حتي الهدف الحقيقي في عمق سيناء .
وبدأت مسابقه في الطيران المنخفض بين الطيارين ، و برز محمد متقدما علي الجميع ، فطائرته تكاد تلمس قمم الاشجار في فدائيه وتابعه بقيه الطيارين لكن بشئ من الخوف .
ومع توالي التدريبات في يوليو1972 فوجئ الجميع بقرار الرئيس السادات بطرد الخبراء السوفيت من مصر ، وتباينت ردود الافعال بين الطيارين ،فبينما يري احمد ان السادات لن يحارب وانه اوضحها صريحه الان بعد طرد السوفيت وشاركه معظم الطيارين في ذلك ، الا ان محمد كعادته كان له رأيا أخرا ، فهو يري ان خروج السوفيت مكسب لمصر حيث ان السوفيت عامل هدام وليس بناء داخل الجيش المصري وعلل ذلك بأنهم يضربون اهم ما تستند عليه اي قوة مسلحه الا وهي روحها المعنويه ، وانهم يضربون روحنا المعنويه في مقتل ،وأستمر النقاش حتي أمر أحمد طياريه بالاستعداد لطلعه تدريب اخري قبل اخر ضوء، وأقلعت الطائرات متجهه لهدفها التدريب وهي محمله بالقنابل وعلي ارتفاع منخفض جدا ، ثم عادت لمطارها مرة اخري بعد عمل قصف وهمي للهدف .
في ذلك الوقت كان احمد قد استقر علي خطته لتنفيذ الهجوم ،وشارك الطيارين فيها لاول مرة
(( طيارة مننا هتسبق علي اقل ارتفاع وتضرب رادار الهوك ، وتفتح لباقي الطيارات ممر نقدر نشتغل منه فوق الهدف ، لاننا ممكن نلاقي نفسنا مضطرين لعمل دورة تانيه حول الهدف وضربه مرة تانيه ، والدورة التانيه دي هتعني تزايد احتمالات الضرب علينا واصابتنا )) ثم واصل شرحه التفصيلات
(( الطيارة المخترقه الاولي ومعها طيارة تانيه هيكون معاهم صواريخ جو جو كمان ، عشان يحموا الطيارات الاربعه الباقيين اللي مهمتهم الوحيده دك الهدف بكل قوة ))
توالت التدريبات لفترة زمنيه اخري وسط متابعه قاده القوات الجويه ، حتي وصل السرب لدخول منطقه الهدف علي ارتفاع 20 متر فقط ، وهو ما يعد رقما مستحيلا يتطلب مهارة عاليه
وفورا تم الانتقال للمرحله الثانيه الا وهي القذف الفعلي للهدف وتنفيذ الهجوم بالذخيرة الحيه
تطوع محمد للقيام بدور الهجوم الابتدائي المنفرد ضد رادار بطاريه الهوك ووافق احمد علي ذلك ، علي ان يقوم طارق بحمايه السرب من اي تدخل جوي .
وأقلعت الطائرات واتخذت مسارها علي ارتفاع منخفض ، وقرب نقطه تماثل قناه السويس ، انخفضت الطائرات اكثر وقللت من سرعتها تاركه محمد يتقدم في الامام ، وبالفعل اتخذ محمد المقدمه بأقصي سرعه حتي وصل لمنطقه الهدف وقذف الرادار ، وسمعه احمد في اللاسلكي
(( النسر الاصلع فتح الطريق للاشباح )) فرد أحمد (( الاشباح في الطريق ، واصل الحمايه – انتهي ))
وقرب الهدف ارتفعت الطائرات بزاويه كبيرة لتكتسب ارتفاعا ، وبتنسيق ومهارة ، عادت وانقضت علي اهدافها ، فتم تدمير المبني الذي يمثل مقر القياده الاسرائيلي بأصابات مركزة ، ثم التحم السرب عائدا بينما طارق ومحمد يحميان مؤخرة السرب
وليلا وصلت للمطار اشارة بنتائج التدريب وانها ممتازة جدا ، وختمت الاشارة بضروة استمرار التدريب علي نفس الهدف يوميا يتخلله مرة واحده اسبوعيا بالذخيرة الحيه
وطوال الاشهر الاخيرة من عام 1972 قام السرب بـ 54 عمليه هجوم علي الهدف منها ثماني مرات قصف بالذخيرة الحيه .
وفي احد الليالي البارده ، وبينما الرجال يرتشفون الشاي في غرفه الطيارين ودخان السجائر يملئ فضاء الغرف ، نهض محمد من كرسيه صائحا بغضب (( وايه فايده التدريبات اللي تقطع الحيل دي ؟؟؟))
فقال أحمد تاركا كتاب كان في يده (( ايه مشكلتك يا محمد ؟)) فواصل محمد متذمرا (( يا فندم بقالنا خمس سنين علي الحال ده ، واليهود لسه طابقين علي نفسنا ، حتي ضرب النار عليهم بقه ممنوع ))
عمر (( العمليه بصراحه مش باين لها حرب السنه دي )) وليد (( الجيش عمال يتدرب علي العبور ، شكله بقي جاهز من مده )) خالد(( انتوا مش فاكرين الريس عبد الناصر لما قال لنا ان الحرب قربت ؟؟))
محمد (( وادينا لسه قاعدين زي الولايا منتظرين الفرج ))
أحمد (( احنا مش اتفقنا من فترة اننا منتظرين الامر وملناش يد في اعطاء الامر ؟ صح ولا لأ؟؟))
محمد متذمرا (( بس خلاص زهقنا كلنا من القعده دي ))
أحمد منهيا الحوار (( كله بأمر الله متنساش كده ))
رد: مذكرات حرب اكتوبر ( السرب 77 قتال ) مذكرات قائد تشكيل السرب 77 قتال
الفصل الاخير : الاشباح تقود الطريق
اول طائرة ميراج فرنسيه الصنع في القوات الجويه المصريه
عاد أحمد من اجازته الي المطار قبل أذان المغرب بلحظات قليله ، ليفطر مع طياريه في ثاني أيام شهر رمضان المعظم عام 1973 ، ووسط الجو الرمضاني البديع ، أفطر الرجال وجلسوا يدخنون السجائر في استرخاء، وتحدث احمد قليلا عن المشروع التدريبي تحرير 23 والذي سيبدأ بعد أيام ، وقتها تناقش الجميع عن تلك المشروعات التدريبيه والعائد منها
فقال محمد (( بقالنا ست سنين والجيش بيدرب ، بس مش باين اننا هنحارب ))
فتابع طارق (( هنحارب ازاي ؟؟ - الجيش مسترخي وسرحوا جزء من الاحتياطي كمان ))
وأستكمل طارق (( وفتحوا باب عمرة رمضان للضباط كمان ))
فتدخل عمر (( ما انا قدمت عشان اطلع العمرة السنه دي مع مراتي ))
وليد ((الواحد يطلع بطيارته ويروح ضارب له صاروخين علي خط بارليف،عشان الناس هنا تصحا ، والحرب تقوم )) فضحك الجميع من فكرة وليد ، وتابع محمد (( تصحا مين يا وليد – السادات شكله مش بتاع حرب ، حجته ايه دلوقت ؟؟ القاذفات الثقيله وصلت ، واحنا جاهزين ، هتبقي حجته ايه ؟؟))
فتهكم عمر (( ما هو سنه الحسم عدت من سنتين ، والسنه اللي فاتت قال ان الضباب هو اللي منع الحرب ومره تانيه قال ان الحرب الهنديه الباكستانيه هي التي عطلت الحرب ، انا مش فاهم الراجل ده عايز ايه ؟؟ طب طالما مش هنحارب يبقي يقولنا عشان نستريح ))
كان احمد يستمع بصمت وبدون أن يعلق ، فبداخله ثورة تكاد تقتله قتلا من جراء الكبت ، فالتدريبات أصبحت تبعث علي الملل ومكرره والسيطرة علي اعصاب طياريه أصبح امرا صعبا جدا
في نفس الليله وصلت أشارة من غرفه عمليات القوات الجويه ، بأستعداد الطيارين صباح اليوم التالي للسفر الي ليبيا ، فتساءل الطيارين عن السبب مندهشين ؟
وفي اليوم التالي استقل الطيارين طائرة نقل عسكريه هبطت بهم بعد ساعتين في قاعده جمال عبد الناصر الليبيه ، وفور خروجهم من الطائرة ظهرت نظرات الدهشه وعدم التصديق علي الوجوة ، فأمامهم قبعت علي الارض عدد من الطائرات الميراج ، ومازاد دهشتهم انها بالالوان المصريه الصحراويه ، ويزين الذيل العلم المصري بالالوانه الثلاث.
نظر الطيارين لبعضهم البعض في دهشه ، فهم لم يعرفوا ان مصر لديها تلك الطائرات المماثله لما لدي اسرائيل ، التي يشكل دخولها في المعركه القادمه تدعيما كبيرا للقوة الاعتراضيه المصريه .
وطوال اليوم تحاور طياري السرب مع نظرائهم المصريين والليبين حول تلك الطائرة وخصائصها ومميزاتها وعيوبها ،
وأستمتع الطيارون ببضعه دقائق داخل كابينه الطائرة والتي وضح انها اكثر راحه للطيار من نظيرتها السوفيتيه ، وأتضح ان الطيارين المصريين سافروا لفرنسا بجوازات سفر ليبيه للتدريب علي تلك الطائرة ، وقام هؤلاء الطيارين بشرح خصائص تلك الطائرة من الداخل .
وفي المساء عاد الرجال الي مطارهم ، وقد أثرت تلك الزياره علي معنوياتهم بإيجاب شديد ، وزادت من معرفتهم بخصائص الميراج ونقاط ضعفها .
وفي الخامس من رمضان والذي وافق الاول من اكتوبر لعام 1973 بدأت التحضيرات للمشروع التدريبي والذي ستقوم به القوات المسلحه باكملها مثلما قامت به العام الماضي في توقيت مماثل، وتم وضع خرائط المشروع والتعليمات الخاصه به علي طاوله العمليات ، وتم رفع درجه الاستعداد في المطار .
وطوال اليومين التاليين نفذت طائرات الاستطلاع والقاذفات بالمطار عده طلعات تدريبيه لخدمه اغراض المشروع ، ونفذ السرب 77 عده طلعات تدريبيه علي ارتفاع منخفض جدا كما تم تدريبه في الاعوام السابقه.
وليله الاربعاء الثالث من أكتوبر ،تم أستدعاء احمد الي القياده ، حيث أستلم مظروفين مختومين بالشمع الاحمر وتم التأكيد عليه بفتح المظروف الذي يحمل الكلمه الكوديه عند تبليغه بها ، وسأل احمد عن الهدف من ذلك فقيل له بأن ذلك تدريب علي تنفيذ المشروع تحرير الجاري العمل به الان ولضمان السريه .
وفي اليوم التالي وصلت رساله شفريه في الصباح وعندما فك رموزها ايهاب ، وجد بها أستدعاء أخر لاحمد لمقابله اللواء صلاح المناوي رئيس هيئه العمليات مساء اليوم التالي
وفي صبيحه الجمعه الخامس من أكتوبر كان احمد يدخل مكتب اللواء المناوي ، وبعد دقائق خرج احمد من المكتب وبداخله فيضان عارم من المشاعر والاحاسيس الفياضه التي يجب عليه كتمانها مهما كان الثمن ،فأستند علي الحائط لكي يلتقط انفاسه المتلاحقه / وطوال الطريق الي مطارة كانت عينيه تشعان نورا غريبا لم يلاحظه احمد بالطبع لكن لاحظه طياريه فور دخوله عليهم ، وبدون ان يترك لهم فرصه للسؤال ، قال بلهجه امرة لا تحتمل نقاش (( وليد – عمر – طارق – محمد – خالد جهزوا نفسكم هتنزلوا اجازة 48 ساعه دلوقت ))
ووسط دهشه الرجال من الامر وطريقته وكذلك وجهه احمد المستنير بشكل عجيب ، وسط كل تلك الدهشه أكمل احمد اوامرة (( كل واحد لما يجهز يعدي علي مكتبي قبل ما يمشي )) فنفذ الطيارين الامر
وفي ممرات المبني توقفوا (( ايه ده ؟؟ حد فاهم حاجه )) تساءل وليد ورد خالد (( الكابتن احمد عارف حاجه ومش عايز يقولنا عليها )) محمد (( حاجه زي ايه ؟؟)) طارق (( انتوا مش شايفين وشه فرحان ازاي ؟؟ اكنه عرف حاجه )) عمر (( يبقي هنحارب ))
محمد (( نحارب ايه بس ، ده بيقولك ننزل اجازة ، تقول انت هنحارب ))
خالد (( والعمل ))
طارق مستسلما (( يا خبر النهارده بفلوس بكرة يبقي ببلاش ))
وبعد دقائق دخل الطيارين علي احمد وقد جهزوا انفسهم للاجازة ، فأخرج أحمد عده مظروفات يحمل كل منهم أسم طيار من الطيارين وتحت الاسم موعد محدد ، فبادر احمد وملامح وجهه تشع سعاده
(( الظرف ده فيه مهمه خاصه جدا لكل واحد فيكم ، وده أمر مباشر مني ، محدش يفتح الظرف قبل الميعاد المكتوب عليه بالثانيه )) وتغيرت ملامحه للجديه (( من المهم محدش يفتح الظرف قبل الموعد المحدد فاهمين ؟)) فأوما الرجال أيجابا ، ثم امرهم احمد بالانصراف، الا ان أيا منهم لم يتحرك وتساءل عمر في فضول
(( هوا فيه ايه يا كابتن ؟؟؟)) فلم يجيب احمد بما يرضي فضول الرجال ، فواصل طارق (( بصراحه يا فندم واضح علي وشك انك تعرف حاجه ومش عايز تقولنا عليها ؟؟)) كان الخناق يضيق علي احمد من طياريه وأصدقاءة ، ففكر سريعا وقال (( المظروف اللي معاكم فيه تعليمات بمهمه سريه جدا جدا ، والتوقيت مهم جدا بشكل رهيب عشان كده انا مقدرش اقولكم عليها )) وعبثا حاول الرجال معرفه ما يدور الا ان احمد امرهم بالانصراف
وفور انصرافهم أتصل احمد برئيس الفنيين مبلغا اياه بانه سيقوم بتفتيش علي الطائرات بعد ساعه
وفي السيارة تحدث الطيارين (( انا مش عارف هاصبر ازاي لغايه الساعه 9 الصبح عشان افتح الظرف؟)) قال خالد ، فرد طارق (( انا موعدي الساعه 10 )) وكذلك بقيه الطيارين ،فالمواعيد مختلفه من واحد لاخر ، ثم تداولوا عن تلك المهمه الا ان الفشل كان النتيجه الحتميه لاي أستنتاجات
وليلا قام احمد بالتفتيش الدقيق علي جاهزيه الطائرات ووجد بعض الملاحظات الغير حيويه لكنه وجدها فرصه لابلاغ الفنيين بأنه سيقوم بتفتيش اخر في الثانيه عشر ظهر الغد ، علي ان تكون الطائرات محمله بالوقود والذخائر لتنفيذ طلعه تدريبيه بالذخيرة الحيه .
وفجأة وصل قائد القوات الجويه بسيارة جيب بمفرده وبدون مرافقين ، كانت زيارة سريعه من القائد لتفقد الاستعدادات، وتساءل هل علم احد بالموضوع ؟ فرد أحمد بالنفي ، فتبسم القائد وغادر بعد اتمامه التفتيش السريع
بعد فترة دلف لغرفته وقلبه يكاد يطير فرحا ، وسرعان ما طاردته ذكريات ست اعوام مضت فور استرخاءة ولدهشته الشديده ، لم يحس احمد بنفس الشعور البغيض الذي كان يملئه كل مرة تذكر مدحت المليجي صديقه وزميله الذي استشهد في اول ساعات القتال ، كذلك مذبحه الاسري التي ملئت قلبه كرها وحقدا في الاسرائيليين ، لكنه أحس بالسعاده لقرب لحظه الثأر لهم .
وعلي مسافه عشرات الكيلومترات من المطار، تمدد عمر في سريرة ناظرا الي بدله الطيران ، والذي يقبع بداخلها ذلك المظروف ، اهو أمر نقل الي سرب اخر ؟ ام ترقيه أو علاوة ام ماذا بالضبط ؟، تاه في التفكير لدرجه انه لم يحس بدخول ناديه الي جوارة بالسرير ، الا ان شعورا داخليا غريبا جعله يحتضنها بشوق .
اما طارق فقد وضع المظروف امامه في غرفه نومه وظل يحدق به ويديه تكاد تتحرك لتفتح المظروف ووسط الموسيقي الكلاسيكيه الهادئه ودخان السجائر المشتعله تردد أمر احمد له في عقله
((محدش يفتح الظرف قبل الموعد !!)) فانتفض واقفا في غضب واغلق اضاءه الغرفه
اما محمد فكان ذلك الظرف لا يشكل له عبئا كما شكل لزملائه الاخرين ، فقد تعود علي تنفيذ الاوامر مهما كانت ، فلم يعر هذا الموضوع اي اهتمام يذكر ، إنما امضي ليلته في تنظيف ملابسه ، وأعطي اهتماما خاصا بلباس الطيران وقفازه
السادس من أكتوبر 1973
أستيقظ محمد من نومه في الخامسه صباحا كما تعود طوال الفترة السابقه ، وتوضأ وصلي الصبح وقرب الساعه التاسعه صباحا ، لبس ملابسه العسكريه وفتح الظرف ليجد جمله واحده فقط تتوسط الصفحه
((عد الي قاعدتك فورا))
فتلألأت عينيه لوهله وايقن ان شيئا ما سيحدث ، فأسرع الي الشارع حيث أستقل سيارة خاصه توصله مباشرة الي المطار .
أما عمر فقد تسارعت دقات قلبه بصورة غريبه وهو يقرأ تلك الكلمات، وبسرعه أرتدي ملابسه وسط دهشه زوجته وانطلق الي المطار .
أما طارق فقد ارتدي بقيه ملابسه وهو في سيارته يسارع الريح متجهها نحو المطار
كانت عقارب الساعه تشير الي الحاديه عشر والنصف عندما بدأ توافد الطيارين علي المطار ، فحضر كل منهم بأسرع وسيله ، كانت وجوه الرجال تمتلئ فضول وترقب ، فوجدوة أحمد في مكتبه يقوم ببعض الاعمال المكتبيه العاديه ، وتبعا لاوامره فقد قام كل الطيارين بتغيير ملابسهم ولبس ملابس الطيران .
وفور انتهاء وصول جميع الطيارين ، كانت الساعه قد قاربت علي الثانيه عشر ظهرا ، فأجتمع احمد بهم وملامحه تملأها الجديه الكامله ، وقام بفرد خريطه سيناء علي الحائط ،بدلا من خريطه المشروع التدريبي وأستدار قائلا (( صدرت لنا الاوامر بالعبور وأ.......))
لم يكمل احمد جملته فقد قطعتها ثورة من جميع الطيارين الذين هبوا واقفين مكبرين فرحين محتضنيين بعضهم البعض ، شعور لا يمكن وصفه أحس به كل طيار ، حتي محمد الذي كانت ابتساماته وضحكاته نادرة الحدوث خلال الست سنوات الماضيه .
هرع وليد محتضنا أحمد في خضم شلالات من السعاده والفرحه والتكبير والتهليل لمصر ، ولم يستطع احمد التحكم في مشاعره او مشاعر طياريه الذين انهمرت دموع الفرع منهم بلا استثناء ، فأحتضنوا بعضهم البعض في فرحه وسعاده شديدين ، فلا يمكن بأي حال من الاحوال وصف مشاعر هؤلاء الرجال في تلك اللحظه ، فبعد ويلات ست سنوات وبعد ان تجرعوا مرارة الهزيمه طوال هذه السنوات حانت اللحظه التي يخرجون فيها ما بداخلهم من غضب وثأر وغضب وكراهيه ،فقال محمد بصوت يملئه الدموع
(( اخيرا.. أخيرا يا فندم بعد ست سنين الاوامر وصلت ؟)) عمر منفسا عما بصدرة (( يااااه ... ده زمن تاني ))
طارق بحماسه ووسط دموعه (( مش مهم كام سنه عدت ، المهم اللي جاي ، أنا مش مصدق نفسي إني عشت وشفت اليوم اللي هنرد بيه ، وبأذن الله هننتصر ))
أحمد بحماس (( بأذن الله ))
أمسك عمر بأيه الكرسي المدلاه في عنقه وقبلها ، فكل شئ يهون الان في سبيل الوطن
وبعد دقائق أمر احمد طياريه بالنظام والتركيز الشديد لانه سيقوم بالتلقين الابتدائي قائلا بحماسه شديده
(( مستعينا بالله وبرجال السرب 77 قتال ، أبدأ تلقين الضربه الجويه )) ثم اخرج مظروفا بني اللون من الخزينه الخاصه به وأستكمل
(( مهمه السرب 77 في ساعه الصفر هي تدمير مقر قياده العدو المتقدم في منطقه أم مرجم وتعطيله ، مما يؤدي الي شلل مؤقت في الاتصالات للعدو ، مما يُمَكن باقي القوات الجويه من العمل بحريه أكثر)) ثم صمت احمد لثوان ناظرا لرجاله الممتلئين حماسه وفخر وأستطرد
((مهمتنا حيويه جدا والاختيار اننا نضرب مقر القياده المتقدم كان لكفاءتنا في التدريب ، ومن المهم جدا جدا اننا نضرب مركز القياده ده ونشل الاتصالات فيه حتي يمكن لباقي الطيارات المهاجمه انها تدمر اهدافها بنجاح ))
وليد متسائلا (( وايه الاهداف وعدد الطيارات ))
أحمد (( تقريبا مائتين طيارة هتعبر القناه في وقت واحد بس احنا هنكون في المقدمه ومحمد هيكون اول واحد يعدي ويضرب عشان يفتح لنا الطريق لضرب مركز القياده المتقدم ، ولو لقدر الله مقدرناش نضرب مركز القياده ، فباقي الطيارات ممكن تقابل صعوبه لان مركز القياده هيكون أنذر المطارات الاسرائيليه في العمق ،عشان كده الثانيه لها حساب ، أما عن الاهداف العامه فقاذفتنا هتهاجم مراكز الشوشرة والاعاقه ومركزين قياده تانيين وتجمعات صواريخ هوك وتجمعات الدبابات ومناطق شئون اداريه والاتصالات، وعدد من المطارات المتقدمه))
ثم تساءل أحمد مستفزا (( تفتكروا هتقدروا تكونوا عن حسن ظن مصر بيكم ؟؟))
هتف الجميع بالايجاب وقد علت الحماسه مرة أخري ، فبدأ أحمد بسعاده في شرح بعض الامور الفنيه كممرات الطيران الامنه وطرق الاقتراب من الهدف فقاطعه عمر (( احنا خلاص حفظنا الطريق من كتر ما اتدربنا علي الهدف )) فتابع احمد وأكد ان ثقه مصر في رجال السرب لا حدود لها لذلك فهم سيكونون اول من يعبر القناه بهدف فتح الطريق لبقيه الطائرات ، فرد عليه طارق (( والله لو الامور تعقدت لاكون داخل بطيارتي في مركز القياده مدمره ))
أحمد مقاطعا بحسم (( احنا تدربنا علي ضرب الهدف اكتر من خمسين مرة ومفيش بأذن الله اي تعقيدات وإن شاء الله زي ما طلعنا مع بعض هنرجع كلنا ، لان ثقتي فيكم ملهاش حدود))
الهبت كلمات احمد مشاعر الرجال المشتعله فزادتها حماسه وإصرار ، فأكمل احمد شرحه ((وقبل اخر ضوء هتحصل ضربه تانيه لنفس الاهداف ، لكن دورنا هيكون من لحظه رجعونا من الضربه الاولي هو الدفاع الجوي والقتال الجوي فقط ، فبعد اول طلعه ، هنرجع بأذن الله ونحمل صواريخ عشان الرد الجوي الاسرائيلي هيكون عنيف جدا، وهنكون في طيارتنا جاهزين ومستعدين ))
وتساءل خالد عن توقيت الهجوم ، ورد أحمد (( بأذن الله هنكون فوق نقطه التجمع الساعه اتنين واربع دقايق بالضبط ودي تعليمات القياده ، عشان نتجمع مع بقيه الاسراب في نقطه واحده ونقودهم الي داخل سينا ، وهتعدي طياراتنا من عده ممرات علي الجبهه وتحت أي ظرف لازم نلتزم بالممرات دي والا الدفاع الجوي المصري هيضرب علينا)) ثم أمر الطيارين بالانصراف والاطمئنان علي طائراتهم ، فخرج الطيارين في الساعه الثانيه عشر واربعين دقيقه يجرون فرحا نحو طائراتهم ، قابلهم فرح مماثل من بقيه الطيارين بالمطار والذين عرفوا الخبر منذ لحظات أيضا ، فأحتضن الطيارين بعضهم البعض في سعاده فرحين ، وهم يهتفون بأسم مصر عاليا ،ثم انصرفوا الي دشم طائراتهم في سعاده يزفون الخبر الي الفنيين الذين قابلوا الخبر بسعاده لا توصف ، وعلي الفور شرع كل طيار وطاقمه الفني في تأكيد جاهزيه طائرته واستعدادها التام
وفي الساعه الواحده وعشرين دقيقه جمع احمد طياريه ملقنا أياهم التلقين الاخير ، ولم يكن يختلف عن سابقه في شئ ، فقد كانت الاشارات من مركز العمليات تدل علي ان كل شئ طبيعي ،كما أستمع الرجال الي البيان العسكري الاول وهو بيان وهمي الذي أشار الي قياه القوات الجويه الاسرائيليه بقصف مواقع مصريه علي خليج السويس ، وكان هذا البيان اشارة تأكيد علي ان عجله الحرب قد دارت بالفعل
وبنظرة ثاقبه مليئه بالثقه صافح احمد طياريه بقوة ، وأحتضن كل منهم مبلغا أياهم بفخرة بالعمل مع رجال لهم هذا المعدن الصلب والتفاني والتضحيه ، ثم طلب احمد منهم سرعه التوجه للطائرات مرة اخري حيث سيمر علي كل طيار للتأكد من جاهزيته .
وفي الواحده وخمس وخمسون دقيقه بدأت الطائرات في الخروج من الدشم الواحده تلو الاخري ، حيث سيلقع السرب 77 ومن خلفه تشكيل طائرات اليوشن 28 القاذفه المتوسطه ، ووسط نشاط الطائرات علي الممر كانت عيني أحمد تتابع من داخل كابينه الطائرة، طائرات سربه تتحرك في تناغم حتي اصطفت الطائرات الست علي اول الممر منتظرة الاذن بالاقلاع .
تحدث احمد في اللاسلكي (( دي يارجاله اللحظه التي انتظرناها ست سنين ، أفتكروا كل شهيد ضحي بنفسه في سبيل مصر ، أفتكروا زملائنا جمال شفيق وشريف المصري اللي واجهوا العدو بكل قوة ومخافوش من الموت – يا رجاله دي اللحظه التي هنحرر فيها سينا – قلوب وعيون ملايين المصريين والعرب منتظرة اللحظه دي ، منتظراكم تحققوا نتائج قويه عشان نمسح عار 67، أفتكروا أطفال بحر البقر وعمال مصنع ابو زعبل ، والاهم افتكروا اهالي كفر نور اللي وعدانهم اننا هناخذ بتارهم ))
وبداخل كابينه كل طائرة دار عقل الطيار بحماس مع ذكريات ست سنوات مضت من الهزيمه والعار والقتال والموت المحيط بكل منهم ،وأعداد الضحايا الذين ضحوا في سبيل هذا اليوم المشهود ، وكم مني كل منهم نفسه بتلك اللحظه التي يعبرون فيها القناه لقصف العدو فاتحين الباب اما جيشين مصريين كاملين لعبور القناه واستعاده مجد وشرف أمه هزمت في غفله من الزمن ، وها هم يبدأون في الاخذ بثأر شعب وأمه كامله ، وبينما العقول تعمل كمحركات طائراتهم ، أنطلقت الخرطوشه الخضراء معلنه الاذن بالاقلاع ، وتعالي صوت احمد في اللاسلكي
(( علي بركه الله – الله أكبر)) وتعالي وراءة صوت تكبير الطيارين.
أنطلقت الطائرات تشق عنان السماء متخذه المسار الذي حُدد بدقه وكفاءة وعلي ارتفاع منخفض ، ومع مرور الثوان بدأت السماء تمتلئ بالطائرات المصريه بأختلاف انواعها تتجمع من مطاراتها المختلفه ، فتابع الجميع تشكيلات السوخوي القاذفه وتشكيلات الميج 17 وتشكيلات الميج 21 للحمايه ، وتشكيلات اخري من طراز الهوكر هنتر العراقيه الشقيقه تلتحم مع شقيقاتها المصريه في روعه وتناغم كبير ، كان منظرا رائعا لهذا العدد الكبير من الطائرات وهي تلتحم في تشكيل واحد ، فملئ الفخر والثقه كل خليه من خلايا الطيارين الشجعان ،وكما خُطط تماما ففي الدقيقه الرابعه من الساعه الثانيه وصلت الطائرات الي نقطه التجمع الرئيسيه ليلتحم معها تشكيل أخر قادم من مطار أخر بعيد ، عشرات الطائرات تلتحم في تشكيلات رباعيه وهي تتجه غربا وبداخل كل طائرة نسر جارح قاتل، وحش كاسر يريد الفتك بعدوة بلا رحمه
في تلك اللحظه يسمع أحمد نداء شفريا (( الاشباح تقود الطريق )) فيرد أحمد بالعلم ، ويأمر طياريه بفتح الحارق اللاحق لزياده سرعه الطائرات للقصوي، وبينما بوصله الطائرات تشير الي الشرق والي سيناء بالتحديد ، يبتعد السرب عن بقيه التشكيلات الاخري رويدا رويدا ، وكما تدرب الطيارون فقد طاروا علي ارتفاع منخفض ، ومن الكابينه كان يمكن رؤيه الوحدات البريه المصريه وطوابير الدبابات وقطع المدفعيه ،تستعد للحظه العبور في مشهد لا يمكن لاحد ان يتصورة في سيمفونيه من مليون جندي مصممين علي الثأر
الصمت بين الطيارين يغلف الاجواء لكن العقول تعمل في ضخب فها هي القناه تقترب ، ذلك الخط الازرق وسط صفرة الصحراء هو ما يقف بيننا وبين النيل من ذلك المحتل الغاصب لارضنا ، هذه المياه التي سيمر عليها بعد قليل خير اجناد الارض كافه ليردوا كرامتهم امام العالم .
وعلي الارض بينما الجنود في جديه يملئون قواربهم بالهواء تمهيدا للعبور ، يسمع احد الجنود صوت طائرات تقترب ، فيسأل قائده في قلق وخوف (( ننزل الدشمه يا فندم ؟؟ شكلها طيارات يهودي ))
فيصمت القائد الشاب وينظر الي تلك الطائرات المقبله من الغرب قائلا وهو يبتسم (( دول نسورنا ))
ووسط صمت مطبق علي ضفه القناه يعبر سرب الاشباح فوق رؤوس الجنود مطيحا بست سنوات من الانتظار والترقب وواضعا أمل وحماسه لا حدود لهما في قلب كل جندي وعلي الارض يشاهد نسور مصر يعبرون القناه في شجاعه وثقه متجهين نحو اهدافهم ، فتتعالي الجبهه في وقت واحد وبصوت رجل واحد
(( الله أكبر )) ، ويبتسم القائد الشاب وهو ينظر لجنوده في حماس ويساعدهم في ملئ القوارب بالهواء.
وفي الثانيه والدقيقه الخامسه يدوي صوت احمد في غرفه عمليات القوات الجويه
(( الاشباح عبرت القناه )) قالها احمد في ثقه وهدوء تام ، وبعد ثوان تنخفض الطائرات اكثر ، فالطريق امامهم خال من العوائق كما تدربوا وخططوا لتلك اللحظه و ينقرد محمد بالمقدمه كما خُطط تماما ويلقي بخزان الوقود الاضافي لزياده سرعته وتتزايد المسافه بينه وبين زملائه بسرعه
كانت عيني احمد تنظر من ان لاخر الي طياريه في طائراتهم مطمئنا عليهم ، ثم باشارة اخري من يدة بدأ السرب في ابطاء سرعته تاركين لمحمد فرصه لقصف رادار موقع الهوك المدافع عن مركز القياده
(( النسر الاصلع – الهدف علي مرمي البصر ))
رد احمد (( ربنا معاك ))
وبعد ثانيه واحده يصل صوت محمد حاملا كارثه لاحمد وللجميع (( المحرك وقف !!!! ))
ثم اعقب ذلك لحظه صمت يعقبها صوت احمد (( أفد يا نسر عن اصابتك ))
محمد (( المحرك وقف ومش راضي يدور تاني – انا محتفظ بسرعتي لسه ))
عم الارتباك عقول الجميع في السماء وفي غرفه العمليات بقياده القوات الجويه
وبعد ثانيتين يصل صوت محمد مرة اخري (( النسر الاصلع سيؤدي واجبه حتي الموت – الطريق سيفتح بأي شكل – أشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله - الله اكبر وتحيا مصر ))
ثم لحظه صمت يعقبها انفجار علي الافق يراه احمد من طائرته بوضوح فيأمر رجاله بالاستعداد وبكل حزم يقول (( هنضرب الهدف باي تمن )) ويرد الطيارين متجاوبين بحماسه بعد ان اعدوا اسلحتهم للضرب
ويظهر مقر القياده الاسرائيلي علي الافق وقد غلف الدخان السود سماءة ، وبنظرة خاطفه يلمح طارق رادار بطاريه الهوك يحترق وقد دمر تماما وسوي بالارض ، فيردد بحماس (( الطريق مفتوح يا فندم محمد دخل بطيارته في الرادار )) ومع قمه التركيز يضع احمد الهدف في دائرة الضرب وهو يردد (( الله اكبر- الله اكبر )) ثم يسقط قنابله ، ومن خلفه عمر ثم خالد ووليد في تناغم ، وتتعالي اصوات الانفجارات مدويه في الموقع الذي بدأ كل شبر فيه يحترق من جراء الاصابات الدقيقه ، ويؤكد طارق الاصابات ، ويأمر أحمد بعمل دورة قصف أخري مستخدمين الصواريخ ، وترتفع الطائرات وتقوم بعمل دورة رأسيه وتتخذ زاويه ضرب مطلقه صواريخها وهي تتجه غربا تاركه من خلفها اعمده الدخان الاسود تشق عنان السماء ، التحمت الطائرات في السماء عائده والصمت والسعاده تغلف كل منهم حتي أقتربت القناه مرة اخري وظهرت قوارب المشاه تهم بالنزول للعبور
وبينما طائرات السرب تتجه لمطارها ، أحس احمد بانه اصبح حرا طليقا ، خفيفا كالريشه بعد أن أرضي ضميرة وبدأ يأخذ فعليا بالثأر لاخوانه وزملائه ، لحظتها فقط ملئت الراحه جوانبه وعاد البريق لعينيه بعد ان غاب ست سنوات كامله
وفي غرفه عمليات القوات الجويه يأتي صوت أحمد عاليا مسموعا لكل من بها
((سرب الاشباح نفذ مهمته بنجاح – تم تدمير الهدف – خسرنا طائرة واحده - النسر الاصلع أستشهد – تحـــيا مــصـــــــــر))
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى